البرهان على عدم تحريف القرآن

السيد مرتضى الرضوي

البرهان على عدم تحريف القرآن

المؤلف:

السيد مرتضى الرضوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٤

مميّزات هذا التفسير

وهو يمتاز على ما ذكرناه من التفاسير المعاصرة بمميّزات كثيرة سنعرضها على القارىء فيما يأتي :

أمّا مؤلّف هذا التفسير الجليل فهو العلّامة الجليل السيد عبد الله بن السيد محمّد رضا شبر الحسيني ، من فرع الدوحة المحمّديّة الشريفة ، وهو حسينيّ النّسب.

وقد أشار إلى نسبه هذا في سند إجازته لرواي مؤلفاته العلامة محمد تقي الكاشف.

وقد تلقى علومه ـ في أوّل نشأته ـ على السيد والده محمّد رضا شبر ، كما درس على عالم عصره السيد محسن الأعرجي صاحب «المحصول» و «الوسائل».

ومن أجلّاء شيوخه الذين أجازوه الإجازة بمرويّاتهم ، ومؤلّفاتهم وبالتدريس : العلامة الشيخ جعفر النجفي صاحب كتاب : «كشف الغطاء» في الفقه الجعفري ، وهو جدّ الحبر العلّامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء صاحب المؤلفات العديدة القيّمة ، ومؤلف كتاب : «أصل الشيعة وأصولها» وكتاب : «المثل العليا في الإسلام».

كما تتلمذ على العلامة الحسيب السيد علي الطباطبائي صاحب : «الرياض».

ولصاحب هذا التفسير مؤلفات عديدة ضخمة تبلغ السبعين كتابا ـ ذكرت بالتفصيل في أثناء ترجمة المؤلف من الصفحات التالية.

هذا عدا الكثير من المجلدات المطوّلة التي يشتمل عليها كلّ كتاب منها ، وقد كانت كلّ هذه المجلدات من الإفاضة والإسهاب بحيث

٣٢١

لو قسّمت أجزاؤها على سنيّ حياته التي لم تتجاوز أربعة وخمسين عاما لكانت تبلغ نحو كراسة عن كل يوم ولذلك لقّبه أهل عصره «بالمجلسي الثاني».

ومن أشهر مؤلفاته المطوّلة :

كتابه : «مصابيح الظلام في شرح مفاتيح شرايع الإسلام».

ومنها : كتابه : «جلاء العيون في ترجمة أحوال النبي والأئمة عليهم‌السلام» (١).

ومن مؤلفاته التي نحا فيها نحو الأئمة من أعلام الشيعة كتابه : «أعمال السّنة». ألّفه على نمط «زاد المعاد للعلامة المجلسي الأول».

ومن مؤلّفاته التي استرعت التفاتي : «رسالة حجيّة العقل ، وفي الحسن والقبح العقليّين».

ومن عنوان هذا الكتاب ـ الرسالة ـ نستخلص امتزاج العلوم العقليّة والعلوم النقلية في منهج هذا الإمام المفسّر الجليل.

وهو نهج عرف به علماء الشيعة منذ الصدر الأول من الإسلام ، وهو عين النهج الذي تلقفه عنهم رؤوس المعزّلة ، وزعماء علم الكلام.

وقد أشرت إلى ذلك في كثير من المقدمات العلميّة التي صدّرت بها بعض كتب أعلام الشيعة (٢) وفيها عقدت الموازنة بين الحياة العقلية

__________________

(١) طبع هذا الكتاب الطبعة الأولى منه في النجف الأشرف ـ العراق وطبع ثانيا بالأوفست في طهران ـ إيران.

(٢) انظر مقدمة كتاب : «عقائد الإمامية» (١) المطبوع للمرّة الثانية بالقاهرة عام ١٣٨٩ ه‍ وطبع بحجم كبير بالنجف الأشرف ـ العراق عدّة طبعات ، ومقدمة كتاب : «الإمام الصادق والمذاهب الأربعة» (٢) للعلامة الكبير الشيخ أسد حيدر وطبع هذا الكتاب في العراق ولبنان

٣٢٢

عند الشيعة ، والحياة العقلية عند المعتزلة ـ وعلّلت في ذلك الصلة القديمة بين التشيع والاعتزال منذ الصدر الأول من الإسلام ، وهو أمر لا يضير الشيعة في شيء ، بل العكس من ذلك يضفي على تاريخهم لونا من ألوان النضج الفكري ، وينفي عنهم ، ما يزعم الخصوم ، والأعداء من صفات الخرافيّين ، وسمات الحشويين.

وقد جاء في ترجمة المؤلف ، وفي ثبت مؤلفاته أن له تفسيرات ثلاثة للقرآن الكريم ، وهي : الكبير ، والوسط ، والصغير.

وذكر في موضع آخر من قائمة مؤلفاته :

«التفسير الوجيز» وهو مجلد.

ومن هنا نستنبط طول باعه ، وسعة اطلاعه ، وما بلغه من دقّة ، ودرايه ، وممارسة لهذا الفن الرفيع من علوم الشريعة.

__________________

ـ وطبع في إيران أكثر من مرّة بعد الثورة الإسلامية ، ومقدمة كتاب : «الشيعة الإمامية» (٣) للعلامة الكبير السيد محمد صادق الصدر والطبعة الثانية منه عليها تعليقنا وطبعت بمصر وأعدنا طبعها بالأوفست في السنة الخامسة بعد الثورة الإسلامية المباركة في إيران. ومقدمة «بحث حول المهدي» (٤) لآية الله الشهيد الصدر طاب ثراه ومقدمة كتاب : المراجعات (٥) للإمام شرف الدين العاملي قدس‌سره الطبعة السابعة عشرة منه طبعناها في مطبعة دار العلم للطباعة بمصر والطبعة العشرون منها طبعناها في مطبعة الكيلاني بالقاهرة. ومقدمة كتاب : «عبد الله بن سبأ» (٦) للعلامة المحقق السيد مرتضى العسكري والطبعة الثانية منه طبعناها بالقاهرة بمطبعة الحاج محمد حلمي المنياوي ومقدمة كتاب : «الصحابة في نظر الشيعة الإمامية» (٧) طبعناه عام ١٤٠٥ ه‍ في عهد الثورة الإسلامية في إيران. ومقدمة كتاب : «أحاديث أم المؤمنين عائشة» (٨) للعلامة المحقق السيد مرتضى العسكري ، ومقدمة كتاب : «الصراع بين الأمويين ومبادىء الإسلام» (٩) للأستاذ الكاتب الشهير الدكتور نوري جعفر وطبعنا هذا الكتاب بمصر ومقدمة كتاب «تحت راية الحق» (١٠) للأستاذ العلامة الشيخ عبد الله السبيتي وطبعناها في الكتاب بمصر بمطبعة التوفيقية بالأزهر الشريف ومقدمة كتاب : مع رجال الفكر (١١) لمؤلف هذا الكتاب وقد طبعت بمصر في الطبعة الرابعة منه في أول الجزء الأول من الكتاب وقد جمعت هذه المقدمات كلها بعد أن قدم له الدكتور حامد مقدمة وطبعت باسم : «نظرات في الكتب الخالدة» بمطبعة دار المعلم للطباعة بمصر عام ١٤٠٢ ه‍.

٣٢٣

وقد أحسن «السيد مرتضى الرضوي» صاحب مكتبة النجاح بالنجف الأشرف ـ العراق الشقيق في اختيار نشر وطبع هذا التفسير الجليل لينتفع به العالم الإسلامي ـ دون غيره من تفاسير العصر الحديث.

ونعني بالعصر الحديث في عرفنا نحن مؤرّخي الآداب : الامتداد الزمنيّ الّذي يبدأ من مطلع القرن الثالث عشر الهجري ـ تقريبا ـ إلى اليوم.

أما وجه الحسن الذي تعنيه ، فإنه يدور حول منهج المفسّر ـ العلامة شبّر ـ حيث جمع في تفسيره بين الدقة في أداء المعنى ، والإيجاز في إرسال العبارة وتحريرها على غاية الدقة.

ولا زلنا نسمع في مجالس العلم ـ حتى اليوم ـ كلام العارفين بفنّ التفسير حول : «تفسير الجلالين» وإعجابهم به حين يذكرون أنّه للمنتهين ، وليس للمبتدئين ، ويعنون بذلك : أنّ ألفاظ الجلال السيوطي ، والجلال المحلّي فيما جاءا به من تفسير آيات القرآن الكريم أشبه بالمفاتيح والمصطلحات العلمية التي تقع تحتها معان كثيرة ، تستغرق في تفصيلها مجلدات ضخمة.

وإذا كنا نؤيّدهم في هذا الحكم فإن تفسير «العلامة السيد عبد الله محمد رضا شبر» قياسا على المنهج الذي سلكه : يعتبر للمنتهين وللمبتدئين جميعا.

أمّا عن كونه للمنتهين ، فلأنه غاية في التركيز ، والحرص على إيراد مصطلحات علم التفسير.

وأمّا عن كونه للمبتدئين ، فلأنّه جاء في أسلوب سهل ميسّر ، يجمع بين الوقوف على معنى الآيات لما فيه من الوضوح والبيان.

وميزة أخرى انفرد بها تفسير هذا الإمام ، وهي عنايته المستقصاة

٣٢٤

بالأداء القرآني في وجوهه المرويّة عن السلف ، والمعروفة عند علماء القراءات.

فلا يكاد يرد أمامه لفظ من القرآن الكريم حتى يذكره في هامش التفسير مع ما له من وجوه القراءات عند علماء التجريد.

ومن ذلك استطاع «المفسر رحمه‌الله» أن يجمع في تفسيره بين قراءة الإمام حفص ، وقراءات غيره من القرّاء.

ومبلغ علمي أن «المفسّر رحمه‌الله» بلغ في هذا المنهاج مبلغا لم يدركه فيه «العلّامة النسفي» على الرغم من أنّه من المفسّرين الذين عنوا بإبراز وجوه القراءات ، والمتخصّصين في هذا العلم من التفسير.

وفي ديباجة مقدمة «هذا التفسير» أشار المؤلف إلى كرامة بيت النبوّة وأصالة معدنهم في المعارف الأخروية والدنيويّة ، وأنّه استقى من نورهم جواهر تفسيره.

وحين نتصفّح هذا التفسير نلحظ بعين الفاحص المدقق أنّ «المفسّر رحمه‌الله» وفى بما وعد ، وأسند جواهر تفسيره ، وجيد آرائه إلى معينه الأصلي من علوم الأئمة الأثني عشر.

ولا سيّما الإمام الأول ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ والإمام السادس ـ أبي عبد الله جعفر الصادق ـ صاحب المذهب الجعفري وحامل لواء فقه آل البيت عليهم‌السلام.

والعالم بهذا الفن يدرك لأوّل وهلة دقة «المفسّر» وإمساكه بخطام هذه الصّناعة وجمعه لأدوات المفسّر.

ولعلك وأنت تقرأ تفسير الفاتحة في تفسيره هنا وتوازن ذلك بما جاء في «تفسير الجلالين» تقف بنفسك على قدرات «المفسّر» ولا سيّما في الأصول اللّغويّة حين يردّ لفظ الجلالة «الله» إلى أصله

٣٢٥

اللّغوي ، وحين يفرق ـ في حصافة منقطعة النظير ـ بين معنى اسمه تعالى : «الرحمن» واسمه تعالى : «الرحيم».

وحين لا يكتفي بالفروق اللّغويّة فيزيدك إيضاحا من نصوص ، وأدعية مرفوعة إلى أهل البيت النبوي.

وهو في ذلك كلّه سهل الجانب ، معتدل العبارة ، يسوقها في حماس العالم ، وليس في ثورة المتعصّب.

كما لا ينسى وهو يفسّر أن يشرح الآية بآيات أخرى ، وأن يذكر سبب النزول كلما دعا الأمر إلى ذلك وكان عونا له على توضيح المعنى المطلوب من الآية.

وهكذا نلحظ هذا الصّنيع في سائر عبارات التفسير الجليل.

وقد اعتدنا نحن معاشر المؤلفين أن نعرف عن الناشرين ـ من حيث عملهم الأساسي في صناعة النشر والدقّة في إخراج الكتب التي ينشرونها في صورة أنيقة تليق بجلال التأليف ، وشخصيّة المؤلف.

ولكنّي لاحظت في هذا التفسير أن «السيد مرتضى الرضوي» لم يكتف بواجبه كناشر ، كما لم يكتف بإبراز «هذا التفسير» في الصورة اللائقة به فحسب وإنّما تخطّى ذلك ووقف من هذا «السفر الجليل» موقف الناشر العالم العارف بقيمة ما ينشره ، وهو الموقف الّذي يؤهله مستقبلا ليكون قدوة لغيره من الناشرين المعنيّين بالمكتبة العربيّة في العالم العربي كلّه فقد أضاف ـ مشكورا ـ إلى هذه الطبعة وهي الطبعة الثانية إضافات لم تكن موجودة في الطبعة الأولى ، ممّا زاد من رونق هذا التفسير الجليل وقيمته ...

ويسرّني أن أنوّه في ختام هذا التعريف أنّ النّاشر ـ وقد عهد بتحقيق هذا التفسير إلى المتخصصين في خدمة التراث الإسلامي ـ قد أسدى

٣٢٦

إلى هذا التفسير الجليل خدمات علمية جليلة يسّرت على قرّائه سبيل الجمع بين التفسير والمصحف العثماني وبعض ما يتصل بهما من علوم القرآن الكريم.

٣٢٧
٣٢٨

آراء شخصيات إسلامية معاصرة عن الوحدة

بين الشيعة والسنة

محمّد فريد وجدي (*)؟!!

من كبار المفكرين بمصر

في التجمّع الإسلامي

أدرك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الإصلاح الّذي أراده الله للعالم لا يقوم إلّا بواسطة أمّة تصدّق في القيام به ، وتنشره في آفاق الأرض ولو كانت تبقى منزوية في حيزها فلا يمكن أن تؤدّي مهمّتها العالميّة فصرّح بذلك في قوله :

«الإسلام أحوج إلى الجماعة ، من الجماعة إلى الإسلام».

وهو قول يدّل على نظرة عميقة في فلسفة الاجتماع ، وكانت هذه الفلسفة لم توجد بعد ، فوجّه كلّ همته لبناء المجتمع الإسلامي بحيث لا يعتريه الاحتياج أجيالا متعاقبة ، حتّى يتمّ ما ندب إليه من إذاعة كلمة

__________________

(*) محمد فريد بن مصطفى وجدي ، عالم ، حكيم ، كاتب ، صحافي ، ولد (عام ١٢٩٢ ه‍) ونشأ بالإسكندرية ، وأقام في دمياط ، وانتقل إلى السويس ، فأصدر لها مجلة الحياة ، وسكن القاهرة ، فعمل في وظيفة صغيرة بديوان الأوقاف ، ثم أنشأ مطبعة أصدر بها جريدة الدستور اليوميّة ، ثم الوجديّات وهي شبه مجلة أسبوعية ، وتولّى تحرير مجلة الأزهر وإدارتها ، وتوفي بالقاهرة عام ١٣٧٣ ه‍ من تصانيفه الكثيرة : دائرة معارف القرن العشرين ، على إطلال المذهب المادّي ، الإسلام دين عام خالد ، الفلسفة الحقة في بدائع الأكوان ، صفوة العرفان في تفسير القرآن. (معجم المؤلفين عمر رضا كحالة : ١١ / ١٢٦ ط. بيروت).

٣٢٩

الله الفاصلة للعالم كافة ، فجاء من أقواله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المؤاخاة بين آحاد المسلمين ، وفي وجوب تضامنهم ، وتضافرهم ، حتّى يصبحوا كرجل واحد تحرّكه إرادة واحدة ، قوله :

«مثل المؤمنين في توادهم ، وتراحمهم ، كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى».

«من لم يهتمّ للمسلمين فليس منهم».

«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا».

«لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه».

«من فارق الجماعة شبرا فمات ، فميتته جاهليّة».

ولمّا كانت همّة المسلمين الأوّلين منصرفة بعد استقامة عقيدتهم ، إلى العبادة ، والتقرّب إلى الله ، بيّن لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ السّهر على صيانة الاجتماع الإسلامي أفضل من سائر العبادات التي كانوا يقدّسونها ويعتقدون سموّها ، فقال في هذا الباب :

«نظر الرجل لأخيه على شوق ، خير من اعتكاف سنة في مسجدي هذا».

«إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصوم».

«من قضى لأخيه المؤمن حاجة فكأنّما خدم الله عمره».

«من مشى في حاجة أخيه ساعة من ليل ، أو نهار ، قضاها ، أو لم يقضها ، كان خيرا له من اعتكاف شهرين».

«ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة ، والصّيام ، والصدقة؟

قالوا بلى ، قال :

٣٣٠

إصلاح ذات البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة» ..

ولم يكتف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا فقرّر لهم أنّ العمل على تقوية الاجتماع يقي من عذاب يوم القيامة ، وعذابها تقشعرّ من سماعه الأبدان. فقال :

«من زحزح عن المسلمين شيئا يؤذيهم ، كتب الله له به حسنة ، ومن كتب الله له حسنة أوجب له بها الجنّة».

«من أقرّ عين مؤمن ، أقرّ الله عينه يوم القيامة».

«إذا التقى المؤمنان فتصافحا ، قسمت بينهما سبعون مغفرة ، تسع وتسعون لأحسنهما بشرا» ..

كل هذه الأحاديث وكثير من أمثالها ممّا ليس له نظير في دين من الأديان ، ولا جاء على لسان واحد من المصلحين الاجتماعيّين ، جعلت من جماعة المسلمين أمّة كرجل واحد.

وإذا بلغت أمة هذا الحدّ من التضامن ، والتعاون فلا يمكن أن تنحل ، أو تختل بتأثير الحوادث العادية ، ويكون لا بدّ لحدوث ذلك الانحلال من عوامل أقوى منها تتنزّل من ضعف إيمانها بصدد الوصايا التي ذكرت بعضها في هذه العجالة ، وطروء الضّعف على هذا المصدر يصعب في قرن أو قرنين ، وعوامله أكثرها علميّة ، أو فلسفية تطرأ على شكل شبهات ، وهي لا تحدث في الأمم إلّا بعد أن يبلغ العلم فيها أشدّه بعد عدّة أجيال ، أي بعد أن يكون الغرض المقصود من التبليغ العام قد تمّ وأحدث في العالم ثمراته المرجوّة ، وهذا هو الّذي حدث فعلا ، فبعد أن أتمّ الإسلام تأليف أمّته المثالية في مدّة من الزمن لا تكفي لتأليف قبيلة ، وبعد أن قامت هذه الأمّة المثالية بإحداث الانقلابات الاجتماعية ، والتطورات الفكريّة ، والتوجيهات الأدبيّة في

٣٣١

الأمم كافة ، وبعد أن أصبحت حجة الله قويّة بل بدهية ، استوى العالم كلّه إزاءها فمن استهدى بنورها ، وسار على سمتها ، بلغ الغاية ممّا خلق له ، ومن تنكبّها وسلك غير سبيلها فقد حقّت عليه كلمة الله وأصبح من النادمين.

(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ، وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(١).

__________________

(١) دعوة التقريب ص ٣٤٣ ، ٣٤٥ طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.

٣٣٢

محمّد محمّد المدني؟!!

رئيس قسم العلوم الإسلاميّة بكلّية دار العلوم بمصر

ولقد نشط أعداؤنا في العصر الحديث نشاطا جديدا قوامه الادّعاء بأن الثقافة الإسلامية لا تصلح غذاء للعقول في هذه العهود ، عهود المدنيّة والحضارة والصّواريخ ، والفضاء ، والكواكب ، ووجد هذا النشاط في الصدّ عنها إقبالا من الشباب ، وتراخيا من الكهول ، فانصرفت عنها العقول أو كادت.

ومن ثمّ نرى الأصول الإسلامية مهدّدة أيّ تهديد في هذا العصر :

مهدّدة من الجهل بها ، ومهدّدة من التعصّب عليها ، ومهدّدة من طابع الحياة الحديث الّذي يكره الأناة ، ويؤثر السّرعة.

فهل يمكننا مع هذا أن نحتفظ بخلافاتنا ، وأن نقضي الحقب الطوال ، والجهود المضنية في تحقيق مشكلة الصّفات ، أو مشكلة التجسيم بين المجسّمة والمنزّهة ، أو مشكلة الخلافة ومن هو أحقّ بها بين الشيعة والسّنة؟؟

هل يمكننا أن نشغل أوقاتنا وعقول شبابنا وكهولنا بالبحث في نظر وجوب الصلاح ، والأصلح على الله أو عدم الوجوب ، أو نظرية خلق

٣٣٣

أفعال العباد ، أو نظرية جواز تعذيب المطيع ، وإثابة العاصي ، ونحو ذلك.

وهل ينتظرنا العالم الصاعد بركبه الحضاري إلى آفاق السّماوات حتّى نفرغ من خلافاتنا حول هذه المسائل وأمثالها؟

لا شك أنّه لم يعد مجال لمثل ذلك ، وأنّه إذا كان الأوّلون قد وجدوا وقتا وجهدا ، وسعة في آفاق التفكير أباحت لهم هذا اللون من الرفاهيّة العقلية ، فإنّنا الآن نعاني ظروفا غير تلك الظروف ، يجب أن نقاسي معها ألوانا من التقشّف ، ومن أوّل ذلك وأولاه أن ننصرف عن هذه الخلافات ، وننسى هذه العصبيّات ، ونذكر فقط أنّنا مسلمون ، ديننا واحد ، وربنا واحد ، وكتابنا واحد ، ورسولنا واحد ، وأهدافنا في الحياة واحدة ، وأعداؤنا هم أعداء لنا لا بحكم أنّنا شيعة أو سنّة ، ولكن بحكم أنّنا مسلمون تجمعنا أهداف الإسلام ، وأصول الإسلام ١.

القاهرة في ربيع الأول سنة (١٣٨٦) هجرية.

يوليو سنة (١٩٦٦) ميلادية.

محمد محمد المدني.

٣٣٤

الشيخ محمّد محمّد الفحّام (*)

شيخ الأزهر

قلت لفضيلته (١) :

لقد أفتى سلفكم المرحوم الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية (٢) فما رأي فضيلتكم في ذلك.

فقال : الشيخ محمود شلتوت أنا كنت من المعجبين به ، وبخلقه ، وبعلمه ، وبسعة اطلاعه ، وتمكّنه من الّلغة العربيّة ، وتفسير

__________________

(*) الدكتور الشيخ محمد محمد الفحام : ولد في مدينة الإسكندرية في (١٨ سبتمبر عام ١٨٩٤ م) وتخرّج في الأزهر (عام ١٩٢٢ م) وعيّن عضوا في مجمع الّلغة العربية بالقاهرة ، وعيّن عميدا لكليّة اللّغة العربيّة عام ١٩٥٩ م ، وتولّى رئاسة الأزهر الشريف في ١٧ سبتمبر عام ١٩٥٩ م ، وعيّن رئيسا لموسوعة الفقه الإسلامي (عام ١٩٧٠ م).

من آثاره : رسالة في (الموّجهات) في المنطق ورسالة الدكتوراه «معجم عربي فرنسي في مصطلحات النحو والصّرف» وهو بحث كتب عن سيبويه وابن الحاجب والشيخ خالد الأزهري ، والسيرافي. وله بحوث كثيرة نشرت في مجلة منبر الإسلام ، ومجلة الأزهر وغيرهما من المجلات والصحف وله بحوث مخطوطة في مواضيع متعددة في اللّغة ، والشريعة الإسلامية نحو مئتي بحث. (مع رجال الفكر في القاهرة للمؤلف).

(١) حوار المؤلف مع الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر السّابق بمنزله بالقاهرة (عام ١٣٩٥ ه‍).

(٢) تقدم نص الفتوى مصوّرا بالزنكو غراف قبل صفحات فراجع.

٣٣٥

القرآن ، ومن دراسته لأصول الفقه وقد أفتى (١) بذلك فلا شكّ أنّه أفتى فتوى مبنيّة على أساس في اعتقادي ..

ونرجو الله أن يوفّق المسلمين ، ويؤلف بين قلوبهم ففي هذا التآلف ، والتقارب ، والتحابب خير كثير للمسلمين جميعا وخاصة في هذا العصر الذي عرفنا فيه إقبال كثير من البلاد الإسلامية التي لم تكن اللّغة العربية فيها شائعة عندهم (٢) على تعلّمها ونشرها ، ويتظافر على ذلك الشعوب وولاة الأمور.

وقلت لفضيلته :

بصفتكم شيخا للأزهر وقد رأستم ثلاث مؤتمرات لعلماء المسلمين ، وسافرتم إلى معظم البلاد الإسلامية ، ما رأيكم في تقارب وجهات النّظر بين أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف مذاهبها.

أجاب :

هذا أمر يجب على كلّ المسلمين أن يتعاونوا ، ويتظافروا على هذا التقارب بالسّفر والزيارات المتبادلة. بل هذا : أوّل واجب على المسلمين.

والمعروف أن المسلم هو : كل من شهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ولا يخرجه من إسلامه تمسكه بمذهب من المذاهب.

وقد استفدت ، وأفدت من زياراتي لكلّ البلاد الإسلامية استعداد الجميع لهذا التقارب ، ويحثّنا على ذلك قول الله تعالى :

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) يقصد الأستاذ إيران قبل الثورة.

٣٣٦

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا.)

فالتعارف وقد دعا إليه الإسلام من قديم الزمان ، لأن التعارف يهدي إلى التآلف ، والتآلف يهدي إلى المحبّة ، والمحبّة تهدي إلى التفاهم ، والتفاهم يهدي إلى السّلام ، والسّلام هو الغاية النبيلة التي دعا إليها الإسلام ، والإسلام دين المحبّة وهذا شعار يجب على كلّ المسلمين أن يعرفوه.

لهذا كان كثير من الأمور التي دعا إليها الإسلام ، وشرعها تدور حول محبّة الناس بعضهم بعضا (١).

__________________

(١) في سبيل الوحدة الإسلامية للمؤلف ص ٦٠ طبعة القاهرة عام ١٣٩٨ ه‍.

٣٣٧
٣٣٨

الدكتور سليمان دنيا (*)

مدير المركز الإسلامي بواشنطن

بين الشيعة والسنّة (١) :

منذ أعوام خلت كتبت رسالة صغيرة بعنوان :

«بين الشيعة والسنة» ضمّنتها أملا كبيرا ، ورغبة ملحّة في أن يتلاقى الشيعة وأهل السنة عند مبادىء الأخوة ، والمحبّة ، والمودّة والمصافاة ، ونبذ ما غرسه أعداء الفريقين في النّفوس من عوامل التفرقة والشقاق.

ودعوت إلى أن ينظر كلّ فريق إلى وجهة نظر الفريق الآخر ، نظرة العالم الذي يبحث عن الحق ، ويدرك أن الحق أحقّ أن يتّبع.

وقلت :

__________________

(*) الدكتور سليمان دنيا : درس في الأزهر الشريف وتخرّج فيه.

عين وكيلا لكلّية أصول الدين بالأزهر الشريف. وعيّن مديرا عاما للمركز الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن.

ومن آثاره : تحقيق كتاب : «تهافت التهافت» لابن رشد صدر في جزأين ، وتهافت الفلاسفة للإمام الغزالي ، منطق تهافت الفلاسفة ، الإشارات والتنبيهات وغيرها. (مع رجال الفكر في القاهرة للمؤلف).

(١) رسالة في تقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة طبعت بمصر.

٣٣٩

إنّه إذا كان الأثر الّذي توارثناه عن سلفنا الصّالح قد أكّد ضرورة الحرص على الحق أين وجد.

وأعلن : أن الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها التقطها ولو من فم كافر.

وأوضح : أن العاقل لا يعرف الحق بالرّجال ، وإنّما يعرف الحق بالدلائل ، والبراهين ، فإذا عرفه عرّف به أهله.

فقد أصبح لزاما علينا ـ نحن أبناء هذا الجيل ـ أن نحرص على الحقّ ، وأن نأخذ أنفسنا به ، وأن نجنّد أنفسنا للدعوة إليه ، وأن نجتمع حوله : غير ناظرين إلى من دعانا إليه ، وعرفنا به ، اللهمّ إلا نظرة إكبار وإعظام ، وإجلال.

ومن المسلّم به لدى العقلاء أن الأمور الّتي لم يبلغ العلم بها مبلغ اليقين ، تكون ملتقى لوجهات نظر مختلفة.

ومن المسلّم به لديهم أيضا ضرورة احترام كل واحد من الباحثين لوجهة نظر الآخرين في المسائل المتحمّلة لضروب من العراك الفكري ، حتى أنّهم ليختلفون ويكونون في ذات الوقت أصدقاء ، وأحباء ، وأصفياء.

ورحم الله من يقول : «اختلاف الرأي لا يفسد في المودّة قضيّه».

ولقد رفع الإسلام راية السماحة عاليا فقال في كتابه الكريم :

(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.)

وإذا كان الإنسان يحب لنفسه أن يستمتع بالحريّة فيقول ويعلن

٣٤٠