البرهان على عدم تحريف القرآن

السيد مرتضى الرضوي

البرهان على عدم تحريف القرآن

المؤلف:

السيد مرتضى الرضوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٤

إنّي إن شاء الله لقائم العشيّة في النّاس فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم.

قال عبد الرحمن فقلت :

يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع النّاس ، وغوغاءهم ، فإنّهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقاله يطيّرها عنك كلّ مطيّر ، وأن لا يعوها ، وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة فإنّها دار الهجرة ، والسنّة فتخلص بأهل الفقه ، وأشراف الناس فتقول ما قلت ، متمكّنا فيعي أهل العام مقالتك ويضعونها على مواضعها.

فقال عمر : أما والله إن شاء الله لأقومنّ بذلك في أول مقام أقومه بالمدينة.

قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة قال : عجّلنا الرواح حين زاغت الشمس حتّى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمسّ ركبتي ركبته فلم أنشب (١) أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل :

ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف ، فأنكر عليّ وقال :

ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله ، فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذّنون قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال :

أما بعد : فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها ، لا أدري لعلّها بين أجلي ، فمن عقلها ، ووعاها ، فليحدّث بها حيث انتهت إليه

__________________

(١) نشب بعضهم في بعض : أي دخل وتعلّق. يقال : نشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص منه ، ولم ينشب أن فعل كذا : أي لم يلبث. راجع : (النهاية لابن الأثير : ٥ / ٥٢).

٢٠١

راحلته ، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ :

إنّ الله بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل آية الرجم فقرأناها ، ووعيناها ، رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله.

والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال ، والنساء إذا قامت البيّنة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف.

ثم إنّا كنا نقرأ من كتاب الله :

أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم (١) أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، ألا ثم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم ، وقولوا عبد الله ورسوله ... الخ (٢).

وأخرج الزمخشري عن زر قال : قال لي أبي بن كعب (رضي الله عنه) :

كم تعدّون سورة الأحزاب؟

__________________

(١) إلى هنا ذكره الطبري في تاريخه : ٣ / ١٩٩ ضمن حديث السقيفة في حوادث السنة الحادية عشر لطبعة الأولى طبع المطبعة الحسينيّة بمصر عام ١٣٢٦ ه‍ وأورده الإمام أحمد في المسند : ١ / ٥٥ من الطبعة الأولى طبعة القاهرة.

(٢) صحيح البخاري مشكول : ٤ / ١٧٩ باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت. وأورده القسطلاني في (إرشاد الساري) في نفس الباب ١٠ / ٢٠ ، ٢١ من الطبعة السادسة مطبعة الأميرية ببولاق مصر (عام ١٣٠٥ ه‍) ، وأورده ابن الأثير الجزري في (جامع الأصول) : ٤ / ٤٧٥ ، ٤٧٨ رقم الحديث ٢٠٧٧ طبع مصر وأشرف على الكتاب الأستاذ الكبير الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الجامع الأزهر (عام ١٣٧٠ ه‍).

٢٠٢

قلت : ثلاثا وسبعين آية.

قال : فو الذي يحلف به أبيّ بن كعب إن كانت لتعدل سورة البقرة ، أو أطول ، ولقد قرأنا منها آية الرجم «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم». (تفسير الكشاف : ٣ / ٢٤٨ طبعة مصر ، الدر المنثور : ٥ / ١٧٩).

وأخرج البخاري : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر :

لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل ، لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، ألا وإنّ الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحمل أو الاعتراف (١).

وأخرج المتقي الهندي عن زر قال :

قال أبيّ بن كعب : يا زر كأيّن تقرأ سورة الأحزاب.

قلت : ثلاثا وسبعين آية.

قال : إن كانت لتضاهي سورة البقرة ، أو هي أطول من سورة البقرة ، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم.

وفي لفظ : وإن آخرها :

الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، نكالا من الله والله عزيز

__________________

(١) صحيح البخاري مشكول : ٤ / ١٧٩ باب الإعتراف بالزنا ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣١٧ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، مسند الإمام أحمد ١ / ٤٠ الطبعة الأولى بمصر (عام ١٣١٣ ه‍) ، صحيح الترمذي بحاشية ابن العربي المالكي : ٥ / ٢٠٤ الطبعة الأولى بمصر (عام ١٣٥٠ ه‍) ، باب ما جاء في تحقيق الرجم. وقال محمد فؤاد عبد الباقي في (الموطأ ٢ / ٦٢٣) هذا مختصر من خطبة لعمر طويلة ، قالها في آخر عمره (رضي الله عنه).

رواها البخاري بتمامها في ٨٦ كتاب الحدود ـ ٣١ باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت.

٢٠٣

حكيم. (منتخب كنز العمال بهامش مسند الإمام أحمد : ١ / ٤٣).

وأخرج مسلم (١) عن ابن شهاب قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع ابن عباس يقول :

قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

إنّ الله بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب. فكان ممّا أنزل عليه آية الرجم (٢) قرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ، فرجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورجمنا بعده فأخشى ، إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :

ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله.

وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البيّنة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف (٣).

__________________

(١) هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري. ولد (سنة ٢٠٤ ه‍) أربع ومائتين ، وتوفي (سنة ٢٦١ ه‍) إحدى وستين ومائتين. وقال رحمه‌الله : صنّفت كتابي هذا من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. ولو اجتمع أهل الحديث وكتبوا فيه مأتي سنة فمدارهم على هذا السند ، وعدد ما فيه أربعة آلاف حديث.

وفضّله بعضهم على البخاري. فقد قال الحافظ النيسابوري شيخ الحاكم :

ما تحت أديم السّماء أصح من كتاب مسلم. ووافقه علماء المغرب. وهذا مسلم بالنسبة إلى قلة تكراره ، وحسن وضعه فإنّه يستوفي الوارد في الموضوع ثم لا يعود له بخلاف البخاري.

ولكن جمهور الحفّاظ ، وأهل الإتقان ، والغوص في أسرار الحديث على أن البخاري أفضل. انظر : (التاج الجامع للأصول ١ / ١٥).

(٢) قال الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في هامش صحيح مسلم (فكان مما أنزل عليه آية الرجم) أراد بآية الرجم : الشيخ والشيخة ، فارجموهما البتة.

(٣) صحيح مسلم : ٣ / ١٣١٧ رقم الحديث ١٦٩١ باب الحدود تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي صحيح البخاري مشكول : ٤ / ١٧٩ ، مسند الإمام أحمد : ١ / ٤٠ الطبعة الأولى المصرية صحيح الترمذي بحاشية ابن العربي المالكي : ٥ / ٢٠٤ الطبعة الأولى بمصر (عام ١٣٥٠ ه‍) باب ما جاء في تحقيق الرجم ، وأورده النووي في شرح صحيح

٢٠٤

وأخرج السيوطي عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال :

قال لي أبيّ كأين تعد سورة الأحزاب.

قلت : اثنتين وسبعين آية ، أو ثلاثا وسبعين آية.

قال : إن كانت لتعدل سورة البقرة ، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم.

قلت : وما آية الرجم؟!

قال : إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.

وأخرج السيوطي عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أنّ خالته قالت :

لقد أقرأنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم آية الرجم :

الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللّذة (١).

وأخرج النيسابوري عن عمر أنه قال :

كنا نقرأ آية الرجم : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. (تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري : ١ / ٣٦١ ، ٣٦٢ ط بولاق).

قال السيوطي : وأخرج أحمد ، والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف ، أنّ عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول :

__________________

ـ مسلم ٧ / ٢١٢ ، ٢١٣ بهامش (إرشاد الساري) ، وأورده الحافظ ابن ماجه في السنن : ٢ / ٨٥٣ والحديث برقم ٢٥٥٣ من كتاب الحدود ٩ باب الرجم طبعة مصر تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ، وأورده الإمام مالك في الموطأ : ٢ / ٦٢٣ الحديث برقم ٨ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي وأورده الدميري في (حياة الحيوان ٢ / ٢٦٦ الطبعة الأولى (عام ١٣٠٦ ه‍). تفسير المنار : ٥ / ٢٦ طبع مصر).

(١) الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٥ ، ٢٦.

٢٠٥

ألا وإنّ أناسا يقولون ما بال الرجم ، وفي كتاب الله الجلد ، وقد رجم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورجمنا بعده ، ولو لا أن يقول قائلون ، ويتكلّم متكلمون :

أنّ عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه ، لأثبتّها كما نزلت.

وأخرج النسائي ، وأبو يعلى عن كثير بن الصلت قال :

كنا عند مروان ، وفينا زيد بن ثابت فقال زيد ما تقرأ :

الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.

قال مروان : ألا كتبتها في المصحف قال :

ذكر ذلك ، وفينا عمر بن الخطاب قال : أشفيكم من ذلك فكيف؟

قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله :

أنبئني آية الرجم قال : لا أستطيع الآن (١).

وقال الإمام مالك (٢) : حدثني مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيّب ؛ أنّه سمعه يقول :

لمّا صدر عمر بن الخطاب من منى ، أناخ بالأبطح. ثمّ كوّم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه ، واستلقى. ثم مدّ يده إلى السّماء فقال :

__________________

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ٥ / ١٨٠ طبعة مصر.

(٢) هو مالك بن أنس. ولد سنة (٩٣) من الهجرة على أصح الأقوال. بدأ مالك يطلب العلم صغيرا ، فأخذ عن كثيرين من علماء المدينة ، ولعل أشدّهم في تكوين عقليّته العلميّة التي عرف بها هو : أبو بكر عبد الله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفي (سنة ١٤٨ ه‍). إنّ المهدي ولي الخلافة العباسية سنة (١٥٨ ه‍) في وقت كان مالك في نحو الخامسة والستين من عمره أي إنّه كان في أواخر سنيّ حياته. وأن المهدي وهو أمير روى عن مالك : الموطأ.

انظر : الموطأ المجلد الأول ص (طي) بعد مقدمة الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي للأستاذ الدكتور محمد كامل حسين أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، جامعة فؤاد الأول.

٢٠٦

اللهمّ كبرت سنيّ ، وضعفت قوّتي ، وانتشرت رعيّتي. فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال :

أيّها الناس قد سنّت لكم السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة. إلّا أن تضلّوا بالناس يمينا ، وشمالا. وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال :

إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم ، أن يقول قائل : لا نجد حدّين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجمنا. والّذي نفسي بيده لو لا أن يقول الناس :

زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة».

فإنا قد قرأناها.

قال مالك : قال يحيى بن سعيد ، قال سعيد بن المسيّب فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر. رحمه‌الله.

قال يحيى : سمعت مالكا يقول :

قوله : الشيخ والشيخة ، يعني الثيّب ، والثيّبة فارجموهما البتة (١).

قال العلامة الكبير المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي (قدس‌سره) :

ويا للعجب كيف رضي هؤلاء المحدّثون لمجد القرآن ، وكرامته أن يلقى هذا الحكم الشديد على الشيخ ، والشيخة بدون أن يذكر السبب وهو زناهما أقلّا فضلا عن شرط الإحصان.

__________________

(١) موطأ الإمام مالك : ٢ / ٨٢٤.

٢٠٧

وإن قضاء الشهوة أعمّ من الجماع ، والجماع أعمّ من الزنى ، والزنى يكون كثيرا مع عدم الإحصان.

سامحنا من يزعم أنّ قضاء الشهوة كناية عن الزنى ، بل زد عليه كونه مع الإحصان. ولكنّا نقول :

ما وجه دخول الفاء في قوله : «فارجموهما» وليس هناك ما يصحّح دخولها من شرط ، أو نحوه لا ظاهر ، ولا على وجه يصحّ تقديره. وإنّما دخلت الفاء على الخبر في قوله في سورة (النور) :

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) لأن كلمة «اجلدوا» بمنزلة الجزاء لصفة الزنى في المبتدأ. والزنى بمنزلة الشرط. وليس الرجم جزاء للشيخوخة ، ولا : الشيخوخة سببا له.

نعم : الوجه في دخول الفاء هو الدلالة على كذب الرواية.

ولعلّ في رواية سليمان سقطا بأن تكون صورة سؤاله :

هل يقولون في القرآن رجم؟!!

وكيف يرضى لمجده ، وكرامته في هذا الحكم الشديد أن يقيّد الأمر بالشيخ ، والشيخة مع إجماع الأمة على عمومه لكلّ زان محصن بالغ الرشد من ذكر وأنثى. وأن يطلق الحكم بالرجم مع إجماع الأمة على اشتراط الإحصان فيه.

وفوق ذلك يؤكد الإطلاق ، ويجعله كالنّص على العموم بواسطة التعليل بقضاء اللّذة ، والشهوة الّذي يشترك فيه المحصن وغير المحصن ، فتبصّر بما سمعته من التدافع ، والتهافت ، والخلل في رواية هذة المهزلة (١)؟!!

__________________

(١) انظر : تفسير شبر ص ١٥ طبعة مصر (عام ١٣٨٥ ه‍).

٢٠٨

وقال العلامة البلاغي (طاب ثراه) :

هذا وممّا يصادم هذه الروايات ، ويكافحها ما روي من أنّ عليا (ع) لمّا جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال :

أجلدها بكتاب الله ، وأرجمها بسنة رسوله كما رواه أحمد ، والبخاري ، والنسائي وعبد الرزاق في (الجامع) والطحاوي ، والحاكم في (مستدركه) وغيرهم ... فعلي (ع) يشهد بأن الرجم من السنة لا من الكتاب (١).

آية الرجم ورضاع الكبير

قال الراغب الإصبهاني (٢) :

قالت عائشة : لقد نزلت آية الرجم ، ورضاع الكبير (٣) في رقعة

__________________

(١) المصدر السابق ص ١٥ ، ١٦.

(٢) هو أبو القاسم حسين بن محمد بن المفضل الإصبهاني الفاضل المتبحّر الماهر في اللغة والعربيّة والحديث ، والشعر ، والأدب من مؤلفاته : المفردات في غريب القرآن ، أفانين البلاغة ، المحاضرات الذريعة إلى مكارم الشريعة. انظر : (الكنى والألقاب للقمي ٢ / ٢٦٨ طبع النجف الأشرف العراق).

(٣) موطأ الإمام مالك : جاءت سهلة بنت سهيل ، وهي امرأة أبي حذيفة ـ وهي امرأة عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت يا رسول الله :

كنّا نرى سالما ولدا يدخل عليّ وأنا فضل (*) وليس لنا إلّا بيت واحد. فماذا ترى في شأنه؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أرضعيه خمس رضعات» فيحرم بلبنها ، وكانت تراه ابنا من الرضاعة. فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحبّ أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصدّيق ، وبنات أخيها. أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال.

انظر موطأ الإمام مالك : ٢ / ٦٠٥ كتاب الرضاع ، باب ما جاء في الرضاعة بعد الكبر طبعة مصر بتحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي. الإصابة في تمييز الصحابة ٢ / ٧ الطبعة الأولى (عام ١٣٢٨ ه‍) مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر ـ القاهرة.

(*) فضل : أي مكشوفة الرأس والصورة. وقيل عليّ ثوب واحد لا إزار تحته. عن هامش موطأ الإمام مالك ٢ / ٦٠٦.

٢٠٩

تحت سريري وشغلنا بشكاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدخلت داجن فأكلته. (المحاضرات : ٢ / ٢٥٠ طبعة مصر).

وأخرج هذا الحديث ابن قتيبة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وقال في آخره : دخلت داجن للحيّ فأكلت تلك الصحيفة. (تأويل مختلف الحديث ص ٢١٠ طبع مصر).

وأخرج مسلم عن عائشة أنّها قالت : كان فيما أنزل من القرآن :

«عشر رضعات (١) معلومات يحرّمن ثم نسخن (بخمس معلومات) فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهنّ فيما يقرأ من القرآن». (صحيح مسلم : ٤ / ١٦٧ ، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٢١٣ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٤٦٩).

وقال السيوطي :

وأخرج عبد الرزاق عن عائشة قالت :

لقد كانت في كتاب الله عشر رضعات ، ثم ردّ ذلك إلى خمس ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم قال :

وأخرج ابن ماجة ، وابن الضرّيس عن عائشة قالت :

__________________

(١) أخرج الإمام أحمد عن عروة عن عائشة قالت : أتت سهلة بنت سهيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت له ، يا رسول الله إنّ سالما كان منا حيث قد علمت إنا كنّا نعدّه ولدا فكان يدخل عليّ كيف شاء لا نحتشم منه ، فلّما أنزل فيه وفي أشباهه ما أنزل أنكرت وجه أبي حذيفة إذا رآه يدخل عليّ قال : فأرضعيه عشر رضعات ثم ليدخل عليك كيف شاء فإنّما هو ابنك فكانت عائشة تراه عاما للمسلمين. وكان من سواها من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرى أنّها كانت خاصة لسالم مولى أبي حذيفة التي ذكرت سهلة من شأنه رخصة له. (انظر : مسند الإمام أحمد : ٦ / ٢٦٩. تفسير ابن كثير : ١ / ٤٧٠).

٢١٠

كان ممّا نزل من القرآن ثم سقط لا يحرم إلّا عشر رضعات ، أو خمس معلومات. (الدر المنثور : ٢ / ١٣٥).

وأخرج الإمام أحمد عن سهلة امرأة أبي حذيفة أنّها قالت :

قلت يا رسول الله إنّ سالما مولى أبي حذيفة يدخل عليّ وهو ذو لحية.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرضعيه.

فقالت : كيف أرضعه وهو ذو لحية؟ فأرضعته فكان يدخل عليها. (مسند الإمام أحمد ٦ / ٣٥٦).

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا عبد الله ، حدثنا يعقوب قال : حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت :

لقد أنزلت آية الرجم ، ورضعات الكبير عشرا في ورقة تحت سرير في بيتي ، فلما اشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تشاغلنا بأمره ، ودخلت دويبة لنا فأكلتها. (مسند الإمام أحمد : ٦ / ٢٦٩ طبع المطبعة الميمنية بمصر (عام ١٣١٣ ه‍).

وأخرج ابن ماجة عن عائشة قالت :

__________________

(١) هو شيخ الأمة وعالم أهل العصر أبو عبد الله أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ولد ببغداد ، ونشأ بها. وأوّل طلب أحمد للعلم في سنة تسع وسبعين ومئة.

رحل إلى الكوفة ، والبصرة ، ومكة ، والمدينة ، واليمن ، والشام ، والجزيرة وقد تجاوز سبعا وسبعين سنة توفي في (١٢ ربيع الأول) سنة إحدى وأربعين ومائتين. كان إماما في الحديث وضروبه ، إماما في الفقه ودقائقه ، إماما في السنة ودقائقها ، إماما في الورع وغوامضه ، وإماما في الزهد وحقائقه. انظر : (شذرات الذهب لإبن العماد الحنبلي ٢ / ٩٦ طبعة مصر).

٢١١

لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشرا. ولقد كان في صحيفة تحت سريري. فلما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها (١).

قراءة القرآن بالمعنى

قال الراغب الأصبهاني :

وذكر بعض العلماء : أنّ ابن عباس كان يجوّز أن يقرأ القرآن بمعناه ، واستدلّ بما روي عنه أنّه كان يعلّم رجلا : طعام الأثيم ، فلم يكن يحسن الأثيم.

فقال قل :

الفاجر وليس ذلك بشيء فيما ذكره جلّ العلماء لأن ابن عباس أراد أن يعرّفه الأثيم ، فعرّفه بمعناه ، لمّا أعياه.

وقرأ بدل «والسارق ، والسارقة فاقطعوا أيديهما» فاقطعوا أيمانهما.

وكان عمر يقرأ : «غير المغضوب ، وغير الضالّين».

وعبد الله بن الزبير : «صراط من أنعمت عليهم».

وقرأ بعضهم : «وضربت عليهم المسكنة ، والذّل».

وأبو بكر (رض) : «وجاءت سكرة الحق بالموت» (٢).

وقال السيوطي :

وأخرج ابن جرير ، وابن الأنباري في (المصاحف) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قرأ :

__________________

(١) سنن ابن ماجة : الحديث برقم ١٩٤٤ من كتاب النكاح ص ٦٢٦ باب رضاع الكبير ٢١٤.

(٢) المحاضرات : ٢ / ٢٥٠ طبعة مصر عام ١٢٨٧ ه‍.

٢١٢

أفلم يتبيّن الذين آمنوا ، فقيل له إنّها في (المصحف) : أفلم ييأس فقال :

أظن الكاتب كتبها وهو ناعس.

وأخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه أنّه كان يقرأ : أفلم يتبيّن الذين آمنوا.

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما :.

أفلم ييأس يقول : يعلم (١).

ما أسقط من القرآن

قال السيوطي : وفي المستدرك عن ابن عباس قال :

سألت علي بن أبي طالب لم لم تكتب في براءة : بسم الله الرحمن الرحيم قال : لأنّها أمان ، وبراءة نزلت بالسيف ، وعن مالك ، أنّ أوّلها لمّا سقط ، سقط معه البسملة فقد ثبت أنّها كانت تعدل البقرة لطولها. (الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٦٥).

وأخرج ابن أبي شيبة ، والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن حذيفة رضي الله عنه قال :

الّتي تسمّون سورة التوبة هي : سورة العذاب ، والله ما تركت أحدا إلّا نالت منه ، ولا تقرأن إلّا ربعها.

وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة رضي الله عنه قال :

ما تقرأن ثلثها. يعني : سورة التوبة. (الدر المنثور : ٣ / ٢٠٨).

__________________

(١) الدر المنثور : ٤ / ٦٣ ، ٦٤.

٢١٣

وفي المستدرك عن حذيفة قال :

ما تقرأون ربعها يعني : براءة. (الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٦ طبعة مصر).

وأخرج الحاكم عن حذيفة (رضي الله عنه) قال : ما تقرأون ربعها يعني : براءة وأنكم تسمّونها سورة التوبة وهي سورة العذاب ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك : ٢ / ٣٣١ طبع حيدر آباد ـ الهند).

قال الراغب : أسقط ابن مسعود من مصحفه : أم القرى ، والمعوّذتين.

(قراءة تخالف صور حروفها ما في المصحف ، أو ترتيبها) قرىء بدل كالعهن : كالصوف. وبدل : فهي كالحجارة ، فكانت كالحجارة. (المحاضرات : ٢ / ٢٥٠ طبعة مصر).

قال أبو عبيد ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :

ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ، وما يدريك ما كلّه قد ذهب منه قرآن كثير ..

ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر. (الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٥ ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨).

وأخرج ابن الأثير عن أبي الأسود الدؤلي قال :

... وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها. غير أنّي حفظت منها :

«يا أيّها الذين آمنوا ، لم تقولون ما لا تفعلون؟ فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة». (جامع الأصول : ٣ / ٨ رقم الحديث ٩٠٤).

٢١٤

وقال الرافعي :

فذهب جماعة من أهل الكلام ممّن لا صناعة لهم إلّا الظن ، والتأويل ، واستخراج الأساليب الجدليّة ، من كل حكم ، وكل قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء حملا على ما وصفوا من كيفيّة جمعه. (إعجاز القرآن ص ٤١ طبعة مصر).

وقال السيوطي :

فائدة ـ قال ابن إشته في كتاب (المصاحف) :

أنبأنا محمد بن يعقوب : حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو جعفر الكوفي قال :

هذا تأليف مصحف أبيّ :

الحمد ثم البقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران ، ثم الأنعام ، ثم الأعراف ، ثم المائدة ، ثم يونس ، ثم الأنفال ، ثم براءة ، ثم هود ، ثم مريم ، ثم الشعراء ، ثم الحج ، ثم يوسف ، ثم الكهف ، ثم النحل ثم الأحزاب ـ إلى أن يقول :

ثم الضحى ، ثم ألم نشرح ، ثم القارعة ثم التكاثر ، ثم العصر ثم سورة الخلع ثم سورة الحفد ثم ويل لكلّ همزة ... إلخ.

ثم قال السيوطي :

وبراءة نزلت بالسيف. وعن مالك : إنّ أوّلها لما سقط سقط معه البسملة ، فقد ثبت أنّها كانت تعدل البقرة لطولها. (الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٦٤ ، ٦٥).

وفي مصحف ابن مسعود : [عدد سور القرآن] مائة واثنتي عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوّذتين.

وفي مصحف أبي : ست عشرة لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع. (الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٦٥ طبعة مصر).

٢١٥

«وأخرج أبو عبيد عن ابن سيرين قال :

كتب أبيّ بن كعب في مصحفه :

فاتحة الكتاب ، والمعوّذتين ، واللهمّ إنّا نستعينك ، واللهمّ إيّاك نعبد ، وتركهنّ ابن مسعود.

وكتب عثمان منهنّ : فاتحة الكتاب ، والمعوّذتين.

وأخرج البيهقي من طريق سفيان الثوري ، عن ابن جريج عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، أن عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اللهمّ إنّا نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك ، ولا نكفرك ، ونخلع ، ونترك من يفجرك ، اللهمّ إياك نعبد ، ولك نصلّي ، ونسجد ، وإليك نسعى ، ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى نقمتك ، إنّ عذابك بالكافرين ملحق.

ممّا رفع رسمه من القرآن ، ولم يرفع من القلوب حفظه سورتي : القنوت في الوتر وتسمى سورتي : الحفد ، والخلع.

ذكر هذا الحسن بن المنازي في كتابه الناسخ والمنسوخ». (الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٢٥ ، ٢٦).

وأخرج الراغب الأصبهاني عن عائشة قالت :

كانت الأحزاب تقرأ في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مائة آية فلما جمعه عثمان لم يجد إلّا ما هو الآن ، وكان فيه آية الرجم. (المحاضرات : ٢ / ٢٥٠ ط مصر عام ١٢٨٧ ه‍).

وأخرج البخاري في تاريخه عن حذيفة قال :

٢١٦

قرأت سورة الأحزاب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها.

وأخرج أبو عبيد في (الفضائل) ، وابن الأنباري ، وابن مردويه عن عائشة قالت :

كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مئتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا ما هو الآن. (الدر المنثور : ٥ / ١٨٠ ، الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٥).

وقال العلّامة النيسابوري :

ويروى : أنّ سورة الأحزاب كانت بمنزلة السبع الطوال ، أو أزيد ثم وقع النقصان. (تفسير غريب القرآن لنظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري المطبوع بهامش تفسير الطبري طبع بولاق : ١ / ٣٦١ ، ٣٦٢).

وأخرج الترمذي (١) عن سعيد بن المسيّب ، عن عمر بن الخطاب قال :

رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورجم أبو بكر ، ورجمت ، ولو لا أنّي أكره أن أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف ، فإني قد خشيت أن تجيء أقوام فلا يجدونه في كتاب الله فيكفرون به قال : وفي الباب عن علي.

قال أبو عيسى : حديث عمر حسن صحيح وروي من غير وجه عن عمر (٢).

__________________

(١) هو : أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي. ولد سنة مائتين ، بترمذ ، وتوفي بها (سنة ٢٧٩) تسع وسبعين ومائتين ه وكان حافظا متقنا في صناعة الحديث ، وفي كتابه فوق خمسة آلاف حديث. انظر : (التاج الجامع للأصول ١ / ١٥).

(٢) صحيح الترمذي : ٥ / ٢٠٤ الطبعة الأولى المطبعة المصرية بالأزهر (عام ١٣٥٠ ه‍ ـ ١٩٣١ م) بشرح ابن العربي المالكي باب ما جاء في تحقيق الرجم.

٢١٧

وقال الشيخ محمد أنور في (فيض الباري على صحيح البخاري) : ٤ / ٤٥٣ ط مصر باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت.

قوله : [فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :

والله ما نجد آية من كتاب الله ، الخ] وقد كان عمر أراد أن يكتبها في المصحف.

فإن قلت : إنّها كانت من كتاب الله ، وجب أن تكتب ، وإلّا وجب أن لا تكتب ، فما معنى قول عمر؟!!

قلت : أخرج الحافظ عنه : لكتبتها في آخر القرآن.

وقال جلال الدين السيوطي :

وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصّلاة عن أبي بن كعب أنّه كان يقنت بالسورتين فذكرهما ، وأنّه كان يكتبهما في مصحفه.

وقال بن الضرّيس :

أنبأنا ابن جميل المروزي ، عن عبد الله بن المبارك ، أنبأنا الأجلح عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه قال :

في مصحف ابن عباس قراءة أبي ، وأبي موسى :

بسم الله الرحمن الرّحيم

اللهمّ إنّا نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك الخير ، ولا نكفرك ، ونخلع ، ونترك من يفجرك. وفيه :

اللهمّ إيّاك نعبد ، ولك نصلّي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نخشى عذابك ونرجو رحمتك ، إن عذابك بالكفار ملحق (١).

وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق قال :

__________________

(١) الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٦٥ ، تفسير روح المعاني ١ / ٢٥ المطبعة المنيرية بمصر.

٢١٨

أمّنا أميّة بن عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ بهاتين السورتين :

إنّا نستعينك ، ونستغفرك (١).

وقال العلامة الكبير الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (طاب ثراه) :

لا نقول لهذا الرواي : إنّ هذا الكلام لا يشبه بلاغة القرآن ، ولا سوقه فإنّا نسامحة في معرفة ذلك ، ولكنّا نقول له : كيف يصحّ قوله : يفجرك وكيف تتعدّى كلمة يفجر؟!!

وأيضا إنّ الخلع يناسب الأوثان ، إذن فماذا يكون المعنى ، وبماذا يرتفع الغلط؟!!

والثانية منها :

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمّ إيّاك نعبد ، ولك نصلّي ونسجد ، وإليك نسعى ، ونحفد؟ نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إنّ عذابك بالكافرين ملحق.

ولنسامح الراوي أيضا فيما سامحناه فيه في الرواية الأولى ولكنّا نقول له :

ما معنى الجدّ هنا؟!!!

أهو العظمة ، أو الغنى؟ أو ضدّ الهزل ، أو حاجة السجع.

نعم : في رواية عبيد : نخشى نقمتك ، وفي رواية عبد الله : نخشى عذابك.

وما هي النكتة في التعبير بقوله : «ملحق»؟!!

__________________

(١) المصدر السابق : ١ / ٦٥.

٢١٩

وما هو وجه المناسبة ، وصحة التعليل لخوف المؤمن ، من عذاب الله بأن عذاب الله بالكافرين ملحق.

بل إن هذه العبارة تناسب التعليل لئلّا يخاف المؤمن من عذاب الله لأنّ عذابه بالكافرين ملحق (١).

* * *

أخرج البخاري : عن إسرائيل عن المغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال :

قدمت الشام فصلّيت ركعتين ثم قلت :

اللهمّ يسّر لي جليسا صالحا. فأتيت قوما فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي فقلت من هذا قالوا :

أبو الدرداء فقلت :

إنّي دعوت الله أن ييّسر لي جليسا صالحا فيسّرك الله لي قال :

ممّن أنت؟ قلت : من أهل الكوفة.

قال : أو ليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين ، والوسادة ، والمطهرة ، وفيكم الّذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أو ليس فيكم صاحب سرّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الّذي لا يعلمه أحد غيره ثم قال :

كيف يقرأ عبد الله «والليل إذا يغشى ، والنّهار إذا تجلّى ، والذكر والأنثى» قال :

__________________

(١) مقدمة تفسير آلاء الرحمن ص ١٦ المطبوع في أوائل تفسير شبر بالقاهرة.

٢٢٠