البرهان على عدم تحريف القرآن

السيد مرتضى الرضوي

البرهان على عدم تحريف القرآن

المؤلف:

السيد مرتضى الرضوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٤

التقية في نظر الشيعة والسنة

أسباب نشوء التقية

هي : أنّ السلطة الحاكمة قد صادرت حرية الرأي ، والعقيدة وتذرّعت بالتنكيل ، والخشونة فالتجأ المسلمون إلى إبطان عقيدتهم حفاظا على أنفسهم ، ومذهبهم.

فإن كانت التقيّة تعدّ جريمة فهي من فعل السياسات الحاكمة آنذاك.

والتقية : إيمان صحيح ، وقانون طبيعي في ظلّ السلطات الجائرة.

عقيدة الشيعة الإمامية في التقيّة

قال العلامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر (١) :

__________________

(١) هو : الشيخ محمد رضا بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله آل المظفر النجفي. عالم جليل وأديب بارع.

ولد في النجف الأشرف في الخامس من شعبان سنة (١٣٢٣) ه بعد وفاة والده بستة أشهر ، فكفله أخواه الشيخ عبد النبي ، والشيخ محمد حسن فنشأ عليهما وتعلّم المبادىء ، وقرأ مقدمات العلوم على بعض الأفاضل ، ثم حضر في الفقه والأصول على الميرزا محمد حسين

١٦١

روي عن صادق آل البيت عليهم‌السلام في الأثر الصحيح :

«التقية ديني ودين آبائي» و «من لا تقيّة له لا دين له». وكذلك هي.

لقد كانت التقية شعارا لآل البيت عليهم‌السلام دفعا للضرر عنهم ، وعن أتباعهم ، وحقنا لدمائهم ، واستصلاحا لحال المسلمين ، وجمعا لكلمتهم ، ولمّا لشعثهم ، وما زالت سمة تعرف بها الإماميّة دون غيرها من الطوائف ، والأمم ، وكلّ إنسان إذا أحسّ بالخطر على نفسه ، أو ماله بسبب نشر معتقده ، أو التظاهر به لا بد أن يتكتّم ، ويتّقي مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول.

من المعلوم أن الإمامية وأئمتهم لاقوا من ضروب المحن ، وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أية طائفة ، أو أمة أخرى ، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقية بمكانة المخالفين لهم ، وترك مظاهرتهم ، وستر عقائدهم ، وأعمالهم المختصة بهم عنهم ، لما كان يعقب ذلك من الضّرر في الدنيا.

ولهذا السبب امتازوا «بالتقيّة» وعرفوا بها دون سواهم.

وللتقية أحكام من حيث وجوبها ، وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضّرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيّة.

وليست هي بواجبة على كل حال ، بل قد يجوز ، أو يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحق ، والتظاهر به نصرة

__________________

ـ النائيني ، والشيخ ضياء الدين العراقي ، وعمدة استفادته من أخيه الشيخ محمد حسن المذكور ، وحضر أيضا في الفلسفة على الشيخ محمد حسين الأصفهاني عدّة سنين ، وأضاف إلى دراسة العلوم الدينية ، العلوم الرياضية ، ومبادىء العلوم الطبيعيّة ؛ على الطريقة الحديثة .. وأسّس (جمعية منتدى النشر) عام (١٣٥٤ ه‍) وانتخب لرئاستها من سنة (١٣٥٧) ه وجدّد انتخابه في كلّ دورة. وله آثار علمية جيدة طبع منها : السقيفة ، المنطق ، عقائد الشيعة ، أصول الفقه وغيرها. توفي في عام (١٣٨٣ ه‍). (طبقات أعلام الشيعة : نقباء البشر في القرن الرابع عشر ١ / ٣٧٢ ، ٣٧٣).

١٦٢

للدين ، وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه يستهان بالأموال ، ولا تعزّ النفوس.

وقد تحرم التقية في الأمور التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجا للباطل ، أو فسادا في الدين ، أو ضررا بالغا على المسلمين بإضلالهم ، أو بإفشاء الظلم والجور فيهم [أو السبب بتفريقهم ، وتمزيق شملهم].

وعلى كل حال ليس معنى التقية عند الإمامية أنّها تجعل منهم جماعة سرّية لغاية الهدم ، والتخريب ، كما يريد أن يصوّرها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأمور على وجهها ، ولا يكلّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا.

كما أنّه ليس معناها أنّها تجعل الدين ، وأحكامه سرّا من الأسرار ، لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإمامية ، ومؤلفاتهم فيما يخصّ الفقه والأحكام ، ومباحث الكلام ، والمعتقدات قد ملأت الخافقين ، وتجاوزت الحدّ الذي ينتظر من أية أمّة أن تدين بدينها.

بلى : إنّ عقيدتنا في التقية قد استغلّها من أراد التشنيع على الإمامية (١) فجعلوها من جملة المطاعن فيهم ، وكأنهم كان لا يشفي غليلهم إلّا أن تقدّم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال : هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الأمويين والعباسيّين بل العثمانيّين.

__________________

(١) نظراء : أحمد أمين المصري صاحب فجر الإسلام. محب الدين الخطيب صاحب الخطوط العريضة محمد مال الله البحريني صاحب الشيعة وتحريف القرآن وما شاكلهم من العملاء في العصر الحاضر : إحسان إلهي ظهير الباكستاني ، وابراهيم الجبهان الوهابي وعبد الله محمد الغريب المصري وغيرهم من أدعياء الإسلام.

١٦٣

وإذا كان طعن من أراد أن يطعن يستند إلى عدم زعم مشروعيّتها من ناحية دينيّة فإنّا نقول له :

أوّلا : إنّنا متّبعون لأئمتنا عليهم‌السلام ، ونحن نهتدي بهداهم ، وهم أمرونا بها ، وفرضوها علينا وقت الحاجة ، وعندهم من الدين ، وقد سمعت قول الصادق عليه‌السلام :

«من لا تقيّة له لا دين له».

وثانيا : قد ورد تشريعها في القرآن الكريم ذلك قوله تعالى :

(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) النحل : الآية ١٠٦.

وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر الّذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفا من أعداء الإسلام وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً.) وقوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (المؤمن : ٢٨) (١).

__________________

(١) عقائد الإمامية ص ٧٢ ، ٧٤ طبعة مصر عام ١٣٧٧ ه‍ مطبعة نور الأمل شارع القلعة بالقاهرة.

١٦٤

التقية في نظر علماء السنّة

١ ـ قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً.)

(المسألة الرابعة) : اعلم أن للتقيّة أحكاما كثيرة ونحن نذكر بعضها :

الحكم الأول : إنّ التقيّة إنّما تكون إذا كان الرجل في قوم كفّار ، ويخاف منهم على نفسه ، وماله فيداريهم بالّلسان ، وذلك بأن لا يظهر العداوة بالّلسان بل يجوز أيضا أن يظهر الكلام الموهم للمحبّة والموالاة ، ولكن بشرط أن يضمر خلافه وأن يعرض في كلّ ما يقول ، فإنّ للتقيّة تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب ..

الحكم الرابع : ظاهر الآية يدلّ أنّ التقيّة إنّما تحلّ مع الكفّار الغالبين ، إلّا أنّ مذهب الشافعي رضي الله عنه :

إنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلّت التقيّة محاماة على النّفس.

الحكم الخامس : التقيّة جائزة لصون النّفس ، وهل هي جائزة

١٦٥

لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«حرمة مال المسلم كحرمة دمه».

ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«من قتل دون ماله فهو شهيد» (١).

٢ ـ وقال الزمخشري في تفسيره :

في تفسير قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً :) رخّص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك الموالاة محالفة ، ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة ، والبغضاء ، وانتظار زوال المانع من قشر العصا ، وإظهار الطّرية ... (٢).

٣ ـ وقال الخازن في تفسيره :

التقيّة لا تكون إلّا مع خوف القتل مع سلامة النيّة قال الله تعالى :

(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٦٠ / ١٠٦). ثم هذه التقيّة رخصة ... الخ (٣).

٤ ـ وقال النسفي في تفسيره :

(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٣ / ٢٨). إلّا أن تخافون جهتهم أمرا يجب اتّقاؤه. أي ألّا يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ، ومالك فحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة ، وإبطان المعاداة (٤).

__________________

(١) انظر : تفسير الفخر الرازي : ٨ / ١٣ طبعة دار الفكر عام ١٤٠١ ه‍.

(٢) تفسير الكشاف : ١ / ٤٢٢ ، تفسير غريب القرآن للنيسابوري ٣ / ١٧٨ بهامش تفسير الطبري طبع بولاق.

(٣) تفسير الخازن : ١ / ٢٧٧.

(٤) تفسير النسفي بهامش تفسير الخازن : ١ / ٢٧٧ طبع مصر.

١٦٦

٥ ـ وقال الخطيب الشربيني في تفسيره :

(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) أي على التلفظ بالكفر فتلفّظ به (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فلا شيء عليه ، لأن محلّ الإيمان هو القلب ... (١).

٦ ـ وقال النيسابوري في تفسيره :

(فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) قيل : في الآية دليل على أنّ التقية جائزة عند الخوف لأنّه علّل إظهار هذه الشرايع بزوال الخوف من الكفار (٢).

٧ ـ وقال الزمخشري في تفسيره :

روي أنّ أناسا من أهل مكّة فتنوا فارتدّوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه ، وكان فيهم من أكره ، وأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان. منهم عمار بن ياسر ، وأبواه : ياسر ، وسميّة ، وصهيب ، وبلال ، وخباب ، عذّبوا ..

فأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها ... الخ (٣)

٨ ـ وقال اسماعيل حقّي في تفسيره :

(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) أجبر على ذلك التلفظ بأمر يخاف على نفسه ، أو على عضو من أعضائه .. لأن الكفر اعتقاد ، والإكراه على القول دون الاعتقاد ، والمعنى : لكن المكره على الكفر باللسان (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) لم تتغيّر عقيدته. وفيه دليل على أن الإيمان المنجي المعتبر عند الله هو التصديق بالقلب (٤).

__________________

(١) تفسير السراج المنير : ٢ / ٢٦٣.

(٢) تفسير غرائب القرآن : ٣ / ١٧٨ بهامش تفسير الطبري.

(٣) الكشاف عن حقائق التنزيل ٢ / ٤٣٠ ط مصر.

(٤) روح البيان ٥ / ٨٤.

١٦٧

٩ ـ وقال الطبري في تفسيره :

(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) قال أبو العالية :

التقية باللّسان ، وليس بالعمل. حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحّاك يقول في قوله : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) قال : التقيّة باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو لله معصية فتكلّم مخافة على نفسه (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فلا إثم عليه. إنّما التقية باللسان (١).

١٠ ـ وقال الحافظ ابن ماجة :

والإيتاء : معناه : الإعطاء : أي وافقوا المشركين على ما أرادوا منهم تقيّة ، والتقية في مثل هذه الحال جائزة لقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)(٢).

١١ ـ وقال القرطبي في تفسير هذه الآية (٣).

وقال الحسن : التّقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة (٤).

وقال القرطبي :

أجمع أهل العام على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل ، أنّه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ولا تبين منه زوجته ، ولا يحكم عليه بحكم الكفر. هذا قول مالك والكوفيين والشافعي. (الجامع لأحكام القرآن : ١٠ / ١٨٢ ط : دار الكتب المصرية بالقاهرة).

__________________

(١) جامع البيان : ٣ / ١٥٣ طبعة أولى ببولاق مصر.

(٢) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٣ شرح حديث رقم ١٥٠ ط مصر تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

(٣) سورة آل عمران : الآية ٢٨.

(٤) الجامع لأحكام القرآن : ٤ / ٥٧.

١٦٨

١٢ ـ وقال الألوسي في تفسير هذه الآية (١) :

وفي الآية دليل على مشروعية التقية وعرّفوها بمحافظة النفس. أو العرض. أو المال من شر الأعداء ، والعدو قسمان :

الأول : من كانت عداوته مبنيّة على اختلاف الدين كالكافر والمسلم.

والثاني : من كانت عداوته مبنيّة على أغراض دنيويّة كالمال والمتاع والملك والإمارة. (روح المعاني : ٣ / ١٢١ ط إدارة المطبعة المنيرية بمصر).

١٣ ـ وقال جمال الدين القاسمي :

ومن هذه الآية (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً :)

استنبط الأئمة مشروعية التقية عند الخوف وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى اليماني في كتابه : (إيثار الحق على الحق) فقال ما نصه :

وزاد الحق غموضا وخفاء أمران :

أحدهما : خوف العارفين مع قلّتهم ، من علماء السوء ، وسلاطين الجور ، وشياطين الخلق ، مع جواز التقيّة عند ذلك بنصّ القرآن ، وإجماع أهل الإسلام ، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق ، ولا برح المحق عدوّا لأكثر الخلق وقد صحّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال في ذلك العصر الأول حفظت من رسول الله (ص) دعاءين فأمّا أحدهما فبثثته في الناس ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. (محاسن التأويل ٤ / ٨٢ ط مصر).

١٤ ـ وقال المراغي :

(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) :

__________________

(١) سورة آل عمران : الآية ٢٨.

١٦٩

أي ترك موالاة المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلّا في حال الخوف من شيء تتّقونه منهم ، فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يتّقى ذلك الشيء ، إذ القاعدة الشرعية «أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».

وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضّرر فأولى أن تجوز لمنفعة المسلمين ، وإذا فلا مانع من أن تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلى الأولى إمّا بدفع ضرر ، أو جلب منفعة ، وليس لها أن تواليها في شيء يضرّ المسلمين ، ولا تختص هذه الموالاة بحال الضعف ، بل هي جائزة في كلّ وقت.

وقد استنبط العلماء من هذه الآية جواز التقية بأن يقول الإنسان أو يفعل من يخالف الحق ، لأجل التوقي من ضرر من الأعداء يعود إلى النفس ، أو العرض ، أو المال.

فمن نطق بكلمة الكفر ، مكرها ، وقاية لنفسه من الهلاك ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، لا يكون كافرا ، بل يعذر كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر فوافقها مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان وفيه نزلت الآية :

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ...)

ثم قال المراغي :

ويدخل في التقية مداراة الكفرة ، والظلمة ، والفسقة ، وإلانة الكلام لهم ، والتّبسّم في وجوههم ، وبذل المال لهم ، لكفّ أذاهم ، وصيانة العرض منهم ، ولا يعدّ هذا من الموالاة المنهي عنها بل هو مشروع ؛ فقد أخرج الطبراني قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما وقى به

١٧٠

المؤمن عرضه فهو صدقة» (١).

ويقول السّمان :

«وتحريف الشيعة للقرآن يعتمد على الإضافة التي تذكر صراحة اسم علي وآل البيت ، وتؤكد أن آل البيت هم الورثة الشرعيون لوراثة محمد» (٢).

قال العلامة جلال الدين السيوطي :

«وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(٣) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم (غدير خم) في علي بن أبي طالب (٤).

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال :

كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك أن عليّا مولى المؤمنين ، وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ، والله يعصمك من النّاس (٥).

وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عساكر ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنّه كان يقرأ هذا الحرف :

وكفى الله المؤمنين القتال بعلّي بن أبي طالب (٦).

المؤلف : هذه النصوص المتقدمة لا تهتّم بها الشيعة الإمامية ولا

__________________

(١) تفسير المراغي : ٣ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ط مصر.

(٢) مجلة رسالة المسجد السعودية ص ١٤٢ العدد ٨ السنة ٦ عام ١٤٠٣ ه‍.

(٣) سورة المائدة : الآية ٦٧.

(٤) تفسير الدر المنثور : ٢ / ٢٩٨.

(٥) تفسير الدر المنثور : ٢ / ٢٩٨.

(٦) تفسير الدر المنثور : ٥ / ١٩٢.

١٧١

تحفل بها ، وتغضّ النّظر عنها بل تهملها ، ولا تنظر إليها بنظر الاعتبار لصراحتها في تحريف القرآن ، وإن الاعتقاد بتحريف القرآن يجرّ إلى الطعن بالقرآن ، والطعن بالقرآن يجر إلى الكفر ، وفي إلزام الأئمة الاثني عشر شيعتهم على التمسك بهذا القرآن المتداول بأيدي المسلمين ، والأخذ بما فيه وعرض أحاديثهم عليهم‌السلام عليه للأخذ بما يوافقه ، والترك لما يخالفه دليل على عدم نقصه وقوله تعالى :

(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) و (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فيهما المزيد من الكفاية في عدم إطراء النقص ، والتحريف عليه.

وسنأتي بمجموعة من آراء علمائنا الأعلام الشيعة الإمامية من القرن الثالث الهجري حتى العصر الحاضر (القرن الخامس عشر) تثبت عدم الزيادة والنقيصة في القرآن الكريم.

وكما أنّنا سنورد نصوص بعض جهابذة وأعلام أبناء السنة الواردة في تحريف القرآن الكريم نقلناها من صحاحهم ومسانيدهم».

ومن أدعياء الإسلام وحثالة رجال هذا العصر من ينسب أحاديث تحريف القرآن إلى الشيعة الإمامية وهم أمثال :

الباكستاني : إحسان إلهي ظهير (١) ، والبحريني : محمد مال الله (٢) ، وعبد الله محمد الغريب (٣) ، وابراهيم الجبهان (٤) ، وأحمد محمد التركماني (٥).

__________________

(١) مؤلف : الشيعة وأهل البيت طبع بباكستان على نفقة الوهابيّين.

(٢) مؤلف : الشيعة وتحريف القرآن طبع بالقاهرة وبيروت.

(٣) مؤلف : وجاء دور المجوس طبع بالقاهرة عام ١٩٨١ مطبعة ١٤ قصر اللؤلؤة بالفجالة.

(٤) مؤلف : تبديد الظلام وتنبيه النيام طبع الرياض ، في المملكة العربية السعودية.

(٥) مؤلف : تعريف بمذهب الشيعة الإمامية طبع الجزائر عام ١٩٨٣ م.

وهذه الكتب وغيرها يقوم الوهابيون بجميع نفقات طبعها ونشرها وتوزيعها.

١٧٢

فإن هؤلاء الجهّال ينسبون التحريف إلى الشيعة الإمامية مع العلم أن الأحاديث الواردة في التحريف التقطناها من صحاحهم ، ومسانيدهم ، وتفاسيرهم وأوردناها في هذا الكتاب ليقف عليها القارىء النبيل وليحكم (بعد الاطلاع الكامل ، والوقوف على المصادر) على إحدى الطائفتين برأيه الثاقب.

وقال العلامة المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي (طاب ثراه) :

وعن الشيخ البهائي رحمه‌الله قال :

وما اشتهر بين الناس من إسقاط إسم أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض المواضع مثل قوله تعالى :

يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك (في عليّ) فهو غير معتبر عند العلماء (١).

ـ يقصد علماء الشيعة الإمامية ـ

__________________

(١) انظر مقدمة آلاء الرحمن ص ١٧ المطبوعة في أوائل تفسير شبر بمصر عام ١٣٨٥ ه‍.

١٧٣
١٧٤

(١)

الآيات القرآنية المحرّفة

في بعض كتب العامة

مرتبة

على حروف المعجم

أخرج العلامة السيوطي عن ابن عمر قال :

ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ، وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر.

الإتقان ٣ / ٢٥ ط مصر

روح المعاني ١ / ٢٥

الدر المنثور ٢ / ٢٩٨ ط مصر

١٧٥
١٧٦

نبذ من الأحاديث الواردة

في

تحريف القرآن

ملتقطة من صحاح العامة ومسانيدهم

رأي السنة في جمع القرآن

قال الأستاذ العلامة مفتي مكة السيد أحمد زين دحلان :

وفي حديث : أنّ أبا بكر أمر زيد بن ثابت بجمع القرآن من الرقاع ، والأكتاف ، والكتب ، وصدور الرجال فجمع في مصحف إلى أن كان زمن خلافة عثمان فجمع في المصاحف فما جمعه عثمان إلّا من الصحف التي جمعها أبو بكر. (الفتوحات الإسلامية : ٢ / ٣٦٥ طبعة مصر).

* * *

الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان

قال العلّامة الكبير الشيخ محمود أبو رية طاب ثراه :

قال ابن التين وغيره :

الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان ، أنّ جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته لأنّه لم يكن مجموعا في موضع واحد ، فجمعه في صحائف مرتبا لآياته وسوره على ما وقفهم

١٧٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة ، حتى قرأوا بلغاتهم من اتساع اللّغات ، فأدّى ذلك إلى تخطئه بعضهم بعضا ، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتّبا لسوره ، واقتصر من سائر اللّغات على لغة قريش ، محتجا بأنّه نزل بلغتهم ، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم ، رفعا للحرج ، والمشقّة في ابتداء الأمر ، فرأى أنّ الحاجة في ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة. (أضواء على السنة المحمدية ص ٢٥١ الطبعة الثالثة لدار المعارف بمصر).

وقال الشيخ محمود ابو ريه طاب ثراه :

غريبة توجب الحيرة

من أغرب الأمور ، ومما يدعو إلى الحيرة أنهم لم يذكروا اسم علّي رضي الله عنه فيمن عهد إليهم بجمع القرآن ، وكتابته لا في عهد أبي بكر ، ولا في عهد عثمان : ويذكرون غيره ممن هم أقل منه درجة في العلم ، والفقه! فهل كان علّي لا يحسن شيئا من هذا الأمر؟ أو كان من غير الموثوق بهم؟ أو ممّن لا يصحّ استشارتهم ، أو إشراكهم في هذا الأمر؟

اللهمّ إنّ العقل ، والمنطق ليقضيان بأن يكون علي أوّل من يعهد إليه بهذا الأمر ، وأعظم من يشارك فيه ، وذلك بما أتيح له من صفات ، ومزايا ، لم تتهيّأ لغيره من بين الصحابة جميعا ـ فقد ربّاه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) على عينه ، وعاش زمنا طويلا تحت كنفه ، وشهد الوحي من أوّل نزوله إلى يوم انقطاعه ، بحيث لم يند عنه آية من آياته!!

فإذا لم يدع إلى هذا الأمر الخطير فإلى أيّ شيء يدعى؟!

وإذا كانوا قد انتحلوا معاذير ليسوّغوا بها تخطيّهم إيّاه في أمر خلافة

١٧٨

أبي بكر فلم يسألوه عنها ، ولم يستشيروه فيها ، فبأي شيء يعتذرون من عدم دعوته لأمر كتابة القرآن؟ فبماذا نعللّ ذلك؟ وبماذا يحكم القاضي العادل فيه؟ حقا إن الأمر لعجيب وما علينا إلّا أن نقول كلمة لا نملك غيرها وهي :

لك الله يا علي! ما أنصفوك في شيء!. (أضواء على السنة المحمدية ص ٢٤٩ الطبعة الثالثة لدار المعارف بمصر).

بعض الروايات الواردة في تحريف القرآن من طرق العامة (١)

قال العلّامة جلال الدين السيوطي :

أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعا : القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف. فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكلّ حرف زوجة من الحور العين. رجاله ثقاة ، ثم قال السيوطي : وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من القرآن أيضا إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد.

الإتقان في علوم القرآن ٢ / ٧٠ ط مصر

(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا.)

أخرج المتّقي الهندي عن أبي إدريس الخولاني قال :

كان أبيّ يقرأ : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية ولو حميتم كما حموا نفسه لفسد المسجد الحرام ، فأنزل الله

__________________

(١) وردت روايات كثيرة في كتب العامة فيها دلالة على وقوع التحريف في القرآن الكريم من حيث الإسقاط والتغيير.

ـ المؤلف ـ

١٧٩

سكينته على رسوله ، فبلغ ذلك عمر فاشتدّ عليه فبعث إليه فدخل عليه ، فدعا ناسا من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال :

من يقرأ منكم سورة الفتح؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم ، فغلّظ له عمر ، فقال أبيّ : لأتكلّم ، قال تكلّم قال : لقد علمت أنّي كنت أدخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتقرّبني وأنت بالباب ، فإن أحببت أن أقرىء الناس على ما أقرأني أقرأت ، وإلا لم أقرىء حرفا ما حييت. (كنز العمال ٢ / ٥٦٨ رقم الحديث ٤٧٤٥ ط بيروت).

إنّ انتفاءكم من آبائكم كفر بكم

قال الحافظ جلال الدين السيوطي :

أخرج ابن عبد البرّ في (التمهيد) من طريق عدي بن عدي بن عمرة بن قزوة أنّ عمر بن الخطاب قال لأبيّ :

أو ليس كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أنّ انتفاءكم من آبائكم كفر بكم.

قال بلى. (الدر المنثور في التفسير المأثور : ١ / ١٠٦).

أن جاهدوا كما جاهدتم

عن المسوّر بن مخرمة ، قال : قال عمر لعبد الرحمن بن عوف :

ألم تجد فيما أنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرة ، فإنّا لم نجدها.

قال : أسقط فيما أسقط من القرآن.

منتخب كنز العمّال بهامش مسند الإمام أحمد : ٢ / ٤٢ طبعة مصر.

الدر المنثور في التفسير بالمأثور ١ / ١٠٦ ، ٢ / ٢٩٨ طبعة مصر

الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٥ طبعة مصر

١٨٠