البرهان على عدم تحريف القرآن

السيد مرتضى الرضوي

البرهان على عدم تحريف القرآن

المؤلف:

السيد مرتضى الرضوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الإرشاد للطباعة والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٤

١٠ ـ وهذه أم المؤمنين عائشة لم يثبت لها صلى‌الله‌عليه‌وآله الإيمان كما حدّث كثير بن مرّة عنها :

إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أطعمينا يا عائشة قالت : ما عندنا شيء.

فقال أبو بكر :

إنّ المرأة المؤمنة لا تحلف أنّه ليس عندها شيء وهو عندها.

فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ما يدريك أنّها مؤمنة؟

إنّ المرأة المؤمنة في النساء كالغراب الأبقع في الغربان (١).

وهذا إنكار من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على القطع بالعدالة ، والإيمان.

ولو كان كما يدّعى لقال مؤيّدا لقول أبي بكر. نعم إنّها مؤمنة ، وزوجة نبيّ ومن أهل الجنة ، ولكنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرض بذلك الاعتقاد ، وإنّما الأمور منوطة بالعمل وحسن الخاتمة.

ويدّل على ذلك أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عاد كعبا في مرضه فقالت أم كعب : هنيئا لك الجنّة يا كعب ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

من هذه المتالية على الله عزوجل؟

قال كعب : هي أمّي يا رسول الله.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وما يدريك يا أمّ كعب ، لعلّ كعبا قال ما لا يعنيه ، ومنع ما لا يغنيه (٢).

__________________

(١) علل الحديث لابن أبي حاتم : ١ / ٤٣٩.

(٢) تاريخ بغداد : ٤ / ٢٧٣.

١٢١

١١ ـ وأخرج النسائي في صحيحه عن ابن عباس في نزول قوله تعالى :

(وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) أنّه قال :

كانت امرأة تصلّي خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حسناء من أحسن الناس ، وكان بعض القوم يتقدّم لئلا يراها ، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصّف المؤخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطه ليراها. فأنزل الله فيهم ذلك.

١٢ ـ وأخرج ابن حنبل من طريق ابن عباس ، وابن عمر أنّهما سمعا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على منبره يقول :

لينتهيّن أقوام عن ودعهم الجماعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكتبنّ من الغافلين (١).

١٣ ـ وأخرج أحمد في مسنده : عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لأصحابه : أنا فرطكم على الحوض ولأنازعنّ أقواما ثم لأغلبنّ عليهم فأقول : يا ربّي أصحابي ، فيقول :

إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك (٢).

وأخرج عن ابن مسعود أيضا بلفظ : وإنّي ممسك بحجورك إن تهافتوا في النّار كتهافت الفراش (٣).

وأخرج الترمذي عن النبي (ص) ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين ، وذات الشمال فأقول : يا ربّي أصحابي فيقال : إنّك لا تدري

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٤٠.

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٢٣١.

(٣) مسند أحمد : ٦ / ٥١.

١٢٢

ما أحدثوا بعدك ، فإنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : إن تعذبهم فإنّهم عبادك (١)

وأخرج مسلم من طريق عائشة بلفظ :

إنّي على الحوض انتظر من يرد عليّ منكم فو الله لينقطعن رجال فلأقولنّ أي ربّي ... الحديث. وأخرج مثله من طريق أم سلمة (٢).

ولعلّ الاستمرار بذكر الشواهد ـ وما أكثرها ـ يوجب الإطالة ، والإطالة توجب الملل فلهذا نكتفي بالقليل من البيان حول الشواهد على نفي العدالة المزعومة :

«لكلّ من هبّ ، ودرج».

والحق أن الصحبة بما هي فضيلة جليلة لكنّها غير عاصمة ، فإنّ فيهم العدول ، والأولياء والصديقون ، وهم علماء الأمة ، وحملة الحديث ، وفيهم مجهول الحال ، وفيهم : المنافقون وأهل الجرائم كما أخبر تعالى بقوله :

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ)(٣).

وفيهم : من كان يؤذي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٤).

__________________

(١) صحيح الترمزذي : ٢ / ٦٧.

(٢) صحيح مسلم : ٤ / ٦٥ ـ ٦٧.

(٣) سورة التوبة : الآية ١٠١.

(٤) سورة التوبة : الآية ٦١.

١٢٣

فإلى الله نبرأ من هؤلاء ، وممّن (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(١).

والذين (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً* مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)(٢).

والكتاب العزيز يعلن بصراحة عن وجود طائفة تستمع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن طبع الله على قلوبهم لأنّهم اتبعوا الهوى فقال تعالى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ)(٣).

كما أعلن تعالى لعن طائفة منهم وهم الذين في قلوبهم مرض والذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٤).

أجل أين ذهب أولئك بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وقد جرّعوه الغصص في حياته ، ودحرجوا الدباب ، فهل انقلبت حالهم بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله من النّفاق إلى الإيمان؟ ومن الفساد إلى الصلاح ، ومن الشك إلى اليقين ، فأصبحوا في عداد ذوي العدالة من

__________________

(١) سورة المجادلة : الآية ١٦.

(٢) سورة النساء : الآيتان ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٣) سورة محمد (ص) : الآية ١٦.

(٤) سورة محمد (ص) : الآيتان ٢٣ ـ ٢٤.

١٢٤

الصحابة الذين طبعت نفوسهم على التقى والورع ، وعفة النّفس والعلم ، والحلم ، والتضحية في سبيل الله وهم الّذين وصفهم الله تعالى بقوله :

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ ، وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)(١).

فنحن لا نرتاب في ديننا ، ولا نخالف قول الحق في تمييز منازل الصحابة ، ودرجاتهم فنتبع الصادقين منهم ، ونوالي من اتصف بتلك الصفات التي ذكرها الله ورسوله ، كما أنّا لا نأتمن أهل الخيانة لله ورسوله ، ففي ذلك جناية على الدين وخيانة لأمانة الإسلام ولا نركن لمن ظلم منهم ، ولا نوادّ من حاد الله ورسوله.

هذا هو قول الحق. والحق أحق أن يتبع (٢).

***

الصحابة في حدود الكتاب والسنة

وهل تجاوزت الشيعة في نقد أعمال بعض الصحابة حدود الكتاب والسنة؟ إذ وجدوا في أعمالهم مخالفة ظاهرة ، لا يمكن لها التأويل والتسامح ، لأنّ عموم الصحبة لا يمنحهم سلطة التصرف بالأحكام ، ولا تسوغ لهم مخالفة تلك الحدود وإن الاجتهاد في مقابلة النص هو في الحقيقة طرح للأحكام ، ونبذ للقرآن وراء الظهور ، وإنّ كثيرا منهم حديثو عهد في الإسلام ، قد ألفت نفوسهم أشياء وطبعت عليها ، ومن الصعب أن تتحلّل منها بسرعة.

__________________

(١) سورة الحجرات : الآية ١٥.

(٢) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ١ / ٥٩٣ ـ ٥٩٦.

١٢٥

وليس من الإنصاف أن يكون هؤلاء بمنزلة أهل السبق ، ومن رسخ الإيمان في قلوبهم فنشروا الإسلام ، وحملوا ألوية العدل ، ونشروا العقيدة الإسلامية ، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم عن نية صادقة ، وهاجروا عن إيمان خالص.

وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» (١).

وسأله ناس من أصحابه فقالوا : يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«أما من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ به ، ومن أساء أخذ في الجاهلية والإسلام» (٢).

وعن صهيب مرفوعا :

«ما آمن بالقرآن من استحلّ محارمه» (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بلفظ : «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ في الأوّل ، والآخر» (٤).

وعن ابن عمر قال :

صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال :

__________________

(١) صحيح مسلم : ٦ / ٤٨.

(٢) صحيح مسلم : ١ / ٧٧.

(٣) صحيح الترمذي : ٢ / ١٥١.

(٤) صحيح مسلم : ١ / ٧٧.

١٢٦

«يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ، ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم. من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته ، ومن تتبّع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (١).

وهكذا يتضح لنا على ضوء الأحاديث النبوية وآي القرآن الكريم مساواة الناس وشمول الأحكام لهم ، وأنّ ثبوت العدالة بالعمل ، ولا أثر لها بدونه ، والصحابة هم أولى بتنفيذها ، والقول في اجتهادهم مطلقا يحتاج إلى مشقة في الإثبات ، والنتيجة عقيمة لا تثمر كثير فائدة ، والتأويل في مقابلة النص معناه طرح للأحكام. فلا يصح أن يتأوّلوها على خلاف ظاهرها ، ثم يستبيحوا لأنفسهم مخالفة الظاهر منها ، بل الأحكام شرعة واحدة بين الناس لتشملهم عدالتها. فلا مجال لأحد عن الخضوع لها وتطبيقها.

ولنا في سياسة الإمام علي بن أبي طالب ، وسيرته في عصر الخلفاء ، وفي عصره لأكبر دليل على ما نقول :

فقد كان يقيم الحد على من تعدّى حدود الله ، ويعامل كلّ واحد بما يقتضيه عمله ، وبقدر منزلته عند الله تعظم منزلته عنده.

وكم كان يدعو على أولئك الذين وسموا بالصحبة ، وخالفوا كتاب الله وسنّة رسوله ، ونصبوا له الحرب.

وقد أعلن عليه‌السلام البراءة منهم على منبره لأنّهم خالفوا كتاب الله وسنة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن وقف على عهوده عليه‌السلام لعماله ، ووصاياه لأمراء جيشه ، ورسائله لولاة أمره ، يعرف هناك عدم الالتزام بما ألزموا الأمة

__________________

(١) صحيح الترمذي : ١ / ٣٦٥.

١٢٧

به ، من القيود التي فرضتها ظروف خاصة ، وهو القول بعد الة الصحابي ، وإن ارتكب ما حرّم الله.

والتحدث عن سيرة عليّ لا يتسع له مجال هذا الموضوع الذي خضناه بهذه العجالة ، والغرض أن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بدّ أن يلتزموا باجتناب ما حرم الله تعالى ويهتدوا بهدي رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يفتحوا المجال لمتأوّل في مقابلة النص ، وللاجتهاد شروط ، ولعلّ في قصة قدامة أكبر دليل على ذلك قدامة بن مضعون :

قدامة بن مضعون بن حبيب المتوفى (سنة ٣٦ ه‍) كان من السابقين الأوّلين ، وهاجر الهجرتين ، واستعمله عمر بن الخطاب على البحرين ، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر بن الخطاب من البحرين ، وشهد على قدامة أنه شرب الخمر فسكر ، فقال : من يشهد معك فقال الجارود : أبو هريرة.

فقال عمر لأبي هريرة : بم تشهد؟ قال : لم أره شرب الخمر ولكن رأيته سكران يقيء.

فقال عمر : لقد تنطعت في الشهادة ، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين فقدم ، فقال الجارود : أقم على هذا حدّ الله.

فقال عمر : أخصم أنت أم شهيد؟

فقال شهيد.

فقال : قد أدّيت شهادتك.

ثم غدا الجارود على عمر فقال :

أقم على هذا حدّ الله.

فقال عمر :

ما أراك إلّا خصما وما شهد معك إلّا رجل واحد.

١٢٨

فقال الجارود : أنشدك الله.

فقال عمر : لتمسكنّ لسانك أو لأسوأنّك.

فقال : يا عمر ما ذاك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوءني.

فقال أبو هريرة : يا أمير المؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فأسألها ـ وهي امرأة قدامة ـ فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها ، فأقامت الشهادة على زوجها.

فقال عمر لقدامة : إنّي حادّك ، فقال قدامة :

لو شربت كما تقول ما كان لكم أن تحدّني.

فقال عمر : لم؟

قال قدامة : قال الله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ...) الآية.

فقال عمر : أخطأت التأويل أنت إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرّم الله ، ثم أقبل عمر على الناس فقال :

ما ترون في جلد قدامة؟

فقالوا : لا نرى أن تجلده ما دام مريضا. فسكت على ذلك أيّاما ثم أصبح وقد عزم على جلده فقال : ما ترون في جلد قدامة. فقالوا : لا نرى أن تجلده ما دام وجعا.

فقال عمر : لأن يلقى الله تحت السياط أحبّ إليّ من أن ألقاه وهو في عنقي ، ائتوني بسوط تام. فأمر به فجلد (١).

هذه قصة قدامة ، وإقامة الحد عليه ، وتأويله فيما ارتكبه ، ولم نوردها لنحط من كرامته ، أو نطعن عليه في دينه ، فله شرف الهجرة

__________________

(١) الإصابة في تمييز الصحابة : ٣ / ٢٢٨.

١٢٩

والسبق ، ولكنّا ذكرناها ليتّضح لنا عدم صحة ما يقولون ، بعدم مؤاخذة المتأول ، وإن خالف الإجماع ، وما هو معلوم بالضرورة كقضيّة أبي الغادية وقتله لعمّار بن ياسر مع اعترافه بأن ما ارتكبه جريمة توجب دخول النّار.

وهناك جماعة من الصّحابة تأوّلوا فأخطأوا ، فلم يدرأ تأويلهم الحد لوقوعهم في الخطأ. منهم :

أبو جندل ، وضرار بن الخطاب ، وأبو الأزور فقد وجدهم أبو عبيدة قد شربوا الخمر فأنكر عليهم. فقال أبو جندل :

(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ...) الآية ، ولم ينفعهم ذلك وأقام عليهم الحد.

فأين العدالة من إقامة الحد.

وكان عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب قد شرب الخمر بمصر فأقام الحد عليه عمرو بن العاص إلى كثير من ذلك (١).

* * *

سياسة عمر تجاه بعض الصحابة

وهذا عمر بن الخطاب لم يثبت العدالة لأبي هريرة عند ما استعمله على البحرين فقدم بعشرة آلاف فقال له عمر :

استأثرت بهذه الأموال يا عدوّ الله ، وعدوّ كتابه.

فقال أبو هريرة :

لست بعدوّ الله ، ولا عدوّ كتابه ، ولكن عدوّ من عاداهما.

__________________

(١) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ١ / ٦٠٢ ـ ٦٠٥.

١٣٠

فقال عمر : من أين لك؟

قال : خيل نتجت ، وغلّة ، ورقيق لي ، وأعطية تتابعت (١).

وفي لفظ ابن عبد ربه :

إنّ عمر دعا أبا هريرة فقال له :

علمت أنّي استعملتك على البحرين ، وأنت بلا نعلين ، ثم بلغني أنّك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار قال :

كانت له أفراس تناتجت ، وعطايا تلاحقت ، قال عمر :

قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأدّه.

قال أبو هريرة : ليس لك ذلك.

قال : بلى أوجع ظهرك ، ثم قام إليه بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثم قال :

ائت بها. قال احتسبتها عند الله.

قال : لو أخذتها من حلال ، وأدّيتها طائعا ، أجئت من أقصى البحرين تجبي الناس لك لا لله ، ولا للمسلمين؟ ما رجعت به أميمة إلّا لرعيّة الحمر ، وأميمة أم أبي هريرة (٢).

هكذا رأينا عمر يقابل أبا هريرة بشدّة ، ويتّهمه بخيانة أموال المسلمين ، وينسبه لعداء الله ، وعداء كتابه ، ولا يصدقه فيما يدّعيه. ولو كان أبو هريرة عادلا في نظر عمر لصدّق قوله. ولقال أنت عادل ، أو مجتهد مخطىء ، وكذلك موقف عمر مع خالد بن الوليد في جنايته الكبرى مع مالك بن نويرة.

ويحدثنا البلاذري أنّ أبا المختار ، يزيد بن قيس ، رفع إلى عمر ابن الخطاب كلمة يشكو بها عمال الأهواز وغيرهم يقول فيه :

__________________

(١) تاريخ ابن كثير : ٨ / ١١٣.

(٢) العقد الفريد : ١ / ٢٦.

١٣١

أبلغ أمير المؤمنين رسالة

فأنت أمين الله في النهي والأمر

وأنت أمين الله فينا ومن يكن

أمينا لرب العرش يسلم له صدري

فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه

وأرسل إلى جزء وارسل إلى بشر

ولا تنسينّ النافعين كليهما

ولا ابن غلاب من سراة بني نصر (١)

إلى آخر الرسالة وذكر فيها جماعة من عماله الذين استأثروا بالأموال ، وجلّهم من الصحابة ، فعاقبهم عمر ، واتّهمهم بالخيانة ، والخيانة لا تجتمع مع العدالة.

ولا نطيل الحديث حول قاعدة أصالة العدالة لكل صحابي ، أو تأويل الأخطاء لهم على وجه يلزم السكوت عليه.

ما ذلك إلّا تحدّ لنواميس الدين ، ومقدسات الشريعة ، ومجادلة بالباطل لحفظ كرامة معاوية وحزبه (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)(٢).

__________________

(١) فتوح البلدان : ص ٢٧٧.

(٢) سورة النساء : الآية ١٠٩ ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ١ / ٦٠٥ ، ٦٠٦.

١٣٢

المنافقون من الصحابة

ما جاء عنهم في سورة التوبة عن غزوة تبوك

ذكر البغوي وغيره عن ابن عباس أنّه قال :

لم يكن رسول الله يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة وكان قبلها يعرف بعض صفاتهم وأقوالهم ، وأفعالهم ممّا جاء عنهم في عدّة سور نزلت قبل سورة براءة ، منها سورة المنافقين ، والأحزاب ، والنساء ، والأنفال ، والقتال ، والحشر.

أمّا سورة براءة فقد فضحتهم ، وكشفت جميع أنواع نفاقهم الظاهرة ، والباطنة ومن أجل ذلك سميت (الفاضحة) والمبعثرة ، والمشردة ، والمخزية ، والمثيرة ، والحافرة ، والمنكّلة ، والمدمدمة ، وسورة العذاب!

وإليك بيان أمورهم في غزوة تبوك ، وحدها ، وأعمالهم ، وآيات نفاقهم ، وهتك أستارهم ، وعقابهم ، مرتبة على سياق آيات سورة التوبة لا على الحروف (١) :

__________________

(١) هذا الفصل منقول عن الجزء العاشر من تفسير القرآن الحكيم للإمامين محمد عبده ، ومحمد رشيد رضا رضي الله عنهما والأرقام الموضوعة هي أرقام الصفحات من هذا الجزء.

١٣٣

١ ـ استئذانهم في التخلف وهو لا يقع من مؤمن ، وإنّما يستأذن ترك الجهاد من لا يؤمن بالله ولا بالآخرة (٤٦٧).

٢ ـ لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة (٤٧١).

٣ ـ إنّ الله كره انبعاثهم فثبطهم (٤٧١).

٤ ـ إنّهم لو خرجوا في المؤمنين لم يزيدوهم إلّا خبالا ، ويبغون فتنتهم (٤٧٣).

٥ ـ إنّهم اتبعوا الفتنة من قبل تبوك في غزوة أحد ، إذ أوقعوا الشقاق في المسلمين ، وثبطوا بعضهم (٤٧٤).

٦ ـ إنّهم قلبوا الأمور للنّبي من أوّل الأمر إلى أن جاء الحق بنصره وظهور أمر الله وهم كارهون لذلك (٤٧٥).

٧ ـ إنّ منهم من استأذن النبي في القعود معتذرا بأنه يخاف على نفسه الافتتان بجمال نساء الروم ، فسقطوا في فتنة معصية الله ورسوله بالفعل (٤٧٧).

٨ ـ إنّ كلّ حسنة تصيب النبي تسؤوهم ، وكلّ مصيبة تعرض له تسرّهم ، ويرون أنّهم أخذوا بالحزم في التخلّف (٤٧٨).

٩ ـ إنّ المؤمنين يتربصون بالمنافقين عذاب الله مباشرة أو بأيديهم (٤٧٩).

١٠ ـ إنّ صدقاتهم لا تقبل لفسوقهم ، ولكفرهم ، وإتيانهم الصلاة وهم كسالى ، وإنفاق ما ينفقون وهم كارهون (٤٨١).

١١ ـ تعذيبهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا وموتهم على كفرهم (٤٨٥ ـ ٥٧٤).

١٢ ـ حلفهم للمؤمنين بأنّهم منهم ، ووصف خيبتهم ، وفرقهم منهم (٤٨٥).

١٣٤

١٣ ـ لمز بعضهم للرسول في الصدقات ، فإن أعطوا منها رضوا ، وإلّا سخطوا (٤٨٧).

١٤ ـ إيذاؤهم له (ص) بقولهم : هو أذن (٥١٦).

١٥ ـ حلفهم للمؤمنين ليرضوهم دون إرضاء الله ورسوله (٥٢٢).

١٦ ـ حذرهم إنزال سورة تنبئهم بما في قلوبهم ووعيدهم على استهزائهم باخراج ما يحذرون (٥٢٥).

١٧ ـ اعتذارهم عن استهزائهم بأنّهم كانوا يقصدون الخوض واللّعب ، وكون هذا الخوض عين الكفر ، ووعيدهم بتعذيب طائفة منهم بإصرارهم على إجرامهم ، واحتمال العفو عن طائفة أخرى (٥٢٨ ـ ٥٣٢).

١٨ ـ بيان حال المنافقين وصفاتهم العامة ذكرانا ، وإناثا ، وإيقادهم هم والكفار نار جهنّم ولعنهم إلخ (٥٣٣).

١٩ ـ تشبيههم بمنافقي الأمم الغابرة في كونهم لا حظّ لهم إلّا الاستماع بما ذكروا في خوضهم بالباطل ، وحبوط أعمالهم في الدنيا والآخرة مثلهم وخسارهم التام (٥٢٧). وتذكيرهم بنبأ أقوام الأنبياء قبلهم (٥٣٩).

٢٠ ـ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ.) الآية (٦٧).

٢١ ـ قرنهم بالكفار في وجوب جهادهم والإغلاظ في معاملتهم ووعيدهم (٥٤٩).

٢٢ ـ حلفهم على إنكار ما قالوا من كلمة الكفر ، وإثبات الله لما نفوه (وهمّهم بما لم ينالوا) أي محاولة اغتياله (ص) (٥٥١ ـ ٥٥٥).

٢٣ ـ من عاهد الله منهم على الصدقة في حالة العسر ، وإخلافه ،

١٣٥

وكذبه ، بعد الغنى واليسر ، وإعقابهم ذلك نفاقا يصحبهم إلى الحشر ، وجهلهم علم الله بحالهم في السرّ والجهر (٥٥٨).

٢٤ ـ لمزهم وعيبهم للمؤمنين في الصدقات ، وسخريتهم منهم. (٥٦٣).

٢٥ ـ حرمانهم الانتفاع باستنفار الرسول لهم بكفرهم حتى بالله ورسوله لا يرجى اهتداؤهم بالرجوع عن قسوتهم (٦٦٦).

٢٦ ـ فرح المخلّفون منهم بمقعدهم خلاف رسول الله ، وتواصيهم بعدم النفر في الحر ، وتذكيرهم بحرّ جهنّم (٥٦٩).

٢٧ ـ كون الأجدر بهم أن يحزنوا ، ويضحكوا قليلا ويبكوا كثيرا (٥٧٢).

٢٨ ـ نهيه (ص) عن الصلاة على موتاهم ، وتعليله بكفرهم وموتهم عليه (٥٧٣).

٢٩ ـ استئذان أغنيائهم بالتخلّف عن الجهاد كلما نزلت سورة تأمر بالجمع بين الإيمان والجهاد (٥٨١).

٣٠ ـ حال الأعراب ، واستئذان بعضهم بالقعود عن الجهاد ، وقعود الكاذبين بغير اعتذار ووعيدهم بعذاب أليم على الكفر (٥٨٣).

نكتفي بذلك من صفات المنافقين في غزوة تبوك التي جاءت بسورة التوبة ومن أراد المزيد من معرفة سائر أعمال المنافقين فليرجع إلى سور : المنافقين ، والأحزاب ، والنساء ، والأنفال ، والقتال ، والحشر.

وفي الصحيحين من حديث الإفك أنّ أسيد بن الخضير قال لسعد ابن عبادة :

إنّك منافق ، تجادل عن المنافقين. واختصم الفريقان فأصلح النبي بينهم ـ فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم :

١٣٦

إنّك منافق ، ولم يكفّر النبي لا هذا ، ولا ذاك.

والأخبار في ذلك كثيرة ومن شاء أن يقف على أسماء المنافقين من الخزرج والأوس فليرجع إلى الجزء الأول من (أنساب الأشراف) يجد أسماءهم قد ملأت عشر صفحات كاملة من ص ٢٧٤ إلى ص ٢٨٣.

يفضلون التجارة واللهو عن الصلاة

ولا بأس أن نورد هنا ما فعله الصحابة مع رسول الله ، وانفضاضهم من حوله إلى التجارة واللهو ، وتفضيل ذلك على الصّلاة ، وتركهم إيّاه قائما وحده يصلّي يوم الجمعة وذلك بعد أن أمرهم الله سبحانه بأن يسعوا إلى الصلاة ، ويتركوا البيع ، لأن ذلك خير لهم إن (كانُوا يَعْلَمُونَ) فخالفوا عن أمر الله ، وانصرفوا إلى تجارتهم ، ولهوهم ، من حول رسول الله! وإليك هذه الآية الكريمة التي تفضحهم قال تعالى :

(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً ، أَوْ لَهْواً ، انْفَضُّوا إِلَيْها ، وَتَرَكُوكَ قائِماً ، قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ ، وَمِنَ التِّجارَةِ ، وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) الجمعة : ١١.

نفاق الصحابة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده

وإليك حديثا رواه البخاري وغيره (١) عن حذيفة بن اليمان يبيّن فيه نفاق الصحابة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعده.

قال حذيفة : إنّ المنافقين اليوم ، شرّ منهم على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانوا يومئذ يسرون ، واليوم يجهرون! وفي رواية أخرى للبخاري كذلك عنه :

__________________

(١) فتح الباري : ١٣ / ٦٢ ـ ٦٣ ط مصر.

١٣٧

قال : إنما كان النفاق على عهد النبي (ص) ، فأما اليوم فإنّما هو الكفر بعد الإيمان. (وفي رواية) : فإنما هو الكفر والإيمان.

وأخرج البزار عن أبي وائل ، قلت لحذيفة : النّفاق اليوم شر أم على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال :

فضرب به على جبهته وقال :

أوه : هو اليوم ظاهر ، إنّما كانوا يستخفون على عهد رسول الله (١)!

__________________

(١) أضواء على السنة المحمدية ص ٣٥٦ ـ ٣٥٩ ط دار المعارف بمصر الطبعة الثالثة.

١٣٨

ويقول السمان :

«... ثم موقف الخميني من أهل السنة».

يقصد الجاني بكلامه هذا طعن الإمام الخميني بأهل السنة.

ولينظر القارىء إلى مواقف الإمام الخميني المشرفة الواردة في تصريحاته حول التفاف المسلمين مع بعضهم كما أكد القرآن الكريم على ذلك.

أقول :

ولنورد هنا للقارىء الكريم كلمة الإمام الخميني حول وحدة المسلمين ـ لنرد بها مفتريات البحريني ـ والتي نشرتها وزارة الإرشاد الإسلامية في إيران بمناسبة ميلاد رسول الإنسانية الأعظم محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في (٣ ـ ذي القعدة عام ١٤٠١ ه‍) بمناسبة أسبوع الوحدة.

١٣٩
١٤٠