البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

والثالث ، أن يكون منصوبا على الاستثناء المنقطع ، و «عليهم» الثانى ، فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله لأنّ معنى المغضوب عليهم ، الذين غضب عليهم ، وليس فيه ضمير لأنه لا يتعدّى إلا بحرف الجرّ. نحو ، ذهب بزيد ، وجلس إلى عمرو ولهذا لم يجمع.

قوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ) (٧)

«لا» زائدة للتوكيد عند البصريين ، وبمعنى غير عند الكوفيين ، وجاز أن يجمع بين السّاكنين فى (الضّالين) لأن الثانى منهما مشدّد ، وإنما جاز الجمع بين حرف العلّة إذا كان ساكنا مع الحرف المشدّد بعده ، لأن المشدّد وإن كان حرفين الأول منهما ساكن والثانى متحرك ، إلا أنهما قد صارا بمنزلة الحرف الواحد لأن اللسان ينبو عنهما نبوة واحدة ، فكأنه لم يجتمع ساكنان لمكان الحرف المتحرك بخلاف غير المشدّد ، على أن بعض العرب يبدل من الألف مع المشدّد همزة. فقد قالوا : (ولّ حأرّها من تولّى قأرّها) ، لأنه رام أن يحرك الألف لالتقاء الساكنين ، فلم يمكن تحريكها ، فأبدل منها الهمزة ، لقربها فى المخرج.

وعلى هذه اللغة قرئ فى الشّواذّ.

(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ) (٤) (١) ، (وَلَا الضَّالِّينَ)

بإبدال الألف همزة.

وأما «آمين» فدعاء ، وليس من القرآن وهو اسم من أسماء الأفعال ومعناه ، اللهمّ استجب ، وفيه لغتان ، القصر والمدّ. قال الشاعر فى القصر :

__________________

(١) سورة الكهف ١٧

٤١

٤ ـ تباعد منى فطحل وابن أمّه

أمين فزاد الله ما بيننا بعدا (١)

وقال آخر فى المد :

٥ ـ يا رب لا تسلبنّى حبّها أبدا

ويرحم الله عبدا قال آمينا (٢)

وأمين بالقصر على وزن فعيل ، وآمين بالمدّ فهو على وزن فاعيل ، وهذا البناء ليس من أبنية كلام العرب وإنما هو من أبنية كلام العجم كهابيل وقابيل.

وزعم بعض النحويين أنّ الألف نشأت عن إشباع الفتحة كما نشأت فى قراءة من قرأ (لا تخف دركا ولا تخشى) (٣) ، والقياس ، ولا تخش لأنه مجزوم بالعطف على (لا تخف) إلّا أنه أشبع فتحة الشين (٤) فنشأت عنها الألف وهو ضعيف فى القياس. والله أعلم.

__________________

(١) قال الزجّاج فى قول القارئ بعد الفراغ من فاتحة الكتاب (آمين) : فيه لغتان : تقول العرب (أمين) بقصر الألف ، و (آمين) بالمد ، والمد أكثر. وأنشد فى لغة القصر «تباعد منى فطحل» (البيت) ـ (لسان العرب : أمن).

(٢) قال عمر بن أبى ربيعة فى لغة من مد (آمين) : يا رب لا تسلبنّى (البيت) (لسان العرب : أمن).

(٣) سورة طه ٧٧

(٤) «اللام» ب.

٤٢

غريب إعراب سورة البقرة

قوله تعالى : (الم) (١)

أحرف مقطعة مبنية غير معربة ، وكذلك سائر حروف الهجاء فى أوائل السّور ، وقد تعرب إلّا أن يخبر بها أو عنها ، أو تعطف بعضها على بعض ، فالإخبار بها نحو ، أن تقول : هذه ألف ، والإخبار عنها ، نحو ، أن تقول : الألف حسنة ، والعطف ، نحو ، أن تقول : فى الكتاب ألف ولام ، وموضعها. من الإعراب نصب بفعل مقدّر ، وتقديره ، اقرأ ألم. ويجوز أن يكون رفعا على تقدير مبتدأ ، والتّقدير : هذا ألم ، وقد أجاز الفرّا : (١) أن يكون (الم) مبتدأ ، «وذلك» خبره ، وأنكره أبو إسحاق الزّجاج (٢).

قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ) (٢)

«ذا» اسم إشارة مبنىّ لشبه الحرف ، ولتضمّنه معنى الحرف ، وهو بكماله الاسم عند البصريين.

وأصله (ذىّ) بالتشديد فحذفت إحدى الياءين وقلبت الياء الأخرى ألفا ، ولهذا جازت فيها الإملة ، وذهب الكوفيون إلى أن الإسم هو الذال وحدها ، وزيدت الألف تكثيرا للكلمة ، وتقوية لها. واللام فى (ذلك) للتنبيه بمنزله (ها) فى (هذا) ولهذا لا يجوز أن يقال : ها ذلك. كما يجوز ، ها ذاك لئلا يجمع بين علامتى تنبيه.

__________________

(١) أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء. أعلم الكوفيين بالنحو توفى سنة سبع ومائتين.

(٢) أبو إسحاق بن السّرىّ بن سهل الزجاج ـ توفى سنة ٣١١ ه‍.

٤٣

وقيل : زيدت اللام لتدلّ على بعد المشار إليه ، وكسرت لالتقاء الساكنين ، وقيل : كسرت لئلا تلتبس بلام الملك ، فى قولهم : ذالك ، أى فى ملكك ، «والكاف» للخطاب ، ولا موضع لها من الإعراب ، لأنه لو جاز أن يكون لها موضع من الإعراب ، لم يكن إلّا الجرّ للإضافة ، وهى أيضا معدومة ها هنا لعدم الرافع والناصب ، لأن اسم الإشارة لا يضاف إلى ما بعده لأنه معرفة ، وإذا كان معرفة فى نفسه استغنى عن تعريف غيره ، فإن الكحل يغنى عن الكحل ، وإذا عدم الموجب للجرّ كما عدم الموجب للرفع والنصب ، علم أنها للخطاب ، ولا موضع لها من الإعراب.

و «ذلك» فى موضع رفع ، وذلك من أربعة أوجه.

الأول : أن يكون مبتدأ ، و «الكتاب» خبره.

والثانى : أن يكون خبر مبتدإ مقدّر ، وتقديره : هو ذلك الكتاب.

والثالث : أن يكون «الكتاب» بدلا من ذلك.

والرابع : أن يكون عطف بيان.

قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) (٢)

«لا» حرف نفى يراد بنفيه نفى الجنس. وبنى «ريب» مع (لا) ، لأنه معه بمنزلة (خمسة عشر) ، وبنى على حركة تفضيلا له على ما بنى وليس له حالة إعراب ، وكانت الفتحة أولى لأنّها أخفّ الحركات.

وفى «فيه» قراءتان مشهورتان «فيه» بكسر الهاء من غير ياء ، و «فيهى» بإثبات الياء ، فمن قرأ : فيه ، بكسر الهاء من غير ياء قال : إنّا لو أثبتنا الياء الساكنة بعد الهاء وقبلها ياء ساكنة ، لكنّا قد جمعنا بين ساكنين ، وذلك لأنّ الهاء حرف خفىّ ، فلا عبرة بحركتها ، فكأنّك لم تأت بها ، والدليل على ذلك أنه يجوز أن تقول : الأمر من ردّ ، يردّ : ردّ وردّ وردّ. بالضمّ والفتح

٤٤

والكسر ، فلو وصلته بضمير المذكر ، لقلت : ردّه. بالضّمّ ، لا يجوز غيره لأنّك كأنك لم تأت بالهاء ، كأنّك قلت : ردّوا.

وكذلك لو وصلته بضمير المؤنث. نحو ، ردّها ، لما جاز فيه إلا الفتح ، لأنك كأنك قلت : ردّا.

ومن قرأ ، «فيهى» بإثبات الياء ، أتى به على الأصل.

والأصل (١) فى «فيهى» : فيهو. بضم الهاء ، وإثبات الواو ، إلا أنه كسرت الهاء لمكان الياء ، لأنّ الياء تجلب الإمالة فى الألف ، فجعلوا الكسرة فى الهاء ، بمنزلة الإمالة فى الألف ، لأنّها تشبهها ، فلما كسرت الهاء انقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

وقراءة من قرأ (فيه) أوجه من قراءة من قرأ (فيهى) لما بيّنا ، وموضع (فيه) رفع ، لأنه خبر (لا) وموضع (لا ريب فيه) : رفع ، لأنه خبر (ذلك).

قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢)

«هدى» يحتمل أن يكون فى موضع رفع ونصب ، فالرفع من أربعة أوجه.

الأول : أن يكون خبر مبتدإ مقدّر ، وتقديره ، هو هدى.

والثانى : أن يكون خبرا بعد خبر ، فيكون (ذلك) مبتدأ ، و (الكتاب) عطف بيان ، (ولا ريب فيه) خبر أول (٢) ، (وهدى) خبر ثان.

والثالث : أن يكون مبتدأ (وفيه) خبره ، والوقف على هذا القول على (لا ريب).

__________________

(١) (والأ) أ

(٢) كذا فى ب. وفى أ : (خبر الأول ، وهدى خبر ثانى) وفيه تحريف.

٤٥

والرابع : أن يكون مرفوعا بالظرف على قول الأخفش (١) والكوفيّين. والنصب على الحال من (ذا) أو من (الكتاب) أو من الضّمير فى (فيه) فإنّ جعلته حالا من (ذا) أو من (الكتاب) فالعامل فيه معنى الإشارة ، وإن جعلته حالا من الضمير فى (فيه) فالعامل فيه معنى الفعل المقدّر وهو استقرّ.

والتنوين من (هدى) مدغم فى اللام من (للمتقين) ، وهو يدغم فى ستّة أحرف وهى ، الياء والواو والنون والميم والراء واللام ، وهى حروف (يرملون) ، ويظهر مع ستّة أحرف ، وهى حروف الحلق ، وهى الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء ؛ ويخفى مع سائر الحروف ، وحكم النون الساكنة حكم التنوين فى الإدغام والإظهار والإخفاء ، فيما يدغم فيه من الحروف ويظهر ويخفى.

و «المتقين» أصله ، (موتقيين) على وزن مفتعلين من (وقيت) فأبدلت الواو تاء ، وأدغمت فى تاء الافتعال ، فصارتا تاء مشددة ، واستثقلت الكسرة على الياء الأولى التى هى اللام ، فحذفت تخفيفا ، فبقيت الياء التى هى اللام ساكنة ، وياء الجمع ساكنة ، فاجتمع ساكنان وهما لا يجتمعان ، فحذفت الياء الأولى التى هى اللام لسكونها وسكون ياء الجمع بعدها ، لئلا يجمع بين ساكنين ، وكانت الأولى أولى بالحذف من الثانية ، لأن الثانية دخلت لمعنى ، وهو الجمع ، والأولى لم تدخل لمعنى ، فكان حذفها أولى ، ووزنه بعد الحذف (مفتعين) لحذف اللّام منه.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (٣)

«الذين» يحتمل أن تكون فى موضع جرّ ورفع ونصب ، فالجرّ على أنه صفة (للمتقين) أو بدل منهم ، والرفع على أنّه مبتدأ ، وخبره (أولئك على هدى). أو على أنه خبر مبتدإ مقدّر وتقديره (هم الذين) ، والنّصب ، على تقدير (أعنى). و (يُؤْمِنُونَ) صلته (٢).

__________________

(١) أبو الحسن الأخفش الأوسط : سعيد بن مسعدة المجاشعى توفى سنة خمس عشرة ومائتين (عن طبقات النحاة للزبيدى).

(٢) (صفته) ب.

٤٦

وأصله : يؤأمنون بهمزتين ، فحذفت إحداهما استثقالا لاجتماع همزتين ، وكان حذف الأولى أولى لأنّها زائدة لا لمعنى والثانية أصلية ، فلمّا وجب حذف إحداهما ، كان حذف الزائدة أولى من حذف الأصليّة ، لأن الزائدة أضعف ، والأصليّة أقوى ، وحذف الأضعف أولى من حذف الأقوى فبقى (يؤمنون) بهمزة ساكنة.

ويجوز أن تقلب واوا لسكونها ، وانضمام ما قبلها كما تقلب فى (جؤنة ، وسؤل).

قال الله تعالى :

(قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى)(١).

إلا أن هذا القلب مع الياء والتاء والنون جائز نحو ، يومن ، وتومن ، ونومن ؛ ومع الهمزة واجب نحو ، أومن ، وذلك لأن أصله : أأأمن. بثلاث همزات. فاستثقلوا اجتماع ثلاث همزات لأنهم إذا استثقلوا اجتماع همزتين فلأن يستثقلوا اجتماع ثلاث همزات أولى ، فحذفوا الثانية ، وكان حذفها أولى من الأولى والثالثة ، أمّا الأولى فلأنّها أبعد من الطرف ، وأما الثالثة فإنّهم لو حذفوها لافتقروا إلى تسكين الثانية وقلبها واوا ، فيؤدّى إلى تغييرين. وإذا حذفوا الثانية لم يفتقروا إلّا إلى قلبها واوا فقط لأنّها ساكنة فيؤدّى إلى تغيير واحد ، والمصير إلى ما يؤدى إلى تغيير واحد أولى من المصير إلى ما يؤدّى إلى تغييرين ، وإذا جاز القلب فى (يومن) وما أشبهه وإن لم يجتمع فيه همزتان وجب فى نحو (أأأمن). لوجود اجتماع ثلاث همزات إذ ليس بعد الجواز إلا الوجوب.

قوله تعالى : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) (٣)

أصل (يُقِيمُونَ) (يؤقومون) على وزن (يؤفعلون) فحذفوا الهمزة منه وإن لم يجتمع فيه همزتان ، حملا على ما اجتمع فيه همزتان ، ألا ترى أنّك تقول : أقيم. وأصله (أأقوم) فحذفت الهمزة الثانية لئلا يجمع بين همزتين ، ثم حذفوها

__________________

(١) سورة طه ٣٦.

٤٧

مع الياء والتاء والنون. نحو ، يقيم وتقيم ونقيم ، حملا على أقيم ، لئلّا تختلف طرق تصاريف الكلمة ، كما قالوا : يعد وأصله يوعد. فحذفوا الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، ثم حذفوها مع الهمزة والنون والتاء. فى نحو ، أعد ونعد وتعد ، وإن لم تقع بين ياء وكسرة حملا على يعد ، لئلا تختلف طرق تصاريف الكلمة ، فكذلك هاهنا ، حذفت الهمزة فى (يؤقومون) فبقى (يقومون) على وزن (يفعلون) ، ثم نقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها فسكنت الواو وانكسر ما قبلها ، فقلبت ياء فصار (يقيمون) على وزن (يفعلون).

و «الصّلاة» أصلها (صلوة) على وزن (فعلة) ، فتحرّكت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، والدليل على أنّها منقلبة عن واو قولهم فى جمعها (صلوات) وكتبوا الصلاة (١) بالواو على لغة الأعراب. لأنّهم ينحون بها نحو الواو (٢).

قوله تعالى : (يُوقِنُونَ) (٤)

أصله (يؤأقنون) على وزن (يؤفعلون) من اليقين. يقال : أيقن يوقن وأصله (يؤيقن) فحذفت الهمزة لما بيّنا فى (يؤمن) ، فبقيت الياء ساكنة مضموما ما قبلها ، فقلبت واوا ، كقولهم : موسر. وأصله ، ميسر لأنّه من اليسر (٣) إلّا أنه لمّا وقعت الياء ساكنة مضموما ما قبلها ، قلبت واوا. وكذلك ، موقن ، أصله ، ميقن ، فقلبت الياء منه واوا (٤) لما بيّنا.

وهذا قياس مطّرد فى كلّ ياء ساكنة قبلها ضمّة ، ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) (٥)

__________________

(١) (الصلوة) ب.

(٢) (بها) أ.

(٣) (لأنه من اليسر) أ.

(٤) (فقلبت الواو ياء) أ

٤٨

«أولاء» (١) اسم إشارة ، ويصلح للجماعة والمذكر والمؤنث ، وهو مبنىّ لأنّه أشبه الحرف وتضمّن معناه ، وإنما بنى على حركة لالتقاء الساكنين ، وكانت الحركة كسرة ، لأنّها الأصل فى التقاء الساكنين ، وموضعه الرفع لوجهين.

أحدهما أنه مبتدأ ، و (على هدى) خبره.

والثانى أن يكون خبر (الذين يؤمنون) إذا جعل (الذين) مبتدأ ، والكاف للخطاب ولا موضع لها من الإعراب ، وواحد (أولاء) إذا كان لجماعة المذكر (ذا) ، وإذا كان لجماعة المؤنّث (ذى وذه وتى وتا).

قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (٦)

«سواء» مرفوع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مبتدأ و (أنذرتهم أم لم تنذرهم) خبره. كقولهم : سواء علىّ أقمت أم قعدت.

فإن قيل : الجملة إذا وقعت خبرا للمبتدإ وجب أن يعود منها ضمير إلى المبتدإ ، وليس فى الجملة الواقعة خبرا للمبتدإ هاهنا ضمير يعود إلى المبتدإ. قلنا : هذا الكلام محمول على المعنى ، والتقدير ، سواء عليهم الإنذار وتركه ، وسواء علىّ القيام والقعود ، ونظير تنزيل الفعل هنا منزلة المصدر. قولهم : تسمع بالمعيدىّ خير من أن تراه. فإنه منزّل منزلة (سماعك) ، وإذا تنزّل الفعل فى هذا الكلام منزلة المصدر كان (سواء) خبرا مقدما فى المعنى ، وإن كان مبتدأ فى اللفظ. ألا ترى أنّ معنى الخبر متصوّر فيه وهو الاستواء ، ومعنى المخبر عنه متصوّر فى الإنذار وتركه ، والقيام والقعود كقولك : الإنذار وتركه مستويان عليهم ، والقيام والقعود مستويان علىّ ، والجملة من المبتدإ وخبره فى موضع رفع لأنه خبر (إنّ). والهمزة فى (ءأنذرتهم) لفظها لفظ الاستفهام ومعناها الخبر ؛ فإن الاستفهام يرد فى كلامهم والمراد به الخبر ، كما يرد الخبر والمراد به الاستفهام.

__________________

(١) (أولئك) ب

٤٩

كقوله تعالى :

(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(١)

وتسمّى هذه الهمزة همزة التسوية ، ولا تكون التسوية إلّا مع (أم). وسمّيت همزة التسوية لأنّك إذا قلت : أزيد عندك أم عمرو ، فقد استويا عندك فى أنّك لا تدرى أيّهما عنده ، مع تحقّق (٢) وجود أحدهما ، وهاهنا استوى الإنذار وتركه فى حقّ من سبق فى علم الله أنّه لا يؤمن.

والثانى : أن يكون (سواء) مرفوعا لأنه خبر (إن) وما بعده فى موضع رفع بفعله ، لأن (سواء) فى معنى اسم الفاعل ، واسم الفاعل إذا وقع خبرا عمل عمل الفعل ، والتقدير فيه ، إنّ الّذين كفروا مستو عليهم الإنذار وتركه.

ويجوز فى (أنذرتهم) ستّة أوجه.

الأول : (أأنذرتهم) بهمزتين.

والثانى : (أانذرتهم) بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية ، بجعلها بين بين.

والثالث : (أاأنذرتهم) بإدخال ألف بين الهمزتين وتحقيقهما.

والرابع : (أاانذرتهم) بإدخال ألف بين الهمزتين ، وتحقيق الأولى وتخفيف الثّانية بجعلها بين بين.

والخامس : (عليهم انذرتهم) بحذف الهمزة الأولى ، وإلقاء حركتها على الميم.

والسادس : (أنذرتهم) بهمزة واحدة.

فأمّا (أأنذرتهم) بهمزتين. فعلى الأصل ، لأنّ الأولى همزة الاستفهام والثانية همزة أفعل. وهذا الوجه غير مختار ، وإن كان هو الأصل لما فيه من استثقال الجمع بين همزتين ، وهو صعب على اللسان ، ولهذا لم يكن من لغة أهل الحجاز.

__________________

(١) سورة الشعراء ٢١

(٢) (تحقيق) ب

٥٠

وأما الثانى : وهو تحقيق الأولى وجعل الثانية بين بين ، فهو قوى فى القياس لأنّ به يزول استثقال الجمع بين الهمزتين ، وجعل الثانية بين بين أولى من الأولى لأنّ بها يقع الاستثقال ، ولهذا أجمعوا على ذلك فى (آمن) وما أشبهه.

وأمّا الثالث : وهو (أاأنذرتهم) بإدخال الألف بين الهمزتين وتحقيقهما فزادوا الألف استثقالا لاجتماع الهمزتين كما زادوها للفصل فى تأكيد فعل جماعة النسوة نحو ، اضربنان يا نسوة.

وأما الرابع : (آأنذرتهم) بإدخال ألف بين الهمزتين وتحقيق الأولى ، وتخفيف الثانية بجعلها بين بين فإنما خففوا الثانية بجعلها بين بين لأنهم أرادوا التخفيف من جهتين.

وأما الخامس : وهو (عليهم انذرتهم) بحذف الهمزة الأولى وإلقاء حركتها على الميم ، فإنّهم حذفوا الهمزة الأولى تخفيفا ، وألقوا حركتها على السّاكن قبلها ، لأنّ من عادتهم إذا خفّفوا الهمزة بالحذف وقبلها ساكن أن يلقوا حركتها عليه. كقولهم : من أبوك ، وكم ابلك ، وما أشبه ذلك.

وأما السادس : وهو (أنذرتهم) بهمزة واحدة ، فعلى حذف همزة الاستفهام ، وهو ضعيف فى كلامهم (١) وإنما جاء فى الشّعر ، كقول الشاعر :

٦ ـ شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر (٢)

أراد : أشعيث؟

وكقول الآخر :

٧ ـ بسبع رمين الجمر أم بثمان (٣)

__________________

(١) ب : (القياس)

(٢) الشطر الثانى لبيت من شواهد سيبويه ١ / ٤٨٥ ، وهو للأسود بن يعفر التميمى. وصدره :

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

(٣) الشطر الثانى لبيت من شواهد سيبويه ١ / ٤٨ وهو لعمر بن أبى ربيعة. وصدره :

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

٥١

أراد : أبسبع؟

قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (٧)

إنما وحّد (سَمْعِهِمْ) ولم يجمعه كقلوبهم وأبصارهم لثلاثة أوجه.

الأول : أن السّمع مصدر والمصدر اسم جنس يقع على القليل والكثير ، ولا يفتقر إلى التثنية والجمع.

والثانى : أن يقدّر مضاف على لفظ الجمع ، والتقدير ، على مواضع سمعهم. فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه.

والثالث : أن يكون اكتفى باللفظ المفرد لمّا أضافه إلى الجمع. لأن إضافته إلى الجمع يعلم بها أنّ المراد به الجمع وهو كثير فى كلامهم وأشعارهم. قال الشاعر :

٨ ـ فى حلقكم عظم وقد شجينا (١)

أى : فى حلوقكم.

وقال الآخر :

٩ ـ كلوا فى بعض بطنكم تعفّوا (٢)

أى : فى بعض بطونكم.

وضعّف سيبويه هذا الوجه وزعم أن هذا إنما يجىء كثيرا فى الشّعر ، وليس كذلك لمجيئه كثيرا فى كتاب الله تعالى : قال الله تعالى :

(لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ)(٣).

__________________

(١) الشطر الثانى لبيت من شواهد سيبويه ١ / ١٠٧ وهو للمسيب بن زيد بن مناة الغنوى. وصدره :

لا تنكر القتل وقد سبينا

(٢) هذا الشطر الأول لبيت من شواهد سيبويه ١ / ١٠٨ ولم ينسبه لقائل ، وعجزه :

فإن زمانكم زمن خميص

(٣) سورة إبراهيم ٤٣

٥٢

وقال تعالى :

(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ)(١).

وقال تعالى :

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ)(٢).

ومن قرأ بإمالة «أبصارهم» فلمكان كسرة الرّاء ؛ فإنّ الرّاء إذا كانت مكسورة ، جلبت الإمالة ، وإذا كانت مضمومة أو مفتوحة منعت الإمالة ، وإن وجد سببها. ومن قرأ «غشاوة» بالرّفع ؛ فلأنّه مبتدأ وخبره الجارّ والمجرور قبله ، ومن قرأ «غشاوة» بالنصب ، فعلى تقدير فعل ، والتقدير ، وجعل على أبصارهم غشاوة.

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) (٨).

إنما حرّكت نون «من» لالتقاء الساكنين ، وكان الفتح أولى بها من الكسر ، وإن كان هو الأصل (٣) ، لانكسار الميم قبلها ، وكثرة الاستعمال ، ألا ترى أنهم قالوا : عن الناس ، فكسروا النون لفتحة العين قبلها ، وجوّزوا كسرة النّون فى قولهم : من ابنك. لعدم كثرة الاستعمال ، وإن وجدت الكسرة قبلها.

«والناس» عند سيبويه أصله ، أناس ؛ لأنه من الأنس أو الإنس ، فحذفت الهمزة ، وجعلت الألف واللام عوضا عنها كما جعلت عوضا عن همزة (إله) ووزن النّاس (العال) لذهاب الفاء منه.

وقيل : أصله (نوس) على وزن فعل ، من ناس ينوس إذا اضطرب. فتحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، والدليل على أن الألف منقلبة عن واو ، قولهم فى تصغيره : نويس.

__________________

(١) سورة الأعراف ١٥٧

(٢) سورة سبأ ١٥

(٣) (وإن كان هو الأصل) ب فى هامش الصفحة

٥٣

وذهب الكوفيون إلى أن أصله : نسى. على وزن فعل (١) من نسيت. فقدّمت اللّام إلى موضع العين فصار نيسا فتحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، ووزنه (فلع) لتقدّم اللّام على العين.

و «يقول» أصله (يقول) على يفعل بضمّ العين ، فنقلت الضمة عن الواو التى هى العين إلى القاف التى هى الفاء لاعتلالها فى الماضى ، وهو (قال) لأنه الأصل فى الإعلال فى الكلام (٢) ، ووحّد الضمير فى الفعل حملا على لفظ (من) ولو جمع فى الكلام (٣) حملا على المعنى لكان جائزا لأنّها تارة يحمل الضمير فى الفعل على لفظها فيوحّد ، وتارة يحمل على معناها فيجمع.

قال الله تعالى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)(٤)

وقال فى موضع آخر :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)(٥)

قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) (٩)

جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (من) ويجوز أن تكون جملة مستأنفة فلا يكون لها موضع من الإعراب.

قوله تعالى : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) (٩)

وقرئ «وما يخدعون».

__________________

(١) (على وزن فعل) ب

(٢) (فى الكلام) ب

(٣) ولو جمع (الضمير فى الفعل) ب

(٤) سورة الأنعام ٢٥

(٥) سورة يونس ٤٢

٥٤

فمن قرأ : «يخادعون» بالألف أراد به ازدواج الكلام والمطابقة لأن قبله (يخادعون الله) ليطابق لفظ المنفىّ لفظ المثبت ، لأنّه نفى بقوله : وما يخادعون ، ما أثبت لهم بقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ). ومعنى (يخادعون الله) أى ، يفعلون فعل المخادع ، وإن كان الحقّ تعالى ، لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السّماء. وقيل : يخادعون الله ، أى ، يخادعون نبىّ الله. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، كقوله تعالى :

(وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)(١)

أى ، حبّ العجل. وكقوله تعالى :

(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها)(٢)

أى ، أهل القرية وأهل العير وهذا كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (١٠)

«الباء» تتعلّق بفعل مقدّر ، والتقدير ، ولهم عذاب أليم استقرّ لهم بما كانوا يكذبون و «ما» مع الفعل بعدها فى تقدير المصدر ، والتقدير ، بكونهم يكذبون. و «يكذبون» جملة فعلية فى موضع نصب ، لأنّها خبر كان.

وفى «يكذبون». قراءتان ، التّخفيف والتّشديد ، فالتخفيف من كذب ، والتشديد من كذّب. وكذّب أبلغ من كذب ، لأن من كذّب الرّسل فقد كذب أيضا.

قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) (١١)

«إذا» ظرف زمان مستقبل ، وهو مبنىّ لثلاثة أوجه :

__________________

(١) سورة البقرة ٩٣

(٢) سورة يوسف ٨٢

٥٥

الأول : أنّها تضمّنت معنى الحرف ، لأنّ كلّ ظرف لا بدّ فيه من تقدير حرف وهو (فى) ألا ترى أنّك إذا قلت : صمت يوما ، وقمت ليلة أى ، صمت فى يوم ، وقمت فى ليلة. فلمّا لم يجز ها هنا فيه تقدير (فى) فكأنّه قد تضمّن معنى الحرف ، والاسم إذا تضمّن معنى الحرف ، وجب أن يكون مبنيّا.

والثانى : أنه لا يفيد مع كلمة واحدة كما أنّ الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة ، والحرف مبنىّ فكذلك ما أشبهه.

والثالث ، أنّه تضمّن معنى حرف الشّرط ، والاسم متى تضمّن معنى الحرف ، وجب أن يكون مبنيا.

واختلفوا فى العامل فيه ، فمنهم من ذهب إلى أنّ العامل فيه (قيل). ومنهم من ذهب إلى أنّ العامل فيه فعل دلّ عليه الكلام.

قال : ولم يجز أن يكون العامل فيه (قيل) لأنّه مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل فى المضاف (١).

ومنهم من ذهب إلى أنّ العامل فيه (قالوا) وهو جواب (إذا).

و «قيل» أصله (قول) فنقلت الكسرة من الواو إلى القاف فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

وقرئ بإشمام القاف الضّمّة ، تنبيها بالإشمام على أصل الكلمة.

وحكى عن بعض العرب إخلاص ضمّة القاف ، وحذف كسرة الواو ، وإبقاء الواو على حالها.

و «لهم» فى موضع رفع بقيل ، لأنّه مفعول ما لم يسمّ فاعله.

قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (١١)

«ما» من «إنّما» كافّة ، وليس للجملة بعدها موضع من الإعراب.

__________________

(١) (والمضاف إليه لا يعمل فى المضاف) ب

٥٦

وزعم ابن السّرّاج أنّ لها موضعا من الإعراب وهو الرفع بخبر (إنّ) وذلك غلط : لأنّ (ما) كفّت (إنّ) عن العمل ، فلا تعمل نصبا ولا رفعا ، لا لفظا ولا موضعا ، و «ما» تأتى فى كلامهم على وجوه كثيرة ، وقد أفردنا فيها كتابا.

و «نحن» ضمير مرفوع (١) منفصل ، وهو مبنىّ لأنّه مضمر ، وبنى على حركة لالتقاء الساكنين ، وبنى على الضّم لأنّه يقع للجمع والواو من علامات الجمع ، والضمّ أخو الواو فكان الضمّ أولى.

وقيل : هو من علامات المرفوع فحرّك بما يشبه الرّفع وهو الضّمّ ، وقد قيل فيه عدة أقاويل (٢).

قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) (١٢)

«ألا» حرف استفتاح ، وكسرت (إنّ) لأنّها مبتدأة.

ويجوز أن تفتح إذا جعلت (ألا) بمعنى ، حقّا. و (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) يجوز أن يكون (هم) مبتدأ. و (الْمُفْسِدُونَ) خبرا ، والجملة من المبتدإ والخبر فى موضع رفع لأنّها خبر (إنّ).

ويجوز أن يكون (هم) فصلا لا موضع لها من الإعراب ، أو تكون توكيدا للهاء والميم فى (إنّهم) ، و «والمفسدون» خبر (إن).

قوله تعالى : (كَما آمَنَ النَّاسُ) (١٣)

«الكاف» فى (كما) فى موضع نصب لأنّها وصف لمصدرا محذوف ، وتقديره ، آمنوا إيمانا كما آمن الناس. و «ما» هاهنا مصدريّة وتقديره ، كإيمان الناس.

__________________

(١) (ضمير رفع) ب

(٢) (وقد قيل فيه عدّة أقاويل) أ

٥٧

وكذا القول فى قوله تعالى :

(كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) (١٣).

قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥)

«يعمهون» (١) جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم (٢) فى (يمدّهم) والعامل فيه الفعل ، وهو (يمدّ) ، وتقديره : يمدّهم عمهين وإن شئت (عامهين) فقد قالوا عمه فهو عمه وعامه إذا تحيّر.

قوله تعالى : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) (١٦)

أصل «اشتروا» اشتريوا ، فتحرّكت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، وحذفت الألف لسكونها وسكون واو الجمع بعدها ، وكان حذفها أولى لأنّ الواو دخلت لمعنى ، والألف ما دخلت لمعنى ، فكان حذفها أولى.

وقيل : استثقلت الضمّة على الياء فحذفت تخفيفا ، فاجتمع ساكنان الياء والواو ، فحذفت الياء لالتقاء السّاكنين ، وكانت أولى بالحذف لما قد بيّنا (٣) فى الوجه الأول وهو أقيس القولين ؛ وحرّكت الواو لالتقاء الساكنين ، ولم تحرّك بالكسر على الأصل فى التحريك لالتقاء الساكنين ، فرقا بين واو الجمع ، والواو الأصليّة ، نحو ، لو استطعنا ، وكانت الضمة أولى لثلاثة أوجه :

الأول : أنّها واو جمع ، فضمّت كما ضمّت النّون فى (نحن).

والثانى : أنّها حرّكت بمثل حركة الياء المحذوفة قبلها.

والثالث : لأنّ الضمة فى الواو أخفّ من الكسرة التى هى الأصل ، لأنّها من جنسها.

__________________

(١) (يعمهون) ب

(٢) (والميم) ب

(٣) (لما قدمنا فى القول الأول) ب

٥٨

وقد قرئ بالكسر على الأصل ، وقرئ بالفتح طلبا للخفّة ، وأجاز الكسائى همزها لانضمامها وهو ضعيف لأن الواو إنّما تقلب همزة إذا انضمّت ضمّا (١) لازما ، وهذه ضمة عارضة لالتقاء الساكنين ، فلا تقلب لأجلها همزة.

قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧)

إنما قال : (اسْتَوْقَدَ) و «ما حوله» (٢) بالإفراد. ثم قال : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ) بالجمع ، لأنّه نزّل (الّذى) منزلة (من) ، و (من) يردّ الضمير إليها تارة بالإفراد ، وتارة بالجمع ، ونظير هذه الآية. قوله تعالى :

(وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)

بالإفراد ، ثم قال :

(أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(٣) بالجمع.

و «استوقد» فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون (استوقد) بمعنى (أوقد) كاستجاب بمعنى أجاب فيكون متعدّيا إلى مفعول واحد وهو قوله : نارا.

والثانى : أن تكون السّين فيه للطّلب فيكون متعدّيا إلى مفعولين ، والتقدير ، استوقد صاحبه. فصاحبه المفعول الأول ، ونارا المفعول الثانى ، (فَلَمَّا أَضاءَتْ) «لما» ظرف زمان ، والعامل فيه (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ). و «أضاءت» أصله ، أضوأت. لأنّه من الضّوء ، إلّا أنّهم نقلوا فتحة الواو إلى ما قبلها ، وقلبت ألفا لتحرّكها فى الأصل وانفتاح ما قبلها الآن ، فصار ، أضاءت. و «ما» اسم

__________________

(١) (ضمة) ب

(٢) (وما حولها) ب

(٣) سورة الزمر ٣٣

٥٩

موصول بمعنى الذى. و «حوله» الصّلة ، وهو فى تقدير الجملة ، و «ما» فى موضع نصب لأنّه مفعول أضاءت ؛ وأضاءت ، يكون لازما ، ومتعديا ، والأفعال التى تكون لازمة ومتعدية تنيّف على ثمانين فعلا.

و (لا يُبْصِرُونَ) جملة فعلية منفية فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم فى (تركهم) أى ، تركهم فى ظلمات غير مبصرين.

قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) (١٨)

«صم» جمع أصمّ ، و «بكم» جمع أبكم ، وعمى جمع أعمى. وهو مرفوع لأنّه خبر مبتدإ محذوف ، وتقديره ، هم صم ، هم بكم عمى (١). وقد قرئ بالنصب لوجهين :

أحدهما : على الحال من الهاء والميم فى (تركهم).

والثانى : على تقدير (أعنى).

قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (١٩)

«أو» هاهنا للإباحة ، والكاف من (٢) «كصيّب» فى موضع رفع بالعطف على الكاف فى قوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) لأنّه مرفوع لكونه خبرا لقوله مثلهم. وتقديره ، مثلهم كمثل أصحاب صيّب ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، والدليل على صحة هذا التقدير قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) فعود هذا (٣) الضّمير يدلّ على صحّة هذا التقدير ، وأصل «صيّب» صيوب ، لأنّه من صاب يصوب إذا نزل ، ووزنه عند البصريين (فيعل) إلّا أنّه لمّا اجتمعت الياء والواو ، والسابق منهما ساكن قلبوا الواو

__________________

(١) (هم صم بكم عمى) ب

(٢) (فى) ب

(٣) (هذا) ب

٦٠