البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

منصوب على الحال من الواو فى (انفروا).

قوله تعالى : (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) (٤٧).

جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الواو فى :

(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ).

قوله تعالى : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) (١) (٦١).

أذن خير ، خبر مبتدأ مقدر ، وتقديره ، هو أذن خير ، أى ، هو مستمع خير وصلاح ، لا مستمع شر وفساد ، والمراد بالأذن جملة صاحب الأذن. ورحمة ، قرئ بالرفع والجر ، فمن قرأه بالرفع كان مرفوعا بالعطف على قوله : (أذن) ومن قرأه بالجر كان مجرورا على (خير) ، أى ، وهو أذن رحمة ، فكما أضاف أذنا إلى الخير أضافه إلى الرحمة ، لأن الرحمة من الخير والخير من الرحمة.

قوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (٦٢).

تقديره ، والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه. فحذف خبر الأول لدلالة خبر الثانى عليه. وهذا مذهب سيبويه.

وذهب أبو العباس المبرد إلى أنه لا حذف فى الكلام ولكن فيه تقديم وتأخير ، وتقديره عنده ، والله أحق أن يرضوه ورسوله. فالهاء على قول المبرد تعود إلى الله تعالى. والله ، مبتدأ. وأن يرضوه ، بدل منه. وأحق ، خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون : الله ، مبتدأ. وأن يرضوه ، مبتدأ ثان. وأحق ، خبره. والمبتدأ الثانى وخبره ، خبر عن [المبتدأ] الأول ، وقد قدمنا هذا فى :

__________________

(١) (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) هكذا فى أ ، ب.

٤٠١

(فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ)(١).

قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (٦٣).

فأن له ، فيه أربعة أوجه :

الأول : أن يكون فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، فالواجب أنّ له نار جهنم ، وإليه ذهب على بن سليمان الأخفش.

والثانى : أن يكون فى موضع رفع بالاستقرار على تقدير محذوف بين الفاء وأنّ ، وتقديره ، فله أنّ له نار / جهنم ، وإليه ذهب أبو على الفارسى.

والثالث : أن (أنّ) مبدلة من (أنّ) الأولى فى موضع نصب بيعلموا ، وهذا مذهب سيبويه.

والرابع : أنها مؤكّدة للأولى فى موضع نصب ، والفاء ، زائدة ، وهذا مذهب أبى عمر الجرمى وأبى العباس المبرد ، ويلزم على الوجهين الأخيرين جواز البدل والتأكيد قبل تمام المبدل منه والمؤكّد ، ولم يوجد ههنا ، لأن (أن) من قوله (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ) لم يتم قبل الفاء ، فكيف تبدل منها أو تؤكّد قبل تمامها وتمامها إنما يكون بتمام خبرها ، وهو الشرط وجوابه ، وإذا لم يتم فكيف تبدل منها أو تؤكد.

قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ) (٦٤).

أن وصلتها ، فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، من أن تنزل. ويجوز أن تكون فى موضع جر على إرادة حرف الجر ، لأن حرف الجر يكثر حذفه معها دون غيرها ، وقد قدمنا العلة فى ذلك.

قوله تعالى : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ

__________________

(١) ١٣ سورة التوبة.

٤٠٢

قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ (١) كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) (٦٩).

الكاف فى (كالذين) فى موضع نصب لأنها صفة مصدر محذوف ، وتقديره ، وعدا كما وعد الذين من قبلكم. ودل على تقدير هذا المصدر قوله تعالى قبل هذه الآية :

(وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ)

فالكاف فى

(كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ)

فى موضع نصب أيضا صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، استمتاعا كاستمتاع الذين من قبلكم. والكاف فى كالذى خاضوا ، فى موضع نصب أيضا صفة مصدر محذوف ، وتقديره وخضتم خوضا كالخوض الذى خاضوا.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) (٧٩).

الذين ، اسم موصول. ويلمزون ، صلته ، وهو فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وفى الصدقات ، من صلة يلمزون. وما بين (يلمزون) و (فى الصدقات) داخل فى صلة الذين.

والذين لا يجدون إلا جهدهم ، عطف على (الذين يلمزون). وخبر المبتدأ الذى هو (الذين) فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون (فيسخرون منهم سخر الله منهم).

والثانى : أن يكون مقدرا ، وتقديره ، ومنهم الذين يلمزون.

__________________

(١) (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) جملة ساقطة من أ.

٤٠٣

قوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) (٨١).

خلاف / ، منسوب لأنه مفعول له ، وقيل : لأنه مصدر.

قوله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) (٨٣).

الكاف ، فى موضع نصب برجع ، وهو يكون متعديا كما يكون لازما. يقال : رجع ورجعته ، نحو : زاد وزدته ، ونقص ونقصته (فى أفعال تزيد على ثمانين فعلا (١).

قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) (٨٧).

الخوالف : جمع خالفة ، فإن فاعلة يجمع على فواعل ، كقاتلة وقواتل ، وضاربة وضوارب ، والخوالف النساء.

قوله تعالى : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) (٩٤).

نبّأ ، بمعنى أعلم ، وهو يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، ويجوز أن يقتصر على واحد ، ولا يجوز أن يقتصر على اثنين دون الثالث ، ولهذا لا يجوز أن يكون (من) فى قوله : (مِنْ أَخْبارِكُمْ) زائدة ، لأنها لو كانت زائدة ، لكانت قد اقتصرت على مفعولين دون الثالث ، وذلك لا يجوز ، وإنما تعدّى إلى مفعول واحد ثم تعدّى بحرف جر.

قوله تعالى : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) (٩٨).

يقرأ بضم السين وفتحها ، فمن قرأه بالضم فمعناه الضرر والمكروه ، ومن فتحها فمعناه الفساد والرداءة. والدائرة ، ما يحيط بالإنسان حتى لا يجد له منه مخلصا ، وأضيف إلى السّوء والسّوء على جهة التأكيد والبيان ، كقولهم : شمس النهار ، ولو لم يذكر الإضافة لكان المعنى مفهوما.

قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (١٠١).

__________________

(١) ساقطة من ب.

٤٠٤

تقديره ، قوم مردوا على النفاق ، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه.

قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (١٠٣).

تطهّرهم وتزكيهم ، جملتان فعليتان فى موضع نصب ، وفى النصب وجهان :

أحدهما : أنه انتصب على الحال من المضمر فى (خذ) والتاء فى أول الفعل للخطاب.

والثانى : أن يكون (تطهرهم) وصفا لصدقة (وتزكيهم) حالا من الضمير فى (خذ) كالوجه الأول ، والتاء فى (تطهرهم) لتأنيث الصدقة ، والتاء فى (تزكيهم) للخطاب.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) (١٠٧).

والذين اتخذوا ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ /. والخبر (لا يزال بنيانهم). وضرارا ، منصوب من وجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول به ، وما بعده من المنصوبات عطف عليه فى كلا الوجهين ، فنصبها لأنها مصادر أو مفعولات.

قوله تعالى : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) (١٠٨).

تقديره ، من تأسيس أول يوم. فحذف المضاف ، لأن (من) لا تدحل على ظروف الزمان ، وذهب الكوفيون إلى أنها تدخل على ظروف الزمان ، فلا تفتقر إلى تقدير حذف يضاف.

قوله تعالى : (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) (١٠٩).

٤٠٥

أصل هار ، هائر فقلب ، كما قالوا : لاث فى لائث ، وشاك فى شائك ، ووزنه فالع فحذفت الياء كما حذفت فى نحو قاض ورام ، فى الرفع والجر ، وقد يجوز ألا تقدر المحذوف لكثرة الاستعمال ويجرى مجرى الصحيح كقولهم : يوم راح وكبش ضاف.

قوله تعالى : (التَّائِبُونَ) (١١٢).

فى رفعه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون بدلا من الواو فى قولهم : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هم التائبون.

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ وخبره (الآمرون) وما بعده.

قوله تعالى : (كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (١١٧).

فيه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون فى (كاد) ضمير الشأن والحديث وهو اسمها. ويزيغ قلوب ، جملة مركبة من فعل وفاعل فى موضع نصب لأنه خبر كاد ، وهى تفسير لضمير الشأن ، وجاز إضمار الشأن فى (كاد) دون (عسى) لأنها أشبهت كان الناقصة ، فإنها لا تستغنى عن الخبر بخلاف عسى فإنها قد (١) تستغنى عن الخبر إذا وقعت (أن) بعدها.

والثانى : أن القلوب رفع بكاد لأنه اسمها. ويزيغ ، خبرها ، وتقديره. كاد قلوب فريق يزيغ ، وهو قول أبى العباس المبرد.

والثالث : أن يكون فى (كاد) ضمير القبيل ، لتقدم ذكر أصحاب النبى عليه‌السلام ، فى قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) ، وتقديره ، كاد قبيل يزيغ قلوب فريق منهم. وهذا قول أبى الحسن الأخفش.

والوجه الأول أوجه الأوجه.

__________________

(١) ساقطة من ب.

٤٠٦

قوله تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) (١١٨).

معطوف على النبى فى الآية السابقة (١). وتقديره ، لقد تاب الله على النبى وعلى الثلاثة الذين خلّفوا.

قوله تعالى : (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) (١٢١).

اسم منقوص كقاض ، ودخلته الفتحة فى النصب لخفتها ، وجمعه أودية ، وليس فى كلامهم فاعل جمع على أفعلة غيره.

قوله تعالى : (عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) (١٢٨).

ما ، مصدرية وهى مع عنتم فى تأويل المصدر ، وتقديره ، عزيز عليه عنتكم ، وهو مرفوع من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بعزيز لأنه وقع صفة لرسول.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ. وعزيز ، خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنها صفة رسول.

__________________

(١) أى (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ ...) الآية ١١٧ التوبة.

٤٠٧

غريب إعراب سورة يونس

قوله تعالى : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ) (٢).

أن مع صلتها فى تأويل المصدر وهو فى موضع رفع لأنه اسم كان. وعجبا ، خبره. واللام فى للناس ، متعلقة بمحذوف لأنه صفة لعجب ، فلما تقدم صار حالا ، ولأن صفة النكرة إذا تقدمت عليها انتصبت على الحال. قال الشاعر :

٩٢ ـ والصالحات عليها مغلقا باب (١)

أى ، باب مغلق. فلما قدم صفة النكرة نصبها على الحال ، ولا يجوز أن تتعلق اللام بكان ، لأنها لمجرد الزمان ، ولا تدل على الحدث الذى هو المصدر فضعفت ، فلم يتعلق بها حرف الجر.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) (٥).

مفعول ثان لجعل ، وقرئ : ضئاء بهمزتين على قلب اللام إلى موضع العين ، فصارت العين بعد الألف ، فانقلبت همزة ، لأنا إن قلنا : إن العين نقلت إلى موضع اللام وهى الياء ، فالياء إذا وقعت طرفا وقبلها ألف زائدة قلبت همزة نحو رداء. وقيل : قلبت ألفا لأن الألف خفية زائدة ساكنة والحرف الساكن حاجز غير حصين ، فكأنها قد تحركت وانفتح ما قبلها ، والياء إذا تحركت وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثم قلبت الألف همزة لالتقاء الساكنين.

وإن قلنا : إن الياء عادت إلى أضلها وهى الواو فقد وقعت الواو طرفا وقبلها ألف زائدة نحو كساء قلبت همزة ، وقيل قلبت ألفا على ما بينا فى الياء.

__________________

(١) لم أقف على صاحب هذا الشطر من البيت.

٤٠٨

قوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) (١١).

استعجالهم ، منصوب على المصدر ، وتقديره ، استعجالا مثل استعجالهم. فحذف المصدر وصفته وأقام ما أضيفت الصفة إليه مقامه.

قوله تعالى : (دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) (١٢).

لجنبه ، فى موضع نصب على الحال والعامل فى الحال (دعانا) ، ومنهم / من ذهب إلى أن العامل فيها (مسّ) أى مس الإنسان مضطجعا أو قاعدا أو قائما. والذى عليه الأكثرون هو الأول.

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) (١٨).

هؤلاء ، إشارة إلى (ما) من قوله تعالى :

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ)

حملا على معنى (ما) لأنها ههنا فى معنى الجمع ، وإن كان لفظها مفردا ، كما أن (من) تقع على الجمع وإن كان لفظها مفردا وقد قدمنا ذكره.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢٣).

بغيكم ، مبتدأ. وعلى أنفسكم ، خبره. ومتاع ، يقرأ بالرفع والنصب والجر وليس من المشهور. فالرفع من وجهين :

أحدهما : أن يكون خبرا بعد خبر لقوله : (بَغْيُكُمْ).

والثانى : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو متاع الحياة الدنيا. والنصب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا بفعل مقدر ، وتقديره ، يبتغون متاع الحياة الدنيا.

٤٠٩

والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر بفعل مقدر ، وتقديره ، تمتعوا متاع الحياة الدنيا. والجر على البدل من الكاف والميم من قوله : (عَلى أَنْفُسِكُمْ) ، وتقديره ، إنما بغيكم على متاع الحياة الدنيا.

قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) (٢٤).

أصل (ازينت) تزينت فأدغمت التاء فى الزاى بعد قلبها زايا ، وقلبت التاء زايا ولم تقلب الزاى تاء لأن فيها زيادة صوت وهى من حروف الصفير ، فلما أدغمت فيها سكن الأول عند الإدغام ، لأن الحرف المدغم بحرفين ، الأول ساكن والثانى متحرك ، فلما سكن الأول افتقر إلى إدخال همزة الوصل لئلا يبتدأ بالساكن فصار (ازّينت).

وقد قرئ وازّاينت وأصله تزاينت فأدغمت التاء فى الزاى على قياس ما قدمنا. وقرئ : ازّينت على وزن افتعلت ، وكان القياس أن تعل الياء فتقلب ألفا كقولهم : أرانت من الرّين وهو الغطاء ، وأسارت من السير ، إلا أنه أتى به على الأصل ولم يعله كما أتى : اطيبت واطولت على الأصل.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) (٢٧).

ترهقهم ذلة : معطوف على (كسبوا) ، وجاز أن يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه لأنها جملة مبينة للأول وليست أجنبية منه. والباء فى (بمثلها) زائدة ، وتقديره ، وجزاء سيئة سيئة مثلها. كما جاء فى موضع آخر ((وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(١)).

قوله / تعالى : (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) (٢٧).

__________________

(١) ٤٠ سورة الشورى.

٤١٠

قرئ قطعا بفتح الطاء وإسكانها. فمن قرأ بفتح الطاء كان جمع قطعة ويكون (مظلما) منصوبا (١) على الحال من (الليل) ، ولا يجوز أن يكون منصوبا على الوصف لقطع لأنه كان يجب أن يقال : مظلمة. ومن قرأ بإسكان الطاء جاز أن يكون (مظلما) منصوبا على الوصف لقوله : قطعا ، وجاز أيضا أن يكون منصوبا على الحال من (الليل).

قوله تعالى : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) (٢٨).

مكانكم ههنا اسم من أسماء الأفعال ، وهى اسم لالزموا ، كما أن (مه) اسم لاكفف ، و (صه) اسم لاسكت ، وفتحة النون فتحة بناء لقيامه مقام فعل الأمر ، وقيل : لتضمنه معنى لام الأمر. وأنتم ، توكيد للمضمر فى (مكانكم). وشركاؤكم ، معطوف عليه لوجود التوكيد ، كقوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٢) وفزيلنا بينهم ، من زيّلت الشىء من الشىء إذا نحيته ، ولا يجوز أن يكون فعّلنا (٣) من زال يزول ، لأنه يلزم فيه الواو ، فيقال : زوّلنا.

قوله تعالى : (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣).

أن وصلتها ، يجوز أن يكون فى موضع نصب وجر ورفع ، فالنصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، بأنهم أو لأنهم ، فلما حذف حرف الجر اتصل الفعل به فنصبه. والجر بأن يجعل حرف الجر فى نية الإثبات ، وإنما حذف للتخفيف.

والرفع على أن يكون بدلا من (كلمة).

قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) (٣٥).

من ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وأحق ، خبره ، وفى الكلام محذوف ، وتقديره ،

__________________

(١) (منصوب) فى أ. ب.

(٢) ٣٥ سورة البقرة. ١٩ سورة الأعراف.

(٣) (فعليا) فى ب.

٤١١

أحق ممن لا يهدى. وأن يتبع ، فى موضعه وجهان : النصب والرفع.

فالنصب على تقدير حذف حرف الجر.

والرفع على البدل من (من) وهو بدل الاشتمال. وأحق ، الخبر.

ويحتمل أن يجعل (أن) مبتدأ ثانيا. وأحق ، خبره مقدم عليه ، والجملة من المبتدأ والخبر ، خبر عن المبتدأ الأول وهو (من).

ويهدّى ، أصله يهتدى ، وفيها أربع قراءات :

الأولى يهدّى بفتح الهاء وتشديد الدال.

والثانية يهدّى بسكون الهاء وتشديد الدال.

والثالثة بكسر الهاء وتشديد الدال.

والرابعة بكسر الهاء والياء وتشديد الدال. فمن قرأ يهدّى بفتح الهاء فأصله يهتدى فنقل فتحة التاء إلى الهاء وأبدل من التاء دالا وأدغم الدال فى الدال.

ومن / قرأ بسكون الهاء حذف فتحة التاء ولم ينقلها إلى الهاء فبقيت الهاء ساكنة على أصلها ، وأشار بعض القراء إلى فتحها ولم يخلصها ساكنة فرارا من التقاء الساكنين.

ومن قرأ بكسر الهاء ففرارا من التقاء الساكنين لأنه الأصل فى التقاء الساكنين. ومن قرأ بكسر الهاء والياء كسر الياء إتباعا لكسرة الهاء ، وهو كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣٥).

ما ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. ولكم ، خبره. وكيف ، فى موضع نصب بتحكمون.

قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٣٦).

شيئا ، منصوب لأنه فى موضع المصدر ، أى ، غناء ، كقوله :

(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)(١)

__________________

(١) ٣٦ سورة النساء.

٤١٢

أى ، إشراكا.

قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) (٣٧).

تصديق ، منصوب لأنه خبر كان مقدرة ، وتقديره ، ولكن كان هو تصديق ، أى القرآن.

وأجاز الكسائى الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، ولكن هو.

قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (٤٢).

إنما قال : يستمعون حملا على المعنى ، لأن معناها الجمع.

وقوله تعالى : (مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) (٤٣).

إنما قال (ينظر) حملا على اللفظ لأن لفظها مفرد.

قوله تعالى : (وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١) (٤٤)

ذهب جماعة من النحويين إلى أنّ الاختيار فى (لكن) إذا جاءت معها الواو أن تكون مشددة ، وإذا جاءت بغير واو أن تكون مخففة. قال الفراء : لأنها إذا كانت بغير واو وأشبهت (بل) فخففت لتكون مثلها فى الاستدراك ، وإذا جاءت بالواو خالفت فشددت ، فمن شدّدها ، كان ما بعدها منصوبا لأنه اسمها ، ومن خففها رفع ما بعدها على الابتداء ، وما بعده الخبر.

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) (٤٥).

يوم ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا بتقدير اذكر.

__________________

(١) (ولكن الناس كانوا) هكذا فى ب.

٤١٣

والثانى : أن يكون منصوبا على الظرف والعامل فيه يتعارفون.

والكاف فى (كأن) فى موضع نصب وذلك من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم فى (يحشرهم) ، وتقديره ، يوم يحشرهم متشابهين.

والثانى : أن يكون صفة مصدر محذوف ، وتقديره ، يحشرهم حشرا مشابها لحشر يوم لم يلبثوا قبله.

والثالث : أن يكون صفة (ليوم) على تقدير محذوف أيضا وتقديره ، كأن لم يلبثوا قبله. فحذف قبله فصارت الهاء متصلة بيلبثوا ، فحذفت للطول (١) / كما تحذف من الصلات. وكأن مخففة من الثقيلة ، وتقديره ، كأنهم لم يلبثوا. والواو فى (يلبثوا) عائدة إلى الهاء والميم فى (يحشرهم). ويتعارفون ، جملة فعلية ، يجوز أن تكون فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (لم يلبثوا) ، ويجوز أن تكون فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هم يتعارفون.

قوله تعالى : (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) (٥٠).

فى (ماذا) وجهان ، قدمنا ذكرهما وجوّز بعض النحويين وجها ثالثا.

على أن تكون (ما) مبتدأ ، ويستعجل ، خبره على حد قولهم : زيد ضربت ، أى ضربته ، وأنكر جوازه بعض النحويين ، وقال هذا إنما يجوز فى ضرورة الشعر.

كقول الشاعر :

٩٣ ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى

علىّ ذنبا كلّه لم أصنع (٢)

__________________

(١) (للطرف) فى أ.

(٢) البيت من شواهد الكتاب ١ ـ ٤٤ ، وقد نسبه سيبويه إلى أبى النجم العجلى.

٤١٤

أى ، لم أصنعه. ولا يجوز مثله فى اختيار الكلام. ومثله قراءة ابن عامر فى سورة الحديد :

(وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى)(١)

أى ، وعده. فدل على جوازه ، وإن كان هذا الحذف قليلا فى اختيار الكلام.

قوله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) (٥٣).

يستنبئونك ، يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون بمعنى ، يستخبرونك ، فيتعدى إلى مفعولين ، فالمفعول الأول الكاف ، وقوله (أحق) هو جملة اسمية فى موضع المفعول الثانى.

والثانى : أن يكون بمعنى يستعلمونك فيتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، فتكون الجملة الاسمية قد سدّت مسدّ المفعولين.

قل إى وربى : (إى) حرف يكون مع القسم بمعنى نعم ، ومنه قولهم. إيها الله. بمعنى إى والله. وجواب القسم (إنه لحق).

قوله تعالى : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) (٦١).

الهاء فى (منه) تعود على (الشأن) على تقدير حذف المضاف ، وتقديره ، وما (٢) تتلو من أجل الشأن من قرآن ، أى ، يحدث لك شأن فتتلو القرآن من أجله.

قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي

__________________

(١) ١٠ سورة الحديد.

(٢) (وإن) فى أ.

٤١٥

الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١).

يقرأ : لا أصغر ولا أكبر ، بالرفع بالعطف على موضع (من) وتقديره ، وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر ولا أكبر.

ويقرأ : ولا أصغر ولا أكبر بالجر فى صورة النصب ، فإنه اعتبر اللفظ ، لأن مثقال ذرة ، فى اللفظ مجرور. وفى كتاب مبين ، موضعه الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو فى كتاب مبين.

قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرى) (٦٣ ، ٦٤).

الذين آمنوا ، يجوز أن يكون فى موضع نصب على الوصف لاسم (إن) أو للبدل منه فى قوله تعالى :

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ) ، ويجوز / النصب على تقدير ، أعنى ، ويجوز الرفع لأنه مبتدأ. ولهم البشرى ، خبره ، والبشرى ، مرتفع بلهم فى قول سيبويه ، كقول أبى الحسن ، لأنه وقع خبرا عن المبتدأ ، ويجوز أن تكون البشرى ، مبتدأ. ولهم ، خبره ، والجملة فى موضع رفع لأنها خبر (الذين) وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) (٦٦).

ما ، يحتمل أن تكون بمعنى الذى ، وبمعنى النفى ، وبمعنى الاستفهام والمراد به الإنكار. فإن كانت بمعنى الذى كانت فى موضع نصب بالعطف على (من) وتقديره ، ألا إن لله تعالى الأصنام الذين تدعونهم من دون الله شركاء. فحذف العائد من الصلة.

٤١٦

وشركاء. منصوب على الحال من ذلك المحذوف. وإن كانت نفيا كانت حرفا وكان التقدير ، وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إلا الظن. وانتصب شركاء بيدعون. والعائد إلى الذين الواو فى يدعون ومفعول (يتبع) قام مقامه (١) إن يتبعون إلا الظن. ولا ينتصب الشركاء بيتبع لأنك تنفى عنهم ذلك. والله تعالى قد أخبر به عنهم.

وإن كانت (ما) بمعنى الاستفهام والمراد به الإنكار والتوبيخ ، كانت اسما فى موضع نصب بيتبع ، وتقديره ، وأى شىء يتبع الذين يدعون.

قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) (٧١).

شركاءكم ، منصوب لوجهين :

أحدهما : أنه منصوب لأنه مفعول معه ، وتقديره ، فأجمعوا أمركم مع شركائكم ، لأنه يقال : أجمعت مع الشركاء ، ولا يقال : أجمعت الشركاء ، لأنه بمعنى عزمت.

والثانى : أن يكون منصوبا بتقدير فعل ، والتقدير ، فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم. وقيل التقدير ، وادعوا شركاءكم. وكذلك هى فى قراءة ابن مسعود (٢). والنصب على تقدير الفعل فى هذا النحو قول الشاعر :

٩٤ ـ إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا (٣)

وتقديره ، وكحلن العيون ، لأن العيون لا تزجج. وكقول الآخر :

__________________

(١) (يتبع قام مقامه) مكانه بياض فى أ.

(٢) عبد الله بن مسعود ، كان من أحفظ الصحابة لكتاب الله ، وأحد الستة الذين انتهى إليهم علم الصحابة. ت ٣٢ ه‍.

(٣) البيت للراعى النميرى ، واسمه عبيد بن حصين ، ويستشهد به فى العطف بالواو حيث عطف عاملا محذوفا قد بقى معموله ، والتقدير : وزججن الحواجب وكحلن العيون.

٤١٧

٩٥ ـ تراه كأنّ الله يجدع أنفه

وعينيه إن مولاه ثاب له وفر (١)

وتقديره ، ويفقأ عينيه ، لأن العين لا تجدع ، والشواهد على هذا النحو كثيرة جدا.

وقد قرئ : فاجمعوا أمركم. بألف وصل ، فيجوز على هذه القراءة أن يكون الشركاء منصوبا بالعطف على الأمر ، ويجوز أيضا أن يكون منصوبا على أنه مفعول معه.

وقد قرئ : وشركاؤكم بالرفع على أنه معطوف على الضمير المرفوع فى (فأجمعوا) لوجود الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وهو (أمركم) لأنّ الفصل يتنزل منزلة التوكيد ، كقوله تعالى :

(مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ)(٢).

قوله تعالى : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) (٧٤).

الضمير فى (كذبوا) يعود على قوم نوح ، أى فما كان قوم الأنبياء الذين أرسلوا بعد نوح ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح بل كذبوا كتكذيب قوم نوح.

قوله تعالى : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) (٨١).

ما ، يحتمل أن تكون اسما موصولا بمعنى الذى ، ويحتمل أن يكون استفهاما ، فإذا كانت اسما موصولا كانت مع الصلة فى موضع رفع بالابتداء. والسحر ، خبره. وإذا كانت استفهاما كانت أيضا فى موضع رفع بالابتداء. وجئتم به الخبر. والسحر ، خبر مبتدأ مقدر ، وتقديره ، هو السحر. ويجوز أن تكون (ما) فى موضع نصب

__________________

(١) البيت من مقطوعة لخالد بن الطيفان يذكر فيها مولى له ، الخصائص ٢ ـ ٤٣١.

وقبله :

ومولى كمولى الزبرقان دملته

كما دملت ساق تهاض بها كسر

(٢) ٢٨ سورة يونس.

٤١٨

على تقدير فعل بعد (ما) ، وتقديره : أى شىء جئتم به. والسحر. خبر مبتدأ مقدر على ما قدمنا فيما إذا كانت (ما) فى موضع رفع.

ولا يجوز أن تكون (ما) فى موضع نصب إذا كانت بمعنى الذى ، لأن ما بعدها صلتها والصلة لا تعمل فى الاسم الموصول ، ولا تكون تفسيرا للعامل الذى تعمل فيه.

وقد قرأ بعض القراء : السحر. بالمد ، فعلى هذه القراءة يجب أن تكون (ما) للاستفهام ، ولا يجوز أن تكون (ما) بمعنى الذى لأنها تبقى بلا خبر. ويجوز أن يكون السحر مرفوعا على البدل من (ما) وخبره خبر المبدل منه لأنه بدل من استفهام ، ويستوى البدل والمبدل منه فى لفظ الاستفهام ، ألا ترى أنك تقول : كم مالك أخمسون أم ستون ، فتجعل (خمسون) بدلا من (كم) وتدخل ألف الاستفهام على (خمسون) لأن المبدل منه وهو (كم) استفهام ، والاستفهام فى هذه الآية بمعنى التوبيخ لا بمعنى الاستخبار ، لأن موسى لم يستخبرهم لأنه قد علم أن ما جاءوا به سحر ، وإنما وبخهم على ذلك.

قوله تعالى : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) (٨٣).

ما جمع الضمير فى (ملئهم) لخمسة أوجه :

الأول : أنه إذا ذكر علم أن معه غيره ، فعاد الضمير إليه وإلى من معه.

والثانى : أنه إخبار عن جبّار والجبار مخبر عن نفسه بلفظ الجمع ، فيقول : نحن فعلنا. ومن هذا قوله : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)(١)).

والثالث : أنّ فى الكلام حذف مضاف ، وتقديره ، على خوف من آل فرعون. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

والرابع : أن جمع الضمير يعود على الذرية التى تقدم ذكرها.

__________________

(١) ٩٩ سورة المؤمنون.

٤١٩

والخامس : أنه يعود على القوم الذين تقدم ذكرهم ؛ قوله : أن يفتنهم ، فى موضع جر على البدل من فرعون وهو بدل الاشتمال.

قوله تعالى : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) (٨٧).

قال أبو على (*) : اللام فى قوله : (لقومكما) مقحمة ، وجعل تبوّءا متعديا مثل بوّأ ، يقال : بوّأته وتبوّأته ، كقولهم : علّقته وتعلّقته.

قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٨٨).

فلا يؤمنوا ، يجوز أن يكون منصوبا ومجزوما ، فالنصب على وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه معطوف على (ليضلوا عن سبيلك).

والثانى : أن يكون منصوبا على جواب الدعاء بالفاء بتقدير أن. والجزم على أنه دعاء عليهم.

قوله تعالى : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩).

يقرأ : ولا تتبعان بتشديد النون وتخفيفها. فمن قرأ بتشديد النون جعله نهيا بعد أمر. ومن قرأ بتخفيفها كان قوله : ولا يتبعان فى موضع نصب على الحال ، أى ، استقيما غير متبعين ، فتكون (لا) نافية لا ناهية.

قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) (٩٨).

قوم يونس ، منصوب من وجهين :

أحدهما : لأنه استثناء منقطع ليس من الأول.

__________________

(*) أبو على الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسى النحوى. له مؤلفات هامة فى النحو والقراءات أوفاها الحجة. ت ٣٧٧ ه‍.

٤٢٠