البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

قوله تعالى : (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) (١٨٧).

بغتة ، منصوب على المصدر فى موضع الحال.

قوله تعالى : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) (١٨٩).

منصوب لأنه صفة المفعول الثانى المحذوف ، وتقديره ، ابنا صالحا ، والمفعول الأول (نا) فى (آتيتنا).

قوله تعالى : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) (١٩٠).

قرئ : شركاء وشركا. فمن قرأ شركا ، أى ، جعلا لغيره شركا ، يعنى إبليس ، فحذف المضاف ، ولا بد من تقدير هذا الحذف لأنك لو لم تقدر هذا الحذف فيه لا نقلب المعنى وصار الذم مدحا لأنه يصير المعنى ، أنهما جعلا لله نصيبا فيما آتاهما من مال وغيره ، وهذا مدح لا ذم ، ومن قرأ : شركاء فهو جمع شريك ، وفعيل يجمع على فعلاء كظريف وظرفاء وشريف وشرفاء.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) (١٩٤).

عباد ، مرفوع لأنه خبر إن ، وقرئ (فى الشواذ) (١) : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) بنصب (عبادا أمثالكم) وتخفيف إن ، بجعل إن بمعنى (ما). والذين وصلته ، فى موضع رفع اسم (ما). وعبادا ، خبرها. وأمثالكم ، صفة (عبادا) وجاز أن يكون وصفا للنكرة ، وإن كان مضافا إلى المعرفة لأن الإضافة فى نية الانفصال وأنه لا يتعرف بالإضافة للشياع الذى فيه. واختلف العرب فى إعمال (إن) إذا كانت بمعنى (ما) فمنهم من أعملها ، ومنهم من أهملها ، فمن أعملها فلأنها بمنزلة (ما) وفى معناها وإليه ذهب المبرد ، ومن أهملها فلأنها أضعف منها وإليه ذهب سيبويه.

__________________

(١) زيادة فى ب.

٣٨١

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ) (٢٠١).

قرئ : طيف وطائف ، فمن قرأ (١) طيف جعله مخففا من طيّف وهو فعل من طاف ، كما خفف سيّد وميّت. ومن قرأ : طائف جعله اسم فاعل من طاف أيضا.

قوله تعالى : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ) (٢٠٢).

قرئ : يمدونهم بفتح الياء وبضمها ، فمن قرأ بالفتح جعله مضارع مدّ وهو ثلاثى ، ومن قرأ بالضم جعله مضارع أمدّ وهو رباعى ، وقيل مدّ فى الخير والشر ، وأمدّ فى الشر خاصة.

قوله تعالى : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) (٢٠٥).

تضرعا ، منصوب على المصدر ، وقيل : هو فى موضع الحال.

قوله تعالى : (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (٢٠٥).

الآصال ، جمع أصل ، وأصل جمع أصيل وهو العشىّ ، وقيل : أصل واحد كطنب. وقرئ فى الشواذ : والإيصال ، بكسر الهمزة ، مصدر أصلنا ، إذا دخلنا فى الأصيل. كما يقال : أصبحنا أى دخلنا فى الصباح ، وأظهرنا أى دخلنا فى وقت الظهر.

__________________

(١) ابتداء من هنا سقطت صفحات من ب وتقدر بعشر صفحات من حجم صفحات المخطوط (أ).

٣٨٢

غريب إعراب سورة الأنفال

قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) (١).

ذات ، أصلها ذوية فحذفوا اللام التى هى الياء كما حذفت من المذكر فى (ذو) فإن أصله : ذوى ، فلما حذفت / الياء من ذوية فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار ذات ، والوقف عليها بالتاء عند أكثر العلماء والقراء ، إلا ما روى عن أبى على قطرب وأبى حاتم السجستانى (١) من جواز الوقف عليها بالهاء لأنها هاء تأنيث ذى مال.

قوله تعالى : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) (٥).

الكاف ، للتشبيه ، وفيها ثلاثة أوجه :

الأول : أنها فى موضع نصب صفة لمصدر محذوف دل عليه الكلام ، وتقديره ، قل الأنفال ثابتة لله والرسول ثبوتا كما أخرجك ربك.

والثانى : أن تكون صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، يجادلونك جدالا كما أخرجك. والثالث : أن يكون وصفا لقوله : حقا ، وتقديره ، أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك.

قوله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ) (٦).

إذ ، تتعلق بفعل مقدر ، وتقديره ، واذكر يا محمد إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم. وإحدى الطائفتين ، فى موضع نصب لأنه مفعول ثان ليعد ، والمفعول الأول الكاف [والميم فى] يعدكم. وأنها لكم ، بدل من قوله : إحدى ، وهو بدل الاشتمال ،

__________________

(١) أبو حاتم سهل بن محمد السجستانى. كان عالما ثقة بعلم اللغة والشعر (ت ٢٥٥ ه‍).

٣٨٣

وتقديره ، وإذ يعدكم الله أن ملك إحدى الطائفتين لكم. ولا بد من تقدير حذف المضاف لأن الوعد إنما يقع على الأحداث لا على الأعيان.

قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩).

إذ تستغيثون ، بدل من (إذ) فى قوله : إذ يعدكم. وبألف ، فى موضع نصب بممدكم ، وقرئ : بآلف جمع ألف لأن فعلا يجمع على أفعل ، نحو فلس وأفلس ، وكلب وأكلب ، ويؤيد هذه القراءة قوله تعالى : ((بِخَمْسَةِ آلافٍ)(١)) وآلف جمع ألف لما دون العشرة ، ويقع على خمسة آلاف. ومن الملائكة ، صفة للألف.

ومردفين ، قرئ بالفتح والكسر مع التخفيف ، وقرئ : مردّفين بفتح الراء وتشديد الدال وكسرها ، وقرئ : مردفين بضم الراء مع تشديد الدال مع الكسر. فمن قرأه بالفتح فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا على الحال من الكاف والميم فى (ممدكم).

والثانى : أن يكون (مردفين) فى موضع جر لأنه صفة لألف أى متبعين بألف.

ومن قرأه بالكسر جعله وصفا لألف على أنهم أردفوا غيرهم ، أى ، أردف كل ملك ملكا. ومن قرأه مردّفين بفتح الراء وتشديد الدال وكسرها فكان أصله مرتدفين ، فنقل فتحة التاء إلى الراء الساكنة قبلها وأبدل من الياء دالا وأدغم الدال فى الدال. ومن قرأ مردّفين بضم الراء مع تشديد الدال والكسر فإن أصله أيضا مرتدفين فحذف فتحة التاء ، وأبدل منها دالا وأدغم الدال فى الدال ، فبقيت الدال الأولى ساكنة والراء قبلها ساكنة فحركت الراء لالتقاء الساكنين وضمت الراء إتباعا لضمة / الميم ، ولو كسرت لكان وجها فى القياس كقولهم فى (مقتتل مقتّل (٢)) بكسر القاف لالتقاء الساكنين بعد حذف الحركة والإدغام.

__________________

(١) ١٢٥ سورة آل عمران.

(٢) ١٢٥ سورة آل عمران.

٣٨٤

قوله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) (١١).

أمنة ، منصوب على أنه مفعول له.

قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) (١٣).

ذلك ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، أو خبر مبتدأ ، وتقديره ، ذلك الأمر ، أو الأمر ذلك.

قوله تعالى : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) (١٤).

ذلكم ، خبر مبتدأ مقدر ، وتقديره ، والأمر ذلكم. وأن للكافرين ، عطف على (ذلكم) وتقديره ، والأمر أن للكافرين عذاب النار.

وكذلك قوله تعالى : (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ) (١٨) وتقديره ، الأمر ذلكم ، والأمر أن الله موهن.

وكذلك قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٩).

فى قراءة من قرأ بفتح الهمزة ، وتقديره ، والأمر أن الله مع المؤمنين. ومن كسرها فعلى الابتداء والاستثناف.

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (٢٥).

تقديره ، ولا تصيبن ، فحذف الواو كقوله تعالى :

(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١).

أى ، وهم فيها خالدون. فحذف الواو. وقال الفراء : لا تصيبن فى موضع الجزم لأنه جواب الأمر ، أى ، اتقوا فتنة لم تصب الذين ظلموا منكم خاصة بل عمّت الناس

__________________

(١) ٤٢ سورة الأعراف. ٢٦ سورة يونس. ٢٣ سورة هود.

٣٨٥

عامة. وفى هذا الجواب طرف من النهى ، كما تقول : لا أرينّك ههنا ، أى : لا تكن ههنا فأراك. فكذلك ههنا ، النهى للفتنة ، والمراد به الذين ظلموا ، إلا أن جواب الأمر بمنزلة جواب الشرط ، والنون الثقيلة لا تستعمل فى جواب الشرط إلا فى ضرورة الشعر.

قوله تعالى : (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) (٢٧).

فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مجزوما بالعطف على قوله تعالى :

(لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ).

والثانى : أن يكون منصوبا على جواب النهى بالواو كقول الشاعر :

٨٩ ـ لا تنه عن خلق وتأتى مثله (١)

ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ) (٣٢).

يقرأ : الحق بالنصب والرفع ، فالنصب لأنه خبر كان ، ودخل (هو) فصلا بين الوصف والخبر ، ويسمى فصلا عند البصريين ، وعمادا عند الكوفيين. والرفع على أن (هو) مبتدأ ، والحق ، خبره. والمبتدأ وخبره فى موضع نصب لأنهما خبر كان.

قوله تعالى : (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ) (٣٤).

أن ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، من ألّا يعذبهم الله.

__________________

(١) من شواهد سيبويه ١ ـ ٤٢٤ ، وقد نسبه للأخطل ـ وهو لأبى الأسود الدؤلى ، وعجزه عار عليك إذا فعلت عظيم وقيل : للمتوكل الكنانى. وقد سبق الكلام عليه.

٣٨٦

والثانى : أن تكون زائدة.

والأول أوجه الوجهين.

وهم يصدون ، فى موضع نصب على الحال من الضمير المنصوب فى (يعذبهم).

قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) (٣٥).

مكاء ، منصوب لأنه خبر كان ، والهمزة فى (مكاء) بدل من الواو وأصله مكاو لأنه من مكا يمكو مكاء إذا صفر ، والمكاء الصفير ، إلا أنه لما وقعت الواو طرفا وقبلها ألف زائدة قلبت همزة.

وقيل : قلبت ألفا ، ثم قلبت الألف همزة لئلا يلتقى ساكنان ، وقلبت همزة لأنها أقرب الحروف إليها ، وقد قدمنا ذكرها. وتصدية ، معطوف على مكاء.

وفى أصل تصدية وجهان :

أحدهما : أن يكون أصله تصدده ، وهو من صدّى إذا امتنع ، فأبدلوا من الدال الثانية ياء ، ومعنى التصدية التصفيق.

والثانى : أن يكون من الصّدى وهو الصوت الذى يعارض الصوت ، فعلى هذا تكون الياء أصلية لا منقلبة.

وقرئ فى الشواذ بنصب صلاتهم ورفع مكاء وتصدية ، جعل اسم كان النكرة وخبرها المعرفة ، وهذا إنما يجوز فى الشعر لا فى اختيار الكلام.

قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (٤١).

ما ، اسم موصول بمعنى الذى. وغنمتم ، صلته ، والعائد إليه محذوف ، وتقديره ، غنمتموه. فإن لله خمسه ، خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فحكمه أن لله خمسه. وقيل : إن (أن) مؤكدة للأولى ، وهذا فاسد لأنه كان يؤدى إلى أن ننفى أن الأولى بلا خبر ، ولأن الفاء تحول بين المؤكّد والمؤكّد ، ولا يحسن أن تزاد فى مثل هذا الموضع.

٣٨٧

قوله تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) (٤٢).

إذ ، بدل من قوله : (يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) والعدوة ، قرئ بضم العين وكسرها وهما لغتان. والقصوى ، حقها أن يقال : القصيا مثل الدنيا ، إلا أنه جاء شاذا. والركب أسفل منكم. والركب ، اسم للجمع ، وليس بجمع تكسير (لراكب) بدليل قولهم فى تصغيره ركيب. قال الشاعر :

٩٠ ـ بنيته بعصبة من ماليا

أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا (١)

ولو كان جمع تكسير لراكب لكان يقول : رويكبون ، كما يقال فى تكسير شاعر : شويعرون ، يرده إلى الواحد ثم يصغره ، ثم يأتى بعلامة الجمع. والركب ، مبتدأ. وأسفل ، خبره ، وهو وصف لظرف محذوف ، وتقديره ، والركب مكانا أسفل منكم ، وأجاز قوم (أسفل) بالرفع على تقدير محذوف من أوّل الكلام ، وتقديره ، وموضع الركب أسفل منكم.

قوله تعالى : (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) (٤٢).

قرئ : حيى بالإظهار والإدغام. فالإظهار إجراء للماضى على المستقبل ، والمستقبل لا يجوز فيه الإدغام ، لا تقول فيه : يحيّا ، لأن حركته غير لازمة ، فكذلك الماضى ، والإدغام للفرق بين ما تلزم لامه حركة / كالماضى ، وما لا تلزم لامه حركة كالمستقبل ، وأجاز الفراء وحده الإدغام فى المستقبل ولم يجزه غيره.

قوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ) (٤٣).

إذ ، فى موضع نصب بفعل مقدر ، وتقديره ، واذكر إذ يريكهم الله.

وقوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) (٤٤).

__________________

(١) اللسان مادة (رجل) ، خزانة الأدب ٢ ـ ٢٢٠ طبعة بولاق.

٣٨٨

إذ ، معطوف على (إذ) الأولى وردّت الواو ميم الجمع مع المضمر ، لأن الضمائر ترد المحذوفات إلى أصولها ، وقد جاء عن بعض العرب حذفها مع الضمير وهى لغيّة رديئة ، واللغة الفصيحة إثباتها وهى لغة القرآن.

قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) (٤٧).

بطرا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال.

قوله تعالى : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) (٤٨).

لكم ، فى موضع رفع لأنه خبر (لا) ، وتقديره ، لا غالب كائن لكم. واليوم ، منصوب على الظرف ، والعامل فيه (لكم) ، ولا يجوز أن يكون اليوم خبر غالب لأن اليوم ظرف زمان ، وغالب جثة ، وظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : زيد يوم الجمعة ، لأنه لا فائدة فيه ، ولا يتعلق اليوم بغالب ، وإن كان فيه فائدة ، لأن تعليقه به يوجب تنوينه فيقال : لا غالبا ، لأنه يصير مشبها بالمضاف ، والمشبه بالمضاف يدخله الإعراب والتنوين ، كقولك : لا خيرا من زيد لك.

قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٥٠).

يضربون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (الملائكة) ، ولو جعل حالا من (الذين كفروا) لكان جائزا ، ولو كان فى مكان يضربون (ضاربين) لم يجز حتى يبرز الضمير الذى كان فيه ، لأن اسم الفاعل إذا جرى حالا على غير من هو له أو وصفا أو خبرا وجب إبراز الضمير الذى كان فيه. (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أى ، يقولون ذوقوا عذاب الحريق. فحذف القول ، وحذف القول كثير فى كتاب الله تعالى وكلام العرب.

٣٨٩

قوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٥١).

إنما قال : ذلك على خطاب الواحد ، ولم يقل : ذلكم على قياس اللغة الأخرى فى قوله : ذلكم بما قدمت أيديكم. فإن قياس هذه اللغة أن تجعل أول كلامك للمشار إليه الغائب ، وتؤخره للحاضر المخاطب وتأتى فى كل واحد منهما بعلامة التثنية والجمع والتأنيث ، إلا أنه أتى به ههنا بلفظ الواحد لأنه أراد به الجمع فكأنه قال : ذلك أيها الجمع. والجمع / بلفظ الواحد ، وهما لغتان جيدتان نزل بهما القرآن. وأن الله ، يجوز أن يكون فى موضع جر ونصب ورفع ، فالجر بالعطف على (ما) فى قوله تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ، والنصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، وبأن الله. والرفع بالعطف على (ذلك) أو على تقدير (ذلك).

قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) (٥٢).

الكاف فى (كدأب) صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، فعلنا ذلك بهم فعلا مثل عادتنا فى آل فرعون.

قوله تعالى : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) (٥٨).

تقديره ، فانبذ إليهم العهد وقابلهم على إعلام منك لهم. فحذف. وفى هذه الآية من لطيف الحذف والاختصار ما يدل على فصاحة القرآن وبلاغته.

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٥٩).

يحسبن ، قرئ بالتاء والياء ، فمن قرأ بالتاء كان (الذين كفروا) المفعول الأول ، وسبقوا المفعول الثانى ، كأنه قال : ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا سابقين. ومن قرأ بالياء كان (الذين كفروا) فى موضع رفع لأنه الفاعل ، وسبقوا ، تقديره ، أنهم سبقوا.

٣٩٠

فسدّا مسدّ المفعولين. وأنهم لا يعجزون ، تقرأ (أن) بكسر الهمزة وفتحها ، فالكسر على الابتداء ، والفتح على تقدير ، لأنهم.

قوله تعالى : (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (٦٠).

الهاء فى (به) فيها ثلاثة أوجه :

الأول : أنها تعود على (ما).

والثانى : أنها تعود على (الرّباط).

والثالث : أنها تعود على الإعداد الذى دل عليه (وأعدوا). وآخرين من دونهم ، وآخرين ، منصوب بالعطف على (عدو الله) أى ، ترهبون آخرين من دونهم.

قوله تعالى : (حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٤).

من ، فى موضعها وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع بالعطف على لفظ (الله) أى ، حسبك الله وتابعوك. والثانى : على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، وتقديره ، ومن اتبعك من المؤمنين كذلك. والنصب بالحمل فى العطف على المعنى ، ومعنى (حسبك الله) يكفيك الله ، فكأنه قال : يكفيك الله وتابعك.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً) (٦٥).

(فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (٦٦).

يقرأ : يكن ، بالتاء والياء ، فمن قرأ بالياء على التذكير فللفصل بين الفعل والفاعل ، ومن قرأ بالتاء فلتأنيث المائة ولم يعتدّ بالفصل. وقد فضّل (١) أبو عمرو : فإن تكن منكم مائة صابرة بالتاء لتأكيد التأنيث بالوصف.

(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ) (٦٨).

كتاب ، مرفوع بالابتداء. ومن الله ، صفة له ، وتقديره ، ثابت من الله. وسبق

__________________

(١) (خصّر) فى أ.

٣٩١

فيه وجهان ، الرفع والنصب ، فالرفع على أنه صفة أخرى لكتاب. والنصب على أنه حال من المضمر الذى فى الظرف. وخبر المبتدأ الذى هو كتاب محذوف ، وتقديره ، لو لا كتاب بهذه الصفة تدارككم لمسكم. ولا يجوز أن يكون (سبق) خبرا للمبتدأ ، لأن خبر المبتدأ بعد لو لا لا يجوز إظهاره.

قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) (٦٩).

حلالا طيبا ، نصب على الحال من (ما).

قوله تعالى : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ) (٧٣).

الهاء فى (تفعلوه) فيها وجهان :

أحدهما : أن تعود على الوارث.

والثانى : أن تعود على التناصر. وتكن ، تامة بمعنى : تقع لا تفتقر إلى خبر. وفتنة ، مرفوعة به ارتفاع الفاعل بفعله ، وقد قدمنا نظائره.

٣٩٢

غريب إعراب سورة براءة (*)

قوله تعالى : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (١).

فى رفع (براءة) وجهان :

أحدهما : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هذه براءة. ويكون (من الله) فى موضع رفع لأنه وصف براءة ، وتقديره ، براءة كائنة من الله.

والثانى : أن يكون مبتدأ وخبره (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) ولا يجعل (إلى) معمول الوصف.

قوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (٣).

وأذان ، معطوف على براءة ، ورفعه من الوجهين اللذين ذكرناهما فى براءة من أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو أنه مبتدأ ، ويكون خبره (إلى الناس يوم الحجّ).

وقيل : الأجود أن يكون خبره (أنّ الله برئ) أى ، أذان بهذه الصفة فى هذا الوقت كائنة بأن الله برىء. وإذا جعلته خبر مبتدأ مقدر ، بقى (أنّ) لا عامل فيه. ومن الله ، وصف لأذان كما كان وصفا لبراءة. ويوم الحج ، العامل فيه الصفة ، وقيل : محزى ، فى قوله تعالى :

(مُخْزِي الْكافِرِينَ) ، ولا يجوز أن يكون (أذان) لأنك قد وصفته ، والمصدر إذا وصف لم يعمل عمل الفعل.

قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (٣).

قرئ بالفتح فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، على ما قدمنا. ورسوله ، قرئ بالرفع والنصب ، فالرفع من وجهين :

__________________

(*) سورة التوبة.

٣٩٣

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره محذوف ، وتقديره ، ورسوله برىء. فحذف / لدلالة الأول عليه ، ونظائره كثيرة.

والثانى : أن يكون مرفوعا بالعطف على الضمير المرفوع فى (برىء) وجاز العطف على الضمير المرفوع وإن لم يؤكد ، لوجود الفصل بالجار والمجرور لأنه يقوم مقامه. وقيل : إنه معطوف على موضع اسم الله تعالى قبل دخول (أنّ) وهو الابتداء ، وذلك غير جائز ، لأن (أنّ) قد غيرت معنى الابتداء لأنها مع ما بعدها فى تأويل المصدر ، فليست ك (إنّ) المكسورة التى لا تدل على غير التأكيد فلا يغير دخولها معنى الابتداء. والنصب بالعطف على اللفظ وهذا ظاهر.

قوله تعالى : (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (٥).

كل ، فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا بتقدير حذف حرف الجر. وتقديره ، على كل مرصد. فلما حذف حرف الجر نصب.

والثانى : أن يكون منصوبا على الظرف.

قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (٦).

ارتفع (أحد) بفعل مقدر دل عليه الظاهر ، وتقديره ، وإن استجارك أحد من المشركين استجارك. لأن (إن) أمّ حروف الشرط فاقتضت الفعل ، فوجب تقديره فارتفع الاسم بعده لأنه فاعله.

قوله تعالى : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (١٢).

أئمة ، جمع إمام ، وأصله (أأممة) على أفعلة ، فألقيت حركة الميم الأولى على الهمزة الساكنة قبلها وأدغمت الميم الأولى فى الثانية ، وأبدل من الهمزة المكسورة ياء

٣٩٤

مكسورة ، ومن حقها قبل الإدغام أن تبدل ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها ، إذ أصلها السكون ، فأصلها البدل ، فكذلك أبدلت بعد نقل الحركة إليها ، ولا يجوز أن تجعل بين بين كالمكسورة فى (أئذا) لأن الحركة فى همزة أئذا أصلية لازمة غير منقولة ، بخلاف الحركة فى همزة أئمة ، فأبدلت فى أئمة لأن أصلها فى السكون البدل ، وجعلت الهمزة فى أئذا بين بين لأن أصلها فى الحركة أن تجعل بين بين ، ومعنى جعل الهمزة فى التخفيف بين بين ، أن تجعل بين الهمزة والحرف الذى حركتها منه ، فجعلت فى أئذا ، بين الهمزة والياء لأن حركة الهمزة الكسرة ، وهى من الياء. ولا أيمان لهم ، يقرأ بفتح الهمزة وكسرها ، فمن قرأ بالفتح فهو جمع يمين ، أى ، لا عهود لهم. ومن قرأ : لا إيمان بالكسر ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مصدر أمنته إيمانا من الأمن. لئلا يكون تكرارا لقوله (أئمة الكفر (١)).

والثانى : أن يكون من الإيمان بمعنى التصديق تأكيدا لقوله تعالى / : (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.)

قوله تعالى : (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ) (١٣).

فيه ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون (الله) مرفوعا لأنه مبتدأ. وأن تخشوه ، بدل منه. وأحق ، خبر المبتدأ.

والثانى : أن يكون (الله) مبتدأ. وأحق ، خبره. وأن تخشوه ، فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، فالله أحق من غيره بأن تخشوه. أى ، بالخشية. والثالث : أن يكون (الله) مرفوعا بالابتداء. وأن تخشوه ، مبتدأ ثان. وأحق ، خبر المبتدأ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر المبتدأ الأول.

قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا) (١٦).

__________________

(١) (لله الكفر) فى أ.

٣٩٥

أن وصلتها ، فى موضع نصب بحسب ، وسدت مع الصلة مسد المفعولين ، وذهب أبو العباس المبرد إلى أنها مع الصلة مفعول أول ، والمفعول الثانى مقدر.

قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (١٩).

فى هذا الكلام حذف مضاف ، وفى الحذف وجهان :

أحدهما : أن يكون الحذف من أول الكلام وتقديره ، أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وأصحاب عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله.

والثانى : أن يكون الحذف من آخره ، وتقديره ، أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله. وإنما وجب تقدير الحذف ليصح المعنى.

قوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) (٢٥).

يوم ، منصوب بالعطف على موضع (فى موا طن) وتقديره ، ونصركم يوم حنين.

قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ) (٢١).

نعيم مقيم ، مرفوع لأنه مبتدأ. ولهم ، خبر المبتدأ. والجملة فى موضع جر صفة (لجنات) والضمير فى (فيها) يعود على (الجنات) ، وقيل : يعود على (الرحمة) ، وقيل : يعود إلى (البشرى) ودل عليها يبشرهم ، وكذلك الضمير فى (فيها) الثانية ، يحتمل أن يعود إلى ما عادت إليه الأولى.

قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (٣٠).

يقرأ عزير بتنوين وغير تنوين ، فمن قرأ بالتنوين كان (عزير) مبتدأ. وابن ، خبره. ولا تحذف الألف فى (ابن) من الخط ، ويكسر التنوين لالتقاء الساكنين ومن قرأه بغير تنوين ففيه ثلاثة أوجه :

٣٩٦

الأول : أن يكون (عزير) مبتدأ. وابن خبره ، وحذف التنوين لسكونه وسكون الباء من (ابن) كقراءة من قرأ :

(أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ)(١).

فحذف التنوين لسكونه وسكون اللام وكقول الشاعر :

٩٠ ـ غطيف الذى أمج داره

أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع (٢) /

فحذف التنوين من غطيف.

والثانى : أن يكون جعل قوله : (ابن الله) صفة (لعزير) وابن إذا كان صفة لعلم مضافا إلى علم حذف التنوين من الأول ، كقولك : زيد بن عمرو. فعلى هذا يكون عزير ، مبتدأ ، وابن ، صفته ؛ وخبر المبتدأ محذوف وتقديره ، وقالت اليهود عزير ابن الله معبودهم. وحذف الخبر للعلم به كما يحذف المبتدأ للعلم به.

والثالث : أن يكون (عزير) غير منصرف للعجمة والتعريف كإبراهيم وإسماعيل ، وهذا أضعف الوجوه ، لأنه عند المحققين عربى مشتق من (عزّره) إذا عظّمه ووقّره.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها) (٣٤).

إنما قال : ينفقونها ، لأن عادتهم أن يخبروا عن أحد الشيئين وهو لهما ، وإذا كان هناك دليل يدل على اشتراك بينهما كقوله تعالى :

__________________

(١) ١ ، ٢ سورة الإخلاص.

(٢) الإنصاف ٢ ـ ٣٨٨ ـ لسان العرب مادة (أمج) ـ وأول البيت فيهما (حميد) ـ الأمج : حر شديد ـ وأمج : موضع بين مكة والمدينة. وانظر الكامل ١ ـ ١٤٨ ، ولم يذكر قائله.

٣٩٧

(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)(١)

ولم يقل إليهما. وكقوله تعالى :

(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ)(٢)

وكقوله تعالى :

(وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٣)

وكقول الشاعر :

٩١ ـ (٤) إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسود

ما لم يعاض كان جنونا (٥)

فقال : يعاض ، ولم يقل يعاضيا (٦) ، وهذا كثير فى كلامهم. وقيل : الهاء والألف تعود على الكنوز لدلالة يكنزون عليها. وقيل : يعود على الأموال لأن الذهب والفضة أموال. وقيل : يعود على الذهب لأنه يذكر ويؤنث. وقيل : يعود على الفضة لدلالة قوله : ينفقونها عليها.

قوله تعالى : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) (٣٥).

يوم ، منصوب وذلك من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا بفعل مقدر وتقديره ، اذكر يوم يحمى.

__________________

(١) ١١ سورة الجمعة.

(٢) ٤٥ سورة البقرة.

(٣) ٦٢ سورة التوبة.

(٤) من هنا ابتدأ ناسخ (ب) بعد سقوط الأوراق التى أشرت إليها ص ٣٨٢.

(٥) اللسان مادة (شرخ) ولم يذكر قائله.

(٦) فى الأصل (يعاضيا).

٣٩٨

والثانى : أن يكون التقدير ، يوم يحمى عليها فى نار جهنم فيقال لهم : هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فيكون منصوبا بيقال ، أى يقال لهم هذا فى يوم يحمى.

والثالث : أن يكون بدلا من قوله تعالى : (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، أى ، عذاب يوم يحمى. فحذف المضاف فانتصب على الموضع لا على اللفظ كما انتصب قوله تعالى : (دِيناً قِيَماً).

بالبدل على موضع :

(إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (٣٦).

اثنا عشر ، خبر (إن). وشهرا ، منصوب على التمييز /. وفى ، متعلقة بمحذوف وهى صفة لاثنى عشر ، وتقديره ، إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا كائنة فى كتاب الله. ولا يجوز أن تكون (فى) متعلقة بعدة لأنه يؤدى إلى الفصل بين الصلة والموصول بالخبر وهو اثنا عشر. وكتاب ، مصدر. ويوم ، منصوب به ، ولا يجوز أن يكون اسما للقرآن ولا لغيره من الكتب ، لأن الأسماء التى تدل على الأعيان لا تعمل فى الظروف ، لأنها ليس فيها معنى الفعل. وقيل : يوم ، منصوب على البدل من موضع قوله :

(فِي كِتابِ اللهِ)

ولا يجوز أن يتعلق بعدة لما قدمنا من أنه يؤدى إلى الفصل بين الصلة والموصول بالخبر وهو اثنا عشر. والضمير فى منها ، يعود إلى الاثنى عشر. والضمير فى فيهن ، يعود إلى الأربعة ، لأن (ها) تكون لجمع الكثرة ، وهن لجمع القلة ، وقد بينا تحقيق ذلك فى المسائل السنجارية.

٣٩٩

قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) (٣٦).

كافة ، منصوب على المصدر فى موضع الجار ، كقولهم : عافاه الله عافية ، ورأيتهم عامة وخاصة.

قوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) (٤٠).

إذ أخرجه ، منصوب بنصرة الله. وثانى اثنين ، أى ، أحد اثنين ، وهو منصوب على الحال من الهاء فى (أخرجه) ويراد به النبى عليه‌السلام. وقيل : هو حال من مضمر محذوف وتقديره ، فخرج ثانى اثنين. إذ هما فى الغار ، منصوب على البدل من قوله تعالى : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا).

وهو بدل الاشتمال. إذ يقول لصاحبه ، بدل من قوله : إذ هما فى الغار. لا تحزن ، جملة فعلية فى موضع نصب بيقول. والهاء فى (عليه) يراد بها أبو بكر عليه‌السلام. والهاء (أيّده) يراد بها النبى عليه‌السلام. وكلمة الله ، مرفوعة لأنها مبتدأ. وهى العليا ، خبره.

وقد قرئ : كلمة الله / بالنصب بالعطف على كلمة (الذين كفروا) وفيه بعد ، لأن كلمة الله لم تزل عالية فيبعد نصبها بجعل ، لما فيه من إبهام أنها صارت عالية بعد أن لم تكن ، والذى عليه جماهير القراء هو الرفع.

قوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) (٤١).

٤٠٠