البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

٧٣ ـ فليت لنا من ماء زمزم شربة /

مبرّدة باتت على الطّهيان (١)

أى : بدلا من ماء زمزم. وكقول الآخر :

٧٤ ـ أخذوا المخاض من الفصيل غلبّة

قسرا ويكتب للأمير أفيلا (٢)

أى بدلا من الفصيل.

قوله تعالى : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) (١٣٤).

ما ، اسم موصول بمعنى الذى فى موضع نصب. وتوعدون ، صلته ، والعائد إليه محذوف وتقديره ، إن الذى توعدونه لآت ، فحذف الهاء التى هى العائد للتخفيف كما حذف من قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٣)

أى ، بعثه ، وإنما حذف لأن الصلة والموصول تنزلا منزلة اسم واحد ، وكانت أولى لأن الاسم الموصول والصلة من المبتدأ والخبر ، أو الفعل والفاعل ، كل منهما أصل فى الجملة ، وأما الهاء التى هى العائد فإنها تقع فضلة فى الجملة فكان حذفها أولى ممّا كان لازما فى الجملة. ولآت ، خبر إن ، واللام لام التأكيد ، وزعم الكوفيون أنها جواب قسم مقدر ، والصحيح هو الأول.

قوله تعالى : (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) (١٣٥).

__________________

(١) لسان العرب مادة (طها) «وأنشد الباهلى للأحول الكندى» ـ أول البيت : وليت .... الطهيان : اسم قلة الجبل ـ والطهيان : خشبة يبرد عليها الماء.

(٢) «مغنى اللبيب» لابن هشام ٢ ـ ١٦ ونسبه الشيخ محمد الأمير للراعى. المخاض : الحوامل من النوق ـ الفصيل : ولد الناقة بمجرد انفصاله عنها.

(٣) ٤١ سورة الفرقان.

٣٤١

من ، تحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون استفهامية ، فتكون فى موضع رفع لأنها مبتدأ ، وما بعدها خبره ، والجملة فى موضع نصب بتعلمون.

والثانى : أن تكون بمعنى الذى خبرا فتكون فى موضع نصب بتعلمون.

قوله تعالى : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (١٣٦).

ما ، فى موضع رفع لأنه فاعل ساء.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٣٧).

زين ، قرئ بفتح الزاى والياء ، وبضم الزاى وكسر الياء ، فمن قرأ زيّن فهو فعل سمّى فاعله ، وفاعله (شركاؤهم) ، وقيل : أولادهم مفعوله. وقتل مصدر أضيف إلى المفعول. ومن قرأ بضم الزاى وكسر الياء فهو فعل ما لم يسم فاعله ، وقتل ، مرفوع لأنه مفعول ما لم يسمّ فاعله ، وأما نصب (أولادهم) وجر (شركائهم) فهو ضعيف فى القياس جدا ، وتقديره ، زين قتل شركائهم أولادهم. فقدّم وأخّر ، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول. كقول الشاعر :

٧٥ ـ فزججتها بمزجّة

زجّ القلوص أبى مزاده (١)

أى : زج أبى مزادة القلوص. وكقول الآخر :

٧٦ ـ يطفن بحوزىّ المراتع لم يرع

بواديه من قرع القسىّ الكنائن (٢)

__________________

(١) أورده الشنتمرى فى شرح شواهد الكتاب هامش ٢ ـ ٨٨ قال «ومما أنشده الأخفش فى الباب» وجاء بالخصائص ٢ ـ ٤٠٦.

زجه : طعنه ـ المزجة : الرمح القصير ـ القلوص : الناقة الفتية.

(٢) نسبه ابن جنى للطرماح ـ الخصائص ٢ ـ ٤٠٦ ـ وفى اللسان مادة (حوز) يصف بقر الوحش ـ الحوزى : محلها ـ لم يرع : لم يفزع بواديه ـ من قرع القسى الكنائن : من تعرض الصياد له.

٣٤٢

أى : قرع الكنائن القسىّ.

ومثل هذا لا يكون فى اختيار الكلام بالإجماع ، واختلفوا فى ضرورة الشعر ، فأجازه الكوفيون وأباه البصريون. وهذه القراءة ضعيفة فى القياس بالإجماع /.

وروى أيضا عن ابن عامر أنه قرأ : قتل أولادهم. بجر الأولاد والشركاء على أن يجعل الشركاء بدلا من الأولاد ، لأن الأولاد يشاركون أباهم فى الأموال والنسب والدين.

وقراءة ابن عامر هذه أشبه من قراءته الأولى وإن كانت لا تنفك من بعد (١).

قوله تعالى : (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) (١٣٨).

من نشاء ، فى موضع رفع لأنه فاعل يطعم.

قوله تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) (١٣٩).

ما ، اسم موصول بمعنى الذى فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وفى بطون هذه الأنعام ، صلته. وخالصة ، تقرأ بالرفع والنصب.

فمن قرأ خالصة بالرفع كان مرفوعا من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ ، وأنث خالصة حملا على معنى (ما) لأن المراد بما فى بطون هذه الأنعام الأجنّة ، وذكّر محرّم حملا على لفظ (ما) ، وذهب بعضهم إلى أن الهاء فى خالصة للمبالغة كالهاء فى ، علّامة ونسّابة ، وزعم أنه لا يحسن الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى ، وهذا التعليل ليس عليه تعويل فإنه قد جاء الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى فى قوله تعالى :

(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ

__________________

(١) (معنى) فى ب

٣٤٣

تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً)(١).

فقال : خالدين حملا على معنى (من) ثم قال : قد أحسن الله له رزقا ، حملا على اللفظ بعد الحمل على المعنى ، وقد قرئ : خالصه بالتذكير حملا على لفظ (ما). وهو مرفوع لأنه مبتدأ ، وخبره لذكورنا.

والثانى : أن يكون خالصة مرفوعا لأنه بدل من (ما) وهو الشىء من الشىء ، وهو بعضه. ولذكورنا ، الخبر.

ومن قرأ خالصة بالنصب كان منصوبا على الحال من الضمير المرفوع فى قوله : (فى بطون) وخبر المبتدأ الذى هو (ما) لذكورنا ، ولا يجوز أن يكون الحال من الضمير المرفوع فى (لذكورنا) عند سيبويه لأنه لا يجوز أن تتقدم الحال على العامل فيها ، إذا لم يكن منصرفا ، وهذا غير منصرف ، ولا يجيز ، زيد قائما فى الدار ، وأجازه أبو الحسن الأخفش.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) (١٣٩).

قرئ تيكن بالتاء والياء ، وميتة ، بالرفع والنصب ، فمن قرأ بالتاء ، جعل كان تامة بمعنى حدث ووقع ، ورفع ميتة لأنه فاعل ، ولا تفتقر إلى خبر ، كقوله تعالى : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً)(٢)

فى قراءة من قرأ بالرفع ، فتكون التاء لتأنيث ميتة.

ويجوز أن تكون التاء لتأنيث الأجنة حملا على المعنى وتقديره ، وإن تكن الأجنة التى فى بطونها ميتة. فعلى هذا يكون ميتة منصوبا على / أنه خبر يكن ، واسمها مضمر فيها.

__________________

(١) ١١ سورة الطلاق.

(٢) ٤٠ سورة النساء.

٣٤٤

ومن قرأ بالياء حمله على لفظ (ما) وأضمر فى تكن اسمها ونصب ميتة لأنه خبرها وتقديره ، وإن يكن ما فى بطون هذه الأنعام ميتة. ومن قرأ بالياء ورفع الميتة فلأن تأنيث الميتة ليس بحقيقى.

قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً) (١٤٠).

سفها ، فى نصبه وجهان :

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) (١٤١).

النخل والزرع ، منصوب بالعطف على جنات. وجنات ، منصوب بأنشأ. ومختلفا ، منصوب على الحال المقدرة ، أى ، سيكون كذلك. لأنها فى أول ما تخرج لا أكل فيها ، فتوصف باختلاف الأكل ، ولكن يكون اختلافه وقت إطعامها ، فهى حال مقدرة ، وهذا نحو قولك : رأيت زيدا مقيما غدا. فإنك لم تره فى حال إقامته إنما هو أمر تقدّره أن يكون غدا ، وقد قالوا : رأيت زيدا ومعه صقر صائدا به غدا. فصائدا منصوب على الحال المقدّرة على ما بيّنا.

قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) (١٤٢).

حمولة ، منصوب بالعطف على جنات ، وتقديره ، وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشا.

قوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) (١٤٣).

ثمانية ، منصوب من خمسة (١) أوجه :

__________________

(١) (من أربعة أوجه) هكذا فى ب.

٣٤٥

لأول : أن يكون منصوبا بفعل مقدر ، وتقديره ، وأنشأ ثمانية أزواج وقيل : هو (١) منصوب بفعل مقدر ، وتقديره ، كلوا لحم ثمانية أزواج. فحذف الفعل والمضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه وهو (ثمانية) مقام المضاف وهو (لحم).

والثالث : أن يكون منصوبا على البدل من (ما) فى قوله : (كلوا مما رزقكم الله) على الموضع.

والرابع : أن يكون منصوبا على البدل من قوله : (حمولة وفرشا).

والخامس : أن يكون منصوبا على البدل من (ما) فى قوله : (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) أى ، حرّموا ثمانية أزواج. ومن الضأن اثنين ، بدل من (ثمانية أزواج) أى ، اثنتين من الضأن ، واثنتين من المعز ، واثنتين من الإبل ، واثنتين من البقر.

قوله تعالى : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا (٢) اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) (١٤٣).

الذّكرين (٣) ، منصوب بحرّم. والأنثيين ، معطوف بأم على الذكرين. وما اشتملت عليه ، معطوف بأم على الأنثيين ، و (أم) ههنا المتصلة لأنها معادلة للهمزة ، وتسمى ألف التسوية وهى بمعنى (أى) وقد قدمنا الكلام عليها.

قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) (١٤٥).

طاعم ، اسم فاعل من طعم يطعم ، وأكثر ما يجىء اسم الفاعل من فعل يفعل

__________________

(١) (والثانى أن يكون منصوبا) فى ب.

(٢) (أم ما) فى أ ، ب.

(٣) (الذين) فى «أ».

٣٤٦

إذا كان لازما على فعل ، ويجىء على فاعل (إذا كان متعديا) (١) ، كعلم يعلم فهو عالم ، ويطعمه مضارع طعم. وقرئ ، يطّعمه بتشديد الطاء وكسر العين وأصله يطئعمه على وزن يفتعله إلا أنه أبدل من التاء طاء لأن التاء حرف مهموس والطاء حرف مطبق مجهور فاستثقل اجتماعهما فأبدل من التاء طاء لتوافق الطاء فى الإطباق ، وأدغم الطاء فى الطاء ، وأبدل من التاء طاء ولم يبدل من الطاء تاء لآن فى الطاء زيادة صوت على التاء ، فالطاء أزيد صوتا والتاء أنقص صوتا ، فأدغم الأنقص فى الأزيد ولم يدغم الأزيد فى الأنقص لأنه كان يؤدى إلى الإجحاف به وإبطال ماله من الفضل على مقاربه. وقد بيّنا ذلك فى مواضعه ، وإلا أن يكون ميتة ، أن وما بعدها فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع. وقرئ تكون بالتاء والياء. وميتة بالرفع والنصب.

فمن قرأ : تكون (٢) بالتاء ورفع ميتة جعل كان التامة ورفع ميتة بها ولا تفتقر إلى خبر ، وكان يلزم من قرأ ميتة بالرفع أن يقرأ أو دم مسفوح بالرفع وكذلك ما بعده ، إلا أنه عطفه على (أن) ولم يعطفه على ميتة. ومن قرأ بالياء ونصب ميتة أضمر فى كان مذكرا وجعله اسمها ، وتقديره ، إلا أن يكون المأكول ميتة. ومن قرأ بالتاء ونصب ميتة أضمر فى كان مؤنثا ، وتقديره ، وإن يكن المأكول ميتة. وقد قدمنا وجه قراءة التاء والياء والرفع والنصب فى قوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً)(٣). و (أو دما) وما بعده ، معطوف على ميتة فى قراءة من قرأها بالنصب. وقوله : فإنه رجس ، اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ، لأن قوله : أو فسقا ، معطوف على قوله : أو لحم خنزير.

قوله تعالى : (أَوِ الْحَوايا) (١٤٦).

جمع حويّة ، وقيل : حاوية ، وقيل : حاوياء ، مثل نافقاء. وفى موضعها وجهان :

__________________

(١) ساقطة من أ

والمعروف أن اسم الفاعل يحول عند قصد المبالغة إلى (فعّال ، مفعال ، مفعول ، فعيل ، فعل) وهذه الصيغ الخمس سماعية. وابن الانبارى يشير هنا إلى الصفة المشبهة.

(٢) أ ، ب (تكن) وهو خطأ.

(٣) (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) ١٣٩ سورة الأنعام.

٣٤٧

الرفع والنصب. فالرفع على أنه معطوف على قوله : ظهورها. والنصب من وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على (ما) فى قوله : (إلّا ما حملت) و (ما) فى موضع نصب على الاستثناء من الشحوم ، وهو استثناء من موجب.

والثانى : أن يكون معطوفا على قوله : شحومهما. وتقديره ، حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما ، فعلى هذا التقدير فى الآية تقديم وتأخير / وتكون الحوايا محرمة عليهم بخلاف ما قبله.

قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ) (١٤٦).

ذلك ، فى موضع نصب لأنه مفعول ثان لجزيناهم ، وتقديره ، جزيناهم ذلك ببغيهم ، ولا يجوز الرفع إلا على وجه ضعيف وهو أن يكون التقدير فيه ، جزيناهموه. فيكون كقولك : زيد ضربت. أى ، ضربته ، وهذا لا يجوز إلا على ضعف.

فأما قراءة ابن عامر :

(وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى)(١)

بالرفع فإنما قوّاها أنه قد انضم إلى حذف الهاء ضم الكاف فى (كل) فاجتمع فيه سببان ، الحذف وطلب المشاكلة ، فقوى الرفع ، ويجوز أن يقوى الشىء بسببين ويضعف بسبب واحد كما لا ينصرف.

قوله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) (١٥٠).

أصل هلم ، هاء المم ، فحذفت همزة الوصل من المم لأنها تسقط فى الدّرج فاجتمع ساكنان ألف هاء ولام المم ، فحذفت ألف (هاء) لالتقاء الساكنين ، وألقيت ضمة الميم الأولى على اللام وأدغمت الميم الأولى فى الثانية وحركت الثانية لالتقاء الساكنين بالفتح لأنه أخف الحركات فصار (هلم) وذهب الكوفيون إلى أن (هلم) مركبة من (هل) و (أمّ) ولم يريدوا بهل الاستفهامية كما غلط أبو على عليهم بقوله : ولا معنى

__________________

(١) ٩٥ سورة النساء ، ١٠ سورة الحديد.

٣٤٨

للاستفهام ههنا ، وإنما أرادوا بها هل التى فى قولهم : حىّ هل ، أى أقبل. وأم بمعنى اقصد ثم حذفوا الهمزة من أمّ لكثرة الاستعمال وركبوها مع هل فصار هلم. والأول : أصح.

قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) (١٥١).

ما ، يجوز أن تكون اسما موصولا وأن تكون استفهامية ، فإن كانت اسما موصولا كانت بمعنى الذى فى موضع نصب لأنها مفعول (اتل) و (حرّم ربكم) صلته ، والعائد محذوف وتقديره ، حرّمه ربكم ، فحذف الهاء العائدة للتخفيف. ويكون (ألا تشركوا به شيئا) ، فى موضع نصب على البدل من الهاء أو من (ما). ولا ، زائدة ، وتقديره ، حرّم أن تشركوا.

ويجوز أن تكون (ألا تشركوا) فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو ألا تشركوا. ولا زيادة فى هذا الوجه أيضا.

ويجوز أن تكون أن بمعنى أى ، و (لا) نهى وتقديره ، أى لا تشركوا ، وإن كانت (ما) استفهامية / كانت فى موضع نصب بحرّم. وتقديره ، أىّ شىء حرم ربكم.

ويجوز أن تقف على قوله : ربكم. ثم تبتدئ وتقرأ : عليكم ألّا تشركوا ، أى عليكم ترك الإشراك ، فيكون (ألا تشركوا) فى موضع نصب على الإغراء بعليكم.

قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) (١٥٣).

قرئ : أنّ بفتح الهمزة وكسرها ، فمن قرأ بالفتح كان (أنّ) فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، ولأن هذا صراطى. ومن فتح وخفف النون جعلها مخففة من الثقيلة فى موضع نصب كقراءة من قرأها مثقّلة.

ومن قرأ بالكسر جعلها مبتدأة ومستقيما منصوب على الحال المؤكدة من صراطى ، وكانت مؤكدة لأن صراط الله تعالى لا يكون إلا مستقيما.

٣٤٩

قوله تعالى : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) (١٥٤).

تماما ، منصوب على المصدر أو على المفعول له. وأحسن ، قرئ بفتح النون والرفع. فمن قرأ : أحسن بالفتح جعل أحسن فعلا ماضيا وهو صلة الذى ، وفيه ضمير مقدر يعود على الذى ، وتقديره ، تماما على المحسن هو.

وقيل : العائد إلى الذى والفاعل مقدر ، والتقدير ، تماما على الذى أحسنه الله إلى موسى من الرسالة.

ومن قرأ : أحسن بالرفع كان أحسن مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، على الذى هو أحسن. والجملة من المبتدأ والخبر صلة الذى ، وحذف المبتدأ من الجملة إذا وقعت صلة الذى قليل.

قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) (١٥٥).

أنزلناه ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة كتاب. ومبارك ، وصف ثان.

قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) (١٥٦).

أن تقولوا : يتعلق بأنزلناه ، وتقديره ، كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا. وإن كنا ، إن مخففه من الثقيلة عند البصريين ، وتقديره ، وإن كنا. وذهب الكوفيون إلى أنها بمعنى (ما) واللام بمعنى (إلا) وتقديره ، وما كنا عن دراستهم إلا غافلين. وقد ذكرنا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١٦٠).

يقرأ بالتنوين والإضافة ، فمن قرأ بالتنوين ، كان (عشر) مبتدأ وأمثالها ، صفة له ، و (له) خبر المبتدأ مقدم عليه. ومن قرأ بالإضافة كان فى حذف الهاء من عشر ثلاثة أوجه :

__________________

(١) مسألة ٢٤ ح ١ ص ١٢٣ الإنصاف.

٣٥٠

الأول : أن يكون التقدير فيه ، عشر حسنات أمثالها. فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه. هذا / مذهب سيبويه ، وإن كان لا يرى حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه فى نحو ، مررت بثلاثة صالحين ، إلّا أن المثل وإن كان وصفا فى الأصل إلا أنه أجرى مجرى الاسم فى نحو قولهم : مررت بمثلك. ولا يلزم ذكر الموصوف معه.

والثانى : أنه حمل أمثالها على المعنى لأن الأمثال فى معنى حسنات ، فكأنه قال : عشر حسنات.

والثالث : أن يكون اكتسى المضاف التأنيث من المضاف إليه

كقوله تعالى : (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ)(١)

فى قراءة من قرأ بالتاء ، وكقولهم : ذهبت بعض أصابعه.

والأول أوجه.

قوله تعالى : (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (١٦١)

دينا ، منصوب بتقدير فعل دل عليه (هدانى) فى الأول ، والتقدير فيه ، هدانى دينا. وقيل : هو بدل من صراط على الموضع لأن هدانى إلى صراط ، وهدانى صراطا ، بمعنى واحد ، فحمله على المعنى ، وأبدل دينا من صراط.

وقيل : تقديره ، عرفنى صراطا. وقيل : هو منصوب بتقدير أعنى دينا. وقيّما ، بالتشديد أصله (قيوم) على وزن فيعل ، إلا أنه لما اجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن قلبت الواو ياء ، وجعلتا ياء مشددة.

ومن قرأ : قيّما بالتخفيف على فعل أى ، دينا ذا استقامة ، فكان القياس أن يأتى بالواو فيقول : قوما ، نحو : حول وعوض. إلا أنه جاء شاذا عن القياس ، ومن جعله جمع قيمة ، أى ، ذا قيمة لم يكن خارجا عن القياس. وقيّما ، منصوب لأنه وصف دينا.

قوله تعالى : (مَحْيايَ). (١٦٢).

__________________

(١) ١٠ سورة يوسف.

٣٥١

قرئ بفتح الياء وسكونها ، فمن قرأ بالتحريك (والفتح) (١) فلوجهين :

أحدهما : أنه أتى به على الأصل لأن من حق الياء أن تكون متحركة مفتوحة كالكاف فى (أكرمتك) وإنما كان الأصل فى الكاف أن تكون متحركة لأنه اسم مضمر على حرف واحد ، فينبغى أن يبنى على حركة تقوية له ، وكانت الفتحة أولى لأنها أخف الحركات. والثانى : أنها ساكنة قبلها ساكن واجتمع ساكنان ، وساكنان لا يجتمعان فوجب التحريك لالتقاء الساكنين ، والفتح أولى لما ذكرنا ، ومن قرأ بسكون الياء فلأن حرف العلة يستثقل عليه حركات البناء ، وجمع بين ساكنين لأنّ الألف فيها فرط مدّ ولهذا اختصت بالتأسيس والرّدف ، فتنزل المد الذى فيها بمنزلة الحركة ، وقد حكى عنهم أنهم قالوا : (التقت حلقتا البطان. وله ثلثا المال) ولهذا أجاز الكوفيون إلحاق نون التوكيد الخفيفة فى فعل الاثنين ، نحو يفعلان ، وفعل جماعة النسوة / فى نحو : إفعلنان ، وإن كان يؤدى إلى اجتماع الساكنين لما فى الألف من فرط المد ، وأما البصريون فيأبون ذلك كله ويضعّفون قراءة نافع (محياى) بالسكون ويحملون السكون على نية الوقف وقد بيّنا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٢).

قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) (١٦٤).

غير الله ، منصوب لأنه مفعول (أبغى). وربّا ، منصوب على التمييز ، والتقدير ، أأبغى غير الله من ربّ. فحذف من ، فانتصب على التمييز.

قوله تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) (١٦٥).

درجات ، منصوب لأنه مفعول رفع ، بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، ورفع بعضكم فوق بعض إلى درجات ، فلما حذف حرف الجر اتصل الفعل به فنصبه. والله أعلم.

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) المسألة ٩٤ الإنصاف ٢ ـ ٣٨١.

٣٥٢

غريب إعراب سورة الأعراف

قوله تعالى : (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (٢).

كتاب ، مرفوع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا لأنه خبر (المص) على قول من جعله مبتدأ.

والثانى : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هذا كتاب.

قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢).

اللام ، متعلقة بأنزل ، وتقديره : كتاب أنزل إليك لتنذر به. وفصل بينهما بقوله :

(فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) (٢)

وذكرى ، يجوز أن تكون فى موضع رفع ونصب وجر. فالرفع من وجهين :

أحدهما : الرفع بالعطف على كتاب.

والثانى : على تقدير مبتدأ ، والتقدير ، هذه ذكرى. والنصب من وجهين :

أحدهما : بالعطف على موضع (لتنذر به) أى ، إنذارا وذكرى.

والثانى : بالعطف على موضع الهاء فى (به).

والجر بالعطف على (لتنذر) لأن معناه ، للإنذار. فكأنه قال : للإنذار والذكرى.

قوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(١) (٣).

قليلا ، منصوب بالفعل الذى بعده. وما ، زائدة ، وتقديره ، قليلا تذكّرون.

وتقدير النصب فيه من وجهين :

__________________

(١) (يذكرون) بالياء فى أ ، ب.

٣٥٣

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه صفة لمصدر محذوف ، وتقديره : تذكرون تذكرا قليلا.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه صفة لظرف زمان محذوف ، وتقديره ، زمانا قليلا. فإن جعلت (ما) مصدرية لم يجز أن تنصب قليلا بالفعل الذى بعده ، لما يؤدّى إليه من تقديم الصلة على الموصول.

قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤).

كم ، فى موضع رفع بالابتداء. وأهلكناها (١) ، جملة فعلية فى موضع جر صفة لقرية. وفجاءها بأسنا ، خبر المبتدأ ، ومعنى أهلكناها ، قارب إهلاكنا إيّاها. ولا بدّ من هذا التقدير / ليصح قوله : فجاءها بأسنا ، لأن الإهلاك إذا وجد وجد البأس ، فلم يكن فيه فائدة بخلاف ما إذا حملته على المقاربة ، فإنه يصح المعنى ويتضح ، ويجوز أن تكون (كم) فى موضع نصب بفعل مقدر دل عليه (جاءها بأسنا) لا (أهلكنا) لأن (أهلكنا) صفة ، والصفة لا تعمل فى الموصوف ولا تكون تفسيرا لفعل مقدّر يعمل فى الموصوف. وبياتا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال وهم قائلون ، جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من أهل القرية.

قوله تعالى : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ) (٨).

الوزن ، مرفوع لأنه مبتدأ. ويومئذ ، خبره. والحق مرفوع من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا لأنه صفة للوزن ، ولا يجوز تقديمه عليه لأن الصفة لا يجوز أن تتقدم على الموصوف.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه بدل من المضمر المرفوع فى الظرف الذى وقع خبرا للمبتدأ ، ولا يجوز تقديمه على الظرف لأن البدل لا يجوز أن يتقدم على المبدل منه.

__________________

(١) (أهلنا) فى أ.

٣٥٤

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه خبر عن الوزن ، ويومئذ ، ظرف ملغى منصوب بالوزن ، أو مفعول على السّعة ، ويجوز فى مثل هذا تقديم الحق على الوزن لأنه يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه ، ولا يجوز تقديمه على يومئذ ، لأنه لا يجوز أن يفصل بين المصدر وصلته بخبر المبتدأ ، كما لا يجوز أن يفصل بين الموصول وصلته بخبر المبتدأ ، ويجوز أن تنصب (الحق) على المصدر ، ويومئذ خبر الوزن ، ويجوز تقديم يومئذ على الوزن فى هذا النحو لأنه وقع خبرا له ، ولو وقع صلة لم يجز تقديمه عليه ، لأن ما وقع فى صلة المصدر لا يتقدم عليه.

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) (١٠).

معايش جمع معيشة ، وأصل معيشة معيشة على وزن مفعلة ، إلا أنه نقلت كسرة الياء إلى العين ، والميم فيها زائدة ، لأنها مفعلة من العيش ، ولا يجوز همزها لأن فيها الياء أصلية ، وأصلها فى الواحد أن تكون متحركة ، ولو كانت زائدة أصلها فى الواحد السكون ، نحو ، كتيبة على فعيلة لهمزت فى الجمع ، نحو : كتائب ، وقد قرئ : معائش بالهمز على تشبيه الأصلية بالزائدة ، وهى قراءة ضعيفة فى القياس.

قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١٢).

ما ، استفهامية فى موضع رفع بالابتداء. ومنعك ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها خبر المبتدأ. وألّا تسجد ، فى موضع نصب بمنعك. ولا ، زائدة وتقديره ، ما منعك أن تسجد. كقوله تعالى فى موضع آخر :

(ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)(١)

وتزاد (٢) كثيرا فى كلامهم. قال الشاعر :

__________________

(١) ٧٥ سورة ص.

(٢) (ولا تزاد) فى ب.

٣٥٥

٧٧ ـ ولا ألوم البيض ألّا تسخرا

إذا رأين الشّمط القفندرا (١)

أراد : [أن] يسخر. وقال الآخر :

٧٨ ـ فى بئر لاحور سرى وما شعر (٢)

أراد : فى بئر حور. وقال الآخر :

قد يكسب المال الهدان الجافى

بغير لاعصف ولا اصطراف (٣)

أراد : بغير عصف. والشواهد على هذا كثيرة جدا. وإذ أمرتك ، ظرف زمان والعامل فيه (تسجد).

قوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) (١٦).

صراطك ، منصوب (بلأقعدن) على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره لأقعدن لهم على صراطك. فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به فنصبه ، وهذا كقولهم : ضرب زيد البطن والظهر ، أى ، على البطن والظهر. وقول الشاعر :

٧٩ ـ آليت حبّ العراق الدّهر أطعمه

والبرّ يأكله فى القرية السّوس (٤)

أى : على حب العراق ، والشواهد على هذا النحو كثيرة.

__________________

(١) هذا الشاهد نسبه ابن جنى فى الخصائص إلى أبى النجم ٢ ـ ٢٨٣ ، والشمط : العجوز. والقفندر : القبيح المنظر.

(٢) نسبه ابن يعيش إلى العجاج. شرح المفصل ٨ ـ ١٣٦.

(٣) ونسب ابن جنى هذا الشاهد إلى العجاج. الخصائص ٢ ـ ٢٨٣. الهدان : الأحمق الثقيل ـ العصف : الكسب ـ اصطراف : افتعال من الصرف. أى التصرف فى وجوه الكسب.

(٤) سبق الحديث عنه فى الشاهد رقم

٣٥٦

قوله تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) (١٨).

مذءوما ، نصب على الحال من المضمر المرفوع فى (اخرج) والعامل فيه (اخرج).

قوله تعالى : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) (٢٠).

ما ، نافية. ونهاكما ، أصله نهيكما ، لأنه من النهى ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا. وهذه ، أصلها (هاذى) بالياء التى تدل على التأنيث فقلبت هاء لأنها خفيّة ، كما أنها خفية فلاشتراكهما فى الخفاء قلبت منها ، ونظيرها قلبهم الياء هاء قولهم فى هنيّة ، هنيهة ، وأصل هنيّة هنيوة إلا أنه لما اجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشددة ، وأبدلوا من الياء التى هى لام ، هاء ، فقالوا هنيهة ، وحركت الهاء (١) فى هذه تشبيها لها بهاء الإضمار ومن العرب من يسكنها كما كانت الياء التى انقلبت عنها ساكنة. والشجرة ، صفة لهذه ، وهى (٢) اسم جنس واحدته شجرة ، وأسماء الإشارة توصف بالأجناس.

قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢١).

لكما ، متعلق بمحذوف ، وتقديره ، ناصح لكما لمن الناصحين. ولا يجوز أن يكون متعلقا بالناصحين لأن الألف واللام فيه بمنزلة الاسم الموصول ، واسم الفاعل صلة له والصلة لا تعمل فى الموصول ، ولا فيما قبله ، فإن جعلت الألف واللام للتعريف لا بمعنى الذين جاز / أن يتعلق بالناصحين وهو قول أبى عثمان المازنى.

قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا) (٢٣).

دخلت إن الشرطية على لم لتردّ الفعل إلى أصله وهو الاستقبال ، لأن (لم) تردّ الفعل المستقبل إلى معنى الماضى. ألا ترى أنك تقول : لم أقم ، أى ، ما قمت. وإن الشرطية تردّ الماضى إلى معنى الاستقبال ، ألا ترى أنك تقول : إن قمت قمت ، أى ،

__________________

(١) (الياء) فى ب.

(٢) اسم الجنس (شجر).

٣٥٧

إن تقم أقم ، فلما صار لفظ الفعل المستقبل بعد (لم) بمعنى الماضى ردّتها إلى الاستقبال لأنها ترد الماضى إلى الاستقبال.

قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) (٢٦).

قرئ : لباس بالنصب والرفع ، فالنصب بالعطف على قوله : وريشا ، أى : أنزلنا ريشا ولباس التقوى. والرفع على أنه مبتدأ ، وفى ذلك خمسة أوجه :

الأول : أن يكون مرفوعا على أنه مبتدأ ثان. وخير ، خبره. والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول.

والثانى : أن يكون (ذلك) فصلا ، وخير ، خبر المبتدأ الذى هو (لباس التقوى).

والثالث : أن يكون (ذلك) وصفا للباس التقوى.

والرابع : أن يكون بدلا.

والخامس : أن يكون عطف بيان ، كأنه قال : ولباس التقوى المشار إليه خير ، كما تقول : زيد هذا ذاهب.

قوله تعالى : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) (٢٧).

ينزع ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (أخرج).

قوله تعالى : (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) (٢٧).

حيث ، مبنية على الضم ، وإنما بنيت لوجهين :

أحدهما : أنها اقتطعت عن الإضافة إلى المفرد لأنها لا يجوز إضافتها إلا إلى الجمل ، فلما اقتطعت عن الإضافة إلى المفرد وهو الأصل تنزل منزلة بعض الكلمة ، لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة كلمة واحدة ، فلما تنزلت منزلة بعض الكلمة ، وبعض الكلمة مبنى.

٣٥٨

والثانى : إنما كان مبنيا لأنه أشبه الحرف ، لأنه لا يفيد مع كلمة واحدة ، كما أن الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة ، لأنه يلزم إضافته إلى الجمل ، والجملة أقل ما تكون مركبة من كلمتين ، مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل ، فلما أشبه الحرف والحرف مبنى فكذلك ما أشبهه ، وبنيت على حركة لالتقاء الساكنين ، وفيها ست لغات :

بالياء مع الضم والفتح والكسر ، وبالواو مع الضم والفتح والكسر ، وهى :

حيث وحيث وحيث ، وحوث وحوث وحوث.

فمن بناها على الضم فلأنها أقوى الحركات تعويضا عمّا منعته من الإضافة إلى المفرد / ، ومن بناها على الفتح فلأنه أخف الحركات ، ومن بناها على الكسر فلأنه الأصل فى التقاء الساكنين وبناؤها على الضم أفصح اللغات ، وهى اللغة التى نزل بها القرآن.

قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٢٩).

الكاف فى (كما) فى موضع نصب لأنها صفة مصدر محذوف وتقديره ، تعودون عودا مثل ما بدأكم ، وقيل تقديره ، تخرجون خروجا مثل ما بدأكم.

قوله تعالى : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) (٣٠).

فريقا الأول ، منصوب بهدى. وفريقا الثانى منصوب بتقدير فعل دل عليه ما بعده ، وتقديره ، وأضل فريقا حق عليهم الضلالة. ويجوز أن يكون منصوبا على الحال من المضمر فى (تعودون) ، وتقديره ، كما بدأكم تعودون فى هذه الحالة ، ويؤيد هذا قراءة أبىّ : تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة.

قوله تعالى : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٣٢).

خالصة ، قرئ بالرفع والنصب ، فالرفع على أنه خبر ثان للمبتدأ وهو (هى) وهى ، مبتدأ. وللذين آمنوا ، خبره. وخالصة ، خبر ثان. والنصب على الحال من الضمير الذى

٣٥٩

فى (للذين) الذى هو الخبر ، وهو العامل فى الحال ، والعامل فى الحال على الحقيقة هو الفعل الذى قام (للذين آمنوا) مقامه ، وتقديره ، قل هى استقرت للذين آمنوا فى حال خلوصها يوم القيامة. وإنما لما حذف الفعل ، وأقيم (للذين) مقامه وانتقل الضمير الذى كان فيه إليه ، ارتفع به كما يرتفع بالفعل ، وجعل هو العامل فى الحال كالفعل. وفى الحياة الدنيا ، يجوز أن يكون ظرفا للخبر الذى هو (للذين آمنوا) ، ويجوز أن يكون خبرا ، ولا يجوز أن يتعلق فى الحياة الدنيا بزينة الله ، لأن زينة مصدر وقد وصف بقوله : (التى أخرج لعباده) والمصدر إذا وصف لا يعمل لأنه يخرج عن شبه الفعل ، ولأنه يقع به الفصل بين الموصول وصلته ، وذلك لأن معمول المصدر فى صلته ، ووصفه ليس فى صلته ، وإذا قدّمت صفة المصدر على معموله قدّمت ما ليس فى صلته على ما فى صلته ، وذلك لا يجوز ، ولهذا لا يجوز أن يتعلق بإخراج لما فيه من الفصل بين الصلة والموصول ، ويبعد أن يعلق بحرّم ، لما فيه من الفصل بين الحال وصاحبه ، فيمن نصب خالصة ، وبين الخبرين فيمن رفعها.

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ) (٣٣).

ما ، فى موضع نصب على البدل من الفواحش ، وأن تشركوا ، فى موضع نصب بالعطف على الفواحش ، وكذلك قوله : (وأن تقولوا على الله).

قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً) (٣٨).

إدّاركوا أصله تداركوا على وزن تفاعلوا ، إلا أنه أبدلت التاء دالا وأدغمت الدال فى الدال فسكنت الدال الأولى ، والابتداء بالساكن محال فاجتلبت ألف الوصل لئلا يبتدأ بالساكن ، ونظيره (إدّارأتم ، واطّيرنا) ولا يجوز أن يوزن مع ألف الوصل فتقول : افّاعلوا ، لأنه يصير الزائد أصليا لأن التاء الزائدة صارت فاء الفعل لإدغامها فيها ، وذلك لا يجوز. وجميعا ، منصوب على الحال من الضمير الذى فى (ادّاركوا).

٣٦٠