البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

والثانى : أن يكون محمولا على المعنى. وتقديره ، فإن كان ممّن يرث اثنتين. فبنى الضمير على معنى (من) وهذا الوجه قول الأخفش.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (١٧٦).

تقديره ، كراهة أن تضلوا. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وهو مفعول له.

وقيل تقديره ، لئلا تضلوا. فحذف (اللام ولا) من الكلام لأن فيما أبقى دليلا على ما ألقى. والوجه الأول أوجه الوجهين (١) ، وقد قدمنا ذلك والخلاف فيه فيما سبق.

__________________

(١) ساقطة من ب.

٢٨١

غريب إعراب سورة المائدة

قوله تعالى : (إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي) (١).

ما ، فى موضعه وجهان : أحدهما : أن يكون منصوبا على الاستثناء من (بهيمة).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه صفة (بهيمة الأنعام) كما تقول : أحلّت لكم بهيمة الأنعام غير ما يتلى ، فإذا أقيمت (إلّا وما) بعدها مقام (غير) رفعت ما بعد إلّا.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (٢).

غير ، منصوب على الحال من وجهين.

أحدهما : أن يكون حالا من الكاف والميم فى (لكم) والعامل فيه أحلت.

والثانى : أن يكون حالا من المضمر فى (أوفوا) والعامل فيه أوفوا (٢). و (محلّى) أصله محلّين ، وأصل محلّين محللين إلا أنه لما اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد فى كلمة واحدة استثقلوا اجتماعهما فسكنوا الأول وأدغموه فى الثانى فصار محلّين ، وحذفت النون من محلين للإضافة. وأنتم حرم ، جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من ضمير الفاعل فى (محلّى).

قوله تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) (٢).

__________________

(١) (غير محلى) ساقطة من ب.

(٢) (والعامل فيه أحلت) هكذا فى ب.

٢٨٢

ولا القلائد : أى ذوات القلائد وهى جمع قلادة وهى ما قلّد البعير من لحاء الشجر وغيره. ولا آميّن ، أصله أممين جمع آمّ وهو القاصد ، إلا أنه اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد (فى كلمة واحدة) (١) فسكنوا الأول وأدغموه فى الثانى. ويبتغون جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (آمين) أى : لا يحلّوا من قصد البيت الحرام مبتغين فضلا من ربهم ، ولا يجوز أن يكون صفة لآمّين لأنه قد نصب البيت. واسم الفاعل إذا وصف لم يعمل لأنه يخرج بالوصف عن شبه الفعل لأن الفعل لا يوصف وإذا خرج بالوصف عن شبه الفعل فينبغى ألّا يعمل.

قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) (٢).

وشنآن : قرئ بسكون النون وفتحها. فشنآن بالسكون : اسم كعطشان. وشنآن بالفتح : مصدر كضربان. وأن صدوكم : قرئ بكسر الهمزة وفتحها ، فمن قرأ بالكسر كانت شرطية ، ولا يجرمنكم ، سد مسد الجواب. ومن قرأ بالفتح كانت مصدرية فى موضع نصب لأنه مفعول له وتقديره لأن صدوكم فحذف اللام فاتصل الفعل به. وأن تعتدوا ، فى موضع نصب (بيجرمنكم).

قوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) (٣).

أن المصدرية مع صلتها : فى موضع رفع بالعطف على قوله تعالى : (الميتة) وتقديره ، حرّم عليكم الميتة والاستقسام بالأزلام. وهو قسمهم الجزور عشرة أقسام ، وكان ذلك فى الجاهلية.

قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣).

__________________

(١) هكذا فى ب.

٢٨٣

فمن اضطر : فى موضع رفع بالابتداء وهى شرطية والجواب (فإن الله غفور رحيم) وهو خبر المبتدأ ومعه مضمر محذوف وتقديره : فإن الله له غفور رحيم.

قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (٤).

ما علّمتم ، فى موضع رفع بالعطف على (الطيبات) وهو مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله وهو (أحلّ). ومكلبين : منصوب على الحال من التاء والميم فى (علمتم).

قوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) (٥).

محصنين ، منصوب على الحال من المضمر المرفوع فى (آتيتموهنّ) ومثله ، غير مسافحين. ومثله ، ولا متخذى أخدان ، وهو معطوف على (غير مسافحين) لا على (محصنين) لدخول (لا) معه تأكيدا للنفى المتقدم ولا نفى مع محصنين ، ويجوز أن يجعل (غير مسافحين ولا متخذى أخدان) وصفا لمحصنين أو حالا من المضمر فيه.

قوله تعالى : (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٥).

فى الآخرة ، يتعلق بفعل مقدر دل عليه قوله تعالى : (من الخاسرين) وتقديره : وهو خاسر فى الآخرة ، وإنما وجب هذا التقدير لأن الألف واللام فى (الخاسرين) بمعنى الذين وما وقع فى صلة الذين لا يعمل فيما قبلها ، فإن جعلت الألف واللام لا بمعنى الذين ، جاز أن يكون الخاسرين عاملا فيه.

قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ) (٦).

قرئ بالنصب والجر فالنصب بالعطف على (أيديكم) والتقدير ، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم. والجر بالعطف على (رءوسكم) وقدر ما يوجب الغسل كأنه قال : وأرجلكم غسلا.

٢٨٤

وقيل : هو مجرور على الجوار / كقولهم : جحر ضبّ خرب. وهو قليل فى كلامهم.

وقيل : هو معطوف على الرءوس إلا أن التحديد دل على الغسل فإنه لما حد الغسل إلى الكعبين ، كما حد الغسل فى الأيدى إلى المرافق دل على أنه غسل كالأيدى وقيل المسح فى اللغة يقع على الغسل ومنه يقال : تمسحت للصلاة أى توضأت. وقال أبو زيد الأنصارى (*) ـ وكان من هذا الشأن بمكان ـ : المسح خفيف الغسل فبينت السنة أن المراد بالمسح فى الرجل هو الغسل.

قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٨).

هو : كناية عن العدل وهو المصدر ، لدلالة (اعدلوا) عليه كقول الشاعر :

٦٤ ـ إذا نهى السّفيه جرى إليه (١)

أى : إلى السفيه. وقد قدمنا نظائره. والتقوى : مؤنثة وأصلها وقيا لأنها من وقيت إلا أنهم أبدلوا من الواو تاء كما قالوا تجاه وتراث وتهمة وتخمة. فأبدلوا من الياء واوا لأن كل ما كان اسما ولامه ياء وهو على فعلى فإنه تقلب ياؤه واوا كالبقوى من بقيت والشروى من شريت والرعوى من رعيت. كما يقلبون ما كان وصفا على فعلى ولامه واو ياء ، كالدّنيا من دنوت والعليا من علوت ، وإنما فعلوا ذلك لضرب من التقاصّ والتعويض ، وحملوا بنات الياء على الواو وبنات الواو على الياء لما يجمعهما من النسب فى الإعلال ، والغنّة ، والألف فى التقوى للتأنيث كالألف فى سكرى وعطشى.

قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) (٩).

__________________

(*) أبو زيد سعيد بن أوس الأنصارى. من رواة الحديث الثقات ، وكذلك حاله فى اللغة. كان من أهل العدل والتشيع ت ٢١٥ ه‍.

(١) البيت فى ب وهو :

إذا نهى السفيه جرى إليه

وخالف والسفيه إلى خلاف

وهو من شواهد الإنصاف ح ١ ص ٨٩ ، ومن شواهد الخصائص ح ٣ ص ٤٩ ، وفى معانى القرآن ح ١ ص ١٠٤ ولم ينسب لقائل. وقد تقدم فى الشاهد ٢٩.

٢٨٥

وعد ، يتعدى إلى مفعولين ، يجوز الاقتصار على أحدهما وههنا لم يذكر إلا مفعولا واحدا وهو (الذين) وحذف المفعول الآخر ثم فسّره بقوله :

(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) (١٣).

يحرفون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (أصحاب القلوب) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ، فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون خائنة صفة لموصوف محذوف وتقديره : على فرقة خائنة. فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

والثانى : أن تكون خائنة بمعنى خيانة لأن فاعلة تأتى مصدرا. كالخالصة بمعنى الإخلاص (١). قال الله تعالى :

(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ)(٢)

وقال الله تعالى :

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ)(٣)

والطاغية بمعنى الطغيان ، والكاذبة بمعنى الكذب ، قال الله تعالى :

(لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ)(٤)

__________________

(١) (كالصالحة بمعنى الإصلاح) هكذا فى ب.

(٢) ٤٦ سورة ص.

(٣) ٥ سورة الحاقة.

(٤) ٢ سورة الواقعة.

٢٨٦

أى : كذب وكقولهم : العافية والعاقبة إلى غير ذلك. وإلا قليلا : استثناء من الهاء والميم فى (منهم).

قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) (١٤).

من ، تتعلق بأخذنا حملا على قوله :

(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(١)

لأن معناه : أخذنا ميثاقا من بنى إسرائيل فحملوا :

(مِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى)

عليه. ولا ينوى بالذين التأخير بعد (ميثاقهم) لأنه يؤدى إلى أن يتقدم المضمر على المظهر ، وإنما ينوى به أن يكون بعد (أخذنا).

وقيل (ميثاقهم) وتقديره ، أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم.

وذهب الكوفيون إلى أن التقدير ، ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقهم. فالهاء والميم فى ميثاقهم تعود على (من) المحذوفة وهى مقدرة قبل المضمر ، وهم يجوزون حذف الاسم الموصول وبقاء الصلة ، والبصريون يأبون جوازه.

قوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ) (١٥).

يبيّن : جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (رسولنا). وتقديره ، قد جاءكم رسولنا مبيّنا لكم.

قوله تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) (١٦).

يهدى ، جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة ل (كتاب) ويجوز أن تكون فى موضع نصب على الحال من (كتاب) لأنه قد وصف بمبين.

__________________

(١) ٧٠ سورة المائدة ـ (ولقد أخذنا ..) بالواو فى أ. ب.

٢٨٧

قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ) (١٩).

أن وصلتها ، فى تأويل المصدر وهو فى موضع نصب لأنه مفعول له.

قوله تعالى : (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٢١).

خاسرين ، منصوب على الحال من الواو فى (تنقلبوا) وهو العامل فى الحال.

قوله تعالى : (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) (٢٣).

من الذين ، فى موضع رفع لأنه صفة (رجلان) وكذلك قوله تعالى : (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) جملة فعلية فى موضع رفع لأنها صفة لقوله تعالى : (رجلان).

قوله تعالى : (أَبَداً ما دامُوا فِيها) (٢٤).

أبدا ، منصوب لأنه ظرف زمان. و (ما) فى (ماداموا) ظرفية زمانية مصدرية ، وتقديره ، لن ندخلها أبدا مدة دوامهم فيها. وما داموا ، فى موضع نصب على البدل من قوله تعالى : (أبدا) وهو بدل بعض من كل.

قوله تعالى : (إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) (٢٥).

أخى : يجوز أن يكون فى موضع نصب ، ويجوز أن يكون فى موضع رفع ، فأمّا النصب فمن وجهين :

أحدهما : أن يكون معطوفا على (نفسى).

والثانى : أن يكون معطوفا على اسم (إنّ) ويحذف خبره لدلالة الأول عليه. وتقديره ، وإن أخى لا يملك إلا نفسه.

وأما الرفع فمن وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء لأنه معطوف على موضع إن وما / عملت فيه ويضمر الخبر كالأول.

٢٨٨

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه معطوف على المضمر فى (أملك) وحسن العطف على الضمير المرفوع لوجود الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه.

قوله تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) (٢٦).

أربعين سنة ، منصوب على الظرف ، وبماذا يتعلق؟ فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون متعلقا (بيتيهون) وتقديره ، إنها محرمة عليهم يتيهون فى الأرض أربعين سنة ، فيكون التحريم مؤبدا.

والثانى : أن يكون متعلقا بمحرمة فلا يكون التحريم مؤبدا. ويتيهون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم فى (عليهم).

قوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ) (٢٩).

أصله إنّنى بثلاث نونات فحذفت الثانية لأنه أقل تغييرا من حذف الأولى والثالثة ، لأنّك لو حذفت الأولى لأدّى ذلك إلى إدغام الثانية فى الثالثة لأنه كان يجتمع حرفان متحركان من جنس واحد فيؤدى إلى إسكان الأولى وإدغامها فى الثانية بعد حذف حركتها فيؤدى إلى حذفين ، ولو حذفت الثالثة لأدى إلى كسر النون فى (إنى) فيؤدى إلى حذف وتغيير ، وليس فى حذف الثانية إلا مجرد الحذف فقط ، فكان حذفها أولى ولأنها الحرف الأخير فكانت أولى بالحذف والتغيير ولهذا تحذف فى حالة التخفيف ، ولأنه لو كان المحذوف الثالثة لكان ذلك يؤدى إلى حذف الضمير فى نحو : إنّا ، وعلامة المضمر لا تحذف.

قوله تعالى : (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ) (٣٢).

فساد ، مجرور بالعطف ، وقرئ فسادا ، بالنصب على المصدر.

قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) (٣٣).

٢٨٩

(ما) من (إنما) كافة. وجزاء الذين ، مرفوع لأنه مبتدأ وخبره (أن يقتلوا). وفسادا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال. و (أو) فى قوله : (أو يصلّبوا) وما بعده من (أو) للتخيير ؛ للإمام على اجتهاده ؛ وفيه اختلاف بين العلماء.

قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) (٣٤).

الذين ، فى موضع نصب لأنه استثناء من موجب وهو استثناء من (الذين يحاربون).

قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) (٣٨).

السارق ، مبتدأ وفى خبره وجهان :

أحدهما : أن يكون خبره مقدرا وتقديره : وفيما يتلى عليكم السّارق والسارقة. ثم عطف عليه كما تقول : فيما أمرتك به فعل الخير فبادر إليه. هذا مذهب سيبويه ، وذهب أبو الحسن الأخفش ، وأبو العباس المبرد ، والكوفيون إلى أن خبر المبتدأ (فاقطعوا أيديهما) / ودخلت الفاء فى الخبر لأنه لم يرد سارقا بعينه وإنما أراد : كل من سرق فاقطعوا. فينزل السارق منزلة الذى سرق وهو يتضمّن معنى الشرط والجزاء ، والمبتدأ إذا تضمّن معنى الشرط والجزاء دخلت فى خبره الفاء. وإنما قال : أيديهما بالجمع لأنّه يريد أيمانهما وهى قراءة شاذة ، فإنّ ما كان فى البدن منه عضو واحد فإن تثنيته بلفظ الجمع ، وما كان فى البدن منه عضوان فإن تثنيته على لفظ التثنية ، فلما كان معنى أيديهما أيمانهم والإنسان ليس له إلّا يمين واحدة فنزل منزلة ما ليس فى البدن منه إلّا عضو واحد ، فأتى فى تثنيته بلفظ الجمع كقوله تعالى :

(فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(١)

__________________

(١) ٤ سورة التحريم.

٢٩٠

وكأنهم فعلوا ذلك لعدم الالتباس ، وأن أصل التثنية لا يعرى عن معنى الجمع إذ أصل التثنية ضم واحد إلى واحد.

وقد يجوز أن يؤتى فى تثنية ما فى البدن منه عضو واحد بلفظ التثنية كقولك : رأيت وجهيهما ، ويجوز أيضا أن يؤتى فى تثنيته بلفظ المفرد كقولك : رأيت وجههما ، كقول الشاعر :

٦٥ ـ كأنّه وجه تركيّين (١)

وكأنه إنما جاز ذلك لعدم الالتباس ، لأن الوهم لا يسبق إلى أنّ لهما وجها واحدا كما لا يسبق فى لفظ الجمع أن لهما وجوها. وجزاء ، منصوب من وجهين :

أحدهما : أن يكون منصوبا نصب المصادر والعامل فيه معنى الكلام المتقدم فكأنه قال : جازوهما جزاء.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له والتقدير : فاقطعوا أيديهما لأجل الجزاء. ونكالا ، منصوب لأنه بدل من قوله : جزاء.

قوله تعالى : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ)(٢) (٤١).

سمّاعون للكذب ، مرفوع لوجهين :

أحدهما : أن يكون مبتدأ وخبره (من الذين هادوا). أو يكون (سمّاعون) صفة لموصوف محذوف وتقديره ، فريق سماعون.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره : هم سماعون الكذب. وقد تزاد اللام فى المفعول كقوله تعالى :

__________________

(١) صدر بيت للفرزدق من قصيدة يهجو فيها جريرا. والبيت :

كأنه وجه تركيين قد غضبا

مستهدف لطعان غير منحجر

هامش شرح المفصل ٤ ـ ١٥٧.

(٢) أ ، ب (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ). وهى الآية ١٣ من سورة المائدة.

٢٩١

(لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(١)

وكقوله تعالى :

(إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٢).

لم يأتوك ، جملة فعلية فى موضع جر صفة لقوم. ويحرّفون ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (سمّاعون) وتكون هى الحال المقدرة ، أى ، يسمعون / مقدّرين للتحريف.

ويجوز أن يكون فى موضع رفع لأنه صفة لموصوف محذوف فى موضع رفع بالابتداء وتقديره ، وفريق يحرفون ، وهو عطف على (سماعون) وخبره (من الذين هادوا) على ما قدمنا.

قوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) (٤٤).

الذين ، صفة للنبيين على معنى المدح لا على معنى الصفة التى تدخل للفرق بين الموصوف ومن ليس له صفة ، كذلك لأنه لا يحتمل أن يكون (نبيون) غير مسلمين كما يحتمل أن يكون قولك : رأيت زيدا العاقل ، فرّقت بالعاقل بينه وبين زيد آخر ليس له هذه الصفة.

قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) (٤٥).

يقرأ والعين بالعين وما بعده بالنصب والرفع.

فالنصب بالعطف على اسم (أنّ) وهو (النفس). والرفع من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره (بالعين).

__________________

(١) ١٥٤ سورة الأعراف.

(٢) ٤٣ سورة يوسف.

٢٩٢

والثانى : أن يكون مرفوعا بالعطف على الضمير المرفوع فى قوله : (بالنفس) أى ، النفس مقتولة بالنفس ولم يؤكد كقوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا)(١)) فآباؤنا ، معطوف على الضمير المرفوع فى (أشركنا) من غير تأكيد لأن (لا) جاءت بعد واو العطف ، وإذا جاءت بعد واو العطف فلا يكون تأكيدا.

وقوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (٤٥).

قرئ أيضا بالنصب والرفع.

فالنصب بالعطف على المنصوب (بأن) كأنه قال : وأن الجروح قصاص.

والرفع على أنه مبتدأ وخبره قصاص.

قوله تعالى : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (٤٦).

مصدقا الأوّل ، منصوب على الحال من (عيسى). ومصدقا الثانى ، منصوب على الحال من (الإنجيل) وهو عطف على موضع (فيه هدى) لأنه فى موضع الحال من (الإنجيل). وهدى ونور ، رفع بالظرف لأنه وقع حالا فارتفع ما بعده به ارتفاع الفاعل بفعله.

وقيل : مصدقا الثانى عطف على مصدقا الأول فيكون منصوبا على الحال من (عيسى) أيضا للتأكيد. وهدى وموعظة ، يقرأ بالنصب والرفع. فالنصب بالعطف على (مصدقا) ، والرفع بالعطف على (فيه هدى ونور).

__________________

(١) ١٤٨ سورة الأنعام.

٢٩٣

قوله تعالى : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) (٤٧).

قرئ بكسر اللام وسكونها ، وفتح الميم وسكونها ، فمن قرأ بكسر اللام وفتح الميم فاللام فيه لام كى والفعل بعدها منصوب بتقدير (أن) لأن لام كى هى اللام الجارة ، وحرف الجر لا يعمل فى الفعل وهى تتعلق بقفينا وتقديره ، وقفينا على آثارهم ليحكم أهل الإنجيل.

ومن كسر اللام وجزم ، جعلها لام الأمر ، ولام الأمر أصلها الكسر وجزم بها الفعل.

ومن قرأ بسكون اللام سكنها تشبيها بما ثانيه مكسور ، نحو : كتف وكبد. وجزم بها الفعل لأنها لام الأمر.

قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (٤٨).

مصدقا ومهيمنا ، منصوبان على الحال من (الكتاب) وأصل (مهيمنا) مؤيمن تصغير مؤمن فأبدل من الهمزة هاء كقولهم : هنرت الثوب فى أنرت الثوب ، وهرحت الدابة فى أرحت وهيّاك فى إياك. قال الشاعر :

٦٦ ـ فهيّاك والأمر الّذى إن توسّعت

موارده ضاقت عليك المصادر (١)

ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ (٢) بِما أَنْزَلَ اللهُ) (٤٩).

__________________

(١) من شواهد الإنصاف ح ١ ص ١٣١ ، وأورده أبو تمام فى ديوان الحماسة ، ولم ينسبه لقائل. ح ٢ ص ٣٠ وقد مضى فى الشاهد رقم ٢.

(٢) (وانحكم) فى أ.

٢٩٤

معطوف على قوله تعالى :

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ).

وتقديره ، أنزلنا إليك بالحق وبأن احكم بينهم.

قوله تعالى : (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) (٤٩).

أن يفتنوك ، فى موضع نصب على البدل من الهاء والميم فى (واحذرهم) وتقديره ، واحذر أن يفتنوك ، وهذا بدل الاشتمال. ويجوز أن يكون مفعولا له.

قوله تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) (٤٩).

عطف على قوله : (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) وإنما كسر إن (١) فى (وإن كثيرا) لدخول اللام فى الخبر

كقوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(٢).

فكسر (إن) فى هذه المواضع كلها لدخول اللام فى الخبر لأنها فى تقدير التقديم فعلّقت الفعل عن العمل.

قوله تعالى : (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) (٥٢).

أى ، فى إغوائهم وإفسادهم فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ونظائره كثيرة.

__________________

(١) (الألف) فى ب.

(٢) ١ سورة المنافقون.

٢٩٥

قوله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا)(١) (فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) (٥٢).

أن يأتى ، فى موضع نصب لأنه خبر عسى. و (فيصبحوا) عطف عليه فى الوجه الأول ، ولا يكون نصبه بتقدير أن بعد فاء الجواب فى نحو قوله تعالى :

(لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ)(٢).

فيمن نصب. لأن عسى من الله واجب وجواب الواجب لا يكون منصوبا وإنما يكون النصب فى جواب ما ليس بواجب كالأمر والنهى والاستفهام والدعاء والتمنى والعرض.

قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) (٥٣).

قرئ يقول بالرفع والنصب. فالرفع على الاستئناف. والنصب من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه عطف على المعنى كأنه قدّر تقديم (أن) بعد (عسى) وعطف عليه لأن المعنى فى (عسى الله أن يأتى بالفتح) وفى (عسى أن يأتى الله بالفتح) واحد ، ولو قال : فعسى أن يأتى الله بالفتح ، جار عطف (ويقول الذين آمنوا) عليه ، فكذلك إذا قال : فعسى الله أن يأتى بالفتح.

الثانى : أن يكون معطوفا على (الفتح) وهو مصدر فى تقدير : أن يفتح ، فلما عطف على اسم ، افتقر إلى تقدير (أن) ليكون مع يقول مصدرا فيكون قد عطف اسما على اسم. كقولها :

__________________

(١) (أسرفوا) فى ب.

(٢) ٣٦ ، ٣٧ سورة غافر.

٢٩٦

٦٧ ـ للبس عباءة وتقرّ عينى

أحبّ إلىّ من لبس الشّفوف (١)

والثالث : أن يكون معطوفا على (يصبحوا) (٢) وفى هذا الوجه بعد وهو مع بعده جائز.

قوله تعالى : (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (٥٤).

من ، شرطية. ويرتد ، مجزوم بها ، ويجوز فى هذا النحو وجهان :

أحدهما : الإدغام لتحريك المجزوم لالتقاء الساكنين ، فأشبه المتحركين.

والثانى : ترك الإدغام لأن الأول متحرك والثانى ساكن ، ومن شرط الإدغام أن يكون الأول ساكنا والثانى متحركا وههنا بعكسه وهما لغتان معروفتان ، وقد جاء بهما القرآن.

ويحبهم ويحبونه ، فى موضع جر صفة لقوم وكذلك قوله تعالى :

(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)

وأعزّة وكذلك : يجاهدون وصف لهم أيضا.

ويجوز أن يكون فى موضع نصب على الحال منهم.

وقوله تعالى : (وَهُمْ راكِعُونَ) (٥٥).

جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (يؤتون).

ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على (الصلاة) والواو ليست للحال ، فلا يكون لها موضع من الإعراب.

__________________

(١) من شواهد سيبويه ح ١ ص ٤٢٦ ، ولم ينسبه ولا نسبه الشنتمرى. وقد نسبه قوم إلى امرأة اسمها ميسون بنت بحدل ـ أوضح المسالك.

(٢) (فجعل جواب عسى) جملة فى (ب) ومضروب عليها فى (أ) وهو الصحيح.

٢٩٧

قوله تعالى : (وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) (٥٧).

قرئ الكفار بالجر والنصب. فالجر بالعطف على (الذين) فى قوله : (من الذين أوتوا الكتاب) والنصب بالعطف على (الذين) فى قوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً).

قوله تعالى : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) (٥٩).

أن آمنا بالله ، فى موضع نصب بتنقمون. وما ، فى الموضعين بمعنى الذى فى موضع جر بالعطف على اسم الله تعالى. (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) عطف على (بالله) وتقديره :

آمنا بالله وبأن أكثركم فاسقون ؛ ولا يجوز أن يكون عطفا على (أن آمنا) إلا بتقدير اللام التى هى لام العلة.

قوله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) (٦٠).

مثوبة ، منصوب على التمييز والعامل فيه (شرّ) وأصله (أشرر) على وزن أفعل إلا أنه حذفت الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال وأدغمت إحدى الراءين فى الأخرى لاجتماع حرفين متحركين من جنس واحد. ومن لعنه الله ، فى موضعه ثلاثة أوجه : الجر والرفع والنصب.

فالجر على البدل من (بشرّ) وهو بدل الشىء من الشىء وهو هو.

والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف مع حذف مضاف وتقديره : هو لعن من لعنه الله ، فحذف المبتدأ والمضاف. وقيل : على تقدير مبتدأ محذوف على تقدير : من هم؟ فقال : من لعنه الله. وقيل : هو مرفوع على الابتداء وخبره (أولئك).

٢٩٨

والنصب على الذم بتقدير فعل وتقديره : أذكر أو أذمّ من لعنه الله. وجعل منهم القردة والخنازير ، معطوف على (لعنه) فى صلة (من) وكذلك (وعبد الطاغوت) فى صلته ، وفى عبد ضمير (من) فى قوله : (من لعنه الله) ولم يأت بضمير جمع فى (عبد) حملا على لفظ (من) وإن كان معناها الجمع كقوله : وجعل منهم. ومن قرأ : وعبد الطاغوت بضم الباء جعله اسما للجمع على فعل مبنيا على المبالغة فى عبادة الطاغوت كقولهم : رجل يقظ وفطن للذى تكثر منه اليقظة والفطنة. ولا يجوز أن يكون جمعا لأنه ليس من أوزان الجمع ، وهو ههنا منصوب لأنه معطوف على الخنازير ، أى ، وجعلهم عبد الطاغوت. أى عبدا لهم. ومكانا ، منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) (٦١).

فى موضع نصب على الحال. وكذلك ، (خرجوا به) أى ، دخلوا كافرين وخرجوا كافرين. والباء باء الحال كقولهم خرج زيد بسلاحه أى متسلحا.

قوله تعالى : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٦٤).

ما أنزل ، فى موضع رفع لأنه فاعل (وليزيدن) وتقديره ، وليزيدن ما أنزل إليك كثيرا منهم. أى الذى / أنزل إليك.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) (٦٩).

إنما رفع (الصابئون) لوجهين :

أحدهما : أن يكون فى الآية تقديم وتأخير والتقدير ، إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك.

٢٩٩

كقول الشاعر :

٦٨ ـ غداة أحلّت لابن أصرم طعنة

حصين عبيطات السّدائف والخمر (١)

فرفع الخمر على الاستئناف ، فكأنه قال : والخمر كذلك.

والثانى : أن تجعل قوله تعالى : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) خبرا للصابئين والنصارى وتقدّر (للذين آمنوا والذين هادوا) خبرا مثل الذى أظهرت للصابئين والنصارى ، كقولك : زيد وعمرو قائم. فيجوز أن تجعل قائما خبرا لعمرو وتقدّر لزيد خبرا آخر مثل الذى أظهرته لعمرو ، ويجوز أن تجعله خبرا لزيد وتقدر لعمرو خبرا آخر. كقول الشاعر :

٦٩ ـ وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم

بغاة ما بقينا فى شقاق (٢)

فقوله : بغاة يجوز أن يكون خبرا للثانى ويقدر للأول خبرا ويكون التقدير : وإلا فاعلموا أنّا بغاة ، وأنتم بغاة ، ويجوز أن يكون خبرا للأول ويقدّر للثانى خبرا على ما قدمنا.

وقيل : إن (إنّ) بمعنى نعم فلا تكون عاملة. فيكون (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) فى موضع رفع و (الصابئون) عطف عليه.

وقيل : إنه معطوف على المضمر المرفوع فى (هادوا) وهو ضعيف لأن العطف على المضمر المرفوع المتصل لا يجوز من غير فصل ولا تأكيد.

وكذلك قول من قال : إنما رفع (الصابئون) لأنه جاء على لغة بنى الحارث بن كعب. لأنهم يقولون : مررت برجلان وقبضت منه درهمان. فيقلبون الياء ألفا لانفتاح ما قبلها

__________________

(١) البيت للفرزدق. الإنصاف ح ١ ص ١٢١ ، وأوضح المسالك ح ١ ص ٣٤٤.

(٢) البيت من شواهد سيبويه ، وقد نسبه إلى بشر بن أبى حازم. الكتاب ح ١ ص ٢٩٠.

٣٠٠