البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ١

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-176-5
الصفحات: ٤٢٣
الجزء ١ الجزء ٢

يجوز فى (أو) وجهان :

أحدهما : أن يكون عطفا على قوله : ليقطع ، وتقديره ، ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم.

والثانى : أن تكون (أو) بمعنى (إلّا أن) وتقديره ، ليس لك من الأمر شىء إلا أن يتوب عليهم أو يعذبهم. كقولهم : لألزمنك أو تقضينى حقى. أى ، إلّا أن تقضينى.

قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) (١٣٠).

أضعافا ، منصوب على الحال من الربا. ومضاعفة ، صفة له.

قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (١٣٣).

قرئ (وسارعوا) بواو وغير واو ، فمن قرأها بالواو قدرها معطوفة على ما قبلها من القصص ، ومن حذفها جعله كلاما مستأنفا. وعرضها السموات والأرض ، جملة اسمية فى موضع جر صفة لجنة. وقوله : أعدت للمتقين ، جملة فعلية صفة لجنة أيضا.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) (١٣٥).

من ، استفهام ومعناه النفى. ومن ، مبتدأ ، ويغفر ، خبره ، وفيه ضمير يعود إلى من. وإلا الله ، بدل من الضمير فى يغفر وتقديره ، ما يغفر الذنوب إلّا الله.

قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (١٣٦).

٢٢١

(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(١) جملة فعلية فى موضع رفع صفة لجنّات ، والعائد إليها (الهاء) فى تحتها. وخالدين فيها ، منصوب على الحال من (أولئك). ونعم أجر العاملين ، خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، ونعم أجر العاملين الجنة ، وحذف لدلالة الكلام المتقدم عليه.

قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) (١٣٩).

الواو ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون للعطف.

والثانى : أن تكون للحال ، فيكون المعنى ، ولا تضعفوا ولا تحزنوا وهذه حالكم.

قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) (١٤٠).

نداولها ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من الأيام. وليعلم الله الذين آمنوا ، فى الواو وجهان :

أحدهما : أن تكون عاطفة على فعل مقدر ، والتقدير ، وتلك الأيام نداولها بين الناس لئلا يغترّوا (٢) وليعلم الله الذين آمنوا.

والثانى : أن تكون زائدة ، وتقديره ، وتلك الأيام نداولها بين الناس ليعلم الله.

والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (١٤٢).

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) (يكفروا) فى ب.

٢٢٢

أم ، ههنا المنقطعة لأنها ليس قبلها همزة. ولما ، حرف نفى معناه النفى لما قرب من الحال ، كقولك : قد قام زيد ، ونفيه ، لمّا يقم. ولو قلت : قام زيد ، كان نفيه ، لم يقم. ويعلم ، مجزوم بلمّا وإنما كسرت الميم لالتقاء الساكنين ، ويعلم ههنا بمعنى يعرف ، ولهذا تعدت إلى مفعول واحد وهو الذين. ويعلم ، منصوب على الصرف بتقدير (أن) أى ، لم يجتمع العلم بالمجاهدين والصابرين.

وزعم بعضهم أن قوله : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ، مجزوم بالعطف على قوله : يعلم الله.

ولكنه فتح ولم يكسر تبعا لفتحة اللام وهذا ضعيف والوجه هو الأول (١).

قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) (١٤٣).

أن تلقوه ، فى موضع جر بإضافة (قبل) إليه ، ولهذا كانت قبل معربة (٢) ولو اقتطعت عن الإضافة لكانت مبنية على الضمة لأنها غاية. والهاء فى تلقوه ، تعود على الموت وكذلك الهاء فى رأيتموه ، والتقدير فى (فقد رأيتموه) ، فقد رأيتم أسبابه. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) (١٤٥).

أن تموت ، أن وصلتها فى تقدير مصدر فى موضع رفع لأنه اسم كان. وإلّا بإذن الله ، خبر كان. وكتابا مؤجلا ، منصوب على المصدر.

قوله تعالى : (نُؤْتِهِ مِنْها) (١٤٥).

قرئ : نؤته بالإشباع ، وقرئ بالاختلاس وقرئ بالإسكان ، وأحسنها الإشباع لأنه الأصل ثم الاختلاس ثم الإسكان وهو أضعفها ، لأن الهاء إنما تسكن تشبيها لها بهاء

__________________

(١) ساقطة من ب.

(٢) (معرفة) فى ب.

٢٢٣

التأنيث فى حالة الوقف نحو : ضاربة وذاهبة وهذا إنما يكون فى الشعر لا فى الكلام.

قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) (١٤٦).

كأين ، بمنزلة (كم) فى الدلالة على العدد الكثير ، وأصلها (أى) أدخلت عليها كاف التشبيه ، وخلع عنها معنى التشبيه ، وأثبت (١) فى كتابتها بعد الياء (نون) لأنها غيّرت عن أصلها ، ووقف عليها بالنون إتباعا للمصحف ، وروى عن أبى عمرو ابن العلاء أنه وقف بغير نون على الأصل ، ومن قرأ ، كائن على لفظ فاعل فهو مقلوب من (كأى) وذلك أنه أخر الهمزة التى هى فاء الفعل فصار (كيّأ) على وزن (كعلف) ثم خفف الياء المشددة كما خفف ميّت وسيّد وجيّد ، فصار بعد التخفيف (كيأ) على وزن (كعف) لأن الياء عين ، والهمزة فاء ، ثم قلبت الياء ألفا كما قالوا فى طىّ طاىّ ، وفى حيرة حارىّ والياء المحذوفة هى الثانية التى هى لام ، وكان حذفها أولى من الأولى التى هى عين ، وإن كانت ساكنة ، والساكن أضعف لأن الحذف إلى الطرف الأخير أسرع ، لأن الأخير معدن التغيير ، ألا ترى إلى كثرته فى نحو ، يد وغد ودم. وقلته فى نحو ، منذ. ولهذا قلنا ، إن وزنه كعف ولم نقل : كلف.

وقيل : قدمت إحدى الياءين من كأىّ على الهمزة فتحركت بالفتح كما كانت الهمزة وصارت الهمزة ساكنة فى موضع الياء المتقدمة ، فلما تحركت وانفتح ما قبلها قلبوها ألفا ، والألف ساكنة وبعدها همزة ساكنة فكسرت الهمزة لالتقاء الساكنين وبقيت إحدى الياءين طرفا فحذفت للتنوين بعد حذف حركتها طلبا للتخفيف كما تحذف ياء قاض ورام ، وأكثر ما تستعمل (كأىّ) مع (من) كقوله تعالى :

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها)(٢).

__________________

(١) (زيدت) فى ب.

(٢) سورة الطلاق ٨.

٢٢٤

قال الشاعر :

٥٢ ـ وكائن بالأباطح من صديق

يرانى لو أصيب هو المصابا (١)

وربيون ، مرفوع لأنه فاعل قاتل ، والجملة فى موضع جر لأنه صفة لنبى ، وخبر كأين مقدر وتقديره ، كأين من نبي قاتل معه ربيون فى الدنيا أو فى الوجود أو ما أشبه ذلك ، ومن قرأه قتل. فربيون ، مرفوع من ثلاثة أوجه :

الأول : أنه مرفوع (بقتل) لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، وصارت (معه) متعلقة بقتل ، فيصير (قتل) وما بعده صفة لنبى ، وخبر كأين مقدر كما قدر على قراءة من قرأ ، قاتل معه ربيون.

والثانى : أن يكون مرفوعا بالابتداء. ومعه ، خبر مقدم.

والثالث : أن يكون مرفوعا بالظرف وهو مذهب سيبويه لأن الظرف وقع صفة لما قبله ففيه معنى الفعل ، فكان أولى من الابتداء لأنه عامل لفظى والابتداء عامل معنوى ، والعامل اللفظى أقوى من العامل المعنوى ، وقد ضعّف قوم هذه القراءة لأنه لم يقتل نبى قط فى معركة ، وقرأوا بقراءة من قرأ (قاتل) على ما قدمنا.

قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ) (١٥٤).

__________________

(١) قال ابن هشام فى (شرح حال الضمير المسمى فصلا وعمادا : فأما قول جرير بن الخطف :

وكائن بالأباطح من صديق

يرانى لو أصبت هو المصابا

مغنى اللبيب ص ١٠٥ ح ٢.

٢٢٥

أمنة نعاسا ، فى نصبهما وجهان :

أحدهما : أن تكون (أمنة) منصوبا بأنزل. ونعاسا ، بدلا منه.

والثانى : أن تكون (أمنة) مفعولا له ، ونعاسا ، منصوبا بأنزل ، وتقديره ، ثم أنزل عليكم من بعد الغم نعاسا لأمنة. ثم حذفت اللام فاتصل الفعل به فنصبه. ويغشى طائفة ، يقرأ : يغشى بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء ردّ إلى النعاس ، ومن قرأ بالتاء ردّ إلى الأمنة ، ويقرأ بإمالة الألف من يغشى ، لأنها منقلبة عن ياء ، لأنها من غشى غشيانا. وطائفة قد أهمتهم. طائفة ، مبتدأ. وقد أهمتهم ، خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع نصب على الحال ، وفى هذه الواو ثلاثة أوجه :

الأول : أن تكون واو الحال.

وقيل : واو الابتداء.

وقيل : هى بمعنى (إذ).

قوله تعالى : (يَظُنُّونَ) (١٥٤).

جملة فعلية ، وفى موضعها وجهان :

أحدهما : أن تكون فى موضع نصب على الحال من المضمر المنصوب فى (أهمتهم).

والثانى : أن تكون فى موضع رفع لأنها صفة لطائفة.

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (١٥٤).

كله ، يقرأ بنصب اللام ورفعها.

فالنصب على أن يكون تأكيدا للأمر المنصوب لأنه اسم (إنّ). ولله ، خبر (إنّ).

والرفع على أن يكون مبتدأ. ولله ، خبره ، والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنها خبر (إنّ).

٢٢٦

قوله تعالى : (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) (١٥٤).

اللام ، لام كى ، وهى متعلقة بفعل مقدر دل عليه الكلام وتقديره ، وليبتلى الله ما فى صدوركم أوجب عليكم القتال. (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) ، معطوف على ليبتلى ، والكلام عليهما واحد.

قوله تعالى : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى) (١٥٦).

إنما قال : إذا ضربوا ، فأتى بالفعل الماضى بعد (إذا) وهى للاستقبال ، لأن إذا بمنزلة إن ، وإن تنقل الفعل الماضى إلى معنى المستقبل ، ألا ترى أنك تقول : إن قمت قمت. أى : إن تقم أقم. فكذلك (إذا) لأنها تتنزّل منزلتها. وغزّى ، جمع غاز على حد جمع الصحيح ، فإن فاعلا من الصحيح يجمع على فعّل نحو ، شاهد وشهّد ، وبازل وبزّل. وإن كان المعتل ، إذا كان على وزن فاعل يجمع على فعلة ، وهو من الأبنية التى يختص بها المعتل : نحو ، قاض وقضاة ، ورام ورماة لأن المعتل يختص بأبنية ليست للصحيح كفيعل كسيّد وجيّد وهيّن وميّت : وبفيعلولة. نحو ، كينونة ، وسيدودة ، وقيدودة ، وهيعوعة. وأصلها : كيّنونة ، وسيدّودة ، وقيّدودة ، وهيّعوعة بالتشديد ، إلا أنه خفّف ، وتخفيفه على سبيل الوجوب لا على سبيل الجواز بخلاف ، سيّد وجيّد لما ذكرنا فى كتاب الانصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) (١٥٦).

هذه اللام فى (ليجعل) لام العاقبة ، ومعناه ، لتصير عاقبتهم إلى أن يجعل الله جهاد المؤمنين وإصابة الغنيمة أو الفوز بالشهادة حسرة فى قلوبهم. وهذا كقوله تعالى :

__________________

(١) الإنصاف ح ٢ ص ٤٦٩ المسألة ١١٥.

٢٢٧

(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً)(١).

ولم يلتقطوه ليكون عدوا وحزنا ، وإنما معناه ، أنه كان عاقبة التقاطهم إياه أن صار لهم عدوا وحزنا.

والكوفيون يسمون هذه اللام الصيرورة ، والبصريون يسمونها لام العاقبة ، ولكل منها وجه.

قوله تعالى : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) (١٥٧).

متّم ، يقرأ بضم الميم وكسرها وهما لغتان ، فمن قرأ بالضم ، ففيه وجهان :

أحدهما : أن يكون الأصل فيه موت كقلت أصله (قولت) فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقبلت ألفا ثم حذفت الألف لسكونها وسكون اللام بعدها لاتصالها بضمير الفاعل ، وضمت الميم ليدلوا على أنه من ذوات الواو.

والثانى : أن يكون أصله موت فنقل من فعلت بفتح العين إلى فعلت بضم العين فنقلت الضمة من الواو إلى الميم فبقيت الواو ساكنة والتاء ساكنة كما ذكرناه ، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار ، متّ ووزنه فى كلا الوجهين قلت. ومن قال : متّ بالكسر كان الأصل فيه موت على وزن فعلت ، كخفت أصله خوفت فنقلت الكسرة من الواو إلى الميم فبقيت الواو ساكنة ، والتاء ساكنة فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فبقى متّ ، ووزنه فلت.

قوله تعالى : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) (١٥٨).

إنما لم تدخل النون مع اللام فى الجواب كقوله تعالى :

(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ)(٢)

__________________

(١) سورة القصص ٨.

(٢) سورة الإسراء ٨٦.

٢٢٨

لأنه فصل بين اللام والفعل بالجار والمجرور ، فلما فصل بينهما لم يأت بالنون لأن النون إنما تدخل مع هذه اللام لئلا تشتبه بلام الابتداء ، وههنا قد زال الاشتباه بدخول اللام على الجار والمجرور وهما فضلة ، ولام الابتداء لا تدخل على الفضلة. ونحوه ، (فلسوف يعلمون) لم تدخل النون لأن لام الابتداء لا تدخل على سوف ، والفعل فى نحو ، لئن جئتنى لأفعلن ، ليس جوابا للشرط وإنما هو جواب قسم مقدر وتقديره ، لئن جئتنى والله لأفعلنّ ، واللام فى (لئن) عوض عن ذلك القسم ، وقد تحذف هذه اللام وهى مرادة. قال الله تعالى :

(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ)(١)

وإنما وجب أن تكون مرادة لأنك لو لم تقدر اللام لم تأت بما يكون عوضا عن القسم ، وإذا لم يوجد قسم ولا ما يقوم مقامه لم يجر ليمسّنّ ، لأنه لا يجوز أن يؤتى بجواب قسم غير ملفوظ به ولا مقدر.

قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (١٥٩).

ما ، زائدة مؤكدة ، والتقدير ، فبرحمة من الله.

وقول من قال : إن (ما) ليست زائدة وإنما هى نكرة فى موضع جر. ورحمة ، بدل من (ما) وتقديره ، فبشىء رحمة فليس بشىء وهو خلاف قول الأكثرين ، لأن زيادة (ما) كثير فى كلامهم ، والقرآن نزل بلغتهم.

وبرحمة ، فى موضع نصب لأن التقدير ، لنت لهم برحمة من الله. فقدم الباء على (لنت) ، والأصل فى لنت لينت ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وحذفت الألف لسكونها وسكون النون بعدها لاتصالها بضمير المخاطب (٢) ، وكسرت اللام ليدلوا بذلك على أنها من ذوات الياء.

__________________

(١) سورة المائدة ٧٣.

(٢) (المتكلم) فى أ ، ب.

٢٢٩

وقيل إنه نقلت من فعلت بفتح العين إلى فعلت بكسرها ، ونقلت الكسرة من العين إلى الفاء ، فسكنت الياء والنون ، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين فصار لنت ووزنه فلت.

قوله تعالى : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) (١٦٠).

الهاء فى بعده ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون عائدة على الله تعالى.

والثانى : أن تكون عائدة على الخذلان لدلالة قوله تعالى : (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) كقولهم : من كذب كان شرّا له. أى كان الكذب شرا له. ونظائره كثيرة.

قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) (١٦١).

أن يغل ، فى موضع رفع لأنه اسم كان. ولنبي خبر كان. والمعنى ، ما كان لنبي أن يخون. وقرئ : وما كان لنبي أن يغل. بضم الياء وفتح الغين ، أن يخوّن. أى ، ينسب إلى الخيانة.

قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) (١٦٣).

أى ، هم ذو درجات عند الله. فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا) (١٦٨).

الذين ، فى موضعه وجهان : النصب والرفع.

فالنصب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون وصفا للذين فى قوله تعالى :

(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا).

٢٣٠

والثانى : أن يكون على البدل منهم.

والثالث : أن يكون على تقدير أعنى.

والرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هم الذين.

قوله تعالى : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ) (١٧٠).

فرحين ، منصوب على الحال من المضمر المرفوع فى (يرزقون). وآتاهم ، أصله أأتاهم (١) فاجتمع فى أوله همزتان ، فاستثقلوا اجتماعهما فأبدلوا من الهمزة الثانية ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها كما قالوا : آمن وآخر وأصلهما أأمن وأأخر. فقلبت الفاء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

قوله تعالى : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ) (١٧١).

قرئ بفتح (أن) وكسرها ، فمن فتحها جعلها معطوفة على قوله : بنعمة من الله ، ومن كسرها جعلها مبتدأة مستأنفة.

قوله تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) (١٧٥).

تقديره ، يخوفكم بأوليائه. فحذف المفعول الأول ، والباء من المفعول الثانى كقوله تعالى :

(لِيُنْذِرَ بَأْساً)(٢)

وتقديره ، لينذركم ببأس شديد. فحذف المفعول الأول ، والياء من المفعول الثانى على ما قدمنا.

قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ) (١٧٦).

قرئ بفتح الياء وضمها ، فمن قرأ بالفتح جعله من حزنه وهو فعل ثلاثى ، وحرف

__________________

(١) (أأتيهم) فى أ ، ب.

(٢) سورة الكهف ٢.

٢٣١

المضارع (١) من الفعل الثلاثى مفتوح للفرق بينه وبين الرباعى. ومن قرأ بالضم جعله من أحزنه وهو فعل رباعى ، وحرف المضارع من الفعل الرباعى مضموم. وإنما فعلوا ذلك للفرق بينهما ، وإنما كان الثلاثى أولى بالفتح ، والرباعى أولى بالضم لأن الثلاثى أكثر والرباعى أقل ، فأعطوا الأكثر الأخف وهو الفتح ، وأعطوا الأقل الأثقل وهو الضم ليعادلوا بينهما.

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) (١٧٨).

يحسبن ، قرئ بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء كان (الذين كفروا) فى موضع رفع بأنه فاعل يحسبن وتقديره ، ولا يحسبن الكافرون. وكانت (ما) فى أنما ، اسما موصولا بمعنى الذى. والهاء ، التى هى العائد إليه من (نملى) محذوفة وتقديره ، أن الذى نمليه لهم. وخير ، مرفوع لأنه خبر (أن) ، وأن وما عملت فيه سدّت مسد المفعولين. ومن قرأ إنما ، بالكسر ، فإنه يعلق يحسبن ، ويقدر القسم كما يفعل بلام الابتداء فى قولك : لا يحسبنّ زيد لأبوه (٢) خير من عمرو. وكأنك قلت : والله لأبوه خير من عمرو. ومن قرأ بالتاء كان الذين مفعولا أول ، و (أنما) وما بعدها بدلا من (الذين) وسدّ مسد المفعولين كما قدمنا. وما ، بمعنى الذى. والهاء العائد من نملى محذوفة ، ولا يجوز أن نجعل (أن) مفعولا ثانيا لأن المفعول الثانى فى هذا ، فى حسبت وأخوانها هو الأول فى المعنى ولا يجوز ههنا إلا أن نقدر محذوفا والتقدير ، ولا تحسبن شأن الذين كفروا أنما نملى لهم. وتكون ما ونملى مصدرا.

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (١٨٠).

__________________

(١) (المضارعة) فى ب.

(٢) (لا أبوه) فى أ.

٢٣٢

يحسبن ، قرئ بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء فموضع (الذين يبخلون) رفع لأنه فاعل حسب ، وحذف المفعول الأول لدلالة الكلام عليه.

و (هو) ، فصل عند البصريين وعماد عند الكوفيين.

وخيرا ، منصوب لأنه المفعول الثانى وتقديره ، ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل خيرا لهم.

ومن قرأ بالتاء فموضع (الذين يبخلون) نصب لأنه مفعول أول على تقدير حذف مضاف وإقامة (الذين) مقامه وتقديره ، ولا تحسبن بخل الذين يبخلون. و (هو) فصل. وخيرا لهم ، هو المفعول الثانى ، ويجوز أن يكون (هو) كناية عن البخل.

قوله تعالى : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ) (١٨١).

سنكتب ، قرئ بالنون على ما سمى فاعله ، وسيكتب ، بالياء على ما لم يسم فاعله ، فمن قرأ بالنون على ما سمى فاعله كان (ما) فى موضع نصب به. وقتلهم ، منصوب لأنه معطوف على (ما). ومن قرأ بالياء على ما لم يسمّ فاعله كان (ما) مرفوعا لأنه مفعول ما لم يسم فاعله. وقتلهم ، مرفوع لأنه معطوف على (ما) وهى فى موضع رفع. والأنبياء ، منصوب بالمصدر المضاف وهو (قتلهم).

قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) (١٨٨).

قرئ يحسبن بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء جعل (الذين يفرحون) فى موضع رفع لأنه فاعل ، والذين ، اسم موصول ، ويفرحون ، صلته ، وتمامها عند قوله تعالى : (لَمْ يَفْعَلُوا) وحين طال كرر فقال : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) ،) وهو ، بدل من (الذين يفرحون) على قراءة من قرأ بالياء. والفاء ، زائدة فلا تمنع من البدل. وفى يحسبن ، ضمير الذين. و (هم) المفعول الأول. وبمفازة من العذاب ، فى موضع المفعول الثانى

٢٣٣

وتقديره ، فلا يحسبن أنفسهم بمفازة من العذاب أى فائزين ، واكتفى بذكر المفعولين فى الثانى عن ذكرهما فى الأول.

ومن قرأ الأول بالياء والثانى بالتاء فلا يجوز فيه البدل لاختلاف فاعليهما ولكن يكون مفعولا الأول قد حذفا لدلالة مفعولى الثانى عليهما.

وأما قراءة من قرأ : لا تحسبن الذين يفرحون ، بالتاء فإنه جعل (الذين يفرحون) فى موضع نصب لأنه المفعول الأول وحذف المفعول الثانى لدلالة ما بعده عليه وهو قوله : (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ).

وقد قيل : إن قوله : (بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) المفعول الثانى (لحسب) الأول ، وهو فى تقدير التقديم ، ويكون المفعول الثانى (لحسب) الثانى محذوفا لدلالة الأول عليه وتقديره ، ولا تحسبن يا محمد الذين يفرحون بما أتوا بمفازة من العذاب فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب. ثم حذف الثانى.

ويجوز أن يكون (فلا تحسبنهم) فى قراءة من قرأ بالتاء بدلا من (لا تحسبن الذين يفرحون) فى قراءة من قرأ بالتاء كما قدمنا فيمن قرأهما بالياء. والفاء ، زيادة فى القراءة كلها لأنه ليس بموضع عطف ولا موضع شرط وجزاء فلا تمنع البدل أيضا ، ولا يجوز البدل على قراءة من قرأ الأول بالتاء والثانى بالياء لاختلاف فاعليهما ولكن يكون المفعول الثانى لحسب الأول محذوفا لدلالة ما بعده عليه ، أو يكون (بمفازة من العذاب) هو المفعول الثانى له ، ويكون المفعول الثانى لحسب الثانى محذوفا على ما قدمنا.

قوله تعالى : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (١٨٥).

ما فى إنما ، كافة ولا يجوز أن تكون بمعنى الذى لأنها لو كانت بمعنى الذى لكان ينبغى أن يكون (أجوركم) مرفوعا لأنه يكون التقدير فيه ، إن الذى توفّونه أجوركم. وفى وقوع الإجماع على أنه لم يقرأ بالرفع دليل على أنها ليست بمعنى الذى.

٢٣٤

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٩١).

الذين ، يجوز أن يكون فى موضع جر لأنه صفة (لأولى الألباب) ويجوز أن يكون فى موضع رفع لأنه مبتدأ وخبره قوله تعالى : (ربّنا) على تقدير ، يقولون ربنا. فحذف القول وهو كثير فى كلامهم. وفى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف.

ويجوز أن يكون فى موضع نصب على ما قدمنا. وقياما ، منصوب على الحال من الضمير المرفوع فى (يذكرون). وعلى جنوبهم ، فى موضع نصب على الحال من الضمير أيضا. كأنه قال : ومضطجعين. ويتفكرون ، معطوف على يذكرون فهو داخل فى صلة الذين. وباطلا ، منصوب لأنه مفعول له. سبحانك ، منصوب انتصاب المصادر وهو اسم أقيم مقام المصدر.

وقيل مصدر ، والأكثرون على الأول.

وقنا عذاب النار ، أجمع أصحاب الإمالة على إمالة النار لكسرة الراء فى حالة الوصل ، واختلفوا فى حالة الوقف ، فمنهم من لم يمل وقال : إن الإمالة إنما كانت لأجل الكسرة وقد زالت الكسرة فى حال الوقف فينبغى أن تزول الإمالة ، ومنهم من أمال وقال : إن الكسرة وإن كانت قد زالت لفظا فى حالة الوقف إلّا أنها فى تقدير الإثبات.

وقد حكى سيبويه عن العرب أنهم قالوا : هذا ماش بالإمالة إذا أرادوا الوقف على (ماشى) من قولك : هذا ماش يافتى. لأن الكسرة فى تقدير الإثبات.

قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) (١٩٣).

٢٣٥

ينادى ، جملة فعلية فى موضع نصب لأنه صفة (مناديا). وللإيمان ، فى لامه الأولى وجهان :

أحدهما : أن تكون بمعنى (إلى) أى ، إلى الإيمان.

والثانى : أن تكون من صلة مناديا أى ، سمعنا مناديا للإيمان ينادى. وأن آمنوا ، فى موضع نصب بينادى وتقديره ، ينادى بأن آمنوا. فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به وقد قدّمنا الخلاف فى نظائره.

قوله تعالى : (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) (١٩٣).

أى ، أبرارا مع الأبرار. كقول الشاعر :

٥٣ ـ كأنك من جمال بنى أقيش

يقعقع خلف رجليه بشنّ (١)

أى ، كأنك جمل من جمال بنى أقيش. والأبرار ، جمع بارّ ، ويجوز أن يكون جمع برّ وأصله ، برر على وزن كتف فحذفت الكسرة من الراء الأولى وأدغمت فى الثانية.

قوله تعالى : (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (١٩٤).

أى على ألسنة رسلك ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) (١٩٥).

أنى ، قرئ بفتح الهمزة وكسرها ، فمن فتحها كان التقدير فيه ، فاستجاب لهم

__________________

(١) البيت من شواهد سيبويه ، «هذا باب يحذف المستثنى فيه استخفافا» وهو للنابغة الذبيانى. الكتاب ١ ـ ٣٧٥.

٢٣٦

ربهم بأنى لا أضيع ، فحذف حرف الجر ، ومن قرأ بالكسر كان التقدير فيه ، فقال لهم إنى لا أضيع ، وهى بعد القول مكسورة.

قوله تعالى : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) (١٩٥).

فالذين هاجروا ، مبتدأ. وخبره (لأكفرن). وقاتلوا وقتلوا ، عطف على عطف.

وقرئ : وقتلوا وقاتلوا ، هذه القراءة تدل على أن الواو تدل على الجمع دون الترتيب فلذلك لم يبال قدّم أو أخرّ وإلا فيستحيل أن تكون المقاتلة بعد القتل ، وقد يجوز أن يراد يقتلوا البعض ويقاتلوا الباقى وهو كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (١٩٥).

ثوابا ، منصوب من ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا على المصدر المؤكد لما قبله لأنه لما قال : لأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار. كأنه قال : لأثيبنّهم ثوابا (١).

والثانى : أن يكون منصوبا على القطع وهى عبارة الكوفيين وهو الحال عند البصريين.

والثالث : أن يكون منصوبا على التمييز.

والوجه الأول أوجه الأوجه.

والله ، مبتدأ. وحسن الثواب ، مبتدأ ثان. وعند ، خبر المبتدأ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول وهو اسم الله تعالى.

__________________

(١) (بثواب) فى أ.

٢٣٧

قوله تعالى : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) (١٩٧).

خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، تقلبهم متاع قليل. فحذف تقلبهم لدلالة ما تقدم وهو قوله : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا).

قوله تعالى : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (١٩٨).

تجرى ، جملة فعلية وفى موضعها وجهان :

أحدهما : أن تكون فى موضع رفع لأنها صفة لجنات. والثانى : أن تكون فى موضع نصب على الحال من المضمر المرفوع فى (لهم) لأنه كالفعل المتأخر بعد الفاعل إن رفعت جنات بالابتداء ، وإن رفعتها باستقر لم يكن فيه ضمير مرفوع لأنه بمنزلة الفعل المتقدم على فاعله.

قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١٩٨).

خالدين ، منصوب على الحال من المضمر المجرور فى (لهم) والعامل فى الحال العامل فى ذى الحال لأنها هو فى المعنى. ونزلا ، منصوب على المصدر والكلام عليه بمنزله الكلام على قوله ثوابا.

قوله تعالى : (خاشِعِينَ لِلَّهِ) (١٩٩).

منصوب على الحال ، وفى ذى الحال ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون حالا من المضمر المرفوع فى (يؤمن).

والثانى : أن يكون حالا من المضمر المجرور فى (إليهم).

والثالث : أن يكون حالا من المضمر المرفوع فى (لا يشترون) أى ، لا يشترون خاشعين.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا) (٢٠٠).

٢٣٨

لا يجوز أن تدغم هذه الواو الساكنة فى الواو المفتوحة التى بعدها لأنها واو الضمير ، وهى تتنزل منزلة الألف فى التثنية.

قال سيبويه : لم يدغموا (ظلموا واقدا) كما لم يدغموا (ظلما واقدا) لأن الواو غير لازمة وهى جارية مجرى الألف ، وجاز فى :

(عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً)(١)

لأنه متصل ، ولم يجز فى (اصبروا وصابروا) لأنه منفصل ، وليس من ضرورة ثبوت الإدغام فى المتصل ثبوته فى المنفصل.

قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢٠٠).

جملة فعلية فى موضع رفع لأنها خبر (لعل).

__________________

(١) ٢١ سورة الفرقان. والآية (عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) وهو لا يعنيها لأنه ليس فيها إدغام وقد أورد سيبويه المثلين (ظلموا واقدا) و (ظلما واقدا) ولم يذكر المثال الثالث ـ سيبويه ٢ / ٤٠٤ باب الإدغام.

٢٣٩

غريب إعراب سورة النساء

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (١).

قرئ (تسّاءلون) بالتشديد. و (تساءلون) بالتخفيف.

فمن قرأ (تسّاءلون) بالتشديد أدغم التاء فى السين لقربهما فى المخرج ، وأدغمت التاء فى السين ولم تدغم السين فى التاء لأن فى السين زيادة صوت لأنها من حروف الصفير وهى ، الصاد والسين والزاى. وإنما يدغم الأنقص صوتا فيما هو الأزيد صوتا ، ولا يدغم الأزيد صوتا فيما هو الأنقص صوتا ، لأنه يؤدى إلى الإجحاف به ، ويبطل ماله من الفضل على مقاربه.

ومن قرأ ، تساءلون به بالتخفيف فإنه حذف إحدى الياءين وقد بينا الخلاف فى المحذوفة منهما.

والأرحام ، قرئ بالنصب والجر.

فمن قرأ بالنصب جعله معطوفا على اسم الله تعالى وتقديره ، واتقوا الله واتقوا الأرحام أن تقطعوها.

ومن قرأه بالجر فقد قال الكوفيون : إنه معطوف على الهاء فى (به) ، وأباه البصريون وقالوا : ولا يجوز العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار ، لأن المضمر المجرور يتنزل منزلة التنوين لأنه يعاقب التنوين فى مثل ، غلامى ، ولأنهم يحذفون الياء فى النداء فى نحو (يا غلامى) كما يحذف منه التنوين فلا يعطف عليه ، كما لا يعطف على التنوين.

ومنهم من قال إنه مجرور بباء مقدرة لدلالة الأولى عليها.

٢٤٠