الترجمان عن غريب القرآن

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني

الترجمان عن غريب القرآن

المؤلف:

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3996-7
الصفحات: ٢٤٠

(وَهُوَ كَظِيمٌ) : متجرّع غصصه ممسك عن الكلام.

(أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) الهون والهوان بمعنى وهو : الذل.

(سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) أي : سهلا في الحلق ، تقول : سغته أسوغه وأسيغه ، وساغ الشراب ، يتعدّى ولا يتعدى.

(وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) قرئ مفتوح الراء ومكسورها مخففا ومشددا (١) ، فالمفتوح بمعنى : مقدّمون إلى النار ، معجّلون إليها ، من أفرطت فلانا وفرّطته في طلب الماء ، وقيل : منسيون متروكون في النار ، من أفرطت فلانا خلفي إذا نسيته ، والمكسور المخفف : من الإفراط في المعاصي ، والمكسور المثقّل : من التفريط في الطاعات.

(سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) السّكر : نبيذ التمر ، والرزق الحسن : التمر والزبيب والخل والدّبس ، والآية سابقة لتحريم الخمر ، قيل : ما كان من العنب فهو خمر ، وما كان من التمر فهو سكر ، وقيل : السّكر ما سدّ الجوع ، مأخوذ من سكّرت النهر إذا سددته ، وقيل : إنكار من الله تعالى عليهم ، أيتخذون منه سكرا ورزقهم الله إياه رزقا حسنا.

(وَأَوْحى رَبُّكَ) بمعنى : ألهم ، والوحي في كلام العرب على معان : الوحي : الكتابة ، وجمعه وحيّ مثل حلي وحليّ ، والوحي : الإشارة والإلهام والرسالة والكلام الخفي ، وكل ما ألقيته إلى غيرك ، ويقال : وحيت إليه الكلام وأوحيت ، وهو أن يكلمه بكلام يخفيه.

(فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً) جمع ذلول من الذّل بكسر الذال ضد الصعوبة ، منقادة بالتسخير ، ويحتمل أن يكون حالا من السبل ، ويحتمل أن يكون حالا من النحل أي منقادة.

(أَرْذَلِ الْعُمُرِ) : الهرم ، وقد رذل يرذل رذالة ، قيل : تسعون سنة ، وقيل : خمس وسبعون ، وقيل : ثمانون.

(بَنِينَ وَحَفَدَةً) الحفدة : الغلمان الذين يسرعون في الخدمة ، وأصل الحفد :

__________________

(١) قرأ نافع بكسر الراء وتخفيفها ، وقرأ أبو جعفر المدني : مفرّطون بكسر الراء وتشديدها ، وقرأ الباقون : مفرطون.

٨١

الإسراع ، وقيل : أولاد الأولاد ، وقيل : هم أزواج البنات ، وهم الأختان ، وقيل : البنات لأنهن يخدمن في البيوت أتم خدمة.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) ضرب الله هاهنا : وصف وبيّن ، المثل : عبارة عن قول شيء في شيء يشبه قولا آخر في أمر تجمعهما مشابهة ، ليس أحدهما كالآخر ، كقولهم : " الصّيف ضيّعت اللبن" هذا القصة قيلت لامرأة كانت عند زوج له إبل ، وكانت أيام الصيف قادرة على اللبن. فطلقت زوجها وتزوجت بفقير لا إبل له ، فلما جاء وقت الصيف جاءت إلى مطلقها تطلب منه وقت الصيف اللبن ، فقال لها : الصيف ضيعت اللبن ، فصار هذا مثل قولك : ضيعت المراد وقت الإمكان ، والمثل على وجهين : أحدهما : كقولك : شبه وشبه ونقص ونقص ، ويكون بمعنى الوصف ، ومنه قوله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) والثاني : عبارة عن المشابهة في غيره في معنى من المعاني ، أي معنى كان ، وهو من الألفاظ الموضوعة للمشابهة ؛ وذلك أن" النّد" يقال لما يشابه في الجوهر فقط ، و" الشّبه" يقال لما يشاركه في الكيفية فقط ، و" المساوي" يقال لما يشاركه الكمية فقط ، و" الشّكل" يقال لما يشاركه في القدر والمساحة فقط ، و" المثل" عام في جميع ذلك ، ولهذا لما أراد الله تعالى نفي الشبيه من كل شيء خصه بالذكر ، فقال : " ليس كمثله شيء" [الشورى : ١١].

(عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) مملوكا هاهنا : صفة اقتضت التخصيص ، وذلك أن العبد يطلق على الحر والقنّ بدليل قوله تعالى : " عِبادُ الرَّحْمنِ" [الفرقان : ٦٣] و" يا عِبادِيَ" [العنكبوت : ٥٦] ، [الزمر : ٥٣] فإنه جمع العبد والمراد به الحر والقنّ ، والمراد : القنّ في قوله : " لا يقدر على شيء" تخصيص آخر ليخرج المكاتب والمأذون له من الكشاف (١).

(أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) البكم : أن يولد المولود أخرس ، وكلّ أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، يقال : بكم عن الكلام إذا ضعف عنه لضعف عقله فصار الأبكم.

(كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي : وبال وثقل ، والكلّ : العيال ، والكلّ : الثقيل ، والكل : اليتيم : والكلّ : من لا ولد له ولا والد ، والجمع الكلول.

__________________

(١) يعني تفسير الكشاف لجار الله محمود بن عمر الزمخشري توفي عام ٥٣٨ ه‍.

٨٢

(وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) تقول : عتبت فلانا إذا أبرزت له ما عندك ، وأعتبت فلانا إذا حملته على العتب ، ويقال : أعتبته أزلت عتبه نحو أشكيته ، والاستعتاب : أن يطلب من الإنسان أن يذكر عتبه ليعتب ، يقال : استعتبت فلانا ، فقوله : " ولا هم يستعتبون" من هذه المادة ، والعتبى : إزالة ما لأجله يعتب.

(سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) جمع سربال : وهو القميص ، والثوب من الكتان والقطن والصوف وغيرها ، والتقدير : سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم البرد ، فحذف الثاني لدلالة الأول ، وذكر الحر لأنه عندهم أهم ، لكونهم في قطر حارّ ، وقيل : ما دفع الحرّ دفع البرد.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) النّكث بالكسر : نقض الأخبية والأكسية لتغزل مرة أخرى ، والنكث : اسم رجل والجمع : أنكاث ، واستعير لنقض العهد والأيمان ، قيل : هذه التي ضرب لها المثل كانت حمقاء اسمها ريطة بنت عمرو بن تميم وكانت تأمر جواريها بالغزل فإذا بلغن نصف النهار أخذت ما غزلن ونقضته.

(دَخَلاً بَيْنَكُمْ) الدّخل : الفساد أي : يفسده.

(لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ) اختلف في البشر الذي نسب التعليم إليه ؛ فقيل : غلام كان لحويطب بن عبد العزى أسلم وحسن إسلامه اسمه عائش وقيل : يعيش وكان صاحب كتب ، وقيل : جبر ، غلام رومي كان لعامر بن الحضرمي ، وقيل : عبدان جبر ويسار كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرءان التوراة والإنجيل ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا مر عليهما وقف ، وقيل : سلمان الفارسي. واللسان : اللغة ، ويقال : ألحد القبر وألحده فهو ملحد إذا أمال حفره عن الاستقامة ، ولذا فالملحد : من أمال مذهبه عن الاستقامة. والله تعالى أعلم.

٨٣

سورة الإسراء

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى) سبحان قيل : علم على التسبيح ، وهو غير مصروف للعلمية والزيادة ، وقيل : مصدر في موضع التسبيح ، وأسرى قيل : سرى وأسرى لغتان ، وقيل : الأصل سرى والهمزة للتعدية ، والتقدير : أسرى البراق بعبده ، وقرئ بهما على أنهما لغتان فأسر واسر على أن الهمزة أصلية ، ويؤيد من يقول بأن الهمزة للتعدية قول حسان :

حيّ النضيرة ربّة الخدر

أسرت إليّ ولم تكن تسري

التقدير : أسرت إلي خيالها ولم يكن منها سرى. فتأمله ، وليلا منصوب على الظرفية ، فإن قيل : فالسّرى لا يكون إلا ليلا ، قلنا : جيء به منكّرا ليشعر بالمدة القليلة من الليل لإرادة البعضية ، ويؤيد ذلك قراءة عبد الله وحذيفة : " من الليل".

(وَقَضَيْنا) القضاء : فصل الأمر قولا كان أو فعلا ، وكل منهما على وجهين : إلهيّ ، وبشريّ.

(وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي : أمر ، وقيل : عهد ، وقيل : وصّى.

(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) هذا قضاء بالإعلام والفصل ، من (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ ،) ومن الفعل الإلهي قوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ ،) وإشارة إلى إيجاده الإبداعي. ومن الفعل البشرى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) وقال : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) [الحج : ٢٩] بمعنى أدوا. وقال الجوهري : قضى بمعنى حكم ، وقد تكون بمعنى الفراغ ، تقول : قضيت حاجتي ، وضربه فقضى عليه ، أي : قتله ، وسمّ قاض أي : قاتل ، وقضى نحبه : مات. وقد يكون بمعنى الأداء ، تقول : قضيت ديني ، وقد يكون بمعنى الإعلام كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ،) وقوله تعالى : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) [يونس ـ ١٧] ، بمعنى : امضوا إلي ، وقد يكون بمعنى الصنع والتقدير ، كقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [فصلت ـ ١٢] ، ومنه القضاء والقدر.

(وَأَمْدَدْناكُمْ) قال أبو زيد : مددنا القوم : صرنا مددا لهم ، وأمددناهم بغيرنا.

(وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) أي : جماعة ، وقد يقال للقوم الذين يتقدمون في الأمر : النفير ، فيقال : جاءت نفيرة من فلان.

(وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) أي : فعليها.

٨٤

(وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) التتبير : الهلاك.

(جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) والحصير هاهنا : المحبس ، وهو لفظ مشترك ، ويطلق الحصير على البخيل ، وعلى الرجل الباريّة ، وعلى الجنب ، وعلى الملك ، قال لبيد :

وقماقم غلب الرّقاب كأنهم

جنّ لدى باب الحصير قيام

والحصير : المحبس.

(أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) طائر الرّجل : عمله الذي فعله.

(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) أف كلمة معناها : الضجر ، وقيل : كلمة تشعر بالأذى ، وقيل : الأفّ : وسخ الأذن ، والتّفّ : وسخ الظّفر ، وفيها تسع لغات : أفّ ، وأفّ وأفّا بالحركات الثلاث مع التشديد والتنوين ، وبالحركات الثلاث بلا تنوين مع التشديد ، وبالحركات الثلاث مع التخفيف هكذا نقله السجاوندي في" عين المعاني في التفسير" ونقل بعض المتأخرين أن فيها خمسين لغة وضبطها وشكلها ذكر ذلك أبو حيان في" ارتشاف الضرب".

(بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) القسطاس : الميزان بلغة الروم ، ويجوز كسر القاف وضمها (١) ، وهو ما وافقت فيه العرب العجم.

(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) المرح : شدة الفرح والنشاط ، وقد مرح بالكسر فهو مرح ومرّيح بالتشديد ، والاسم المراح ، ومرحت عنه بالكسر : فسدت.

(خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) الإملاق : الفقر.

(وَإِذْ هُمْ نَجْوى) أي : يتناجون بالكلام.

(فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) نغض رأسه ينغض وينغص نغضا ونغوضا أي : تحرّك ، وأنغض رأسه أي : حرّكه كالمتعجب من الشيء.

(وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ) الرؤية : في اليقظة ، والرؤيا : في المنام ، وقد تمسك بهذه الآية من زعم إن الإسراء كان بالروح في المنام ، ومن قال في اليقظة أول الرؤيا بالرؤية ، وقال : إنما سماها رؤيا وأن كانت رؤية لأن المكذبين قالوا : هي رؤيا

__________________

(١) القسطاس بكسر القاف : قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف ، وبضم القاف : قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وشعبة وأبي جعفر ويعقوب.

٨٥

رأيتها فذكرها الله تعالى كما قالوا ، وقيل : هي على بابها ؛ وهي رؤياه التي رآها من أنه يدخل مكة ، وقيل : رأى في النوم أن أولاد الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة.

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) قيل : المراد شجرة الزقوم ، فإن قلت : في أي موضع لعنت ، قلت : إنما لعن طاعمها من الكفرة ، وإنما وصفت بلعن أصحابها من الكفرة على المجاز. وقيل : وصفها الله تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة ، وقيل : العرب تقول لكل طعام مكروه ملعون ، فيقولون : صاب ملعون ، وقرأت بالرفع والتقدير : والشجرة الملعونة ، فكذلك ، وقيل : أبو جهل ، وقيل : الشيطان ، وقيل : الكشوث الذي يلتوي على الشجر فيجففه ، وقال الجوهري الكشوث : شجرة يلتوي على الشجر فيجففه من غير أن يضرب بعرق في الأرض قال الشاعر :

هو الكشوث فلا أصل ولا ورق

ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) : كرمه بأوصاف لم تكن في غيره من الحيوان ؛ العقل والنطق والتمييز والخط واعتدال القامة ، وقيل : تسليط بني آدم على ما في الأرض وتسخير ذلك لهم ، وقيل : أكلهم بأيديهم.

(إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) المراد بالحياة : الآخرة ، والمراد بضعف الممات : عذاب القبر ، وأن يضاعف الآخرة ويضاعف عذاب القبر.

(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) دلوك الشمس : زوالها إلى وقت غروبها ، واللام بمعنى عند الدلوك : الميل ، ومعنى اللفظ يجمعهما ، والشمس تميل إذا زالت أو غربت والحمل على الزوال أولى القولين لكثرة (١) القائلين به ولكونه جامعا لمواقيت الصلاة كلها ، لأن دلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر إلى غسق الليل ، ويتناول المغرب والعشاء.

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) : صلاة الصبح ، وغسق الليل : ظهور ظلمته.

(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي : على مذهبه وطريقه التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة ، من قولهم : طريق ذو شواكل ، يؤيده تمام الآية (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ

__________________

(١) قال القرطبي : هذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة.

٨٦

بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً).

(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) : سألوه عن حقيقة الروح (١) ، فأخبر أنه من أمر الله تعالى ، أي : من وحيه وكلامه ليس من كلام البشر.

(فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) الكفور : الجحود : وقال الأخفش هو جمع الكفر مثل : برد وبرود.

(تِسْعَ آياتٍ) اختلف فيها ، فقيل : هي العصا وخروج يده بيضاء ، وانفلاق البحر والقمّل والضفادع والدم والجراد ، وانفجار الحجر بالماء ، والمن والسلوى.

(كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) خبت النار : إذا خمدت ، والسعير : إيقادها.

(جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) مختلطين أنتم وإياهم ، واللفيف : الجماعات من قبائل شتى.

(عَلى مُكْثٍ) بفتح الميم وضمها وبهما قرئ أي : على تأنّ وتؤدة.

(يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) : جمع ذقن ، واللام بمعنى : على وهو مجمع اللّحيين ، وقال جار الله : جعل ذقنه ووجهه للخرور ، واختصه به لأن اللام للاختصاص وأنشد :

وخرّ صريعا لليدين وللفم

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الدعاء هاهنا بمعنى : التسمية لا بمعنى النداء ، والله والرحمن المراد بهما الاسم لا المسمى ، والضمير في له ليس براجع إلى أحد الاسمين المذكورين ولكن إلى مسماهما ؛ لأن التسمية للذات لا للاسم ، والمعنى : أيّا ما تدعوا فهو حسن ، فوضع موضعه.

(فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي بقراءة صلاتك ؛ لأن الجهر والمخافتة صنفان يتعاقبان على الصوت لا غير ، والصلاة : أفعال وأذكار ، وقيل : الآية منسوخة لقوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) [سورة الأعراف : آية ٥٥].

__________________

(١) روى البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله قال : بينا أنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح قال : ما رابكم إليه؟ وقال بعضهم : لا يستقبلكم بشيء تكرهونه ، فقال : سلوه. فسألوه عن الروح فأمسك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يرد عليهم شيئا ؛ فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : " يسألونك عن الروح ... الآية".

٨٧

سورة الكهف

(وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) أي : اختلافا وتناقضا ، والعوج ـ بكسر العين ـ في المعاني كالعوج في الأعيان. واللام في له بمعنى" في".

(قَيِّماً) التقدير : جعله قيّما ، أي : قيما على جميع الكتب السماوية ؛ مصدقا شاهدا بصحتها ، وقيل : قيما بمصالح العباد.

(باخِعٌ نَفْسَكَ) بخع نفسه بخعا أي : قتلها غمّا ، وبخع بالحق بخوعا أقرّ به ، وبخع بكسر الخاء. بخوعا وبخاعة.

(صَعِيداً جُرُزاً) الصعيد : وجه الأرض ، والجرز : الأرض البيضاء التي لا نبات بها وفيه أربع لغات : جرز وجرز وجرز وجرز ، وجمع الجرز : جرزة مثل : جحرة ، وجمع الجرز : أجراز ، مثل : سبب وأسباب ، تقول : منه أجراز القوم ، كما تقول : أيبسوا ، والجرز : السّنة المجدبة ، وقولهم : " إنه لذو جرز" بالتحريك أي : غلظ ، والجرز بالضم : عمود من حديد ، وسيف جراز بالضم : قطّاع ، وناقة جراز أي : أكول.

(أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ) الكهف : الغار الواسع في الجبل ، والرقيم مختلف فيه : قيل اسم كلبهم ، وقيل : لوح من رصاص رقمت فيه أسماؤهم ، وقيل : إن الناس زعموا حديثهم نقرا في الجبل ، وقيل : مكانهم دون فلسطين ، وقيل : الرقيم بالرومية : الدواة ، وقيل : الرقيم : قوم حالهم كحال أصحاب الكهف. وعن ابن عباس : ما أدري ما الرقيم أكتاب أم بنيان. نقله الجوهري.

(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) كناية عن النوم ، والتقدير : ضربنا حجابا على آذانهم فهم لا يسمعون ، كما تقول : بنى على زوجته ، أي : بنى قبّة ، وحذف المفعول الأول للعلم به.

(تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) أي : تخلّفهم وتجاوزهم وتتركهم عن شمالها ، ويقول الرجل لصاحبه : هل مررت بكذا ، فيقول : قرضته ذات اليمين ليلا. والمعنى : لا تنالهم بحرّها ، قال ذو الرمة : " لها طعن"

إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف

شمالا وعن أيمانهن الفوارس

(فِي فَجْوَةٍ) الفجوة : المكان المتسع.

٨٨

(بِالْوَصِيدِ) : فناء الدار ، واختلف في اسم كلبهم ولونه ، قيل : قطمير (١) وقيل : ريّان ، وقيل : قطمون ، وقيل : لونه أغرّ ، وقيل : أصفر ، وقيل : يضرب إلى الحمرة ، وسئل بعض الوعاظ عن لونه فقال : لونه لون الحجر ؛ لأن الحجر ذو ألوان ، فتخلّص.

(بِوَرِقِكُمْ) الورق : الفضة مضروبة وغير مضروبة ، قرئ ساكنة الراء على أنه مخفّف من ورق ، وقرئ : بورقكم مكسورة الراء على أنه أصل لم يخفف (٢).

(أَزْكى طَعاماً) قيل : أحلّ ذبيحة ؛ لأن عامتهم كانوا مجوسا ، وقيل : أطيب وقيل : أرخص.

(أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) : أطلعنا.

(مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) : حرزا أو معدلا أو موئلا.

(أَمْرُهُ فُرُطاً) أي : ضياعا ، وقيل : كذبا ، وفرس فرط : إذا كان يسبق الخيل.

(أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) : هو الحجرة التي تكون حول الفسطاط ، وبيت مسردق ، وقيل : هو دخان من النار يحيط بالكفار قبل دخولهم النار ، وقيل : حائط من نار يحيط بهم.

(كَالْمُهْلِ) : درديّ الزيت ، وقيل : ما أذيب من جواهر الأرض ، وقيل : المهل : القيح والدم ، ومنه قول أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ : " ادفنوني في ثوبيّ هذين فإنما هما للمهل والتراب".

(وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً) قيل : بمعنى الحساب ، أي : مقدارا قدّره الله وحسبه بالحكم بتحريها ، وقيل : عذاب حسبان ، وقيل : حسبانا ، يقال في الواحدة : حسبانة : وهي الصواعق.

(وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) أي : تنقص.

(صَعِيداً زَلَقاً) (٣) : أرضا بيضاء يزلق عليها لملاستها.

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) الموبق : المهلك ، والمعنى : جعلنا بينهم واديا من أودية جهنم يهلكون فيه ، وقيل : موبقا : عداوة ، تقول : وبق يبق وبوقا : هلك ، والموبق

__________________

(١) قاله ابن عباس.

(٢) قرأ أبو عمرو وحمزة وشعبة وخلف وروح : بورقكم بسكون الراء. والباقون : بكسرها. والمعنى : الدراهم. وأما الورق بفتح الراء فهو الإبل والغنم.

(٣) مكان زلق : أي دحض. والمزلقة والمزلقة : الموضع الذي لا يثبت عليه قدم.

٨٩

مفعل كالموعد ، وفيه لغة أخرى : وبق يوبق وبقا ، وفيه لغة ثالثة : وبق يبق بالكسر فيهما ، وأوبقه : أهلكه.

(أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) أي : عيانا ، وقرئ : قبلا بفتحتين : مستقبلا (١).

(لِيُدْحِضُوا) أي : ليزيلوا ، من إدحاض القدم ، وهي إزلاقها وإزالتها عن مكانها.

(وَما أُنْذِرُوا هُزُواً) وهزءا ـ بالسكون ـ (٢) أي : اتخذوها موضع استهزاء.

(مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) قيل : بحر فارس وبحر الروم مما يلي المشرق ، وقيل : طنجة مما يلي المغرب.

(أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أي : زمانا طويلا ، وقيل : حينا ، وقيل : سبعون سنة ، وقيل : ثمانون.

(نَسِيا حُوتَهُما) أي : يوشع وموسى.

(سَرَباً) : مسلكا.

(وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) : وجه العجب أن الحوت كان مملوحا ، فلما ناله رشاش ماء الحياة عاش وانساب في اليمّ.

(شَيْئاً إِمْراً) أي : عظيما ، من أمر الشيء إذا عظم.

(وَراءَهُمْ مَلِكٌ) : أمامهم ، وقيل : هو على بابه ، لأن الرجوع كان عليه ، واسم الملك جلندي ، وقيل : هدد بن بدد.

(عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) : هو الإسكندر (٣) ، واختلف فيه ، فقيل : نبي وقيل : ملك من الملائكة ، وقيل : عبد صالح ، واختلف في تلقيبه ، فقيل : هلك في زمانه قرنان ، وقيل : كان له تاج فيه قرنان ، وقيل : كان له ضفيرتان ، وقيل : غير ذلك. وكان بعد نمروذ ، يقال : ملك الدنيا بأجمعها مؤمنان : سليمان وذو القرنين ، وكافران : نمروذ

__________________

(١) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب قبلا. والباقون وهم الكوفيون وأبو جعفر قبلا.

(٢) قرأ حفص هزوا. وقرأ حمزة وخلف هزءا والباقون هزؤا.

(٣) اختلف المؤرخون وأهل السير في اسم ذي القرنين ، فقال ابن إسحاق : كان ذو القرنين من أهل مصر اسمه مرزبان اليوناني من ولد يونان بن يافث ابن نوح ، وقال ابن هشام : اسمه الإسكندر وهو الذي بنى مدينة الإسكندرية.

٩٠

وبختنصر.

(لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) قيل : المراد الزّنج إذا طلعت الشمس دخلوا أسرابا لهم فإذا انكسر حرّها خرجوا لمعايشهم ، وسترا بمعنى ساتر لأن أرضهم لا تحتمل الأبنية. وقيل : المراد لا يلبسون الثياب فتكون سترا لهم من حرها.

(يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) : قرآ مهموزين (١) ، وقيل : آجوج وماجوج ، وهما من ولد يافث ، وقيل : يأجوج من التّرك ومأجوج من الجيل والدّيلم ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " لا يموت واحد منهم حتى ينظر ألف ولد من صلبه قد حملوا السلاح" (٢).

(بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) قرئ بفتحهما ، وضمهما (٣) ، وهما : جانبا الوادي.

(قِطْراً) : النحاس.

__________________

(١) قرأ عاصم مهموزا ، والآخرون بغير همز.

روى أبو هريرة مرفوعا : " ولد لنوح سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان". وقال ابن حجر حديث ضعيف.

(٢) رواه ابن حبان من حديث ابن مسعود.

(٣) قرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي وخلف بفتحتين. وقرأ بضم الصاد والدال ابن كثير وأبو عمر وابن عامر ويعقوب. وقرأ شعبة. الصّدفين بضم الصاد وإسكان الدال.

٩١

سورة مريم

(خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) الموالي : الأولياء الذين يخلفونه من ورائه دون من كان من نسله ، وخاف أن يغيّروا الدّين ، فطلب نسلا.

(وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) العتيّ : يبس المفاصل ، يقال : عتا العود عتيا ، وقد تقدم.

(تَحْتَكِ سَرِيًّا) قيل : نهر صغير ، وقيل : وصف لعيسى ـ عليه‌السلام ـ بالسّراية والنّجابة.

(وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) أي : حينا طويلا ، والملوان : الليل والنهار ، واحدهما : ملا ـ مقصور ـ ومضى مليّ من النهار أي : ساعة طويلة.

(إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) أي : آتيا ، مفعول بمعنى فاعل ، قال جار الله : الوجه أن الوعد : الجنة وهم يأتونها ، أو هو من قولك : آتى إليه إحسانا أي : كان وعده مفعولا منجزا.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) إن كان تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم لغوا فلا يسمعون إلا ذلك ، وهو من وادي قوله :

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بها فلول من قراع الكتائب

ويجوز أن يكون على الاستثناء المنقطع.

(بُكْرَةً وَعَشِيًّا) : على مقدار ما يعهدونه في الدنيا من الغذاء طرفي النهار (١).

(أَثاثاً وَرِءْياً) الأثاث : متاع البيت ، والرّءي : حسن المنظر ، وفيها لغات (٢).

(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) : مأخوذ من قولهم اطّلع الجبل إذا ارتقى أعلاه ، وطلع الثنيّة قال جرير :

لاقيت مطلع الجبال وعورا

__________________

(١) قال العلماء : ليس في الجنة ليل ولانهار. وفي الحديث : " ليس هناك ليل إنما هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو وتأتيهم طرف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلونها فيها ـ في الدنيا ـ وتسلم عليهم الملائكة". (ج ٢ ص ٥٢٢) الكشاف.

(٢) اللغات هي : ريّا. ورئيّا ، زيا. ومعنى ريا : أن جلودهم مرتوية من النعمة.

٩٢

هذا قول جار الله ، وقال الجوهري : طلعت الجبل ـ بالكسر ـ إذا علوته ، واطلعت على باطن أمره.

(تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (١) الأزّ والهزّ كلّه بمعنى.

(وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) خصماء.

(أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) الرّكز : الصوت الخفي ، ومنه ركز الرّمح إذا غيّب طرفه في الأرض ، ومنه : الرّكاز.

__________________

(١) تؤزهم : تزعجهم إزعاجا إلى المعصية. أو تغريهم بالشر. وأصل الأز : الحركة والغليان وائتزت القدر ائتزازا اشتد غليانها.

٩٣

سورة طه

(طه) قيل : معناه بالسريانية يا رجل ، وقيل : هي من الأسرار ، وقيل : علائم أوائل السور ، وقيل : " طه" نبطيّة.

قال الشاعر (١) :

إن السفاهة طه من شمائلكم

لا قدّس الله أرواح الملاعين

وقال الآخر (٢) :

هتفت بطه في القتال فلم يجب

فخفت لعمري أن يكون موائلا

وقيل : بلغة عكّ ومعناه : يا حبيبي ، وقيل : أمره بالوطء والهاء بدل الهمزة ، لأنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه فأمر أن يطأ الأرض.

(وَما تَحْتَ الثَّرى) الثرى : التراب النّديّ ، والمراد : الصخرة التي تحت الأرض السابعة.

(بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) علم على مكان مخصوص بالشام ، يصرف ولا يصرف وقرئ بهما (٣) ، وفيه كسرها وضمها ؛ مثل : سوى وسوى ، وثنى وثنى أي : مثني ، فمن كسر الطاء فعلى معنى أنه قدّس مرتين ، وذو طوى : جبل بمكة.

(أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) : أعتمد عليها إذا أعييت.

(وَأَهُشُّ بِها) : هشّ الورق : خبطه ، تقول : هشّ الخبز يهشّ ويهشّ إذا كان ينكسر لهشاشته.

(فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) الحية : اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير والثعبان العظيم من الحيات ، والجانّ : الدقيق ، وقد وصفت العصا بذلك.

(سِيرَتَهَا الْأُولى) السيرة من السّير ، كالرّكبة من الركوب ، يقال : سار فلان سيرة حسنة ، ثم اتّسع فيها ، فنقلت إلى معنى المذهب والطريقة ، فقيل : سير الأولين ، والمعنى : سنعيدها إلى ما كانت عليه من كونها عصى.

(إِلى جَناحِكَ) أي : إلى جنبك ، وجناحا الرّجل : جنباه.

__________________

(١) يزيد بن المهلهل.

(٢) متمم بن نويرة.

(٣) طوى بالتنوين : قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف ، والباقون بدون تنوين.

٩٤

(وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً) أي : معاونا ، واختلف في اشتقاقه ، فقيل : من الوزر لأنه يتحمل أوزار الملك ، وقيل : من الوزر وهو الملجأ ، أو من المؤازرة : وهي المعاونة ، ويقال : الوزارة والوزارة.

(أُوتِيتَ سُؤْلَكَ) السّؤل : الطّلبة ، وهو فعل بمعنى مفعول ، مثل : خبز بمعنى مخبوز ، وأكل بمعنى مأكول.

(إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ) إما أن يكون على لسان نبيّ وقتها ، كقوله تعالى :

(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) أو بعث لها ملكا كما بعث إلى مريم لا على وجه النبوة ، أو أراها ذلك في المنام ، أو ألهمها كما أوحى إلى النحل.

(أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) القذف مستعمل بمعنى الإلقاء والوضع ، وقد تقدّم ذكر التابوت في" البقرة" ، والضمائر كلها راجعة إلى موسى ، ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت في تنافر في النظم ، وانتظام النظم هو قانون الإعجاز.

(وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أي : ابتليناك بفتن ، والفتنة : الاختبار.

(فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) مدين على ثمان مراحل من مصر.

(ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) أي : جئت على قدر قدرته لك ، يوحى فيه إلى الأنبياء وهو رأس أربعين سنة.

(وَلا تَنِيا) الوني : الفتور والتقصير ، وقرئ تنيا بكسر حرف المضارعة.

(مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) اختلف فيه ، فقيل : يوم العيد ، وقيل : يوم النيروز ، وقيل : يوم عاشوراء.

(فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) أي : اعمل ، من قولهم : ضرب اللبن ، واليبس : مصدر ، يقال : يبس يبسا ويبسا ، ونحوه : العدم والعدم ، ومن ثم وصف به المؤنث ، فقيل : شاتنا يبس إذا جف لبنها.

(دَرَكاً) : والدّرك والدّرك اسمان من الإدراك ، أي : لا يدركك فرعون.

(وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) وقرئ : وأضلّهم (١) ، والسامري : منسوب إلى قبيلة في بني إسرائيل يقال لها : السامرة ، وقيل : كان علجا من كرمان يقال له : موسى بن ظفر ، وكان منافقا قد أظهر الإسلام ، وكان من قوم يعبدون البقر.

__________________

(١) هي قراءة أبي معاذ على أنه أفعل تفضيل.

٩٥

(أَسِفاً) الأسف (١) : شدة الغضب.

(أَوْزاراً) : أثقالا من حليّ القبط ، وقد استعاروها ليلة الخروج من مصر بتعلّة أن غدا لنا عيد.

(لَهُ خُوارٌ) أي : صوت ، وهو مخصوص بالبقر.

(مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) التقدير : من أثر حافر فرس الرسول ، واختلف في الرسول فقيل : جبريل ، وقيل : موسى ، وجبريل وهو الأشهر (٢).

(فَما خَطْبُكَ) أي : سبب أمرك.

(أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) : كان السامري إذا مس رجلا أو امرأة نالتهما الحمّى فكان يحذر الناس فيقول : لا مساس ، فتحامى الناس وتحاموه. وبعض العرب يقول : لا مساس ، مثل : قطام ، لأنه عنده معدول عن المصدر.

(يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) قيل : عميا فإنّ من ذهب بصره رأى الظلمة كاللون الأزرق ، وقيل : عطاشا ؛ فإن من عطش ازرقت شفتاه ، وقد يعبّر الزّرق عن العداوة ، كما قيل : نظر الدهر إليه بعين الأزرق ، وقد يتشاءم به ، قال :

لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبر

ألا كلّ عبسيّ من اللؤم أزرق

والعرب تقول : العدوّ الأزرق ، تريد به الرّوم.

(قاعاً صَفْصَفاً) : أرضا لا نبات فيها ، ملساء.

(عِوَجاً وَلا أَمْتاً) العوج : الانحراف ، وقد تقدم أن العوج ـ بالفتح ـ في الأعيان ـ وبالكسر ـ في المعاني ، فإن قيل : كيف جاء الكسر في الأعيان؟ قلت : ثمّ لطيفة ذكرها جار الله ملخّصها : أن المسوّي للأرض إذا اجتهد في تناسبها وظهر له التناسب بالعين ثم استطلع رأي مهندس بكشفها بالمقاييس الهندسية أبدى فيها ما لم يدرك بالحاسّة ؛ بل لقضى عليه بالعقل ، فنفى الله تعالى عن هذه الأرض هذا المعنى ، وكان بالعوج أمسّ.

(وَلا أَمْتاً) الأمت : النّتوء اليسير.

__________________

(١) الأسف : الحزن أو الجزع.

(٢) قال العلماء : كان جبريل يغذو السامري صغيرا إذ جعلته أمه في غار حذرا عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل ، فعرفه حين كبر.

٩٦

(فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) : وهو الصوت الخفي ، قيل : هو من همس الإبل ، أي صوت أخفافها ، وأسد هموس : إذا كان خفيّ الوطء.

(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) أي : خضعت ، ومادته القهر ، من قولهم : " أخذوها عنوة".

(ضَنْكاً) : ضيقا ، والضنك : الضيق.

(وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) أنى الليل : ساعاته ـ الأخفش ـ ، واحدها : إنى ، مثل : معي ، وقال : بعضهم : واحدها : إنى وإنو.

(أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يجوز في انتصاب" زهرة" أربعة أوجه الأول : على الذّم ، وعلى تضمين" متّعنا" أعطينا ، وعلى إبداله من محل الجار والمجرور ، وعلى إبداله من" أزواجا" على تقدير" زهرة" ، ويكون جمع أزهر ، قلت : وفي هذا الوجه نظر فإن البدل حقه الجمود ، فلو جعل من باب : حذف المضاف لكان سائغا ، والتقدير : ذوي زهرة ، وذهب مكيّ إلى أنه بدل من موضع ما ، وهو لا يجوز ، لأن" لنفتنهم" من صلة" متّعنا" فيلزم منه الفصل من الصلة والموصول بأجنبي. والله تعالى أعلم.

٩٧

سورة الأنبياء

(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) اقترب : دنا ، واللام يحتمل أن تكون صلة ويحتمل أن تكون تأكيدا ، كقولهم : " أزف للحيّ رحيلهم" ، فإن قيل : كيف وصف القرب وقد غدت دونه سنون كثيرة ، قلت : هو مقترب عند الله ، كقوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ، وعن ابن عباس : المراد بالناس : المشركون ، وهو من باب إطلاق اسم الجنس على بعضه للقرينة القائمة ، لأن ما يتلوه من التلاوة من صفات المشركين.

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الذكر : القرآن.

(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي : أهلكنا ، والقصم بالقاف أقطع من الفصم ، لأنه يبيّن الأجزاء بعضها من بعض ، وعن ابن عباس : القرية : حضورا والسّحول قريتان من قرى اليمن بعث الله إليها نبيا فقتلوه ، فسلط الله عليهم بخت نصّر فاستأصلهم ، وظاهر الآية على الكثرة ، قيل : اسم النبي حنظلة بن صفوان.

(فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) أي : دعوتهم ، والضمير عائد إلى قوله : " يا ويلنا".

(حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) فإن قيل : نصبت" جعل" ثلاثة مفاعيل ، قلت : حكم الاثنين الآخرين حكم الواحد ، كقوله : جعلته حلوا حامضا ، أي : جامعا للطعمين ، وكذلك" حصيدا خامدا" جامعا للوصفين.

(كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) الرّتق : الالتئام ، وضده الفتق ، والتقدير : كانتا شيئا مرتوقا ، أي متلاصقين أو متلاصقات ، قيل : فتقهما بالمطر والنبات.

(فِجاجاً سُبُلاً) الفجّ : الطريق الواسع ، وقد تقدّم ، وقدّمت على" السّبل" هاهنا على أنها حال ، لا صفة ، بخلاف قوله تعالى : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) [نوح ـ ٢٠] فإن قيل : ما الفرق بين الصفة والحال؟ قلت : أما الحال فإعلام من أول وهلة بأنه جعل طرقا واسعة في السبل ، والثاني : إعلام بالصفة لحصول الإبهام في النكرة ليحصل تخصّصها بذلك.

(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) فسّر بالعجلة ، وقيل : من طين ، قال الشاعر :

والنّبع في الصخرة الصماء منبته

والنّخل ينبت بين الماء والعجل

٩٨

والعجلة : تقديم الشيء على وقته ، وقيل : المراد بالإنسان ؛ النضر بن الحارث لأنه يستعجل العذاب.

(وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) : اللام بمعنى" في" (١).

(أَتَيْنا بِها) وأنّث ضمير" المثقال" لإضافته إلى" الحبّة" ، كقولهم : ذهبت بعض أصابعه.

(فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) أي : قطعا صغارا ، وقرئ مثلث الجيم ، وقرئ : جذذا جمع : جذّة.

(وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) قيل : سدوم.

(وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ)" من" بمعنى : على.

(إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) النّفش : أن ترعى البهائم ليلا ، والهمل : أن ترعى نهارا.

(لِحُكْمِهِمْ) : فيه دليل لمن يقول بأن أقلّ الجمع اثنان.

(صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) يعني : الدروع.

(وَذَا النُّونِ) النون : الحوت.

(وَحَرامٌ) : ممتنع على مهلك أن لا يرجع إلى الله ، وقرئ بالكسر والفتح ، وحرم وحرّم ، ومعنى أهلكناها : عزمنا على إهلاكها.

(مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٢) الحدب : النّشز من الأرض ، وقرأ ابن عباس : جدث ، وينسلون : يسرعون.

(حَصَبُ جَهَنَّمَ) : المحصوب به : أي المرمى به في النار ، وقرئ بسكون الصاد وصفا بالمصدر ، وقرئ حطب وقرئ بالضاد متحركا وساكنا.

(حَسِيسَها) الحسيس : الصّوت.

(الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) : النفخة الأخيرة.

__________________

(١) المشهور في اللام أنها بمعنى : " في" وهو مذهب الكوفيين. والصحيح أنها للتعليل أي : لأجل يوم القيامة.

(٢) الحدب : ما ارتفع من الأرض والجمع : الحداب مأخوذ من حدبة الظهر.

٩٩

(كَطَيِّ السِّجِلِ) (١) السّجل : ملك يطوي كتب بني آدم ، وفيه لغات : سجلّ بوزن عتلّ ، وسجل بلفظ دلو ، وسجل بوزن حبر ، وقيل : هو الصحيفة كما يطوى الطومار للكتابة ليكتب فيه أو لما يكتب فيه.

__________________

(١) السجل : الدلو ، تقول : ساجلت الرجل إذا نزعت دلوا ونزع دلوا ، ثم استعمل اللفظ في المكاتبة والمراجعة ثم بني هذا الاسم على فعل مثل : طمر ، والسّجلّ : الصحيفة التي يكتب فيها.

١٠٠