الترجمان عن غريب القرآن

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني

الترجمان عن غريب القرآن

المؤلف:

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3996-7
الصفحات: ٢٤٠

ذالا فأدغمت فيها وجعلت حركتها في العين ، وأما غير المحق فهو بمعنى المعذر كالممرّض والمقصّر يعتذر لغير عذر ، وكان ابن عباس يقرأ : وجاء المعذرون من أعذر ، ويقول : والله لهكذا أنزلت ، وكان يقول : لعن الله المعذّرين كأن المعذّر عنده بالتشديد : المظهر العذر اعتلالا من غير حقيقة في العذر ، والمعذر : الذي له عذر ، والعذر : تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه يقال : عذر وعذر.

(الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً) العرب : جيل من الناس وهم سكان الأمصار ، والأعراب منهم سكان البادية خاصة ، والنسبة إليهم أعرابي ، لأنه لا واحد من لفظه وليس الأعراب جمع عرب ، وجاء في الشعر الفصيح الأعاريب ، والعرب العاربة : الخلّص منهم ، أخذ من لفظه وأكّد به ، كقولهم : ليل لائل ، وربما قالوا : العرب العرباء ، قال الراغب : العرب ولد إسماعيل والأعراب جمعه في الأصل وصار ذلك اسما لسكان البادية ، وقيل في جمع الأعراب : أعاريب ، قال الشاعر :

أعاريب ذوو إفك وفجر

(يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً) أي غرما ، يقال فيه : الغرم ، والمغرم : الغرامة وهو ما يلزم أداؤه ، وقد غرم الرجل الدابة إذا نفقت ، فعلى هذا يطلق الغرم ويراد به ما ينال الإنسان في ماله من ضرر بغير جناية منه ، والغريم يطلق على من له الدين وعليه.

(مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) : استمروا عليه ومرقوا ، ومنه المارد لاستمراره على الشيطنة والقدر الجامع فيما جاء من هذه المادة التجرد ، ألا ترى أنهم يقولون : رملة مرداء إذا تجردت عن النبات ، وشاب أمرد إذا تجرد عن الشعر ، وشيطان مارد إذا تجرد عن الخير ، ويقال فيه : المارد ومريد.

(عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ) الجرف والجرف : ما تجرفت به السيول ، والمعنى : أذهبت باطنه وتركته مجوفا وأعلاه غير متماسك أدنى شيء ينزله ، وانهار بمعنى : تهوّر ، مثل : انهال ، وهار ، يقال : جرف هار وهاير ومنهار ، وقال الجوهري : أصله هاير فقدموا الياء إلى ما بعد الراء ، كما قالوا في شائك السلاح : شاكي ، وهوّرته فتهوّر ، وانهار أي : انهدم.

٦١

سورة يونس

(قَدَمَ صِدْقٍ) القدم : واحد الأقدام ، والقدم : السابقة في الأمر ، يقال : لفلان قدم صدق أي : سابقة حسنة ، وقيل : المراد : السعادة ، وقيل (١) : شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد بالصدق : الصلاح والنفع وليس هو ضد الكذب.

(دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) أي : دعاؤهم ، والدعوى مصدر كالدعاء ، والمراد به : النداء أي : يدعون الله بقولهم : " سبحانك اللهم" تلذذا بذكره ، لا عبادة ، وقيل : دعواهم كلامهم وقولهم ، وقيل : إذا اشتهوا شيئا قالوا : " سبحانك اللهم" (٢) فيؤتون به ، ومنه قوله تعالى : (فَما كانَ دَعْواهُمْ) أي : دعاؤهم.

(ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) تقول : دريته ودريت به دريا ودرية ودراية أي : علمت به ، المعنى : أعلمتكم به ، وقال الراغب : والدراية : المعرفة المدركة بضرب من الختل ، وقال : الدراية لا تستعمل في الله. وقول الشاعر :

لا هم لا أدرى وأنت الداري

في تعجرفات كلام أجلاف العرب.

(جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) : عصفت الريح : اشتدت فهي عاصف وعصوف. ويوم عاصف : تعصف فيه الريح وهو فاعل بمعنى مفعول ، وبنو أسد يقولون : أعصفت الريح ، والعصف : الكسب ، وكذلك الإعصاف ، والعصف : الزرع (٣).

(حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) تقول : حصدت الزرع وغيره أحصده حصدا ، والزرع محصود وحصيد وحصيدة وحصد بالتحريك ، وهذا زمن الحصاد والحصاد ، تغن بالأمس : تقم على هذه الصفة بالمغاني وهي المنازل ، من قولهم : غنينا بمكان كذا أي : أقمنا بالمغنى ، وقيل : من غنى أي : اكتفى ، وقيل : تغن : تنعم (٤) ، كأن لم توجد ولم تكن تلك الأرض على هذه الصفة.

(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ) أي : يعلوها غبار ، يقال : ما علا من الغبار في

__________________

(١) وهو قول أبي سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب ، واختاره ابن جرير.

(٢) أخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال : " قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا قالوا : سبحانك اللهم أتاهم ما اشتهوا من الجنة من ربهم".

(٣) هو قول الحسن.

(٤) هذا قول قتادة.

٦٢

الهواء يسمى قترا ، وما دنا من الأرض يسمى غبرة.

تقول : رهقه بالكسر يرهقه رهقا أي : غشيه ، وأرهقه طغيانا أي : أغشاه إياه ، وأرهقه عسرا كلفه إياه ، والمرهق : أدرك ليقتل ، وراهق الغلام : قارب الاحتلام. وأرهق الصلاة : أخرها حتى دنا وقت الأخرى.

(فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) أي : فرقنا ، تقول : زلت الشيء أزيله زيلا أي : مزته ، يقال : زل ضأنك من معزك ، وزيلته فتزيل ، وليس من زال يزول ؛ لأن ذلك يقتضي زوّلنا.

(إِي وَرَبِّي) إي : توكيد للقسم يتقدم عليه ، معناها : نعم ، أي : نعم والله أو بلى والله.

(وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) قيل : أظهروها ، وقيل : كتموها ، والإسرار من الأضداد ، أي : ظهرت آثار الندامة على أسرّة وجوههم ، وقيل : تعاتبوا سرا من قوله : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) [الأنبياء : ٣].

(إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) أي : تخوضون وتنتشرون ، وقيل : تندفعون في تكذيب العذاب ، والضمير في فيه يعود إلى القرآن ، وقيل : إلى العمل.

(وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) أي : يغيب ، قرئ يعزب بالضم والكسر للزاي. والوجه أنهما لغتان ، ومن هذه المادة عزبت الإبل : إذا بعدت في المرعى ، وعزب طهر المرأة إذا غاب عنها زوجها. وفي الحديث : " من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزب" أي : بعد عهده بما ابتدأه منه.

(فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) أي : ادعوا شركاءكم ، لأنه لا يقال : أجمعت شركائي ، والمعروف : أجمع على الأمر وجمع الشركاء وغيرهم ، فأجمع في المعاني ، وجمع في الدواب.

(إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) السحر يقال على معاني خداع وتخيلات لا حقيقة لها كما يفعله المشعبذ بخفة يده ، ولا يتمكن البصر من رؤية ذلك ، وما يفعله النمام بقول مزخرف عائق للأسماع ، وعلى ذلك قوله تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) [الأعراف : ١١٦] ، وقال تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ) [طه : ٦٦] ، وبهذا المعنى سموا موسى عليه‌السلام ساحرا ، والثاني : استجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه ، " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر" والثالث : ما يذهب

٦٣

إليه الأغتام وهو اسم لفعل يزعمون أنه يغير الصور والطبائع فيجعل الإنسان حمارا ولا حقيقة لذلك عند المحصلين. وقد يكون السحر في الكلام البليغ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " إن من البيان لسحرا" والجامع في ذلك كله هو الأخذة ، ويطلق السحر على ما دق مأخذه ولطف تأثيره ، حتى قال الأطباء : " الطبيعة ساحرة" ، وسموا الغذاء سحرا من حيث إنه يدق ويلطف تأثيره.

(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) هذه اللام تسمى لام العاقبة ، نظيرها قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].

(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) [يونس : ٨٨] الطمس لغة : إزالة الأثر بالمحو ، فتارة يتعدى بحرف الجر وتارة بنفسه ، فالأول كالآية ، والثاني قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) [النساء ـ ٤٧].

٦٤

سورة هود

(يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) قيل : يعطفونها على عداوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : على حديث النفس.

(لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) أي : ليستتروا.

(أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) أي : يجعلونها على وجوههم.

(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (١) ذكروا في" لا" قولين ، وفي جرم قولين ، فالأول : قيل : " لا" حرف نفي ، و" جرم" اسمها ، كما تقول : لا بد ، ولا محالة ، ومعناه : حقا ، وقيل : معناه حق له ، ومحله رفع بالابتداء ، وأن وما بعده في محل رفع بالخبر والثاني : أن لا رد لكلام سابق ومعنى جرم : كسب (٢) ، وفاعله مضمر أي :

كسب فعلهم أنهم في الآخرة ، وكذا قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) قال (٣) :

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها لم يغضبوا

وقيل معنى جرم : وجب ، وأن لهم النار فاعله ، وقيل معناه : قطع ولا لنفي الفعل ، أي : لا قطع قاطع عن ذلك ، وروي في كلامهم لا جرم إنه بكسرها ، وروي لا جر إنه بكسر إن وحذف الميم.

(وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أي : تواضعوا ، وقيل : أنابوا ، واشتقاقه من الخبت وهي الأرض المنخفضة ، وقيل : المستوية ، كما تقول : أنجد وأتهم ، يقال : أخبت لله ، وفيه خبتة أي : تواضع.

(إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) قيل : جمع رذل على أرذل ثم أراذل ككلب وأكلب وأكالب ، وقيل : هو جمع الأرذل وهو الناقص القدر ، والأول أظهر لأن الأفعل يقتضي الشركة أولا ثم الزيادة ، وقد رذل فلان يرذل رذالة ورذولة فهو رذل ورذال بالضم من قوم رذول وأراذل ورذلاء ـ ذكر كله عن يعقوب.

(بادِيَ الرَّأْيِ) على أنه اسم فاعل من بدأت الشيء أبدأه أي : اتبعوك من أول الأمر من غير روية ، والبادي والمبدي ، ومبتدأ الرأي : أول الرأي ، وفي الحاشية :

__________________

(١) لا جرم لفظة مركبة من" لا" ومن" جرم" ومعنى لا جرم حق.

(٢) وهذا هو قول الزجاج.

(٣) هو الشاعر أسماء بن الضريبة ، وقيل : عطية بن عفيف.

٦٥

ونصبه على الحال من الكاف من" اتبعك" وهو ضمير نوح عليه‌السلام ، وقيل : هو على النداء أي : يا بادئ الرأي ، ومن قرأ : بادي الرأي بغير همز فهو من بدا الشيء إذا ظهر ، والبادي : الظاهر ، وفي الرأي قولان : أحدهما من الرؤية ، كقولك : رأي العين ، والثاني من التفكر وهو أظهر.

(وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أقلعت السماء : إذا ارتفع مطرها

(وَغِيضَ الْماءُ) : غار.

(وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) الجودي : جبل بجزيرة ابن عمر من أعمال الموصل.

(بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) أي : مشوي ، والمحنوذ : المشوي جميعه غير مفصل الأعضاء ، وقيل : مطبوخ ، وقيل : المحنوذ الذي يسيل دهنه من شدة حناذ الحجارة ، ومنه فرس محنوذ إذا سال عرقه من الجري ، وقيل : حنيذ : سمين

(نَكِرَهُمْ) يقال : نكر الشيء وأنكره ، وأصله أن يرد على القلب ما لا يتصوره ، وقد ينكر باللسان ما هو في الجنان ، لقوله تعالى : " يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" وهو الكذب وقد جمع بين نكر وأنكر الشاعر وهو الأعشى :

وأنكرتني وما كان الذي نكرت

من الحوادث إلا الشيب والصّلعا

(بَعْلِي شَيْخاً) البعل : الزوج ، والبعال : ملاعبة الرجل أهله ، وقيل : أصله :

القائم بالأمر ، ومنه : بعل النخلة التي تشرب بعروقها فتستغني عن تكلف السقي ، ويقال للمرأة : بعل وبعلة مثل : زوج وزوجة ، وبعل الرجل : صار بعلا ، قال :

يا ربّ بعل ساء ما كان بعل

ويقولون : من بعل هذه الناقة؟ أي : من سيدها؟ ، وبعل : اسم صنم. قال الراغب أما قولهم : بعل هذه الناقة ، فيريدون المستعلي عليها. ويقولون للأرض المستعلية على غيرها : بعل ، قال الجوهري : ويقولون بعل الرجل بالكسر إذا دهش ، وامرأة بعلة.

(وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ) الضحك : التبسم ، وفيه أربع لغات : ضحكا وضحكا وضحكا وضحكا. والضّحك : الطّلع حين ينشق ، واختلف في تفسير ضحكها ، فقيل : تبسمت سرورا بالأمر لأنها خافت كما خاف إبراهيم ، وقيل :

٦٦

ضحكت تعجبا من إحياء الله تعالى العجل المشوي وعوده إلى مرعاه ، وقيل : ضحكت من البشارة بالولد وفيه تقديم وتأخير ، والتقدير : فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فضحكت ، وقيل ضحكت : حاضت من ضحكت الأرنب اذا حاضت ، وضحكت السّمرة إذا سالت منها صمغة تشبه الدم ، وقيل : ضحكت : أشرق لونها حين بشرت بالولد من قولهم : ضحكت الروضة كما قال الأعشى :

يضاحك الروض منها كوكب

شرق مؤزّر بعميم النّبت مكتهل

(لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) الأواه : الذي يكثر التأوه ، ويطلق على من يظهر خشية الله تعالى ، وقيل في الأواه : المؤمن الداعي ، ويقال : إيها إذا كففته ، وويها إذا أغريته ، وواها إذا تعجبت منه.

(وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) يقال لمن لا يطيق الأمر : " ضاق به ذرعا" وأصل الذّرع بسط اليد ، فكأنك تريد مددت يدي إليه فلم أنله ، وربما قالوا : ضقت به ذراعا.

(يَوْمٌ عَصِيبٌ) : شديد الشر ، وكذلك عصبصب ، وأصله من العصب : وهو الشد والحبل الذي يعصب به : عصاب.

(يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) الإهراع : الإسراع.

(آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) تقول : أوى فلان إلى منزله يأوي أويا ، وإيواء ، وإواء وآويته إيواء وأويته إذا أنزلته بك ، والركن ما يركن إليه الإنسان من مال أو جند أو عشيرة وكل ما يوجب قوة.

(بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) القطع من الليل : الجزء من الساعة.

(وَأَمْطَرْنا عَلَيْها) قال الجوهري : مطر وأمطر على حد سواء في لغة القوم ، وكذا قال الراغب ، لكن قال : يقال مطر في الخير ، وأمطر في العذاب ، وحجة من يقول مطر وأمطر بمعنى قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف ـ ٢٤] وجميع ما جاء في القرآن في آية العذاب أمطر.

(حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) السجيل : حجارة من طين مخلوط فيه حجارة مشوية بالنار.

(مَنْضُودٍ) : المتراكب بعضه على بعض من نضّدت المتاع أنضّدّه بالكسر إذا نزّلت بعضه فوق بعض.

٦٧

(مُسَوَّمَةً) : معلّمة ، عليها آثار الخواتيم ، مكتوب عليها أسماء من تقع عليه.

(بَقِيَّتُ اللهِ) أي : بركته.

(إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) متحبّب إلى عباده بالإحسان إليهم ، وقيل : محب للمؤمنين ، وجمعه : ودداء ، يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وقال الثعلبي : محبوب للمؤمنين ، وهو بعيد عن النحاة لأنه لم يأت فعول بمعنى مفعول ، والودود قريب من معنى الرحيم لكن الرحمة تستدعي مرحوما ضعيفا ، وأفعال الودود لا تستدعي ذلك بل الإنعام منه على سبيل الابتداء من نتائج الود.

(وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) الرهط : ما دون العشرة ليس فيهم امرأة ، وقيل : يقال إلى الأربعين ، والجمع أرهط وأراهط ، كأنه جمع أرهط ويجمع على أراهط ، والرهط : جلد تلبسه الحائض ، وقيل : خرقة يحشى بها موضع الحيض ، والراهط : جحر من جحرة اليربوع ويقال لها : رهطة.

(كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) يقال : بعد يبعد بعدا إذا هلك.

(وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) يقال : تببوهم تتبيبا أي : أهلكوهم وأصله من التباب وهو الخسران.

(غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي : مقطوع ، تقول جذّه يجذّه جذا إذا قطعه ، ومنه : جذّة الثوب لأنها تقطع عند الفراغ من الحياكة. والجذاذ والجذاذ بالضم والكسر والضم أفصح لما يقطع ويكسر.

(ما أُتْرِفُوا فِيهِ) يقال : أترفته النعمة أي : أطغته ، لأن الترف : التوسع في النعمة ، يقال : أترف فلان فهو مترف.

٦٨

سورة يوسف

(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) : الشمس تطلق على القرصة وعلى الضوء المنتشر عنها وهي مؤنثة وتجمع على شموس ، ويقال فلان شمس إذا ندّ ولم يستقر تشبيها له بالشمس في عدم استقرارها ، ويقال للبعل : شمس ، والشمس : نوع من الحلي ، ويقال : شمس يومنا يشمس ويشمس ، ويقال : أشمس بالألف ، وشمس فلان : أبدى عداوته ، وأما القمر فلا يسمى إلا بعد مضي ثلاث ليال واختلف في اشتقاقه فقيل من قمر الكواكب : إذا قهر ضوؤها وقيل لبياضه فإن القمرة : البياض.

(فِي غَيابَتِ الْجُبِ) الغيابة : القعر ، والجبّ : البئر التي لم تطو وجمعها جبات ، وجببة. وكذا غيابة الوادي وأصل المادة من الغيبة ، تقول : غاب عنه غيبا وغبية غيوبا ومغيبا ، وتفرد نافع بقراءة غيابات نظرا إلى أن الجب له عدة أماكن يغيب الشخص فيها.

(يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) السيارة : المسافرون لأنهم يسيرون في الأرض ونقلت العرب هذا الجمع وسمت به فقالوا : أبو سيارة ، ومن أمثالهم : " أصح من عير أبي سيارة" قيل : كان يدفع بالناس من جمع أربعين سنة على حماره. قال الراجز (١) :

خلوا الطريق عن أبي سيارة

وعن مواليه بني فزارة

حتى يجيز سالما حماره

(وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) العصبة : الجماعة من العشيرة إلى الأربعين.

يرتع ويلعب : الأصل في ذلك قولهم : رتعت الماشية ترتع رتوعا إذا أكلت ما شاءت ، واستعارته العرب لخروجها للهو والتنعم والقدر الجامع عدم الاحتراس في الفعل وخروج الرجل كيف شاء كالماشية.

(بِدَمٍ كَذِبٍ) الكذب : نقيض الصدق ، والصدق : مطابقته للواقع ، والكذب : عدم مطابقته ، ويوصف به القول والفعل. أما القول : فلقوله تعالى : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ) [النحل ـ ١٠٥] ، وأما الفعل فكقولك : فعلة صادقة ، ووصف الدم بالكذب من باب الفعل ، وقرأت ـ عائشة رضي الله عنها ـ : " بدم كدب" بدال مكان

__________________

(١) الرجز في اللسان منسوب إلى أبي سيارة العدواني اللسان (ج ٦ ص ٤٥٤).

٦٩

المعجمة أي طري ، وقولهم : " كذب لبن الناقة" إذا ظنّ أنه يدوم فلم يدم ، وقولهم : كذب عليك الحج ، أي : وجب ، وقولهم : كذب عليك العسل ـ بالنصب ـ أي : عليك بالعسل ، وذلك إغراء ، وقيل : العسل هاهنا العسلان وهو العدو ، والكذابة : ثوب يصنع بلون فكأنه موشّى وليس كذلك ، ويقال : رجل كذاب وكذوب وكذبذب وكيذبان كل ذلك على جهة المبالغة واستعمل العرب كذب في معان منها :

قولهم : " ما كذب إن فعل" أي : ما لبث ، " وحمل فما كذب" أي : فما جبن ، " وحمل ثم كذب فلم يصدق".

(وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً) أي : أخفوه.

(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) أي : باعوه ، وقد تقدم بثمن بخس أي : ناقص.

(دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) الدّرهم فيه ثلاث لغات : كسر الهاء وفتحها ، ودرهام وجمعه دراهيم ، وليس من باب الإشباع كما ذهب إليه ابن مالك ونص عليه الجوهري ، قيل : كانت إحدى وعشرين ، وقيل : أنقص منها.

(أَكْرِمِي مَثْواهُ) أي : إقامته.

(بَلَغَ أَشُدَّهُ) اختلف العلماء فيه : فقيل : ابتداء الأشدّ : بلوغ الحلم ، وقيل :

ثمان عشرة سنة ، وقيل : إحدى وعشرين ، لأنه يتقوى بسبع سنين ويبلغ بسبع بعدها ويتناهى طوله وقوته بسبع بعدها ، فآخر الابتداء أربعون سنة ، وقيل : ستون ، واحدها : شدّ ، مثل : قدّ وأقد ، وقيل : واحدها شدّ مثل : ذئب وأذؤب ، وقيل : هو جمع لا واحد له مثل أبابيل وعبابيد ، وقيل : واحد جاء على بناء الجمع مثل : الآنك وهو الأسرب ولا نظير لهما ، وقيل : واحده شدّة ، وهو أحسن في المعنى ، من قولهم : " بلغ الغلام شدته" إلا أن فعلة لا تجمع على أفعل.

(وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها) أي : طالبته ، وأصله من الرّود وهو الذهاب والمجيء وكأن المراودة تختص بطلب المواقعة.

(وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) أي : هلمّ لك يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث إلا أن العدد فيما بعده ، تقول : هيت لكما ، وهيت لكن ، وقرئ هيت (١) لك أي : تهيأ ذلك

__________________

(١) قراءة أبي جعفر ونافع وابن ذكوان.

* البيت لا يعرف قائله.

٧٠

لك ، واختلف فيها ، فقيل : لغة قبطية عن السدي ، وعن الحسن : سريانية معناها عليك ، والكسائي : حورانية ، مجاهد : عربية وأصلها الصيحة ، قال :

قد رابني الكرى اسكتا

لو كان معنيا بنا لهيّتا (٦)

وفيها لغات : هيت (١) وهيت (٢) وهئت (٣) وتهيأت ، وهيئت.

(مَعاذَ اللهِ) مصدر أي : أعوذ معاذ ربي ، والمعاذ : الالتجاء ، لأنه يعاذ به من الخوف ، ومن هذا المادة العوذة والرّقية فإنه يعاذ بها من العين ، ومعاذ الله : مصدر جعل بدلا من اللفظ بالفعل ، مثل سبحانه الله ، ويقال : معاذ الله ، ومعاذ وجه الله.

(أَحْسَنَ مَثْوايَ) المثوى يصلح للمصدر بمعنى : الإقامة ، ويصلح مكان وموضع الإقامة ، وتقول : ثوى بالمكان يثوي ثواء وثويّا ، وأثويت لغة في ثويت ، وأبو مثواه : صاحب منزله ، والثّوية : مأوى الغنم ، وكذلك الثّاية بلا همز.

(هَمَّتْ بِهِ) الهم : مراجعة النفس في أمر تريد فعله ولم تدخل فيه.

(وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ) أي : قطعته.

(وَأَلْفَيا سَيِّدَها) : وجدا.

(شَغَفَها حُبًّا) : بلغ شغاف قلبها.

والشغاف : غلاف القلب ، وقرأ ابن محيصن (٤) " شعفها" بالعين المهملة أي : ذهب بها كل مذهب مأخوذ من شعف الجبال ، وقيل : من شعف البعير : خاف الهناء وهو القطران.

(وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) قيل : كان مجلسا فيه النمارق والوسائد وفيه الطعام والشراب ، وقيل : متكأ ، وطعاما ، وقيل : موزا ، وقيل : بطيخا ، وقيل : أترجّا ، وقيل :كلّ ما يقطع بالمدية من الأطعمة.

(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) قيل : هالهنّ أمره ، وقيل : أمذين ، وقيل : حضن (٥) قال :

يأتي النساء على أطهارهن ولا

يأتي النساء إذا كبرن إكبارا

__________________

(١) وهي قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف.

(٢) قراءة ابن كثير : هيت لك.

(٣) قراءة هشام : هئت لك.

(٤) قراءة ابن محيصن والحسن.

(٥) وهذا القول منسوب إلى ابن عباس.

٧١

وعلى هذا فالهاء في" أكبرنه" (١) تعود إلى المصدر أي : أكبر إكبارا.

(فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) يقال : بضع بكسر الباء وفتحها ، واختلف فيه فقيل : من الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : إلى التسعة ، وقيل : إلى السبعة ، وقيل :

الخمسة ، ويقال : بضعة عشر رجلا وبضع عشرة امرأة إذا جاوزت لفظ العشرة ذهب البضع ، لا تقول : بضع وعشرون ، وهو قول الجوهري ، وفيه نظر لأنه قد جاء في كلام أفصح الفصحاء : " الإيمان بضع وسبعون شعبة" ، والبضعة : القطعة من اللحم بالفتح ، وخرجت عن نظائر أخواتها كالقطعة والفلذة والغدرة والكسفة والحرقة وما لا يحصى من هذه المادة ، والجمع : بضع ، مثل : تمرة وتمر ، وقيل : جمعها : بضع مثل بدرة وبدر ، والبضع بالضم النكاح ، فإن قلت : ما القدر الجامع في مادة الاشتقاق بين البضعة من اللحم والبضعة من العدد والبضع؟ قلت : القدر الجامع : القطع ، فإن اللحمة مقطوعة من غيرها ، والبضعة من العدد مقطوعة من الزمن ، والفرج مقطوع عن غيره من الجسد ، معنى معدود لانتفاع خاص.

(أَضْغاثُ أَحْلامٍ) : جمع ضغث وهو الحزمة من الريحان أو الحشيش المختلط ، واستعير للمنام المختلط الذي لا تتبين حقائقه.

(سَبْعٌ عِجافٌ) أي : هزالى.

(دَأَباً) تقول : دأب يدأب دأبا ودءوبا إذا جد وعمل.

(تُحْصِنُونَ) : تحرزون ذلك في الصحون.

(الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) أي : ظهر ، من قولهم : " حصّ شعره" : إذا استأصله فظهر ما تحته من الجلد.

(ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) الرب : السيد ، من ربّي النعمة ، وإذا عرّف بالألف واللام انصرف إلى الله تعالى فقط ، وزعم أنه لا تجوز إضافته إلي ما لا روح فيه كرب الدار وغير ذلك. وفيه نظر بدليل الآية ، بدليل إضافته إلى الملك.

(وَنَمِيرُ أَهْلَنا) الميرة : الطعام يمتاره الإنسان ، ومار أهله يميرهم ميرا ، ومنه قولهم : " ما عنده خير ولا مير" والامتيار مثله ، وجمع المائر : ميّار وميّارة مثل رجّالة.

(جَعَلَ السِّقايَةَ) السقاية هاهنا : الصّواع وكان الملك يشرب فيه ، فتسميته

__________________

(١) وهو قول ابن الأنباري.

٧٢

بالسقاية تنبيها على أنه كان يسقى به ، وتسميته صواعا على أنه يكال به ، وقيل : الصواع لغة في الصاع ، وقرأ أبو هريرة : صاع الملك ، وابن عوف : صوع الملك بالضم ، وابن جبير : صواغ الملك بالغين المعجمة ، قيل : كان من فضة ، وقيل : كان من ذهب ، وكان عينها لا يكال بغيرها لعزة الطعام ، ويذكر ويؤنث ، فالأول : " نفقد صواع الملك" ، " ولمن جاء به" ، ـ والثاني : " ثم استخرجها من وعاء أخيه".

(وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي : كفيل ومنه : " الزعيم غارم" (١).

(خَلَصُوا نَجِيًّا) : مصدر في موضع الحال أي : ناجين ، وقيل : اسم جمع على أنجية ، وقيل : يتناجون بالكلام. واشتقاقه من النجوة : وهو ما ارتفع من الأرض.

(تَاللهِ تَفْتَؤُا) التقدير : لا تفتؤا أي : لا تزال ، حتى تكون حرضا ، الحرض : الدّنف ، وقيل : إذابة الجسم بالهم ، ورجل حرض : يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع ، وأنشد للعرجى :

إني امرؤ لجّ بي حبّ فأحرضني

حتى بكيت وحتى شفّني السّقم

(أَشْكُوا بَثِّي) : البث : شدة الحزن ، وقيل : ما لا صبر على كتمانه من الهم يقال : بثه وأبثه أي : ظهر ما عنده.

(فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ) أي : تعرفوا ذلك بالحواس وهو في الخير : والتجسس في الشر.

(مِنْ رَوْحِ اللهِ) أي : من رحمته ، وقيل من فرجه ، وقرأ الحسن بضم الراء أي : من معونة الله.

(بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) أي : كاسدة ، ابن عباس : خلق الحبال والغرائر ، مجاهد : دراهم ردية ، وقيل : صنوبر ، وقيل : صوف وسمن ، وقيل : سمن وأقط ، وقيل : سويق المقل ، وقيل : غير كافية ، واشتقاقها من أزجاه إذا دفعه.

(آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) : ميزك علينا من المأثرة وهي المكرمة.

(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) التثريب : أقصى اللوم ، وقيل : أشد التعيير والمعنى : أن اللوم وصل إلى الثّرب وهو شحم الكرش ، تقول : ثرّبت عليه ، وعرّبت عليه

__________________

(١) رواه أبو داود والترمذي وحسنه.

٧٣

بمعنى (١).

(تُفَنِّدُونِ) : تسفهون ، والفند : ضعف الرأي من الهرم.

(لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي : لفي محبتك.

(وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) البدو والبادية : ضد الحاضرة ، وقيل : اسم المكان الذي كانوا فيه والنسبة إلى البدو بدوي ، وإلى البادية بداوي ، والمادة من بدا إذا ظهر.

(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) العرش : سرير الملك.

(وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) أي : سقطوا ، وكان السجود في ملتهم السلام.

__________________

(١) قال الأصمعي : ثربت عليه وعربت عليه بمعنى : إذا قبحت عليه فعله.

٧٤

سورة الرعد

(صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) الصنو : الأخ للشيء ، وأصل ذلك أن النخلة إذا خرجت من عرضها نخلتين ، قيل لكل واحد : صنو ، والتثنية صنوان والجمع صنوان ، وفي الحديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في حق العباس : (أما علمت أن عم الرجل صنو ابنه) ، وركيتان صنوان إذا تقاربتا وانبعثتا من عين واحدة ، ـ والمعنى أشكال وغير أشكال ، وقرئ صنوان (١) بضم الصاد فيهما ، جمع على فعلان ، كذئب وذؤبان. وقد يأتي فعلان وفعلان لشيء واحد ألا ترى أنهم قالوا في جمع حشّ وهو البستان : حشّان وحشّان ، وفي الشواذ (٢) صنوان بفتح الصاد ، وقيل : ليس بجمع كالأولين بل هو اسم جمع كالباقر والجامل.

(مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) المثلة : نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا ترتدع به غيره ، وذلك كالنكال ، وجمعه : مثلات ، ومثلات ، وقد قرئ (٣) المثلات بإسكان الثاء على التخفيف نحو عضد وعضد ، وقد أمثل السلطان بفلان إذا نكّل به ، ومثل مخفف يمثل مثلا إذا نكل به ، والاسم المثلة والمثلة بفتح الميم وضم الثاء العقوبة والجمع : المثلات هذا قول الجوهري ، وما قبله كلام الراغب.

(وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي : ظاهر السير فيه ، وأصله قولهم : سرب الفحل يسرب سروبا إذا توجه للرعي.

(وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) أي : من والي يلي أمره فينصره ، وهو اسم فاعل من ولي يلي إذا تولى تدبير شيء ، والوالي بمعناه.

(وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) المحال : القوة ، وقيل : شديد الغضب ، وقيل : شديد الانتقام ، وقيل : من المحل وهو القحط ، وقيل : من المحل وهو المكر والكيد ، يقال : محل به إلى السلطان إذا سعى به ليهلكه ، وعلى هذا يجوز أن تكون الميم أصلية ، إذا كان من محل به إذا عرضه للهلاك ، وزائدة إذا كان من الحيلة أو الحول ، وفي الغريب

__________________

(١) قراءة زيد بن علي والسلمي وابن مصرف ، وهي لغة تميم وقيس.

(٢) قراءة الحسن وقتادة : صنوان.

(٣) المثلات : قراءة ابن وثاب ، وهي لغة تميم.

٧٥

عن ابن هرمز (١) : شديد المحال بالفتح على مفعل (٢) من الحيلة.

(جُفاءً) من قولهم : جفأت القدر وأجفأت إذا رمت زبدها عن الغليان ، وهذا البناء وهو فعال لما يرمي ويطرح ، والقدر الجامع بين الجفاء والجفاء وجفى السّرج : إذا ارتفع عن ظهر الدابة ، وجفى جنبه عن الفراش : الارتفاع.

(طُوبى لَهُمْ) فعلى من الطّيّب قلبوا الياء واوا للضمة قبلها ، يقال : طوبى لك ، وطوباك بالإضافة ، ولا يقال : طوبيك ، وطوبى : اسم شجرة بالجنة (٣) وقيل : إشارة إلى كل ما يستطاب في الجنة.

(بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) القارعة : الشديدة من شدائد الدهر ، وقارعة الدار : ساحتها ، وقارعة الطريق : أعلاه ، وقوارع القرآن : الآيات التي يحترس بها من الجن والإنس.

(مَثَلُ الْجَنَّةِ) صفتها ، يقال : مثل ، ومثل ، كما يقال : شبه وشبه.

(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) الأم بإزاء الأب وهي الوالدة والقريبة : التي ولدته والبعيدة : التي ولدت من ولده ، ولذلك يقال : حواء أمنا ، ويقال لكل ما كان أصلا لوجود شيء وانضم إليه سائر ما يليه : أم ، والمراد بأم الكتاب : اللوح ، وذلك أن العلوم كلها منسوبة إليه ومتولدة منه ، ومن ذلك أم القرى يراد بها مكة ؛ لأن القرى دحيت منها ، قال الله تعالي : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) وأم النجوم : المجرة ، ويقال للكريم : أم الأضياف ، ولمقدم الجيش : أم الجيش ، وقيل لفاتحة الكتاب : أم الكتاب ؛ لكونه مبدأ الكتاب ، وأصل الأم أمّهة لقولهم : أمهات ، وقيل : أصله من المضاعف كقولهم : أمّات وأميمة ، وقال بعضهم : أمّات في البهائم ، وأمّهات في الأناس ، وقد يستعمل أمّات في الأناس كقوله :

جلوت الظلام بأمّاتكا

__________________

(١) ترجمة الأعرج أبي داود عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى محمد بن ربيعة ـ أخذ القراءة عن أبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ، وقرأ عليه القرآن نافع بن أبي نعيم وغيره.

(٢) قرأ الأعرج والضحاك بفتح الميم على وزن مفعل.

(٣) ورد مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حديث عتبة بن عبيد السلمي أنه قال : وسأله أعرابي : " يا رسول الله أفي الجنة فاكهة. قال : نعم فيها شجرة تدعى طوبى" وذكر الحديث.

٧٦

سورة إبراهيم

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي : زيغا.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) أي : أعلم ، وأصله إيقاع الكلام في الأذن ، ومنه الأذان والأذين.

(فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) أي : عضّوا عليها غيظا ، وقيل : إشارة إلى أنهم سكّتوا الرّسل.

(وَاسْتَفْتَحُوا) بمعنى : استنصروا ، وقد تقدم.

(أَجَزِعْنا) الجزع : ضد الصبر ، ويقال : جزع يجزع جزعا.

(ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) أي : من مهرب ، تقول : حاص يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحياصا أي : عدل وحاد.

(ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) المصرخ : المغيث ، المستصرخ : المستغيث ، والصّريخ : صوت المستصرخ ، والصريخ : الصارخ.

(اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ) : جثّه واجتثّه : اقتلعه ، والجثيث من النّخل : الفسيل ، والجثية : النخلة ، والجثّ : العسل فيه الشمع ، ويقال : للعسل الذي فيه أجنحة النحل ، والجثّ بالضم : المرتفع من الأرض.

(تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) تقول : شخص بصره ـ بالفتح ـ إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف ، ويقال : شخص الرجل ، إذا ورد عليه أمر أقلقه.

(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) أي : رافعوها ، هطع الرجل إذا أقبل ببصره على الشيء لا يذهب عنه ولا يقلع الرجل رأسه إذا رفعه ، وأقنع يده في الصلاة : إذا رفعها في القنوت مستقبلا ببطونها وجهه.

(وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) الأفئدة : جمع فؤاد ، وهواء أي : فارغ.

(مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) القرن : حبل يجمع فيه بين بعيرين وأكثر ، والمعنى :

أنهم مجموعون في صفد ، والأصفاد : جمع صفد وهو ما يؤثق به الأسير من قدّ وقيد وغلّ ، والصّفد أيضا : العطاء ، وأصفدته إصفادا أي : أعطيته مالا ، أو وهبت له عبدا.

(سَرابِيلُهُمْ) السربال : القميص ، والقطران (١) : معروف.

__________________

(١) القطران : قطران الإبل الذي تهنأ به. وقيل : هو النحاس.

٧٧

سورة الحجر

(رُبَما) : حرف موضوع للتقليل ، وإن أفهم الكثرة فمن المقام ، واضطرب كلام ابن مالك فيه ؛ فآونة يجعله للكثرة ، وآونة يجعله للقلة ، وهو في هذه الآية أفهم للكثرة.

(فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) الشّيع : الفرق ، وقد تقدّم في الأنعام.

(نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) ندخله ، من قولهم : سلكته ، وفسلك : أي : أدخلته فدخل.

(سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) أي : حيّرت ، وقيل : غطّيت ، ومن هذه المادة تسكير الباب ، ومنه قيل للمغلاق : سكرة الباب ، والسّكر بالكسر : الموضع المسدود.

(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) قيل : مقدّر بقدر ، وقيل : مقسوم ، وقيل : معلوم عند الله ، وقيل : موزون على بابه ، والمراد به : ما يكال ويوزن ويعدّ ؛ لأن مآل الجميع إلى الوزن ، وقيل : المراد بالموزون : ما له منزلة كما تقول : ليس له وزن أي : قدر.

(الرِّياحَ لَواقِحَ) : جمع لاقحة ، وفي معنى الملاقحة أقوال ، قيل : حوامل للسحاب وقيل : ذات لقح ، وقيل : لاقحة بمعنى : ملقحة ؛ فإن الريح تلقح الأشجار.

(صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) الصلصال : الطين الذي خلط بالرمل فصار يتصلصل إذا جفّ ، فإذا طبخ بالنار فهو الفخّار ، والحمأ : الطين الأسود ، ومثله الحمأة بتسكين ، والمسنون : المتغير ، من أسن الماء يأسن إذا تغير ، ويطلق المسنون ويراد به المصوّر ، ويطلق ويراد به المملّس ، ويطلق ويراد به ما وردت به السّنّة.

(نارِ السَّمُومِ) : مؤنثة وهي من الواو ، لأن تصغيره : نويرة والجمع : نور وأنور ونيران ، انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها والسموم : الريح الحارة ؛ لأنها تدخل في المسام ، وهي مؤنثة لجمعهم إياها على سمائم ، لا يقال : لها سموم إلا إذا هبت نهارا ، وإذا هبت ليلا حرور ، وقيل : تستعمل كل من السموم والحرور في الليل والنهار.

(مِنْ غِلٍ) الغلّ : الحقد.

(فِيها نَصَبٌ) النّصب : التعب.

(الْعَذابُ الْأَلِيمُ) : اختلف في مادته ، فقيل من قولهم : عذب الرجل إذا ترك

٧٨

المأكل والمشرب فهو عاذب وعذوب ، وقيل : من عذبة السّوط ، وقيل : التعذيب : الضرب ، وقيل : من قولهم : ماء عذب إذا كان كثير القذى ، فيكون عذّبته : كدّرت عليه عيشه ورنّقت حياته ، والأليم بمعنى : المؤلم.

(وَجِلُونَ) أي : خائفون ، تقول : وجل وجلا وموجلا ، وفي مستقبله أربع لغات : ياجل ، يوجل ، ييجل ، ييجل ، بكسر الياء وهي لغة بني أسد ، ورجل أوجل ووجل ، ولا يقال للمؤنث : وجلاء ولكن : وجلة.

(وَمَنْ يَقْنَطُ) أي : ييأس ، تقول : قنط يقنط ، مثل : ضرب يضرب ، ويقنط مثل : قعد يقعد ، أو مثل : لعب يلعب.

(فَما خَطْبُكُمْ) ما سبب أمركم ، والخطب : الأمر المهم ، ومادته من الخطبة لأنهم كانوا إذا دهمهم أمر اجتمعوا له فخطب ألسنهم ليوضح طريق ذلك الأمر.

(أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) الأيكة : الشجرة ، والأيك : الشجر الملتف ، ومن قرأ : الأيكة (١) أراد الغيضة ، ومن قرأ : أيكة أراد القرية ، ويقال : إنهما مثل : بكة ومكّة.

(لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) قيل : الإمام : الطريق ، وقيل : اللوح المحفوظ ، وقيل : القرآن.

(أَصْحابُ الْحِجْرِ) : منازل ثمود.

(لِلْمُتَوَسِّمِينَ) : الذين يطلبون السّمة ، وهي : العلامة.

(الْمُقْتَسِمِينَ) قيل : من القسم ، وهم الذين حلفوا ، وقيل : من القسمة ، ونزلت في قوم اقتسموا طرق مكة وشعابها ، يردّون من يطلب الإيمان بالهجرة.

(عِضِينَ) أي : جعلوا القرآن أعضاء وجزءوه أجزاء ، ومادته من عضوته أي : فرّقته ؛ لأن المشركين قالوا فيه أقاويل ، فجعلوه كذبا وسحرا وكهانة وشعرا.

__________________

(١) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر في موضعي الشعراء وص : ليكة.

٧٩

سورة النحل

(لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) : هو ما يدفئ من الأكسية والقطف وغيرها ، وقيل : البيوت المتخذة من أوبار النعم ، وقيل : الدفء نتاج الإبل ، ويؤيده قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " لنا من دفئهم ما سلّموا بالميثاق" ، نقول منه : دفي الرجل دفاءة مثل كره كراهة ، ولك أن تقول : دفئ دفاء مثل ظمئ ظمأ ، والاسم الدّفء بالكسر ، والجمع : الأدفاء ، ورجل دفئ فعل إذا لبس ما يدفيه ، وكذلك دفآن وامرأة دفأى.

(بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) أي : بمشقتها ، والشّق : أحد نصفي الشيء ، وقرأ يزيد (١) : بشق الأنفس بفتح الشين على أنهما لغتان ، وقيل : الفتح : مصدر ، والكسر بمعنى : المشقة ، والمعنى : لم تكونوا بالغيه إلا بنصف الأنفس ، وقيل : المراد مكة ، وقيل : من البلاد ، والذي عند الماوردي في البلد قولان أحدهما : أنه مكة لأنها من البلاد الفلوات ، الثاني : أنه محمول على العموم في كل بلد مسلكه على الظهر.

(وَمِنْها جائِرٌ) أي : مائل ، والجور : الميل عن القصد.

(وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) مخرت السفينة تمخر ، وتمخر مخرا ومخورا إذا جرت تشق الماء مع صوت ، ويقال : مخرت الأرض أي : أرسلت الماء فيها ، وبنات مخر : سحائب يجئن قبل الصيف مبيّضات.

(يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) الفيء : ما نسخته الشمس ، والمعنى أن الظل يفعل الحركة يمنة ويسرة.

(وَهُمْ داخِرُونَ) أي : صاغرون ، تقول : دخر الرجل دخورا فهو داخر.

(وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) دائما (٢) ، ومنه قوله تعالى : " " [الصافات : ٩].

(فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) أي : ترفعون أصواتكم ، يقال : جأر يجأر جؤارا وجؤرا ، والأصل فيه : الثور يرفع صوته.

(ظَلَّ وَجْهُهُ) أي : صار ، ويجوز أن يكون من قولك : ظللت أعمل كذلك بالكسر ظلولا إذا عملته بالنهار دون الليل.

__________________

(١) يزيد بن القعقاع ـ أبو جعفر المدني أحد القراء العشرة. توفي بالمدينة عام ١٢٨ ه‍.

(٢) وهو قول الجمهور.

٨٠