الترجمان عن غريب القرآن

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني

الترجمان عن غريب القرآن

المؤلف:

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3996-7
الصفحات: ٢٤٠

ولدها والضيف حتى تموت وإذا ماتت أكلها الرجال والنساء.

وبحرت أذن ابنتها والجمع : سيّب ، والسائبة : العبد ـ كان الرجل إذا قال لغلامه أنت سائبة فقد عتق ولا يكون ولاؤه لمعتقه ويضع ماله حيث شاء وهو الذي ورد النهي عنه.

والوصيلة : الشاة تلد سبعة أبطن عناقين عناقين ، فإن ولدت في الثامنة ولدا ذبحوه لآلهتهم فإن ولدت جديا وعناقا قالوا : وصلت أخاها فلا يذبحون أخاها من أجلها ولا يشرب لبنها النساء واختص به الرجال وجرت مجرى السائبة.

ولا حام : الفحل إذا ضرب في الإبل عشر سنين قيل : حمى ظهره فلا ينتفع بظهره ، وقيل : إذا نتج من بطنه عشرة أبطن ، وقيل : إذا ركب ولد ولده يركب ولا يحمل عليه وهذه أسماء وضعها عمرو (١) بن لحي سنّة لأصنامه.

(فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) : يقال : عثر عليه يعثر عثرا وعثورا إذا اطلع عليه وأعثره عليه غيره ومنه قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) [الكهف : ٢١].

(وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) : الأكمه : من ولد أعمى.

(مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) : المائدة : خوان عليه طعام وإذا لم يكن كان خوانا. وهي فاعلة بمعنى مفعولة مثل : عيشة راضية بمعنى مرضية ، والمعنى أنه ممتاد منها الطعام أي : مستعطى ، واشتقاقها من ماده يميده إذا أعطاه وقيل : هي فاعلة على بابها لأنه يعطى الطعام وقيل : من ماد يميد إذا تحرك كأنها تميد بما عليها.

وقيل : إنهم استدعوا طعاما وقيل : استدعوا علما لأن العلم غذاء الأرواح كما أن الطعام غذاء الأشباح وفيه نظر لقوله تعالى : (نَأْكُلَ مِنْها) و (تَكُونُ لَنا عِيداً) [المائدة ـ ١١٣ ، ١١٤] لأن المعروف في الأعياد الاجتماع على الطعام لا على العلم وأيد ذلك قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : " أيام أكل وشرب وبعال".

__________________

(١) هو عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف وقد ورد بشأنه حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لأكثم بن جون : (يا أكثم رأيت عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار) الحديث رواه الطبراني (١١ / ١٨).

٤١

سورة الأنعام

(بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي : يشركون ، تقول : عدل عن كذا إذا مال ، وكأنهم عدلوا عن الإيمان إلى الكفر أو جعلوا له عديلا ، والعدل والعدل متقاربان لكن العدل في المعاني مما يدرك بالبصيرة ، والعدل في المرئيات مما يدرك بالبصر.

(مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) القرن : الناس المتفرقون في زمن واحد ، والقرن : لفظ مشترك يطلق ويراد به قرن الثور ، والخصلة من الشعر ، والحلبة (١) من العرق ، والقرن : ثمانون سنة ، وقيل ثلاثون سنة ، والقرن من الناس : أهل زمان واحد ، والقرن : العفلة (٢) ومنه امرأة قرناء.

(مِدْراراً) : كثرة در المطر.

(وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) أي : لخلطنا عليهم. واللّبس بالضم : مصدر لبست الثوب ألبسه لبسا ، واللّبس بالفتح : مصدر لبست عليه الأمر ألبس لبسا أي : خلطت ويقال فيما يلبس : اللباس واللبوس واللبس ، والقدر الجامع في اللبس والإلباس : الستر ، والزوجة لباس من حيث إنها تمنع زوجها من تعاطي الفضيحة فكأنها ستر له.

وقيل : يبطنها وتبطنه ويؤيده قول الجعدي :

إذا ما الضجيع ثنى جيدها

تثنت عليه فكانت لباسا

(فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) أي : نزل بهم وبال فعلهم ، والحيق : ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله.

(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي : أغطية تقول : كننته وأكننته أي : سترته.

(وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) الوقر : الصمم بالفتح ، وبالكسر الحمل والجامع بينهما

__________________

(١) القرن : حلبة من عرق ، يقال : حلبنا الفرس قرنا أو قرنين أي : عرقناه ، يقال : عصرنا الفرس قرنا أو قرنين. والقرون : العرق والقرون : الذي يعرق سريعا ، وقيل : الذي يعرق سريعا إذا جرى ، وقيل : الفرس الذي يعرق سريعا فخص.

(٢) العفلة : نبات لحم ينبت في قبل المرأة وهو القرن. وقال أبو عمر الشيباني العفل : شىء مدور يخرج بالفرج ، ولا يكون في الأبكار ولا يصيب المرأة إلا بعد ما تلد ، وقال الليث العفل والعفلة : شىء يخرج في قبل النساء وحياء الناقة شبه الأدرة التي للرجال في الخصية ومنه حديث ابن عباس : أربع لا يجزن في البيع ولا النكاح المجنونة والمجذومة والبرصاء والعفلاء.

٤٢

الثقل ويختص الوقر بحمل البغل والحمار وأما الجمل فالوسق (١).

(أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : أباطيل الأولين الواحد أسطورة بالضم وإسطارة بالكسر والسّطر والسّطر ويجمع على أسطار ويجمع على أساطير.

(نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) النفق : الشق في الأرض وهو السّرب بالفتح ـ وله مكان يخلص إلى غيره ومنه النافقاء إحدى جحر اليربوع إذا طلبه الصائد من جحر خرج من الآخر ومن هذه المادة النفاق.

(فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي : آيسون ، والإبلاس : الإياس ، وقيل : لفظ إبليس مشتق من هذه المادة وهو مشكل لكونه أعجميا.

(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ) أي : آخر من بقى منهم.

(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) : فرقا يدين بعضهم بخلاف ما يدين به البعض كاليهود والنصارى.

(أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ) أي : ترهن حتى لا محيص لها وقيل : أصل البسل : المنع وقيل : الحرام والإبسال : التحريم.

قال الشاعر :

أجارتكم بسل علينا محرم

وجارتنا حل لكم وحليلها

وقيل : يبسل أي : يسلم وتقدير الآية : أن لا تبسل كقوله تعالى : (أَنْ تَضِلُّوا) أي : أن لا تضلوا.

(أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) أي : رهنوا وقيل : حرموا الثواب أو منعوه وسمّي الرجل الشجاع : باسلا والشجاعة : البسالة إما لكونه محرما على أقرانه أن ينالوه بمكروه أو لمنعه ما تحت يده عن أعدائه ومنه أبسلت المكان : حفظته والبسلة : أجرة الراقي لقوله : جعلته مبسّلا أي : محرما (٢) وبسلت الحنظل أي : أزلت مرارته والمعنى أزلت ما كان يمنع من أكله وهي مرارته والمستبسل : الموطّن نفسه

__________________

(١) الوسق هو حمل البعير ، والوقر : حمل البغل أو الحمار.

(٢) قول الراقي أبسلت فلانا : أي : جعلته بسلا أي : شجاعا قويا على مدافعة الشيطان أو الحيات والهوام أو جعلته مبسلا أي : محرما عليها وسمي ما يعطى الراقي : بسلة ـ وحكي بسلت الحنظل أي : طيبته فإن يكن صحيحا فمعناه أزلت بسالته أي : شدته أو بسله أي : تحريمه وهو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرما.

٤٣

على الموت والمكروه.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) الجمهور على أنه اسم أبيه وظاهر القرآن يدل عليه وقيل : اسم أبيه تارخ وقيل : إن تارخ وآزر اسم يعقوب واسرائيل وقيل : آزر وصف له بالذم ، والمعنى المعوج ، وقال الثعلبي : معناه الشيخ بالفارسية وليس بمعروف وقيل : آزر صنم كان يعبده هو وغيره فسمي بمعبوده.

(مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : ملكهما والملكوت أعظم الملك كالرهبوت والرحموت من الرهبة والرحمة والواو والتاء زائدتان ويقال بالتاء ، وبالهاء : ملكوه.

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) أي : ستره ، ويقال : جنّ عليه الليل وأجنّه وجنّه جنّا وجنانا وجنونا ، وجنان الليل : ادلهمامه.

(فَلَمَّا أَفَلَ) أي : غاب والأفول : الغيبة.

(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) أي : طالعا ، والبزوغ : الطلوع.

(فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) : شدائده ، واحدها : غمرة كأنها تغمره أي : تغطيه مأخوذ من الماء الغمر.

(عَذابَ الْهُونِ) أي : الإهانة.

(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) : جمع فريد كأسير وأسارى وقيل : فرادى اسم مفرد على فعالى ، وقيل : جمع فردان كسكران وسكارى ، وقيل : فرد فرد بمعنى مفرد ، وقرئ في الشاذ منونا ، والمعنى : للحساب والجزاء.

(خَوَّلْناكُمْ) : ملّكناكم.

(لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) أي : وصلكم فيمن قرأ بالضم (١) ، ومن قرأ بالفتح أراد الظرف ، والبين من الأضداد تطلق على الوصال وعلى الفراق وأصله الظرف المقتضى توسطا بين شيئين.

(خَضِراً) أي : نباتا أخضر.

(قِنْوانٌ دانِيَةٌ) : واحدها قنو : وهي شماريخ الرطب. وليس في كلام العرب

__________________

(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وشعبة عن عاصم وحمزة وخلف ويعقوب بضم نون بينكم ـ ونافع وحفص والكسائي وأبو جعفر بفتح نون بينكم.

٤٤

ما صورة لفظه صورة التثنية وهو جمع غير قنوان وصنوان. وفي الغريب عن ابن هرمز (١) : قنوان بفتح القاف وعن ابن رجا : بالضم جمع قنو كذيب وذوبان.

(إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) الينع : مصدر ينع أي : أدرك أي : وذا ينعه وهو النضيج من الثمر وقيل ينع : جمع يانع كتاجر وتجر وقرئ (٢) يانعه أي : مدركه.

(خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ) (٣) أي : خلقوا وهي لغة في التخلق من الكذب.

(دَرَسْتَ) (٤) أي : درست الكتب أي : كررت عليها ، نقول : دارست الكتب وادارستها وتدارستها ، والدرس في الأصل : ما عفا ، ودرسته الريح ، ودرس المكان ، يتعدى ولا يتعدى ، والقدر الجامع الانتقال من حالة إلى حالة وكأن انتقاله من السطور إلى الصدور بمنزلة العفاء أو لأن الدرس هو التكرار ومنه درس الحنطة.

(فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً) أي : عدوانا ، والعدوان : التجاوز في الظلم.

(كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) بضمتين أي : حشرنا عليهم العذاب صنفا صنفا أو جماعة جماعة وقيل : جمع قبيل : وهو الكفيل ، ومن قرأ قبلا أي : مقابلة.

(زُخْرُفَ الْقَوْلِ) أي : مزين القول مموّهه ، والزخرف : الذهب ، والمراد به : مزوّر القول ، وزخارف الماء : طرائقه.

(وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) أي : يخالطون الخطيئة ، من قولهم : قارف فلان الشيء أي : خالطه.

(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي : يكذبون ، والخرّاص : الكذاب ، والخرص (٥) : حزر ما على النخل من الرطب تمرا ، والاسم الخرص (بالكسر) ، والخرص (بالضم) حلقة الذهب أو الفضة والجمع خرصان.

(صَغارٌ عِنْدَ اللهِ) الصغار : الذّل (بالفتح والضم) ، وكذلك الصغر (بالضم

__________________

(١) ابن هرمز : هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ولم يقرأ بفتح القاف كما زعم المؤلف وإنما قرأ بضم القاف.

(٢) هي قراءة ابن أبي عبلة ويانعه وهو اسم فاعل من ينع.

(٣) كذا بالأصل وهي قراءة نافع.

(٤) كذا بالأصل وهي قراءة ابن كثير وأبى عمرو وقرأ ابن عامر.

(٥) والحزر : التقدير الظني للشيء.

٤٥

والإسكان) والمصدر : الصّغر ، وقيل : الصغار في القدر ، والصّغر في السن وغيره.

(يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) أي : يوسعه وقيل : يقذف فيه النور.

(ضَيِّقاً حَرَجاً) الحرج (بالفتح والكسر) : الضيق ، والمراد هاهنا : الإثم ، وقيل : الشك يقال : حرج صدره ، وحرج (بالفتح والكسر) حرجا وحرجا ، قيل : الفتح مصدر ، والكسر صفة ، كقولهم : قمن وقمن وفرد وفرد ، وأصله : المكان الكثير الشجر لا تصل إليه الراعية وقد جاء فعل وفعل في كلامهم قالوا : وحد وحد ، ودنف ودنف وفرد وفرد.

(يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) الرجس هاهنا : العذاب ، مثل : الرجس ويراد به القذر.

(عَلى مَكانَتِكُمْ) قرئ بالإفراد والجمع (١) والمعنى : على قدر منزلكم ، من قولهم : له مكانه عند السلطان ، من مكن يمكن مكانة ، والمصادر قد تجمع على إرادة اختلاف الأنواع ويجوز أن تكون مفعلة من الكون ، فيكون إما مصدرا بمعنى الكينونة أو موضعا كما يقال : مكان ومكانة ومنزل ومنزلة.

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) أي : خلق.

(وَحَرْثٌ حِجْرٌ) أي : حرام ، والحجر لفظ مشترك ، فالحرام مثلث الحاء والكسر أفصح ، والحجر : العقل ، والحجر : حجر الكعبة ، والحجر : منازل ثمود ، والحجر : الأنثى من الخيل ولا يقال : حجرة.

(وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) الفرش : الصغار من الإبل التي لا تستطيع الحمل والفرش لفظ مشترك يطلق على المفروش من متاع البيت ، وعلى الزرع إذا فرش ، وعلى صغار الإبل كل منها فرش. قال الفراء : لم يسمع له بجمع ، والفرش في رجل البعير : اتساع قليل وهو محمود.

(أَوِ الْحَوايا) : ما يتحوى في البطن ويستدير ويسمى : بنات اللبن. وقيل : هي المباعر واحدتها : حاوية ، وقيل : حاوياء كقاصعاء وقواصع وقيل حوية : كسفينة وسفاين.

وقيل جمع الحوية : حوايا وهي الأمعاء وجمع الحاوياء والحاوية حواوي على

__________________

(١) قرأ شعبه عن عاصم مكاناتكم بالجمع والباقون بالإفراد.

٤٦

فواعل.

الحمولة : ما أطاق العمل والحمل.

(مِنْ إِمْلاقٍ) الإملاق : الافتقار.

(دِيناً قِيَماً) أي : مستقيما.

(جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) أي : ملوكها والخليفة : السلطان الأعظم وجمعه :

خلائف ، مثل : كريمة وكرائم وقالوا : خلفاء لأنه لا يقع إلا على الذكر فأسقطوا الهاء فصار مثل : ظريف فجمعوه على خلفاء كما قالوا : ظرفاء.

٤٧

سورة الأعراف

(بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) : بيّت العدو إذا أوقع بهم ليلا ، والبيات : الاسم ، وبيت الأمر : إذا دبره ليلا ومنه قولهم : هذا أمر بيت بليل ، وقائلون أي : أتاهم العذاب عند القيلولة وهي نصف النهار ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل" (١).

(مَعايِشَ) : جمع معيشة ولا يجوز همزها (٢).

(مِنَ الصَّاغِرِينَ) أي : الراضين بالذل والضيم.

(مَذْؤُماً مَدْحُوراً) أي : مطرودا مقصى.

(مِنْ سَوْآتِهِما) السوأتان : القبل والدبر.

(وَقاسَمَهُما) أي : أقسم لهما بيمين فاجرة وهي من باب : طارقت النعل ، وعافاه الله. وإبليس أول من حلف يمينا فاجرة.

(وَطَفِقا يَخْصِفانِ) أي : جعلا وهو من أفعال الشروع تقول : طفق وطفق بالكسر والفتح ، ويخصفان : يلزقان الورق بعضه ببعض ليسترا به السوءة.

(وَرِيشاً) : الريش والرياش بمعنى وهو اللباس الفاخر ، ويقال : الريش والرياش : المال والخصب.

(هُوَ وَقَبِيلُهُ) أي : جماعته وجنوده.

(خُذُوا زِينَتَكُمْ) : الزينة : ما يتزين به من الثياب والمراكب وغيرها وقيل : المراد ستر العورة.

(فِي سَمِّ الْخِياطِ) السم : الثقب الذي في أسفل المخيط. وسموم الإنسان وسمامه : فمه ومنخره ، ومسام الجسد : ثقبه ، وذهب إلى تثليث السم ، وكذا القاتل ، والخياط والمخيط واحد.

(مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) المهاد : الفراش ، ومهد الصبي : ما يستقر عليه والغواشي : الأغطية من فوقهم بمنزلة اللحف ، وقيل : ظلل من الغمامة لقوله تعالى : (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ) [الزمر ـ ١٦] الآية.

__________________

(١) الحديث رواه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال في صحيح الجامع حديث حسن انظر صحيح الجامع (٤٤٣١) (ج ٢ ص ٨١٥).

(٢) الصحيح أنه جائز وهي رواية خارجة عن نافع ومنسوبة إلى أبي جعفر المدني وإلى الأعرج.

٤٨

(مِنْ غِلٍ) : الغل : الحقد.

(وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي : اعوجاجا (بكسر العين) : الاسم ، (وبالفتح) : المصدر والمعنى : بإيراد الشكوك والشّبه على المؤمنين.

(وَعَلَى الْأَعْرافِ) الأعراف : جبال بين الجنة والنار ، وقيل : أعالي السور وأعالي كل شيء : أعرافه ، والعرف : ما ارتفع من الأرض.

(كُلًّا بِسِيماهُمْ) السيما مقصور من الواو : العلامة ، وفيها ثلاث لغات السيما ، والسيماء ، السيمياء.

(تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) أي : مواجهة أصحاب النار قبل الدخول وتقول : جلس تلقاءه أي : حذاءه ، والتلقاء مصدر كالبنيان وهو من المصادر التي جاءت على تفعال. وقيل : مشتق من التلقي ، وقيل : مصدر مثل اللقاء.

(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي : يغطي الليل بنور النهار ويغطي النهار بظلمة الليل فاكتفى بالأول.

(حَثِيثاً) أي : سريعا

(مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) : مذللات بأمره.

نشرا بين يدي رحمته (١) يقال : ريح نشور ورياح نشر : وهي التي تسوق الغيث.

(حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ) حملت في الفلك ، يطلق على المفرد وعلى الجمع والمراد : السفينة.

(فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) الجثوم في الأصل للطائر وهو تلبده في الأرض يقال : جثم : يجثم ويجثم جثوما.

(كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي : الباقين ، والغبر : الماضي أيضا وهو من الأضداد لأنه يطلق على الباقي.

(أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي : لتصيرنّ.

(كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) : أي : يقيموا من المغاني.

__________________

(١) كذا بالأصل وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وقرأ نشرا حمزة والكسائي وخلف وقرأ نشرا ابن عامر ـ وعاصم بشرا.

٤٩

(فَكَيْفَ آسى) : أحزن.

(أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي : أخره ، والإرجاء : التأخير تقول أرجأت وأرجيت يهمز ولا يهمز فإذا وصفت الرجل به قلت : مرج وقومه مرجية ، وإذا نسبت قلت : مرجّي بالتشديد.

(وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) أي : جامعين لك الناس من الحشر وهو الجمع تقول : حشر يحشر ويحشر ، واسم المكان : المحشر (بكسر الشين).

(وَما تَنْقِمُ مِنَّا) نقمت على الرجل أنقم بالكسر : إذا عبت عليه ، وقال الكسائي : نقمت (بالكسر) لغة ، ونقمت الأمر : إذا كرهته ، وانتقم الله منه أي : عاقبه ، والاسم منه النّقمة ، ويجوز أن تقول : نقمة.

(مَهْما تَأْتِنا بِهِ) اسم تضمن معنى الشرط وذلك لعود الضمير إليه في قوله به ، قيل : أصله مأما قلبت الألف همزة ثم هاء ، وقيل أصله مه أي : كفّ عما تقول ، ثم استأنف فقال : ما تأتنا به ، فما وحدها للشرط ، ويؤيده قراءة الكسائي من الوقف على مه والابتداء بما تأتنا ، وقيل : مهما حرف بمنزلة حتى وليس بمركب.

(وَالْقُمَّلَ) : هو صغار الجراد المسمى بالدّبا لا أجنحة له ، وقيل : نوع من القراد وهو القمقام يركب البعير عند الهزال ، وقيل : السوس ، وقيل : البرغوث ، وقيل : القمل ، وقيل : دواب سود صغار.

(مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ) أي : مكسّر مهلك ، من التّبار ، ومادته من كسر التبر من المعدن.

(مِيقاتُ رَبِّهِ) الميقات : اسم للزمان الذي يوقت فيه الفعل أو المكان الذي يوقت فيه الفعل ، وأصله : موقات ، قلبت الواو كسرة على القاعدة.

(سَبِيلَ الرُّشْدِ) السبيل : الطريق يذكر ويؤنث وهو في هذه الآية مذكر وفي غيرها مؤنث (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي).

(لَهُ خُوارٌ) أي : صوت وهو في الأصل للبقر ، وخار الحرّ ، والرجل خئورا : ضعف وانكسر ، والاستخارة يقال : إنها من رفع الصوت بالخوار ، والظاهر أنها من طلب الخيرة.

(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) كناية عن الندم والقلب محل الندم ، وإنما أسند إلى

٥٠

اليد مجازا كما أسندوا الملك والمحبوب والمكروه إليها ، فيقولون : في يده ملكه ، وفي يده محبوبه ومكروهه ، وقيل : وقع البلاء في أيديهم أي : وجدوه وجدان ما يقع في الكف ، وقيل : من ندم وضع يده على رأسه ، ويحتمل أن الإنسان إذا حزّبه أمر عظيم مسح كفه بكفه وحوقل. وقرئ في الغريب سقط بفتحتين ، كأنه أضمر الندم وأجازها الأخفش ومنع أبو عمرو (أسقط) بالألف ، وجوزه الأخفش ، وقال أبو عبيدة وثعلب : لا يجوز (أسقط) بالألف.

(وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ) أي : وقّروه ، ولفظ التعزير مشترك يطلق على التعظيم والنصرة والإهانة.

(فَانْبَجَسَتْ) أي : انفجرت ، تقول : بجست الماء فانبجس ، وبجس الماء بنفسه ينبجس ، يتعدى ولا يتعدى.

(الْأُمِّيَ) الذي لا يقرأ ولا يكتب ، وقيل : منسوب إلى أمه كما ولدته أمه ، وقيل : منسوب إلى أم القرى مكة ، وقيل : إلى أمته ، فيقال : أمي فحذفت التاء.

(حاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي : مقيمة عند البحر ، والحاضر : المقيم ، والحاضر : خلاف البادي ، والحاضر : الحي العظيم ، يقال : حاضر طيّ.

(شُرَّعاً) أي : رافعات رءوسها كشراع السفينة ؛ لأنهم يقولون للبعير إذا رفع رأسه رفع شراعه.

(بِعَذابٍ بَئِيسٍ) أي : شديد.

(فَلَمَّا عَتَوْا) أي : استمروا على عدم قبول الموعظة ؛ لأن العتو الاستمرار على الفساد ، تقول : عتا يعتو عتوا وعتيا.

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) أي : أعلم ، وتأذن الأمير في الناس أي : أعلمهم ونادى فيهم.

(مَنْ يَسُومُهُمْ) تقول : سمته خسفا إياه ، وأصل السوم : الذهاب والابتغاء في أمر ومنه السائمة ، ومنه السوم في البيع.

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) الخلف والخلف : ما جاء بعد ، يقال : خلف سوء ، وخلف صدق.

قال الأخفش : هما سواء ، منهم من يحرك ومنهم من يسكّن إذا أضاف ،

٥١

والخلف بالضم : الاسم من الإخلاف.

(نَتَقْنَا الْجَبَلَ) النتق : الزعزعة والنقض ، تقول : نتقته أنتقته بالضم نتقا والمعنى : زعزعناه.

(فَانْسَلَخَ مِنْها) أي : خرج منها كما ينسلخ الجلد من جسم الشاة.

(أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) أي : ركن إليها وأقام

(وَلَقَدْ ذَرَأْنا) أي : خلقنا ، ومنه الذرية لأن العرب تركت همزها ، وهي نسل الثّقلين.

(أَيَّانَ مُرْساها) أي : أيّ وقت يقع استقرارها ، ويجوز في أيان كسر الهمزة ، وتختص بالسؤال عن الزمن المستقبل ، وهي عند الكوفيين أصلها : أي أوان ، وليس بفعال من آن. ومرساها : استقرارها ، والإرساء : استقرار الشيء الثقيل.

(لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) أي : لا يظهر خفاياها إلا هو.

(كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) أي : عالم بها ، والحفي : العالم بالشيء الذي علمه باستقصاء.

(خُذِ الْعَفْوَ) أي : ما سهل قصده وتناوله ، وقيل معناه : تعاطي العفو من على الناس.

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ) نزغ الشيطان ينزغ نزغا : أفسد وأغرى.

(إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ) الطيف : ما يتخيله الإنسان بعقله أو ما يراه في منامه ، يقال منه : طاف الخيال يطيف طيفا ومطافا ، وطاف الرجل يطوف طوفا وطوافا إذا أقبل وأدبر ، ويجوز أن يكون من طاف الرجل فيكون طيّفا لكنه خفف مثل ميّت ، وطيف الشيطان : لممه ووسوسته.

قال الشاعر (١) :

أنّى ألمّ بك الخيال يطيف

ومطافه لك ذكره وشعوف

وقيل : المراد هاهنا بطيف الشيطان ما ينالهم من غضب يخيل لهم أنهم جنّوا ، قال (٢) :

__________________

(١) الشاعر هو كعب بن زهير.

(٢) البيت لأبي العيال الهذلي.

٥٢

فإذا بها وأبيك طيف جنون

وقرئ طيف (١) وطائف وهما بمعنى واحد.

(لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) لو لا بمعنى هلا للتحضيض ، ومعناه : جمعتها ؛ لأن الاجتباء : الجمع تقول : جبيت الماء في الحوض إذا جمعته ، وإنما قالوا له : هلا جمعتها تعريضا منهم بأنه يخترع الآيات وليست من الله تعالى ، والاجتباء : الاصطفاء.

(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) الغدوة والغداة : أول النهار ، تقول : غدوت أغدو غدوا ، والآصال : أواخر النهار وهي العشايا ، تقول للعشية : أصيل وأصيلة فجمع الأصيل أصل وآصال ، وجمع الأصيلة : أصائل. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) قرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي" طيف" والطيف : الخيال ـ والمس من الشيطان ـ والطيف : الجنون ثم استعمل في الغضب ومس الشيطان ، وفي معنى الطيف أقوال منها : اللمم كالخيال يلم بالإنسان ـ والثاني : الوسوسة والثالث : الغضب ـ والرابع : الفزع.

٥٣

سورة الأنفال

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الأنفال ـ النفل : الغنيمة بعينها ، لكن اختلفت العبارة عنها ، فإذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له : غنيمة ، وإذا اعتبر بكونه منحة من الله تعالى يقال له : نفل ، ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال : الغنيمة : ما حصل مستغنما بتعب كان أو عن استحقاق وقبل الظفر أو بعده ، والنفل : ما حصل للمسلمين بغير قتال وهو الفيء ، وقيل : هو ما يفضل من المتاع ونحوه بعد ما تقسم الغنائم ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ).

وأصل ذلك النفل والزيادة على الواجب ، ويقال له : النافلة ، ويطلق ذلك على ولد الولد ، وتقول : نفلته كذا ، إذا أعطيته نفلا ، ونفله السلطان : أعطاه سلب قتيله نفلا ، والنّوفل : الكثير العطاء ، والنوفل : البحر ، ونوفل : اسم رجل ، والنوفلة : الممحلة ، والسؤال على وجهين : سؤال استعلام ، وسؤال الطلب ، وهو هاهنا استعلام لأنه عدّي بعن وقيل : عن هاهنا مزيدة والسؤال للطلب ، وقيل : " عن" بمعنى" من" ، وفي الغريب عن ابن مسعود وجماعة : " يسألونك الأنفال" من غير" عن" ، سألوه الغنيمة دون الاستفتاء فيها.

(وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي : راعوا الأحوال التي تجمعكم من القرابة والوصلة لأن ذات تأنيث ذو وهو بمعنى صاحب ، ويأتي ذو بمعنى الذي في لغة طي كقوله :

ذاك خليلي وذو يواصلني

(ذاتِ الشَّوْكَةِ) أي : صاحبة الشوكة ، وقيل الشوكة : شدة الحرب وكلاهما مشتق من الشوك ، واستعار أهل المعاني" الذات" فجعلوها عبارة عن عين الشيء جوهرا كان أو عرضا ، واستعملوها مفردة ومضافة إلى الضمير بالألف واللام وأجروه مجرى النفس والخاصة فقالوا : ذاته ونفسه وخاصته.

(مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (١) قرئ بفتح الدال وكسرها فمن فتح جعله اسم مفعول من أردف إذا جعل بعده مثله ، ومن كسر جعله اسم فاعل من أردف أو من ردف ، والمعنى مع كلّ : ملك ملك ، وقيل : جاءوا على آثارهم لأن الرديف خلف

__________________

(١) قرأ بفتح الدال نافع وأبو جعفر ويعقوب.

٥٤

الراكب وردف وأردف بمعنى (١).

(أَمَنَةً مِنْهُ) الأمنة : الأمن الحادث من النوم.

(زَحْفاً) الدنو قليلا قليلا مأخوذ من زحف الصبي إذا جر أسفله يتمشى والبعير إذا أعيا فجر خفّه.

(فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) فوق الأعناق : أعلاها والمراد الرءوس والبنان جمع بنانة ، والمعنى : اقطعوا أناملهم لئلا تحمل السلاح. واشتقاقها من أبن (٢) بالمكان إذا أقام ، وجمع القلة : بنانات ، استعاروا أكثر العدد لأقله فقالوا : خمس بنان قاني الأظفار ، وقالوا : بنان مخضب ؛ لأن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء فإنه يوحد ويذكر.

(شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) المشاققة : المخالفة وحقيقته أن تكون في شق وغيرك في شق ، وأكثر الباب من هذه المادة.

(مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) أي : منضما إلى الفئة ، والفئة : الجماعة ومن ضم إلى نفسه شيئا فقد حازه حوزا وحيازة واحتازه أيضا ، والمحاوزة : المخالطة ، وتحوزت الحية وتحيزت أي : تلونت.

(مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) أي : مضعف ، وقرئ موهّن بفتح الواو وتشديد الهاء منونة ، وقرئ موهن كيد الكافرين بالإضافة والتخفيف.

يقال : أوهنته ووهنته ووهن في نفسه.

(يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) الفرق والفرقان : القرآن ونظيره الخسر والخسران.

(إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) المكاء : الصفير ، والتصدية : التصفيق ، وقيل : المكاء صوت يشبه صوت المكّا وهو طائر ، يقال : مكا يمكو ، وقيل : هو أن يجعل بعض أصابع اليمين وبعض أصابع الشمال في الفم ثم يصفر فيه ، وأصل التصدية من الصدى

__________________

(١) قال ابن قتيبة : رادفين يقال ردفته وأردفته : إذا جئت بعده ، قال الراغب والمردف : المتقدم الذي أردف غيره ، وقال عباس مردفين : مع كل ملك ملك ، وقال السدي وقتادة : متتابعين وقال مجاهد : ممدين ، والإرداف : إمداد المسلمين بهم.

(٢) البنان : الأصابع ، قيل : سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبن بها ، يريد أن يقيم به ويقال أبن بالمكان يبنّ ، ولذلك خصّ في قوله تعالى : " واضربوا منهم كل بنان" خصه لأجل أنهم بها تقاتل وتدافع.

٥٥

وهو أن تسمع مثل صياحك في الجبل وغيره من الأماكن التي تمنع من النفود ، يقال : صمّ صداه وأصمّ الله صداه.

(فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) (١) أي : يجعله.

(نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) (٢) رجع إلى ورائه ، تقول : نكص ينكص وينكص ، والنكوص : الإحجام عن الشيء.

(فَشَرِّدْ بِهِمْ) (٣) طرّد بهم من خلفهم ، من شرد البعير يشرد شرودا ، وقيل شرد بهم : سمّع بهم ، بلغة قريش ، وعن الأعمش في الغريب بالذال المعجمة ، وليس في اللغة على هذا التركيب شىء.

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) : المكان المتجاوز للقرب ، والعدوة : جانب الوادي وحافته ، والدنيا : تأنيث الأدنى أي : الأقرب ، والقصوى : البعدى.

(وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) الركب : أصحاب الإبل دون الدواب ، وهم العشرة فما فوقها ، والجمع أركب ، والرّكبة بالفتح أقل من الرّكب ، والأركوب بالضم أكثر من الرّكب ، والرّكبان : الجماعة منهم.

(وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الريح : الهواء المتحرك في الأصل ، وقد يعبّر به عن الغلبة كهذه الآية ، وقد يجمع ، كما قيل : ـ

إذا هبّت رياحك فاغتنمها

فعقبى كلّ خافقة سكون

(فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) على سواء : نبذه ينبذه إذا طرحه ، وسواء أي : عدل.

(مِنْ قُوَّةٍ) أريد بالقوة هنا : القوس.

(وَإِنْ جَنَحُوا) أي : مالوا مأخوذ من جنوح الطائر إذا نزل إلى الأرض.

(حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) المعنى : يكثر القتل حتى تقع المهابة بخلاف الأسر والفداء.

__________________

(١) الركام : ما يلقى بعضه على بعض.

(٢) النكوص : الإحجام عن الشيء.

(٣) " فشرد بهم" أي : اجعلهم نكالا لمن يعرض لك من بعدهم ، وشردت فلانا في البلاد وشردت به : أي : فعلت به فعلة تشرد غيره أن يفعله كقولك نكلت به أي : جعلت ما فعلت به نكالا لغيره.

٥٦

سورة التوبة

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ) أي : برئ الله من المشركين من العهود التي كان قررها الرسول والمؤمنين وانقطعت العصمة بينهم ـ لأن مادته الخروج من الشيء والمفارقة له ، ومن ذلك قولك : أبرأته من ما لي عليه وبرأته تبرئة ، وقيل لآخر ليلة من الشهر : ليلة البراء لتبري القمر من الشمس ، ويقال : بارأته إذا فارقته ـ وقرئ من الله بكسر الميم والنون لالتقاء الساكنين.

(يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) الحج مثلث الحاء ـ المصدر ـ وبالكسر : الاسم والحج الأكبر ـ قيل : يوم عرفة ، وقيل : يوم النحر ، والعمرة : الحج الأصغر.

(فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) الإلّ هاهنا : القرابة ، قال :

لعمرك إنّ إلّك من قريش

كإلّ السّقب من رأل النعام (١)

والإل : لفظ مشترك يطلق على العهد ، والحلف والجوار ، وقيل الإل : الله تعالى ، واستبعده الحذاق ، وقالوا : هو إيل بالعبرانية كما في جبرائيل ؛ لأن جبر هو العبد بالعبرانية وإيل هو الله تعالى وفي قراءة عكرمة أيلا.

(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ) أي : نقضوا ، من نكث الغزل وهو نقضه.

(وَلِيجَةً) : قوما من غيرهم يلقون إليهم أسرارهم من ولج يلج ولوجا أي : دخل ، والوليجة ، والبطانة ، والدخيلة نظائر ، والولجة ، بالفتح : موضع أو كهف تستتر به المارة من المطر أو غيره.

(سِقايَةَ الْحاجِ) السقاية ، مصدر سقيت الماء ، وكان المشركون يسقون الحاج العسل والسويق والماء.

(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) (٢) اسم مكان ينصرف ولا ينصرف ، ويذكر ويؤنث نظرا إلى البقعة والمكان ، فمن صرفه كالآية ، ومن تركه كقول الشاعر (٣) :

نصروا نبيهم وشدوا أزره

بحنين يوم تواكل الأبطال

(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) أي : قذر فاجتنبوهم كما يجتنب الأنجاس وعن

__________________

(١) البيت لحسان بن ثابت ، ديوان حسان بن ثابت ، ص ٤٠٧.

(٢) حنين : واد بين مكة والطائف قريب من ذي المجاز.

(٣) البيت لحسان الديوان (٣٩٣) واللسان ، الطبري ، الفراء.

٥٧

الحسن : نجس العين فمن صافحهم وجب عليه غسل يده ، وقيل : نجس أي : منجوسة ، لكونهم لا يغتسلون من الجنابة ولا يتوضئون من الحدث ، وعن قطرب التثليث في ماضي نجس ، ونجس بالفتح المصدر وبالكسر الاسم ، ويقال : رجس نجس للموافقة ، والتنجيس كالعوذة يدفع بها العين ، يقال نجّسته : إذا جعلته نجسا ، ونجسته إذا أزلت نجسته ، ومنه تنجيس العرب وهو شىء يعلقونه على الصبي ليدفعوا بها نجس الشيطان ، والناجس : داء خبيث لا دواء له.

(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أي : فقرا أو شدة ، يقال عال الأمر : اشتد ، والاسم : العائل ، والجمع : العيّل.

(عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) قيل : عن سلطان وقوة ، وقيل عن يد منكم أي : إنعام لكونكم قبلتم الجزية بدل قتلهم ، وقيل : عن يد والمراد : الجارحة أي : تسلّمون ذلك من أيد لهم ، وقيل : عن غنى منهم ، وقيل : عن ذل ، فعلى هذا فإن اليد تستعمل في القوة والقهر والذل فيكون من الأضداد ، وفسر الجوهري اليد بالذل والاستسلام قلت : ففي قوله : " وهم صاغرون" تأكيد ، وإذا فسر بالقوة كان قوله : " وهم صاغرون" تأسيسا ، والتأسيس أولى من التأكيد كما علم.

(يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يشبهون والمضاهاة : المشابهة.

(أَنَّى يُؤْفَكُونَ) : يصرفون عن الحق أو يكذبون ، والإفك : الصرف ، والإفك : الكذب ، ومنه الأفيكة.

(وَلا يُنْفِقُونَها) الإنفاق : الإخراج للدراهم وغيرها في الواجب والتطوع ، والنفقة : ما ينفق ، ونفق الحيوان : إذا مات ، ونفقت السلعة إذا بيعت ، والإنفاق : الافتقار في قوله تعالى : (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) وهو كقوله : (خَشْيَةَ إِمْلاقٍ).

(إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) قيل : هو تأخيرهم حرمة شهر حرمه الله تعالى إلى شهر لم يحرمه الله لحاجة تعرض لهم ، وقيل : كانوا يؤخرون الحج في كل سنة شهرا فيجعلونه في المحرم ثم في صفر ثم هلم جرا شهرا بعد شهر سنة بعد سنة ، ووافق حج أبي بكر حجهم في ذي القعدة وحج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذي الحجة ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض" (١) والمصدر :

__________________

(١) الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية أبي بكرة.

٥٨

النّسأ من أنسأه إذا أخره ، وقيل : فعيل بمعنى مفعول ، والأول أولى ، وفي الغريب : إنما النسوء على فعول (١).

وعن جعفر بن محمد : إنما النّسي بإسكان السين والياء من غير همز أصله عنده النسء (٢) أبدلت الهمزة ياء ، وعن أبي جعفر (٣) النّسيّ بالتشديد من غير همز.

(انْفِرُوا) النفور في الأصل : الانزعاج والتجافي عن الشيء تقول : نفرت عنه ، والمعنى : ابرزوا إلى الجهاد بسرعة ، قيل : لا يقال انفروا إلا إلى الجهاد أو للحاج من منى.

(عَرَضاً قَرِيباً) العرض : ما يحصل من منافع الدنيا ، والقريب : السهل بالتناول.

(وَسَفَراً قاصِداً) سهلا لا طول فيه ، وقيل : هينا غير شاق ، القاصد والقصد : المعتدل.

(بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) : المسافة البعيدة ، وقيل : الشّقة : القطعة من الأرض يشق ركوبها على صاحبها لبعدها ، ويحتمل أن تكون مشتقة من الشق وهو القطع ، أو من المشقة وهو التعب وربما قالوه (٤) بالكسر يريدون الشقة.

(وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) الانبعاث : الخروج ، وثبطهم : شغلهم ، وأثبطه المرض : إذا لم يفارقه.

(وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) الوضيع : سير الدابة بالإسراع تقول : وضعت الدابة تضع وضعا وأوضعتها أنا ، والخلال بمعنى : الوسط ، وقيل : الخلال هاهنا جمع خلل وهو الفساد في الأمر ، والمعنى : لأسرعوا بينكم يلقون النميمة والهزيمة.

(وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) الفتنة في الأصل : الاختبار ، من فتنت الدينار إذا عرضته على النار ، وأجمع المفسرون أنها نزلت في جد بن قيس المنافق لما تأهب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لغزوة تبوك فقال له : يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء ، فقال : يا رسول الله أنا رجل مغرم بالنساء وأخشى أن أفتن

__________________

(١) النسوء قراءة مجاهد ورويت هذه القراءة عن طلحة والسلمي.

(٢) قراءة النسي مروية عن شبل السلمي وطلحة والأشهب.

(٣) قراءة أبي جعفر وورش عن نافع النسيء.

(٤) هي قراءة عيسى بن عمر.

٥٩

إن رأيت بنات بني الأصفر. لا تفتني بهن وائذن لي في القعود عنك بمال. الفتنة الثانية المراد بها : الشرك ، وعاقبة الشرك النار والعذاب.

(لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) : يسرعون ، والرجل الجموح : الذي يركب هواه ولا يمكن رده.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) اللمز : العيب وأصله الإشارة بالعين ونحوها ، وقد لمزه يلمزه ويلمزه ، وقرئ بهما (١) ، ورجل لمّاز ولمزة أي : عيّاب ، ويقال : لمزه إذا دفعه.

(وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) يسمع كلام كل أحد ويعمل به ، يستوي فيه الواحد والجمع ، وفي تسميته قولان : أحدهما : أنه سمي بالعضو لإلقاء الكلام فيه كما قالوا للجاسوس : عينا لكثرة النظر بها ، والثاني : أنه مأخوذ من أذن يأذن إذنا إذا استمع وأصغى بأذنه قال :

بسماع يأذن الشيخ له

وحديث مثل ماذيّ مشار

ويجوز في أذن التخفيف ، فيقال : أذن ، كما يقال : عنق ، وطنب ، وظفر.

(أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي : يجانب الله ورسوله والمعنى : يكون في حد والله ورسوله في حد ، وهو معنى المشاققة أي : يكون في شق والله ورسوله في شق.

(فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) الخلاق : النصيب ، وفي هذه الآية رد على علماء البيان أن اللفظة اذا تكررت لا يعد الكلام فصيحا كقولهم : " وليس قرب قبر حرب قبر".

(بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) أي : مع النساء ، واحدتهن : خالفة ، وفلان خالفة أهله ، وخالف أهل ببيته إذا كان لا خير معه ، ومنه قوله تعالى : (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) [التوبة ٨٣] والخالفة : عمود الخباء.

(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) قرئ بالتشديد والتخفيف (٢) ، فبالتشديد قد يكون محقا وقد لا يكون ، والمحق في معنى المعتذر لأن له عذرا ، لكن التاء قلبت

__________________

(١) قوله وقرئ بهما أقول قرأ الجمهور بلمزك بكسر الميم ، وقرأ يعقوب الحضرمي بضمها.

(٢) هي قراءة يعقوب الحضرمي.

٦٠