الترجمان عن غريب القرآن

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني

الترجمان عن غريب القرآن

المؤلف:

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3996-7
الصفحات: ٢٤٠

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، الملك الحق المبين ، أنزل الكتاب المبين ؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، خاتم النبيين ، كان خلقه القرآن ، فاللهم صل وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :

فإن أهم ما أعملت فيه القرائح كتاب الله عزوجل ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهو عصمة ووقاية لمن اعتصم به وتمسك بهديه ، وهو منبع كل علم ، وأصل كل حكمة.

ولقد ذكر الإمام الزركشي ، بدر الدين محمد بن عبد الله المتوفى (٧٩٤ ه‍) في مقدمة كتابه : " البرهان في علوم القرآن" : " إن علوم القرآن لا تنحصر ومعانيه لا تستقصى" ، وذكر من علوم القرآن وأنواعه : " معرفة غريبه" ، وهو النوع الثامن عشر في كتابه ، ثم قال بعد ما ذكر هذه الأنواع : " واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ، ثم لم يحكم أمره ، لكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله ، والرمز إلى بعض فصوله ، فإن الصناعة طويلة والعمر قصير ، وما ذا عسى أن يبلغ لسان التقصير.

قالوا خذ العين من كلّ فقلت لهم

في العين فضل ولكن ناظر العين

ومن هنا تأتي أهمية نشر مثل هذا الكتاب القيم من كتب غريب القرآن ، التي تركها لنا علماء السلف ـ رحمهم‌الله أجمعين ـ ، فإن خير ما بذلت فيه الجهود ، وكلّت من أجله القرائح والعقول كتاب الله العزيز.

وهذا الكتاب من الكتب الجامعة المختصرة في بابه ، فلا هو بالطويل الممل ، ولا بالقصير المخل ، سهل العبارة ، مشرق الديباجة ، حسن الترتيب.

وقد رتب المؤلف كتابه هذا حسب ترتيب سور المصحف الشريف ، ليتتبع ألفاظ السور التي هي بحاجة إلى الشرح والتفسير.

واعتمد المؤلف في شرح الغريب على تفسير من سبقوه من أئمة التفسير والبيان واللغة ، كابن عباس ، والحسن البصري ، والأخفش ، وابن الأنباري ، وغيرهم ، فجاء

٣

كتابه حاويا لآراء السلف الصالح في غريب القرآن.

غريب القرآن وأهميته

لم يخل عصر من العصور ممن جمع في هذا الفن شيئا ، وانفرد فيه بتأليف ، واستبد فيه بتصنيف ، واستمر الحال إلى عهد صاحبنا ، بل حتى عصرنا الذي نعيشه الآن ؛ وذلك لأهمية الموضوع.

تعريف الغريب لغة :

قال الخطابي : " الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد عن الفهم ، كالغريب من الناس ، إنما هو البعيد عن الوطن المنقطع عن الأهل ، ومنه قولك للرجل إذا نحيته أو أقصيته : اغرب عني : أي : ابعد ، فيقال : غرب الرجل يغرب غربا إذا تنحى وذهب ، وغرب غربة إذا انقطع عن أهله وغربت الكلمة غرابة ، وغربت الشمس غروبا ، ثم إن الغريب يقال به على وجهين :

أحدهما : أن يراد به بعيد المعنى غامضه ، لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر.

والوجه الآخر : أن يراد به كلام من بعدت به الدار ، ونأى به المحل من شواذ قبائل العرب ، فإدا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها ، وإنما هي من كلام القوم وبيانهم ، ومن هذا ما جاء عن بعضهم عند ما قال له قائل : أسألك عن حرف من الغريب فقال : هو كلام القوم ، إنما الغريب أنت وأمثالك من الدخلاء فيه".

وقال أبو القاسم الزجاجي في معرض حديثه عن باب الفرق بين النحو واللغة والإعراب والغريب : " وأما الغريب فهو ما قل استماعه من اللغة ، ولم يدر في أفواه العامة كما دار في أفواه الخاصة ، كقولهم : صكمت الرجل ، أي : لكمته ، وقولهم للشمس : يوح ، وقولهم : رجل ظروري : للكيّس ، وهذا كثير جدا ، وهذا وما أشبهه ، وإن كان غريبا عند قوم فهو معروف عند العلماء ، وليس كل العرب يعرفون اللغة كلها ، غريبها وواضحها ، ومستعملها وشاذها ، بل هم في ذلك طبقات يتفاضلون فيها".

وإذا تأملنا ما قاله في هذا الصدد الإمام الزركشي نجده أصاب كبد الحقيقة والمسألة ، وقد تكلم بكلام قيم عظيم في كتابه البرهان ، فقد قسم علوم القرآن إلى سبعة وأربعين نوعا ، وجعل النوع الثامن عشر : لمعرفة الغريب ، وقال : " هو معرفة

٤

المدلول وذكر طائفة من الذين ألفوا وصنفوا فيه (أي الغريب) ، وذكر من أحسنها كتاب : " المفردات" للراغب الأصفهاني ، وهو يتصيد المعاني من السياق ؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة ، ويحتاج الكاشف عن ذلك إلى معرفة علم اللغة ، اسما وفعلا وحرفا ؛ فالحروف لقلتها تكلم النحاة على معانيها ، فيؤخذ ذلك من كتبهم ، وأما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة (١).

وقد ذكر صاحب اللسان في تعريفه للغريب ، كلاما موجزا وهو قريب الشبه جدا من كلام الخطابي حيث قال : " والغريب : الغامض من الكلام ، وكلمة غريبة وقد غربت وهو من ذلك" (٢).

وبعد هذه العجالة السريعة أعتقد أن تعريف الزركشي للغريب هو أشملها وأدقها ، وأني أميل إليه.

غريب القرآن وأهميته :

لا ريب أن معرفة الغريب في القرآن الكريم هي اللبنة الأولى في فهم كلام الله تعالى ، وهي من أول ما يستعين به المفسر في التفسير والتأويل ، ولقد نبه العلماء إلى وجوب معرفة وتعلم هذا الفن ووجوهه المختلفة.

يقول الزركشي : " ومعرفة هذا الفن للمفسر ضرورية ، وإلا فلا يحل له الإقدام على كتاب الله تعالى. قال يحيى بن نضلة المديني : سمعت مالك بن أنس يقول : لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا. وقال مجاهد : لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب.

وينبغي العناية بتدبر الألفاظ كي لا يقع الخطأ كما وقع لجماعة من الكبار ، وهذا الباب عظيم الخطر ، ومن هنا تهيب كثير من السلف تفسير القرآن ، وتركوا القول فيه حذار أن يزلوا فيذهبوا عن المراد ، وإن كانوا علماء باللسان فقهاء في الدين.

واعلم أنه ليس لغير العالم بحقائق اللغة وموضوعاتها تفسير شيء من كلام الله ،

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ، للزركشي : ١ / ٢٩٢ ، ٢٩١ بتصرف.

(٢) لسان العرب ، لابن منظور : ٥ / ٣٢٦ ، طبعة دار المعارف.

٥

ولا يكفي في حقه تعلم اليسير منها ، فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين والمراد المعنى الآخر (١) ".

ثم أورد الزركشي أمثلة كثيرة ـ وهو يعرض لهذه المسألة ـ وقع فيها الكبار ، وأمثلة أخرى عن تهيب عدد من السلف لتفسير القرآن.

وقال صاحب المفردات : " إن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية ، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة ، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون في بناء ما يريد أن يدرك معانيه ، كتحصيل اللّبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه ، وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط ، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع ، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته ، وواسطته ، وكرائمه ، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم ، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم ، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة ، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة" (٢).

تراث غريب القرآن :

إن الناظر للكتب التي ألفت في هذا النوع يجدها ركزت على توضيح الكلمة الغريبة أو المشكلة من القرآن ، وشرحها وتفسيرها كي يقرب معناها ومدلولها ، مع الاهتمام بالقراءات ، وفي بعضها اهتمام غير قليل بالنحو والصرف والدلالة ، وعناية بالشواهد من الشعر والحديث ، وآراء أئمة اللغة ، وأقوال العرب واللغات ، وغير ذلك.

وإذا تأملنا مسميات هذه الكتب نجدها لا تعدو هذه المسميات : غريب القرآن (٣) ، أو تفسير غريب القرآن (١) ، أو تأويل مشكل القرآن ، ومعاني القرآن (٢) ،

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن : ١ / ٢٩٤ وما بعدها.

(٢) المفردات في غريب القرآن ـ للراغب الأصفهاني : ص ٦ ، ت : محمد سيد كيلاني ، ط. الحلبي الأخيرة ١٣٨١ ه‍ ـ ١٩٦١ م.

(٣) من أقدم المؤلفات في ذلك : ، غريب القرآن لابن عباس ، برواية علي بن طلحة. قال السيوطي عن هذه الرواية في الإتقان (ط. دار الفكر ـ ١٩٧٩ م. بيروت) ١ / ١١٤ : " ... من أصح الطرق عن ابن عباس ، وعليها اعتمد البخاري في صحيحه مرتبا على السور".

٦

ومجاز القرآن (٣) ، المفردات في غريب القرآن (٤) ، وبعض هذه الكتب جمع غريبي القرآن والحديث ، فوسم باسم : الغريبين (٥).

ومنهج هذه الكتب من جهة الترتيب هو على ترتيب سور القرآن في المصحف وقليل منها رتب ترتيبا هجائيا.

__________________

وقد وضع الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي : " معجم غريب القرآن مستخرجا من صحيح البخاري ، وفيه ما ورد عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة ، وكذلك ألحق هذا المعجم بمسائل نافع بن الأزرق ، لابن عباس ، ط (٢) دار المعرفة ، بيروت.

ـ غريب القرآن ، لليزيدي ، ت : محمد سليم الحاج ، ط. عالم الكتب ١٤٠٥ ه‍ ـ ١٩٨٥ م. بيروت.

(١) من الكتب التي وسمت بهذا الاسم : ـ تفسير مجاهد.

تفسير غريب القرآن ، للإمام زيد بن علي بن الحسين ، وقد حقق رسالة دكتوراه في كلية الآداب جامعة عين شمس سنة ١٩٨٦ م.

تفسير غريب القرآن ، للإمام مالك بن أنس. (ورد في معجم المصنفات في القرآن الكريم ، لعلي شواخ ٣ / ٢٩٥ ـ ط ـ مكتبة الرفاعي ـ ١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨٤ م. الرياض). وقد طبع مؤخرا بعنوان : مرويات الإمام مالك بن أنس في التفسير ، جمع : محمد بن رزق الطرهوني ، ود : حكمت بشير ، ط (١) دار المؤيد ١٤١٥ ه‍ ـ ١٩٩٥ م الرياض.

تفسير غريب القرآن ، لابن قتيبة.

(٢) من هذه الكتب : معاني القرآن ، للفراء ، ت : محمد علي النجار وأحمد يوسف نجاتي. ط. عالم الكتب بيروت (مصورة) ١٩٨٠ م بيروت.

معاني القرآن ، للأخفش الأوسط ، سعيد بن مسعدة ، ت د : فائز فارس ، ط. دار البشير والأمل ١٤٠٠ ه‍ ـ ١٩٧٩ م وما بعدها. الكويت.

معاني القرآن ، للنحاس ، ت : محمد علي الصابوني ، ط. (١) مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى ١٤٠٨ ه‍ ـ ١٩٨٨ م مكة المكرمة.

(٣) وهو لأبي عبيدة ، معمر بن المثنى ، ت د : فؤاد سزكين ، ط. مؤسسة الرسالة ١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨٤ وطبع غير طبعة ولم أقف على كتاب وسم بهذا الاسم غيره ، فيما بين يدي من مصادر.

(٤) منها كتاب : الأصفهاني ، وسبق بيانه في المبحث الأول من هذا الفصل ، ونأتي بضرب أمثلة منه في هذا الفصل بعد قليل ، وذكرت المصادر كتابا آخر وسم بهذا الاسم هو : مفردات القرآن ، للسمين الحلبي. (كشف الظنون ٢ / ١٢٠٨ وهدية العارفين ١ / ٨٩) ولم أقف عليه مطبوعا.

(٥) منها : كتاب الغريبين ، للهروي ، وهو أحد مصادر المؤلف ، ويأتي الكلام عليه في الفصل الثالث ، المبحث الثاني ، ومنها كتاب : ، المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث ، لمحمد بن أبي بكر عيسى المديني ، ت : عبد الكريم العزباوي ، ط. (١) مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى ١٤٠٦ ه‍ ـ ١٩٨٦ م مكة المكرمة.

٧

أما المنهج من حيث المادة العلمية فسوف أعرض له من خلال ذكر بعض الكتب وأمثلة منها ، وها هي ذي :

تفسير مجاهد بن جبر المكي (١٠٤ ه‍) : إن معظم تفسير مجاهد يشتمل على شرح الغريب ، وتعبيرات خاصة ، وحل الكلمات الصعبة ، وتوضيح الألفاظ الغامضة ، وتبيين العبارات العويصة أو غير المألوفة ، وفي كثير من آثاره التفسيرية يتجلى لنا مجاهد كأنه لغوي خبير ، متمكن من كلام العرب ولغتهم عارف بأساليب بيانهم ، وتصريف لسانهم واصطلاحاتهم (١) ، وهذه بعض أمثلة من كتابه : قال في قوله تعالى : (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٢٩] أعتقه الله عزوجل من الجبابرة أن يدعيه أحد منهم (٢).

(الْمُسَوَّمَةِ) : [آل عمران : ١٤] المصورة حسنا (٣).

(الْمُهَيْمِنُ) : [الحشر : ٢٣] الشاهد على ما قبله من الكتب (٤).

(وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) : [الكهف : ٢٩] أي : مجتمعا (٥).

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) : [يوسف : ٨٣ ، ١٨] صبر ليس فيه جزع (٦).

وقريب الشبه بهذا التفسير تفسير ابن عباس رضي الله عنه ، وتفسير غريب القرآن للإمام مالك بن أنس.

مجاز القرآن ، لأبي عبيدة معمر بن المثني (٢١٠ ه‍) : ناقش محقق هذا الكتاب ما ذكرته التراجم أن لأبي عبيدة كتاب : غريب القرآن ، ومعاني القرآن ، وإعراب القرآن ، وقد بين أن ذلك أسماء متعددة والمسمى واحد ، هو هذا الكتاب : " مجاز القرآن" ودلل على أن ليس هناك لأبي عبيدة غير كتابه هذا السالف ذكره ، وأن هذه الأسماء أخذت من الموضوعات التي تناولها المجاز ، فهو يتكلم في معاني القرآن ، وتفسير غريبه ، وفي أثناء هذا يعرض لإعرابه ، ويشرح أوجه تعبيره ، وذلك ما عبر

__________________

(١) تفسير مجاهد : ٢٧ ، ت : عبد الرحمن طاهر ، ط. (١) الكويت ١٣٩٦ ه‍ ـ ١٩٧٦ م).

(٢) تفسير مجاهد : ٢٨.

(٣) تفسير مجاهد : ١٢٣.

(٤) تفسير مجاهد : ١٢٣.

(٥) تفسير مجاهد : ٣٠.

(٦) تفسير مجاهد : ٣٠.

٨

عنه : بمجاز القرآن.

ومهما كان الأمر فإن أبا عبيدة يستعمل في تفسيره للآيات هذه الكلمات : مجاز كذا ، وتفسيره كذا ، ومعناه كذا ، وغريبه كذا ، وتقديره ، وتأويله ، على أن معانيها واحدة أو تكاد ، ومعنى هذا : أن كلمة المجاز عنده عبارة عن الطرق التي يسلكها القرآن في تعبيراته (١).

وهذه أمثلة من الكتاب :

(عَذابٌ مُقِيمٌ) : [المائدة : ٣٧] أي : دائم ، قال :

فإن لكم بيوم الشعب مني عذابا دائما لكم مقيما (٢)

(وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) : [الأنعام : ١١١] ومجاز حشرنا : سقنا وجمعنا ؛ " قبلا" : جميع ، قبيل قبيل ؛ أي : صنف صنف ، ومن قرأها" قبلا" فإنه يجعل مجازها عيانا ، كقولهم : " من ذي قبل". وقال آخرون : " قبلا" : أي مقابلة ، كقولهم : أقبل قبله ، وسقاها قبلا ، لم يكن أعد لها الماء ، فاستأنفت سقيها ، وبعضهم يقول : من ذي قبل (٣).

ـ (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) [الحجر : ٧٥] أي : المتبصرين المتثبتين (٤).

وننتقل بعد ذلك إلى كتب : " معاني القرآن" : يعني بهذا التركيب وهذا الاسم : ما يشكل في القرآن ويحتاج إلى بعض العناء في فهمه ، وكان هذا بإزاء معاني الآثار ، ومعاني الشعر ، أو أبيات المعاني ، وهذه الكتب ـ بجانب اهتمامها بالغريب وغيره ـ نجدها حفلت احتفالا كبيرا بقضايا النحو والصرف ، والأفعال وأبنيتها ، والأصوات والشواهد من القراءات ، والشعر ، وأقوال العرب ، واللغات ، وآراء العلماء في ذلك (٥).

ولننظر إلى منهج بعض أصحاب هذه الكتب ، وقد حدده في مقدمة كتابه بقوله : " فقصدت في هذا الكتاب تفسير المعاني ، والغريب ، وأحكام القرآن ،

__________________

(١) مجاز القرآن : ١ / ١٨ ـ ١٩ بتصرف واختصار.

(٢) مجاز القرآن : ١ / ١٦٥.

(٣) مجاز القرآن : ١ / ٢٠٤.

(٤) مجاز القرآن : ١ / ٣٥٤.

(٥) معاني القرآن ، للفراء : ١ / ١١ ـ ١٣ ومعاني القرآن ، للأخفش : ١ / ٧٠ وما بعدها.

٩

والناسخ والمنسوخ عن المتقدمين من الأئمة ، وأذكر من قول الجلة من العلماء باللغة ، وأهل النظر ما حضرني ، وأبين من تصريف الكلمة واشتقاقها ـ إن علمت ذلك ـ وآتي من القراءات بما يحتاج إلى تفسير معناه وما احتاج إليه من الإعراب ، وبما احتج العلماء في مسائل سأل عنها المجادلون ، وأبين ما فيه حذف ، أو اختصار ، أو إطالة لإفهامه ، وما كان فيه تقديم أو تأخير ، وأشرح ذلك حتى يتبينه المتعلم ، وينتفع به كما ينتفع العالم بتوفيق الله وتسديده" (١).

ويلاحظ أن أحجام هذه الكتب أكبر من كتب الغريب بسبب المنهج الذي سلكته ، وكثرة القضايا التي تناولتها في البحث ، ولا سيما كتاب : معاني القرآن للنحاس ، وهو قد جاء متأخرا بعد كتاب الفراء ، والأخفش ، ففيه توسع عظيم إذا قورن بهما وإذا نظرنا إلى المادة العلمية في كتابه والمنهج الذي ذكره هنا نجده طبقه وزيادة (٢).

ونختار من بين كتب المعاني : معاني القرآن ، للأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة (٢١٥ ه‍) فهذه أمثلة من بعض ما تناوله :

ـ وقال تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) [آل عمران : ١٦١] وقال بعضهم" يغل" وكل صواب ـ والله أعلم ـ لأن المعنى أن يخون أو يخان (٣).

وقال تعالى : (فَزادَهُمْ إِيماناً) : [آل عمران : ١٧٣] فزاد قولهم إيمانا (٤).

وقال تعالى : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) [المائدة : ١٠٦] ثم قال : (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) أي : شهادة بينكم شهادة اثنين ، فلما ألقي الشهادة قام الاثنان مقامها ، وارتفعا بارتفاعها ، كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] يريد أهل القرية ، وانتصب القرية بانتصاب الأهل ، وقامت مقامه ، ثم عطف قوله : (أَوْ آخَرانِ) [المائدة : ١٠٦] على الاثنين (٥).

__________________

(١) معاني القرآن ، للنحاس : ١ / ٤٣ ، ٤٢.

(٢) يقع هذا الكتاب في ٦ مجلدات ، ومعاني القرآن ، للفراء في ٣ مجلدات ، ومعاني القرآن ، للأخفش في مجلدين.

(٣) معاني القرآن ، للأخفش : ١ / ٢٢٠.

(٤) معاني القرآن ، للأخفش : ١ / ٢٢١.

(٥) معاني القرآن ، للأخفش : ١ / ٢٦٦.

١٠

ومن كتب المعاني كذلك : معاني القرآن وإعرابه ، للزجاج (٣١١ ه‍) (١) :

وهذا الكتاب من أهم آثار الزجاج ، وقد حدد منهجه في مقدمته لهذا الكتاب حيث يقول : " وإنما نذكر من الإعراب المعنى والتفسير ؛ لأن كتاب الله ينبغي أن يتبين ، ألا ترى أن الله يقول : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ). فحضضنا على التدبر والنظر ، ولكن لا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا على مذهب اللغة ، أو ما يوافق نقله أهل العلم" (٢).

وطريقة الزجاج في كتابه : أن يبدأ عقب ذكر الآية باختيار ألفاظ منها ليحللها على طريقته في الاشتقاق اللغوي ، فيذكر أصل الكلمة والمعنى اللغوي الذي تدل عليه ، ثم يورد الكلمات التي تشاركها في حروفها أو بعضها ؛ ليردها جميعا إلى أصل واحد ، ويستشهد على رأيه بما يؤيده من كلام العرب شعرا أو غير شعر ، وقد يستطرد فيشرح الأمثلة التي يستشهد بها ، ثم يعود لإعراب الآية إن كان فيها ما يحتاج إلى إعراب ، وفي هذا المقام يناقش النحويين الآخرين ، فيرد رأيهم أو يؤيده ، ويورد قراءات القراء ، ويبين المعنى على هذه القراءات ، فيقبله أو يرده ، وفي هذا الكتاب تتجلى قيمة الأساس اللغوي والنحوي في فهم القرآن ، فالتفسير الذي لا يعتمد على فهم اللغة لا قيمة له ، وهذا الأساس في الواقع قيم جدا ، وقد يوجه إلى معان فرعية لم تلتفت إليها أذهان المفسرين ومن مميزات هذا الكتاب أنه راجع المفسرين السابقين من النحويين واللغويين وأشار إلى قراءاتهم ، وما يتجه عليها من المعاني (٣).

ونصل الآن إلى الكتب التي وسمت باسم : " الغريب".

المتأمل لهذه الكتب يجدها اهتمت بالألفاظ الغريبة ، وبعض التراكيب ، مع العناية بالقراءات ؛ لأنها أساسية في فهم المعنى ، وعرض الشواهد في ذلك من الشعر والحديث وأقوال أهل اللغة.

فمناهجها من جهة البحث وسط ؛ ولهذا صارت أحجامها ما بين صغير في الحجم ومتوسط ، وأكبرها يعادل حجم مجلد من القطع المتوسط. فمن هذه الكتب :

__________________

(١) ت. د : عبد الجليل شلبي ، ط (١) عالم الكتب ـ بيروت ١٤٠٨ ه‍ ـ ١٩٨٨ م. ويقع هذا الكتاب في ٥ مجلدات.

(٢) معاني القرآن ، للزجاج : ج ١ / ١٨٥.

(٣) معاني القرآن ، للزجاج : ج ١ / ٢١ وما بعدها. (بتصرف واختصار).

١١

المفردات في غريب القرآن ، للراغب الأصفهاني (٥٠٢ ه‍) :

وهذا الكتاب من أجل كتب الغريب وأجزلها فائدة ، فهو تفسير جامع لما ورد في القرآن الكريم من الكلمات الصعبة ، وقد رتبه بحسب الحروف الهجائية كما هو الشأن في المعاجم اللغوية ، وبذلك كان من السهل على الباحث أن يحصل على مراده دون تعب وفي مدة وجيزة ، وقد أدى المؤلف إلى الباحثين خدمة كبرى بهذا الكتاب الذي أصبح من المراجع المهمة التي لا يستغني عنها المشتغلون بدراسة القرآن وتفسيره ، ويتبين من هذا الكتاب أن مؤلفه كان متمكنا من اللغة تمكنا تاما ، ومحيطا بدقائقها ، وملما بالنحو والصرف إلماما جيدا ، وهو فوق ذلك وصف بأنه أحد أئمة أهل السنة والجماعة ، ويرد على المعتزلة والجبرية والقدرية (١) ، ويفند أقوالهم بالأدلة العقلية والنقلية (٢) ، فرحمه‌الله رحمة واسعة.

ومن أمثلة ما ورد في هذا الكتاب :

حدب : يجوز أن يكون الأصل في الحدب : حدب الظهر ، يقال : حدب الرجل حدبا فهو أحدب ، واحدودب ، وناقة حدباء تشبيها به ، ثم شبه به ما ارتفع من الأرض فسمي حدبا ، قال تعالى : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٣) [الأنبياء : ٩٦]

حذر : أو الحذر : احتراز عن مخيف يقال : حذر حذرا حذرته ، قال عزوجل :

(يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) [الزمر : ٩] وقرئ : وإنا لجميع حذرون ـ وحاذرون [الشعراء : ٥٦] وقال تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨] وقال عزوجل :

(خُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء : ٧١] أي : ما فيه الحذر من السلاح وغيره ، وقوله تعالى : (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون : ٤] وقال تعالى : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن : ١٤] وحذار أي : احذر ، نحو مناع : أي امنع (٤).

عدل : العدالة والمعادلة لفظ يقتضي معنى المساواة ، ويستعمل باعتبار

__________________

(١) انظر المفردات : مادة (جبر) ، ص ٨٥ وما بعدها.

(٢) المفردات : ص ٤ ، ٣.

(٣) المفردات : ص ١١٠.

(٤) المفردات : ص ١١١.

١٢

المضايفة ، والعدل والعدل يتقاربان ، لكن العدل يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام ، وعلى ذلك قوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥].

والعدل والعديل فيما يدرك بالحاسة كالموزونات والمكيلات ، فالعدل هو التقسيط على سواء ، وعلى هذا روي : " بالعدل قامت السماوات والأرض" تنبيها أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر أو ناقصا عنه على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما.

والعدل ضربان : مطلق يقتضي العقل حسنه ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخا ، ولا يوصف بالاعتداء بوجه نحو الإحسان إلى من أحسن إليك ، وكف الأذية عمن كف أذاه عنك ، وعدل يعرف كونه عدلا بالشرع ، ويمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة ، وهذا النحو هو المعني بقوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠] فإن العدل هو المساواة في المكافأة إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه ، والشر بأقل منه ، ورجل عدل عادل ، ورجال عدل يقال في الواحد والجمع ، قال الشاعر :

فهم رضا وهم عدل

وأصله مصدر كقوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق : ٢] أي : عدالة (١).

ويعتبر هذا الكتاب من الكتب الكبيرة نسبيا وهناك بعض الكتب في الغريب فيها اختصار شديد ، بحيث أنها لم تأت إلا بكلمة واحدة عن المعنى الغريب ، وقد تصل إلى كلمتين ، وهذا يكون نادرا ، وخلت من إيراد الشواهد من القراءات والشعر والحديث ، وآراء أهل اللغة ، وينطبق هذا على كتاب : " العمدة في غريب القرآن" لمكي بن أبي طالب (٤٣٧ ه‍) ، ومن أمثلة ما ورد في هذا الكتاب ما يلي :

(قَسَتْ) [البقرة : ٧٤] : صلبت (٢).

(الأمنية) [البقرة : ٧٨] : التلاوة (٣)

__________________

(١) المفردات : ٣٢٥ ولو لا الإطالة لأوردت كل ما جاء في هذه الكلمة العظيمة.

(٢) العمدة في غريب القرآن ، لمكي بن أبي طالب : ٧٩ (ت ـ د : يوسف المرعشلي ، ط. (١) مؤسسة الرسالة ١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨١ م بيروت).

(٣) العمدة : ٧٩.

١٣

(تَظاهَرُونَ) [البقرة : ٨٥] : تعاونون.

(غُلْفٌ) [البقرة : ٨٨] : في أغطية (١).

(سابِغاتٍ) [سبأ : ٥] : الدروع الواسعات.

(السَّرْدِ) [سبأ : ١١] : الثقب (٢).

ومن اللافت أن حركة التأليف في هذا الميدان ما زالت مستمرة ، وستظل إلى ما شاء الله ؛ وذلك لارتباطها بالقرآن الكريم ، كتاب الله الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وصدق الحق سبحانه وتعالى إذ يقول : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف : ١٠٩] وقال عزوجل : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [لقمان : ٢٧]. وكان سهل بن عبد الرحمن يقول : " لو أعطي العبد بكل حرف من القرآن ألف لم يبلغ نهاية ما أودعه الله في آية من كتابه ؛ لأنه كلام الله ، وكلامه صفته ، وكما أنه ليس له نهاية فكذلك لا نهاية لفهم كلامه ، وإنما يفهم كل بمقدار ما يفتح الله عليه ، وكلام الله غير مخلوق ، ولا تبلغ إلى نهاية فهمه فهوم محدثة مخلوقة" (٣).

وإذا نظرنا إلى عصرنا هذا نجد طائفة من الكتب غير قليلة ألفت في هذا الموضوع ، لكنها ركزت على الكلمة الغريبة ليس غير ، ولم تكن تحتفل بشيء مما حوته الكتب القديمة ، مما أشرنا إليه سابقا (٤).

__________________

(١) العمدة : ٧٩.

(٢) العمدة : ٢٤٥.

(٣) البرهان في علوم القرآن : ١ / ٩.

(٤) من هذه المؤلفات : ، معجم غريب القرآن مستخرجا من صحيح البخاري ، وضعه : محمد فؤاد عبد الباقي ، وكلمات القرآن تفسير وبيان ، للشيخ حسنين مخلوف.

١٤

ترجمة المؤلف

هو الإمام العلامة تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله القرشي اليماني من علماء القرن الثامن الهجري. المولود عام ٦٨٠ ه‍. والمتوفى عام (٧٤٣) ه.

جاء في شذرات الذهب لابن العماد : (وفيها تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله الإمام الأديب البارع اليماني الأصل المكي الشافعي ، ولد في رجب سنة ثمانين وستمائة بمكة وقدم دمشق ومصر وحلب ، ودرس بالمشهد النفيسي ، وأقام باليمن مدة ، وولي الوزارة ، ثم عزل وصودر ، ثم استقر بالقدس ، ودرس به واشتغل.

وله تآليف منها : " مطرب السمع في شرح حديث أم زرع" ومنها : " لقطة العجلان المختصر في وفيات الأعيان وسمع منه البرزالي والذهبي ، وذكراه في معجميهما" وابن رافع وخلائق ، وكتب عنه الشيخ أبو حيان ، وأثنى عليه كثيرا. وعمل" تاريخا" للنحاة ، واختصر الصحاح) (١).

وأورد الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة : (... وعمل تاريخا لليمن وتاريخا للنحاة وكتب عنه أبو حيان سنة ٧٠٨ ه‍ وقرظه وأثنى عليه ومدحه وله مطرب السمع في حديث أم زرع وغير ذلك.

وذكره البرزالي فقال : كان من أعيان الأدباء نظما ونثرا وله قصائد بليغة وفوائد وفنون وذكره ابن فضل الله فقال : تاج الدين أبو المحاسن مكمل فضائل ومجمل أواخر وأوائل واستمر في وصفه إلى أن قال : حتى وضعت له بالقدس وظائف دام عليها حتى مات وبخط البرهان ابن جماعة في الهامش بل عاد إلى مصر تاركا الوظائف القدسية وأقام بها قليلا ومات.

وذكر البرزالي في معجمه فقال : من أعيان الفضلاء له النظم ، والنثر ، والخطب البليغة وله اشتغال كثير في العلوم من الفقه والأصول وفنون الأدب) (٢).

وأورد العلامة مصطفى بن عبد الله الرومي الحلبي في كشف الظنون ما نصه :

__________________

(١) ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب ، دار الآفاق ، بيروت.

(٢) ابن حجر : الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، ج ١ ، ص ١٩٢.

١٥

(عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله اليماني ثم المكي تاج الدين أبو المحاسن السماوي الأديب اللغوي ولد سنة ٦٨٠ وتوفي سنة ٧٤٣ ، له الاكتفاء في شرح ألفاظ الشفا للقاضي عياض ذيل وفيات الأعيان لابن خلكان بثلاثين ترجمة" زهر الجنان في المناظرة بين القنديل والشمعدان"." طبقات النحاة"." مطرب السمع في شرح حديث أم زرع" (١).

__________________

(١) حاجي خليفة : كشف الظنون ، ج ٣١ ، ص ٩٥٩ ، ١٠٥٤ ، ١٠٥٥ ، ١١٠٧ ، ١٧١٨.

١٦

١٧

١٨

سورة البقرة

(لا رَيْبَ فِيهِ) الرّيب : الشّك والتّهمة ، والرّيبة الاسم.

(أَأَنْذَرْتَهُمْ) الإنذار : الإعلام والإبلاغ ولا يكون إلّا في التّخويف ، والاسم : النذر والنذير والإنذار.

(غِشاوَةٌ) : غطاء ، ويقال : غشوة وهي مثلثة الغين.

(يُخادِعُونَ اللهَ) يقال : خدعه يخدعه خدعا وخدعا : أراد به المكروه من حيث لا يعلم والاسم : الخديعة.

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أراد به الكفر.

(كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) السفه ضد الحلم وأصله الخفّة والحركة ، يقال : تسفهت الريح الشجر إذا أمالته يمنة ويسرة.

(مُسْتَهْزِؤُنَ) الهزؤ والهزوء السخرية ، يقال : هزيت منه وهزيت به.

(يَعْمَهُونَ) العمه : التحير والتردد.

(أَوْ كَصَيِّبٍ) الصيب : السحاب ذو الصوت ، وصاب : نزل.

(يَكادُ الْبَرْقُ) يقارب.

(أَنْداداً) أمثالا له ونظراء يقال فيه : ند ونديد.

(فَأْتُوا بِسُورَةٍ) السورة في الأصل : القطعة من السور وهو البناء وجعلت من القرآن لأنها قطعة بعد قطعة.

(وَكُلا مِنْها رَغَداً) الرغد : سعة العيش وأطيبه.

(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَ) أي : لا تخلطوا ، واللبس : بالفتح الخلط ، وبالضم : ما يلبس من الثياب وغيرها.

(فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) العالم : لغة تطلق على جملة من المخلوق ، وفي الاصطلاح : كل موجود سوى الله تعالى.

(لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أي : لا تقضي ، والجزاء : القضاء تقول : جزيته بكذا إذا فعلت معه مثل ما فعل معك.

(وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) العدل هاهنا : الفداء أي : لا يقبل منها فدية ، ومنه قوله تعالى : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) أي : تفد كل فداء.

١٩

(مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) آل الرجل : قومه الأدنون ، وآله : من كان على دينه.

(بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ) : اختبار.

(بارِئِكُمْ) : مصوركم ، من البرا : وهو التراب.

(الْمَنَ) : طل ينعقد على الأشجار وطعمه حلو.

(وَالسَّلْوى) : طائر صغير لذيذ الطعم ، قال الأخفش : لم يسمع له واحد ، والسلوى أيضا : العسل.

(وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي : حط عنا أوزارنا ، وقيل : كلمة أمر بنوا إسرائيل بها لو قالوها لحطت عنهم أوزارهم.

(رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) الرجز : العذاب ، والرجز مثل الرجس وهو القذر ، وبالضم : الصنم.

(وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ) أي : لا تفسدوا ، والمصدر عثوا وعثيا ، قيل : هو من تكرار التأكيد ، وقيل : عثا خلط أي : لا تخلطوا مفسدين.

(وَفُومِها) لغة في ثومها وقيل : الحنطة ، وقيل : الحمص.

(وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) أي : رجعوا.

(وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) هذا ليس مفهوم (١).

(وَالصَّابِئِينَ) : عباد النجوم ؛ لأن العرب تقول : صبا النجم إذا طلع وكأنهم يعبدونها عند طلوعها فنسبوا إلى ذلك.

(لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) الفارض : المسن من البقر ، والبكر : الصغير ، والعوان : النّصف في سنها من كل شىء ، والجمع عون ، وفي المثل : " العوان لا يعلم الخمرة" ، وحرب عوان : إذا قوتل فيها مرة ، والبقرة تطلق على الذكر والأنثى كالحية ، وقيل في صفراء : كانت سوداء.

(فاقِعٌ لَوْنُها) : اتباع يقتضي شدة الصفرة ، كما تقول : أسود حالك ، وأبيض يقق (٢) ، وأخضر ناصع (٣).

__________________

(١) أي : لا مفهوم مخالفة له ، فلا يصح لأحد أن يقول : أما من قتل نبيا بحق فلا مانع من ذلك ؛ لاستحالة إتيان النبي فعلا يستحق عليه القتل.

(٢) أبيض يقق : شديد البياض ناصعه.

(٣) الناصع والنصيع : البالغ من الألوان : الصافي أي لون كان ، وأكثر ما يقال في البياض.

٢٠