الترجمان عن غريب القرآن

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني

الترجمان عن غريب القرآن

المؤلف:

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3996-7
الصفحات: ٢٤٠

(لا شِيَةَ فِيها) أي : ليس منها لون آخر يخالف سائر ألوانها ، والجمع : شيات (١).

(فَادَّارَأْتُمْ فِيها) أي : اختلفتم وتدافعتم ، والأصل : تدارأتم فأدغمت التاء في الدال.

(يُحَرِّفُونَهُ) التحريف : وضع الشيء في غير موضعه.

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) الأمي : الذي لا يحسن الكتابة.

(إِلَّا أَمانِيَ) جمع أمنية ، وهي : التلاوة (٢) ، قال تعالى : " إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" [الحج : ٥٢].

(تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ) أي : تتعاونون ، والمظاهرة : المعاونة.

(بِالْآخِرَةِ) التي ليس بعدها شىء من جنسها بخلاف الأخرى فإنه يأتي بعدها أخرى ، وأخرى من جنسها وهي تأنيث الآخر فاعرفه.

(وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) أي : أتبعنا ، التقفية : إلحاق الشيء بعده ، واشتقاقه من القفا لأن الآتي بعده يكون في قفاه ، ومنه الكلام المقفّى ، ويقال : للقفا قافية ، ومنه الحديث" يعقد الشيطان على قافية رأس أحدهم" (٣).

(وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) : هو جبريل.

(قُلُوبُنا غُلْفٌ) أي : في غلاف ، والغلاف : الغطاء ، والمعنى لا يصل إليها ما تفهمه ، ومنه غلاف السيف.

(يَسْتَفْتِحُونَ) أي : يستنصرون ، والاستفتاح : الاستنصار.

(وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) أي : خالط قلوبهم حب العجل ، من قولهم أشرب هذا حمرة أو صفرة ، وقيل : إن موسى أحرق العجل وذرى رماده في البحر الحلو فما شرب منه أحد إلا بقيت محبة العجل فيه.

__________________

(١) شية : أصلها وشيه ، وذلك من باب الواو والوزن فعلة من الوشي وشيت الشيء وشيا جعلت فيه أثرا يخالف معظم لونه.

(٢) والأماني أيضا الأكاذيب ومنه قول عثمان ـ رضي الله عنه ـ : " ما تمنيت منذ أسلمت" أي : ما كذبت ، وهو قول مجاهد.

(٣) صحيح مسلم : ج ١ ، ص ٥٣٨ ، باب : ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح. ومعنى قافية : رأس أحدكم ، القافية : آخر الرأس ، وقافية كل شىء آخره. ومنه قافية الشعر.

٢١

(نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) طرحه ، وأصل النبذ : الإلقاء من اليد.

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) النسخ : الإزالة أو النقل ، والإنساء : التأخير ، تقول : أنسيته ونسيته بمعنى.

(كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : خاضعون.

(وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) الأسباط في بنى إسرائيل كالقبائل في العرب.

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً) المثاب : الموضع الذي يرجع إليه مرة بعد أخرى.

(وَأَرِنا مَناسِكَنا) المناسك : مواضع العبادة ، والمنسك والمنسك : موضع النسيكة ، وهي : الذبيحة.

(وَيُزَكِّيهِمْ) أي : يطهرهم.

(صِبْغَةَ اللهِ) أي : دين الله ، وكانت النصارى تصبغ أولادهم في ماء يقال له :

العمودي ، وقيل يقال له : العمودية ليطهروهم بذلك ، فأنزل الله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) ووقعت بلفظ المشاكلة ، وقيل : سمي الدين صبغة لظهور آثار العبادة على الجسد.

(أُمَّةً وَسَطاً) أي : خيارا.

(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي : نحوه وقصده.

(الْمُمْتَرِينَ) : الشاكين.

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) أي : يولي تلك الجهة وجهه في الصلاة.

(مِنْ شَعائِرِ اللهِ) أي : من الأعمال التي عينها للحج وكل ما جعل علما لطاعة الله تعالى ، قال الأصمعي : الواحد : شعيرة ، وقال بعضهم : وشعارة ، والشعيرة : البدنة تهدى ، والمشعر الحرام : أحد المشاعر ، وكسر الميم لغة ، والمشاعر : الحواس أيضا.

(فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ) الحج في اللغة : القصد وكذا الاعتمار ، وفي الشرع : عبارة عن أعمال مشروعة.

(فَلا جُناحَ) أي : فلا حرج.

(أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي : وجدنا.

(كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) النعق : صوت الداعي بغنمه ، يقال : نعق ينعق نعيقا ، ونعاقا ونعقانا ، وحكى ابن كيسان : نغق بغين معجمة.

٢٢

(وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) أي : ذكر عليه غير اسم الله ، وأصل الإهلال : رفع الصوت وأهلّ بالتسمية على الذبيحة.

(لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي : مخالفة وعداوة.

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) أي : القود ، وأصل القص : التتبع ، ومنه اقتص أثره (١).

(جَنَفاً أَوْ إِثْماً) الجنف : الميل.

(الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) أي : الجماع ، قيل : يسمى الكلام الفاحش : رفثا ، وقيل : الكلام في حال الجماع ، يقال : رفث أو أرفث.

(أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أي : دفعتم ، مأخوذ من الفيض وكل دفعة : فيض.

(تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) أي : تخونونها (٢) بالمعاصي أي : تتهمونها بالمعاصي ، والخيانة : انتقاص الحق على جهة المستاترة (٣).

(حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي : حيث صادفتموهم.

(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) أي : منعتم ، من حصره حصرا ضيق عليه وأحاط به.

(الْهَدْيِ) : ما يهديه المحرم إلى الحرم ، يقال فيه هدي.

(أَلَدُّ الْخِصامِ) أي : شديده ، كأن اشتقاقه من اللديدين ، وهما عرقان في جانبي العنق ؛ لأن المخاصم الذي يشتد خصامه ترى عرقين في جانبي عنقه ، ومنه لديدا الوادي : جانباه.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) أي : يبيع ، يقال : شريته وأشريه إذا بعته ، واشتريته أيضا ، ومنه قوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ) أي باعوه وهو من الأضداد.

(ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) قرئ بالكسر والفتح ، فمن فتح أراد الصلح ، ومن كسر ذهب به إلى الإسلام ، وهي قراءة أبي عمرو.

وكافة : جميعا ، ولا تستعمل غير منصوبة على الحال وقيل : الهاء فيها للمبالغة ، ومثله طرا وقاطبة.

__________________

(١) القصاص : مقابلة الفعل بمثله ، مأخوذ من قص الأثر أي : تتعبه.

(٢) الاختيان مراودة الخيانة ، لم يقل تخونون أنفسكم لأنه لم تكن منهم الخيانة بل كان منهم الاختيان ، فإن الاختيان تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة.

(٣) كذا بالأصل ، ولم أعثر لها على معنى.

٢٣

(حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي : ذهب ثوابهم ، مأخوذ من ماء الركية ، يقال : حبط ماء الركية إذا ذهب.

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) في اشتقاق الخمر ثلاثة أقوال :

الأول : إنها تخمر العقل ، أي : تستره ومنه خمار المرأة.

ثاني : إنها تخمر نفسها أي : تغطي رأسها بما تنسجه لئلا يقع فيها ما يفسدها.

الثالث : إنها تخامر العقل أي : تخالطه وهو قريب من الأول ، والميسر : القمار حتى لعب الصبيان بالجوز قاله مجاهد ، وقال الأزهري : الميسر الجزور التي كانوا يتقامرون عليها ، وسمّي ميسرا لأنه يجزأ أجزاء ، وكل شىء جزأته فقد يسرته ، والياسر : الجزار الذي يجزئها والجمع أيسار.

(لَأَعْنَتَكُمْ) : لأثّمكم ، أي : لأوقعكم في أمر شاق.

(وَلا تَنْكِحُوا) النكاح : لفظ مشترك بين العقد والوطء.

(عَنِ الْمَحِيضِ) تقول : المرأة تحيض حيضا ومحيضا ، وهو الدم الذي تراه عند بلوغها.

(أَذىً) والأذى : ما يتأذى به ويتضرر ويريد به هاهنا الدم ؛ لأنه قذر ونجس ولأن المجامع يتأذى به فينفر طبعه عن الجماع.

(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) شبه الجماع بالحرث ، والنطفة بالبذر ، والولد بالزرع.

(أَنَّى شِئْتُمْ) أي : كيف شئتم وأين شئتم ، وقيل : ومتى شئتم ، وتأتي أنّى بمعنى كيف كقوله تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) [آل عمران : ٤٧] وبمعنى : من أين كقوله تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا) [آل عمران : ٣٧].

(عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) أي : عذرا في ترك البر.

والعرضة تطلق ويراد بها ما ينصب (١) ، وتارة ما يمنع (٢) ، وتطلق على العدّة وعلى ما يجعل عذرا.

__________________

(١) ما ينصب أي : نصبا لأيمانكم ومنه قولهم جعلت فلانا عرضة لكذا أي : نصبته له.

(٢) ما يمنع أي : من عرض يعرض ، وكل مانع منعك من شغل وغيره من الأمراض فهو عارض ، وقد عرض عارض أي : حال حائل ومنع مانع.

٢٤

(بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) هو قول القائل : إي والله ، بلى والله من غير أن يعقد بها يمينا.

(يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) الإيلاء : أن يحلف أنه لا يقرب زوجته ، أو يحلف بما يلزمه غرمه من صداق أو عتق أو طلاق ، وكان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر ، فوقّت الله تعالى في الإسلام أربعة أشهر.

(يَتَرَبَّصْنَ) أي : ينتظرن.

والقرء يطلق على الطهر ، والحيض ، وعلى الوقت.

(حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) النكاح هاهنا : الوطء بلا خلاف بين الجمهور.

(وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) أي : يتركون ولا ماضي له ، لا يقال : وذر لكن يقال في موضعه ترك.

(فَلا تَعْضُلُوهُنَ) أي : تمنعوهن من النكاح ، والعضل : المنع والشدة ، ومنه داء عضال للذي أعيا الطبيب ، وفي هذه الآية دلالة على أن المرأة لا تزوج نفسها.

(أَوْ أَكْنَنْتُمْ) : سترتم مأخوذ من الكن ، تقول : كننته ، وأكننته أي : أضمرته.

(ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ) والمس هاهنا : كناية عن الجماع.

(أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) : هو شبه الصندوق (١) طوله ثلاثة أذرع في ذراعين ، وقرأه الأعمش التابوة بالهاء وهي لغة الأنصار.

(سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) السكينة للنفوس كالسكون للأجسام ، واختلف فيها فقيل : كانت طستا من ذهب يغسل فيه قلوب الأنبياء ، وقيل : ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان ، وقيل : كرأس الهرة وجناحان ، وقيل : روح من الله تكلمهم ببيان ما يقع فيه الاختلاف.

(طالُوتَ وجالُوتَ) : اسمان أعجميان عرّبا ، وكذا عيسى ومريم.

(وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) الخلة (٢) : الصداقة ، وقيل : الخليل.

__________________

(١) التابوت : أي : صندوق التوراة ، وكان ـ موسى عليه‌السلام ـ إذا قاتل تقدم جيشه فكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون.

(٢) الخلة : الصداقة كأنها تتخلل الأعضاء ، أي : تدخل خلالها ، أي : وسطها. والخلة : الصديق نفسه.

٢٥

(سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) السنة : أول النوم فلو ترك المعطوف لجاز أن يتوهم أن يأخذه كثرة النوم فلما احتمل احترز بذكره.

(يَؤُدُهُ) يثقله.

(فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) العروة في الأصل : عروة القميص ، والكوز : وهو ما يمسك غيره ، والانفصام : الانقطاع ، وفرق بين فصم وقصم ، فالفصم : أن ينصدع الشيء من غير أن يبين وبالقاف ضده.

(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) : انقطعت حجته ، والبهت : الحيرة ، والبهت : مواجهة الرجل بالكذب عليه

(خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) : ساقطة على سقوفها.

(مِائَةَ عامٍ) : العام ، السنة ، واشتقاقه من عوم الشمس في بروجها لأن سيرها سباحة لقوله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء : ٣٣].

(لَمْ يَتَسَنَّهْ) : لم يتغير.

(فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) : قيل : قطعهن ، وقيل : أملهن ، فمن قرأ بضم الصاد جعله من صار يصور ، ومن قرأ بكسرها جعله من صار يصير ، وكلاهما بمعنى مال أو قطع ، وقرأ ابن عباس : فصرهن بكسر الصاد وتشديد الراء ، من صر إذا قطع ، أو إذا جمع.

(كَمَثَلِ صَفْوانٍ) : حجر يخالطه التراب والرمل لا ينبت شيئا ، الواحد :

صفوانة ، وقيل : هو اسم واحد بمعنى الجمع ، وفي الغريب عن ابن المسيب بفتح الفاء على فعلان وهو قليل في الأسماء كثير في الصفات والمصادر ، ومما جاء فيه من الأسماء : الورشان والكروان.

(فَتَرَكَهُ صَلْداً) أي : حجرا أملس براقا لذهاب التراب منه بالمطر ، يقال : حجر صلد ، وأرض صلدة ، وجبين صلد.

(فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) الوابل : الغزير من المطر ، والطل : القليل منه ، وهو دون الرذاذ.

(فَأَصابَها إِعْصارٌ) : ريح شديدة تثير سحابا ذات رعد وبرق ، والعصر

٢٦

بالتحريك : الغبار وفي الحديث : (مرت امرأة مطيبة لذيلها عصر) أي : ريح.

(إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) الإغماض : المساهلة والمسامحة ، يقال : غمضت عن فلان إذا تساهلت عليه ، وأغمضت مثله وكأنه يرجع إليه تغميض العين حياء.

(ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) أي : سفرا.

(إِلْحافاً) (١) الإلحاف : كثرة السؤال ، أي : ليس لهم إلحاف في السؤال ، وقيل : لا سؤال لهم فيكون لهم إلحاف وهو قوي في البلاغة.

(مِنَ الْمَسِ) أي : من الجنون.

__________________

(١) والإلحاف والإلحاح والإحفاء متقاربة المعنى ، واشتقاقه من اللّحاف ؛ لأنه يشتمل الناس بمسألته ويعمهم ، كما يشتمل اللحاف من تحته ويغطيه ، وقيل : اشتقاقه من لحف الجبل وهو المكان الخشن.

٢٧

سورة آل عمران

(وَقُودُ النَّارِ) : ما يوقد به كالحطب ، وبالضم المصدر وقودا ، ووقدا ، ووقدانا وقدة ووقيدا.

وقال الجوهري : وقدت النار تقد وقودا ، ووقدا ، ووقيدا ، وقدة ، ووقدانا : أي : توقدت

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) الدأب : العادة.

(وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) القنطار مختلف فيه قيل : مائتي أوقية ، وقيل : ألف أوقية من الفضة ، وقيل : من الذهب ، وقيل : ملء جلد بعير ذهبا ، وقيل : فضة ، وقيل : أربعة آلاف دينار ، وقيل : أربعة آلاف درهم.

ومعنى مقنطرة : ثلاثة أدوار ، ومحصلها اثنا عشر ألف درهم.

(قائِماً بِالْقِسْطِ) : بالعدل ، يقال : أقسط إذا عدل ، وقسط : إذا جار والقسط في الأصل : النصيب.

(يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) الفريق : الجماعة.

(قُلِ اللهُمَ) رأي الخليل (١) : حذف حرف النداء وعوّض في آخر الاسم ميما مشددة اتصلت بالهاء ـ ورأى الفراء أصله : يا الله أمنا. فحذف حرف النداء وأوصل بالهاء أم بغير مفعول ، وهو مرجوح ، واختلف في وصفه فأجازه سيبويه ومنعه آخرون وما جاء بعده فمنادى محذوف منه حرف النداء كقوله : مالك الملك ، فاطر السموات.

(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) الإيلاج : الإدخال ومعناه هنا : الزيادة والنقصان وقيل : " في" هاهنا بمعنى : على.

(وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) النسمة من النطفة ، والفروج من البيضة والنطفة من الإنسان والبيض من الدجاج.

(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) التقاة والتقية : مأخوذة من الاتقاء ، وهو أن يظهر بلسانه خلاف ما ينطوي عليه قلبه للخوف على النفس.

__________________

(١) هو الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ النحاة واللغويين ، صاحب معجم العين.

٢٨

(وَآلَ إِبْراهِيمَ) في إبراهيم لغات إبراهام ، وإبرهم ، وإبراهم.

(مُحَرَّراً) للعبادة ، وقيل : خادما للمسجد ، وقيل : عتيقا لله من أمر الدنيا (١) مشتق من الحرية.

(حَصُوراً) أي : لا يأتي النساء مع القدرة

(اقْنُتِي) القنوت : الخضوع ، وطول القيام ، والدعاء : كل قنوت.

(يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) : أقداحهم التي كانوا يجيلونها في كفالة مريم ـ طلبا لمرضاة الله ـ وكل ما قطع طرفه من العيدان فهو قلم لغة ، وخص العرف ما يكتب به ، ويطلق على الجلم : قلم لأنه يقلم به الأظافر لأن القلم : القص من الشيء الصلب كالظفر ، وكعب الرمح ، والقصب.

(اسْمُهُ الْمَسِيحُ) قيل : لأنه مسح بالبركة ، وقيل : خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن ، وقيل : لأنه يمسح الأرض ، وقيل : لأنه ما مسح ذا عاهة إلا برأ ، وقيل : مسيح الرجلين ليس لرجله خمص وهو ما جفا عن الأرض.

والمسيح : لفظ مشترك يطلق على القطعة من الفضة ، وعلى الأطلس (٢) ، وعلى المسيح الكذاب الدجال ، وعلى العرق (٣) ، وعلى البلاس (٤).

(وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) الأكمة : هو الذي ولد أعمى.

(قالَ الْحَوارِيُّونَ) الحواري : الناصر ، قيل : كانوا ملوكا ، وقيل : كانوا صيادين ، وقيل : كانوا قصارين (٥) ، والتحوير (٦) : التبييض ومنه خبز حوّارى (٧).

(ثُمَّ نَبْتَهِلْ) : ندعوا بالهلاك على الكاذبين ، والابتهال : التضرع ، وقيل

__________________

(١) محررا فيه ثلاثة أقاويل أحدهما : محررا أي : مخلصا للعبادة ، وهذا قول الشعبي.

والثاني : يعني خادما للبيعة ، وهذا قول مجاهد.

والثالث : يعني عتيقا من الدنيا لطاعة الله ، وهذا قول محمد بن جعفر بن الزبير.

(٢) يقال للدرهم الأطلس : مسيح ، وللمكان الأملس : أمسح.

(٣) والعرق القليل : مسيح.

(٤) والمسيح : البلاس ، جمعه : مسوح ، وأمساح.

(٥) لبياض ثيابهم.

(٦) الحوار : وهو شدة البياض ، ومنه الحواري من الطعام لشدة بياضه ، والحور : نقاء بياض العين ، ويقال حورت الشيء : بيضته ودورته.

(٧) الحوار : المدور ، من قولهم دورته.

٢٩

الابتهال : الالتعان ، والمباهلة : الملاعنة ، ويقال : بهله الله أي : لعنه من قولهم : ناقة باهلة (١) وباهل : إذا لم يكن عليها صرار (٢) لأنها إذا لم يكن عليها صرار ولا لبن فيها فمعناه : المباعدة لعدم جدواها.

(وَدَّتْ طائِفَةٌ) : جماعة ويطلق على الواحد ، وعلى القطعة من الشيء وأصل الطرف الدوران حول الشيء.

(لا خَلاقَ لَهُمْ) الخلاق : النصيب.

(رَبَّانِيِّينَ) : أرباب العلم والبيان ، وقد ينسب إلى الربّ ، والألف والنون للمبالغة كقولهم : لحياني وشعراني ، وقيل : منسوب إلى علم الرب كقولهم : قصابي لصاحب القصب.

(عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) الإصر : العهد ، ويطلق على الذنب ، وعلى الثقل

(بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) الحبل : العهد والأمان ، ويطلق ويراد به الوصال ويطلق ويراد به ما استطال من الرمل ، وحبل العاتق : عصب ، وحبل الوريد : عرق ، وحبل الذراع في اليد ، وفي المثل : هو على حبل ذراعك أى : بالقرب منك.

(وَباؤُ بِغَضَبٍ) أي : رجعوا.

(آناءَ اللَّيْلِ) أي : ساعاته ، واحدها : إنا ، مثل معا ، وقيل : إني ، مثل أنو.

(فِيها صِرٌّ) أي : برد.

(بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) بطانة الرجل : من يطلعه على سره ثقة به مشتقة من البطن.

(لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) لا يألونكم أي : لا يقصرون ، والخبل : الفساد والعنت : الإثم ، والعنت : الخوف من الوقوع في الزنا ، والعنت : الأمر المشق وهو قريب من بعضه.

(تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ) : توطن لهم أمكنة ، تقول : بوأته ، وأبأته ، والمباءة : المنزل.

(مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) المقدمة ، والميمنة ، والميسرة ، والقلب ، والساقة ومنه سمى

__________________

(١) ناقة باهلة : ناقة مخلاة عن قيدها ، وأصل البهل كون الشيء غير مراعى.

(٢) الصرار : هو الخيط الذي يشد به ضرع الناقة لئلا يرضعها وليدها.

٣٠

الجيش : خميسا.

(أَنْ تَفْشَلا) أن تجبنا.

(بِبَدْرٍ) : اسم بئر نسب المكان إليها ويقال : حافرها بدر ، وقيل : لأن البدر يرى فيها لصفائها ، وقيل : لاستدارتها.

(مُسَوِّمِينَ) أي : معلمين أنفسهم بعلامات ، وقيل : مرسلين الخيل من قولهم : سوم فيها الخيل أي : أرسلها.

(طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي : طائفة.

(مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) أي : سير ، والسنة : السيرة

(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) القرح بضم القاف وفتحها : الجراحة ، والمعنى هاهنا : الألم ، وهو من باب إطلاق اللازم وأراد به الملزوم وهو الكناية.

(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ) أى : ليختبر ، والتمحيص : الابتلاء.

(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) أى : كم.

(مَعَهُ رِبِّيُّونَ) أي : علماء ، وقيل : منسوب إلى الرب لعبادته تعالى ، يقال : ربي كما يقال : إمسي (١) ، وظهري ، وقيل : الربي : أحد الربيين وهم الآلاف من الناس ، وقيل الرب : الجماعة ونسب إليهم ، وقيل : يقال العشرة آلاف ربة.

(ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي : حجة ، والسلطان يطلق على الملك ، وعلى الحجة.

(أَوْ كانُوا غُزًّى) : جمع (٢) غاز.

(أَنْ يَغُلَ) : أي : يخفي ذلك على جهة الخيانة.

(أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) : نؤخر المدة مأخوذة من الملوين الليل والنهار ، واحدهما : ملا.

(إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) : ما يغتر به من متاع الدنيا أي : يخدع والغرور بالفتح : الشيطان.

__________________

(١) إمسي بكسر الهمزة منسوب إلى أمس ، وكذا ظهري.

(٢) أي : غزاة.

٣١

سورة النساء

(مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) : أي : اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة.

(صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) : جمع صداق ، ونحلة أي : عطية واجبة وقيل : فريضة لازمة ، تقول : نحلته أنحله نحلا بالضم ، وأعطى المرأة مهرها نحلة بالكسر والنحلة : الهبة ، والنحلة : الدعوى ومنه قولهم : أرباب الملل والنحل ، ويقال فيه : نحلته أو أنحلته وكأن اشتقاقه من مادة النحل لأنها تعطي ما ينفع. والنحلة أخص من الهبة.

(حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) : المراد به هاهنا : الاحتلام ، فيتوجه إلى الوطء خاصة.

(آنَسْتُمْ) : أبصرتم ومنه آنست نارا.

(يُورَثُ كَلالَةً) الكلالة : اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة ، وعن ابن عباس هو اسم لما عدا الولد. روي أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن الكلالة فقال : " من مات وليس له ولد ولا والد". (١) فجعله اسم الميت وكلا القولين صحيح فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والمورث ، وقال قطرب : اسم لما عدا الأبوين والأخ ، وقال : ابن الأعرابي الكلالة : بنو العم الأباعد وكأن مادته من تكلل النسب إذا أخذ بطرفيه من جهة الولد والوالد وقد تطلق العرب الكلالة وتريد بها أن الرجل يختص بما كان لأسلافه ، فيقولون : لم يرث هذا كلالة قال الفرزدق :

ورثتم قناة الملك غير الكلالة

عن ابني مناف عبد شمس وهاشم

(وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) : أي : باشر كأن مادته من الفضاء وهو المكان الواسع وهو كناية عن الجماع ، وتقول : أفضيت إلى فلان بسري ، وأفضى بيده إلى الأرض إذا مسها بباطن راحته في سجوده ، وأفضى المرأة إذا جعل مسلكيها واحدا ، والمفضاة : الشريم ، والفضا بالقصر : الشيء المختلط ومن ذلك قولهم : أمرهم فضى لا أمير لهم.

(وَرَبائِبُكُمُ) : الربيبة : ابنة المرأة.

(وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) : الحليلة : الزوجة.

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) أي : المتزوجات وهن داخلات في (حُرِّمَتْ) ،

__________________

(١) الحديث أخرجه الترمذي ، وابن ماجة في سننه ، وأحمد ، وأبو يعلى في مسنده.

٣٢

والفتح في المحصنات هاهنا لا غير وفي غير هذا المكان يجوز الفتح والكسر.

فالمحصن بالفتح إذا تصور حصنها من غيرها ، والمحصن بالكسر إذا تصور حصنها من نفسها ، وأحصن الرجل فهو محصن بالفتح وهو أحد ما جعل أفعل وهو مفعل.

وأحصنت المرأة : أي : عفت ، زوجها فهي محصنة ومحصنة قاله الجوهرى وقال ثعلب : كل امرأة عفيفة فهي محصنة ومحصنة ، والإحصان له معان ، أحدها : الموجب لرجم الزاني ولا ذكر له في القرآن إلا قوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [النساء ـ ٢٤] قالوا : معناه مصيبين النكاح لا بالزنا.

الثاني : بمعنى العفة ومنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) [النور : ٤].

الثالث : بمعنى الحرية ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ).

الرابع : بمعنى التزوج وهو المراد بقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٢٤] على ما تقدم.

الخامس : بمعنى الإسلام وهو المراد بقوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَ) [النساء : ٢٤] أي : أسلمن عند جماعة ، حكاه الواحدي عن الصحابة والتابعين والجامع لأنواع الإحصان المنع ـ وقال بعضهم : يطلق الإحصان ويراد به : العقل والمادة مساعدة لكن لم أظفر له بمثال.

(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) أي : الغنى وهو كناية عن ما يصرف إلى المهر.

(كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) : قيل : الكبيرة ما تعظم عقوبتها كالقتل والكفر والزنا والسحر إلى غير ذلك من هذه المعاصي وقد تستعمل الكبيرة ويراد بها الأمر المشق لقوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) [البقرة : ٤٥] وقوله تعالى : (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) [الشورى : ١٣].

(تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) : النشوز : خروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه ، مأخوذ من النشوز وهو الارتفاع تقول : نشزت المرأة تنشز وتنشز نشوزا ، ونشز بعلها عليها إذا ضربها ومنه قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً)

٣٣

[النساء : ١٢٨].

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) : الشقاق : الخلاف والعداوة.

(لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) المثقال يطلق ويراد به ما يوازن الشيء ويطلق ويراد به الدينار ويطلق ويراد به المئونة تقول : ألقى عليه مثاقله أي : مئونته.

(وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) الفتيل : ما يكون في شق النواة وقيل : ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ، والغرض : الحقارة.

(يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ) : كل ما يعبد من دون الله تعالى : كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر والغسل (١).

وفي الحديث : " الطيرة والعيافة والطرق من الجبت" (٢) ، وليس من محض العربية لاجتماع الجيم والتاء من غير حرف ذولقىّ (٣) وقيل : التاء بدل من السين وهو الجبس وهو السفلة (٤).

(لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) : المراد به : الحقارة ، مأخوذ من الحفرة التي تكون في ظهر النواة والنقير : خشبة تنقر فينبذ فيها وتجمع النواة الفتيل والنقير والقطمير فالفتيل : ما في بطنها ، والنقير : ما في ظهرها ، والقطمير : قشرها وكل ذلك يضرب به المثل في الحقارة.

(فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) المشاجرة : المخالفة ، واشّجر الأمر بينهم : اختلف ، ويقال : الشجار والمشاجرة والتشاجر.

(فَانْفِرُوا ثُباتٍ) الثّبة : الجماعة ، والجمع ثبات ويجمع على ثبون ، وأثابي ، والثبة أيضا : وسط الحوض الذي يثوب الماء فيه.

(فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) المشيدة : المطولة وقيل : المبنية بالشيد وهو الجص ، وقصر (مَشِيدٍ) : أي : مبني بالشيد ، والإشادة : رفع الصوت ، وأشاد بذكره أي : رفع من قدره. وقولهم : شيد قواعده أي : أحكمها. استعارة من البناء بالشيد.

(بَيَّتَ طائِفَةٌ) أي : قدّرت أمرا في أنفسها بخلاف ما أظهرت ومنه قولهم :

__________________

(١) الجبت والحبس : الغسل الذي لا خير فيه.

(٢) أخرجه أحمد في المسند (٣ / ٤٧٧).

(٣) ذولقي : أي : من حروف الذلاقة ، وهي : الفاء ـ الراء ـ ميم ـ نون ـ اللام ـ الباء.

(٤) الجبس : هو اللئيم.

٣٤

" هذا أمر بيّت بليل" ، والبيوت : ما يبيت عليه صاحبه مهتما به.

(يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي : يستخرجونه ، تقول : " استنبطت حمأة البئر" إذا استخرجتها.

(يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) الكفل : الضعف ويقال : النصيب ، وهو اسم مشترك يطلق على النصيب وعلى ذي الكفالة ومنه ذو الكفل اسم نبي ، والكفل : الضعف ويقال : النصيب وهو اسم مشترك للذي لا يثبت على ظهر الخيل والجمع : أكفال ، والكفل : ما يدار على سنام البعير من كساء أو غيره ثم يركب الراكب على نواحيه : والكفل في الآية اشتقاقه من الكفل وذلك لما كان مركبا ينبو براكبه صار متعارفا في كل شدة كالسّيساء وهو العظم الناتئ في ظهر الحمار ، يقال : لأحملنك على الكفل وعلى السّيساء إذا أرادوا إركابه المشاق ، ومعنى الآية من أعان فاعل الحسنة عليها فله نصيب منها ومن أعان فاعل السيئة عليها ناله مشقة بسببها. انتهى كلام الراغب.

(عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) : المقيت : المقتدر ، وقيل : الحافظ للشيء.

(فِئَتَيْنِ) الفئة : الجماعة.

(أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) : الركس : رد الشيء مقلوبا ، وركسه وأركسه بمعنى والمعنى : ردهم إلى كفرهم.

(أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) (١)؟ يريد به الاستسلام : والسلم : لفظ مشترك يطلق على السلف" وعلى الشجر من العضاة" والسلم : الحجارة واحدتها : سلمة وفي الأمثال" لأعصبنكم عصب السلمة" أي : الشجرة.

(مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) : جمع وليد وهو الصبي والعبد ، ويجمع أيضا على ولدة والوليدة : الصبية والأمة والجمع : الولائد.

(مُراغَماً كَثِيراً) : المراغم : المذهب الواسع ، والطريق المتسع والمراغم : المضطرب في ذهابه.

(كِتاباً مَوْقُوتاً) : أي : مكتوبا مفروضا في الأوقات.

(يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة تختص بنقض العهد

__________________

(١) كذا بالأصل وهي قراءة نافع وابن عامر ، وحمزة وأبى جعفر وخلف.

٣٥

والأمانة ، والنفاق يختص بالدين ، ويختانون هاهنا يراودون أنفسهم بالخيانة.

(فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) النجوى : المساررة يقال : تناجى القوم إذا تسارروا أي : مالوا إلى نجوة من الأرض أي : خلوة يلقون عندها أسرارهم.

(فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) البتك : القطع ، يقول : بتكه بتّكه وشدّد للكثرة.

(فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ) الدركات : منازل أهل النار واحدها : دركة ودرك والدركات في النار مثل الدرجات في الجنة ، ولفظ الدرك مشتق يطلق على قطعة حبل في أسفل الرشاء يقيه من عفن الماء.

والدرك : منزل أهل النار ، ويقال : ما لحقك من درك ـ بالفتح ـ فعلىّ خلاصه ، ويسكّن (١) أيضا.

(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) أي : هيّأنا ، والعتيد الشيء المهيّأ.

__________________

(١) قرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف العاشر بإسكان الراء والباقون بفتحها ، وهما لغتان ومعنى قوله ما لحقك من درك ... الخ الدرك هنا بمعنى التبعة ، والدرك : اللحق من التبعة ، ومنه ضمان الدرك في عهدة البيع. انظر لسان العرب مادة الدرك.

٣٦

سورة المائدة

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) العقود : العهود والمفرد : عقد ، وقيل : المراد بها ما أمر أهل الكتاب أن يعملوا به من تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : أوفوا بعقود الله فيما حرم وأحل ، وقيل : بعقد النكاح والشركة واليمين والحلف والبيع ، وقيل : العقود المذكورة من الفرائض المبينة في بدء السورة وهي إحدى عشرة ، وقيل : ثماني عشرة وأصله الجمع بين الشيئين مما يعسر الانفصال عنه ، والوفاء : إتمام العقد بفعل ما عقد عليه يقال : وفّى وأوفى.

(بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) : ما لا نطق له وذلك لما في صوته من الإبهام. لكن خص في التعارف بما عدا السباع والطير وهي واحدة البهائم والأنعام أصلها الإبل أخذ من نعمة الوطء وإضافة البهيمة إليها من باب إضافة ثوب خز ثم تستعمل للبقر والشاء ولا يدخل فيها الحافر.

(لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) قيل : الشعائر ما يحرم بالإحرام وقيل : مناسك الحج وقيل دين الله كله ـ والشهر الحرام : يريد به الأشهر الحرم ـ والهدي : ما يهدى للذبح بمنى ، والقلائد قيل : المراد المقلدات ، وقيل القلائد نفسها أي : لا تأخذوا من لحاء شجر الحرم أي : لا تنزعوا من شجره شيئا تقلدونه هديكم وكانت الجاهلية تفعل ذلك.

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) أي : يحملنكم ويكسبنكم ، تقول : جرم يجرم أي : كسب وفلان جريمة أهله أي : كاسبهم ـ والجرم والجريمة : الذنب ، واشتقاقه من أجرم النخل إذا حمل بتمر رديء فاستعير لكل كسب مكروه.

والشنآن بالفتح : البغض وبالتسكين : بغيض قوم فإن المصدر على فعلان قليل قالوا ليان من قولهم لويته ألويه ليانا.

وقيل : يجوز أن يكون شنآن بالتسكين صفة ومعناه : بغيض قوم أبو عبيد الشنان بغير همز مثل السنان. وعند الجوهري الشنآن بالتحريك والتسكين شاذان في القياس ؛ لأن فعلان بالتحريك يقتضي الاضطراب كالنزوان والضربان والخفقان وبالتسكين لم يجئ فعلان.

(وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ

٣٧

السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ) الإهلال : رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم استعمل في رفع الصوت ومنه إهلال الصبي والمراد في الآية : رفع الصوت بغير ذكر الله من ذكر أصنامهم وغيرها. والمنخنقة : التي انخنقت بنفسها وموضعه من العنق : مخنّق ، والموقوذة : المقتولة بالخشب. والمتردية : هي التي تقع من علو كالجبل ونحوه أو إلى أسفل كالبئر ونحوه ولا تدركها الذكاة ، مأخوذ من الردى وهو الهلاك ، والنطيحة : التي ماتت من النطح وإنما جاءت بالهاء لغلبة الاسمية : لأن فعيلا إذا جاء والمراد به المفعول بلا هاء تقول : امرأة قتيل أي : مقتولة وإذا كانت بمعنى الفاعل تعينت الهاء كقولهم : امرأة قتيلة أي : قاتلة وإنما دخلت الهاء هاهنا لأن الشيء في نفسه مما ينطح ، ومثله الفريسة ومثله الأكيلة أي : في نفسه يفرس ويؤكل. والنصب : ما ينصب لغير عبادة الله تعالى يقال فيه : نصب ونصب ونصب والجمع : الأنصاب.

(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) : قداح الميسر واحدها : زلم وزلم وهي عشرة. أولها الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى فهذه السبعة لها نصيب فالفذ : سهم والتوأم : سهمان وما بعده فعلى رتبته من العدد والثلاثة الأخر الوغد والسفيح والمنيح لا شيء لها.

(فِي مَخْمَصَةٍ) المخمصة : المجاعة ، لأنها تورث البطن خمصا أي : ضمورا.

(غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) الجنف : الميل.

(مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) الجوارح : ذوات الصيد من السباع والطير وهي إما مشتقة من الاكتساب ؛ لأن الاجتراح بمعنى الاكتساب أو لكونها تجرح للصيد ـ وجوارح الإنسان : أعضاؤه التي يكتسب بها ومن ذلك قوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) [الجاثية ـ ٢١].

(مُكَلِّبِينَ) : معلمين الكلاب الاصطياد.

(مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) : أصحاب واحدها : خدن ويقال : خدين وأكثر ما تستعمل فيما تصاحب بشهوة والمخادنة : المصادقة.

(مِنَ الْغائِطِ) الأصل في الغائط : ما اطمأن من الأرض ثم نقل إلى ما يبرز

٣٨

من تفل الإنسان ، مجاز مجاورة.

(فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) أي : ألصقنا والغراء ما يلصق به يقال : أغريت الكلب بالصيد ، والاسم : الغراة ، وعن بعضهم : غاريت بين الشيئين غراء إذا واليت وقيل : أغرينا : هيجنا.

(الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) : المطهرة قيل : دمشق وفلسطين وبعض الأردن. وقيل : الطور وما حوله وقيل : أرض الشام وهو من العريش إلى الفرات وقيل : إلى نابلس وقيل : أريحا وهي أرض بيت المقدس.

(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) الوسيلة : أفضل درجات الجنة وقيل : توسلوا بتقواه إلى ثوابه والفعل وسل إلى ربه وتوسل توسيلة إذا تقرب إليه بعمل ، والواسل : الراغب إلى الله تعالى.

(أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) : يقال : سحت وسحت وهو الحرام ويقال : سحته وأسحته إذا استأصله وفي الحديث المرفوع : " السحت الرشوة" (١).

(وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) : كل مشرف على كنه الأمر مستول عليه حافظ له فهو مهيمن عليه والإشراف يرجع إلى العلم ، والاستيلاء إلى كمال القدرة. والحفظ إلى الفعل. والجامع بين هذه المعاني اسم المهيمن. ولن يجمع ذلك على الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى.

وفي الغريب عن مجاهد : مهيمن بفتح الميم الثانية وهو من هيمن عليه إذا ائتمنه فالمهيمن المؤتمن وقيل : أصله آأمن غيره الخوف وأصله أأمن فهو مأمن.

بهمزتين قلبت الثانية كراهية لاجتماعهما ياء فصار مأيمن ثم قلبت الهمزة هاء فصار مهيمنا.

(شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) الشرعة : الشريعة وهي ما شرعه الله تعالى لعباده من الدين والمنهاج : الطريق ، والشارع أيضا الطريق الأعظم.

__________________

(١) رواه ابن جرير (٩ / ٣٢٣) لسيده عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به" قيل : يا رسول الله ما السحت قال : الرشوة في الحكم وهذا حديث مرسل ونسبه السيوطي في الدر (٣ / ٨١) لابن مردويه وعبد بن حميد وابن جرير لعبد الله بن عمر الذي في الطبري كما تقدم عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر.

٣٩

(لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) الأمة : الدّين (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) [سورة الحج ـ ٦٧] أي : لكل أهل دين ـ والأمة : الملة ـ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة أي : ملة ـ والأمة : العصبة.

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) أي : عصبة ، والأمة : العصبة (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [الزخرف : ٣٣] وقوله : (أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) [القصص : ٢٣] والأمة : الإمام (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النحل : ١٢٠] والأمة : الطريق والسنة (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٣ ، ٢٢]. والأمة : الحين (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) [هود : ٨] وقوله : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف ـ ٤٥] أي : بعد حين.

والأمة : القوم (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) [النحل ـ ٩٢] أي : قوم أزيد من قوم ، والأمة : القامة كقولك : فلان حسن الأمة أي : القامة ، قال : حسان الوجوه طوال الأمم. والأمة تطلق على الفريد في دينه كما قيل : في قس بن ساعدة يحشر يوم القيامة أمة وحده (١) ، والأمة : الأم ، تقول : هذه أمة زيد أي : أمه.

وثمّ أشياء ذكرت لكنها ترجع إلى الذي ذكرت فلأجل ذلك حذفتها.

(بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً) أي : ثوابا والثواب يطلق في الخير والشر لكن الأكثر في الخير.

(مَغْلُولَةٌ) أي : مقبوضة.

(وَبالَ أَمْرِهِ) أي : ثقيل أمره على مخالفته والوبيل أيضا : الوخيم.

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) البحيرة : الناقة التي تبحر أذنها أي : تشق ، قال الفراء : وحكمها حكم السائبة وهي أمها ، والسائبة : الناقة التي ولدت عشرة أبطن كلها إناث سيبت فلم تركب ولم يشرب لبنها إلا

__________________

(١) الحديث ورد بشأن زيد بن عمرو بن نفيل وليس بشأن قس ، وهذا الحديث يروى من طريق سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أخرجه الطيالسي في مسنده (٣٢) ، والإمام أحمد في مسنده (١ / ١٨٩ ـ ١٩٠) ، وأبو يعلى في مسنده (٢ / ٢٦٠ ـ ٢٦١) ، والطبراني في المعجم الكبير (١ / ١١٤ / ١١٥) والحاكم في المستدرك (٣ / ٤٤٠) ، والبيهقي في دلائل النبوة (٢ / ٢٠١٢٤) ـ ويروى من طريق جابر بن عبد الله ، أخرجها أبو يعلى في مسنده (٤ / ٤١) وإسناده حسن.

٤٠