الترجمان عن غريب القرآن

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني

الترجمان عن غريب القرآن

المؤلف:

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3996-7
الصفحات: ٢٤٠

سورة الانشقاق

(وَأَذِنَتْ) أي : استمعت ، من أذن له (١).

(وَحُقَّتْ) أي : حق لها الانقياد لطاعته.

(وَتَخَلَّتْ) : تكلفت الخلو حتى لم يبق فيها شيء كما يقال : تكرم الكريم وترحم الرحيم إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة وتكلفا فوق ما في طبعهما.

(إِنَّكَ كادِحٌ) الكدح : جهد النفس في العمل والكد فيه ، كدح جلده إذا خدشه ومعنى كادح : جاهد إلى لقاء ربه وهو الموت وما بعده من الحال.

(حِساباً يَسِيراً) : سهلا لا يناقش فيه (٢).

(ثُبُوراً) : هلاكا.

(أَنْ لَنْ يَحُورَ) : يرجع إلى الله تعالى تكذيبا بالمعاد. قال لبيد : (٣)

 ......

يحور رمادا بعد إذ هو ساطع

وعن ابن عباس : ما كنت أدري ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنيّة لها : حوري أي : ارجعي.

(بِالشَّفَقِ) الشفق : الحمرة التي ترى بعد المغرب.

(وَما وَسَقَ) أي : ما جمع ، ووسق واستوسق بمعنى وهو من باب افتعل واستفعل مثل اتسع واستوسع.

(وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) أي : استوى وهي ليلة أربع عشرة.

(طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) أي : حالا بعد حال ، وعن بمعنى : بعد ، والمعنى : لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدة.

(لا يَسْجُدُونَ) : لا يخضعون.

(بِما يُوعُونَ) : يجمعون في صدورهم من الكفر والحسد والبغي والبغضاء ، أو بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء.

__________________

(١) جاء في الحديث : " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن" أي : ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي.

(٢) جاء في الحديث" ليس ذاك الحساب ؛ إنما ذلك العرض ، من نوقش الحساب يوم القيامة عذب" أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.

(٣) هذا عجز البيت ، وصدره :

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه.

٢٠١

سورة البروج

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) يريد : الاثنى عشر ؛ وهي قصور السماء على التشبيه ، وقيل : منازل القمر ، وقيل : عظام الكواكب.

(وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) اضطربت فيها أقوال المفسرين ؛ قيل : الشاهد والمشهود محمد ويوم القيامة وقيل عيسى وأمته لقوله (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) وقيل : أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسائر الأمم ، وقيل : يوم التروية ويوم عرفة ، وقيل : يوم عرفة ويوم الجمعة ، وقيل : الحجر الأسود والحجيج. وقيل : الأيام والليالي وبنو آدم ، وقيل : الحفظة وبنو آدم ، وقيل : الأنبياء ومحمد عليهم‌السلام (١).

(أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) الخد في الأرض : الشق ، واختلف في أصحاب الأخدود على ما هو مشروح في التفاسير.

(وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) أي : عابوا ؛ وعيبهم عندهم الإيمان بالله ؛ وهذا يسميه البديعيون تأكيد المدح بما يشبه الذم. ومن ذلك قول الشاعر :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

وقرأ أبو حيوة نقموا بالكسر ، والفصيح : الفتح.

(بَطْشَ رَبِّكَ) البطش : الأخذ.

__________________

(١) روى أبو هريرة مرفوعا : " اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة".

٢٠٢

سورة الطارق

(الطَّارِقِ) : النجم لأنه يطرق ليلا ، أو لأنه يطرق الجني أي : يصكه.

(الثَّاقِبُ) : المضيء.

(إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) : لأن إن لا تخلو فيمن قرأ لما مشددة بمعنى إلا أن تكون نافية ، وفيمن قرأها مخففة تكون إن مخففة من الثقيلة ، وتكون ما صلة إن (١).

(دافِقٍ) الدفق : صب فيه دفع.

(مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) الصلب : وسط الظهر ، والترائب : جمع تريبة وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة ، وفي الصلب أربع لغات ، الصلب بفتحتين ، وضمتين ، وبضم الصاد وتسكين اللام والرابع صالب.

(إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ) : الضمير يرجع إلى الإنسان.

(السَّرائِرُ) : جمع سريرة (٢).

(ذاتِ الرَّجْعِ) الرجع : المطر ، وذلك أن العرب تزعم أن السحاب يحمل الماء من أبخرة البحر ثم يرجع إلى البحر فسموه رجعا وأوبا.

(ذاتِ الصَّدْعِ) : ما يتصدع عنه الأرض من النبات.

(إِنَّهُ) : الضمير للقرآن. إنه لقول فصل ، أي : فاصل.

(فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) أي : لا تستعجل إهلاكهم.

(رُوَيْداً) : إمهالا يسيرا.

__________________

(١) قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة : " لما" ، والمعنى : ما كل نفس إلا عليها حافظ ، وهي لغة هذيل يقولون : نشدتك لما قمت.

(٢) قال ابن عمر : يبدي الله يوم القيامة كل سر خفي ، فيكون زينا في الوجوه وشينا في الوجوه ، وفي المقصود بالسرائر أقوال أقواها : الصلاة ، والصوم ، والوضوء ، والغسل من الجنابة. فإن الله ائتمن خلقه عليها ، وفي الحديث : " غسل الجنابة من الأمانة".

٢٠٣

سورة الأعلى

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) تسبح اسمه : تنزه عما لا يصح فيه من المعاني ، وقيل الاسم مقحم والمعنى : سبح ربك. مثل قول الشاعر :

ثم اسم السلام عليكما.

(خَلَقَ فَسَوَّى) أي عدل تعديلا لا تفاوت فيه.

(قَدَّرَ فَهَدى) : قدر لكل حيوان ما يصلحه ، وهداه إليه ، ومن غرائب المخلوقات أن الحية إذا أتت عليها ألف سنة عميت ، وأن الله تعالى يلهمها أن تمسح عينها بأصول الرازيانج الغض فيزول ما بها من العمى ، تعالى الله علوا كبيرا ، وربما كانت في برية بعيدة من الرازيانج فتطوي إليه المراحل والسباسب حتى تهجم في بعض البساتين على الشجرة ولا تخطئها.

(غُثاءً أَحْوى) الغثاء : ما يعلو على وجه السيل ، والأحوى : الأسود الذي يضرب إلى خضرة.

(النَّارَ الْكُبْرى) قيل : السفلى من أطباق جهنم ، وقيل : الكبرى نار جهنم ، والصغرى نار الدنيا.

(ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) أي : لا يموت فيستريح ، ولا يحيى حياة تنفعه.

(إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) : الضمير راجع إلى معنى الآيات من قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) إلى قوله : (خَيْرٌ وَأَبْقى) وإن معنى هذه الآيات : في الصحف المنزلة ثم بينها فقال : صحف إبراهيم وموسى. سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كم أنزل الله تعالى من كتاب فقال : " مائة وأربعة كتب منها على آدم عشرة صحائف ، وعلى شيث خمسون صحيفة ، وعلى إدريس ثلاثون صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

٢٠٤

سورة الغاشية

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) الغاشية : الداهية التي تغشى بشدائدها يعني بها القيامة من قوله تعالى : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) [العنكبوت : ٥٥] ، وقيل الغاشية : النار من قوله : (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) [إبراهيم : ٥٠].

(خاشِعَةٌ) : ذليلة.

(عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) : تعمل في النار عملا تتعب فيه وهو جرها السلاسل والأغلال ، وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل ، وقيل : هم أصحاب الصوامع ، خشعت وعملت ونصبت في أعمالها ما أجدى عليها.

(تَصْلى ناراً حامِيَةً) قرئ بفتح التاء وضمها (١) ، وتصلّى بالتشديد ، وقيل المصلى عند العرب أن يحفروا حفيرا فيجمعوا فيه جمرا كثيرا ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه ، فأما ما يشوى فوق الجمر أو على المقلى أو في التنور فلا يسمى مصليا.

(آنِيَةٍ) : متناهية في الحر.

(مِنْ ضَرِيعٍ) : هو شوك ترعاه الإبل ما دام رطبا فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل قال أبو ذؤيب :

رعى الشّبرق الريان حتى إذا

ذوى وعاد ضريعا بان عنه النحائص

والنحائص : جمع نحيصة وهو اكتناز اللحم.

(لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) : فائدة الطعام أمران : إماطة الجوع وحصول الشبع والسمن ، وهاتان المنفعتان منتفيان ، ويجوز أن يراد به أن لا طعام لهم ؛ لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الأناس كما يقال : ليس لفلان ظل إلا الشمس تريد : نفي الظل على التوكيد ، ومثل ذلك كثير ، منه قوله تعالى : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) [البقرة : ٢٧٣] على أحد التفسيرين ، ومنه : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [غافر : ١٨] ومن ذلك قول امرئ القيس :

على لاحب لا يهتدى بمناره

إذا سافه العود النباطيّ جرجرا

__________________

(١) تصلّى : قراءة أبي عمرو وشعبة ويعقوب.

٢٠٥

ومن ذلك قوله :

لا يفزع الأرنب أهوالها

ولا ترى الضب بها ينجحر

(لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) أي : لا يتكلم فيها متكلم بما هو لغو ، بل ينطق أهل الجنة بالحكمة.

(وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) : جمع نمرقة وهي المساند.

(وَزَرابِيُ) : هي البسط العراض ، وقيل : الطنافس التي لها خمل رقيق جمع زربية.

(مَبْثُوثَةٌ) : في المجالس.

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) : فإن قلت كيف انتظم ذكر الإبل مع السماء والأرض والجبال ولا مناسبة؟ قلت : إنما حسن ذلك ما عليه العربي من الفكرة عند هبوبه من نومه إلى جمله ثم النظر في مخايل السماء يريد المطر ، ثم إلى جبل يليه ، ثم إلى مكان يرعى فيه فلما وجدت المناسبة حسن الجمع. أشار إليه جار الله بغير هذه العبارة.

(بمسيطر) المسيطر : المسلط.

(إِيابَهُمْ) : رجوعهم.

٢٠٦

سورة الفجر

(وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ) : أقسم بالفجر كما أقسم بالصبح ، وأراد بالعشر : عشر ذي الحجة.

(وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) : فسّر بشفع الأشياء ووترها ، أو شفع هذه الليالي ووترها. والوتر بالكسر : الفرد ، والوتر بالفتح : الذحل (١) هذه لغة أهل العالية ، فأما أهل الحجاز فبالضد منه ، وأما تميم فبالكسر فيهما جميعا.

(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) : وحذف ياء يسري اكتفاء عنها بالكسرة ؛ هذا حال الوصل ، وأما حال الوقف فتحذف مع الكسرة ، وقيل معنى يسري أي : فيه.

(لِذِي حِجْرٍ) أي : عقل لأنه يحجر عن التهافت فيما لا ينبغي.

(بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) قيل لقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.

عاد كما يقال لبني هاشم : هاشم ، ثم قيل للأولين منهم : عاد الأولى وإرم تسمية لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة. وإرم عطف بيان لعاد.

ذات العماد : اسم المدينة ، وقرئ بعاد إرم ذات العماد ، أي : جعلها رميما ، والإرم : العلم يعني بعاد أهل أعلام ذات العماد ، ويجوز أن تكون صفة للقبيلة بمعنى أهل عمد يرحلون بها.

(جابُوا الصَّخْرَ) : قطعوه.

(ذِي الْأَوْتادِ) : لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا.

(لَبِالْمِرْصادِ) : المكان الذي يترقب فيه الرصد. مفعال من رصده كالميقات من وقته.

(وَلا تَحَاضُّونَ) : ولا يحثون.

(وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) : الميراث أصله موراث انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ، والتراث أصل التاء فيه واو ، تقول : ورثت أبي أرثه بالكسر ورثا ووراثة وورثة.

(أَكْلاً لَمًّا) أي : ذا لم وهو الجمع بين الحلال والحرام.

__________________

(١) الذحل : الحقد والعداوة.

٢٠٧

قال الحطيئة :

إذا كان لما يتبع الذم ربه فلا

قدس الرحمن تلك الطواحنا

والمعنى : أنهم يجمعون في أكلهم من نصيبهم ونصيب غيرهم ، وقيل : كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان. ويأكلون تراثهم مع تراثهم.

(حُبًّا جَمًّا) : كثيرا.

٢٠٨

سورة البلد

(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) : المراد الحرم.

(كَبَدٍ) أي : في مشاق.

(مالاً لُبَداً) قرئ بالضم والكسر (١) جمع لبدة وهو ما تلبد يريد الكثرة.

(وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) : طريقي الخير والشر (٢) ، وقيل : الثديين (٣).

(ذِي مَسْغَبَةٍ) المسغبة : المجاعة.

(ذا مَقْرَبَةٍ) يقال فلان ذو مقربة أي : ذو قرابتي وذو مقربتي.

(ذا مَتْرَبَةٍ) أي : ذا فقر من ترب إذا افتقر ، وأما أترب فمعناه : استغنى.

(أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي : أصحاب اليمين.

(أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) : أصحاب الشمال.

(مُؤْصَدَةٌ) : مطبقة من أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وأغلقته.

__________________

(١) قرأ أبو جعفر لبدا ، وقرأ زيد بن علي لبدا بسكون الباء ، ومجاهد وابن أبي الزناد بضمهما.

(٢) هو قول ابن مسعود أخرجه الحاكم وصححه.

(٣) أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس أنهما الثديان ، وروي ذلك عن ابن المسيب أيضا.

٢٠٩

سورة الشمس

(وَضُحاها) : ضوؤها إذا أشرقت ، وقيل الضحوة : ارتفاع النهار ، والضحى فوق ذلك والضحاء بالمد والفتح امتداد النهار.

(وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) : طالعا عند غروبها.

(وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) : عند انتفاخ النهار وانبساطه لأن الشمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء وقيل : الضمير للظلمة أو للأرض أو للدنيا وإن لم يجر لها ذكر كقولهم : أضحت باردة يريدون : الغداة ، وأرسلت يريدون : السماء.

(وَما طَحاها) : دحاها ، والطحو : الدحو ، والمراد البسط.

(مَنْ دَسَّاها) التدسية : النقص والإخفاء بالفجور.

(بِطَغْواها) : من الطغيان.

(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) : هو عاقر الناقة وهو سالف بن قدار.

(وَسُقْياها) : نصيبها من الشراب.

(فَدَمْدَمَ) أي : أطبق عليهم لم ينج صغير ولا كبير.

٢١٠

سورة الليل

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) : يحتمل أن يكون المغشي الشمس ويحتمل أن يكون النهار أما الأول فلقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) [الشمس : ٤] وأما الثاني فلقوله تعالى : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) [الأعراف : ٥٤] ، ويحتمل كل شيء يواريه بظلامه.

(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) : جمع شتيت ، أي إن مساعيكم مختلفة.

(إِذا تَرَدَّى) أي : نزل الحفرة ، وقيل تردى أي : نزل في قعر جهنم.

(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) : الدلالة على الحق أو بيان طرقه.

(ناراً تَلَظَّى) : تتوقد وتتلهب.

(لا يَصْلاها) : لا يقاسي حرها أو لا يدخلها.

(وَسَيُجَنَّبُهَا) : سيبعد عنها.

(يَتَزَكَّى) : يطهر به من الذنوب.

(تُجْزى) : تكافأ ، وقد نزلت في أبي بكر رضي الله عنه.

٢١١

سورة الضحى

(وَالضُّحى) المراد بالضحى : صدر النهار وخصه بالقسم لأنه الوقت الذي كلم الله فيه موسى وألقى فيه السحرة سجدا لقوله تعالى : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) [طه : ٥٩].

(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) أي : سكن ، وركد ظلامه ، والمراد : إما سكون الريح أو سكون أصوات العالم ومنه قولهم : " ليلة ساجية" ساكنة الريح ، وسجى البحر : سكنت أمواجه.

(ما وَدَّعَكَ) أي : ما قطعك قطع المودّع ، وقرئ بالتخفيف (١).

(وَما قَلى) أي : ما هجرك أو أبغضك ، وحذف المفعول من قلى ، طلبا لتشاكل الفواصل.

(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) : اختلفت أقوال المفسرين في معنى الضلال في هذه الآية ، أي : محبا ، أو ضالا في أزقة مكة ، والذي نراه أن ضالا بمعنى : غافلا عن أحكام الشرائع.

فهدى : فهداك إلى مناهجها بما أوحي إليك.

(عائِلاً) : فقيرا عديما.

(فَأَغْنى) : فرضاك بما أعطاك ومنحك.

(فَلا تَقْهَرْ) : فلا تغلبه على ماله ولا تستند له.

(فَلا تَنْهَرْ) : فلا تزجره ، وارفق به.

__________________

(١) روى البخاري عن جندب بن سفيان قال : اشتكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا ؛ فجاءت امرأة فقالت : يا محمد ، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث ؛ فنزلت والضحى. وعن ابن عباس وابن الزبير (ما ودعك) بالتخفيف ومعناه : تركك.

٢١٢

سورة ألم نشرح

(وِزْرَكَ) الوزر : الذنب.

(أَنْقَضَ) الانتقاض : هو الصوت الصادر عن الظهر.

(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) : قرن اسمه مع اسم الله تعالى في الأذان والإقامة والتشهد والخطب وفي غير موضع من القرآن.

(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) أي : اجتهد في العبادة ، والنصب : التعب والمعنى والله أعلم : ألم نفسح لك صدرك ـ بالحكمة والنبوة ـ قد أفسحنا.

٢١٣

سورة التين

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) أقسم بالتين والزيتون ، المراد بهما الفاكهتان المعروفتان واختلف فيهما ، فقيل : جبلان من جبال بيت المقدس أحدهما : طور زيتا والثاني : طور سينا ، وقيل : الزيتون جبال حلوان ، وهمذان ، وقيل : المراد منابت الجبلين.

(وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) : مكة حماها الله تعالى ، والأمين من أمن الرجل أمانة فهو أمين.

وقيل : أمان كما قيل : كرام في كريم ، وأمانة البلد : أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ، ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل كما وصف بالأمن في قوله تعالى : (حَرَماً آمِناً) [القصص : ٥٧] بمعنى : ذي أمن.

(أَسْفَلَ سافِلِينَ) : المراد بذلك أنه لما خلقه خلقا في أحسن تقويم لم يقابل ذلك بالشكر فردّ إلى أسفل سافلين ، واختلف في ذلك فقيل : المراد الدركات التي هي أسفل شيء في النار ، وقيل : المراد رجوعه إلى ما كان عليه أولا من ضعف التركيب وهو المراد بقوله تعالى : (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) [يس : ٦٨].

(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) : هو خطاب للإنسان على طريقة الالتفات.

٢١٤

سورة العلق

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) المراد بالإنسان : استغراق الجنس ، والعلق : جمع علقة وهي الكائنة من النطفة وجمعت نظرا إلى الجنس.

(كَلَّا) : ردع لمن كفر النعمة بطغيانه.

(الرُّجْعى) : مصدر كالبشرى بمعنى : الرجوع.

(لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) : السّفع : القبض على الشيء ، والناصية : مقدم الرأس.

قال عمرو بن معدي كرب :

قوم إذا وقع الصريخ رأيتهم

ما بين ملجم مهره أو سافع

(سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) : الزبانية في كلام العرب الشّرط الواحد زبنيّة كعفرية من الزبن وهو الدفع ، وقيل : زبني ، وكأنه نسب إلى الزبن ثم غير النسب كقولهم : إمسي ، وأصله زباني ، فقيل : زبانية على التعويض والمراد : ملائكة العذاب.

(كَلَّا) : ردع وزجر.

(وَاقْتَرِبْ) أي : تقرب إلى ربك ، وفي الحديث : " أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد".

٢١٥

سورة القدر

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ) : الضمير يعود إلى القرآن ، وليلة القدر مختلف فيها فأكثرهم على أنها في العشر الأواخر من رمضان. وأكثر القول على أنها السابعة منها. ولعل الداعي لإخفائها أن يحيي من يريدها الليالي الكثيرة طلبا لموافقتها فتكثر عبادته فيضاعف ثوابه ، ومعنى ليلة القدر : تقدير الأمور ، من قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان : ٤] وقيل : سميت بليلة القدر لخطرها وشرفها على سائر الليالي من ارتفاع القدر.

فإن قيل : ما الحكمة في تخصيص هذه المدة وهي ألف شهر؟ يروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فعجب المؤمنون من ذلك وتقاصرت إليهم أعمالهم ، فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي ، وقيل : إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له : عابد حتى يعبد الله ألف شهر ، فأعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد.

(سَلامٌ هِيَ) : تقديره ما هي إلا سلامة ، لا يقدر الله فيها إلا السلامة والخير ، ويقضي في غيرها بلاء وشقاء وسلامة. أو ما هي إلا سلام لكثرة ما يسلمون على المؤمنين.

(مَطْلَعِ) : بفتح اللام (١) وكسرها (٢).

__________________

(١) قراءة الجمهور.

(٢) قراءة الكسائي.

٢١٦

سورة القيمة" البينة"

(مُنْفَكِّينَ) : مأخوذ من انفكاك العظم من مفصله. كان الكفار من الفريقين أهل كتاب وعبدة الأوثان فكانوا يقولون : لا ننفك عن ديننا حتى يأتينا الرسول. فأهل الكتاب كانوا يقولون : حتى يبعث الله محمدا الموصوف عندنا في التوراة والإنجيل فلما جاءهم ما زادهم إلا طغيانا وكفرا. والمشركون لما جاءهم عاندوا.

(قَيِّمَةٌ) : مستقيمة ناطقة بالحق.

(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : فإن قلت جمع بين أهل الكتاب والمشركين ثم خص أهل الكتاب بالتفرق ، قلت : لأنهم كانوا على علم بوجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا وصفوا بالتفرق مع العلم كان من لا كتاب له أدخل في هذا الوصف.

(حُنَفاءَ) : غير مائلين.

(وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) التقدير : دين الملة القيمة.

(الْبَرِيَّةِ) وقرأ نافع بهمز البرية ، والبرية مما استمر الاستعمال على تخفيفه ورفض الأصل.

٢١٧

سورة الزلزلة

(زِلْزالَها) الزلزال : الاضطراب والتحرك ، فإن قلت : ما معنى الإضافة؟ قلت : ما تستوجبه في الحكمة ومشيئة الله تعالى ، وهو الزلزال الشديد الذي بعده سكون.

(أَثْقالَها) : جمع ثقل وهو متاع البيت ، جعل ما في جوفها من الذخائر أثقالا ، وهذه الزلزلة تكون عند النفخة الثانية حين تلفظ الأرض أمواتها أحياء.

(أَشْتاتاً) : متفرقين إما إلى الجنة وإما إلى النار.

(مِثْقالَ ذَرَّةٍ) الذرة : النملة ، وقيل : ما يرى في إشعاع الشمس ، وحكي أن أعرابيا قرأ شرا يره مقدما فقيل له : قدمت وأخرت فقال : هذا مثل يستعمل في التخيير وأنشد :

خذا بطن هرشي أو قفاها فإنه

كلا جانبي هرشي لهن طريق

قلت : قال الجوهري : هرشي ثنية في طريق مكة في طريق الجحفة يرى منها البحر ولهما طريقان ، وكل من سلكهما كان مصيبا.

٢١٨

سورة العاديات

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) : أقسم بخيل الغزاة عاديات ، والضبح : صوت يصدر من أجوافها ، وحكى عن ابن عباس : الصوت ، فقال : أح أح ، قال عنترة :

والخيل تكدح في حياض الموت ضبحا

(فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) : تورى بسنابكها النار وهو المسمى بنار الحباحب ، والقدح : الصك والإيراء : إخراج النار ، تقول : قدح فأورى ، وقدح فأصلد.

(نَقْعاً) النقع : الغبار الصادر من حوافر الخيل.

(جَمْعاً) : يريد به جمع الأعداء ، ووسطه بمعنى : توسطه ، والضمير في" به" يحتمل أن يعود على مكان الغارة ، أو على العدو الذي دل عليه والعاديات ، ويحتمل أن يراد بالنقع الصوت من قوله عليه‌السلام : " ما لم يكن نقع ولا لقلقة".

وقرأ أبو حيوة : فأثّرن بالتشديد أي : أظهرن.

(لَكَنُودٌ) الكنود : الكفور ومنه : كند النعمة إذا كفرها ومنه سمي كنده لأنه كند أباه ففارقه. وعن الكلبي الكنود بلسان كنده : العاصي ، وبلسان بني مالك : البخيل ، وبلسان مضر وربيعة : الكفور.

٢١٩

سورة القارعة

(الْقارِعَةُ) : التي تقرع العالم بهولها مأخوذ من قرع العصا للرأس ، والمراد بها القيامة والقارعة : الداهية ، والقارعة : ساحة الدار.

(كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) : الفراش اسم لطائر يدور حول السراج ويحرق نفسه فيه قال جرير يهجو الفرزدق :

إن الفرزدق ما علمت وقومه

مثل الفراش غشين نار المصطلى

وسمي فراشا لتفرشه وانتشاره ، ومن أمثالهم : " أضعف من فراشة وأذل وأجهل".

(كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) العهن : الصوف المصبوغ ألوانا ، ووجه التشبيه أن الجبال بعضها حمر وبعضها بيض وبعضها سود ، فإذا دكت واختلطت أشبهت القطن المصبوغ قال الله تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ) [فاطر : ٢٧].

(فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) : من قولهم : هوت أمه إذا دعي عليه بالهلكة ؛ لأنه متى هلك هوت أمه أي : سقطت وتهالكت عليه ثكلا قال الشاعر : (١)

هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا

وما ذا يرد الليل حين يثوب

وقيل الهاوية : النار ، ويقال للمأوى : أم على التشبيه لأن الأم مأوى الولد ، وعن قتادة : فأم رأسه هاوية في قعر جهنم لأنه يطرح فيها منكوسا.

(ما هِيَهْ) : ضمير القارعة (٢).

(ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) : رجحت مقادير حسناته.

__________________

(١) هو كعب بن سعد الغنوي.

(٢) الصواب أن الضمير إما يعود على الداهية التي دل عليها قوله تعالى : فأمه هاوية ، أو ضمير هاوية.

٢٢٠