الترجمان عن غريب القرآن

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني

الترجمان عن غريب القرآن

المؤلف:

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3996-7
الصفحات: ٢٤٠

سورة الحديد

(مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) : جعلكم خلفاء في ماله الذي أوجده.

(وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) أي : المثوبة الحسنى.

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) : القرض لغة القطع وفيه لغتان ـ بكسر القاف وفتحها.

(انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) أي : انظروا إلينا ، وقرئ : أنظرونا من النظرة وهي الإمهال.

(فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) أي : بحائط حائل بين أهل الجنة وأهل النار قيل : هو الأعراف.

(هِيَ مَوْلاكُمْ) أي : أولى بكم ، ويجوز أن تكون : هي ناصركم ، على معنى لا ناصر لكم غيرها والمراد : نفي الناصر ، ومن هذه المادة قوله تعالى : (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) [سورة الكهف : آية ٢٩] على معنى لا غوث.

١٦١

سورة المجادلة

(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) : هي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة رآها وهي تصلي فلما سلمت راودها فأبت وغضب وظاهر منها ـ والظّهار كان من أيمان جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم ؛ كانوا يقولون : أنت علي كظهر أمي.

(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) التحرير : العتق ، والرقبة عبارة عن الذات كلها وهو من مجاز إطلاق البعض وإرادة الكل.

(كُبِتُوا) أي : أخزوا وأهلكوا.

(مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) النجوى : التناجي ؛ وهو السر بين اثنين.

(وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) النشوز : الارتفاع والنهوض للتوسعة.

(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) أي : وقاية.

(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) : استولى عليهم وهو أحد ما جاء على الأصل نحو استحوذ واستصوب واستوفز.

(أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ) حزبه : جنوده وأعوانه.

١٦٢

سورة الحشر

(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ) الجلاء : الخروج من الأوطان ، تقول : جلوا عن أوطانهم وجلوتهم يتعدى ولا يتعدى.

(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) اللينة : النخلة ـ من الألوان ـ وهي ضروب النخل ما خلا العجوة والبرنية وقيل : النخلة الكريمة مشتقة من اللين.

(فَما أَوْجَفْتُمْ) الإيجاف : من الوجيف وهو السير السريع.

(دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) : الدولة ـ بالضم والفتح ـ ما يدول للإنسان أي : يدور من الجد.

(وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) : متفرقة.

(وَبالَ أَمْرِهِمْ) الوبال : الخسران مأخوذ من قولهم : كلأ وبيل : أي : وخيم.

(الْقُدُّوسُ) : بالضم والفتح : المطهر المنزه.

(السَّلامُ) بمعنى : ذو السلامة (١) ومنه : " دار السلام" وقرئ المؤمن ـ بفتح الميم الثانية ـ ومعناه : المؤمن به على حذف الجار.

(الْمُهَيْمِنُ) : الرقيب مفتعل من الأمن وقد تقدم.

(الْجَبَّارُ) : القهار.

(الْمُتَكَبِّرُ) : البليغ الكبرياء والعظمة.

(الْبارِئُ) : المميز بعض الأشياء من بعض بالأشكال والصور.

__________________

(١) قال ابن عباس : إنه مأخوذ من سلامة عباده من ظلمه.

١٦٣

سورة الممتحنة

(تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) الإلقاء : عبارة عن اتصال المودة والإفضاء بها إليهم ، يقال : ألقى إليه خراشي صدره بالخاء المعجمة إذا أفضى إليه بأسراره.

(وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ) المظاهرة : المعاونة ، ومنه ظاهر بين درعين إذا لبسهما.

(وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) العصم : ما يعتصم به من عهد وسبب. يعني إياكم وإياهم ولا يكن بينكم وبينهم عصمة ولا علقة زوجية. وعن ابن عباس : " من كانت له امرأة كافرة فلا يعتدن لها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه" وعن مجاهد هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر.

(وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) : تقول لزوجها هذا ولدي منك ، فكنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا وذلك بأنها تحمله بين يديها وفرجها.

١٦٤

سورة الصف

(كَبُرَ مَقْتاً) المقت : أشد البغض.

(بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) : بعضه على بعض (١).

(فَلَمَّا زاغُوا) الزيغ : الميل.

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) نور الله : القرآن. تهكم جعلهم بمنزلة من يريد أن يطفئ ضوء الشمس بالنفخ.

(مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) إلى بمعنى : مع ، ولم يرتضه جار الله.

(قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) : هم أصفياء الله وخلصاؤه وكانوا اثنى عشر رجلا. والحواري : الدّرمك. وقيل : كانوا قصّارين كانوا يحورون الثياب ، أي : يبيضونها.

(فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) أي : غالبين.

__________________

(١) بنيان مرصوص : متلاصق محكم.

١٦٥

سورة الجمعة

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) الأمي : الذي لا يقرأ ولا يكتب ، قيل : بدأت الكتابة بالطائف أخذوها من أهل الحيرة وأهل الحيرة من الأنبار. وقرئ : في الأميين بحذف ياء النسب.

(يَحْمِلُ أَسْفاراً) : جمع سفر ، والسفر : الكتاب الكبير من كتب العلم.

(إِنْ زَعَمْتُمْ) : الزعم مثل الرأي ، ويكون بمعنى : الظن ، وبمعنى : الاعتقاد ، وبمعنى : الكذب.

(إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) النداء : الأذان ، وقالوا المراد به الأذان عند قعود الإمام على المنبر ، وأول من سماها جمعة" كعب بن لؤي" وفيها ثلاث لغات وكان يقال لها : العروبة.

(تِجارَةً أَوْ لَهْواً) اللهو : الغناء والمراد بها هنا : صوت الطبل والتصفيق ، لأنهم كانوا إذا قدمت عليهم عير من الشام حاملة تجارة أو ميرة يتلقونها بالطبول والتصفيق (١).

__________________

(١) روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة ، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا ـ في رواية أنا فيهم ـ فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة.

وعند الدارقطني من حديث جابر. أنهم انفضوا غير أربعين رجلا أنا فيهم. والسبب في تركهم استماع الخطبة ما ذكره أبو داود بسنده عن مقاتل بن حيان قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين ، حتى كان يوم جمعة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب ، وقد صلى الجمعة ، فدخل رجل فقال : إن دحية بن خليفة الكلبي قدم بتجارة ، وكان دحية إذا تقدم تلقاه أهله بالدفاف ؛ فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء فنزلت.

١٦٦

سورة المنافقون

(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) الجنّة : الوقاية.

(ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) : ساء أخت بئس.

(كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) (١) : جمع الخشبة خشب وخشب وخشب وخشبان شبههم بالخشب المسندة لعدم الانتفاع بها ، وإنما ينتفع بها إذا كانت في سقف أو حائط أو باب وإذا كانت ملصقة إلى الجدر فلا نفع بها ، ويجوز أن يكون شبههم بالأصنام المنحوتة لأنها لا ينتفع بها. فكأنهم مثلها في المنظر وعدم المخبر.

(لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) أي : عطفوها إعراضا.

(لَوْ لا أَخَّرْتَنِي) : لو لا هاهنا بمعنى : هلّا للتحضيض.

__________________

(١) قرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي خشب ، واحدتها : خشبة مثل : بدنة وبدن.

١٦٧

سورة التغابن

(لَهُ الْمُلْكُ) الملك : اسم المصدر ، والمصدر : الملك ، والملك عبارة عن استيلاء الملك على البلاد والعباد وتقديم في الملك والحمد يدلان على الاختصاص وأما ملك غيره فتسليط واسترعاء.

(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الزعم : ادعاء العلم ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وزعموا مظنة الكذب) وعن سريح : " لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا" ، فإن كان بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين.

(ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) : مستعار من تغابن القوم في التجارة يفسره ما جاء في الحديث : " ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار ـ لو أساء ـ ليزداد شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة" (١). ومعنى ذلك يوم التغابن.

__________________

(١) الحديث في الصحيح.

١٦٨

سورة الطلاق

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) : خص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنداء وعمّ بالخطاب لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمام أمته وقدوتهم. كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت إظهارا لتقدمه واعتبارا برئاسته وكأنه وحده في حكم كلهم ومعنى طلقتم : إذا أردتم الطلاق.

(وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) : أحصى الشيء يحصيه إحصاء إذا عدده وضبطه ، نحن أكثر منهم حصى ، أي : عددا. والحصو : المنع.

قال (١) :

ألا تخاف الله إذ حصوتني

حقي بلا ذنب وإذ عنّيتني؟

(ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ) الوعظ : النصح والتذكير بالعواقب.

(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) اليأس : القنوط وقد يئس من الشيء ييأس وفيه لغة يئس ـ بالكسر فيهما ـ وهو شاذ ، قال المبرد : منهم من يبدل في المستقبل الياء الثانية ألفا ياأس ، ويئس بمعنى علم في لغة النخع ومنه قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الرعد ـ ٣١].

(مِنْ وُجْدِكُمْ) (٢) الوجد : الوسع والطاقة وقرئ بالحركات الثلاث.

(وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) : الائتمار بمعنى : التآمر ، كالاشتوار بمعنى : التشاور ويقال : ائتمر القوم إذا أمر بعضهم بعضا.

(عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) : أعرضت عنه على حد العتو والعناد.

__________________

(١) هو بشير الفريري.

(٢) قرأ ابن يعقوب الحضرمي وهو صاحب قراءة متواترة من وجدكم. وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي عسلة من وجدكم.

١٦٩

سورة التحريم

(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) فيه معنيان ، الأول : قد شرع الله لكم الاستثناء في أيمانكم من قولهم : " حل فلان في يمينه إذا استثنى فيه" ، ومنه : " حلا أبيت اللعن" أي : استثن ، ومنه" يا حالف اذكر حلّا في يمينك إذا طلقت". وذلك أن يقول : إن شاء الله عقبها. والثاني : قد شرع لكم تحليلها بالكفارة.

(قانِتاتٍ) القنوت : الطاعة ، طاعة الله وطاعة رسوله.

(ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) : وسطت الواو دون باقي الصفات لوجود التنافي إذ لا يجتمعان بخلاف البواقي لاحتمال الاجتماع فيهن.

(تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) : وصفت التوبة بالنصح على سبيل المجاز ، والنصح صفة التائبين أن يأتوا بها متداركة للفرطات ماحية للسيئات عازمين على أن لا يعودوا موطنين أنفسهم على ذلك. وعن علي تجمعها ستة أشياء : الندم على الماضي من الذنوب ، والإعادة للفروض ، ورد المظالم واستحلال الخصوم ، والعزم على عدم العود ، وأن تدئبها في طاعة الله تعالى كما أدأبتها في معصيته ، وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي.

(جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) : الكفار بالسيف ، والمنافقين بالاحتجاج.

(امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) : لما نافقتا وخانتا الرسولين لم يغن الرسولان عنهما شيئا ، وإن كان قد وقعت صلة الزوجية. ثم ضرب الله المثل بالمرأتين الصالحتين وإن كان قومهما كفارا مريم وامرأة فرعون فإن قيل : ما خيانة امرأة نوح؟ قيل : إنها كانت تقول لقومها هو مجنون. وأما امرأة لوط فدلت على ضيفانه ، واسم امرأة فرعون آسية بنت مزاحم ، وقيل : هي عمة موسى آمنت حين سمعت بتلقف عصا موسى الإفك.

(وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) : غلّب الذكورة على الأنوثة ، وقيل : اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط واهلة ، قال جار الله : وحديث أثر الصنعة عليه ظاهر بيّن.

١٧٠

سورة الملك

(تَبارَكَ) : تعالى عن صفات المخلوقين وتعاظم.

(بِيَدِهِ الْمُلْكُ) أي : هو مستول على كل موجود حاصل ، وعلى كل موجود لم يوجد داخل تحت القدرة ، وذكر اليد مجاز (١) عن الإحاطة والشمول.

(خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) الموت : عدم الإحساس ، والحياة : وجود الإحساس (٢).

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) : ليس الغرض التثنية وإنما الغرض التكرار لأنه لا ينقلب خاسئا حسيرا بمرتين ، ونظيره لبيك وسعديك أي : تلبية بعد تلبية.

(رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) : جمع رجم وهو مصدر سمي به ما يرجم به ، ومعنى كونها ما يرجم به أن الشهب التي تنقض لرمي المسترقة منفصلة من نار الكواكب. لا أن الرجم يقع بالكواكب لأنها قارة في أفلاكها وما ذاك إلا كقبس يؤخذ من النار.

(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) التميّز هاهنا : التقطع.

(ذَلُولاً) الذلول : المطيعة من النياق ، واستعارها للأرض ثم جعل المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ، والمناكب هاهنا : الجبال وهو أبلغ في التذليل.

(صافَّاتٍ) : باسطات أجنحتها ، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء.

(مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) : فجعل أكبّ مطاوع كبّه لأنهم يقولون : كبه فأكبّ ولم يقولوا : فانكب وهو من الشواذ ، وذلك لأن الثلاثي متعد والرباعي لازم ، ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع ولا شيء من بناء أفعل مطاوعا ، وهذا منقول من جملة كتاب سيبويه ، وقال الزمخشري : هو من باب انقض ومعناه دخل في الكب فصار ذا كب وكذلك أقشع السحاب دخل في القشع بجعل الهمزة للصيرورة ، مثل أغدّ البعير وأحصد الزرع.

(سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : عليها الكآبة وغشيها الكسوف كحال من

__________________

(١) قال ابن عباس : بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويحيي ويميت ، ويغني ويفقر ، ويعطي ويمنع ، والمؤلف هاهنا يؤول صفة اليد تأويلا غير مراد ، يشبه تأويل المعتزلة والأشاعرة.

(٢) ما ذكره المؤلف هنا جرى فيه مجرى الزمخشري في تفسيره ، وهو أشبه برأي المعتزلة في أن الموت عدم وهو خطأ ، ومعتقد أهل السنة والجماعة أنه أمر وجودي يضاد الحياة.

١٧١

يقاد إلى القتل أو يعرض على العذاب.

(كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) : يجوز أن يكون تفتعلون من الدعاء تطلبونه وتستعجلونه ، وقيل : من الدعوى أي : كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون.

(ماؤُكُمْ غَوْراً) أي : غائرا ذاهبا في الأرض ، وعن الكلبي لا تناله الدلاء ، وهو وصف بالمصدر كعدل ورضى. وعن بعض الجهال أنه لما قرأ هذه الآية قال : تأتي به الفئوس والمعاول فذهب ماء عينه نعوذ بالله من الجرأة على كلامه المعجز.

١٧٢

سورة ن

قال جار الله المراد بنون الحرف المعروف من حروف المعجم ، وقول من قال : أراد به الدواة لا أدري أهو وضع لغوي أم شرعي.

وقال الجوهري : النون : الحوت وجمعه أنوان ونينان ، والنون : شفرة السيف ، قال الشاعر :

بذي نونين مفصال مقط (١)

والنون اسم سيف لبعض العرب قال الشاعر (الحارث بن زهير) :

سأجعله مكان النون مني

وما أعطيته عرق الخلال

والنون حرف من حروف العجم.

(وَالْقَلَمِ) : لا تسمى اليراعة قلما. إلا إذا بريت ، وقد تقدم وأقسم به لما فيه من المنافع والفوائد.

(الْمَفْتُونُ) ومفتون أي : مجنون لأنه فتن أي : مجن بالجنون ، والمفتون مصدر كالمعقول والمجلود والمحصول والميسور والمعسور ، قال سيبويه : مهما جاء من هذا الوزن فهو صفة ولا يجيء المصدر عندهم على وزن مفعول البتة. ويتأول قولهم : دعه إلى ميسوره ومعسوره إلى أمر يوسر فيه أو أمر يعسر فيه.

(لَوْ تُدْهِنُ) أي : تلين وتصانع.

(هَمَّازٍ) : كبير الغيبة ، وقال الحسن : يلوي شدقيه في أقفية الناس.

(مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) : نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية.

(زَنِيمٍ) (٢) : مجاوز للظلم.

(عُتُلٍ) : جاف غليظ من عتله إذا ساقه بعنف ، وقيل زنيم : دعي ، قال حسان : وأنت زميم نيط في آل هاشم : كما نيط خلق الراكب القدح الفرد ، قيل المراد به : الوليد بن المغيرة ، وكان دعيا في قريش.

(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) الوسم : العلامة ، والخرطوم : الأنف ، والخرطوم من أسماء الخمر وهو كناية عن الإهانة ، لأن الأنف محل العز والأنفة والشمم.

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ) : يريد أهل مكة.

__________________

(١) البيت لا يعرف قائله ، وقد ورد في اللسان هكذا : بذي نونين فصال مقط.

(٢) زنيم : دعي ملصق بقومه أو شرير.

١٧٣

(أَصْحابَ الْجَنَّةِ) : قوم من أهل الصلاة ، كانت لأبيهم جنة ، هذه الجنة دون صنعاء اليمن بفرسخين ، وكان يأخذ منها قوت سنته ، ويتصدق بالباقي ، فشحت نفوس أولاده فأحرقها الله تعالى.

(وَلا يَسْتَثْنُونَ) : في يمينهم وهو قولهم : إن شاء الله ، قال جار الله : " كيف سمي استثناء وهو شرط؟ فأجاب : أنه يؤدي مؤدى الاستثناء من حيث أن معنى قولك لأخرجن إن شاء الله ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد".

(كَالصَّرِيمِ) أي : كالمصرومة لهلاك ثمرها ، وقيل الصريم : الليل. أي : احترقت فاسودت وقيل : النهار وهو من الأضداد ، وقيل الصريم : الرمال.

(يَتَخافَتُونَ) : يتسارون ، وخفي وخفت وخفد ثلاثتها في معنى الكتم.

(عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) الحرد : المنع من حاردت السنة إذا منعت خيرها.

وحاردت الإبل إذا منعت درها وقيل الحرد : الحنق والغضب وقيل : القصد والسرعة ، يقال : حردت حردك إذا قصدت قصدك قال :

أقبل سيل جاء من عند الله

يحرد حرد الحية المغلة (١)

والمعنى غدوا على جنتهم بسرعة.

(لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) التسبيح هاهنا : الاستثناء ، وقيل : المراد به الصلاة لأنهم كانوا يتوانون عنها.

(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) : مثل يضرب لشدة الأمر (٢).

(مِنْ مَغْرَمٍ) المغرم : الغرامة.

(وَهُوَ مَكْظُومٌ) المكظوم : الممتلئ غيظا من كظم السقاء إذا ملأه.

(لَيُزْلِقُونَكَ) ـ بضم الياء وفتحها ـ (٣) : يعني أن عيونهم تؤثر فيك حتى تزلق قدمك. أو يهلكونك بأبصارهم.

__________________

(١) البيت لا يعرف قائله ، والمغلة : التي لها دخل وثمار.

(٢) روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : " يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا" ، وأما ما ذهب إليه المؤلف من معنى وإن كان صحيحا في ذاته فهو غير مراد هنا ؛ لأن الآية من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه ، فيجب الإيمان به على مراد الله منه.

(٣) قرأ نافع وأبو جعفر : ليزلقونك بفتح الياء.

١٧٤

سورة الحاقة

(الْحَاقَّةُ) : الساعة الواجبة الوقوع الآتية بلا ريب فيها ، أو التي فيها حواق الأمور من الحساب والثواب والعقاب. أو التي تحقّ فيها الأمور ، من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته. جعل الفعل لها وهو لأهلها.

(بِالْقارِعَةِ) : التي تقرع الأسماع بالأهوال.

(بِالطَّاغِيَةِ) أي : بالواقعة المجاوزة الحد في الشدة ، واختلف فيها ، فقيل : الرجفة وقيل : الصاعقة ، وقيل : الطاغية مصدر كالعافية.

(بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) الصرصر : الشديدة الصوت لها صرصرة من قولهم : إذا صرصر البازي فلا ديك يصرخ ، وقيل : الباردة من الصر عاتية ، شديدة العصف ، وقيل : عتت على عاد فلم تقدر على ردها ؛ لأنها كانت تنزعهم من أماكنهم ومن آبارهم التي ينزلون فيها.

(وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) : إما أن تكون جمع حاسم وهو القاطع ومنه الحسام : السيف كشاهد وشهود ، أو يكون مصدرا كالكفور والشكور ، والمراد بالحسوم أنها حسمت كل خير ، قيل : إنها أيام العجوز وهي إشارة إلى عجوز من عاد تورات في سرب فانتزعتها الريح ، وقيل : من عجز الشتاء وهي آخر الشتاء ، وقيل : متتابعة ، ويقال الحسوم : الشوم ، ومعنى سخرها عليهم أي : سلطها عليهم كما يشاء.

(رابِيَةً) : مرتفعة.

(طَغَى الْماءُ) أي : ارتفع وكبر شأنه.

(حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) الجارية : السفينة اشتق لها من فعلها.

(وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) قال جار الله : لم جيء به على التوحيد والتنكير؟ قلت : إيذان بأن الوعاة فيهم قلة.

(فَدُكَّتا) الدك : ضرب بعض الشيء ببعضه حتى يندق ، وهو أبلغ من الدق.

(واهِيَةٌ) أي : ضعيفة ، وقيل مسترخية ساقطة القوة بعد أن كانت محكمة.

(خافِيَةٌ) سريرة.

(هاؤُمُ) : صوت يفهم منه خذ.

(إِنِّي ظَنَنْتُ) أي : علمت وإنما أجري الظن مجرى العلم لأن الظن الغالب يقام مقام العلم في العادات والأحكام ، يقال : أظن كاليقين أن السر كيت وكيت.

١٧٥

(فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي : راض صاحبها ، وقيل : أسند إليها الرضى على حكم الملابسة.

(قُطُوفُها دانِيَةٌ) : ينالها القاعد والقائم.

(الْخالِيَةِ) : الماضية ، وقيل : المراد بها أيام الصيام.

(يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) أي : القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها. وقيل : المراد الحالة التي شاهدها ـ ليتها كانت الموتة التي قضيت عليّ ـ لأنه رآها أبشع وأمرّ مما ذاقه من الموت فتمناه عندها.

(ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) : يحتمل النفي ويحتمل الاستفهام على وجه الإنكار. أي : أي شيء أغنى عني مما كان لي من اليسار.

(سُلْطانِيَهْ) : الهاء للسكت ، والسلطان هاهنا : الملك.

(الْجَحِيمَ) : النار العظمى.

(فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) أي : اجعلوا السلسلة سلكا له كالسلك الواقع فيه الخرز واللؤلؤ وهو الخيط ، ووصفها بالسبعين إرادة الطول كقوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) يريد : مرات كثيرة.

(وَلا يَحُضُ) أي : يحث.

(غِسْلِينٍ) الغسلين : ما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم.

(الْخاطِؤُنَ) : الآثمون. وخطئ الرجل إذا تعمد الذنب. قال الجوهري ، وقال أبو عبيدة خطئ وأخطأ لغتان بمعنى واحد ، وفي المثل" مع الخواطئ سهم صائب" ، وقال الأموي : المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره ، والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي.

(تَقَوَّلَ عَلَيْنا) : افتعل القول ، والأقاويل جمع أقوولة أفعولة تصغيرا لها وتحقيرا مثل : الأعاجيب والأضاحيك.

(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) : أبرز هذا القول في جزاء من كذب على الملك ومعنى هذا القول أنه يقتضي قتله صبرا لكونه يؤخذ بيمينه ثم يقطع وتينه ، والوتين : نياط القلب ، وهو حبل الوريد إذا قطع مات صاحبه.

(فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) : مانعين ، وهو إخبار عن أحد لأن أحد ؛ في معنى الجماعة ، والضمير في : " عنه" للقتل.

(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) أي : عين اليقين. والله تعالى أعلم.

١٧٦

سورة المعارج

(سَأَلَ سائِلٌ) : ضمن سأل دعا ؛ فلذلك عداه بحرف الجر ، قيل الداعي : النضر بن الحارث (١) لأنه قال : فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، وقيل : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استعجل عذاب الكافرين. وقرئ : سال سائل وهي لغة قريش.

(ذِي الْمَعارِجِ) أي : المصاعد ، جمع معرج.

(خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) : من سني الدنيا ، وقيل فيه خمسون موطنا ، كل موطن ألف سنة.

(كَالْمُهْلِ) المهل : دردي الزيت.

(كَالْعِهْنِ) والعهن : الصوف المصبوغ ألوانا ؛ لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود فإذا بست وطيّرت في الجو أشبهت العهن المنفوش.

(يُبَصَّرُونَهُمْ) : الضمير راجع إلى الحميم والحميم ، وهما اثنان والضمير جمع.

قال جار الله : راعى معنى العموم أي : لكل حميمين حميمين لا لحميمين اثنين فقط.

(وَفَصِيلَتِهِ) : عشيرته الأدنون الذين فصل عنهم.

(تُؤْوِيهِ) : تضمه.

(إِنَّها لَظى) : الضمير للنار ولم يجر لها ذكر ؛ لكن ذكر العذاب دل عليها.

ويجوز أن يكون ضميرا مبهما ترجم عنه الخبر ، أو ضمير القصة ، ولظى : علم للنار منقول من اللظى وهو اللهب ؛ لأن تلظّي النار التهابها.

(نَزَّاعَةً لِلشَّوى) الشوى : الأطراف ، أو جمع شواه : وهو جلدة الرأس.

(تَدْعُوا) أي : تدعوهم مجاز (٢) عن إحضارهم ، ومنه قول أبي النجم :

تقول للرائد

أعشبت أنزل

وقيل : تدعو : تهلك. من قول العرب : " دعاك الله" ، أي : أهلكك الله.

__________________

(١) أخرج الحاكم عن سعيد بن جبير أنه النضر بن الحارث. قال الذهبي : حديث صحيح على شرط البخاري.

(٢) الصواب أن الدعاء على حقيقته ، إذ يخلق الله تعالى فيها النار القدرة على الكلام فتناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم.

١٧٧

(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) المراد الناس ويؤيده الاستثناء إلا المصلين ، والهلع : سرعة الجزع عند مس المكروه ، وسرعة المنع عند مس الخير. وقولهم : ناقة هلواع ، أي : سريعة السير ، والخير في الآية : المال.

(لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) المحروم : المتعفف الذي يظن أنه غني فيحرم.

(قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) أي : يمدون أعناقهم مقبلين بأبصارهم.

(عِزِينَ) : مفترقين جمع عزة.

(يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) الأجداث : القبور ، وقيل : تبدل الثاء فاء.

(إِلى نُصُبٍ) : وهو كل ما نصب لغير عبادة الله تعالى.

(يُوفِضُونَ) : يسرعون.

١٧٨

سورة نوح

قال جار الله : (لَيْلاً وَنَهاراً) دائبا من غير فتور مستغرقا به الأوقات كلها ، قلت وفي كلامه نظر إذ لا يمكن استغراق الأوقات لوجود الضرورات الإنسانية من قضاء الحاجة والأكل والنوم ، وإنما ذلك على سبيل المبالغة ، كقولهم" إن فلانا لا يضع عصاه عن عاتقه".

(وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) : وضعوا ثيابهم على وجوههم كراهة النظر إليه ، وقيل لئلا يعرفهم ويعضده قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) [هود ـ ٥].

(وَأَصَرُّوا) : قال جار الله من أصرّ (١) الحمار على العانة صر أذنيه وأقبل عليها يكدمها ويطردها ، واستعير للإقبال على المعاصي والإكباب عليها ، ويقال : أصر على الشيء إذا داوم عليه ، ومن ذلك قولهم في اليمين : " هي مني صرى" أي : عزمة وجد ، وهي مشتقة من أصررت على الشيء.

(مِدْراراً) : كثير الدرور.

(لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) أي : توقيرا.

(أَطْواراً) أي : تارات ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما ثم أنشأناه خلقا آخر.

(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) فإن قيل : فالقمر في سماء الدنيا ، قلت بين السماوات ملابسة من حيث إنها طباق فجاز أن يقال : فيهن كذا ، وإن لم يكن في جميعها. كما يقال : في المدينة كذا وهو في بعض نواحيها.

(مَكْراً كُبَّاراً) : أكبر من الكبير ، والكبّار : أبلغ الكبار ، ونحوه : طوال وطوّال.

(وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) : أسماء أصنامهم ، وانتقلت من

__________________

(١) أصر الحمار على العانة ... الخ ، هو رأي الزمخشري ونقله عنه المؤلف ، ولعل الصحيح والله أعلم أن المراد بالصرّ : الشد والتعقد وهي مشتقة من قولهم : " أصررت على الشيء" إذا أقمت ودمت عليه. ومنه قوله تعالى : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران ـ ١٣٥] ، وفي الآية عزموا على الكفر. والله أعلم.

١٧٩

قوم نوح إلى العرب ، فود لكلب ، وسواع لهمذان ، ويغوث لمذحج ، ويعوق لمراد ، ونسر لحمير ، وقيل : كان ود على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر.

(وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) : فإن قلت : بم علم أنهم يلدون إلا فاجرا كفارا؟ قلت : لأن نوحا لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم فقد عرفهم ، وكان الرجل ينطلق إليه بابنه ويقول له : احذر هذا فإنه كذاب فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك. وأنصع من هذا الجواب أن الله تعالى أخبر عن قوم نوح : (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود ـ ٣٦] فعلم أن من ولد لا يكون مؤمنا ، ووصفهم بما يصيرون إليه من الكفر والفجور كقوله عليه‌السلام : " من قتل قتيلا فله سلبه".

(تَباراً) : هلاكا.

١٨٠