الترجمان عن غريب القرآن

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني

الترجمان عن غريب القرآن

المؤلف:

أبي المحاسن عبدالباقي بن عبدالمجيد القرشي اليماني


المحقق: الدكتور يحيى مراد
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-3996-7
الصفحات: ٢٤٠

سورة الحج

(تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) الذهول : الغفلة عن الأمر مع دهشة ، وقيل : مرضعة ، ولم يأت مرضع ؛ لأن المرضعة صفة لمن هي في حال الإرضاع ، والمرضع أعم ، أي : لها ولد ترضعه ، تقول : رضع يرضع رضاعا مثل : سمع ، وأهل نجد يقولون : رضع يرضع مثل : ضرب يضرب ضربا.

(كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ) ابن السّكّيت : الحمل : ـ بفتح الحاء ـ كل ما كان في بطن أو على رأس شجرة ، والحمل ـ بالكسر ـ : كل ما كان على ظهر أو رأس ، ويقال : امرأة حامل وحاملة إذا كانت حبلى ، فمن جعله حاملا خصه بالإناث ، ومن قال : حاملة بناه على : حملت شيئا على ظهرها أو رأسها فهي حاملة لا غير ، ولا يفتقر إلى الفرق هاهنا ، لأن ما لا يكون للتذكير يستغنى فيه عن علامة التأنيث ، قلت : وفيه نظر لأنهم يقولون : رجل أيّم وامرأة أيّم ، ورجل عانس وامرأة عانس مع الاشتراك ، وقالوا : امرأة مصيبة ، وكلبة مجربة من غير اشتراك.

(كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) البهيج : المشرق.

(عَلى حَرْفٍ) : على طرف من الدّين ، لا في وسطه وقلبه ، وهذا مثل لكونهم على قلق من دينهم ، كالذي يكون على طرف من العسكر ، إن لاحت له غنيمة قرّ ، وإن لاحت له هزيمة فرّ.

(لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) المولى : الناصر ، والعشير : الصاحب.

(فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) السبب هاهنا : الحبل ، والأمر بمعنى الخبر.

(يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) : يذاب.

(مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) المقامع : السّياط.

(الْحَرِيقِ) : العظيم من النار المنتشرة.

(وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) قال جار الله : لا يراد به حال ولا استقبال وإنما يراد به استمرار الحال ، كما تقول : فلان يحسن إلى الفقراء ، وينعش المضطرّ ، وإنما يراد وجود الإحسان والنعشة في جميع أزمنته.

(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) مفعول" يرد" محذوف طلبا للتعميم ، والمجروران في موضعي حالين ، والتقدير : ومن يرد فيه أمرا ما قاصدا بإلحاد وبظلم نذقه.

١٠١

(تَفَثَهُمْ) التّفث : إزالة ما طال من الشارب والظفر والإبط والعانة.

(بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) : المعتوق من المكاره ، وقيل : لم يملك ، وقيل : لم يقدر عليه جبّار ، فإن قيل : فالحجاج أقدم عليه بالمنجنيق ، فالجواب : إنما قدم عليه متأولا بإخراج ما أدخله ابن الزبير من الكعبة ، لكونه كان على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) أي : بعيد.

(الْمُخْبِتِينَ) : الخاشعين ، أخبت لله : أي : تواضع وخشع.

(وَالْبُدْنَ) : جمع بدنة ، وهي ناقة أو بقرة تنحر بمنى ، مأخوذة من البدانة :

وهي السّمن ، قاله الجوهري ، وقال جار الله : البدن جمع بدنة ، سميت لعظم بدنها وهي الإبل خاصة ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألحق البقر بالإبل ، فقال : البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة. فجعل البقر في حكم الإبل فصارت البدنة متناولة للجنسين شرعا ، وأما لغة : فهي الإبل خاصة ، وعليه تدل الآية.

(صَوافَ) : صافات أيديهن وأرجلهن ، وقرئ : صوافن ، من صفون الفرس : وهو أن تقوم على ثلاث وتنصب الرابعة على طرف سنبكه ، لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث ، وقرئ : صوافى (١) : أي خوالص.

(وَجَبَتْ جُنُوبُها) أي : وقعت.

(الْقانِعَ) : السائل.

(وَالْمُعْتَرَّ) : المتعرّض بغير سؤال.

(صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ) الصوامع : جمع صومعة ، متعبّد الراهب ، وبيع : جمع بيعة ـ بكسر الباء ـ : متعبد النصارى ، والصلوات : جمع صلاة وهي كنيسة اليهود ، قيل : هي كلمة معربة أصلها بالعبرانية : صلوتا.

(إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) الأمنية : التلاوة ، قال الشاعر :

تمنّى كتاب الله أوّل ليله

تمنّى داود الزّبور على رسل

وقيل : التمني على بابه ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تمنى أن لا ينزّل الله عليه ما

__________________

(١) وهي قراءة الحسن.

١٠٢

يقتضي تنفيرهم ، وصارت الأمنية على خاطره تجري على لسانه على سبيل السهو من الشيطان عند قوله تعالى : (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) فقال الشيطان : " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى" فأدركته العصمة ، ولم يسمع من لفظه ، وإنما الشيطان هو الذي أظهرها ، ولمّا سجد سجد كلّ من في النادي لمّا سمعوا تعظيم آلهتهم.

١٠٣

سورة المؤمنون

(سَبْعَ طَرائِقَ) واحدها : طريقة ، والمراد : السماوات ، لأنه طورق بعضها فوق بعض ، وكلّ شيء فوقه مثله فهو طريقه ، أو لأنها طرق الملائكة ، أو لأنها طرائق الكواكب لوجود سيرها فيها.

(طُورِ سَيْناءَ) لا يخلو إما أن يضاف الطور إلى بقعة اسمها سينا أو سينين ، وإما أن يكون اسما للجبل مركّبا ، كامرئ القيس ، قيل : هو جبل فلسطين ، وقيل : بين مصر وأيلة ، ومنه نودي موسى.

(وَفارَ التَّنُّورُ) : موضع الخبز ، وقيل : كان تنور آدم عليه‌السلام ، وكان من حجارة ، قيل : كان بمسجد الكوفة على يمين الداخل ، وقيل : بالشام بموضع يقال له : عين وردة ، وقيل : بالهند ، وعن ابن عباس : وجه الأرض ، وعن قتادة : أشرف مكان على وجه الأرض ، وقيل : كناية عن طلوع الفجر ، وقيل : مثل ، كقولهم : حمي الوطيس ، والقول هو الأول.

(فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) الغثاء : حميل السّيل ، وهو ما اسود من الورق والعيدان.

(تَتْرا) : فعلى ، الألف للتأنيث ، لأن الرّسل جماعة ، وقرئ : تترى بالتنوين والياء بدل من الواو ، متواترين واحدا بعد واحد بمهلة بينهم ، بخلاف التتابع فإنه لا مهلة فيه بل الثاني في عقب الآخر.

(إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) الربوة مثلّثة الرّاء ، وفي بعض لغاتها رباوة مثلثة الراء أيضا ، قيل : إيليا وهي بيت المقدس ، وإنها كبد الأرض ، وقيل : دمشق وغوطتها ، وقيل : فلسطين ، والقرار : المستوى من الأرض المستقر ، والمعين : الماء الجاري واختلف في ميمه هل أصلية أو زائدة ؛ فوجه من جعلها زائدة جعله من عانه فهو معيون فوزنه مفعول ، ومن جعله فعيلا أخذه من الماعون لوجود المنفعة.

(زُبُراً) : جمع زبور أي : كتبا مختلفة.

(فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ) أي : دعهم في جهالتهم كأنهم مغمورون فيها ، كالمغمور في الماء.

١٠٤

(عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) نكص : إذا رجع في حافرته (١).

(مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) (٢) أي : مكذبين به.

(سامِراً تَهْجُرُونَ) أي : تسمرون بذكر القرآن وبالطعن فيه ، وأصل السّمر : ظلّ القمر ، وجعل الحديث فيه سمرا من باب إطلاق المحل على الحال ، قرئ : سمّرا وسمّارا. وكانوا يجتمعون حول البيت ، تهجرون : تأتون بالهجر ـ بضم الهاء ـ وهو الكلام الفاحش ، والهجر : بفتح الهاء : الهذيان أيضا ، وهجر يهجر إذا تكلم بالهذيان.

(لَناكِبُونَ) أي : مائلون ، تقول : نكب زيد عن الطريق.

(تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) قال الزجاج : اللّفح والنّفح واحد إلا أن اللّفح أشدّ تأثيرا ، والكلوح : أن تتقلص الشفتان ، وتتشمر عن الأسنان ، كما ترى الرءوس المشوية ، وقرئ : كلحون.

(قالَ اخْسَؤُا فِيها) أي : ذلّوا فيها ، وهو في الأصل : زجر للكلب ، يقال : خسأ الكلب ، وخسأ بنفسه.

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) أي : لعبا.

(وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) هذا لا مفهوم له ، وجيء به على وجه التأكيد ، وحمل معترضه بين الشرط والجزاء ، كقولك : من أحسن إلى زيد ـ لا أحق بالإحسان منه ـ فالله مثيبه.

افتتح الله السورة بفلاح المؤمنين ، وختمها بعدم فلاح الكافرين وشتان ما بين الفلاحين.

__________________

(١) يقال رجع فلان في حافرته أي : رجع من حيث جاء.

(٢) مستكبرين به أي : بالبيت الحرام.

١٠٥

سورة النور

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها) السورة : القطعة من أسأرت ، ترك همزها ، وقيل : الدرجة من سور البناء ، ومن ذلك قول الشاعر :

ألم تر أن الله أعطاك سورة

ترى كل ملك دونها يتذبذب

أي : درجة.

(وَفَرَضْناها) قرئ مشددا ومخففا (١) ، أي : فرضنا فيها الفرائض ، وأصل الفرض : القطع ، والفرض يطلق على التقدير أيضا ، ومنه : فرض القاضي النفقة ، والفرض : الحزّ الذي يقع فيه الوتر ، والفرض : جنس من التمر ببلاد عمان وهو أجودها ، قال شاعرهم :

إذا أكلت سمكا وفرضا

ذهبت طولا وذهبت عرضا

وسمي الفرض الذي أوجبه الله بذلك لأنه معالم وحدود ، كأنها محزوزة مقدّرة ، والفرض : التّرس ، والفرض : القدح ، والفرض : العطية الموسومة ، وفرضت للرجل وأفرضته إذا أعطيته.

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)" الزنا" يمدّ ويقصر ، والقصر لأهل الحجاز والمد لنجد. والنسبة إلى المقصور زنوىّ ، وإلى الممدود زناويّ ، وزنّاه قال له : يا زاني. وزنأ بالهمز زنا وزنوءا إذا صعد الجبل ، وزنأت من الخمسين زنأ : دنوت منها ، وزنأ الظل قصر ، وزنأت إليه زنوءا لجأت ، والزّناء بالفتح والمد ـ ولا قصر ـ من الإنسان والظل ، ويطلق على الضّيق والحاقن ، وفي الحديث" نهى أن يصلي الرجل وهو زنّاء" ومنه زنأ بوله زنوءا إذا احتقن.

(فَاجْلِدُوا) سمي الضرب جلدا لوقوعه على الجلد.

(جاؤُ بِالْإِفْكِ) الإفك : الكذب ، والأفيكة مثله ، والجمع : الأفائك ، والإفك بالفتح مصدر ، قوله : أفكه يأفكه أفكا أي : قلبه عن الشيء وصرفه ، ومنه قوله تعالى : (أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) ، نزلت في قوم كذبوا على عائشة ـ رضي الله عنها ـ وهم عبد الله بن أبي بن سلول ، وزيد بن رفاعة ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش.

__________________

(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد ، والباقون بالتخفيف.

١٠٦

(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) أي : يحلف ، من الأليّة : وهي القسم ، والجمع : ألايا ، والفعل : آلى يؤلي إيلاء ، ومنه قول الشاعر :

قليل الألايا حافظ ليمينه

وإن سبقت منه الأليّة برّت

وفيها لغات : الألوة والإلوة والألوة ، وأما الألوّة بالتشديد : فهو العود القماري الذي يتبخّر به.

(يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) الغض : الخفض ، والغض : الطّرىّ. والأمر من غض عند الحجاز اغضض ، وعند نجد غضّ ، والشاهدان على ذلك : "اغضض من صوتك" ، و :

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

وغض منه يغض إذا وضع ونقص من قدره.

(وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) الزينة : ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والخضاب فلا بأس بإبدائه إذا دعت الحاجة إليه لكشفه للأجانب لوجه شرعي ، وأما ما كان خافيا كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا للمذكورين في الآية.

(وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) واحدها : أيّم ، يطلق على الرجل والمرأة إذا لم يتزوجا.

(فَكاتِبُوهُمْ) (١) الكتاب والمكاتبة ، مثل : العتاب والمعاتبة : وهو أن يقول الرجل لمملوكه : كاتبتك على ألف درهم مثلا فإن أديتها عتقتك ، وكتبت على نفس بالوفاء بالعتق ، والأمر للندب عند عامة الفقهاء ، وعند الحسن : الإباحة ، وفي رأي عمر بن الخطاب : عزمة من عزمات الله ، وهو مذهب داود وعند أبي حنيفة : تجوز المكاتبة حالّة ومؤجلة ومنجّمة وغير منجمة ، وعند الشافعي : لا يجوز إلا منجما مؤجلا ، ولا يجوز بنجم واحد لأن العبد لا يملك شيئا وأول مكاتب كوتب في الإسلام عبد لعمر بن الخطاب يكنى : أبا أمية ، وسبب نزولها أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك

__________________

(١) نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى ، يقال له : صبيح ، سأل مولاه أن يكاتبه ، فأبى عليه. فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فكاتبه حويطب على مائة دينار ، ووهب له منها عشرين دينارا ، فأداها.

١٠٧

فسأله العبد المكاتبة فامتنع فنزلت.

(وَآتُوهُمْ) قيل : الضمير للمسلمين في إعطائهم نصيبهم من الزكاة فيكون الأمر للوجوب ، وقيل الضمير عائد إلى الموالي.

(عَلَى الْبِغاءِ) البغاء : الزنا وهذه الآية لا مفهوم لها (١).

فإن الإكراه على ما لا يريده الشخص. وأما إذا أراده فلا إكراه وقول الأصوليين خرج مخرج الغالب بشيء لأنه يفهم أنه له مفهوما.

(كَمِشْكاةٍ) المشكاة : الكوة التي ليست بنافذة بلغة الهند ، وقيل : لغة الحبش والكلام فيها كالكلام الذي جاء من الألفاظ الموافقة للغة العرب ـ كالفسطاط ، والسجيل والإستبرق وغير ذلك.

(كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) منسوب إلى الدر ، ودريء من الدرء وهو الطلوع مفاجأة ، ودري بغير همز منسوب إلى الدر.

(كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) السراب قد تقدم ، والقيعة : جمع قاع.

(فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) : منسوب إلى اللجة وهي معظم الماء.

(يُزْجِي سَحاباً) أي : يسوق ، ومنه بضاعة مزجاة أي : لا يسوقها كل أحد لطلب الربح.

(ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) يجمع بعضه إلى بعض.

(يَجْعَلُهُ رُكاماً) أي : متراكما بعضه فوق بعض.

(الْوَدْقَ) : المطر.

(مِنْ خِلالِهِ) : من فتوقه ، جمع خلل ، كجبل وجبال.

(سَنا) مقصور : النور ، وممدود : الشرف.

(ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ) العورة : سوأة الإنسان وكل ما يستحى منه ، والعورة : كل خلل يتخوف منه في ثغر أو حرب ، وعورات الجبال : شقوقها.

__________________

(١) لم يعتبر مفهوم المخالفة في قوله تعالى : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) لأن الآية نزلت على حادثة واقعة ، فعن جابر ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن جارية لعبد الله بن أبي سلول يقال لها : مسيكة وأخرى يقال لها : أميمة كان يكرهها على الزنا فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت. أخرجه مسلم وأبو داود.

١٠٨

(مِنَ الظَّهِيرَةِ) الظهيرة : وقت وضع الثياب للقيلولة.

(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) القاعدة : التي قعدت عن الحيض والولد لكبرها.

(أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) يريد بالثياب : الملحفة والجلباب.

(غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ) : التبرج : تكلف إظهار ما يجب إخفاؤه ، والمراد هاهنا أن تكشف المرأة للرجال زينتها وتظهر محاسنها.

(يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) أي : ملاوذة أي : يتستر بعضهم ببعض ، وفعله : لاوذ يلاوذ ملاوذة ولواذا ، ولو كان من لاذ لكان : " لياذا" فاعله.

١٠٩

سورة الفرقان

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) البركة : كثرة الخير وزيادته ، ومنه تبارك الله وفيه معنيان تزايد خيره وتكاثر ، أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته ولم يستعمل في مخلوق قط. والفرقان : مصدر ، وسمي القرآن به لكونه فرق بين الحق والباطل ، أو لكونه لم ينزل جملة واحدة لكونه نزل مفروقا بين بعضه وبعض. ويؤيد ذلك قوله تبارك وتعالى : " وقرآنا فرقناه".

(وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) قال سيبويه في باب المصادر غير المتصرفة المنصوبة بأفعال متروك إظهارها نحو : معاذ الله ، وحجرا : هذه مصادر منصوبة يتكلمون بها عند لقاء العدو ، فيقول الرجل للرجل : أتفعل كذا وكذا ، فيقول : حجرا محجورا ، وهو من حجره إذا منعه ، وقيل : من كلام الملائكة يقولون للكفار إذا رأوهم : أي حراما محرما عليكم البشرى ، أو الجنة أو الغفران.

(فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) الهباء : ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه بالغبار يضرب مثلا في محقرات الأمور.

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) الباء في الغمام بمعنى : " عن" ، فإن قلت : ما الفرق بين قولك : انشقت الأرض بالنبات ، وانشقت عن النبات؟ ، قلت : معنى انشقت به : إن الله شقها لطلوعه فانشقت به ، ومعنى انشقت عنه : أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه.

(اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) يجوز أن يكون بمعنى الهجر ، كالمقتول والمجلود.

(جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) الخلفة : من الخلف ، كالرّكبة من ركب ، وهي الحالة التي يخلف فيها الليل والنهار كل واحد منهما يخلف الآخر.

(يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) قرئ بضم الهاء ، والمعنى : هيّنون ، يجوز أن يكون حالا ، ويجوز أن يكون صفة للمشي ، والتقدير : يمشون مشيا هيّنا.

١١٠

سورة الشعراء

(زَوْجٍ كَرِيمٍ) أي : صنف مرضيّ كثير المنافع.

(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) : وهو قتل القبطي.

(أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : اتخذتهم عبيدا ، وذهب قتادة والأخفش والفراء إلى أنه مقدر فيه استفهام ، أي : أو تلك نعمة؟ على طريق الاستفهام ، كقوله : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٦] ، (فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤] ، وقال الضحاك : إن الكلام خرج مخرج التبكيت ، والتبكيت يكون باستفهام وبغير استفهام ، والمعنى : لو لم تقتل بني إسرائيل لرباني أبواي ، فأي نعمة لك علي؟! ، فأنت تمن عليّ بما لا يجب أن تمن به ، وأن عبدت في موضع رفع على البدل من" نعمة" ، ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى : لأن عبدت بني إسرائيل ؛ أي : اتخذتهم عبيدا ، يقال : عبدته وأعبدته بمعنى.

(ثُعْبانٌ مُبِينٌ) : حية عظيمة.

(وَنَزَعَ يَدَهُ) : أخرجها من جيبه.

(فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ) : ذات شعاع ، قيل : لما رأى فرعون الآية الأولى قال : هل لك غيرها؟ فأخرج يده ، فقال : ما هذه؟ فقال فرعون : يدك ، فما فيها؟ .. فأدخلها في إبطه ثم نزعها ولها شعاع يكاد يغشى الأبصار ويسد الأفق.

(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) : أخّر أمرهما.

(حاشِرِينَ) : جامعين للسحرة.

(لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) : وهو وقت الضحى من يوم الزينة ؛ وكان يوم عيد لهم ، وقيل : يوم سوق.

(فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) : تبتلع.

(لا ضَيْرَ) أي : لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عذاب الدنيا ، قال الجوهري :

ضاره يضوره ويضيره ضيرا وضورا أي : ضرّه.

(أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : بأن كنا ، ف" أن" في موضع نصب.

(إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ) : طائفة.

(لَغائِظُونَ) : فاعلون ما يغيظنا.

١١١

(وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) : خائفون ، وحاذرون : متأهبون ، وقيل : حذرون : متيقظون ، وحاذرون : مستعدون.

(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) : وقت شروق الشمس ، أو مصادفين شروقها أي : طلوعها.

(إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) أي : قرب منا العدو ، ولا طاقة لنا به ، وقرئ : لمدّركون ، من ادّرك ، قال النحاس : مدركون : ملحقون ، ومدّركون : مجتهد في لحاقهم ، كما يقال : كسبت بمعنى : أصبت وظفرت ، واكتسبت بمعنى : اجتهدت وطلبت ، وهذا معنى قول سيبويه.

(فَانْفَلَقَ) : فانشق.

(كَالطَّوْدِ) : الجبل.

(وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) : جمعناهم في البحر حتى غرقوا ، ومنه قيل لليلة المزدلفة : ليلة جمع ، وقيل : أزلفناهم أي : قربناهم من البحر حتى أغرقناهم فيه.

(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) : معرفة بك وبحدودك وأحكامك.

(لِسانَ صِدْقٍ) : ثناء حسنا ، والثناء الحسن : هو اجتماع الأمم عليه ، ولقد أجاب الله دعوته ، فكل أمة تتمسك به وتعظمه ، وفيه دليل على الترغيب في العمل الصالح الذي يكسب الثناء الحسن ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) [مريم : ٩٦] أي : حبا في قلوب عباده وثناء حسنا.

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) : قرّبت وأدنيت.

(فَكُبْكِبُوا) : ألقوا ، والكبكبة : تكرير الكب وهو الإلقاء على الوجه ، بتكرير معناه ، والأصل : كبّبوا ، فأبدل الباء الوسطى كافا استثقالا لاجتماع الباءات.

(الْأَرْذَلُونَ) : أهل الضّعة والخساسة ، وقيل : السّفلة كالحاكة والأساكفة ، والمعنى : فقراء الناس وضعفاؤهم ، وإنما بادروا للاتباع قبل غيرهم لصعوبة انقياد الأغنياء لاستيلاء الرئاسة عليهم والأنفة عن الانقياد للغير.

(فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) : احكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا ، أي : أنزل العقوبة والهلاك بهم ، بدليل قوله : " ونجني" أي : مما ينزل بهم ، والفتاحة أي : الحكومة والفتّاح : الحاكم ، سمي به لفتحه المغلق من الأمور.

١١٢

(رِيعٍ) : ما ارتفع من الأرض ، جمع ريعة ، والريع : الطريق ، والمعنى الإجمالي للآية والله أعلم : أتبنون بكل طريق بنيانا تجعلونه مكانا للهو واللعب ، وتسمونه استراحة ، وأنتم تعملون به أعمالا تعرضكم لسخط الرب ، تعبثون بالمارة ، وقيل : هو عبث العشّارين بأموال من يمر بهم.

(مَصانِعَ) : حصونا مشيدة ، وقال أبو عبيدة : يقال لكل بناء : مصنعة ، وهي بلغة اليمن القصور العالية.

(بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) البطش : العسف قتلا بالسيف وضربا بالسوط.

(طَلْعُها هَضِيمٌ) الطّلعة : هي التي تطلع من النخلة كنصل السيف في جوفها شماريخ القنو ؛ والقنو : اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه ، والهضيم : اللطيف الرقيق ، وقيل : هو المنضم في وعائه قبل أن يظهر.

(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) فرهين (١) : فرحين بطرين ، وقرئ : فارهين أي : حاذقين ، والفره : شدة الفرح أو المرح.

(مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) : من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب ، وهو من السّحر وهو الرئة ، أي : رئة تأكل وتشرب مثلنا ، قال (٢) :

ونسحر بالطعام وبالشراب

وقيل : هو من السّحر ، أي : أصبت بالسحر فبطل عقلك ، ولو كان من السّحر ـ كما قيل ـ لما كان للجملة التي بعد هذه الجملة فائدة ، لأن التأسيس مقدم على التأكيد.

(الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) وقرئ بضم الجيم (٣) : الخلق.

(فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) يروى أنه حبس عنهم الريح سبعا ، وسلط عليهم الرمد فأخذ بأنفاسهم فخرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة فاستروحوا بنسيمها

__________________

(١) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب : فرهين ، والباقون وهم ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف : فارهين.

(٢) امرؤ القيس ، وهو عجز بيت صدره :

أرانا موضعين لأمر غيب

(٣) لم يقرأ أحد بضم الجيم وكسر الباء ، وإنما قراءة الحسن بضم الجيم والباء.

١١٣

وبردها فأذن بعضهم بعضا بالاجتماع فلما تكاملوا تحتها أمطرت عليهم نارا فاحترقوا.

روي أن شعيبا بعث إلى أمّتين : مدين وأصحاب الأيكة ، فأهلكت مدين بصيحة جبريل عليه‌السلام ، وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة.

(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) قيل : معاني القرآن ، وقيل : الضمير للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل :

التوحيد والعبادة ، وقيل : ذكر شرفها ، وقيل : وصف دينه وأمته ، زبر الأولين : كتب الأنبياء عليهم‌السلام.

(فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) الهيمان : الذهاب على الوجه.

١١٤

سورة النمل

(يَعْمَهُونَ) : يتحيرون ، والعمه : التحير ، ودخل أعرابي السوق ولم يكن يراها فقال : ما بال الناس يعمهون يترددون كالحائرين.

(لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) : لتؤتاه.

(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) : يروى لم يكن معه غير امرأته ، ولما كنى الله عنها بالأهل : ورد الخطاب على لفظ الجمع وهو قوله : امكثوا.

(بِشِهابٍ قَبَسٍ) : الشهاب : الشعلة الساطعة ، وإن فلانا لشهاب حرب إذا كان ماضيا فيها والجمع : شهب وشهبان .. عن الأخفش ، والشهاب : اللبن الضياح ، وهو اللبن الرقيق الممزوج والقبس : النار المقبوسة.

(وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) : أي ثبتت في ضمائرهم ، والاستيقان أبلغ من الإيقان.

(وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) : النبوة والملك دون سائر بنيه ، وكانوا سبعة عشر.

(يُوزَعُونَ) : يحبس أولهم على آخرهم ، والوزوع : الذي يتقدم الصف فيصلحه ويقدم ويؤخر ، ولا بد للناس من وزوع أي : من سلطان يكفهم يقال : وزعت الجيش إذا حبست أوله على آخره ، وإنما سموا الكلب وازعا لأنه كف الذئب عن الغنم.

(حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) الأصل في النمل : النّمل مثال الرجل لكن الاستعمال اعتمد التخفيف كقولهم : السّبع والسّبع. وقرئ يا أيتها النمل بضم الميم وفتح النون والنملة التي نسب القول إليها اختلف في اسمها فقيل : كان اسمها مندر وقيل : طاخية وكانت عرجاء ـ والتاء فيها للتأنيث ، وليست بالتاء التي يفرق فيها بين الواحد وجنسه فإن النملة تطلق على الذكر والأنثى ، ومثل الحمامة والحية والبقرة والشاة ، والدليل على أنها للتأنيث لا للفرق قوله تعالى : (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ) [النمل ـ ١٨] ولو كان ذكرا لقال : قال نملة ، ألا ترى أنهم يقولون : حمامة ذكر وحمامة أنثى.

(أَوْزِعْنِي) أي : ألهمنى.

(بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : بحجة واضحة.

(وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) : العرش : السرير ، وقيل : مختص بسرير الملك وكان

١١٥

مرصعا بالجواهر طوله ثلاثون ذراعا ، وارتفاعه ثلاثون ، عليه سبعة أبواب.

(يُخْرِجُ الْخَبْءَ) : ما خبّئ وكذلك الخبيء على فعيل ، وخبء السماوات القطر وخبء الأرض : النبات.

(لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) أي : لا طاقة وحقيقة المقابلة أي : لا قدرة لهم على مقاتلتها.

(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) أي : القصر ، وكل بناء عال صرح ، والصرح : متن الأرض.

(فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) : أعاد الضمير بصيغة الجمع نظرا إلى أن الفريق جمع.

(أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) : بمعنى تعلمون.

(حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) البهجة : المنظر الشريق.

(رَدِفَ لَكُمْ) أي : دنا وقرب. ومعناه : تبعكم ولذلك ضمن معنى دنا فعدي باللام وتعديته إنما هو بمن كقول من قال :

فلما ردفنا من عمير وصحبه

تولوا سراعا والمنية تعنق

يعني : دنونا من عمير.

١١٦

سورة القصص

(وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) : أتباعا لما يريده أو تشيع بعضهم بعضا في طاعته أو فرقا مختلفة في خدمته.

(وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي) : فإن قيل : ما الفرق بين الخوف والحزن؟ قلت : الفرق بينهما أن الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع. والحزن غم يلحقه لواقع. يروى أنه ذبح في طلب موسى تسعون ألف وليد.

(لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) : هذه اللام في الحقيقة لام التعليل ؛ لكن الالتقاط لم يكن للعداوة والحزن كما هو المعروف وإنما ينتجه الحال ولدت معنى هو أن العاقبة آلت إلى ذلك ، وأهل المعاني يسمونها لام العاقبة ولام الصيرورة.

(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) أي : لا عقل فيه كقوله تعالى : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) وقرئ فرغا أي : هدرا كما تقول : دماؤهم بينهم فرغ أي : هدر.

(قُصِّيهِ) أي : تتبعي أمره.

(عَنْ جُنُبٍ) أي : عن بعد إلى أمه. يقال : إن اسم أم موسى مريم.

(وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ) : جمع مرضع : وهي المرأة التي ترضع أو جمع مرضع وهو موضع الرضاع يعني : الثدي.

(وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ) النصح : إخلاص العمل من شائب الفساد.

(فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) الوكز : الدفع بأطراف الأصابع ، وقيل : بجميع الكف وقرأ ابن مسعود : فلكزه ، فقضى عليه : قتله.

(يَأْتَمِرُونَ بِكَ) : يتشاورون ، لأن الائتمار التشاور ، يقال : الرجلان يتآمرون ويأتمران لأن كل واحد منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بشيء.

(تِلْقاءَ مَدْيَنَ) تلقاء الشيء : قصده ونحوه ، وجلس تلقاءه أي : حذاءه ؛ وهو أحد المصادر التي جاءت على تفعال. ومدين : اسم مدينة شعيب عليه‌السلام سميت بمدين بن إبراهيم.

(تَذُودانِ) أي : تطردان ؛ والذود : الطرد ، والذود : العشرة من الإبل.

(تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) : من أجرته إذا كنت له أجيرا مثل : أبوته إذا كنت له أبا ومن آجرته إذا آتيته إياه ، ومنه تعزية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم آجركم الله.

١١٧

الجذوة : ـ مثلثة الجيم ـ العود الغليظ ، أو الجذمة : وهي القطعة الغليظة من الخشب كان في طرفها نار أو لم يكن وهذا رأي أبي عبيدة. وغيره يقول الجمرة. وينشد على الرأي الأول (٢) :

باتت خواطب ليلى يلتمسن لها

جزل الجذا غير خوار ولا دعر

وعلى الثاني :

وألقى على قيس من النار جذوة

شديدا عليه حرّها والتهابها

(الْبُقْعَةِ) : بالضم والفتح المكان.

(مِنَ الرَّهْبِ) : بفتحتين وضمتين وفتح وسكون ـ الخوف.

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا) : قرئ مثقلا ومخففا (١) ومعناه أن القرآن أتاهم متتابعا بعضه في أثر بعض.

(سَرْمَداً) : دائما.

(مَفاتِحَهُ) واحده : مفتح بكسر الميم والقياس فتحها ، وقيل : المراد الخزائن.

(لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) : تقول ناء به الحمل أي : أثقله حتى أماله ، وناء به : نهض به وهو من الأضداد. وذهب قوم إلى أنه من القلب ، وردّ ذلك بأن الباء فيه للتعدية كما يقال : ذهب به وأذهبه وعليه قول الشاعر :

تنوء بأخراها فلأيا قيامها

وتمشي الهوينى عن قريب فتبهر

__________________

(٢) البيت ل تميم بن مقبل.

(١) التخفيف قراءة الحسن.

١١٨

سورة العنكبوت

(الم أَحَسِبَ النَّاسُ) الحسبان : الظن تقول : حسب يحسب ويحسب.

(وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) الإفتان : الاختبار ، تقول فتنت الدينار إذا اختبرته.

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) الوصية : الأمر هاهنا.

(فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) النادي : مجلس القوم ولا يقال له : ناد إلا إذا كان فيه الناس ، ويقال : نديّ ومنتدى ، والندوة ، ويقال : ندوت إذا حضرت النادي وانتديت ، والجمع : أندية والمنكر عن ابن عباس (١) : الحذف بالحصى والرمي بالبنادق والفرقعة ومضغ العلك والسواك بين الناس وحلّ الإزار والسباب والفحش في المزاح. وعن عائشة : كانوا يتضارطون وقيل : السخرية بمن مر بهم ، وقيل : المجاهرة في ناديهم بذلك العمل.

(وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) الذرع : الطاقة ، وقد جعلت العرب ضيق الذراع عبارة عن فقد الطاقة ، كما قالوا : رحب الذراع بكذا إذا كان مطيقا له.

(رِجْزاً) : الرجز والرجس : العذاب ؛ من قولهم : ارتجز البعير وارتجس إذا اضطرب لما يلحق المعذب من القلق.

(وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) قيل الرجا هاهنا بمعنى : الخوف.

(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) : الرجفة : الزلزلة.

(وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) : ممكّنين من النظر والافتكار أو على بصيرة من الأمر لأن الله تعالى قد بيّن لهم على ألسنة الرسل.

(سابِقِينَ) : فائتين (٢).

(وَكَأَيِّنْ) : بمعنى كم موضوعة للتكثير.

(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) أي : الحياة.

__________________

(١) قالت أم هانئ : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قول الله عزوجل : (تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال : " كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه فذلك المنكر الذي كانوا يأتونه" رواه أحمد والحاكم وصححه الترمذي وابن أبي الدنيا في الصمت.

(٢) هذا أرجح أقوال أهل العلم في معنى : سابقين.

١١٩

سورة الروم

(فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) وأدنى الأرض أي : أقربها ويريد بالأرض أطراف الشام ؛ لأنها أدنى أرض الروم إلى فارس ، قيل : احتربت الروم وفارس بين أذرعات وبصرى فغلبت فارس الروم ، وأخبر الله تعالى أنه من بعد غلبهم سيغلبون.

(وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) : الغلب والغلب مثل : الحلب والحلب.

(يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) : الإبلاس : الاكتئاب والحزن ، يقال : أبلس إذا سكت ، وأبلست الناقة إذا لم ترع من شدة الضبعة.

(فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) : يسرون ؛ والحبور : السرور. يقال : حبره إذا سره سرورا تهلل له وجهه وظهر له أثره.

(حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) : أفعال تامة ومعناها : الدخول في المساء والصباح وكذا تظهرون : تدخلون في الظهيرة. وهي استواء الشمس في كبد السماء.

(وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) : الألسنة هاهنا اللغات أو أجناس النطق وأشكاله بحيث لا يسمع منطقان متفقان في همس واحد ولا جهارة ولا رخاوة ولا فصاحة ولا لكنه وكذلك الصور وتخطيطها وألوانها ـ ولو اتفقت اتفاقا كليا لوقع الالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة.

(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ) : المنام والنوم واحد ، والمنامة : ثوب ينام فيه.

(وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) : أهون هاهنا بمعنى هين وهو اسم فاعل لا من صيغ التفضيل.

(فِطْرَتَ اللهِ) : الفطرة : الخلقة ، وقد فطره يفطره بالضم فطرا ، والفطر أيضا الشق والفطر : الابتداء والاختراع ، والفطر : حلب الناقة بالسبابة والإبهام.

(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) الإنابة : الرجوع.

(فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) : الإضعاف من الحسنات ، ونظير المضعف : القوي.

(فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) التمهيد : التوطئة بمعنى : يوطئون. والله تعالى أعلم.

١٢٠