الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

وسلم قال : (إن هذا البلد حرام ، حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل لأحد قبلى ، ولم يحل لى إلا ساعة من نهار ..) الحديث.

__________________

(٨٧) البرهان فى علوم القرآن : (١ / ٥٧ ، ٥٨).

(٨٨) الإصابة فى تمييز الصحابة : لابن حجر العسقلانى ، ط : دار صادر ، ط أولى ، ١٣٢٨ ه‍ : (٣ / ٤٠٨).

(٨٩) فى صحيحه : ك : التفسير ، ب : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) حديث / ٤٧٥٠.

(٩٠) فى سننه : ك : التفسير ، ب : ومن سورة البقرة ، حديث / ٢٩٦٨ وقال : هذا حديث حسن صحيح.

(٩١) فى مستدركه : ك : التفسير ، ب : شأن نزول (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) الآية : (٢ / ٣٢٨).

(٩٢) فى مستدركة : ك : التفسير ، ب : تفسير سورة يونس : (٢ / ٤٢٩).

(٩٣) فى صحيحه : ك : التفسير ، ب : اتخذوا أيمانهم جنة يجتنون بها ، حديث / ٤٩٠١.

(٩٤) كان ذلك فى غزوة بنى المصطلق التي وقعت فى شعبان : سنة ٦ للهجرة.

(٩٥) فى صحيحه : ك : التفسير ، ب : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ) الآية ، حديث / ٤٦٦٨.

(٩٦) فى مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : ك : التفسير ، ب : سورة المائدة ، حديث / ١٠٩٧٩.

(٩٧) جامع البيان عن تأويل آى القرآن : (١ / ٤٩٥).

٨١

المبادئ العامة والقيم فى القرآن الكريم

أنزل الله سبحانه القرآن كتاب هداية للعالمين ، وهو يعد الكلمة الأخيرة للبشرية من الله ، حيث ختم الله الرسالة بنبيه محمد وانقطع وحى السماء ووصفه بأنه : رسول الله وخاتم النبيين بسورة الأحزاب.

والقرآن يشتمل على ١١٤ سورة تبدأ بالفاتحة وتنتهى بسورة الناس أصغر سورة مكونة من ٣ آيات ، وأكبرها من ٢٨٦ آية وهى سورة البقرة ، ويشتمل على ٦٢٣٦ آية طبقا لرواية حفص عن عاصم ، واشتملت آياته على مسائل العقيدة من توحيد ونبوات وأخبار اليوم الآخر يوم الحساب ، وعلى مسائل التشريع ، وعلى مسائل القيم والأخلاق التى تمثل عمود الدين وذروة سنامه ، كما صيغت هذه المحاور الثلاثة فى صورة قصص الأنبياء وضرب الأمثال ووصف الإنسان والأكوان والأمر والنهى وغير ذلك.

إلا أن المتدبر فى القرآن يجد طائفة غير قليلة من الآيات القرآنية أو بعض الآية يمكن أن تعد مبدأ عاما يمثل مكونا أساسيا من عقلية المسلم ، وهذه المبادئ العامة إذا جمعت فى نسق واحد ودرس ما بينها من علاقات بينية ؛ لمثّل ذلك منهجا واضحا وأساسا متكاملا لتفكير المسلم سواء فى الجانب الفقهى والتشريع القانونى أو كان فى مجال الفكر والنظرة الكلية للإنسان والكون والحياة ، أو كان فى مجال القيم والأخلاق على كافة المستويات ، وتتبّع هذه المبادئ يساعد أيضا على بناء النموذج المعرفى الإسلامى بصورة لافتة للنظر.

أولا : المبادئ العامة فى القرآن الكريم

المبدأ العام :

كلمة مبدأ فى العربية مصدر ميمى ، والمصدر الميمى يصلح للدلالة على الزمان أو المكان أو الحدث ، وهذا يعنى أن كلمة (مبدأ) لغة تعنى زمان البدء أو مكانه أو نفس البدء ، وكلمة (عام) تعنى الشمول لجزئيات تندرج تحتها ، والمقصود بالمبدإ العام هنا : (حقيقة تهيئ الإنسان للتكليف) فالمبدأ يختلف عن مطلق الحقيقة التى كثيرا ما ينبه عنها القرآن

٨٢

فى مثل قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أو (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ).

أو : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) الحج : ٥.

أو غيرها من الحقائق الإيمانية أو الكونية حيث لا تشتمل على تكليف ولا تهيئ الإنسان لذلك التكليف مباشرة كما سنرى فى ضرب أمثلة المبادئ.

والمبدأ يختلف أيضا عن الحكم الشرعى الذى يشتمل مباشرة على التكليف مثل قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الإسراء : ٧٨.

فأقم الصلاة تكليف ، وجملة (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) حقيقة إيمانية.

والمبدأ يختلف أيضا عن القاعدة الفقهية أو الأصولية من حيث المنشأ ، فالقاعدة الفقهية نشأت بعد تفريع الفروع فى الفقه الإسلامى وكأنها قد جردت فروعا كثيرة وأخذت المشترك بينها وصاغته فى صورة قاعدة مثل (لا ضرر ولا ضرار) ، (الأمور بمقاصدها) ، (الشك لا يرفع اليقين) ، (العادة محكمة) ... إلى آخر ما اهتمت به كتب القواعد الفقهية والأشباه والنظائر.

وكذلك القواعد الأصولية التى نشأت من تتبع اللغة العربية أو المصادر الشرعية مثل (الاستثناء معيار العموم) أو (الأمر للوجوب ما لم تصرفه قرينة تدل على غير ذلك) أو (النهى يقتضى الفساد) أو (المشترك لا يعم) ..

إلخ مما نراه يرد فى علم أصول الفقه.

خصائص المبدأ :

المبدأ يشتمل على حقيقة ، وعلى تكليف مباشر ، ولا معنى لوجوده من غير وجود الإنسان ، فالإنسان هو موضوعه.

المبادئ القرآنية التى نوردها إنما هى على سبيل المثال تنبيها لهذا الجانب العظيم من القرآن الكريم ، وهى تحتاج إلى تتبع واستقصاء مستقل ، وبحث خاص يقوم بعد استقرائها بإيراد كلام أهل التفسير عنها ، ثم يبين عناصر كل مبدأ وما يلزمه من مقدمات وما يترتب عليه من نتائج ثم يقوم ببيان العلاقة البينية بين كل هذه المبادئ لبناء النموذج المعرفى ثم بيان كيفية تشغيلها فى المجالات المختلفة : السياسة ، والقانون ، والاجتماع البشرى ، والتربية ، والفكر ، والعبادة ، والعقيدة ، والدعوة ... الخ.

٨٣

فمن تلك المبادئ :

١ ـ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) البقرة ٢٥٦ :

فهذه عبارة تبيّن حقيقة ، لكنها حقيقة تهيئ الإنسان للتكليف ، فتمنعه من فرض العقائد بالقوة ، وترشد إلى الدعوة والحوار والتعددية الدينية ، وأن الإسلام لا يريد منافقين يؤمنون بألسنتهم وتأبى قلوبهم الإيمان بل (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف : ٢٩ و (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل : ١٢٥ و (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون و (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) النساء ١٤٥ وهذا المبدأ يقرر حقيقة يترتب على تنفيذها عدة تكاليف وإجراءات وفى نفس الوقت يعد شعارا للإسلام وأساسا يمثل النموذج المعرفى الإسلامى الذى يعتبر معيارا لقبول ورفض الأفكار والآراء فى الإسلام.

٢ ـ (كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) :

ورد فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) الإسراء : ٧٠.

والحمل فى البر والبحر ، ورزق الله للناس من الطيبات حقائق مشاهدة ، ولكن التكريم حقيقة تهيئ الإنسان لتكليف وتلزمه بإجراءات ومن هنا حق لها أن توصف بالمبدإ ، ومن عناصر هذا المبدأ أن الله فضل بنى آدم على كثير ممن خلق ، وأكد ذلك باستعمال المفعول المطلق الذى يعد استعماله هنا تأكيدا للتفضيل ، وبيانا أنه تفضيل حقيقى لا يدخله المجاز ، كما تقرر فى علوم العربية من أن استعمال المصدر كمفعول مطلق يدل على الحقيقة ، وينبه لها ، ويمنع دعوى المجاز.

تكريم بنى آدم يلزم منه أنه سيد فى هذا الكون ، حتى وإن لم يكن سيدا له ، فسيد الكون وخالقه هو الله ، أما الإنسان فهو المخلوق المكلف الذى أسجد الله له الملائكة ؛ تكريما له ، وإعلانا لهذا التكريم بين الخلائق ، وجعل الامتناع عن السجود إليه علامة بدء الشر وخراب الدنيا ، وعدّها معصية إبليسية ، طرد إبليس من أجلها ، وجعله رجيما.

وتكريم بنى آدم يمكن أن يكون أساسا لاعتباره حامل الأمانة كما فى قوله تعالى :

(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) الأحزاب : ٧٢. وهو أساس تكليفه بالعمارة (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها)

٨٤

هود : ٦١ وأساس للخلافة (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة : ٣٠ ويمكن اعتباره أساسا لحقوق الإنسان ، التى هى جزء من حقوق الأكوان عند المسلمين ، حيث يرون للجماد والنبات والحيوان حقوقا متسقة مع حقوق الإنسان فى منظومة كلية هى حقوق الأكوان.

٣ ـ (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ). الزمر : ٣ :

وهو مبدأ قررته السنة فى الحديث الذى افتتح البخارى به صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ..

الحديث.

وهو الذى صاغه الفقهاء بعد تتبع الفروع الفقهية وتجريد المشترك بينها فى صورة قاعدة (الأمور بمقاصدها) ، وهى قاعدة واسعة ، مما يبين شدة اتصال الفقه الإسلامى بمصادره ، ونتبين من هذه القاعدة الفرق بين المبدأ والقاعدة ، فالمبدأ منصوص عليه فى النص المقدس القرآن الكريم فهو أصل هذه القضية ، أما القاعدة فهى من تتبع الفروع وتجريدها للبحث عن المشترك السارى فيها وهذا المبدأ يلزم منه تكاليف وإجراءات مبثوثة فى أكثر من سبعين بابا من أبواب الفقه الاسلامى.

٤ ـ (الْقِصاصِ حَياةٌ). البقرة : ١٧٩ :

فى قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) وهو مبدأ يبنى عليه الفقه الجنائى والضبط المجتمعى ، وله تأثير فى علم النفس وعلم نفس التربية ، وهو يمثل حقيقة واقعة فى الحياة وأنه يجب القضاء على الشر حيثما كان.

٥ ـ (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى). النجم : ٣٨ :

وهو مبدأ يتعلق بالعقيدة حيث لا يقر الإسلام الخطيئة الموروثة ، ولا يقر مبدأ الجاهلية (الجار يؤخذ بجريرة الجار) ويؤكد المسئولية الشخصية فى كل المجالات فى القانون وفى الدين والعبادة ، وعلى مستوى الأفراد والجماعات والدول ، فهو مبدأ كبير جدا ومهم وله أثره فى كل المجالات.

٦ ـ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى). النجم : ٣٩ :

مبدأ يمكن أن تقوم عليه قوانين العمل ، وهو فى نفس الوقت شعار دينى واجتماعى وسياسى.

٧ ـ (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ). المائدة : ٩٥ :

وهو مبدأ يؤكد فورية القوانين ، وأنها لا تكون بأثر رجعى ، وأنه يجب البدء فى

٨٥

تنفيذها فورا حتى مع عدم المؤاخذة على ما وقع فى الزمن الماضى.

٨ ـ (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ).

وهو مبدأ رفع الحرج ويؤكده (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ). الحج : ٧٨.

ويرتبط مع مبادئ أخرى فى الأخذ بالعرف ، والمشقة تجلب التيسير وذلك فى قوله : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) الأعراف : ١٩٩. وفى قوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) الشّرح : ٦. وفى البحث عن المبادئ العامة ينبغى البحث عن العلاقات البينية بين تلك المبادئ ، للوصول إلى منظومة يمكن أن تمثل أساس النموذج المعرفى الإسلامى الذى به التقويم.

والمبادئ العامة كثيرة (١) لا يمكن حصرها فى هذه المقدمة ، وإنما أردنا أن ننبه إليها ومن أمثلتها أيضا :

٩ ـ (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة ١٩١.

١٠ ـ (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) البقرة ٢١٦.

١١ ـ (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) النساء ٣٤.

١٢ ـ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) النساء ١٢٣.

١٣ ـ (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) النساء ١٢٨.

١٤ ـ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) البقرة ٢٨٦.

١٥ ـ (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) النحل ١٢٦.

١٦ ـ (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) الإسراء ٣٤.

١٧ ـ (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) طه ٤٧.

١٨ ـ (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) الأعراف ١٥٧.

١٩ ـ (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) الأعراف ١٥٧.

ثانيا : القيم فى القرآن الكريم :

تسرى القيم فى كل آيات القرآن الكريم ، بحيث يصدق قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

والقرآن يشتمل على مجموعة كبيرة من القيم نخص بالذكر منها :

٨٦

١ ـ القيم الفردية.

٢ ـ القيم الأسرية.

٣ ـ القيم الاجتماعية.

٤ ـ قيم الدولة.

أولا : القيم الفردية ، منها :

١ ـ اجتناب سوء الظن :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) الحجرات : آية ١٢.

ولا يخفى ما يجره سوء الظن من وبال على الفرد.

٢ ـ إخلاص السرائر :

قال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة : آية ٥.

وقال تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ) الأنعام : ١٦٢.

ويظهر أثر إخلاص السريرة فى حياة الفرد ومدى ما يصلحه ذلك من سلوكه وأخلاقه.

٣ ـ الاستقامة :

قال تعالى : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) فصلت : ٦.

وقال عزوجل : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا) هود : ١١٢.

وهذه القيمة واضحة الأثر فى السلوك الجاد للفرد وتكوين الشخصية البعيدة عن الانحراف.

٤ ـ الاعتدال :

قال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) الفرقان ٦٧.

وقال عزوجل : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) الإسراء : ٢٩.

والاعتدال الفردى نابع من وسطية الأمة التى أشار الله إليها بقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة ١٤٣.

٥ ـ التنافس فى الخير :

قال تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران : ١٣٣.

٨٧

وقال : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) المطففين : ٢٦.

ولا شك أن التنافس فى الخير باعث على تهذيب النفس وتقويمها لما يرى الفرد من مثل عليا يحاول مجاراتها والسير على حذوها.

٦ ـ الثبات والصبر :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال : ٤٥.

وقال تعالى : (وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) النحل : ١٢٧.

وفى صبر الفرد وثباته على مبادئه ما يقوى إرادته ويستلهم عزيمته.

٧ ـ الرقة والتواضع :

قال تعالى : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) الفرقان : ٦٣.

وقال تعالى : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران : ١٥٩.

ولا يخفى ما تؤدى إليه الغلظة والكبر من فساد النفس وتأبّيها على الإصلاح.

٨ ـ الصدق :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة : ١١٩ وقال تعالى : (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) محمد : ٢١.

والمؤمن لا يكون كذابا أبدا ؛ فالصدق أساس كل فضيلة.

٩ ـ طهارة النفس :

قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) الشمس ٩ ـ ١٠.

وقال تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء : ٨٨ ـ ٨٩.

ولا يستقيم سلوك الفرد إلا إذا نبع من قلب سليم طاهر.

١٠ ـ العمل الصالح :

قال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فاطر : ١٠.

وقال : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)) سورة العصر.

٨٨

فالأعمال الصالحات مرقاة للعبد إلى رضوان الله وجنته.

١١ ـ العفّة والاحتشام وغض البصر :

قال تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ) النور :

٣٠ ـ ٣١.

وقال تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور : ٣٣.

وهى نعم الوقاية من وساوس الشيطان ومزالقه وكيده وشهواته.

١٢ ـ كظم الغيظ :

قال تعالى : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) آل عمران : ١٣٤.

وكظم الغيظ يؤدى إلى طهارة النفس وسلامة الصدر.

ثانيا : القيم الأسرية :

١ ـ الإصلاح :

قال تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) النساء : ١٢٨.

وقال تعالى : (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) النساء : ١٢٩.

٢ ـ بر الوالدين :

قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) الإسراء : ٢٣.

وقال عزوجل : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) العنكبوت : ٨.

٣ ـ تربية الأولاد :

قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الطور ٢١.

وقال تعالى : (رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) الفرقان : ٧٤.

٤ ـ الزوجية : سكن ومودة ورحمة :

قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) الروم : ٢١.

٥ ـ المساواة فى الحقوق والواجبات :

قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة : ٢٢٨.

٨٩

٦ ـ المعاشرة بالمعروف :

قال تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء : ١٩.

ثالثا : القيم الاجتماعية :

١ ـ الإحسان للغير :

قال تعالى : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) القصص : ٧٧.

وقال تعالى : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة : ١٩٥.

٢ ـ الأخوة :

قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) الحجرات : ١٠.

وقال تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) آل عمران : ١٠٣.

٣ ـ أداء الأمانة :

قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) النساء : ٥٨.

وقال : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) المؤمنون : ٨.

٤ ـ أداء الشهادة الصادقة :

قال تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) البقرة : ٢٨٣.

وقال عزوجل : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) الطلاق : ٢.

٥ ـ الاستئذان :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النور : ٢٧.

٦ ـ إصلاح ذات البين :

قال تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الأنفال : ١.

وقال : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) الحجرات : ٩.

٧ ـ الإيثار :

قال تعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر : ٩.

وقال تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) آل عمران : ٩٢.

٩٠

٨ ـ التحية :

قال تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) النساء : ٨٦.

وقال تعالى : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ). الأنعام : ٥٤.

٩ ـ التراحم :

قال تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) البلد : ١٧.

وقال عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) المائدة : ٥٤.

وقال تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) الفتح : ٢٩.

١٠ ـ التعاون على البر والتقوى :

قال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) المائدة : ٢.

وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) المجادلة : ٩.

١١ ـ التكافل :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) البقرة : ٢٦٧.

وقال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الإنسان : ٨.

١٢ ـ التمسك بالحق :

قال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) الشورى : ٣٩.

وقال : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) الشورى : ٤١.

١٣ ـ خفض الصوت :

قال تعالى : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان : ١٩.

وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) الحجرات : ٤.

٩١

١٤ ـ الدعوة إلى الخير والنهى عن الشر :

قال تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران : ١٠٤.

وقال : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) لقمان : ١٧.

١٥ ـ الشفاعة الحسنة :

قال تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) النساء : ٨٥.

١٦ ـ العدل والإنصاف :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) النساء : ١٣٥.

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) المائدة : ٨.

١٧ ـ العفو :

قال تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) الأعراف : ١٩٩.

وقال تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) الشورى : ٤٠.

وقال تعالى : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) النور : ٢٢

١٨ ـ الكرم :

قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة : ٢٦١.

وقال تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة : ٢٦٥.

١٩ ـ مقابلة السيئة بالحسنة :

قال تعالى : (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) المؤمنون : ٩٥ ـ ٩٦

٩٢

وقال تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت : ٣٤ ـ ٣٥.

٢٠ ـ نشر العلم :

قال تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الحجر : ٩٤.

وقال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) آل عمران : ١٨٧.

٢١ ـ الوفاء بالعهد :

قال تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) الإسراء : ٣٤.

وقال تعالى : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا) البقرة : ١٧٧.

رابعا : أخلاق الدولة :

١ ـ إقرار النظام :

قال تعالى : (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) طه : ٩٤.

وقال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) النساء : ٨٣.

٢ ـ الإعداد للجهاد :

قال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) الأنفال : ٦٠.

٣ ـ تجنب الاستبداد والفساد :

قال تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) الأعراف ٥٦.

وقال : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) القصص ٨٣.

٤ ـ تجنب موالاة العدو :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) الممتحنة ١.

وقال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) المجادلة : ٢٢.

٩٣

٥ ـ الشورى :

قال تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) آل عمران : ١٥٩

وقال تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) الشورى : ٣٨.

٦ ـ صون المال العام :

قال تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة : ١٨٨.

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) النساء : ٢٩.

وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) الانفال : ٢٧ ـ ٢٨.

٧ ـ العدالة :

قال تعالى : (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائد : ٤٢.

وقال تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) النساء : ٥٨

وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) النحل : ٩٠.

٨ ـ الوفاء بالعهد والشرط :

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة : ١.

وقال تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) النحل : ٩١.

أ. د / على جمعه محمد

الهامش :

__________________

(١) نبه إليها الأستاذ الدكتور محمد السيد بدر ـ رحمه‌الله تعالى ـ أستاذ ورئيس قسم فلسفة القانون وتاريخه بكلية الحقوق جامعة عين شمس فى كتاب له أسماه (المبادئ العامة فى القرآن الكريم) طبع بالقاهرة ١٩٩٦ م فى ٣٥٣ صفحة دون دار نشر ، وتكلم عن المبادئ القرآنية من ص ٢٩٢ حتى ٣٥٣.

٩٤

القرآن وما يكتب فيه

أولا : القرآن : أسماؤه وإطلاقاتها لغة وشرعا

قال الجاحظ : «سمى الله كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم على الجملة والتفصيل. سمى جملته قرآنا ، كما سموا ديوانا ، وبعضه سورة كقصيدة ، وبعضها آية كالبيت ، وآخرها فاصلة كقافية (١).

وقد أفرد البعض أسماء القرآن بالتصنيف ، فصنف فيها الحرالّيّ جزءا أنهى فيه أسامى القرآن إلى نيف وتسعين (٢) اسما.

وقال أبو المعالى عزيزى بن عبد الملك المعروف بشيذلة (٣) فى كتاب البرهان :

«واعلم أن الله سمى القرآن بخمسة وخمسين اسما» أه.

وإذا كانت كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى غالبا كما يقولون ، فإنه لا أشرف من القرآن ولا أجدر منه بالحظوة بكل شرف ورفعة ، بيد أن أولئك الذين قد بلغوا بأسماء القرآن إلى هذا الكم الهائل نيّفا وتسعين أو خمسة وخمسين وما إلى ذلك قد أسرفوا ، وما لزموا الجادة فى التفرقة بين ما حقه أن يعدّ اسما ، وما هو من قبيل الأوصاف التى لا ينبغى نظمها فى سلك الأسماء ، فلم يفرقوا بين القرآن الاسم ، والحكيم الوصف.

وإنما الجدير أن يعدّ من أسماء القرآن حقا خمسة أسماء :

أولها : وأشهرها على الإطلاق : «القرآن» وفى بيان أصل هذا اللفظ ومأخذه نقول : لم يختلف أحد فى علمية ـ أى كونه علما ـ كلمة القرآن على هذا الكتاب الحكيم المجموع بين دفتى المصحف ، وإنما الخلاف الواقع بين أهله فى هذه الكلمة فى ثلاثة أمور :

أحدها : هل نقل عن معنى كان قبل العلمية أو لا؟

ثانيها : هل هو مشتق أو مأخوذ من شىء أو لا؟

ثالثها : هل يهمز أو لا يهمز؟ وإن همز فهل همزته أصلية ونونه زائدة أو العكس.

وهاك تفصيل ذلك كله :

١ ـ قال قوم منهم اللحيانى (٤) : «هو

٩٥

مصدر لقرأت ، كالرجحان والغفران ، سمى به الكتاب المقروء من باب تسمية المفعول بالمصدر». أه (٥).

وهذه المقالة من أصحابها تتضمن أمرين :

أولهما : أن الكلمة التى جعلت علما لهذا الكتاب هى بعينها الكلمة التى جاءت فى اللغة مصدرا بمعنى القراءة ، فتكون علميتها منقولة عن المعنى المصدرى ، تسمية للمفعول بالمصدر ، كاللفظ بمعنى الملفوظ ، والمعنى المصدرى ظل مستعملا ولم يهجر مع استعمال الكلمة فى معنى المفعول أيضا.

وثانى الأمرين وهو يترتب على أولهما :

أن هذه الكلمة فى علميتها كما هى فى مصدريتها مهموزة همزتها أصلية ونونها زائدة على زنة فعلان ، ومن حذف همزتها كقراءة ابن كثير ونطقها هكذا (قران) فهو من باب التخفيف بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها على وزن (فعان). وهذا القول بما يتضمنه من هذين الأمرين هو المختار الذى لا ينبغى التعويل إلا عليه (٦).

فمن ثم وفق الأستاذان الجليلان الزرقانى وغزلان كل التوفيق إذ اختاراه (٧).

وهذا الرأى هو ما عليه جمهور من كتب فى علم الأصول كالسعد التفتازانى والجلال المحلى.

٢ ـ وذهبت طائفة منهم الزجاج إلى أنه : وصف على وزن (فعلان) من القرء بمعنى الجمع.

وعلى ذلك يكون للفظة (القرآن) استعملان فى معنى المصدرية وتكون بمعنى القراءة الوصفية وتكون مشتقة من القرء بمعنى الجمع ، والثانى هو العلم على خصوص الذكر الكريم.

وعليه أيضا تكون الهمزة أصلية فى الكلمة والنون زائدة ، ومن حذف الهمزة تخفيفا نقل حركتها للساكن قبلها فصارت على وزن (فعان).

والذى أذهب إليه هو ضعف هذا الرأى وإن مال بعضهم إلى اختياره كالآلوسى ، وقد ردّ هذا القول أيضا الشيخ غزلان بأن هذه الصيغة غير مألوفة فهى سماعية لا يخرج عليها إلى عند الضرورة ، ولا ضرورة هنا (٨).

٣ ـ ونقل الزركشى عن بعض المتأخرين (٩) والسيوطى عن قطرب (١٠) أن :

مادة القرآن هى (قرأ) بمعنى أظهر وبيّن ، وأنكر بعض المتأخرين أن تكون من القرء بمعنى الجمع لقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ، وهذا القول لم يبين أصحابه هل لفظة (القرآن) مصدر أم وصف على وزن فعلان ، وإن كان المتعين من حكاية الزركشى

٩٦

أنهم يجعلونها مصدرا من الإظهار وليس الجمع.

وعلى هذا القول تكون الهمزة من أصل الكلمة كسابقه ، ولكن أصحاب هذا القول منعوا أن تكون لفظة (قرآنه) فى قوله تعالى :

(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) من القرء بمعنى الجمع أو مصدرا بمعنى القراءة.

والصحيح أن العطف للفظة (قرآنه) على (جمعه) لا يلزم منه التكرار كما قالوا ، بل (جمعه) يكون فى قلبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، و (قرآنه) يكون فى اللسان فيكون بمعنى القراءة ، أو القرء بمعنى الجمع لحروفه بعضها البعض ، وعليه يكون المعنى : أن يقرأ النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما جمعه الله له فى صدره. وهذا المعنى هو الظاهر الراجح.

ولقد اتفقت الأقوال الثلاثة السابقة فى أمرين هما : علمية لفظة (القرآن) على الذكر الحكيم ، وكون الهمزة من أصل كلمة (القرآن).

٤ ـ نقل الزركشى عن تاريخ الخطيب قول الشافعى : أنه قرأ القرآن على إسماعيل ابن قسطنطين ولم يكن يهمز (القرآن) وأنه كان يجعله اسما ليس مأخوذا من القراءة ، ونقل عن الواحدي أيضا نسبة عدم الهمز لقراءة ابن كثير والشافعى وإن همز الأخير (قرأت) ، فهى علم مشتق كما قاله جماعة من الأئمة (١١).

٥ ـ ونقل الزركشى أيضا عن البيهقى أنه : نقل عن جماعة أن (القرآن) مشتق من قرنت الشيء بالشىء إذا ضممته ، لضمه السور والآيات بعضها لبعض. ونقل عنه نسبة هذا المعنى للأشعرى (١٢).

٦ ـ ونقل السيوطى عن القراء أنه :

مشتق من القرائن (١٣) ، لأن الآيات يصدق بعضها بعضا.

والأقوال الثلاثة الأخيرة تتفق فى أمرين هما : أن لفظة (قران) لم تستعمل قبل التنزيل بل هى علم مرتجل وليس منقولا ، وأنها غير مهموزة ونونها أصلية فهى على وزن (فعال) ، ومن همز تكون على وزن (فعئال) بزيادة الهمزة. هذا كله فى لفظة (قرآن) فى غير آية القيامة.

ويختلف القول الثالث منها عن الآخرين فى جعله لفظة (قران) علما غير مشتق ، وهما يجعلانه مشتقا.

وهذه الأقوال الثلاثة ضعيفة ؛ لمخالفتها ما أطبق عليه القراء ـ ما عدا ابن كثير ـ من إثبات الهمزة ، وادعاء زيادتها لأصحاب الأقوال الثلاثة بغير برهان ؛ لأن الأصل عدم الزيادة ، وهذا ما جعل الزجاج ينسب هذا

٩٧

القول للسهو ، وهو ما أشار إليه الفارسى فى الحلبيات. (١٤)

ومما يجب الالتفات إليه أن أصحاب الأقوال السابقة جميعها لا ينكرون مجىء لفظة (قرآن) مصدرا فى اللغة ، ولكنهم عند ما يختلفون يتكلمون عن كلمة أخرى ؛ لأنهم صرحوا بنسبة (القرآن) للاستعمال فى المصدرية ، صرح بذلك الفراء والقرطبى ، ويصعب أن يغيب مثل هذا الثابت فى اللغة عن أمثال الشافعى والفراء.

وأما ثانى أسمائه : فهو : «الفرقان» وقد سماه الله به فى قوله تعالى من سورة آل عمران : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٣) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) (١٥) وقوله جل قائلا : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (١٦). وفى تفسير هذا الاسم يقول الزركشى فى البرهان : «وأما تسميته «فرقانا» ؛ فلأنه فرق بين الحق والباطل ، والمسلم والكافر ، والمؤمن والمنافق ، وبه سمى عمر بن الخطاب الفاروق». (١٧)

وذهب لمثل هذا المعنى الآلوسي وإن زاد أنه قد يكون سمّى بذلك لفصل بعضه عن بعضه الآخر ، أو لكونه نزل مفصلا وليس دفعة واحدة كغيره من الكتب ، وزاد أيضا أنه مصدر بمعنى الفاعل أو المفعول. (١٨)

ومما سبق نقله تكون كلمة (الفرقان) تطلق ويراد منها الفاعل أى الفارق ؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل ، وتطلق ويراد منها المفعول أى المفروق بين سوره أو بين نجومه فى نزوله ، أو المفروق فيه بين الحق والباطل.

وقد رد العلامة الآلوسي جميع أسماء القرآن وأوصافه لهذين الاسمين (القرآن والفرقان) ؛ ولذا اقتصر عليهما. (١٩)

وأما ثالث هذه الأسماء الخمسة : فهو «الكتاب». قال الآلوسي رحمه‌الله فى تفسيره من قوله تعالى سورة البقرة : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (والكتاب كالكتب مصدر كتب ويطلق على المكتوب كاللباس بمعنى الملبوس (١٩) ، والكتب كما قال الراغب : ضم أديم إلى أديم بالخياطة. وفى المتعارف : ضم الحروف بعضها إلى بعض. والأصل فى الكتابة النظم بالخط ، وقد يقال ذلك للمضموم بعضه إلى بعض باللفظ ، ولذا يستعار كل واحد للآخر ، ولذا سمّى (كتاب الله) وإن لم يكن كتابا ، والكتاب هنا إما باق على المصدرية وسمى به المفعول للمبالغة أو هو بمعنى المفعول ، وإطلاقه على المنظوم عبارة قبل أن تنتظم حروفه التى يتألف منها

٩٨

فى الخط تسمية بما يؤول إليه مع المناسبة.

ويطلق الكتاب كالقرآن على المجموع المنزل على النبى المرسل صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى القدر الشائع بين الكل والجزء) (٢٠) أه.

وبعد هذا التحرير لأمر هذه الأسماء الثلاثة ، لم يبق غير ردّ دعاوى بعض أتباع المستشرقين من أمثال بلاشير وكرنكو عند ما يذهبون إلى عدم أصالة هذه الألفاظ الثلاثة فى اللغة العربية ، وأنها ترتد لأصل آرامى. (٢١)

وهذا باطل أيضا من جهة أخرى : أن استعمال العرب هذه الألفاظ قبل التنزيل كان كافيا لتعريبها.

وأما رابع هذه الأسماء فهو «التنزيل» قال فى تفسيره الزركشىّ رحمه‌الله : «وأما تسميته (تنزيلا) ؛ فلأنه مصدر نزلته لأنه نزل من عند الله على لسان جبريل ؛ لأن الله تعالى أسمع جبريل كلامه وفهمه إياه كما شاء من غير وصف ولا كيفية ، فنزل به على نبيه ، فأداه هو كما فهمه وعلمه» أه (٢٢).

وقد جاء ذكر هذا اللفظ ـ أعنى لفظ التنزيل ـ فى نحو قوله تعالى من سورة الشعراء : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) وقوله فى سورة الحاقة (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

وأما خامس هذه الأسماء فهو : «الذكر» كما فى قوله تعالى فيما قال جوابا على المتهكمين على القرآن ونبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) الآية. وقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). (٢٣) وقوله علا وجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ) الآية.

وقوله سبحانه : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ). وقوله جل من قائل : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (٢٤). وقوله تعالى : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ). (٢٥)

والذكر مصدر ذكر يذكر ، فإطلاقه على التنزيل المجيد إما لكونه ذاكرا للناس ما يصلح أمر معاشهم ومعادهم مذكّرا بما فيه من البشارة والنذارة ، فيكون من إطلاق المصدر على الفاعل ، وإما لكونه مذكورا بفضله وشرفه ، وبالقلب وعيا وإجلالا ، وباللسان تلاوة وعلما ، مذكورا فيه ما لا يستقيم أمر الخلق إلا به ، فيكون من إطلاق المصدر على المفعول.

ويجوز أن يكون من الذكر بمعنى الشرف لكونه شريفا فى نفسه مشرفا لمن انتسب إليه وتخلق به. قال تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وقال : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ

٩٩

لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ). فيكون من الإطلاق الأول ـ أعنى إطلاق المصدر على الفاعل ـ.

وعبارة الزركشى رحمه‌الله فى تفسير هذا الاسم : «وأما تسميته ذكرا» فلما فيه من المواعظ والتحذير وأخبار الأمم الماضية ، وهو مصدر ذكرت ذكرا.

والذكر : الشرف. قال تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أى : شرفكم أه. (٢٦)

وبعد فهذه هى الأسماء الخمسة لهذا الكتاب العظيم أغفل الطبرى رحمه‌الله منها رابعها وهو التنزيل ، بيد أن هذا الاسم قد صار من أشهر أسمائه فى عرف جميع المنتسبين إليه من العلماء فمن دونهم. قال الشيخ طاهر الجزائرى فى كتابه (التبيان) :

«وقد كثر تداول العلماء لهذا الاسم : فتراهم يقولون : ورد فى التنزيل كذا ، ولم يرد فى التنزيل كذا إلى غير ذلك ، وهو يعنون بالتنزيل القرآن» أه. (٢٧) قال شيخنا غزلان : «وهذه الأسماء الخمسة هى التى شاع على ألسنة العلماء استعمالها أسماء للنظم الكريم ، وكلها أعلام بالغلبة ، ولا ريب أن القرآن أشهرها وأكثرها جريانا على الألسنة» أه. (٢٨)

الحقيقة الشرعية لهذه الأسماء وإطلاقاتها (علم الشخص ـ اسم الجنس) (القرآن) : تعددت إطلاقات القرآن بالمعنى الشرعى تبعا لتعدد اعتبارات ما يراد منه ، فتارة يراد باعتباره لفظا منطوقا ، وتارة باعتباره نقشا مرموقا فى المصحف ، وثالثة باعتباره الكلام النفسى القائم بذاته الأقدس جل جلاله.

وقد اتفق العلماء على صحة إطلاق (القرآن) على اللفظ المنطوق بالألسنة ، وعلى النقش المرقوم فى المصحف ، سواء كان هذا الإطلاق من خلال جعله علم شخص بأن يكون هذا الإطلاق على المجموع المؤلف من مائة وأربع عشرة سورة بحركاتها وسكناتها ، أم كان من خلال اسم الجنس الذى يطلق فيه الاسم (القرآن) على كل القرآن أو بعضه ؛ لأنهما يشتركان فى قدر مشترك ولكنهم يختلفون فى إطلاقه على الكلام النفسى القائم بذاته.

١٠٠