الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

ومن يدرس تشريح الرحم ، وموضعه المكين الأمين فى أسفل بطن المرأة ، ويرى ذلك الوعاء ذا الجدار العريض السميك ، ثم يرى هذه الأربطة العريضة ، والأربطة المستديرة ، وهذه الأجزاء من البريتون ، التى تشده إلى المثانة ، والمستقيم وكلها تحفظ توازن الرحم ، وتشد أزره ، وتحميه من الميل ، أو السقوط ، وتطول معه إذا ارتفع عند تقدم الحمل ، وتقصر إلى طولها الطبيعى تدريجيا بعد الولادة. وكذلك من يدرس تكوين الحوض ، وعظامه يعرف جليا روعة قوله تعالى (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ).

وأيضا : من يعرف كل ذلك ، يدرك وجه الامتنان الإلهى على خلقه فى قوله تعالى لهم :

(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (٨٠) (المرسلات : ٢٠ ، ٢١).

٤٧ ـ الماء المهين

ورد ذكره فى القرآن الكريم : مرتين :

الأولى : فى قوله تعالى (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (السجدة : ٦ ـ ٨). والثانية : فى قوله تعالى :

(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (المرسلات : ٢٠ ـ ٢٣).

والمراد به : المنىّ.

وقد وصف بالمهين ومعناها : الضعيف ، كما قال الزجاج ، أو الذى لا خطر له عند الناس ، فهو ممتهن ، لا يعتنى به.

يقول الأستاذ سيد قطب عليه رحمة الله :

ثم جعل نسل آدم عليه‌السلام من سلالة من ماء مهين أى : من مادة النطفة الذى هو المرحلة الأولى فى تطور الجنين ، من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة ، إلى العظام ، إلى كمال التكوين الجنينى فى هذه السلالة التى تبدأ بالماء المهين. وإنها لرحلة هائلة حين ينظر إلى طبيعة التطورات التى بها تلك النقطة الضائعة من ذلك الماء المهين ، حتى تصل إلى الإنسان المعقد البديع التكوين ، وإنها لمسافة شاسعة ضخمة بين الطور الأول والطور الأخير (٨١).

٤٨ ـ مجمع البحرين

ورد هذا الاسم فى آيات القرآن الكريم :

مرة واحدة فقط وذلك فى قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) (الكهف : ٦٠).

ومعناه : موضع اجتماع البحرين (٨٢).

٧٦١

وقصة هذا الموضع ـ حسب رواية الإمام البخارى ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن موسى ـ عليه‌السلام ـ قام خطيبا فى بنى إسرائيل ، وفى رواية : حتى إذا فاضت العيون ، ورقت القلوب ـ فسئل : أى الناس أعلم؟ فقال : أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن لى عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك ، قال موسى : يا رب فكيف لى به؟

قال : تأخذ معك حوتا فتجعله فى مكتل ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ ...» الحديث (٨٣).

وقد اختلف فى تحديد هذين البحرين على النحو التالى :

١ ـ فروى عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، قال : بحر فارس وبحر الروم.

٢ ـ وروى ابن أبى حاتم من طريق السدى ، قال : هما نهرا الكرّ ، والرّسّ ؛ بإرمينية ؛ حيث يصبان فى البحر.

٣ ـ وقال ابن عطية : مجمع البحرين ، ذراع فى أرض فارس ، من جهة أذربيجان ، يخرج من البحر المحيط ، من شماليه إلى جنوبيه ، وطرفيه مما يلى برّ الشام.

٤ ـ وقيل : هما بحر الأردن ، وبحر القلزم.

٥ ـ وقال محمد بن كعب القرظى : مجمع البحرين بطنجة.

يقول الأستاذ / سعيد حوى : والمجامع كثيرة ، فعندك : مجمع البحر الأحمر بالمحيط الهندى ، ومجمع النيل مع البحر الأبيض ، ولا ندرى بالضبط ، إذا كان المجمع واحدا من هذه ، أو مجمعا آخر يلتقى فيه ماء خليج بماء بحر ، أو ماء نهر كبير كشط العرب ببحر كالخليج ، والمهم أنه فى مجمع من مجامع بحرين حدث الذى حدث مع موسى عليه‌السلام وفتاه.

ويقول صاحب «الظلال» : والقرآن لا يحدد المكان الذى وقعت فيه ـ هذه القصة ـ بأنه «مجمع البحرين» والأرجح ـ والله أعلم ـ أنه «مجمع البحرين» : بحر الروم ، وبحر القلزم أى : البحر الأبيض والبحر الأحمر ، ومجمعهما : مكان التقائهما ، فى منطقة البحيرات المرة ، وبحيرة التمساح ، أو أنه :

مجمع خليجى العقبة والسويس فى البحر الأحمر ، فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر ، ثم يقول :

وعلى أىّ ... فقد تركها القرآن مجملة ، فنكتفى بهذه الإشارة.

أما الإمام الفخر الرازى فيقول ، ونحن معه : «ومجمع البحرين» هو : المكان الذى وعد فيه موسى بلقاء الخضر ـ عليهما‌السلام ، وليس فى لفظ الآية القرآنية ـ المذكورة ـ ما يدل على تعيين هذين البحرين ، فإن صح ـ بالخبر الصحيح ـ شىء فذاك ، وإلا فالأولى

٧٦٢

السكوت عنه. حيث لا يترتب على معرفة المكان من عدمه كبير فائدة (٨٤).

٤٩ ـ المعارج

وهى : اسم سورة كريمة من سور القرآن الكريم ، وهى سورة «المعارج».

وتبدأ بقوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (المعارج : ١ ـ ٤). وهى من العروج بمعنى الذهاب فى صعود.

وقد ذكرت هذه المادة فى القرآن الكريم :

ثمان مرات (٨٥).

ست منها : بصيغة الفعل المضارع ، كما فى قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (سبأ : ٢).

واثنتان منها : بالصيغة الاسمية ، إحداهما :

معرفة ، وهو المذكور هنا (المعارج) وثانيتهما :

نكرة ، وهو المذكور فى قوله تعالى (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) (الزخرف : ٣٣).

ومعنى المعارج لغة : الدرجات (٨٦) والمراد بها (٨٧) :

١ ـ إما معارج الأعمال الصالحة فإنها تتفاوت بحسب اجتماع الآداب والسنن ، وخلوص النية ، وحضور القلب.

٢ ـ وإما معارج المؤمنين فى سلوكهم مراتب المعارف الإلهية ، ولا شك فى تفاوت أولياء الله فى ذلك ، أو معارجهم فى دار ثوابهم ، وهى الجنة.

٣ ـ وإما معارج الملائكة ، ومنازل ارتفاعهم بحسب الأمكنة ، وهى السموات أو بحسب الفضائل الروحانية والمعارف.

٤ ـ وعن قتادة : أنها الفضائل والنعم ، أى مراتب الله على الخلق.

٥ ـ وقيل : هى الغرف. التى جعلها الله لأوليائه فى الجنة.

ويقول الإمام الآلوسي : والأنسب ـ أى فى تحديد معنى المعارج ـ بما يقتضيه المقام من التهويل. ما هو أدل على عزه ـ عزوجل ـ وعظم ملكوته ، جل شأنه (٨٦).

٥٠ ـ الموءودة

ذكر هذا اللفظ فى القرآن لكريم ... مرة واحدة. وذلك فى قوله تعالى : (وَإِذَا

٧٦٣

الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير : ٨ ، ٩).

وهو من : وأد ، يئد ، وأدا ، ووأد الموءودة :

دفنها فى القبر وهى حية ، وامرأة وئيد ووئيدة : موءودة (٨٨) ، أى : مقتولة.

والموءودة هى : الجارية تدفن وهى حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب ، فيوئدها ، أى : يثقلها حتى تموت.

وكان العرب فى الجاهلية يدفنون بناتهم فى التراب أحياء لسببين :

أحدهما : أنهم كانوا يقولون : إن الملائكة بنات الله ، فألحقوا البنات به.

الثانى : أنهم كانوا يخافون إما من الحاجة والفقر ، وإما من السبى والاسترقاق.

قال ابن عباس : كانت المرأة فى الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فإن ولدت جارية ، رمت بها فى الحفرة ، وردت التراب عليها ، وإن ولدت غلاما ، حبسته وأبقته. وقال قتادة : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه.

وحرم الله ذلك (٨٩). وأنزل قوله تعالى :

(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) (الإسراء : ٣١). كما أنزل قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ..) (الأنعام : ١٥١). وقوله تعالى :

(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)؟ إلى جانب ما فى الأحاديث النبوية من تحريم ذلك (٩٠).

وهناك ... الوأد الخفى وهو ما كان بسبب العزل عن المرأة ؛ لأن من يعزل عن امرأته.

إنما يعزل هربا من الولد. وقد نهى الإسلام عن ذلك ـ أيضا ـ وكرهه لهذا السبب.

ففي الحديث (٩١) : «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ، فنظرت فى الروم وفارس ، فإذا هم يغيلون أولادهم ، فلا يضر أولادهم ذلك شيئا ، ثم سألوه عن العزل ، فقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذلك الوأد الخفى» زاد عبيد الله فى حديثه عن المقرئ ، وهى (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ)».

٥١ ـ المودة فى القربى

هذه العبارة (المودة فى القربى) لم ترد فى القرآن الكريم إلا مرة واحدة. وذلك فى قوله تعالى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (الشورى : ٢٣).

والمودّة : المحبّة. قال ابن سيده : ودّ الشيء ، ودّا وودّا وودا ، وودادة ، وودادا وودادا ، ومودّة ، ومدّة : أحبّه.

٧٦٤

والقربى : القرابة. والقربى : الدنو فى النسب ، تقول : بينى وبينه قرابة وقربى.

والقربى : فى الرحم خاصة (٩٢).

ومعنى الآية : قل يا محمد لقومك : لا أطلب منكم أجرا على تبليغ الرسالة والنصح لكم ما لا تعطونيه ، إنما أطلب منكم : أن تكفّوا شركم عنى ، وتذرونى أبلغ رسالات ربى ، فإن لم تنصرونى ، فلا تؤذونى ، بما بينى وبينكم من القرابة ، وقيل : إلا أن تودونى فى قرابتى منكم. وذلك فى الحقيقة ليس أجرا ؛ لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب ، ولا سيما فى حق الأقارب.

ويلاحظ : أن عبارة (المودة فى القربى) أبلغ من «مودة القربى» وكذلك أبلغ من «المودة للقربى» حيث جعلت القربى فى العبارة مكانا للمودة ، ومقرا لها (٩٣).

قال المفسرون : وفى تفسير (المودة فى القربى) أربعة أقوال :

الأول : مراعاة القرابة ، وعدم الإيذاء أى :

لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودونى لقرابتى منكم ، فإن لم تنصرونى فاحفظوا حق القربى ولا تؤذونى. قال ذلك : ابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، وأبو مالك ، والشعبى ، وغيرهم. قال الشعبى : أكثر الناس علينا فى هذه الآية ، فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك فأجاب بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان واسطة النسب فى قريش ، ليس بطن من بطونهم إلا وقد كان بينهم وبينه قرابة ، فقال الله : قل لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا إلا أن تودّونى لقرابتى منكم ، يعنى : أنكم قومى ، وأحق من أجابنى وأطاعنى ، فإذ قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق القربى ، ولا تؤذونى ، ولا تهيجوا علىّ.

الثانى : مودة أقاربكم أى : لا أسألكم عليه أجرا إلا مودّة أقاربكم ، وصلة أرحامكم. روى الكعبى عن ابن عباس : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانت تنوبه نوائب وحقوق ، وليس فى يده سعة.

فقال الأنصار : إن هذا الرجل قد هداكم الله على يده ، وهو ابن اختكم ، وجاركم فى بلدكم ، فاجمعوا له طائفة من أموالكم ؛ ففعلوا ، ثم أتوه ، فرده عليهم ، ونزلت الآية بحثّهم على مودة أقاربهم ، وصلة أرحامهم.

الثالث : القرب من الله ، عن الحسن ... لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تتوددوا إلى الله ، وتتقربوا إليه بالطاعة ، والعمل الصالح.

الرابع : المودة فى قرابتى وأهل بيتى ، عن سعيد بن جبير : لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوا قرابتى وأهل بيتى. عن ابن عباس : لما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين نودهم؟ قال : «على وفاطمة وأبناؤهما».

٧٦٥

٥٢ ـ الهداية

الهدى والهداية فى اللغة : شىء واحد ، ولكن فى اصطلاح الشارع يختلفان.

فالهدى : ما تولاه الله وأعطاه ، واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان ، كما فى قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) (البقرة : ٥) وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) (الأنعام : ٧١).

والهداية والاهتداء : ما تحرّاه الإنسان وطلبه على طريق الاختيار ، إما فى الأمور الدنيوية ، كما فى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها) (الأنعام : ٩٧) وإما فى الأمور الأخروية ، كما فى قوله تعالى :

(فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (البقرة : ١٥٠).

والهداية : دلالة بلطف ، قال تعالى لموسى عليه‌السلام (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (النازعات : ١٧ ـ ١٩) ولا يمنع من هذا ما ورد على سبيل الاستهزاء من الله تعالى والتهكم بالكافرين فى مثل قوله تعالى :

(فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) (الصافات : ٢٣).

وهداية الله للإنسان .. على أربعة أوجه :

الأول : الهداية العامة ، التى تشمل كل مكلف ، من العقل ، والفطنة ، والمعارف الضرورية ، التى أعمّ منها كل شىء بقدر فيه ، حسب احتماله ، وهى المقصودة فى قوله تعالى (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (طه : ٥٠).

الثانى : الهداية التى جعل الله للناس ، بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء ، وإنزال القرآن ، ونحو ذلك ، وهى المقصودة فى قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (الأنبياء : ٧٣).

الثالث : الهداية ، التى هى التوفيق الذى يختص به من اهتدى كما فى قوله تعالى :

(وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) (مريم : ٧٦).

الرابع : الهداية فى الآخرة إلى الجنة ، كما فى قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (الأعراف : ٤٢ ، ٤٣).

وأما هداية الإنسان لغيره ، فلا يقدر عليها أحد إلا بالدعاء وتعريف الطرق ، دون سائر أنواع الهدايات ، يقول تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى : ٥٢).

٧٦٦

هذا وكل هداية ذكر الله ـ عزوجل ـ أنه منع منها الظالمين والكافرين ، فهى الوجه الثالث والوجه الرابع مما ذكر آنفا ، نحو قوله تعالى : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (آل عمران : ٨٦).

وكل هداية نفاها الله ـ عزوجل ـ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن البشر ، وذكر أنهم غير قادرين عليها ، فهى كل ما عدا الوجه الثانى ، مما ذكر ، كما فى قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (البقرة : ٢٧٢) وقوله تعالى (٩٥) : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص : ٥٦).

٥٣ ـ الوادى المقدس

أصل الوادى : الموضع الذى يسيل فيه الماء ، ومنه سمى كل مفرج بين جبلين واديا ؛ مسلكا للسيل ومنفذا ، والمقدس : المطهر ، أو المبارك.

والوادى المقدس : أى هو هذا المكان المطهر الذى أوحى الله فيه إلى موسى عليه‌السلام ، وقد حدده القرآن الكريم ، وبين اسمه ، فى قوله تبارك وتعالى : (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) وعلى هذا : فالوادى المقدس هو طوى ، وطوى :

جبل بالشام ، وقيل : هو واد فى أصل الطور (٩٦).

وقد ذكر هذا (الوادى المقدس) فى القرآن الكريم : مرتان (٩٧). فى قوله ـ عزوجل ـ (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (طه : ١٢) وفى قوله تبارك وتعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (النازعات :

١٥ ، ١٦).

أ. د. عبد الحى الفرماوى

٧٦٧

الهوامش والمصادر :

__________________

(١)

(١) محمد فؤاد عبد الباقى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

(٢) ابن جرير الطبرى جامع البيان عن تأويل آى القرآن (المائدة تفسير الآية ٢١).

(٣) الفخر الرازى : التفسير الكبير (غافر : تفسير الآية ١٨٠) بتصرف.

(٤) ابن منظور : لسان العرب (مادة : أزف).

(٥) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (غافر تفسير الآية ١٨ ، النجم تفسير الآية ٥٧).

(٦) القرطبى : مصدر سابق (الأنعام تفسير الآية ٢٥).

(٧) الراغب الأصفهانى : مفردات ألفاظ القرآن (كتاب السين ، مادة : سطر).

(٨) ابن منظور : اللسان (مادة : سطر).

(٩) القرطبى : مصدر سابق ، وابن كثير تفسير القرآن العظيم (الأحقاف تفسير الآية ١٧)

(١٠) الراغب الأصفهانى : المفردات (كتاب السين ، مادة : سبط) ، القرطبى : مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٣٦).

(١١) الراغب : المفردات (كتاب الهمزة ، مادة : أفك) ، القرطبى : مصدر سابق (النور تفسير الآية ١١).

(١٢) الراغب : المفردات (كتاب الكاف ، مادة : كنّ) القرطبى : مصدر سابق (الأنعام : تفسير الآية ٢٥).

(١٣) الراغب : المفردات (كتاب الألف ، مادة : أيك) ، ابن منظور لسان العرب (مادة : أيك).

(١٤) انظر : ابن كثير قصص الأنبياء (قصة شعيب عليه‌السلام) بتحقيقنا ، القرطبى : مصدر سابق (الحجر : تفسير الآية ٧٨) ، محمد على الصابونى : النبوة والأنبياء (قصة شعيب عليه‌السلام).

(١٥) ابن كثير : تفسير القرآن العظيم (الكهف : تفسير الآية ١٣).

(١٦) رواه : البخارى : ك الأنبياء ، باب «الأرواح جنود مجندة» ، مسلم : ك البر ، باب «الأرواح جنود مجندة».

(١٧) للتوسع انظر : ابن جرير الطبرى ، والدر المنثور ، وابن كثير ، وغيرها.

(١٨) انظر : الراغب المفردات (ك الهمزة ، مادة : نوب) ، القرطبى : مصدر سابق (الرعد تفسير الآية ٢٧ ، والروم تفسير الآية ٣١ ، والزمر تفسير الآية ٥٤) ، ابن منظور لسان العرب (مادة : نوب).

(١٩) الراغب : المفردات (ك النون ، مادة : نصب) ، والقرطبى : مصدر سابق (المائدة : تفسير الآية ٣) ، ابن منظور : (مادة : نصب).

(٢٠) انظر : ابن جرير الطبرى : جامع البيان ، ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، القرطبى : الجامع لأحكام القرآن ، النيسابورى : غرائب القرآن ورغائب الفرقان (الكهف : تفسير الآية ٤٦).

(٢١) ابن منظور : لسان العرب ، الراغب : مفردات ألفاظ القرآن (مادة : بجر).

(٢٢)

(٢٢) ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، ابن جرير الطبرى : جامع البيان (المائدة تفسير الآية ١٠٣).

(٢٣) القصب : بوزن ، قفل : اسم للأمعاء كلها. (النهاية فى غريب الحديث والأثر ، لابن الأثير ، بتحقيق محمود الطناحى ـ باب القاف مع الصاد).

(٢٤) الراغب : المفردات (كتاب الباء ، مادة : برّ).

(٢٥) ابن منظور : اللسان (مادة : برر).

(٢٦) للتوسع انظر : كتب التفسير والحديث.

(٢٧) الراغب : المفردات (كتاب الواو ، مادة : وقى).

(٢٨) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (البقرة تفسير الآية ٢).

(٢٩) ابن منظور : لسان العرب ، محمد فؤاد عبد الباقى : معجم ألفاظ القرآن الكريم (مادة : نبز).

(٣٠)

(٣٠) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن ، الآلوسي : روح المعانى (الحجرات : تفسير الآية ١١).

(٣١) فتح البارى ١٠ / ٤٦٨ ط دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت ـ لبنان.

(٣٢) انظر : الراغب الأصفهانى : المفردات ، ابن منظور : لسان العرب (مادة : توب) ، القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (تفسير الآية المذكورة).

(٣٣)

(٣٣) الراغب : المفردات ، ابن منظور : لسان العرب ، محمد فؤاد عبد الباقى : المعجم المفهرس (مادة : جبت).

(٣٤) الراغب الأصفهانى : المفردات (كتاب الطاء ، مادة : طغى).

(٣٥) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (سبأ : تفسير الآية ١٣).

(٣٦) انظر : القرطبى : مصدر سابق ، ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، النيسابورى : غرائب القرآن ورغائب الفرقان ، الجمل : الفتوحات الإلهية (تفسير سورة الحاقة).

(٣٧) الراغب : المفردات (كتاب الحاء ، مادة : حد) ، القرطبى : مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٨٧).

(٣٨) الراغب : المفردات ، وابن منظور : لسان العرب (مادة : حرث) ، القرطبى : مصدر سابق (البقرة : تفسير الآية ٢٢٣).

(٣٩) الراغب : مصدر سابق (كتاب الحاء ، مادة : حنف).

(٤٠) الزركلى : الأعلام ٨ / ١١٤ ، ٣ / ٦٠ ، د ، عبد المقصود نصار ، د. محمد الطيب النجار : السيرة النبوية.

(٤١) انظر : القرطبى : مصدر سابق ، الآلوسي : روح المعانى (الأنعام : تفسير الآية ١٤٢).

(٤٢) انظر : الراغب : المفردات (كتاب الحاء ، مادة حم) القرطبى : مصدر سابق (الشعراء : تفسير الآية ١٠١).

(٤٣) ابن منظور : لسان العرب (مادة : حمم).

(٤٤) رواه : البخارى : كتاب فضائل الصحابة ، باب ذكر مناقب الزبير بن العوام ، ومسلم : كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل طلحة والزبير.

(٤٥) انظر : الراغب : المفردات (كتاب الحاء ، مادة : حور) القرطبى : مصدر سابق (آل عمران : تفسير الآية ٥٢).

(٤٦) محمد فؤاد عبد الباقى : المعجم المفهرس ، الراغب : المفردات (مادة : حور).

(٤٧) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (الدخان : تفسير الآية ٥٤) بتصرف ، التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة ص ٥٧٠ ، تحقيق د. أحمد حجازى السقا ، ط الحلبى ـ مصر.

(٤٨) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (الصافات تفسير الآية ٤٨) ، (الدخان تفسير الآية ٥٤).

(٤٩) الآلوسي : روح المعانى (ق تفسير الآية ٣٤).

(٥٠) الراغب : مصدر سابق ، ابن منظور : مصدر سابق (مادة : خلد) ، الفيروزآبادى : بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز ٢ / ٥٥٩ تحقيق محمد على النجار المكتبة العلمية ـ بيروت لبنان.

٧٦٨

__________________

(٥١) انظر : الراغب : المفردات (كتاب الخاء ، مادة : خير) القرطبى : مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٨٠).

(٥٢) انظر : الراغب : المفردات (كتاب القاف ، مادة : قوم) القرطبى : مصدر سابق (الروم تفسير الآية ٣٠).

(٥٣) انظر : الراغب : المفردات (كتاب الراء مادة : روح ، كتاب القاف ، مادة : قدس) القرطبى : مصدر سابق ، الآلوسي : روح المعانى (البقرة تفسير الآية ٨٧).

(٥٤) انظر : الفخر الرازى : التفسير الكبير ، القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (الصافات تفسير الآية ٦٢) ، ابن منظور : لسان العرب (مادة : زقم).

(٥٥) انظر : الراغب : المفردات (مادة : سيب) الفيروزآبادى : بصائر ذوى التمييز (بصيرة ٤٦) ٢ / ٢٧١ ، القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (المائدة : تفسير الآية ١٠٣).

(٥٦) انظر : الراغب : المفردات (مادة : طرق) الفخر الرازى : التفسير الكبير (المؤمنون تفسير الآية ١٧) ، ابن قتيبة : تفسير غريب القرآن (المؤمنون).

(٥٧) انظر : الراغب : المفردات ، ابن منظور : اللسان ، محمد فؤاد عبد الباقى : معجم ألفاظ القرآن (مادة : سكن) ، القرطبى : مصدر سابق (الفتح : تفسير الآية ٤).

(٥٨) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (البقرة تفسير الآية ٢٤٨).

(٥٩) الراغب : المفردات (كتاب الشين ، مادة : شعر) ، القرطبى : مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٥٨ ، الحج : تفسير الآية ٣٢).

(٦٠) القرطبى : مصدر سابق ، الواحدى : أسباب النزول (المائدة الآية ٢).

(٦١) انظر : الواحدى : مصدر سابق ، القرطبى : مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٩٤) الراغب : المفردات (كتاب الشين ، مادة : شهر ، كتاب الحاء ، مادة : حرم).

(٦٢) ابن جرير الطبرى : جامع البيان ، القرطبى : مصدر سابق (البقرة تفسير الآية ١٩٤) ، (المائدة تفسير الآية ٩٧).

(٦٣) ابن جرير الطبرى : مصدر سابق ، الواحدى : أسباب النزول (البقرة ٢١٧).

(٦٤) انظر : الراغب : مفردات ألفاظ القرآن ، ابن منظور : لسان العرب (مادة : صخ) ، القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (عبس تفسير الآية ٣٣).

(٦٥) ابن كثير : تفسير القرآن العظيم (عبس تفسير الآية ٣٣).

(٦٦) الراغب : المفردات (كتاب الصاد ، مادة : صعق) القرطبى : مصدر سابق (البقرة : تفسير الآية ١٩ ، الرعد تفسير الآية ١٣ ، فصلت تفسير الآية ١٣).

(٦٧) انظر : ابن فارس : معجم مقاييس اللغة (كتاب الصاد ، باب الصاد والباء وما يثلثهما).

(٦٨) انظر : الفخر الرازى : التفسير الكبير ، القرطبى : مصدر سابق ، الواحدى : أسباب النزول (البقرة تفسير الآية ١٣٨).

(٦٩) الراغب : المفردات (كتاب الصاد ، مادة : صاح) ابن منظور اللسان (مادة : صيح).

(٧٠) القرطبى : مصدر سابق (هود تفسير الآية ٩٤ ، يس : تفسير الآية ٤٩ ، ق تفسير الآية ٤٢ ، المنافقون تفسير الآية ٤).

(٧١) انظر : الراغب : المفردات ، ابن منظور : اللسان (مادة : غيب) القرطبى : مصدر سابق (النساء : تفسير الآية ٣٤).

(٧٢) ابن منظور : اللسان ، الراغب : المفردات (مادة : فتح).

(٧٣) القرطبى : مصدر سابق (النصر تفسير الآية ١ ، الصف تفسير الآية ١٣ ، الفتح : تفسير الآية ١ ، ٢٧ ، النساء تفسير الآية ١٤١ ، الأعراف تفسير الآية ٩٦).

(٧٤) انظر : الفخر الرازى : التفسير الكبير (المائدة : تفسير الآية ٤١) ، الراغب : المفردات ، ابن منظور : اللسان (مادة : فتن).

(٧٥) القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (الروم تفسير الآية ٣٠).

(٧٦) ابن كثير : تفسير القرآن العظيم (الروم تفسير الآية ٣٠).

(٧٧) رواه : البخارى : ك التفسير ، باب تفسير سورة الروم.

(٧٨) رواه : مسلم : ك الجنة ، باب الصفات التى يعرف بها فى الدنيا أهل الجنة وأهل النار.

(٧٩) ابن منظور : لسان العرب (مادة : قرع) ، القرطبى : مصدر سابق (الحاقة تفسير الآية ٤).

(٨٠) انظر : ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، الآلوسي : التفسير الكبير ، المراغى تفسير المراغى (المؤمنون تفسير الآية ١٣).

(٨١) انظر : الفخر الرازى : التفسير الكبير ، القرطبى ، الجامع لأحكام القرآن ، الآلوسي : روح المعانى ، سيد قطب : فى ظلال القرآن (السجدة تفسير الآية ٨).

(٨٢) محمد فؤاد عبد الباقى : معجم ألفاظ القرآن الكريم ، مجمع اللغة العربية المعجم الوجيز (مادة : جمع).

(٨٣) البخارى : ك التفسير ، سورة الكهف ، باب (وإذ قال موسى لفتاه).

(٨٤) انظر : فتح البارى ٨ / ٤٨٠ ، ابن جرير الطبرى : جامع البيان ، الفخر الرازى : التفسير الكبير ، سعيد حوّى : الأساس فى التفسير ، سيد قطب : فى ظلال القرآن (الكهف تفسير الآية ٦٠).

(٨٥) الراغب الأصفهانى : مصدر سابق ، محمد فؤاد عبد الباقى : مصدر سابق (مادة : عرج).

(٨٦) الآلوسي : روح المعانى (المعارج : تفسير الآية ٣).

(٨٧) انظر : القرطبى : مصدر سابق ، روح المعانى : مصدر سابق ، الجمل : الفتوحات الإلهية (المعارج تفسير الآية ٣٠).

(٨٨) محمد فؤاد عبد الباقى : مصدر سابق ، ابن منظور : لسان العرب (مادة : وأد).

(٨٩) انظر : القرطبى : مصدر سابق ، الجمل : مصدر سابق (التكوير تفسير الآيات ٨ ، ٩).

(٩٠) تراجع للاستزادة كتب الحديث النبوى الشريف.

(٩١) رواه : مسلم : ك النكاح ، باب : جواز الغيلة وكراهة العزل.

(٩٢) محمد فؤاد عبد الباقى : مصدر سابق ، المعجم الوجيز ، ابن منظور : اللسان (مادة : ودد ، مادة : قرب).

(٩٣) انظر : ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ، النيسابورى : غرائب القرآن (الشورى تفسير الآية ٢٣) الفيروزآبادى : بصائر ذوى التمييز ٤ / ٢٥٣.

(٩٤) انظر : الواحدى : أسباب النزول ، القرطبى : مصدر سابق ، النيسابورى : مصدر سابق ، الآلوسي : روح المعانى (الشورى تفسير الآية ٢٣).

(٩٥) انظر : الراغب الأصفهانى : مفردات ألفاظ القرآن ، وابن منظور : لسان العرب ، محمد فؤاد عبد الباقى : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم (مادة : هدى) ، القرطبى : الجامع لأحكام القرآن (تفسير الآيات المذكورة).

(٩٦) الراغب : المفردات (كتاب الواو ، مادة : وادى) القرطبى : مصدر سابق (سورة طه تفسير الآية ١٢) ابن منظور : اللسان (مادة : ودى ، مادة : طوى).

(٩٧) محمد فؤاد عبد الباقى : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن (مادة : طوى ، مادة : قدس ، مادة : واد).

٧٦٩

الإنسان فى القرآن الكريم

نقاط البحث

* تعريف

* استخلاف الإنسان.

* تفضيل الإنسان.

* الغاية من خلق الإنسان.

* حرية الإنسان.

* أنواع الإنسان.

* العدل والمساواة بين الذكر والأنثى من الإنسان.

* خلق الإنسان.

* جسم الإنسان.

* خصائص الإنسان.

* من صفات الإنسان.

* الإنسان والتربية.

* الإنسان وعلاقته بالشيطان.

* نهاية الإنسان.

تعريف

الإنسان : من الإنس ، خلاف الجن ، أو من الأنس .. خلاف النفور.

والإنسى : منسوب إلى الإنس ، يقال ذلك لمن أكثر أنسه ، ولكل ما يؤنس به (١).

وقد سمى الإنسان بذلك ؛ لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بأنس بعضهم ببعض.

ولهذا قيل : الإنسان مدنى بالطبع ؛ من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض ، ولا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه.

وقيل : سمى بذلك ؛ لأنه يأنس بكل ما يألفه (١).

وروى ابن عباس ، رضى الله عنهما ، أنه قال : إنما سمى الإنسان إنسانا ؛ لأنه عهد إليه فنسى (٢).

وذلك إشارة لقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (طه : ١١٥).

وقد وردت هذه المادة (إنسان ، خلاف الجان) فى القرآن الكريم تسعون مرة (٣).

كما ورد فى القرآن الكريم على عشرين وجها من وجوه الاستعمال والدلالات. (٤)

٧٧٠

فوجه منها يراد به : آدم عليه‌السلام ، كقوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) (الرحمن : ١٤).

الثانى يراد به : سلالة آدم عليه‌السلام ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) (ق : ١٦) إلى آخر هذه الوجوه. (٤)

والذى يعنينا فى بحثنا هذا ، هما هذان الوجهان فقط من وجوه استعمالات القرآن للفظ الإنسان ، وهما : آدم عليه‌السلام ، وذريته.

وذلك من خلال تعرضنا بالإيجاز لبيان بعض الملامح القرآنية لهذا المخلوق الفريد.

وهذه الملامح تتعلق بمراحل خلقه ، وبعض خصائصه ، وعلاقته بغيره ، إلى غير ذلك من الأمور الخاصة به.

استخلاف الإنسان

تعرض القرآن الكريم لهذه القضية فى آيات كثيرة.

منها : قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (البقرة ٣٠ ـ ٣٤).

وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ ...) (الأنعام : ٦٥).

وقوله سبحانه : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) (الأعراف : ٦٩).

وقوله جل وعلا : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ) (الأعراف : ٧٤).

وقوله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ

٧٧١

بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس :١٣ ـ ١٤).

وقوله عزوجل : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) (النمل : ٦٢).

ويقول أيضا : (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) (فاطر : ٣٩).

ويقول سبحانه وتعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (ص : ٢٦).

ودون الدخول فى دائرة الخلاف حول تحديد هذا الإنسان ، المراد فى هذه الآيات ، أهو آدم عليه‌السلام ، أو ذريته؟ ، كما تعرض لذلك العلماء والمفسرون (٥).

نقول ـ مع الشيخ محمد رشيد رضا ـ فى «تفسير المنار» : (٦).

(جرت سنة الله فى خلقه بأن تعلم أحكامه للناس وتنفذ فيهم على ألسنة أناس منهم يصطفيهم ليكونوا خلفاء عنه فى ذلك ، وكما أن الإنسان أظهر أحكام الله وسننه الوضعية (أى الشرعية ؛ لأن الشرع وضع إلهى) كذلك أظهر حكمه وسننه الخلقية الطبيعية ، فيصح أن يكون معنى الخلافة عاما فى كل ما ميز الله به الإنسان على سائر المخلوقات ، نطق الوحى ودل العيان والاختبار على أن الله تعالى خلق العالم أنواعا مختلفة ، وخص كل نوع غير نوع الإنسان بشيء محدود معين لا يتعداه.

وأما الإنسان فقد خلقه الله ضعيفا ، كما قال فى كتابه : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (النساء : ٢٨) وخلقه جاهلا كما قال تعالى :

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (النحل : ٧٨) ولكنه على ضعفه وجهله عبرة لمن يعتبر ، وموضع لعجب المتعجب ؛ لأنه مع ضعفه يتصرف فى الأقوياء ، ومع جهله فى نشأته يعلم جميع الأسماء ، يولد الحيوان ، عالما بالإلهام ما ينفعه وما يضره ، وتكمل له قواه فى زمن قليل ، ويولد الإنسان وليس له من الإلهام إلا الصراخ بالبكاء ، ثم يحس ويشعر بالتدريج البطىء بالنسبة إلى غيره من الحيوان ، ويعطى قوة أخرى تتصرف بشعوره وإحساسه تصرفا يكون له به السلطان على هذه الكائنات ، فيسخرها ويذللها بعد ذلك كما تشاء تلك القوة الغريبة وهى التى يسمونها العقل ، ولا يعقلون سرها ، ولا يدركون حقيقتها وكنهها ، فهى التى تغنى الإنسان عن كل ما وهب

٧٧٢

للحيوان فى أصل الفطرة من الكساء الذى يقيه البرد والحر ، والأعضاء التى يتناول بها غذاءه والتى يدافع بها عن نفسه ويسطو بها على عدوه ، وغير ذلك من المواهب التى يعطاها الحيوان بلا كسب ، حتى كان له بها من الاختراعات العجيبة ما كان ، وسيكون له من ذلك ما لا يصل إليه التقدير والحسبان.

فالإنسان بهذه القوة غير محدود الاستعداد ولا محدود الرغائب ولا محدود العلم ولا محدود العمل ، فهو على ضعف أفراده يتصرف بمجموعه فى الكون تصرفا لا حدّ له بإذن الله وتصريفه ، وكما أعطاه الله تعالى هذه المواهب والأحكام الطبيعية ليظهر بها أسرار خليقته ، وملكه الأرض وسخر له عوالمها ، أعطاه أحكاما وشرائع حدّ فيها لأعماله وأخلاقه حدّا يحول دون بغى أفراده وطوائفه بعضهم على بعض ، فهى تساعده على بلوغ كماله ؛ لأنها مرشد ومربّ للعقل الذى كان له كل تلك المزايا ؛ فلهذا كله جعله خليفة فى الأرض وهو أجدر المخلوقات بهذه الخلافة.

ظهرت آثار الإنسان فى هذه الخلافة على الأرض ، ونحن نشاهد عجائب صنعه فى المعدن والنبات ، وفى البر والبحر والهواء ، فهو يتفنن ويبتدع ويكتشف ويخترع ويجدّ ويعمل ، حتى غيّر شكل الأرض فجعل الحزن سهلا ، والماحل خصبا. والخراب عمرانا ، والبرارى بحارا أو خلجانا ، وولّد بالتلقيح أزواجا من النبات لم تكن كالليمون المسمى «يوسف أفندى» فإن الله تعالى خلقه بيد الإنسان وأنشأه بكسبه. وقد تصرف فى أبناء جنسه من أنواع الحيوان كما يشاء بضروب التربية والتغذية والتوليد ، حتى ظهر التغير فى خلقتها وخلائقها وأصنافها فصار منها الكبير والصغير ، ومنها الأهلى والوحشى ، وهو ينتفع بكل نوع منها ويسخره لخدمته كما سخر القوى الطبيعية وسائر المخلوقات ، أليس من حكمة الله الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى ، أن جعل الإنسان بهذه المواهب خليفته فى الأرض ، يقيم سننه ، ويظهر عجائب صنعه ، وأسرار خليقته ، وبدائع حكمه ، ومنافع أحكامه ، وهل وجدت آية على كمال الله تعالى وسعة علمه أظهر من هذا الإنسان الذى خلقه الله فى أحسن تقويم؟ .. كلا!!

تفضيل الإنسان

لا غرابة فى أن يكون هذا المخلوق محفوفا بالعناية الربانية ، التى ترفع من قدره ، وتعلى منزلته بين الكائنات جميعها ، وتفضله على ما عداه من مخلوقات الله تعالى الأخرى.

فهذه هى الملائكة ، الذين أخبر الله عنهم

٧٧٣

فهذه هى الملائكة ، الذين أخبر الله عنهم بأنهم : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (التحريم : ٦) والذين قال عنهم رب العزة : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (الزمر : ٧٥).

نعم هذه الملائكة يأمرها الله تعالى بالسجود لهذا الإنسان (آدم عليه‌السلام) سجود تحية وتعظيم ، وفى هذا من التكريم والإنعام على الإنسان والتفضيل ما فيه.

بل يصرح القرآن الكريم بهذا الإنعام الإلهى على الإنسان ؛ حيث يفضله على كثير ممن خلق الله سبحانه وتعالى ، يوضح ذلك قوله عزوجل : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (الإسراء : ٧٠).

الغاية من خلق الإنسان

إن عملية الخلق هذه ـ كما عرفنا ـ آية من آيات الله ، لا يمكن أبدا أن تكون عارية عن غاية كبرى ، ومقصد أسمى ، فلم يخلق هملا ولا عبثا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) (المؤمنون : (١١٥).

إنما يحدد الهدف من هذا الخلق قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : ٥٦).

ولأن عبادة الإنسان لله أمر محفوف بالمعوقات ، والابتلاءات كان توضيح ذلك لتنبيه الإنسان ، وتبصيره وزيادة وعيه ، حتى يكون ثابت الخطو فى عبادة الله عزوجل ، حيث يقول تبارك وتعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الإنسان : ٢ ـ ٣).

ومن هذا التوضيح الإلهى يظهر (٧) :

أ ـ أن الابتلاء بظروف الحياة ، وكثرة المعوقات أمر قدره الله تعالى على الإنسان ، يكشف به قوة إرادته ، ومضاء عزيمته ، وثبات خطوه فى طريق العبادة.

ب ـ وأن الله ـ عزوجل ـ منحه وسائل المعرفة التى يتعرف بها على الأدلة التى بثها الله فى كونه فيزداد بها إيمانا ويقينا بالله ، كما يتعرف بها على وصايا الشرع وأحكامه فيعمل بها ، ويلتزم بآدابها ، ويتعرف على المعوقات التى تحول بينه وبين حسن العبادة ، فيتغلب عليها ويتخلص منها.

وذلك فى قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً).

٧٧٤

الغاية وتخلصه من المعوقات ، ونجاته فى الابتلاءات موضوع تحت المراقبة ، معرض للجزاء بالثواب أو بالعقاب.

وذلك فى قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

ولو لم يكن الأمر على ذلك لكان عبثا ، وحاشا لله من ذلك.

يقول تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون : ١١٥ : ١١٦)

حرية الإنسان

من القيم الهامة قيمة الحرية.

بها يغدو للإنسان كيان ، ولوجوده معنى ، ولحياته طعم ولون.

والحرية التى نعنيها ليست هى الحرية التى يفسد المرء بها نفسه ، أو يحطم من خلالها كيانه ، أو ينهى عن طريقها وجوده أو حياته.

وليست كذلك هى الحرية التى يفسد بها الآخرين ، أو ينتقص من خلالها حرياتهم ، أو يتسبب عن طريقها فى إيذائهم .. إلخ

بل هى الحرية التى تحقق إنسانيته ، وتؤكد وجوده ، وملكيته لقراره.

وليست هناك أرقى ولا أنقى ولا أعظم من أن يكون الإنسان حرا فيما يعتقده ، وفيما يدين به ابتداء.

ولا يحجر عليه الإسلام فى ذلك أبدا ، بل يصرح القرآن الكريم بهذه الحرية ، وهذا الحق فى قوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) (البقرة : ٣٥٦).

ولكن : إذا اعتنق إنسان ما الإسلام ، واختاره عقيدة ، فليس له أن يعدل عنه إلى غيره ، وإلا اعتبر مرتدا ، وفى هذه الحالة يعامل معاملة المرتدين (٨).

ومن الواضح أنه فيما دون ذلك ، فللإنسان كامل الحرية دون قيد أو شرط ، إلا ما سبقت الإشارة إليه.

وهذه الحرية هى التى تحدد مسئوليته عما يفعل أو يترك ، وهذا ما يقرره القرآن الكريم فى قوله تعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور : ٢١).

خاصة وأنه قد خلق صالحا لفعل هذا أو ترك ذاك (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها)

وهذه الحرية قد وهبها الله لعباده من بنى

٧٧٥

وهذه الحرية قد وهبها الله لعباده من بنى الإنسان ؛ لأنه سبحانه عادل لا يظلم.

ومن هنا أهدر كل ما يأتيه الإنسان عن إكراه وقسر سواء فى جانب الإيمان أو الكفر.

فمن أكره على أن ينطق بكلمة الكفر فلا حرج عليه ؛ حيث يقول تبارك وتعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (النحل : ١٠٦).

وكذلك من آمن تحت ضغط الظروف القاهرة ، ودون إرادة منه فإيمانه مردود عليه ، وغير مقبول منه. ففرعون ظل سادرا فى غيه ، ينادى : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (النازعات :٢٤) (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس : ٩٠) ولكن إيمانه رد عليه ، وقيل له : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) (يونس : ٩١ ، ٩٢).

وإذا ارتد الإنسان فى ديار المسلمين بعد أن أسلم مختارا فإن الفقه الإسلامى يرى مجازاته بالقتل باعتبار ذلك الارتداد قادحا فى النظام العام ومهددا لكيان المجتمع ، بما يعرف فى التشريعات الحديثة باسم الخيانة العظمى أو العمل على هدم الكيان الاجتماعى.

وبالجملة : فإن نتيجة حريته هذه ، وثمرة أعماله التى اختارها ستعود عليه من نوع ما عمل (٩).

يقول تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (الشمس ٩ ، ١٠).

أنواع الإنسان

ويبين القرآن الكريم ، أن الإنسان إذا بلغ مبلغ الرشد ، وأصبح مسئولا عن تصرفاته ينقسم ـ بسبب اختياره وإرادته ـ إلى مهتد وضال ، أو إلى طائع وعاص ، أو بعبارة أوضح إلى مؤمن وكافر.

وتلك هى المرحلة التى تراها فى كثير من آيات الله البينات ، وقد حكم على الإنسان فيها بأحد الوصفين (١٠).

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الإنسان : ٢ ، ٣).

ونلاحظ أن هذا التقسيم إلى مؤمن وكافر عادة ما يكون بعد ذكر ألوان من النعم تستوجب الشكر من جهة ، وتتحقق بها المساواة بين الجميع من جهة أخرى ، ولا دخل له فيها ولا إرادة ، بل هى هبة من الله له من جهة ثالثة.

٧٧٦

ولكن التفرقة تأتى بسبب موقفه منها ومن المنعم بها ، إما شكرا وإما كفرانا (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

يقول تعالى : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (طه : ١٢٣ ، ١٢٤).

ويقول عزوجل : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (البقرة : ٢٥٣).

وتكون التفرقة ـ لذلك ـ فى الجزاء والنتيجة.

يقول سبحانه : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (الإسراء : ٧١ ، ٧٢).

وبهذا يتحدد نوع الإنسان حسب موقفه من الإيمان بالله تعالى ، والاعتراف بنعمه ، والعمل بشرعه ، امتثالا أو امتناعا.

فهو : إما مؤمن وإما كافر.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن : ٢).

العدل والمساواة بين الذكر والأنثى من الإنسان

وإذا كان ثمت تفرقة بين نوعى الإنسان من حيث الكفر والإيمان ، فلا تجد تفرقة بين نوعيه من حيث الذكورة والأنوثة.

وقد تحدث القرآن الكريم عن الذكر والأنثى فى آياته الكريمة ، مؤكدا على قيم العدل ، والمساواة بينهما.

* فمن العدل بينهما :

أ ـ دخول الجنة لمن عمل صالحا ، دون تفرقة بين الذكر والأنثى يقول تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء : ١٢٤).

ب ـ أن يحيى الله من عمل صالحا حياة طيبة ، دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) (النحل :٩٧).

٧٧٧

ج ـ أن يجزى الله من عمل صالحا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ، دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل :٩٧).

د ـ أن يعذب الله من يفتنون المؤمنين والمؤمنات عن دينهم ويعذبونهم ، دون تفرقة بين أن يكون المفتون ذكرا أو أنثى.

يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (البروج : ١٠).

ويقول تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب : ٥٨).

ه ـ أن يعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ، دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) (الأحزاب : ٧٣).

ز ـ أن يتوب الله على المؤمنين والمؤمنات دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب : ٧٣).

* ومن المساواة بينهما :

أ ـ وعد الله بالرحمة للمؤمنين والمؤمنات ، دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة : ٧١).

ب ـ وعد الله للمؤمنين والمؤمنات بجنات تجرى من تحتها الأنهار .. إلخ ، دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (التوبة : ٧٢).

ج ـ وجوب الطاعة عليهما لله ولرسوله ، دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب : ٣٦).

٧٧٨

د ـ أن الله ـ عزوجل (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) بسبب الصلاح دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب : ٣٥).

ه ـ أصل الخلقة :

يقول تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) (الحجرات : ١٣).

و ـ القيمة الإنسانية ، حيث لا تفاضل إلا بميزان التقوى ، دون تفرقة بين الذكر والأنثى.

يقول تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات : ١٣).

ز ـ المسئولية الجنائية :

يقول تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة : ٣٨).

ويقول تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) (النور : ٢).

ح ـ الثواب والعقاب الإلهى :

يقول تعالى : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) (غافر : ٤٠).

خلق الإنسان

يعد خلق الإنسان آية من آيات الله العظيمة ، خاصة إذا عرفنا أن عملية الخلق هذه مرت بمراحل عديدة وأطوار مختلفة كل مرحلة تعد فى ذاتها آية ، وكل طور من هذه الأطوار يبرز عظمة الخالق سبحانه وتعالى.

ومما ينبغى أن يكون واضحا أنه قبل عملية الخلق هذه ، قد أتى على الإنسان حين من الدهر لا يعلمه إلا الله ـ عزوجل ـ لم يكن فيه هذا الإنسان شيئا مذكورا.

يوضح ذلك قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الإنسان : ١).

وأما هذه المراحل التى مر بها خلق الإنسان فهى (١١) :

٧٧٩

أولا : الماء :

وهو العنصر الأول الذى خلق منه كل كائن حى حادث ، يقول تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (الأنبياء : ٣٠).

ويدخل فى قوله تعالى : (كُلَّ شَيْءٍ) :

جسم الإنسان ، بل يمكن لنا أن نقول : إن قمة هذا المخلوقات جميعها هو الإنسان ، وقد خلقه الله تعالى من الماء.

يقول تبارك وتعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (الفرقان : ٥٤).

ثانيا : التراب :

وهو العنصر الثانى الذى يتكون منه خلق الإنسان ؛ حيث إن الإنسان الأول ـ وهو آدم عليه‌السلام ـ كان التراب عنصرا من عناصر تكوين خلقه.

يبين ذلك قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران : ٥٩).

والتراب : عنصرا أساسى من عناصر تكوين كل إنسان بعد آدم عليه‌السلام. إذ من التراب النبات ، ومن النبات الغذاء ، ومن الغذاء الدم ، ومن الدم النطفة ، ومن النطفة الجنين.

يقول عز من قائل : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) (فاطر : ١١).

ويقول أيضا : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (غافر : ٦٧).

ويقول سبحانه : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (الروم :٢٠).

ثالثا : الطين :

وهو ناتج امتزاج عنصرى الماء والتراب ، ولهذا فالطين هو المزيج الذى يتكون منه خلق جسد الإنسان.

يقول تبارك وتعالى : (ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (السجدة : ٦ ـ ٩).

ويلاحظ : أن هذا الطين بالنسبة للإنسان الأول ، وهو آدم عليه‌السلام ، كان : طينا لازبا ، أى : لزجا لاصقا متماسكا بعضه ببعض ، كما

٧٨٠