الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (الشورى : ٢٠).

والحرث : الثواب والنصيب يقول تعالى :

(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) (الشورى : ٢٠).

والحرث : النساء يقول تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : ٢٢٣) وذلك على سبيل التشبيه ، فبالنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان ، كما أن بالأرض زرع ما فيه بقاء أشخاصهم (٣٨).

٢٢ ـ الحنفاء

من الحنف وهو الميل عن الضلال إلى الاستقامة.

والحنيف : هو المائل إلى ذلك ، كما فى قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل : ١٢٠) ، وقوله تعالى (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران : ٦٧).

وجمع الحنيف : حنفاء أى : المائلون عن الضلال إلى الاستقامة ، قال تعالى :

(وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) (الحج : ٣٠ ، ٣١).

وسمّت العرب كل من حج البيت أو اختتن :

حنيفا ؛ تنبيها على أنه على دين إبراهيم (٣٩).

واشتهرت كلمة (الحنفاء) على عدد من العرب ، لم تعجبهم عبادة الأصنام ؛ حيث رأوها لا تنفع ولا تضر ، ولا تملك لنفسها شيئا ، وأن هناك ـ بالضرورة ـ قوة قادرة تمد العالم بالحياة ، وأن هذه المعبودات من الأصنام التى آمن بها العرب لا توصلهم إلى الله الحق أبدا ، فمالوا عنها ، وأخذوا يبحثون بعقولهم عن الله الواحد سبحانه وتعالى.

ومن هؤلاء : ورقة بن نوفل ، ابن عم السيدة خديجة ، والذى ورد ذكره فى حديث بدء الوحى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤٠) ، وكذلك : زيد بن عمرو ابن نفيل ، ابن عم عمر بن الخطاب (٤٠) ، الذى كان يقول :

أرب واحد أم ألف رب

أدين إذا تقسمت الأمور

تركت اللات والعزى جميعا

كذلك يفعل الرجل البصير

فلا العزى أدين ولا بنتيها

ولا صنمى بنى عمرو أزور

ولكن أعبد الرحمن ربى

ليغفر ذنبى الرب الغفور

٧٤١

٢٣ ـ الحمولة

الحمولة : بفتح الحاء ، على وزن فعولة ، ولا واحد له.

والمراد بها : ما يحمل الأثقال من الأنعام ، وعن أبى زيد : كل ما احتمل عليه الحمل ، من :

حمار ، أو بغل ، أو بعير ، سواء كانت عليه الأحمال ، أو لم تكن ، ثم قيل : يختص اللفظ بالإبل ، وقال الضحاك : الحمولة : من الإبل ، والبقر ، وقال الحسن : الحمولة : الإبل ، وقال ابن عباس : الحمولة : كل ما حمل من الإبل ، والبقر ، والخيل ، والبغال ، والحمير.

قال النحاس : ومن أحسن ما قيل فيها أن (الحمولة) : المسخرة ، المذلّلة.

وقد وردت هذه اللفظة فى القرآن الكريم مرة واحدة فقط ، وذلك حينما شرع المولى سبحانه وتعالى فى تفصيل حال الأنعام ، وإبطال ما تقوّل على الله فى شأنها المتقولون بالتحريم والتحليل (٤١) فى قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (الأنعام : ١٤٢).

٢٤ ـ الحميم

الحميم : الماء الشديد الحرارة .. يقول تعالى : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (محمد : ١٥).

والحميم : القريب المشفق ، الذى تهتم لأمره ، ويهتم لأمرك ، يقول تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (المعارج : ٨ ـ ١٠) قال الفراء : لا يسأل ذو قرابة عن قرابته ، ولكنهم يعرفونهم ساعة ، ثم لا تعارف بعد تلك الساعة. ويقول تعالى : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (الشعراء : ١٠٠ ، ١٠١) ، وأصل هذا من الحميم : وهو الماء الحار.

قال قتادة : يذهب الله ـ عزوجل ـ يوم القيامة مودة الصديق ، ورقّة الحميم (٤٢).

وقال ابن سيده : الحميم : المطر الذى يأتى بعد أن يشتد الحر ؛ لأنه حار ، والحميم :

القيظ ، والحميم : العرق (٤٣).

٢٥ ـ الحواريون

الحواريون : جمع حوارى ، والحوارى :

الناصر ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن لكل نبى حواريا ، وإن حوارىّ : الزبير بن العوام» (٤٤).

وعلى ذلك : فالحواريون : أصحاب عيسى ابن مريم ، عليه‌السلام وأنصاره ، وكانوا اثنى عشر رجلا ، (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) (الصف : ١٤) ، أى : قال عيسى ابن مريم : من أنصارى فى السبيل إلى الله ،

٧٤٢

فيضم نصرته إلى نصرة الله ـ عزوجل ـ لأظهر الدعوة ، وأنشر الدين؟ قال الحواريون :

نحن أنصار نبيه ودينه.

واختلف فى تسميتهم بذلك على أقوال :

قال ابن عباس : سموا بذلك ؛ لبياض ثيابهم.

وقيل : سموا بذلك ؛ لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس ، بإفادتهم الدين والعلم ، المشار إليه ، فى قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب : ٣٣) ، وقال قتادة والضحاك : سموا بذلك ؛ لأنهم كانوا خاصة الأنبياء ؛ لصفاء ونقاء قلوبهم.

واختلف فى أصلهم ـ كذلك ـ على أقوال :

فقيل : كانوا صيادين ، يقول الراغب : وإنما كانوا كذلك لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة ، وقودهم إلى الحق.

وقيل : كانوا قصارين للثياب وصباغين.

وأراد معلّم عيسى السفر ، فقال لعيسى :

عندى ثياب كثيرة ، مختلفة الألوان ، وقد علمتك الصبغة فاصبغها ، فطبخ عيسى وعاء واحدا ، وأدخل فيه جميع الثياب ، وقال : كونى بإذن الله على ما أريد منك. فقدم الحوارى :

هو معلم الصباغة ، والثياب كلها فى هذا الوعاء الواحد ، فقال لعيسى : قد أفسدتها ، فأخرج عيسى ثوبا أحمر ، وثوبا أصفر ، وأخضر ، إلى غير ذلك ، مما كان على كل ثوب مكتوب عليه صبغه ، فعجب الحوارى ، وعلم أن ذلك من الله ، ودعا الناس إليه ، فآمنوا به.

فهم الحواريون.

وقيل : كانوا ملوكا ، وذلك أن الملك صنع طعاما ، ودعا الناس إليه ، وكان عيسى على قصعة ، فكانت لا تنقص ، فقال الملك له : من أنت؟ قال : عيسى ابن مريم ، قال : إنى أترك ملكى هذا ، واتبعك ، وانطلق بمن اتبعه مع عيسى عليه‌السلام. فهم الحواريون (٤٥).

٢٦ ـ الحور العين

ورد ذكر (الحور العين) فى القرآن الكريم بهذا الاسم : ثلاث مرات.

فى قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (الدخان : ٥١ ـ ٥٤).

وفى قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (الطور : ١٧ ـ ٢٠). وفى قوله تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ

٧٤٣

مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ) (الواقعة : ١٧ ـ ٢٢).

وبوصف (عين) فقط : فى قوله تعالى :

(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) (الصافات : ٤٨ ، ٤٩).

وبوصف (حور) فقط : فى قوله تعالى (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (الرحمن : ٧٢).

والحور : جمع أحور وحوراء.

والحور : قيل ظهور قليل من البياض فى العين من بين السواد ، وذلك نهاية الحسن من العين (٤٦) ، والحوراء : ما كانت كذلك ، وقيل :

الحور .. أن تسودّ العين كلها ، مثل أعين الظباء والبقر ، وليس فى بنى آدم حور ، وإنما قيل للنساء : حوراء ؛ لأنهن يشبهن الظباء والبقر.

وقيل : الحوراء : هى التى يرى ساقها من وراء ثيابها ، ويرى الناظر وجهه فى كعبها ، من دقة الجلد وبضاضة البشرة وصفاء اللون. عن ابن مسعود قال : إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم ، ومن تحت سبعين حلة ، كما يرى الشراب الأحمر فى الزجاجة البيضاء. وقال مجاهد : إنما سميت الحور حورا ؛ لأنهن يحار الطرف فى حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن (٤٧).

والعين : جمع عيناء ، والمعنى : عظام العيون وواسعتها ، كما قال السدى ، وقال مجاهد :

حسان العيون ، وقال الحسن : الشديدات بياض العين ، الشديدات سوادها ، والأول أشهر فى اللغة.

وقد وصف القرآن الكريم (الحور العين) بعدة أوصاف :

الأول : أنهن (قاصِراتُ الطَّرْفِ) (الصافات : ٤٨) أى : قد قصرن طرفهن على أزوجهن ، فلا ينظرن إلى غيرهم.

الثانى : (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) (الصافات : ٤٩) أى : كأنّهنّ مثل بيض النعام ، المغطى بالريش ، والذى لم تمسه الأيدى ، والمصون عن الكسر ، أى : أنهن عذارى.

الثالث : (مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (الرحمن : ٧٢) أى : مستورات فى الخيام ، لسن بالطوافات فى الطرق ، وقد قصرن على أزواجهن فلا يردن بدلا منهم.

الرابع : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) (الرحمن : ٧٤) لم يمسسهن قبل أزواجهن فى الجنة إنس غيرهم ولا جان.

الخامس : أنهن (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) (الواقعة : ٢٣) أى هن فى ذواتهن مثل اللؤلؤ ، الذى لم تسمه الأيدى ، ولم يقع عليه الغبار ، فهو أشد ما يكون صفاء وتلألؤا.

٧٤٤

واختلف أيهما أفضل فى الجنة : نساء الآدميات أو الحور العين؟

قال بعضهم : إن نساء الآدميات من دخل منهن الجنة فضّلن على الحور العين بما عملن فى الدنيا. وقيل : إن الحور العين أفضل ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام فى دعائه : «وأبدله زوجا خيرا من زوجته» (٤٨).

٢٧ ـ الخلود

هذه اللفظة (الخلود) وردت فى القرآن الكريم مرة واحدة ، وذلك فى قوله تعالى (ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) (ق : ٣٤). كما وردت مشتقاتها ـ فى آيات القرآن الكريم ـ ست وثمانين مرة.

والمراد بها : البقاء الذى لا انتهاء له أبدا (٤٩).

والخلود فى اللغة : هو تبرؤ الشيء من اعتراض الفساد ، وبقاؤه على الحالة التى هو عليها ، وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب ب «الخلود» ، يقول تعالى :

(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) (الشعراء : ١٢٨ ، ١٢٩) ، يقال : خلد يخلد خلودا أى : بقى وأقام.

ولا يكون الخلود إلا فى الجنة ، أو فى النار.

والعياذ بالله (٥٠).

يقول تعالى فى وصف أهل الجنة :

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (الزمر : ٧٣).

ويقول ـ عزوجل ـ فى وصف أهل النار (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (البينة : ٦).

٢٨ ـ الخير

الخير (٥١) : ما يرغب فيه الكل ، كالعقل ، والعدل ، والفضل ، والشيء النافع عامة ، وضده : الشر.

والخير ضربان : خير مطلق ، وخير مقيد.

فالخير المطلق : ما كان مرغوبا فيه بكل حال ، وعند كل أحد ، كما فى قوله تعالى :

(بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران : ٢٦).

والخير المقيد : ما كان مرغوبا فيه فى بعض الأحوال ، وعند بعض الآحاد ، أى : ليس فى كل حال ، وليس عند كل أحد ، مثل : المال ، الذى ربما كان خيرا لزيد وشرا لعمرو ، ولذلك : وصفه الله تعالى بالأمرين ، فقال فى موضع خير : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ

٧٤٥

الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة : ١٨٠) فالخير هنا : هو المال من غير خلاف ، وقال فى موضع آخر : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) (المؤمنون : ٥٥ ، ٥٦).

والخير ـ كذلك ـ يقال على وجهين : أن يكون اسما ، وأن يكون وصفا.

فالاسم : كما فى قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) (آل عمران : ١٠٤) ، والوصف : كما فى قوله تعالى :

(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) (البقرة :١٩٧)

ومن جهة ثالثة : يقابل الخير .. تارة بالسوء ، وتارة بالشر ، وتارة بالضر.

فيقابل بالسوء كما فى قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (آل عمران : ٣٠) ، ويقابل بالشر : كما فى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (النور : ١١) ، ويقابل بالضر : كما فى قوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام : ١٧).

٢٩ ـ الدين القيم

الدين القيم : أى الثابت المقوّم لأمور المعاش والمعاد.

وهو : دين الإسلام ، القيم المستقيم (٥٢) ، الذى فطر الله الناس عليه ، وتعبدهم بمبادئه وتعاليمه.

يقول سبحان : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف : ٣٩).

ويقول سبحانه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم : ٣٠).

ويقول سبحانه : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) (الروم : ٤٣).

ويقول سبحانه : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة : ٣٦).

وأما (دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة : ٥) أى : دين الأمة القائمة بالقسط ، وهى المشار إليها بقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران : ١١) ، وقوله تعالى :

٧٤٦

(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) (النساء : ١٣٥).

٣٠ ـ روح القدس

الروح : اسم للنفس ، وذلك : لكون النّفس بعض الروح ، من باب تسمية النوع باسم الجنس ، نحو تسمية الإنسان بالحيوان.

وجعل اسما للجزء الذى به تحصل الحياة والتحرك ، واستجلاب المنافع ، واستدفاع المضار.

وبه سمى أشراف الملائكة ـ عليهم‌السلام ، نحو :

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ) (النبأ : ٣٨). وبه كذلك سمى جبريل عليه‌السلام : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (الشعراء : ١٩٣).

والقدس : من التقديس ، وهو التطهير الإلهى ، وليس هو التطهير المقصود به إزالة النجاسة المحسوسة.

وعلى هذا : ف (روح القدس) هو : جبريل عليه‌السلام ؛ وسمى بذلك من حيث إنه ينزل بالقدس من الله ، أى بما يطهر نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهى.

وقد ورد هذا الاسم فى القرآن الكريم أربع مرات (٥٣).

فى قوله تعالى : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (البقرة : ٨٧ ، ٢٥٣). وقوله تعالى : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) (المائدة :

١١٠). وقوله تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) (النحل : ١٠٢).

٣١ ـ الزقوم

الزقوم (٥٤) : مشتق من التزقم ، وهو البلع على جهد ومشقة ، وكراهية ، وهو : شجر كريه المنظر ، كريه الطعم.

واختلف فى هذا الشجر ، هل هو من شجر الدنيا ، الذى تعرفه العرب ، أو لا. على قولين :

أحدهما : أنها من شجر الدنيا ، وهى :

شجرة مرة ، من أخبث الشجر تكون بتهامة ، من أرض الجزيرة ، وقال بعضهم : إنها نبات قاتل.

ثانيهما : أنها ليست من شجر الدنيا ، بل هى طعام أهل النار. وهى شجرة خلقها الله فى جهنم ، إذا جاء أهل النار فالتجئوا إليها ، وأكلوا منها ، تغلى فى بطونهم ، كما يغلى الماء الحار ، وشبه ما يصير منها فى بطونهم بالمهل ، وهو النحاس المذاب من الغليان.

ومن العجيب : أنها تحيا بلهب النار ، كما يحيا شجر الدنيا بالماء ، ولا مناص لأهل النار من أكلها .. ينحدر إليها من كان منهم فوقها ، ويصعد إليها من كان أسفلها ؛ لهذا الغرض.

٧٤٧

ولما نزل قوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (الدخان : ٤٣ ـ ٤٦) لم تعرفها قريش ، فقال أبو جهل : إن هذا لشجر ما ينبت فى بلادنا ، فمن منكم يعرف الزقوم ..؟ فقال رجل قدم عليهم من إفريقية :

(الزقوم) بلغة إفريقية : الزبد بالتمر ، فقال أبو جهل : يا جارية ..!! هاتى لنا تمرا وزبدا نزقمه ، فجعلوا يأكلون منه ، ويقولون : أفبهذا يخوفنا محمد فى الآخرة ..؟

فبين الله هذه (الشجرة) فى موضع آخر بصفتها ، حيث قال تبارك وتعالى : (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) (الصافات : ٦٢ ـ ٦٧).

فقد بين تعالى :

١ ـ أنها فتنة لهم واختبار.

٢ ـ وأصلها : (تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ).

٣ ـ وشكلها : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ).

٤ ـ وأنهم يأكلون منها لا محالة :

(فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ).

٥ ـ أنهم يحاولون إطفاء لهيبها بالحميم :

(إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ).

وقد سماها ب (الشجرة الملعونة) ـ كذلك ـ فى قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (الإسراء : ٦٠).

وهدّد ـ عزوجل ـ الكافرين بالأكل منها فى قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) (الواقعة : ٥١ ـ ٥٦).

٣٢ ـ السائبة

هى الناقة التى تسيّب فى المرعى ، فلا ترد عن حوض ولا علف ، وذلك إذا ولدت خمسة أبطن ، وقال ابن إسحاق : هى الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ـ أى : فى ولادتها ـ ليس بينهن ذكر ، لم يركب ظهرها ، ولم يجزّ وبرها ، ولم يشرب لبنها إلا ضيف. وقيل : السائبة : هى البعير ، يسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه الله من مرض ، أو بلّغه منزله أن يفعل ذلك ، فلا تحبس عن رعى ولا ماء ، ولا يركبها أحد.

وقد يسيّبون غير الناقة.

٧٤٨

وهذه التسمية ليست من الله فى شىء ، بل ما سنّ الله هذا الفعل حكما ، ولا تعبد به شرعا ، إنما هو مما أطلقه العرب ، ومارسوه فى الجاهلية ، وقالوا : إن الله أمر بتحريمها ، وزعموا أنهم يفعلون ذلك لرضا ربهم.

وقد كذبوا .. فطاعة الله إنما تعلم من قوله وشرعه ، ولم يكن عندهم من الله بذلك قول ولا شرع ، فكان ذلك مما يفترونه على الله (٥٥).

هذا .. وقد ورد هذا اللفظ فى القرآن الكريم .. مرة واحدة فقط ، وذلك فى قوله تبارك وتعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (المائدة : ١٠٣).

٣٣ ـ السبع الطرائق

وهى : عبارة وردت فى القرآن الكريم ، مرة واحدة ، وذلك فى قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا)

(عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) (المؤمنون : ١٧).

والسبع : هى العدد المعروف ، والطرائق :

جمع طريق ، كما فى قوله تعالى : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) (الجن : ١١) ، إشارة إلى اختلافهم فى درجاتهم ، وأطباق السماء يقال لها ـ كذلك ـ طرائق.

وقال الخليل ، والزجاج ، والفراء : (سبع طرائق) أى : سبع سماوات ، كقوله : (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) (نوح : ١٥). كل سماء طريقة وإنما قيل لها : طرائق ، لتطارقها ، بمعنى كون بعضها فوق بعض ، يقال : طارق الرجل نعليه.

إذا أطبق نعلا على نعل ، وطارق بين ثوبين. إذا لبس ثوبا فوق ثوب.

وقال على بن عيسى : سميت بذلك ؛ لأنها طرائق للملائكة فى العروج والهبوط والطيران.

وقال آخرون : لأنها طرائق الكواكب فيها مسيرها (٥٦).

٣٤ ـ السكينة

السكينة : هى السكون والوقار والطمأنينة وزوال الرعب ، وقيل : هى الرحمة ، وقيل : هى النصر ، وقيل : هى الوقار وما يسكن به الإنسان.

وقد وردت فى القرآن : ست مرات (٥٧).

اثنتان فى سورة التوبة فى قوله تعالى :

(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ)

٧٤٩

وثلاث فى سورة الفتح : فى قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (الفتح : ٤) ، وقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) (الفتح : ١٨). وقوله تعالى : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) (الفتح : ٢٦).

وكل واحدة ذكرت فى هذه الآيات فهى بمعنى الطمأنينة ـ كما قال ابن عباس ـ إلا التى فى البقرة. وهى المرة السادسة ، وهى قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) (البقرة : ٢٤٨).

فقد اختلف العلماء فى معنى (السكينة) فى هذه الآية قيل : هى مثل نظائرها ، والمعنى :

هو ـ أى التابوت ـ سبب سكون قلوبكم وطمأنينتها ؛ حيث كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم ، فكانت ـ لذلك ـ تسكن إليه النفوس ، وتأنس به وتقوى. وقيل :

هى روح من الله تتكلم ، فكانوا إذا اختلفوا فى أمر نطقت ببيان ما يريدون ، وإذا صاحت فى الحرب ، كان لهم النصر والظفر ، وقيل : هى ريح هفافة ـ أى سريعة المرور فى هبوبها ـ لها وجه كوجه إنسان ، وقيل : هى حيوان كالهر ، له جناحان وذنب ، ولعينيه شعاع ، فإذا نظر إلى الجيش انهزم ، وقيل : هى طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.

والصحيح القول الأول (٥٨) ، وفى غيره من الأقوال آثار الوضع ، ورائحة الإسرائيليات.

٣٥ ـ شعائر الله

والشعائر : جمع شعيرة ، وهى كل شىء لله تعالى فيه أمر ، أو نهى ، أشعر به وأعلم ، ومنه :

شعار القوم فى الحرب ، أى علامتهم التى يتعارفون بها ، ومنه كذلك : إشعار البدنة ، وهو الطعن فى جانبها الأيمن حتى يسيل منه الدم ؛ فيكون علامة ، وتسمى : شعيرة ، بمعنى :

مشعورة ، أى : معلّمة.

والإشعار : الإعلام من طريق الإحساس ، يقال : أشعر هديه أى جعل له علامة ليعرف بها أنه هدى ، ومنه : المشاعر ، أى : المعالم ، واحدها مشعر ، وهى المواضع التى قد أشعرت بالعلامات ، ومنه : الشاعر ؛ لأنه يشعر بفطنته لما لا يفطن له غيره.

ومنه : الشعير ؛ لشعرته التى فى رأسه (٥٩).

وقد اختلف العلماء فى المراد من (شعائر الله) على أقوال ، أبرزها قولان (٦٠) :

الأول : ما قاله عطاء والحسن ، قال عطاء ابن أبى رباح : هى جميع ما أمر الله به ، ونهى

٧٥٠

وقد اختلف العلماء فى المراد من (شعائر الله) على أقوال ، أبرزها قولان (٦٠) :

الأول : ما قاله عطاء والحسن ، قال عطاء ابن أبى رباح : هى جميع ما أمر الله به ، ونهى عنه ، وقال الحسن : هى دين الله كله ، ويشهد لهما : قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج : ٣٢).

والثانى : ما قاله ابن عباس ، ومجاهد.

قال ابن عباس : هى جميع مناسك الحج ومعالمه. وقال مجاهد : الصفا والمروة ، والهدى ، والبدن كل ذلك من الشعائر ، ويشهد لهما : أن المشركين كانوا يحجون ، ويعتمرون ، ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم : فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) (المائدة : ٢) ، أى : لا تتعدوا حدود الله فى أمر من الأمور ، ولا فى شعيرة من شعائره. كما يشهد لهما : قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) (البقرة :

١٥٨) ، وكذلك : قوله تعالى : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) (الحج : ٣٦).

قال القرطبى : والقول الأول هو الراجح الذى يقدم على غيره ؛ لعمومه.

٣٦ ـ الشهر الحرام

الشهر : مدّة مشهورة بإهلال الهلال ، أو باعتبار جزء من اثنى عشر جزءا من دوران الشمس من نقطة إلى نقطة ، وهو مشتق من الإشهار ؛ لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده.

والحرام : أى ما حرم الله فيه كثيرا مما لم يحرم فى غيره (٦١).

والمراد ب (الشَّهْرُ الْحَرامُ) : ذو القعدة ، وذلك فى قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (البقرة : ١٩٤) ؛ حيث أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للعمرة فى ذى القعدة من العام السادس للهجرة ، فصده المشركون ، وتصالحوا ، على أن يعود للعمرة فى العام المقبل ، وقد عاد ، وأخلى له أهل مكة البلد ، وأقام فيها ثلاثا ، ثم خرج منصرفا إلى المدينة ، فقال تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ) يعنى ذا القعدة ، الذى اعتمرتم فيه بقدرة الله ب (الشَّهْرُ الْحَرامُ) يعنى ذا القعدة الذى صدكم فيه مشركو مكة عن العمرة ، فى العام الذى كان قبله (٦٢).

وكذلك فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) (المائدة : ٢) ، قال زيد بن أسلم : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٧٥١

الآية ، أى : لا تعتدوا على هؤلاء العمّار ، بسبب أن صدكم أصحابهم ، ومن المعلوم .. أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان هو وأصحابه بالحديبية ، حين صده المشركون عن البيت فى ذى القعدة.

والمراد به ـ كذلك ـ رجب. وذلك فى قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة : ٢١٧) ، حيث بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعثا من المهاجرين ، فقتلوا عمرو بن الحضرمى ، فى آخر يوم من رجب ، وأسروا رجلين ، واستاقوا عيرهم ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لم آمركم بالقتال فى الشهر الحرام ، فقالت قريش : استحل محمد الشهر الحرام» ، فنزلت : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) ، إلى قوله : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) أى : قد كانوا يفتنوكم ـ يقتلونكم ـ وأنتم فى حرم الله ، بعد إيمانكم ، وهذا أكبر عند الله من أن تقتلوهم فى الشهر الحرام مع كفرهم بالله (٦٣).

والمراد به ـ ثالثا ـ الأشهر الأربعة المشار إليها فى قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) (التوبة : ٣٦).

وهذه الشهور .. هى : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب ، الذى بين جمادى الآخرة وشعبان ، وذلك فى قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) (المائدة : ٩٧) ، حيث قرر الله تعالى فى قلوبهم : حرمتها ، فكانوا لا يروّعون فيها نفسا ، ولا يطلبون فيها دما ، ولا يتوقعون فيها ثأرا ، حتى كان الرجل يلقى فيها قاتل أبيه وابنه وأخيه ، فلا يؤذيه ، واقتطعوا فيها ثلث الزمان ، ووصلوا منها ثلاثة متوالية ، فسحة وراحة ، ومجالا للسياحة فى الأمن والاستراحة ، وجعلوا منها واحدا منفردا فى نصف العام ؛ دركا للاحترام ، وهو شهر رجب (٦٢).

٣٧ ـ الصاخّة

هى : الصّيحة التى تصخّ الأسماع ، أى :

تقرعها وتصمّها.

قال ابن سيده : هى صيحة تصخّ الأذن ، أى تطعنها ، فتصمّها لشدتها ، ومنه سميت القيامة.

وقال أبو إسحاق : هى الصيحة التى تكون فيها القيامة ، تصخّ الأسماع ، أى : تصمّها ، فلا تسمع إلا ما تدعى به للأحياء. وأصل الكلمة فى اللغة : الصك الشديد.

وهى عبارة عن القيامة (٦٤) ، حسب المشار إليه فى قوله تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) (الأنعام : ٧٣ ، طه : ١٠٢ ، النمل ٨٧ ، النبأ

٧٥٢

١٨) ، قال ابن كثير : الصاخّة اسم من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله وحذّره عباده. وقال ابن جرير : لعله اسم للنفخة في الصور. وقال البغوى : الصاخة : يعنى صيحة القيامة ، سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع ، أى تبالغ فى إسماعها ، حتى تكاد تصمّها (٦٥).

وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم ، مرة واحدة ، وذلك في قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (عبس :٣٣ ـ ٣٧).

٣٨ ـ الصاعقة

هى : الهدّة الكبيرة ، والصوت الشديد من الجو ، ويكون منها نار فقط ، أو عذاب ، أو موت ، ولكنها فى ذاتها شىء واحد. ولذلك قال بعض أهل اللغة : الصاعقة على ثلاثة أوجه (٦٦) :

١ ـ بمعنى النار : كما فى قوله تعالى :

(يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) (البقرة : ١٩).

قال أبو زيد : الصاعقة : نار تسقط من السماء في رعد شديد ، وكما فى قوله تعالى :

(وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) (الرعد : ١٣) ، ذكر الماوردى عن ابن عباس وعلى بن أبى طالب ومجاهد : أنها نزلت فى يهودى قال للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أخبرنى من أى شىء ربك؟ أمن لؤلؤ؟ فجاءت صاعقة فأحرقته.

٢ ـ بمعنى العذاب : كما فى قوله تعالى :

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (فصلت : ١٣) أى :

خوفتكم هلاكا مثل هلاك عاد وثمود ، وقوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت : ١٧) أى : العذاب المهلك.

٣ ـ بمعى الموت : كما فى قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أى :

أماتتكم الصاعقة (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة : ٥٥ ، ٥٦) ، وكما فى قوله تعالى : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (النساء : ١٥٣).

وكما فى قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (الزمر : ١٦). وكما فى قوله تعالى عن ثمود : (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أى : ماتوا (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) (الذاريات : ٤٤ ، ٥٤).

٧٥٣

٣٩ ـ صبغة الله

الصّبغ : تلوين الشيء بلون ما ، والصّبغة : ما يصبغ به ، وقيل : الهيئة المكتسبة بالصّبغ (٦٧).

و (صبغة الله) وردت فى كتاب الله تعالى ، فى قوله عزوجل : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (البقرة :١٣٨).

وقد اختلف فى المراد من (صبغة الله) على أقوال : (٦٨)

الأول : أن المراد دين الله ؛ وذلك أن بعض النصارى كانوا يغمسون أولادهم فى ماء أصفر ، يسمونه «المعمودية» ، ويقولون : هو تطهير لهم. وإذا فعل الواحد بولده ذلك ..

قال : الآن صار نصرانيا. فقال الله تعالى :

(صِبْغَةَ اللهِ) وهى : الدين والإسلام ، لا صبغتهم.

الثانى : أن المراد فطرة الله ؛ وذلك كقوله تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (الروم : ٣٠).

ومعنى هذا : أن الإنسان موسوم فى تركيبه وبنيته بالعجز والفاقة والآثار الشاهدة عليه بالحدوث والافتقار إلى الخالق ، وعلى هذا :

فهذه الآثار كالصبغة له والسمة اللازمة.

الثالث : أن المراد : الختان ، الذى هو تطهير. أى : كما أن المخصوص الذى للنصارى تطهير لهم ، فكذلك الختان ، تطهير للمسلمين.

الرابع : أن المراد : حجة الله.

الخامس : أن المراد : الاغتسال لمن أراد الدخول فى الإسلام ، بدلا من «معمودية» النصارى.

عن أبى عبيدة : والقول الجيد هو الأول.

٤٠ ـ الصيحة

الصّيحة : رفع الصوت. من صاح يصيح صيحة وصياحا ، ويكون ذلك من الناس وغيرهم.

يقول تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) (ق : ٤٢) ، وقال الشاعر :

وصاح غراب البين وانشقت العصا

ببين كما شقّ الأديم الصوانع (٦٩)

والصيحة فى القرآن الكريم .. على معان :

فهى بمعنى : العذاب ، كما فى قوله تعالى :

(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) (هود : ٦٧) والمراد ب (الَّذِينَ ظَلَمُوا) هنا : ثمود ، قوم صالح عليه‌السلام. وكما فى قوله تعالى : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) والمراد ، ب (الذين ظلموا) هنا : أصحاب الأيكة ، قوم شعيب عليه‌السلام.

٧٥٤

فهؤلاء وهؤلاء صاح بهم جبريل صيحة ، خرجت من شدتها عليهم أرواحهم من أجسادهم. قال ابن عباس : ما أهلك الله أمتين بعذاب واحد ، إلا قوم صالح وقوم شعيب ، أهلكهم الله بالصيحة ، غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة من تحتهم ، وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم (٧٠).

وهى ـ ثانيا ـ بمعنى : نفخة القيامة. كما فى قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) (يس : ٤٨ ، ٤٩) (٧٠) وهى نفخة الصعق ، وكما فى قوله تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) (ق : ٤١ ، ٤٢) (٧٠) وهى النفخة الثانية (٧٠).

وهى ـ ثالثا ـ بمعنى : الغارة ، إذا فوجئ بها الحى. كما فى قوله تعالى عن المنافقين :

(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون : ٤) أى :

يحسبون أهل كل صيحة عليهم ، هم العدو ، وذلك لجبنهم ، قال الضحاك : يحسبون كل صيحة عليهم ، أنهم قد فطن بهم ، وعلم بنفاقهم ، لأن للريبة خوفا ، وقيل : يحسبون كل صيحة يسمعونها فى المسجد أنها عليهم ، وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمر فيها بقتالهم (٧٠).

٤١ ـ الغيب

الغيب : مصدر غابت الشمس ، وغيرها ، إذا استترت عن العين ، وبذلك : فالغيب لغة : كل ما غاب عنك.

واستعمل فى كل ما غاب عن الحس ، كما فى قوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) (النمل :

٢٠) وقوله تعالى (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) : أى : فى حال غيبة الزوج (٧١).

كما استعمل فى كل ما غاب عن علم الإنسان ، يقول تعالى : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (النمل : ٧٥).

هذا : ويقال للشيء : غيب ، وغائب ، باعتبار تعلقه بالناس ، لا بالله تعالى ؛ حيث إنه تعالى لا يغيب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض ، فهو عزوجل : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (الأنعام : ٧٣ ، التوبة ٩٤ ، ١٠٥ ، الرعد ٩ ، المؤمنون ٩٢ ، الزمر ٤٦ ، الحشر ٢٢ ، التغابن ١٨).

والغيب فى الاصطلاح : ما لا يقع تحت الحواس ، ولا تقتضيه بداءة العقول ، وإنما

٧٥٥

يعلم بخبر الأنبياء ـ عليهم‌السلام ، وبدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد ، وذلك كأمر البعث ، والحشر ، والحساب ، والجنة ، والنار ، والملائكة ، و... إلخ. كما فى قوله تعالى :

(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة : ٢ ، ٣) أى كل ما غاب عنهم ، وأخبر به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكما فى قوله تعالى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) (مريم : ٦١).

٤٢ ـ الفتح

الفتح : نقيض الإغلاق ، يقال : فتحه يفتحه فتحا ، وعلى هذا .. فالفتح : إزالة الإغلاق والإشكال.

وهو على ضربين (٧٢) :

أحدهما : يدرك بالبصر ، كفتح الباب ، وفتح القفل ، ونحوهما ، كما فى قوله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) (يوسف : ٦٥).

ومنه : فتح مكة يقول تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (النصر : ١) عن الحسن ومجاهد ، وغيرهما : أن الفتح : فتح مكة (٧٣) ، ويقول تعالى : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) (الصف : ١٣) قيل : فتح مكة (٧٣) ، وصلح الحديبية يقول تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (الفتح : ١) عن أنس قال : الحديبية ، وقال الفراء : الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية (٧٣). ويقول تعالى :

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح : ٢٧) قال مجاهد : هو صلح الحديبية (٧٣).

والثانى : يدرك بالبصيرة ، كفتح الهم ، وهو إزالة الغم (٧٢) وهو أنواع :

١ ـ ما كان فى أمور الدنيا ، كنصر يأتى ، وغم يفرج ، وفقر يزال ... كما فى قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) (النساء : ١٤٠ ، ١٤١) أى : نصر وغلبة على اليهود وغنيمة (٧٣) ، وكما فى قوله تعالى :

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف : ٩٦) يعنى : المطر والنبات ، وهذا فى أقوام ـ على الخصوص ـ جرى ذكرهم ، إذ قد يمتحن المؤمنون بضيق العيش ويكون تكفيرا لذنوبهم (٧٣).

٢ ـ ما كان فى أمور الآخرة ، كيوم القيامة ، وذلك مثل قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا

٧٥٦

الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (السجدة : ٢٨ ، ٢٩) قال مجاهد : الفتح : يوم القيامة ، ويروى أن المؤمنين قالوا : سيحكم الله ـ عزوجل ـ بيننا يوم القيامة ، فيثيب المحسن ويعاقب المسيء ، فقال الكفار على الاستهزاء :

متى يوم الفتح هذا؟

٤٣ ـ الفتنة

أصل الفتن : إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته. وعلى هذا فالفتن : الإحراق بالنار ، يقول تعالى : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (الذاريات : ١٣) ، ولأن الفتن ، وهو الإحراق بالنار عذاب ؛ كانت الفتنة عذابا ، يقول تعالى : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (الذاريات : ١٤).

والفتنة من الأفعال التى تكون من الله تعالى ، والتى تكون من العبد. فإذا كانت من الله تعالى ، كانت على وجه الحكمة ، يقول تعالى : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) (الفرقان : ٢٠). وإذا كانت من العبد ـ بغير أمر الله ـ كانت بضد ذلك ، يقول تعالى : (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) (التوبة : ٤٨) ؛ ولهذا : يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة فى كل مكان وزمان ، مثل : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (البروج : ١٠).

وقد تعددت معانى (الفتنة) فى القرآن الكريم ، ومن ذلك ، أن (٧٤) :

الفتنة : بمعنى العذاب بالإحراق ، كما فى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) (البروج : ١٠).

والفتنة : بمعنى الضلال والإثم ، كما فى قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (التوبة : ٤٩).

والفتنة : بمعنى الكفر ، كما فى قوله تعالى :

(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة : ١٩١).

والفتنة : بمعنى الفضيحة ، كما فى قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) (المائدة : ٤١) أى : ومن يرد الله فضيحته.

والفتنة : بمعنى القتل ، كما فى قوله تعالى :

(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) (يونس :٨٣) وكما فى قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (النساء : ١٠١).

٧٥٧

والفتنة : بمعنى الاختبار ، كما فى قوله تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) (التوبة : ١٢٦) وقوله تعالى :

(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن : ١٥).

والفتنة : بمعنى الخديعة ، يقول تعالى :

(وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (المائدة : ٤٩).

والفتنة بمعنى الإعجاب ، كما فى قوله تعالى : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (الممتحنة : ٥) والمعنى : لا تظهرهم وتنصرهم علينا ، فيعجبوا ويظنوا إنهم خير منا ، وأهل الحجاز يقولون : فتنته المرأة ، إذا ولهته وأحبها.

٤٤ ـ فطرة الله

وردت هذه اللفظة فى القرآن الكريم مرة واحدة. وذلك فى قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم : ٣٠).

وقد اختلف العلماء فى معنى «فطرة الله» هذه على أقوال متعددة (٧٥)!

١ ـ قال أبو هريرة ، وابن شهاب ، وغيرهما :

فطرة الله : هى الإسلام ، قالوا : وهذا هو المعروف عند عامة السلف من أهل التأويل ...

واستدلوا لذلك ، بما يلى :

(أ) بهذه الآية قال البخارى قوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) لدين الله ، والدين والفطرة :

الإسلام (٧٦).

(ب) وبحديث أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كما تذبح البهيمة بهيمة جمعاء ، هل تحسون فيها من جدعاء ، ثم يقول (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (٧٧).

(ج) وبحديث عياض بن حمار المجاشعى وفيه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال الله تعالى :

«... وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطانا ..» (٧٨).

٢ ـ وقال آخرون : فطرة الله هى : البداءة التى ابتدأهم الله عليها ، أى : على ما فطر عليه خلقه ، من أنه ابتدأهم للحياة والموت ، والسعادة والشقاء ، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ. (٧٥) قالوا : والفطرة فى كلام العرب :

البداءة ، والفاطر : المبتدئ. واستدلوا لذلك بما يلى (٧٥) :

٧٥٨

ما روى عن ابن عباس ، أنه قال : ما كنت أدرى ما فاطر السماوات والأرض ، حتى أتانى أعرابيان يختصمان فى بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أى : أنا ابتدأت حفرها. وذكر أبو العباس أن ابن الأعرابى يقول : أنا أول من فطر هذا ، أى : ابتدأه.

٣ ـ وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر : فطرة الله هى : الخلقة التى خلق عليها المولود فى المعرفة بربه (٧٥) ، أى : أن كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة ، يعنى : خلقة مخالفة لخلقة البهائم ، التى لا تصل بخلقتها إلى معرفته ، واستدلوا لذلك بقوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (فاطر : ١). يعنى خالقهن.

قال أبو عمر بن عبد البر : هذا الأخير أصح ما قيل فى معنى «فطرة الله» التى يولد الناس عليها ، ودلل على ذلك ، واحتج له.

قال القرطبى : وإلى ما اختاره أبو عمر واحتج له ، ذهب غير واحد من المحققين ، منهم ابن عطية فى «تفسيره» فى معنى «الفطرة» ، وشيخنا أبو العباس.

قال ابن عطية : والذى يعتمد عليه فى تفسير هذه اللفظة : أنها الخلقة والهيئة التى فى نفس الطفل ، التى هى مهيأة ومعدة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى ، ويستدل بها على ربه ، ويعرف شرائعه ، ويؤمن به ، فكأنه تعالى قال : (أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) الذى هو الحنيف ، وهو فطرة الله ، الذى على الإعداد له فطر البشر ، لكن تعترضهم العوارض ، ومنه قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه ، أو ينصّرانه أو يمجّسانه ...» الحديث. فذكر الأبوين إنما هو مثال للعوارض التى هى كثيرة ، حيث إن الله تعالى خلق قلوب بنى آدم مؤهلة لقبول الحق ، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات ، فما دامت باقية على ذلك القبول ، وتلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام ، وهو الدين الحق (٧٥).

هذا وقد أجاب أصحاب هذا القول ... عن القول الأول : بأنه يستحيل أن تكون الفطرة المذكورة هى الإسلام ، ذلك أن الإسلام والإيمان. قول باللسان ، واعتقاد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، وهذا معدوم من الطفل ، لا يجهل ذلك ذو عقل.

كما أجابوا عن القول الثانى ، الذى هو «البداءة» : بانكارهم أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان ، أو معرفة أو إنكار ، حيث قالوا : إن المولود يولد على السلامة فى الأغلب ، خلقة ، وطبعا ، وبنية ، ليس معها : إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ، ثم يعتقدون الكفر والإيمان بعد البلوغ إذا ميزوا.

٧٥٩

ولو كان الأطفال فى حين ولادتهم قد فطروا على شىء من الكفر والإيمان ، ما انتقلوا عنه أبدا ، بل قد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون ، أو يكفرون ثم يؤمنون.

قالوا : ويستحيل فى المعقول أن يكون الطفل فى حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا ؛ لأن الله أخرجهم فى حال لا يفقهون معها شيئا ، قال الله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (النحل :٧٨) فمن لا يعلم شيئا : استحال منه كفر أو إيمان ، أو معرفة أو إنكار.

٤ ـ ومن طريف ما قيل فى معنى «فطرة الله» ما قاله أبو بكر الوراق إنها : الفقر والفاقة ، حيث إنه منذ ولد إلى حين يموت ...

فقير محتاج ، نعم!! وفى الآخرة كذلك.

قال القرطبى : وهذا حسن (٧٥).

٤٥ ـ القارعة

القارعة فى اللغة : النازلة الشديدة ، تنزل عليهم بأمر عظيم.

والمراد بها : القيامة. قال تعالى : (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) (القارعة : ١ ـ ٤) ، سميت بذلك : لأنها تقرع الناس بأهوالها وشدائدها.

وقيل : القارعة هى : الداهية المهلكة ، يقال :

قرعه أمر ، إذا أتاه فجأة ، وجمعه : قوارع ، قال تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) (الرعد : ٣١) ، قال الأصمعى :

يقال أصابته قارعة ، يعنى : أمرا عظيما يقرعه ، ويقال : أنزل الله به قارعة ومقرعة (٧٩).

وقيل : عنى بالقارعة العذاب الذى نزل بثمود وعاد فى الدنيا ، وكان كل نبى من أنبيائهم يخوفهم بذلك فيكذبونه (٧٩) ، قال تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) (الحاقة : ٤ ـ ٦).

٤٦ ـ القرار المكين

وهو المذكور فى قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (المؤمنون : ١٢ ، ١٣).

و (القرار) : أى المستقر ، وهو فى الأصل :

مصدر قرّ يقر قرارا ، بمعنى : ثبت ثبوتا ، والمراد به : الرحم ، و (مكين) : وصف له ، أى :

متمكن.

والمعنى : أن الرحم متمكنة ، لا تنفصل لثقل حملها ، أو لا تطرد ما فيها.

٧٦٠