الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

فيها : أما المبدأ الأول : فهو «درء المفاسد» حتى لا تقع بالبلاء على العباد وتسبب الأذى للفرد والمجتمع والبيئة ، حيث لا ضرر بالنفس ، ولا ضرار بالغير.

وأما المبدأ الثانى : فهو «جلب المصالح» وبذل كل الجهود التى من شأنها أن تحقق الخير والمنفعة للجماعة البشرية.

وأهم ما يميز المنهج الإسلامى فى الحفاظ على البيئة هو الأمر بالتوسط والاعتدال فى كل تصرفات الإنسان ، باعتباره من أهم عوامل الوقاية من الخلل والاضطراب فى منظومة التوازن البيئى المحكم الذى وهبه الله للحياة والأحياء فى هذا الكون. وهذا لا يعنى بطبيعة الحال أن يقف الإنسان مكتوف الأيدى إزاء النظم البيئية المحيطة به ، أو أن يعطل أداء واجب الإعمار الذى تقتضيه أمانة الاستخلاف فى الأرض ، ولكنه يعنى أن يتعامل الإنسان مع هذه النظم بما يمكنه من تطوير حياته دون إسراف فى استخدام الموارد الطبيعية أو جور على حقوق الآخرين.

(ج) احتمالات الحياة على كواكب أخرى فى الكون :

قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) (٥٠).

تشير هذه الآية الكريمة إلى وجود كائنات تدب وتتحرك فى السموات والأرض ، وهذه الكائنات عاقلة وذكية وعابدة وليست قاصرة على الملائكة. وتقرر هذه الآية الكريمة أيضا أن الله سبحانه وتعالى قادر على جمع هذه الأحياء وحدوث الالتقاء بينها أثناء الحياة الدنيا أو فى الآخرة.

وهذا الموضوع المتعلق باحتمالات وجود كائنات حية ذكية غير الإنسان فى كواكب أخرى فى هذا الكون الفسيح أصبح من الموضوعات التى تجذب اهتمام الناس وتستحوذ على تفكيرهم ، حيث يلهث العلم وراء البحث عن أسباب تسمح بوجود حياة على الكواكب الأخرى غير الأرض فى مجموعتنا الشمسية ، أو على الكواكب التى تقع فى أسر جاذبية النجوم الأخرى وتدور حولها. وعادة ما يكون اكتشاف أى آثار تدل على وجود الماء من أبرز الأساليب التى ترجح الاعتقاد بوجود حياة ، حيث أن الماء هو الأصل والضرورى لنشأة الحياة واستمرارها ، باعتراف علماء البيولوجيا أنفسهم ، وبتقرير القرآن الكريم ـ من قبل ذلك بقرون ـ فى قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) (٥١).

كذلك لا بدّ من توفر درجة حرارة مناسبة لحياة الأحياء ، بالإضافة إلى ضرورة توافر عنصر الكربون الذى يمتاز بقابليته وقدرته

٧٢١

على الاتحاد بالعناصر الأخرى فى مركبات أساسية للحياة. أى أن الماء والحرارة المناسبة والكربون شروط ضرورية لقيام حياة كتلك التى نعرفها على الأرض.

ولقد أكدت رحلات الفضاء وأبحاث العلماء استحالة وجود حياة كالتى نعرفها على أى كوكب آخر غير الأرض فى مجموعتنا الشمسية ، وأصبح مطلوبا البحث عن وجود هذه الحياة الذكية المحتملة بعيدا عن المجموعة الشمسية على كواكب (أو أرضين) شبيهة بأرضنا وتابعة لنجوم (شموس) أخرى غير شمسنا فى عوالم أخرى فى مجرتنا أو

المجرات الأخرى.

ولقد بذل الإنسان حديثا محاولات للاتصال بالعوالم الأخرى ، ومن بينها المركبة بايونير ١٠ التى أطلقت عام ١٩٧٢ م وزميلتها قويجر ٢ التى أطلقت عام ١٩٧٢ المزودتين برسائل رمزية وصورة رجل وامرأة من أهل الأرض يرفعان أيديهما رمزا للسلام ، ورسائل صوتية مسجلة بلغات مختلفة وموجهة من شعوب الأرض إلى سكان العوالم الأخرى لتحيتهم وحثهم على الاتصال بنا. لكن هل سيتحقق هذا الذى يبحث عنه العلماء؟ العلم عند الله وحده القائل : (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) صدق الله العظيم.

ا. د. أحمد فؤاد باشا

٧٢٢

المصادر والمراجع :

__________________

(١) القرآن الكريم.

(٢) مختصر تفسير ابن كثير ، اختصار وتحقيق : محمد على الصابونى ، دار القرآن الكريم بيروت.

(٣) التفسير الكبير ، أو مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازى ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ١٤١١ ه‍ ـ ١٩٩٠ م.

(٤) المنتخب فى تفسير القرآن الكريم ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، ط ـ ١٨ ، القاهرة ١٤١٦ ه‍ ـ ١٩٩٥ م.

(٥) محمد فؤاد عبد الباقى ، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، مؤسسة جمال للنشر بيروت لبنان.

(٦) المفردات للراغب الأصفهانى ، ط ـ دار المعرفة ، بيروت.

(٧) تفسير القرطبى ، ط ـ إحياء التراث العربى.

(٨) فتح البارى ، ط ـ دار المعرفة ، بيروت.

(٩) عبد المجيد الزندانى ، الإعجاز العلمى تأصيلا ومنهجا ، مجلة الإعجاز ، هيئة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة ، رابطة العالم الإسلامى ، مكة المكرمة ، العدد الأول صفر ١٤١٦ ه‍ ـ ١٩٩٥ م.

(١٠) د. أحمد فؤاد باشا ، رحيق العلم والإيمان ، دار الفكر العربى ، القاهرة ١٤٢٢ ه‍ ـ ٢٠٠٢ م.

(١١) لسان العرب لابن منظور.

(١٢) د. عبد الحافظ حلمى محمد ، العلوم البيولوجية فى خدمة تفسير القرآن الكريم ، مجلة عالم الفكر ، المجلد الثانى عشر ، العدد الرابع ، الكويت ١٩٨٢ م.

(١٣) د. أحمد الشرباصى ، قصة التفسير ، دار العلم ، القاهرة ١٩٦٢.

(١٤) عباس محمود العقاد ، التفكير فريضة إسلامية ، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت ـ صيدا.

(١٥) د. محمد إبراهيم شريف ، هداية القرآن فى الآفاق وفى الأنفس وإعجازه العلمى ، دعوة ضرورية ومنهج واجب ، ١٤٠٦ ه‍ ـ ١٩٨٦ م.

(١٦) د. أحمد فؤاد باشا ، فى فقه العلم والحضارة ، سلسلة قضايا إسلامية (٢٠) ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، القاهرة ١٤١٧ ه‍ ـ ١٩٩٧ م.

(١٧) د. أحمد فؤاد باشا ، دراسات إسلامية فى الفكر العلمى ، دار الهداية ، القاهرة ١٤١٨ ه‍ ـ ١٩٩٧ م.

(١٨) محمد أحمد الغمراوى ، الإسلام فى عصر العلم ، الرسالة والرسول والقرآن والإعجاز العلمى ، دار الإنسان ، القاهر ١٤١١ ه‍ ـ ، ١٩٩١ م.

(١٩) كريس موريسون ، الله يتجلى فى عصر العلم ، ترجمة : الدمرداش عبد المجيد سرحان.

(٢٠) عبد الحليم الجندى ، القرآن والمنهج العلمى المعاصر ، دار المعارف ، القاهرة ١٩٨٤ م.

(٢١) د. منصور حسب النبى ، الكون والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، دار الفكر العربى ، ١٩٩١ م.

(٢٢) أعداد مجلة المسلم المعاصر.

(٢٣) أعداد مجلة الإعجاز العلمى وأعمال مؤتمرات الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة رابطة العالم الإسلامى.

(٢٤) قاموس القرآن الكريم ، مؤسسة الكويت للتقدم العلمى ، الكويت (سلسلة معاجم).

(٢٥) د. أحمد فؤاد باشا ، الاسلام والعولمة : مفاهيم وقضايا ، كتاب الجمهورية ، دار التحرير ، القاهرة ، ٢٠٠٠ م.

الهوامش :

__________________

(١) راجع لسان العرب لابن منظور ، مادة «عجز» ، والمفردات للراغب الأصفهانى ص ٣٢٢.

(٢) انظر معنى ذلك فى تفسير القرطبى ١ / ٩٦ وفتح البارى ٦ / ٥٨١.

(٣) د. أحمد فؤاد باشا ، رحيق العلم والإيمان ، دار الفكر العربى ، القاهرة ، ١٤٢٢ ه‍ ـ ٢٠٠٢ م ، ص ٢٦.

(٤) عبد المجيد الزندانى ، الإعجاز العلمى تأصيلا ومنهجا ، مجلة الإعجاز ، هيئة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة ، رابطة العالم الإسلامى ، مكة المكرمة ، العدد الأول صفر ١٤١٦ ه‍ ـ يوليو ١٩٩٥ م.

(٥) سورة فصلت : ٥٣.

(٦) عباس محمود العقاد ، التفكير فريضة إسلامية ، منشورات المكتبة العصرية ، بيروت ـ صيدا ، بدون تاريخ للنشر.

(٧) سورة فاطر : ٤٣.

(٨) سورة الأنعام : ١٩.

(٩) سورة النساء : ١٦٦.

(١٠) مختصر تفسير ابن كثير ، المجلد الأول ص ٤٦٦.

(١١) سورة النمل : ٩٣.

(١٢) سورة فصلت : ٥٣.

(١٣) سورة الشورى : ٢٩.

(١٤) عبد الحافظ حلمى محمد ، العلوم البيولوجية فى خدمة تفسير القرآن الكريم ، مجلة عالم الفكر المجلد الثانى عشر ، العدد الرابع ، الكويت ١٩٨٢ م.

(١٥) سورة فاطر : ٢٨.

(١٦) عن : د. أحمد الشرباصى ، قصة التفسير ، دار القلم ، القاهرة ، ١٩٦٢ م. راجع : د. عبد الحافظ حلمى محمد ، مرجع سابق.

(١٧) سورة الرعد : ٢.

(١٨) سورة يس : ٤٠.

(١٩) سورة فاطر : ٤١.

(٢٠) سورة الحج : ٦٥.

(٢١) سورة الانفطار : ١ ، ٢.

(٢٢) سورة الواقعة : ٤ ـ ٦.

(٢٣) سورة الحاقة : ١٤.

(٢٤) سورة الزلزلة : ١ ـ ٥.

(٢٥) سورة يونس : ٢٤.

(٢٦) سورة المؤمنون : ٣٧.

(٢٧) سورة البقرة : ١ ـ ٤.

(٢٨) سورة الذاريات : ٢٠.

(٢٩) سورة الذاريات : ٤٨.

(٣٠) سورة الطارق : ١٢.

(٣١) سورة الذاريات : ٤٨.

(٣٢) سورة فاطر : ٢٧ ـ ٢٨.

(٣٣) سورة النبأ : ٦ ، ٧.

(٣٤) سورة الأنبياء : ٣١.

(٣٥) سورة النور : ٤٠.

(٣٦) سورة الأنعام : ٩٩.

(٣٧) سورة مريم : ٢٣ ـ ٢٦.

(٣٨) سورة الأنعام : ٣٨.

(٣٩) سورة الغاشية : ١٧.

(٤٠) سورة النحل : ٦٨ ، ٦٩.

(٤١) سورة النحل : ٧٩.

(٤٢) سورة الأنعام : ٣٨.

(٤٣) سورة النور : ٤١.

(٤٤) سورة البقرة : ١٧.

(٤٥) سورة الأنعام : ٤٦.

(٤٦) سورة الأنعام : ١٠٢.

(٤٧) سورة المؤمنون : ١٤.

(٤٨) سورة الروم : ٤١.

(٤٩) سورة هود : ٦١.

(٥٠) سورة الشورى : ٢٩.

(٥١) سورة الأنبياء : ٣٠.

٧٢٣

مفردات قرآنية

١ ـ الأرض المقدسة

مركّب إضافى .. ورد ذكره فى القرآن الكريم مرة واحدة فقط (١) ، ومعناه : الأرض المطهرة المباركة.

واختلف العلماء فى تعيين هذه الأرض المقدسة .. على النحو التالى (٢) :

١ ـ هى الطور ، وما حوله .. قال ذلك : مجاهد.

٢ ـ هى الشام .. قال ذلك : قتادة.

٣ ـ هى أرض أريحاء .. قال ذلك : ابن زيد ، والسدى ، وابن عباس.

٤ ـ وقيل : هى .. دمشق ، وفلسطين ، وبعض الأردن.

قال ابن جرير : وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب : أن يقال : هى الأرض المقدسة ، كما قال نبى الله موسى عليه‌السلام ، وذلك : لأن القول فى ذلك ، بأنها أرض دون أرض ، لا تدرك حقيقة صحته إلا بالخبر ، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به. غير أنها : لن تخرج من أن تكون .. من الأرض التى ما بين الفرات ، وعريش مصر ؛ لإجماع أهل التأويل والسير والعلماء بالأخبار ، على ذلك.

هذا ... والموضع الذى ورد ذكر الأرض المقدسة فيه من كتاب الله هو قوله تعالى :

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (المائدة : ٢٠ ـ ٢٦).

٧٢٤

٢ ـ الآزفة

من : أزف ، يأزف ، أزفا ، وأزوفا .. اقترب.

وكل شىء اقترب : فقد أزف أزفا ، أى : دنا.

وقد ورد هذا الاسم فى القرآن الكريم : مرتين فقط (١).

الأولى : فى قوله تعالى : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (غافر :

١٨).

والثانية : فى قوله تعالى : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) (النجم : ٥٧ ، ٥٨).

يقول الإمام الفخر الرازى (٣) : ذكروا فى تفسير (الآزفة) وجوها :

الأول : أنها القيامة .. سميت بذلك :

لقربها ، وإن استبعد الناس مداها (٤).

وقيل : سميت بذلك لدنوّها من الناس ، وقربها منهم ؛ ليستعدوا لها ، وكان بعضهم يتمثل ويقول (٥) :

أزف الرحيل وليس لى من زاد غير الذنوب لشقوتى ونكادى وعليه : ف (يَوْمَ الْآزِفَةِ) فى آية غافر :

يوم القيامة ، و (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) فى آية النجم :

اقتربت القيامة.

الثانى : أنها المسارعة إلى دخول النار ؛ حيث إنه عند ذلك ترتفع القلوب عن مقارّها من شدة الخوف : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ).

وعليه : ف (يَوْمَ الْآزِفَةِ) فى آية غافر :

يوم المسارعة إلى دخول النار ، و (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) فى آية النجم : اقتربت المسارعة إلى دخول النار.

الثالث : أنها المنيّة ، وحضور الأجل ..

بدليل : أنه عزوجل أنذرهم يوم القيامة ، ووصفه بأنه (يَوْمَ التَّلاقِ) (غافر : ١٥) و (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) (غافر : ١٦) ثم أنذرهم ـ بعد ذلك ـ ب (يَوْمَ الْآزِفَةِ) (غافر : ١٨) ، فوجب أن يكون هذا اليوم غير هذا اليوم.

وكذلك : هذه الصفة ، كون (الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) مخصوصة فى سائر الآيات ، بيوم الموت ، قال تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) (الواقعة : ٨٣ ، ٨٤) وقال : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) (القيامة : ٢٦).

وأيضا : فوصف يوم الموت بالقرب .. أولى من وصف يوم القيامة بالقرب.

وكذلك : الصفات المذكورة بعد قوله :

(الْآزِفَةِ) لائقة بيوم حضور الموت ؛ لأن المرء عند معاينة ملائكة العذاب : يعظم خوفه ،

٧٢٥

فكأن قلوبهم تبلغ حناجرهم من شدة الخوف ويبقوا كاظمين ساكنين عن ذكر ما فى قلوبهم من شدة الخوف ، ولا يكون لهم حميم ولا شفيع يدفع ما بهم من أنواع الخوف والقلق.

وعليه : ف (يَوْمَ الْآزِفَةِ) فى آية غافر :

يوم الموت ، و (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) فى آية النجم :

اقتربت المنية.

٣ ـ أساطير الأولين

ذكرت هذه المادة فى القرآن الكريم : تسع مرات (١) ، ويلاحظ : أنها جميعا وردت فى القسم المكى فى القرآن الكريم ، وعلى ألسنة المشركين : (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (الأنعام : ٢٥) يعنى : قريشا.

قال ابن مسعود : «قالوا : للنضر بن الحارث ..

ما يقول محمد؟ قال أرى تحريك شفتيه ، وما يقول إلا أساطير الأولين ، مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر صاحب قصص وأسفار ، فسمع أقاصيص فى ديار العجم ، فكان يحدثهم بها» (٦).

والأساطير : جمع أسطورة ، كأراجيح وأرجوحة. والمراد بها : الأباطيل ، وهى : أحاديث لا نظام لها كتبت كذبا وزورا ، فيما زعموا (٧) :

(وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان : ٥). قال الزجاج :

وقالوا الذى جاء به (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ومعناه : ما سطر الأولون وكتبوه كذبا وزورا (٨).

وكان الواحد من هؤلاء الكفار ، إذا سمع القرآن أو تلا عليه قال : (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (الأحقاف : ١٧) عنادا منهم وتكبرا وكفرا (٩).

٤ ـ الأسباط

الأسباط : جمع سبط ، وهو ولد الولد ؛ كأنه امتداد الفروع ، وعلى ذلك فالسبط : الجماعة والقبيلة ، الراجعون إلى أصل واحد.

والأسباط : ولد يعقوب عليه‌السلام ، وهم اثنا عشر ولدا ، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس ، واحدهم : سبط.

ومن هنا : فالسبط فى بنى إسرائيل.

بمنزلة القبيلة فى ولد إسماعيل.

وسموا الأسباط من السّبط ، وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون.

وقيل : سموا بذلك من السّبط ، وهو الشجر ، أى : هم فى الكثرة ، بمنزلة الشجر ، قال أبو إسحاق الزجاج : ويبين لك هذه الكثرة ، ما قاله ابن عباس : «كل الأنبياء من بنى إسرائيل ، إلا عشرة : نوحا ، وشعيبا ، وهودا ، وصالحا ، ولوطا ، وإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وإسماعيل ، ومحمد صلى الله عليه وعليهم جميعا وسلم» (١٠).

٧٢٦

وقد ذكر الله تعالى (الأسباط) فى القرآن الكريم : خمس مرات (١). فى سورة البقرة الآيتان ١٣٦ ، ١٤٠ ، آل عمران الآية ٨٤ ، النساء الآية ١٦٣ ، الأعراف الآية ، ١٦٠.

٥ ـ الإفك

هو : كل مصروف عن وجهه الذى يحق أن يكون عليه.

ومنه قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة :

٣٠) أى : يصرفون عن الحق فى الاعتقاد إلى الباطل ، وعن الصدق فى المقال إلى الكذب ، وعن الجميل فى الفعل إلى القبيح.

ولما اعتقدت عاد : أن هودا عليه‌السلام ..

يصرفهم عن الحق إلى الباطل بما جاءهم به ، حينما قال لهم : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). قالوا له :

(أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا)؟ (الأحقاف :

٢١ ، ٢٢) أى : أنك تكذب علينا.

واستعمل (الإفك) فى الكذب (١١). ومنه قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) (النور : ١١) أى بالكذب على السيدة عائشة ، رضى الله عنها ، ومنه كذلك : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (الجاثية : ٧).

٦ ـ الأكنّة

الأكنان والأكنة : جمع ، مفرده : الكنّ ، والكنان.

والكنّ : ما يحفظ فيه الشيء. أيضا ما يردّ الحر والبرد من الأبنية والمساكن (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) (النحل : ٨١).

والكنان : الغطاء ، الذى يكن فيه الشيء ، والأكنة : جمع كنان ، مثل : الأسنة والسّنان ، والأعنة ، والعنان (١٢).

وقد وردت بهذا المعنى فى القرآن الكريم ..

حيث يقول رب العزة : (جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) (الأنعام :

٢٥ ، الإسراء ٤٦ ، الكهف ٥٧).

الأكنّة : الأغطية.

والمعنى : أن الكفار لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ، ولا ينقادون إلى الحق ، كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم. ولذلك : فعلنا بهم هذا جزاء على كفرهم. وليس المعنى : أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ؛ حيث تبجحوا ببيان ما يؤيد ذلك إذ : (قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) (فصلت : ٥).

٧ ـ أصحاب الأيكة

الأيكة : الشجر الكثير الملتف.

٧٢٧

وأصحاب الأيكة : جماعة كانوا يسكنون غيضة كثيرة فى الشجر ؛ فنسبوا إليها (١٣).

وهم : أهل «مدين» قوم شعيب عليه‌السلام.

وكانوا قوما من العرب ، يسكنون فى الحجاز ، مما يلى جهة الشام ، قريبا من «خليج العقبة» من الجهة الشمالية منه.

يقول الطبرى : إن بين أرض مدين ومصر ..

ثمان ليال. ويظهر : أنها فى الأرض المسماة الآن ب «معان» جنوب فلسطين.

هذا : ويرى بعض المفسرين : أن «أصحاب الأيكة» قوم آخرون ، غير أهل مدين ، أرسل الله إليهم شعيبا عليه‌السلام بعد هلاك «مدين» (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) (الشعراء : ١٨٩).

والصحيح : أن أهل «مدين» هم أنفسهم (أصحاب الأيكة) حيث إن سورة الشعراء وضحت أنهم كانوا يطففون المكيال والميزان ، يقول تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (الشعراء : ١٧٦ ـ ١٨٣).

وهذا وصفهم : فقد كانوا يجمعون بين الزراعة والتجارة ، وكانت أراضيهم كثيرة الأشجار ، وافرة الثمار ، وفيها الحدائق الغناء ؛ ومن هنا : سموا بأصحاب الأيكة ، كما كانوا كفارا ، يقطعون السبيل ، ويخيفون المارة ، وكانوا من أسوأ الناس معاملة ، خاصة مع نبيهم.

وقد جعل الله تعالى عليهم ـ لكفرهم ـ أنواعا من العقوبات ، وصنوفا من المثلات ، وأشكالا من البليات ؛ وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات.

سلط الله عليهم رجفة شديدة ، أسكنت منهم الحركات ، ثم : صيحة عظيمة أخمدت منهم الأصوات ، ثم : ظلة ، أرسل عليهم منها شرر النار ، من سائر أرجائها والجهات (١٤).

ولقد ورد ذكرهم فى القرآن الكريم صريحا (١) فى سور : الحجر الآية ٧٨ ، والشعراء الآية ١٧٦ ، و (ص) الآية ١٣ ، و (ق) الآية ١٤.

٨ ـ أصحاب الكهف

وهم : مجموعة من الشباب ، لجئوا إلى غار فى الجبل ، فرارا بدينهم من أقوامهم ، الذين كانوا يعبدون الأصنام ، وحدثت لهم بهذا الغار الأعاجيب. وقد عرفوا ب (أصحاب الكهف) نسبة إلى هذا الغار. ذكرهم القرآن الكريم فى سورة سميت باسم كهفهم ، وهى : سورة «الكهف».

٧٢٨

يذكر الله تعالى قصتهم باختصار فى قوله سبحانه : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (الكهف : ٩ ـ ١٢).

ثم يفصل قصتهم بعد هذا الإجمال فى أربعة عشرة آية بعد ذلك ، من نفس السورة (الكهف : ١٣ ـ ٢٦).

يقول عنهم الإمام ابن كثير (١٥) : هم : فتية ، ألهمهم الله رشدهم ، وآتاهم تقواهم ، فآمنوا بربهم ، واعترفوا له بالوحدانية ، وشهدوا أنه لا إله إلا هو. ويقول : ذكر غير واحد من المفسرين ـ من السلف والخلف ـ أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم ، وأنهم خرجوا يوما فى بعض أعياد قومهم ، وكان لهم مجتمع فى السنة يجتمعون فيه ، فى ظاهر البلد ، وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ، ويذبحون لها ، وكان لهم ملك جبار عنيد يأمر الناس بذلك ، ويحثهم عليه ويدعوهم إليه ، فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك ، وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ، ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم ؛ عرفوا أن هذا الذى يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم ، والذبح لها لا ينبغى إلا لله الذى خلق السماوات والأرض.

فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه ، وينحاز منهم ، ويتبرز عنهم ناحية. فكان أول من جلس منهم أحدهم ، جلس تحت ظل شجرة ، فجاء الآخر فجلس عنده ، وجاء الآخر فجلس إليهما ، وجاء الآخر فجلس إليهم ، وجاء الآخر ، وجاء الآخر. ولا يعرف واحد منهم الآخر ، وإنما جمعهم هناك ، الذى جمع قلوبهم على الإيمان ، كما جاء فى الحديث :

«الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف» (١٦). وجعل كل واحد منهم يكتم ما هو

فيه عن أصحابه ، خوفا منهم ، ولا يدرى أنهم مثله ، حتى قال أحدهم : تعلمون ـ والله يا قوم ـ إنه ما أخرجكم من قومكم ، وأفردكم عنهم ، إلا شىء ، فليظهر كل واحد منكم ما بأمره ، فقال الآخر : أما أنا فإنى والله رأيت ما قومى عليه ، فعرفت أنه باطل ، وإنما الذى يستحق أن يعبد وحده ، ولا يشرك به شىء ؛ هو الله الذى خلق السماوات والأرض وما بينهما.

فقال الآخر : وأنا والله ، وقع لى كذلك. وقال الآخر : كذلك ، حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة. فصاروا يدا واحدة ، وإخوان صدق ، فاتخذوا لهم معبدا ، يعبدون الله فيه.

فعرف بهم قومهم ، فوشوا بأمرهم إلى ملكهم ، فاستحضرهم بين يديه ، فسألهم عن

٧٢٩

أمرهم ، وما هم عليه ؛ فأجابوه بالحق ، ودعوه إلى الله ـ عزوجل.

ولهذا : أخبر تعالى عنهم بقوله : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) الآيات.

يقال : إن ملكهم ـ هذا ـ لما دعوه إلى الإيمان أبى عليهم ، وتهددهم ، وتوعدهم ، وأمر بنزع لباسهم عنهم ، الذى كان عليهم من زينة قومهم ، وأجلهم لينظر فى أمرهم ، لعلهم يراجعون دينهم الذى كانوا عليه ، وكان هذا من لطف الله بهم ، فإنهم فى تلك النظرة :

توصلوا إلى الهرب منه ، والفرار بدينهم من الفتنة ، فلما وقع عزمهم على الذهاب ، والهرب من قومهم ، واختار الله لهم ذلك ، وأخبر عنهم بذلك ، فى قوله تعالى : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) أى فارقتموهم بأديانكم ففارقوهم ـ أيضا ـ بأبدانكم (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أى :

يبسط لكم رحمة يستركم بها من قومكم (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ) الذى أنتم فيه (مِرْفَقاً) أمرا ترتفقون به.

فعند ذلك : خرجوا هرابا إلى الكهف ، فأووا إليه ففقدهم قومهم من بين أظهرهم ، وتطلبهم الملك ، فلم يظفر بهم ، وعمى الله عليهم خبرهم.

وباقى قصتهم فى آيات سورة الكهف ، مبسوطة فى كتب التفسير بالمأثور (١٧).

٩ ـ الإنابة

ناب فلان إلى الله تعالى ، وأناب إليه إنابة ، فهو منيب : أى أقبل وتاب ورجع إلى الطاعة.

وقيل : ناب : لزم الطاعة ، وأناب : تاب ورجع.

والإنابة : الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة وإخلاص العمل.

يقول عزوجل : (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) (الرعد : ٢٧). أى :

ويهدى إلى دينه وطاعته من رجع إليه بقلبه.

ويقول تعالى : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) (الروم : ٣١) أى راجعين إلى ما أمر به ، غير خارجين عن شىء من أمره.

ويقول تعالى : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (الزمر : ٥٤) أى توبوا إليه وارجعوا (١٨).

وقد وردت هذه المادة فى القرآن الكريم ثمان عشرة مرة.

١٠ ـ الأنصاب والأزلام

الأنصاب : جمع نصب وهى : كل ما عبد من دون الله تعالى.

قال ابن سيده : والأنصاب حجارة كانت حول الكعبة ، تنصب ، فيهلّ عليها ويذبح لغير الله.

٧٣٠

يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة : ٩) ، ويقول تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (المائدة : ٣).

وأما الأزلام : جمع زلم والزلم : هى السهام التى كان أهل الجاهلية يستقسمون بها ، يقول تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ) (المائدة : ٣).

والأزلام : كانت لقريش فى الجاهلية ، مكتوب عليها : أمر أو نهى ، وأفعل ولا تفعل ، قد سوّيت ووضعت فى الكعبة ، يقوم بها سدنة البيت ، فإذا أراد رجل سفرا أو نكاحا ، أتى السادة ، فقال : أخرج لى زلما ، فيخرجه وينظر إليه ، فإذا خرج قدح الأمر ، مضى على ما عزم عليه ، وإن خرج قدح النهى ، قعد عما أراده ، وربما كان مع الرجل زلمان ، وضعهما فى قرابة ؛ فإذا أراد الاستقسام أخرج أحدهما (١٩).

١١ ـ الباقيات الصالحات

ورد ذكر «الباقيات الصالحات» فى كتاب الله تعالى مرتين (١) :

واحدة فى قوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف : ٤٦).

والثانية : فى قوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) (مريم : ٧٦).

وقد اختلف أهل التأويل فى المعنى ب (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) (٢٠).

١ ـ فقال بعضهم : هى الصلوات الخمس ..

ومن هؤلاء : ابن عباس ، وسعيد بن جبير.

٢ ـ وقال بعضهم : هى ذكر الله بالتسبيح ، والتقديس ، والتهليل ، ونحو ذلك. ومن هؤلاء :

عثمان بن عفان ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ابن أبى رباح ، ومجاهد ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد الخدرى.

٣ ـ وقال بعضهم : هى الكلم الطيب. ومن هؤلاء : ابن عباس.

٤ ـ وقال بعضهم : هى النيّات والهمّات ، حيث إن بها تقبل الأعمال ، وترفع. ومن هؤلاء : الحسن البصرى.

٥ ـ وقال بعضهم : هن البنات. ومن هؤلاء :

عبيد بن عمير ؛ حيث يدل عليه أوائل الآية ، قال تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ثم قال : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ)

٧٣١

يعنى : البنات الصالحات ، هن عند الله لآبائهن خير ثوابا ، وخير أملا فى الآخرة ، إن أحسن إليهن.

٦ ـ وقال بعضهم : هى ما أريد به وجه الله وحده من طاعة الله ورسوله ، وجميع أعمال الخير ومن هؤلاء : ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ، حيث إن كل عمل وقول دعاك إلى الاشتغال بمعرفة الله وبمحبته وخدمته فهو «الباقيات الصالحات».

كما أن كل عمل وقول دعاك إلى الاشتغال بأحوال الخلق فهو خارج عن ذلك.

يقول الإمام ابن جرير : وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب قول من قال : هن جميع أعمال الخير ؛ لأن ذلك كله من الصالحات ، التى تبقى لصاحبها فى الآخرة ، وعليها يجازى ويثاب ، وإن الله عزوجل لم يخصّص من قوله تعالى :

(وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) بعضا دون بعض .. فى كتاب ، ولا بخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٢ ـ البحيرة

ورد ذكرها فى القرآن الكريم مرة واحدة فقط (١) فى قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (المائدة : ١٠٣).

وهى من الأشياء الحلال التى حرمها الناس على أنفسهم ، ولم يحرمها الله تعالى عليهم.

ومن المعلوم أن قضية التحريم والتحليل لا تكون إلا لله عزوجل ، ويجب الامتثال ، لشرعه ـ سبحانه ـ تحليلا ، وتحريما ، ومن تدخل فيها ، أو خالف لها فهو معتد على حق من حقوق الله تعالى ، يقول عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (المائدة : ٨٧ ، ٨٨).

والبحيرة هى : الناقة ، التى كانوا يشقون فى أذنها شقا ، يقال : بحرت أذن الناقة بحرا ، إذا شققتها وخرقتها.

قال ابن سيده : بحر الناقة والشاة يبحرها بحرا ، شق أذنها بنصفين ، وقيل : بنصفين طولا.

وكانت العرب تفعل بهما ذلك ، إذا نتجتا عشرة أبطن ، فلا ينتفع منهما بلبن ، ولا ظهر ، وتترك البحيرة ترعى وترد الماء ، ويحرم لحمها على النساء ، ويحلّل للرجال ، فنهى الله تعالى عن ذلك (٢١).

وعن سعيد بن المسيب : «هى الناقة ، التى يمنع درها للطواغيت ، فلا يحلبها أحد من الناس» (٢٢).

٧٣٢

وقال الراغب : هى الناقة ، إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها ، فيسيبونها ، فلا تركب ، ولا يحمل عليها (٢١).

وعن ابن عباس : «إذا نتجت الناقة خمسة أبطن .. نظروا إلى الخامس ؛ فإن كان ذكرا ذبحوه ، فأكله الرجال دون النساء ، وإن كان أنثى جدعوا أذانها ، فقالوا هذه بحيرة» (٢١).

وقال الأزهرى : قال أبو إسحاق النحوى :

أثبت ما رويناه عن أهل اللغة ، فى البحيرة ، أنها : الناقة ، كانت إذا نتجت خمسة أبطن ، فكان آخرها ذكرا ، بحروا أذنها ، أى شقوها ، وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل والذبح ، ولا تحلأ عن ماء ترده ، ولا تمنع من مرعى ، وإذا لقيها المعيى المنقطع به : لم يركبها.

والصواب : هو الأول. أى الناقة التى ولدت عشرة أبطن (٢١).

وعن زيد بن أسلم ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال (٢٢) : «قد عرفت أول من بحر البحائر ، رجل من بنى مدلج ، كانت له ناقتان ، فجدع آذانهما ، وحرم ألبانهما وظهورهما ، وقال :

هاتان لله. ثم احتاج إليهما ، فشرب ألبانهما ، وركب ظهورهما ، قال : فلقد رأيته فى النار ، يؤذى أهل النار ريح قصبه» (٢٣).

١٣ ـ البرّ

قال الراغب الأصفهانى : البرّ خلاف البحر ، وتصوّر منه التوسع ، فاشتق منه البرّ.

وعلى ذلك : فالبرّ ، التوسع فى فعل الخير ، وينسب ذلك إلى الله تارة ، نحو (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الطور : ٢٨). وإلى العبد تارة ، فيقال : برّ العبد ربّه ، أى : توسع فى طاعته.

فهو من الله : الثواب ، ومن العبد : الطاعة.

وهو ضربان : ضرب فى الاعتقاد ، وضرب فى الأعمال ، وقد اشتمل عليهما قوله تعالى :

(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ..) الآية (البقرة : ١٧٧) ؛ حيث إن الآية متضمنة :

للاعتقاد ، والأعمال والفرائض ، والنوافل (٢٤).

وقد اختلف العلماء فى معنى البر على أقوال ، قال بعضهم : البر : الصدق والطاعة.

وقال بعضهم : البر : الصلاح. وقال بعضهم :

البر : الخير. وقال بعضهم : البر : التقى. وقال بعضهم : البر : كل ما تقرب به إلى الله تعالى.

وقال بعضهم : البر : خير الدنيا والآخرة.

فخير الدنيا : ما ييسّره الله تبارك وتعالى للعبد من الهدى والنعمة والخير ، وخير الآخرة : الفوز بالنعيم الدائم فى الجنة (٢٥).

وقد ذكر (البر) ومشتقاته فى القرآن الكريم ٢٠ مرة (١) ، وفى حديث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كثيرا (٢٦).

٧٣٣

١٤ ـ التقوى

التقوى : هى جعل النفس فى وقاية مما يخاف ، وحفظها عما يؤذيها ويضرها.

وهى فى الشرع : حفظ النفس عما يؤثّم ، وذلك بترك المحظور (٢٧). وسأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه أبيّا عن التقوى ، فقال : هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال : نعم ، قال : فما عملت فيه؟ قال : تشمّرت وحذرت ، قال : فذاك التقوى.

وفيها : جماع الخير كله ، وهى. وصية الله تعالى فى الأولين والآخرين بل هى خير ما يستفيده الإنسان (٢٨) ، وعلى أساسها يتفاضل البشر ، يقول تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات : ١٣).

وقد ذكرت مادة «التقوى» فى القرآن الكريم (٢٥٨ مرة) منها (٧٠ مرة) وردت بصيغة الأمر بها (٢٧) من الله تعالى لعباده كما فى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة : ١١٩) ، كما أمر بها جميع الرسل أقوامهم ، فهذا نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، عليهم‌السلام ـ على سبيل المثال ـ يقول كل واحد منهم لقومه : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (الشعراء الآيات : ١٠٧ ، ١٠٨ / ١٢٥ ، ١٢٦ / ١٤٣ ، ١٤٤ / ١٦٢ ، ١٦٣ / ١٧٨ ، ١٧٩).

كما بين القرآن صفات المتقين ، إرشادا إليها ، وحثّا على التحلى بها ، فى كثير من آياته الكريمة .. حيث جعل من صفاتهم أنهم (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (البقرة : ٣ ـ ٥) وكذلك : المتقى .. هو (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ) (البقرة : ١٧٧) والمتقون كذلك : هم (الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) (البقرة :١٧٧) وهم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) وهم المحسنون (الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) فى ثقة منهم أنه ليس هناك (مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران : ١٣٤ ، ١٣٥) وهم الذين : (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)

٧٣٤

(الأعراف : ١٠٢) وهم (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء : ٤٩) ، وهم الذين : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات : ١٧ ـ ١٩).

ولأن التقوى حفظ النفس ، ووقايتها عما يؤثم ، فمجالاتها عديدة لا يحصرها إحصاء ، ولا يحيط بها عدّ ؛ حيث إنها تطبع الإنسان بطابع خاص مميز ، فى جميع المجالات.

ومن ذلك :

١ ـ فى ميدان الجهاد : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران : ٢٠٠).

٢ ـ فى قتال الأعداء : (.. وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة : ٣٦).

٣ ـ فى العدل مع الخصوم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (المائدة : ٨).

٤ ـ فى المعاملات : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران : ١٣٠).

٥ ـ فى الحلال والحرام : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة : ١٠٠).

٦ ـ فى الأحوال الشخصية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ..) (الطلاق : ١).

وثمرات التقوى وآثارها : كثيرة ، كثيرة ..

نذكر منها المقتطفات التالية :

١ ـ نوال معية الله تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل :١٢٨).

٢ ـ نوال حب الله تعالى : (بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران : ٧٦).

٣ ـ نوال نصر الله تعالى : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف : ١٢٨).

٤ ـ نوال رحمة الله ، وهدايته : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحديد : ٢٨).

٧٣٥

٥ ـ الخروج من الأزمات ، وسعة الرزق ، وتيسير الأمر : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق : ٢ ، ٣) ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق : ٤).

٦ ـ النجاة من مس الشيطان : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف : ٢٠١).

٧ ـ النجاة من السوء والأحزان : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر : ٦١).

٨ ـ النجاة من الخوف والحزن : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف : ٣٥)

٩ ـ تكفير السيئات وغفران الذنوب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال : ٢٩).

١٠ ـ الفلاح فى الدنيا والآخرة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة : ٣٥).

١١ ـ دخول جنات النعيم ونوال رضوان الله : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (آل عمران : ١٥).

وانظر الآيات : فى آل عمران ١٣٣ ، ١٣٦ ، ١٩٨ ، الحجر ٤٥ ـ ٤٨ ، النحل ٣٠ ـ ٣٥ ، مريم ٦٣ ، ص ٤٩ ـ ٥٣ ، الزمر ٢٠ ، ٧٣ ، الزخرف ٦٧ ـ ٧٣ ، الدخان ٥١ ـ ٥٧ ، محمد ١٥ ، ق ٣١ ـ ٣٥ ، الذاريات ١٥ ـ ١٦ ، الطور ١٧ ـ ٢٠ ، القمر ٥٤ ، ٥٥ ، القلم ٣٤ ، المرسلات ٤١ ـ ٤٤ ، النبأ ٣١ ـ ٣٦.

١٥ ـ التنابز بالألقاب

التنابز بالألقاب : هو التداعى بها ، بمعنى :

أن يلقّب بعضهم بعضا ، وكثر فيما كان ذمّا.

والنّبز بالتحريك : اللّقب ، والنّبز بالتسكين :

المصدر.

وقد ورد فى القرآن الكريم بصيغة النهى عنه مرة واحدة (٢٩) ، وذلك فى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ

٧٣٦

الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات : ١١).

ويلاحظ : أن النهى عن ذلك فى الآية الكريمة ، ورد ضمن النهى عن بعض الأمور التى تتضمنها منظومة الآداب الإسلامية ، فقد نهت الآية عن سخرية المؤمن بالمؤمن ، ثم نهت ـ ثانيا ـ أن يعيب المؤمن مؤمنا ويطعن فيه بلسانه ، كما نهت ـ ثالثا ـ عن أن يدعو الإنسان أخاه المؤمن بلقب لا يحبه ؛ لكونه ذمّا له ، أو مشعرا بذلك.

قال النووى : اتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره ، سواء كان صفة له ، أو لأبيه ، أو لأمه ، أو غيرهما (٣٠).

ومن التشديد فى تحريم ذلك فى الإسلام ، أن الآية جعلت التنابز بالألقاب فسقا يرتكبه الإنسان ، كما هددت من لم يكف عنه ، ويتب منه بوصفه بالظالم.

ولكن يستثنى من ذلك التحريم من غلب عليه الاستعمال كالأعرج ، والأحدب ، ولم يقصد به الذم ، أو التعيير ، ولا يجد من ذلك صاحبه حرجا ، حيث جوّزته الأمة ، واتفق على فعله أهل الملة (٣٠).

وعلى هذا المعنى ترجم البخارى ـ رحمه‌الله ـ فى كتاب «الأدب» من صحيحه ، باب (ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم : الطويل ، والقصير ، وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما يقول ذو اليدين»؟ وما لا يراد به شين الرجل).

يقول ابن حجر صاحب «فتح البارى» : هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الألقاب وما لا يعجب الرجل أن يوصف به مما هو فيه ، وحاصله : أن اللقب إن كان ما يعجب الملقّب ولا إطراء فيه ، مما يدخل فى نهى الشرع ، فهو جائز أو مستحب ، وإن كان مما لا يعجبه فهو حرام أو مكروه ، إلا إن تعين طريقا إلى التعريف به ، حيث يشتهر به ولا يتميز عن غيره إلا بذكره (٣١).

وعلى هذا : يمنع الإسلام من تلقيب الإنسان بما يكره ، وجوز تلقيبه بما يحب.

وقد لقب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر بالفاروق ، وأبا بكر بالصديق ، وعثمان بذى النورين ، وخزيمة بذى الشهادتين .. إلخ.

١٦ ـ التوبة

أصل تاب إلى الله : عاد إلى الله ورجع عن المعصية وأناب ، يقول تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور : ٣١).

٧٣٧

وتاب الله عليه : أى وفقه للتوبة ، وقبلها منه ، وعاد عليه بالمغفرة ، يقول تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) (التوبة : ١١٧) ، ويقول تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) (غافر : ٣).

والتوبة : ترك الذنب على أبلغ الوجوه ، وهو أبلغ وجوه الاعتذار ، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه : إما أن يقول المعتذر : لم أفعل ، أو يقول :

فعلت لأجل كذا ، أو يقول : فعلت وأسأت وقد أقلعت. ولا رابع لذلك. وهذا الأخير هو التوبة.

والتوبة فى الشرع : ترك الذنب لقبحه ، والندم على ما فرط منه ، والعزيمة على ترك المعاودة ، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة ، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كملت شرائط التوبة.

والتائب يقال لباذل التوبة ، ويقال ـ أيضا ـ لقابل التوبة ، فالعبد تائب إلى الله (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) (التوبة : ١١٢). والله : تائب على عبده (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) (التوبة : ١١٨).

والتوّاب : العبد الكثير التوبة (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة : ٢٢٢). وقد يقال ذلك لله تعالى : لكثرة قبوله التوبة (٣٢) (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات : ١٢).

١٧ ـ الجبت والطاغوت

الجبت : النذل الذى لا مروءة له ولا خير فيه.

وقال الشعبى : هو السحر. وقيل : هى كلمة تقع على الصنم ، والكاهن ، والساحر. وعلى كل فهى تقال لكل ما عبد من دون الله (٣٣).

والطاغوت : عبارة عن كل متعبّد ، وكل معبود من دون الله. ويستعمل فى الواحد والجمع على السواء قال تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) (البقرة : ٢٥٦) وقال كذلك :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) (البقرة : ٢٥٧).

والطاغوت : هو الشيطان. وقيل : هو الساحر ، وقيل : الكاهن ، وقيل : المارد من الجن. وعلى كل فهو كل صارف عن طريق الخير (٣٤).

وقد وردت هذه العبارة (بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) فى القرآن الكريم مرة

٧٣٨

واحدة (٣٣). وذلك فى قوله عزوجل ـ تعجبا من أمر أهل الكتاب : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (النساء : ٥١ ، ٥٢).

والمعنى : أن اليهود الذين أعطوا نصيبا من الكتاب (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ) أى : بما عبد من دون الله (وَالطَّاغُوتِ) أى : الشيطان ، أو كل من تجاوز حدود الله. (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة أنتم أهدى طريقا. وأصح دينا من محمد وأصحابه.

هؤلاء أبعدهم الله من رحمته ، وليس لهم من دون الله نصيرا يعتد بنصره.

١٨ ـ الجوابى

الجوابى : جمع الجابية ، وهى القدر العظيمة ، أو الحوض الكبير ، الذى يجبى فيه الشيء ، أى يجمع (٣٥). وقد وصفت بها الجفان ، التى كان يصنعها الجن لسليمان عليه‌السلام ، بعد أن سخر الله له فريقا منها.

والجفان : جمع جفنة ، وهى : وعاء الأطعمة.

وقد ورد هذا اللفظ فى القرآن الكريم مرة واحدة ، وذلك فى قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ : ١٢ ، ١٣).

١٩ ـ الحاقّة

الحاقة : اسم من أسماء يوم القيامة ؛ ولا نزاع فى ذلك.

ولكنهم اختلفوا فى سبب هذه التسمية ، قال ابن كثير : لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ، وقال أبو مسلم : لأنها واجبة الوقوع ، ولا ريب فى مجيئها ، وقيل : لأن الأمور تعرف فيها على حقيقتها ، وقيل : لأن فيها تكون حواق الأمور الواجبة الحصول ، من الثواب والعقاب ، وغيرهما من أحوال القيامة ، وقيل :

غير ذلك (٣٦).

وقد ذكر هذا الاسم ليوم القيامة فى القرآن الكريم ثلاث مرات ، فى قوله تبارك وتعالى (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (الحاقة : ١ ـ ٣).

٧٣٩

٢٠ ـ حدود الله تعالى

الحدود : الحواجز ، وهى : جمع حدّ ، والحد : الحاجز بين الشيئين ، الذى يمنع اختلاط أحدهما بالآخر.

وحد الشيء : الوصف المحيط بمعناه ، المميز له عن غيره ، والحدّ كذلك : المنع ، ومنه سمى الحديد حديدا ؛ لأنه يمنع من وصول السلاح إلى البدن ، وكذلك : حد الزنا والخمر سمى به ؛ لكونه مانعا لمتعاطيه من معاودة مثله ، ومانعا لغيره أن يسلك مسلكه.

وحدود الله : هى التى تمنع أن يدخل فى أحكامه تعالى ما ليس منها ، وأن يخرج منها ما هو منها ، قال تعالى : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (الطلاق : ١).

وشرعت الحدود فى المعاصى ؛ لأنها تمنع أصحابها من العود إليها ، أو إلى مثلها ، قال تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) (البقرة : ٢٢٩).

قال الراغب : وجميع حدود الله ، على أربعة أوجه :

إما شىء لا يجوز أن يتعدّى بالزيادة عليه ولا القصور عنه ، كأعداد ركعات صلاة الفرض.

وإما شىء تجوز الزيادة عليه ، ولا يجوز النقصان عنه ، وذلك كمقدار الزكاة.

وإما شىء لا تجوز الزيادة عليه ، ويجوز النقصان عنه ، وذلك مثل : التزوج بأربع فما دونها.

وإما شىء يجوز عليه كلاهما ، أى الزيادة والنقصان ، مثل : صلاة الضحى ، فإنها ثمان ، وتجوز الزيادة عليها ، والنقصان منها (٣٧).

٢١ ـ الحرث

الحرث : العمل فى الأرض زرعا كان أو غرسا ، بإلقاء البذر فى الأرض ، وتهيئتها للزراعة.

والحرث كذلك : نفس الزرع ، يقول تعالى :

(إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) (البقرة : ٧١) ، ويقول تعالى : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ) (آل عمران : ١١٧) ، ويقول تعالى :

(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (الواقعة : ٦٣ ، ٦٤) ، ويقول تعالى : (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) (القلم : ٢١ ، ٢٢).

والحرث : متاع الدنيا يقول تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ

٧٤٠