الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

وإن وجب فى بعضه على أهل العلم معرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ ، ليعرف الحكم الذى تضمنها ؛ فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقوله هذا هو الأول المكى ، وهذا هو الآخر المدنى.

وكذلك الصحابة والتابعون من بعدهم لما لم يعتبروا أن من فرائض الدين تفصيل جميع المكى والمدنى مما لا يسوغ الجهل به ، لم تتوفر الدواعى على إخبارهم به ومواصلة ذكره على أسماعهم وأخذهم بمعرفته ، وإذا كان كذلك ساغ أن يختلف فى بعض القرآن هل هو مكى أو مدنى ، وأن يعملوا فى القول بذلك ضربا من الرأى والاجتهاد ، وحينئذ فلم يلزم النقل عنهم ذكر المكى والمدنى ، ولم يجب على من دخل فى الإسلام بعد الهجرة أن يعرف كل آية أنزلت قبل إسلامه مكية أو مدنية.

فيجوز أن يقف فى ذلك أو يغلب على ظنه أحد الأمرين ، وإذا كان كذلك بطل ما توهموه من وجوب نقل هذا ، أو شهرته فى الناس ، ولزوم العلم به لهم ووجوب ارتفاع الخلاف فيه). أه.

لهذا لا يجب أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن كل هذه الوجوه التى ذكرها أبو القاسم النيسابورى ، ولكننا نكتفى بما تتعلق به فائدة فى معرفة حكم من أحكام الدين.

وأشهر ما يعنى به العلماء من هذه الوجوه معرفة المكى والمدنى ، ومعرفة ما نزل قبل وما نزل بعد ، ومعرفة أسباب النزول من أجل ترتيب الأحكام ومعرفة الناسخ والمنسوخ وغير ذلك مما يحتاج إليه علماء الفقه والأصول فى الجمع والترجيح.

أ. د / محمد بكر إسماعيل

الهوامش :

__________________

(١) راجع كتاب دراسات فى علوم القرآن للدكتور / محمد بكر إسماعيل ط دار المنار الطبعة الثانية ١٤١٩ ه‍ / ١٩٩٩ م ص ٣١ وما بعدها.

(٢) الحديث بطوله رقم ٣ باب «كيف كان بدء الوحى» ط السلفية.

(٣) انظر مناهل العرفان للشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى ج ١ ص ٨٧ ، ٨٨ ط عيسى البابى الحلبى وشركائه.

(٤) ج ١ ص ٩٠.

(٥) ج ١ ص ٣٦.

(٦) ج ١ ص ١٩١ الطبعة الثالثة تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط دار الفكر ١٤٠٠ ه‍ ـ ١٩٨٠ م.

٦٠١

الوجوه والنظائر فى القرآن

(١) [الوجوه والنظائر فى اللغة]

وجوه الكلام فى اللغة : مقاصده ومعانيه.

ونظائره : أمثاله وأشباهه فى كل شىء.

وللباحثين فى علوم القرآن تعريف جامع لكل منهما يتميز به عن الآخر ، بسطه ابن الجوزى ـ فى مقدمة كتابه : «نزهة الأعين النواظر فى علم الوجوه والنظائر» (١) ـ فقال :

(اعلم أن معنى الوجوه والنظائر أن تكون الكلمة واحدة ، ذكرت فى مواضع من القرآن على لفظ واحد ، وحركة واحدة ، وأريد بكل مكان معنى غير الآخر ، فلفظ كل كلمة ذكرت فى موضع نظير للفظ الكلمة المذكورة فى الموضع الآخر ، وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الأخرى هو الوجوه. فالنظائر : اسم للألفاظ ، والوجوه : اسم للمعانى) أه.

وهذا التعريف للوجوه والنظائر تعريف جامع لهما فى سياج واحد مؤتلف فى الألفاظ ، مختلف فى المعانى.

(٢) [فائدة معرفة الوجوه والنظائر]

ومعرفة الوجوه والنظائر فى القرآن الكريم ؛ وسيلة من أعظم الوسائل لفهم معانيه وفقه مقاصده ومراميه.

فلا ينبغى لمن يتصدى لعلم التفسير أن يهمل هذه الدراسة الميدانية التى تعاون فى تأصيلها علماء اللغة ، وعلماء التأويل ، وعلماء الأصول وغيرهم ممن كرسوا جهودهم لخدمة كتاب الله ـ تعالى ـ ونصرة دينه.

فهو علم يكشف عن مراد الله ـ تعالى ـ من كلامه العزيز فى مواضعه المختلفة بحسب ما يؤدى إليه سوابق الكلام ولواحقه ؛ إذ كل لفظ فى موضع قد يختلف عن مثله فى موضع آخر أو فى عدة مواضع ، فلو حمل اللفظ على معنى واحد فى كل المواضع لأدى ذلك إلى التعارض والتناقض والجهل بما وراء المعانى من المقاصد.

ولا يكفى فى نظرى أن يكون المفسر بحرا زاخرا فى اللغة العربية دون أن يكون علّامة فى الحديث والفقه والأصول وغيرها من العلوم التى يحتاج إليها أحيانا فى التصحيح والترجيح والتنقيح.

ولا ريب أن من أجاد البحث فى وجوه القرآن ونظائره ، وتفقّه فيه وكان سليم المعتقد قوى الحجة ـ استطاع بحول الله وقوته

٦٠٢

وتوفيقه أن يدفع عن القرآن شبهات أوردها على ألفاظه أو على معانيه قوم خيّم عليهم الجهل ، وضرب على آذانهم فلم يعقلوا منه شيئا يذكر لهم.

واستطاع أيضا بقوة حجته أن يعمق الإيمان فى قلوب زاغت عن الحق بسبب من الأسباب التى سنذكرها.

وكلما ازداد المفسر لكتاب الله ـ تعالى ـ علما فى الوجوه والنظائر ـ نبغ فى تأصيل الأصول ، ورد الفروع إليها ، ومحاكمة المخالفين فيها إلى الحق المجرد عن الهوى.

(ولا يكون الرجل فقيها كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة ، بأن يرى اللفظ الواحد يحتمل معانى متعددة ؛ فيحمله عليها إذا كانت غير متضادة ، ولا يقتصر به على معنى واحد) (٢).

(٣) [اسباب انتشار الالفاظ المشتركة فى لغة العرب]

ومن المعلوم لدينا أن الألفاظ المشتركة ذات المعانى المتعددة قد انتشرت فى لغة العرب انتشارا واسعا لأسباب كثيرة ، منها :

(أ) اختلاف القبائل العربية فى وضع الألفاظ لمعانيها ؛ فقد تضع قبيلة اللفظ لمعنى ، وأخرى تضعه لمعنى آخر ، وثالثة تضعه لمعنى ثالث ؛ فيتعدد الوضع وينقل إلينا اللفظ مستعملا فى هذه المعانى دون أن ينص علماء اللغة على تعدد الوضع أو الواضع.

(ب) قد يوضع اللفظ لمعنى ، ثم يستعمل فى غيره مجازا ، ثم يشتهر استعمال المجازى ، حتى ينسى أنه مجازى ، فينقل إلينا على أنه موضوع للمعنيين : الحقيقى ، والمجازى.

(ج) أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى مشترك بين المعنيين ؛ فيصح إطلاق اللفظ على كليهما ، ثم يغفل الناس عن هذا المعنى المشترك الذى دعا إلى صحة إطلاق اللفظ على كلا المعنيين ؛ فيظنون أن اللفظ من قبيل المشترك اللفظى ، كلفظ القرء ؛ فإنه فى اللغة يطلق على كل زمان اعتيد فيه أمر معين ، فيقال للحمّى : قرء ، أى زمان دورى معتاد تكون فيه. وللمرأة قرء ، أى وقت دورى تحيض فيه ، ووقت دورى آخر تطهر فيه.

وكالنكاح ، لفظ وضع لمعنى الضم ، فصحّ إطلاقه على العقد ذاته ؛ لأن فيه ضم اللفظين : الإيجاب والقبول ، وصح إطلاقه على الوطء أيضا.

ولكن اشتهر إطلاقه على العقد ؛ فظن البعض أنه حقيقة فيه مجاز فى غيره ، وظن البعض الآخر أنه فى الوطء حقيقة وفى العقد مجاز.

(د) أن يكون اللفظ موضوعا لمعنى فى اللغة ، ثم يوضع فى الاصطلاح لمعنى آخر ، كلفظ (الصلاة) وضع لغة للدعاء ، ثم وضع فى اصطلاح الشرع للعبادة المعروفة (٣) أه.

٦٠٣

وقد نزل القرآن على أفصح هذه اللغات التى نطق بها العرب ليس فيه لفظ ينكرونه ، ولا معنى لا يفقهونه. ولو كان فيه شىء من ذلك لتصيده سفهاؤهم وأذاعوا به.

(٤) [طائفة من الالفاظ المشتركة]

وإليك طائفة من الألفاظ المشتركة ذات المعانى المختلفة ، نقلا عن أهم المراجع وأوثقها :

(أ) (أمّة) تأتى فى القرآن على تسعة أوجه أشهرها خمسة :

١ ـ (القوم) ، كما فى قوله تعالى فى سورة النحل (٩٢) : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ).

٢ ـ (الملة) كما فى قوله تعالى فى سورة البقرة (٢١٣) : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً).

٣ ـ (المدة) كما فى قوله تعالى فى سورة هود (٨) : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) ، وقوله فى سورة يوسف (٤٥) : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ).

٤ ـ (الإمام) كما فى قوله تعالى فى سورة النحل (١٢٠) : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً).

٥ ـ (الخلق من كل جنس) كما فى قوله تعالى فى سورة الأنعام (٣٨) : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ).

(ب) (الأهل) تأتى فى القرآن على ثمانية أوجه أشهرها سبعة :

١ ـ (ساكنو القرى) كما فى قوله تعالى فى سورة الأعراف (٩٧) : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى).

٢ ـ (قرّاء التوراة والإنجيل) كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (١٧١) : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ).

٣ ـ (الأصحاب) كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (٥٨) : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها).

٤ ـ (الزوجة والأولاد) كما فى قوله تعالى فى سورة القصص (٢٩) : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً).

٥ ـ (القوم والعشيرة) كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (٣٥) : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها).

٦ ـ (المختار له) كما فى قوله تعالى فى سورة الفتح (٢٦) : (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها).

٧ ـ (المستحق) كما فى قوله تعالى فى سورة المدثر (٥٦) : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ).

(ج) (الأم) تأتى فى القرآن على خمسة أوجه :

٦٠٤

١ ـ (الأصل) كما فى قوله تعالى فى سورة آل عمران (٧) : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ).

٢ ـ (المرجع والمصير) كما فى قوله تعالى فى سورة القارعة (٩) : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ).

٣ ـ (الوالدة بعينها) كما فى قوله تعالى فى سورة طه (٤٠) : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ).

٤ ـ (المرضعة) كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (٢٣) : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ).

٥ ـ (أمهات المؤمنين : أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم) كما فى قوله تعالى فى سورة الأحزاب (٦) :

(وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ).

(د) (السبيل) تأتى فى القرآن على أحد عشر وجها :

١ ـ (الطريق) وهو المعنى الحقيقى فى اللغة ، كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (٩٨) :

(لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً).

وقوله جل شأنه فى سورة القصص (٢٢) :

(عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ).

٢ ـ (الطاعة) كما فى قوله تعالى فى سورة البقرة (١٩٥) : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).

وقوله تعالى فى سورة النساء (٧٦) :

(الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ).

٣ ـ (البلاغ) كما فى قوله تعالى فى سورة آل عمران (٩٧) : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).

٤ ـ (المخرج) كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (١٥) : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً).

وقوله تعالى فى سورة الإسراء (٤٨) :

(فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً)

٥ ـ (المسلك) كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (٢٢) : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً).

وقوله تعالى فى سورة الإسراء (٣٢) :

(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً).

٦ ـ (العلل) كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (٣٤) : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً).

٧ ـ (الدّين) كما فى قوله تعالى فى سورة النحل (١٢٥) : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).

٨ ـ (الحجة) كما فى قوله تعالى فى سورة النساء (١٤١) : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

٦٠٥

٩ ـ (العدوان) كما فى قوله تعالى فى سورة الشورى (٤١ ، ٤٢) : (فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ).

١٠ ـ (الإثم) كما فى قوله تعالى فى سورة آل عمران (٧٥) : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).

وقوله تعالى فى سورة التوبة (٩١) : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ).

١١ ـ (الملة) كما فى قوله تعالى فى سورة يوسف (١٠٨) : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).

(٥)

وإن أردت المزيد فى معرفة الوجوه والنظائر فى القرآن فارجع إلى الكتب الآتية :

١ ـ «الوجوه والنظائر لألفاظ كتاب الله العزيز» لأبى عبد الله الحسن بن محمد الدامغانى المتوفى سنة (٤٧٨ ه‍ ـ ١٠٨٥ م).

طبع ببيروت فى دار العلم للملايين بتحقيق عبد العزيز سيد الأهل الطبعة الرابعة أبريل (١٩٨٣ م) تحت عنوان : «قاموس القرآن أو إصلاح الوجوه والنظائر فى القرآن الكريم».

فى مجلد واحد. وطبع بتحقيق : محمد حسن أبو العزم الزفيتى ١٤١٦ ه‍ ـ ١٩٩٦ م. طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف المصرية. فى مجلدين. تتميز هذه الطبعة بالدقة فى التحقيق والتعليق وغير ذلك من المميزات.

٢ ـ «نزهة الأعين النواظر فى علم الوجوه والنظائر» لجمال الدين : أبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى (٥٠٨ ـ ٥٩٧ ه‍ ١١١٤ ـ ١٢٠١ م) دراسة وتحقيق محمد عبد الكريم كاظم الراضى. يقع فى مجلد واحد ، طبعته دار الرسالة ببيروت. الطبعة الأولى (١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨٤ م).

٣ ـ «المفردات فى غريب القرآن» لأبى القاسم : الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى ت (٥٠٢ ه‍ ١١٠٨ م).

تحقيق : محمد سيد كيلانى ط مصطفى البابى الحلبى سنة ١٣٨١ ه‍ ١٩٦١ م. يقع فى مجلد واحد ، وهو كتاب عظيم الشأن ينفع الطالب لمعانى لغة القرآن ووجوه كلماته ، لا يستغنى عنه مفسر.

٤ ـ «بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز» ، تأليف مجد الدين محمد ابن يعقوب الفيروزآبادى (٧٢٩ ـ ٨١٧ ه‍ ١٣٢٩ ـ ١٤١٥ م) ط المجلس الأعلى للشئون

٦٠٦

الإسلامية بجمهورية مصر العربية ط ١٣٨٣ ه‍. يقع فى ست مجلدات كبار ، حقق الأجزاء الأربعة الأول الأستاذ / محمد على النجار. وحقق الجزءين الأخيرين الأستاذ / عبد العليم الطحاوى. وهو كتاب عظيم الشأن مفيد فى بابه ، لا يستغنى عنه باحث فى تفسير القرآن وعلومه.

أ. د / محمد بكر إسماعيل

الهوامش :

__________________

(١) ص ٨٣ ط مؤسسة الرسالة ببيروت ١٤٠٤ ه‍ ـ ١٩٨٤ م الطبعة الأولى تحقيق : محمد عبد الكريم كاظم الراضى.

(٢) راجع الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ـ ج ٢ ص ١٤٤ ط الهيئة المصرية العامة للكتاب تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ـ فقد نسب هذا القول لأبى الدرداء ، وعزاه لابن سعد وغيره.

(٣) انظر الوجيز فى أصول الفقه للأستاذ الدكتور / عبد الكريم زيدان ط مؤسسة الرسالة ١٩٨٧ م ص ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

٦٠٧

مبهمات القرآن

(١) [ما هو المبهم]

المبهم ـ كما فى «المعجم الوسيط» : هو ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوسا ، وعلى الفهم إن كان معقولا. والمبهم من الأشياء : الخالص الذى لا شية فيه تميزه. والمبهم من الأجسام : المصمت ، ومن الكلام : الغامض لا يتحدد المقصود منه.

والمبهم من الظروف : ما ليس له حدود تحصره ، مثل : فوق ، وتحت ، وأمام ، وخلف.

(٢) [المبهم فى كتاب الله]

والمبهم فى كتاب الله ـ تعالى ـ : هو ما خفى اسمه أو رسمه أو وصفه أو زمانه أو مكانه ونحو ذلك مما خفيت آثاره ، أو جهلت أحواله لسبب من الأسباب الجلية أو الخفية ، سواء احتاج المكلفون إلى معرفته بالبحث عن الوسائل التى تزيل خفاءه ، وتدفع إشكاله ، أم لم يحتاجوا إلى ذلك.

فالمبهمات فى القرآن ـ على الجملة ـ نوعان :

١ ـ نوع ضرب الله عن ذكره صفحا لعدم تعلق التكليف به ؛ لخلوه من الفائدة ، كمعرفة بقرة بنى إسرائيل التى أمروا بذبحها ، فلا ينبغى أن نسأل عن حجمها ولونها ، وهل هى عاملة أم غير عاملة ؛ فالبحث عن ذلك تكلف لا طائل تحته ، بل هو تنطع يدل على فساد العقل والطبع ، وسوء الأدب مع الله ـ عزوجل ـ ومع كلامه المنزل.

وهذا ما فعله بنو إسرائيل مع نبيهم موسى ـ عليه‌السلام ـ فقد أمرهم الله على لسان نبيه أن يذبحوا بقرة ـ أىّ بقرة ـ ليضربوا بها القتيل ليعلموا من قتله ، ولو ذبحوا أى بقرة لتحقق المطلوب ولكنهم سألوه عن سنّها ولونها وعملها ، فشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ؛ فكلفوا شراء بقرة بملء جلدها ذهبا كما جاء فى الأثر ، فذبحوها وما كادوا يفعلون.

وسنطالع فى هذا الباب أمثلة كثيرة من الأشياء التى أبهمت فى هذا القرآن العظيم لعدم جدوى الإفصاح عنها.

٢ ـ ونوع أبهمه الله لأسباب كثيرة إليك أهمها :

٦٠٨

(٣)

(أ) أن يكون المبهم فى موضع استغنى ببيانه فى موضع آخر ، كما فى قوله تعالى :

(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الفاتحة : ٤. فإنه مبهم على الجملة ، بينه الله بشيء من التفصيل فى قوله ـ جل وعلا ـ فى سورة الانفطار (١٧ ـ ١٩) :

(وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)).

وقوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بينه الله بقوله فى سورة النساء : ٦٩ : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ).

(ب) أن يكون المبهم معينا باشتهاره عند المخاطبين بأى طريقة من طرق الاشتهار.

فقد أخفى اسم حواء فى القرآن لاشتهاره بين الناس قديما وحديثا ، فوصفت بوصف يحدد صلتها بآدم ـ عليه‌السلام ـ ومصيرها معه فقال ـ جل وعلا ـ فى سورة البقرة : ٣٥ :

(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ).

(ج) قد يبهم الاسم بقصد الستر عليه ؛ ليكون أبلغ فى استعطافه وإظهار منّة الله عليه ، وهذا غالب ما جاء فى القرآن.

(د) وقد يكون إبهامه لهوانه على الله وعلى الناس.

(ه) وقد يكون إبهامه لأن أمثاله فى الناس كثير ، فيكون إبهامه مجرد مثل يذكر فيكشف عن طبع أو وضع معين يعرف بالقرائن الظاهرة فيحاكيه الناس فيه إن كان محمودا ، ويتقونه إن كان مذموما.

وقد ضرب الزركشى فى «البرهان» أمثلة كثيرة لهذا النوع ؛ معتمدا فى ذلك على أسباب النزول.

كقوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) البقرة (١٠٠) قيل : هو مالك بن الصّيف.

يروى ابن هشام فى السيرة عن ابن إسحاق ، والقرطبىّ فى تفسيره : أن مالك بن الصيف حين بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر لهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد الله إليهم فيه قال : والله ما عهد إلينا فى محمد عهد ، وما أخذ له علينا من ميثاق ؛ فأنزل الله فيه :

(أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً).

(و) أن يكون المبهم سهلا فى إدراكه لا يحتاج إلى إعمال فكر وإنعام نظر ، فيكون ذكره ـ حينئذ ـ عبئا على الأسلوب من جهة وعدم ثقة فى مدارك العقول من جهة أخرى.

والقرآن من شأنه أن يخاطب العقول الواعية ، ويدربها على التأمل والنظر وإدراك الحقائق بالقرائن المتاحة ؛ كالنظر فى القرآن

٦٠٩

نفسه وفى السنة النبوية ، وفى التاريخ القديم ، وفى عادات الناس وأحوالهم. وغير ذلك مما يحمل المعانى على محمل يزيل خفاءها ويضعها فى مواضعها.

(ز) ولا يخفى أن وجود المبهم فى القرآن الكريم يدرب الذهن على كشف خفائه وإزالة إشكاله ، ومعرفة أسراره القريبة والبعيدة بقدر الطاقة البشرية.

(ح) وهناك سبب وجيه لا ينبغى أن يفوتنى ذكره وهو رعاية التناسب بين ما يذكر هنا وهناك.

ومن أمثلة ذلك : ما جاء فى قصة شعيب ـ عليه‌السلام ـ فإنه حين أخبر عن مدين ذكر أن شعيبا أخوهم فقال : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) ، وحين أخبر عن أصحاب الأيكة وهم أهل مدين لم يقل : أخاهم! والحكمة فيه :

أنه لما عرّفهم بالنسب ، وهو أخوهم فى ذلك النسب ، ذكره ، ولما عرّفهم بالأيكة التى أصابهم فيها العذاب لم يقل : أخاهم ؛ حيث أخرجه عنهم ، (١)

(٤)

وقد تتبع الإمام السيوطى هذه المبهمات فى القرآن الكريم فصنفها إلى مبهمات فى أفراد الإنسان والملائكة والجان والأقوام والقبائل والحيوان والأمكنة والأزمنة ، وما إلى ذلك.

وقد رتبة على ترتيب آى القرآن فى فصل سماه «ذكر آيات المبهمات» تحت النوع السبعون من كتاب «الإتقان».

واعتمد فيه على النقل المجرد ، وفيه من الأقوال ما صح سنده وما لم يصح ، والعهدة عليه فيما نقل ، وسنذكر هنا شيئا من المبهمات فوق ما ذكرناه من قبل ؛ تتمة للفائدة ؛ اعتمادا على ما نقله المفسرون والمحدّثون وغيرهم ممن عنى بذكرها.

(٥)

فى القرآن أفراد من الرجال ذكرهم الله بأوصافهم تعظيما لشأنهم وتقديرا لجهودهم وأبهم أسماءهم ؛ إمّا لشهرتهم عند نزول الآية ؛ وإمّا لتدريب الذهن على معرفتهم عن طريق أوصافهم لمحاكاتهم فى تحصيل تلك الأوصاف إن استطاعوا أو الاقتداء بهم بقدر طاقاتهم ، وتعطير أفواههم بالثناء عليهم والدعاء لهم :

(أ) من ذلك قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) النور : ٢٢.

قال ابن كثير فى تفسيره نقلا عن البخارى وابن جرير : هو الصديق أبو بكر

٦١٠

ـ رضى الله عنه ـ حين حلف أن لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة أبدا بعد ما قال فى عائشة ما قال. أه.

فلما تليت عليه هذه الآية رجع فيما عزم عليه وكفّر عن يمينه.

(ب) وفيه نزل قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) التوبة : ٤٠

(ج) وقوله جل شأنه : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) الزمر : ٣٣.

قال السيوطى فى «الإتقان» : والمراد به الصديق فى الكل ـ أى فى هذه الآيات الثلاثة ، وهو مصيب فى الآيتين الأوليين ، أما الثالثة فهو قول محتمل ، والأصح أن الذى جاء بالصدق ـ كما قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد ـ : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال السّدى : هو جبريل ـ عليه‌السلام ـ والذى صدق به أولا هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبو بكر وجميع المسلمين بدليل قوله فى ختام الآية :

(أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ). هذا ما ذكره أكثر المفسرين فى كتبهم.

(د) وممن عظم الله شأنه بالوصف أيضا صهيب بن سنان الرومى ، ففيه نزل قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) البقرة : ٢٠٧.

وذلك أنه لما أراد الهجرة منعه المشركون أن يهاجر بماله فتركه لهم ابتغاء مرضات الله ، فلما وفد إلى المدينة تلقاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول : «ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى».

وهذه الآية تتناول بعمومها كل من كان قد اشترى دينه بدنياه ، وباع نفسه لله.

(ه) وفى زيد بن حارثة نزل قوله ـ عزوجل : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) الأحزاب : ٣٧.

فقد أبهم اسمه فى أول الآية ؛ تعظيما له ؛ وتقديرا لشأنه ؛ وتذكيرا له بالإنعام عليه ، ثم صرح باسمه مبالغة فى تكريمه ، وهو الصحابى الوحيد الذى ذكر اسمه صراحة فى القرآن الكريم.

وقد نزلت هذه الآية فى قصة زواجه من زينب بنت جحش ـ رضى الله عنها ـ.

(و) وممن عظّم الله شأنه بالوصف وأبهم اسمه للأسباب التى ذكرناها ، العبد الصالح الذى أشار إليه ـ رب العزة ـ فى قصة موسى معه بقوله : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) الكهف ٦٥. وأرانا الحق ـ جل شأنه ـ من آياته التى أجراها على يديه عجبا.

٦١١

قال جمهور المفسرين والمحدّثين : إنه الخضر يروون ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا لقبه الذى اشتهر به واسمه بليا بن ملكان ، قاله غير واحد من المفسرين.

وقد أبهم الله اسمه ولقبه لاشتهار قصته عند أهل الكتاب وغيرهم ممن قرأ كتبهم.

ووصفه يغنى عن اسمه ولقبه ، فهو من الذين خصّهم الله بالكرامات ، ووصفه بالعبودية الخالصة ، وعمّه برحمة واسعة وعلم لدنّى تلقاه منه ـ جل شأنه ـ ببصيرته.

(ز) وممن أبهم الله اسمه واكتفى بما ساقه فى شأنه مع قومه حبيب النّجار كما جاء فى كتب التفسير.

وفيه نزل قوله تعالى : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) إلى قوله ـ جل شأنه :

(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) يس : ٢٠ ـ ٢٧.

ومثله مؤمن آل فرعون ، فقد قص الله علينا من أمره فى سورة غافر ما فيه عظة وعبرة لكل مؤمن يتصدى للدعوة ، وينصر الحق بما أوتى من علم وحكمة.

وقصته تبدأ من قوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وتنتهى بقوله ـ جل شأنه :

(فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) غافر : ٢٨ ـ ٤٥.

ومع هذا لم يذكر اسمه ، فالأسماء مجرد أعلام على أصحابها لا تدل على شىء وراء ذلك ـ فى الغالب ، وذكر الاسم مع الأوصاف العظيمة لا يلتفت إليه العقلاء ، وإن غاب عنهم لا يسألون عنه إلا أن المفسرين أولعوا بالبحث عنها من باب الترف العلمى ، وهو أمر لا يحمد ولا يذم.

قال السيوطى فى «الإتقان» : هو شمعان ، وقيل شمعون ، وقيل جبر ، وقيل حبيب ، وقيل :

حزقيل. وزعم أنه هو الذى جاء من أقصى المدينة يسعى.

وكثرة الأسماء التى ذكرها تدل على غموض اسمه على المؤرخين ، وما كان ضرهم لو تركوا ما لم يحيطوا بعلمه ، وما لا يترتب على ذكره فائدة ؛ ترفعا عن التهافت والاشتغال بما لا يضيف إلى المعانى القرآنية شيئا ذا بال.

فما ذا يفيد ذكر اسم هذا الرجل مع هذه الأوصاف التى أثنى الله عليه بها ، وهذا الجهد الذى بذله فى دعوة آل فرعون إلى اتباع موسى ـ عليه‌السلام.

(٦)

وممن عظّم الله شأنهن من النساء :

(أ) حواء ، فقد أبهم الله اسمها لاشتهارها فى الخليقة ـ كما أشرنا من قبل عند ذكر أسباب الإبهام ، واكتفى ـ جل شأنه ـ بوصفها فى سياق الحديث عن آدم ـ عليه‌السلام.

٦١٢

قال تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) البقرة : ٣٥ وقال جل شأنه (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) الأعراف : ١٩. وقال ـ عز شأنه : (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) طه : ١١٧.

(ب) بلقيس ، أبهم الله اسمها لعدم جدواه فى تعظيم شأنها بالأوصاف التى ذكرها.

فقد قال ـ رب العزة ـ فى شأنها ما قال فى سورة النمل من قوله : (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) إلى قوله : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ٢٢ ـ ٤٤

(ج) وقد ذكر الله مريم باسمها فى سورة التحريم : ١٢ فقال : (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)

بينما ذكرها فى سورة الأنبياء بالوصف فقال ـ جل شأنه : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) آية : ٩١ حملا على ما جاء فى سورة التحريم ، ولاشتهارها بما وصفت به من كونها هى وابنها آية للعالمين.

ونص على اسمها فى سورة التحريم واسم أبيها لأنها سيقت مساق العظة والعبرة لأمهات المؤمنين ، فقد ذكر الله من أوصافها ما يحملهن على التحلى بها ، وهن كذلك إلّا أن الله جعلها لهن مثلا للمرأة التى فاقت كثيرا من الرجال فى الطاعة والانقياد ، ولم تكن زوجا لأحد ، فكيف بهن وهن أزواج خير خلق الله ، وخاتم رسله.

(د) وقد أبهم الله ذكر اسم أم موسى واكتفى بالحديث عنها وعن وليدها لعدم الحاجة إلى معرفة اسمها.

قال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص : ٧

وقال ـ جل شأنه : (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) القصص : ١٠.

قال السيوطى فى «الإتقان» : اسمها يحانذ بنت يصهر بن لاوى ، وقيل : ياء وخا ، وقيل : أباذخت (٢).

وقيل : اسمها لوخا بنت هاند بن لاوى بن يعقوب ، وقيل : يوكابد ، وهو الاسم المشهور فى كتب التاريخ والسير.

٦١٣

(ه) وأبهم أيضا أخت موسى فى قوله سبحانه : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) القصص : ١١

واسمها ـ كما قال السيوطى فى «الإتقان» :

مريم وقيل : كلثوم.

والأصح : أن اسمها مريم لقول الله ـ تعالى ـ حكاية عن مريم ابنت عمران ، إذ عيّرها قومها بقولهم كما حكى الله عنهم : (يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) مريم : ٢٨ يعنون أنها أخته فى الفضل والصلاح تعريضا بها ، وأخته أيضا من حيث إن له أختا بهذا الاسم ، وقيل : إنها كانت من نسله ، والله أعلم.

وقد أبهم الله اسمها كما أبهم اسم أمها اكتفاء بنسبتها إلى أخيها موسى ـ عليه‌السلام ـ واكتفاء بذكر ما قامت به من عمل جليل تذكر به فى القرآن على مر الزمان.

وقد وصفها الله بالحكمة وبعد النظر ، وحسن الحيلة فى جلب أخيها من قصر فرعون إلى بيتها ليعيش فى سرور وحبور بعيدا عن الطاغية ، ونكاية فيه.

(و) وأبهم الحق ـ جل شأنه ـ اسم امرأة فرعون واكتفى بذكر دعائها تعظيما لشأنها معه ؛ فهذا الدعاء يدل دلالة قاطعة على أنها أخلصت له دينها واختارت جواره ، واستغاثت به من شر كل كفار أثيم ، وظالم لنفسه وللمؤمنين.

قال جل شأنه : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التحريم : ١١.

واسمها آسية بنت مزاحم كما جاء فى كتب التفسير.

وعدم ذكر اسمها فى القرآن لا يضيرها ، ولا يضير من جهله ، فالوصف أقوى بكثير من ذكر الاسم فى كثير من المواطن ، كما هو معروف عند أهل اللغة بوجه عام ، وعند المتخصصين فى دراسة لغة القرآن بوجه خاص.

ونسبها إلى فرعون للدلالة على أنها آثرت ربها الذى خلقها على هذا الفرعون الذى أغدق عليها من نعم الدنيا ما لم تجده امرأة سواها ؛ لتكون عبرة لغيرها وقدوة لأمثالها.

(ز) وممن أبهم الله ذكرهن تعظيما لهن وسترا عليهن ، التى جادلت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى زوجها ، ورفعت شكواها إلى الله ـ عزوجل ـ وهى خولة بنت ثعلبة.

قال الله عزوجل : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) المجادلة : ١

٦١٤

فقد أنصفها ربها ، وعذر زوجها ، وأنزل أحكاما تتعلق بالظهار حلا للإشكال الذى وقع فيه زوجها ، ولكل من يظاهر امرأته مع تحريم الظهار والتغليظ فى وصفه ، فكان هذا التشريع من بركاتها.

وقد أبهم ذكر زوجها سترا عليه ، وهو أوس ابن الصامت.

(ح) وممن أبهم الله اسمها زينب بنت جحش ، سترا عليها وفى الستر تعظيم لشأنها.

قال ـ جل شأنه : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) الأحزاب : ٣٧

وصرح باسم زوجها تعظيما له ، ومبالغة فى التنصيص على حرمة التبنى وإباحة زوج المتبنّى بعد أن كانت محرمة فى الجاهلية وفى صدر الإسلام.

(ط) وقد أبهم الله اسم التى أسر إليها النبى حديثا فنبأت به ، ولم يذكر اسم التى تلقت هذا السر منها ؛ وذلك سترا عليهما وحفظا لمكانتهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال ـ عز شأنه : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) التحريم : ٣ ، ٤.

ولا يخفى ما فى هذا الإبهام من أدب التعبير ؛ فإن ذكر المرأة هنا باسمها لا يتعلق به فائدة ، فضلا عن كونه إفشاء لسر يحرص العاقل الراشد على طيه ، ونحن نعلم من أحوال بعض العرب ستر أسماء النساء بالألقاب والكنايات ؛ تنزيها لهن وسموا بمكانتهن ، وفى نثرهم وشعرهم من ذلك الكثير.

ثم إنه كيف يليق أن يصرح ـ سبحانه ـ باسم المرأة هنا ، وهو يلومها على التصريح بالحديث الذى أمرها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكتمانه ـ أليس فى التصريح باسمها إفشاء للسر؟

وقد درج القرآن الكريم فى الحديث عن النساء على طى أسمائهن والتعبير عنهن بالوصف غالبا. (٣)

(٧)

وممن عظّم الله شأنهما من الرجال :

(أ) رجلان أنعم الله عليهما بالإيمان وحسن التوكل ذكرهما ـ جل شأنه ـ مبهمين

٦١٥

فى قوله تعالى (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) المائدة : ٢٣.

قال ابن كثير فى «تفسيره» (٤) : هما يوشع ابن نون ، وكالب بن يوفنا ، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والسدى والربيع بن أنس ، وغير واحد من السلف والخلف.

(ب) ومن الذين عظم الله أحدهما وحقّر شأن الآخر ما جاء فى قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) المائدة : ٢٧.

قال كثير من المفسرين : هما قابيل وهابيل ، والمعظم منهما هابيل فهو التقى الذى تقبل الله قربانه.

(ج) وفى قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) فى سورة الكهف (٣٢) ، يقول السيوطى فى «الإتقان» ـ والعهدة عليه ـ هما تمليخا ـ وهو الخيّر ، وفطروس.

(د) وفى قوله تعالى : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ) (٨٢) من سورة الكهف ، يقول السيوطى هما أصرم وصريم

(ه) وفى قوله ـ جل شأنه ـ فى سورة يس : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) يس : ١٤.

يقول السيوطى : هما شمعون ويوحنا ، والثالث بولس ، وقيل : هم صادق وصدوق وشلوم (٥).

(٨)

وممن عظم الله شأنهما من النساء :

(أ) ما جاء فى قوله تعالى من سورة القصص (٢٣) : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ)

يقول السيوطى : هما هماليّا وصفوريا وهى التى نكحها موسى.

(٩)

وممن أبهم الله أسماءهم من الجموع تعظيما لشأنهم :

(أ) الأسباط ، وقد ورد ذكرهم فى خمسة مواضع من القرآن ، وهم أولاد يعقوب الاثنا عشر : يوسف ، وروبيل ، وشمعون ، ولاوى ، ودان ، ويهوذا ، ونفتالى ، وجاد ، وأشير ، ويشجر وريالون ، وبنيامين.

هذا ما قاله السيوطى فى «الإتقان» وهو غير مسلّم ، فهؤلاء أولاد يعقوب مباشرة ، والأسباط أحفادهم.

قال ابن كثير فى «تفسيره» : قال أبو العالية والربيع وقتادة : الأسباط بنو يعقوب

٦١٦

اثنا عشر رجلا ، ولد كل رجل منهم أمة من الناس فسموا الأسباط ، وقال الخليل بن أحمد وغيره : الأسباط فى بنى إسرائيل ، كالقبائل فى بنى إسماعيل (٦).

(ب) النقباء الاثنا عشر ، عظم الله شأنهم وأبهم أسماءهم فى قوله ـ جل شأنه ـ من سورة المائدة : ١٢ (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ).

(ج) أبناء إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ المذكورون فى قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) البقرة : ١٣٢.

قال السيوطى : هم إسماعيل ، وإسحاق ومدين ، وزمران ، وسرح ، ونفش ، ونفشان ، وأميم ، وكيسان ، وسورح ، ولوطان ، ونافش.

(د) أصحاب الكهف ، أبهم الله أسماءهم وعظّم شأنهم ، وجعل قصتهم عبرة لمن اعتبر.

قال السيوطى : هم تمليخا ، وتكسلمينا ، ومرطوش ، وبراشق ، وأيونس ، وأريسطانس ، وتسلططيوس.

(ه) أولو العزم من الرسل ، فى قوله جل وعلا : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الأحقاف : ٣٥.

قال السيوطى : أصح الأقوال أنهم نوح وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد نص الله عليهم فى آيتين ، فقال ـ عزوجل ـ فى الأحزاب : ٧ : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً)

وقال تعالى فى سورة الشورى : ١٣ :

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)

وقيل : المراد جميع الرسل ، وهو الراجح عندى ، وعلى ذلك تكون (من) فى قوله : «من الرسل» لبيان الجنس ، والله أعلم.

(و) أهل البيت ، عظم الله شأنهم وأبهم أسماءهم إما للعلم بهم ، أو لأن كلمة أهل فى اللغة تعنى عندهم طائفة مخصوصة من ذوى القربى ، لا يدخل فيهم من ليس منهم ، والقرآن نزل بلغتهم ، فأبهم أفراد الأهل اعتمادا على أفهامهم.

قال ـ جل شأنه ـ فى سورة الأحزاب ٣٣ :

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

قال السيوطى : (٧) هم : على ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وهو أصح الأقوال.

٦١٧

ومنهم من أدخل نساء النبى فى أهله مراعيا فى ذلك أسباب النزول.

فقد قال الله ـ عزوجل ـ فى حق نسائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) يعنى بوجه عام ، بل منهم من خص الآية بنساء النبى لأنها نزلت فيهن.

قال ابن كثير : (٨) فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن فصحيح ، وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ففي هذا نظر.

(١٠)

وممن حقّر الله شأنهم من الرجال :

(أ) من قال الله فيه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) البقرة : ٢٠٤

قال السيوطى فى «الإتقان» : هو الأخنس ابن شريق ، وهو قول السدى ، وقيل : هو عام فى المنافقين ، قال ابن كثير : وهو الصحيح.

أقول : ربما كان الأخنس هذا أعذبهم لسانا فى الباطل ، وأشدهم نفاقا فخص بالذكر من دونهم فى كتب التفسير والسير.

(ب) من ورد ذكره مبهما فى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) البقرة : ٢٥٨.

قال أكثر المفسرين : هو نمروذ بن كنعان ، وكان ملك بابل كما يذكر ابن كثير فى تفسيره.

(ج) ومن قال الله فيه : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) التوبة : ٤٩.

قال السيوطى : هو الجد بن قيس.

وبذلك قال كثير من المفسرين نقلا عن ابن إسحاق وغيره.

والآية تشمل بعمومها كل من كان على شاكلته.

(د) ومن جاء فى قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) التوبة : ٥٨.

قال السيوطى : هو ذو الخويصرة ، واسمه حرقوص ـ كما قال ابن كثير ـ لما اعترض على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين قسم غنائم حنين فقال له : اعدل فإنك لم تعدل.

(ه) ومن جاء فى قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) التوبة : ٧٥.

قيل : هو ثعلبة بن حاطب الأنصارى ، وقصته مشهورة عند المفسرين والمحدثين.

(و) ومنهم أبو عامر الراهب الخزرجى الذى تنصر فى الجاهلية ، وقرأ علم أهل الكتاب ، وبارز النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين بالعداوة

٦١٨

وخرج فارّا إلى كفار قريش يمالئهم على حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو المشار إليه فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) التوبة : ١٠٧.

والذين بنوا مسجد الضرار اثنا عشر رجلا ذكر ابن كثير أسماءهم وأنسابهم عند تفسير هذه الآية.

(ز) من أشير إليه فى قوله تعالى :

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) مريم : ٧٧

نزل فى العاص بن وائل كما قال أكثر المفسرين نقلا عن المحدثين.

(١١)

وممن أبهم الله أسماءهن تحقيرا لشأنهن :

(أ) امرأة أبى لهب : أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبى سفيان.

(ب) امرأة نوح وامرأة لوط.

ضربهما الله مثلا للذين كفروا فى سورة التحريم ، وقد ذكر السيوطى أن اسم الأولى والعة ، واسم الثانية والهة ، وقيل : واعلة.

(١٢)

ومن المجموع التى أبهم الله أسماءهم احتقارا لشأنهم.

(أ) ما جاء فى قوله تعالى : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) التوبة : ١٢ وهم كثير ، ذكر السيوطى منهم : أبا سفيان ، وأبا جهل ، وأمية بن خلف ، وسهيل بن عمرو ، وعتبة ابن ربيعة.

قال ابن كثير فى «تفسيره» : والصحيح أن الآية عامة وإن كان سبب نزولها مشركى قريش فهى لهم ولغيرهم.

(ب) (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) الحجر : ٩٥

قال سعيد بن جبير ـ كما ذكر السيوطى :

هم خمسة : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبو زمعة ، والحارث بن قيس ، والأسود ابن عبد يغوث.

(ج) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) النساء : ٤٤.

قال السيوطى ـ نقلا عن عكرمة : نزلت فى : رفاعة بن زيد بن التابوت ، وكردم بن زين ، وأسامة بن حبيب ، ورافع بن أبى رافع ، وبحرى بن عمرو ، وحيىّ بن أخطب.

والأفضل بقاء العموم على عمومه ليدخل فيهم من هو على شاكلتهم ، لكن المفسرين أولعوا بذكر أشهر الأفراد من الذين نزلت فيهم الآية ، فيقصرونها عليهم ، وأحيانا يبقونها على عمومها ، ويذكرون من العموم

٦١٩

ما وسعهم أن يذكروه نقلا عن المحدثين وأصحاب السير.

(١٣)

ومما أبهم الله ذكره من الأماكن :

(أ) ما جاء فى قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) البقرة : ٢٥٩.

قال ابن كثير فى «تفسيره» : هى بيت المقدس. أه.

أما الذى مر عليها فقد اختلفوا فيه ، وأشهر الأقوال أنه العزير.

(ب) وهى بيت المقدس أيضا فى قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) البقرة : ٥٨.

(ج) (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) الأعراف : ١٦٣.

هى أيلة على شاطئ بحر القلزم كما نقل ابن كثير عند تفسيرها.

(د) (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) يوسف : ٨٢.

قال القرطبى عند تفسيرها : «يريدون بالقرية مصر ، وقيل : قرية من قراها نزلوا بها ، وامتاروا منها ـ أى أخذوا الميرة وهى الطعام. وقيل المعنى : «واسأل القرية» وإن كانت جمادا ؛ فأنت نبى الله وهو ينطق الجماد لك ، وعلى هذا فلا حاجة إلى إضمار». أه.

(ه) (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) النحل : ١١٢.

قال ابن كثير فى «تفسيره» : (هذا مثل أريد به أهل مكة ؛ فإنها كانت آمنة مستقرة ..

فكفرت بأنعم الله .. وأعظمها بعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم .. فاستعصوا عليه وأبوا إلا خلافه فدعا عليهم .. فأصابتهم سنة أذهبت كل شىء لهم). أه.

وبهذا قال كثير من المفسرين. والقرية نكرة ، والنكرة تعم ، فالأولى فى نظرى أن تظل على عمومها مثلا لكل قرية كفرت بأنعم الله.

(و) (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) يس : ١٣.

قال أكثر المفسرين : هى «أنطاكية».

(ز) (حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) الكهف : ٧٧.

قيل : «هى أبلّة ، وقيل أنطاكية ، وقيل غير ذلك. والأصح أنها أنطاكية ـ كما ذكر كثير من المفسرين.

وقد سماها الله مدينة فى سورتى : يس والكهف ، لذكر الرجلين الصالحين فيهما.

٦٢٠