الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

سبيل الاستعارة لما فيه من إثبات الوصلة بين المتعاهدين» (٩).

(م) التسجيع : وهذا ظاهر من فاصلتى الآيتين : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) ، (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) فاتحدت الفاصلتان فى حرف النون مسبوقا بحرف مد فى الموضعين.

(ن) التذييل : وذلك فى قوله تعالى :

(أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) فإنه تذييل جاء مؤكدا لما فهم من أوصاف الفاسقين.

(س) حسن النسق : حيث جاءت الجمل مرتبة ترتيبا حسنا خالية من عيوب النظم.

فقد بدأ ـ سبحانه ـ بأن له مطلق الإرادة يمثل بما شاء لما شاء. والناس إزاء هذا التمثيل ضربان : مؤمن مصدق ، وكافر مستريب ، وفى هذا يضل الله من يشاء وهم كثيرون ، ويهدى من يشاء وهم كثيرون ، ثم بين أنه لا يضل إلا الفاسقين ، ثم شرع فى بيان صفات الفاسقين فبدأ بنقضهم عهد الله ، وتركهم ما أمر الله به أن يؤتى ، ثم عطف عليه كونهم مفسدين فى الأرض. ثم أخبر عنهم بأنهم الخاسرون.

والمتأمل يرى أن كل جزء تقدم على آخر فإنه كالسبب فيه أو أخص منه وما أتى بعده عام. أو حكم تقدمت مسبباته. فجاء التعبير محكم البناء ، موصول العرى ، متلاحم الفقرات.

(ع) الانسجام : وقد عرفه ابن أبى الأصبع : بأن يكون الكلام منحدرا كانحدار الماء المنسجم بسهولة سبك وعذوبة ألفاظ وسلامة تأليف ، حتى يكون للكلام موقع فى النفوس وتأثير فى القلوب ما ليس لغيره وإن خلا من البديع (١٠).

وهذا الانسجام ينطبق على آيتينا هاتين بل ينطبق على كل موضع فى القرآن الكريم فهو وصف عام له ، لم يختص به موضع دون آخر.

(ف) المجاز : هكذا عدوا المجاز من فنون البديع ، وهو فى آيتنا ظاهر فى بعض مواضعها كالنقض فى الإبطال ، والتوثق فى الحفاظ على عهد الله ، والقطع فى الترك والوصل فى الفعل ، ومن قبل هذا كان الاستحياء فى الترك أيضا.

(ص) الإدماج : وهو كما عرفه ابن أبى الأصبع (١١) : أن يدمج غرض فى غرض أو بديع فى بديع بحيث لا يظهر إلا أحد الغرضين : وهذا قد مر بنا فى موضعين من النص الكريم :

أحدهما : دمج التكافؤ فى المقابلة فى قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ

٥٦١

مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً) فإن «يضل» و «يهدى» مجازيان ـ كما سبق ـ وهذا تكافؤ مدمج فى المقابلة.

وثانيهما : دمج التكافؤ فى المقابلة ـ كذلك ـ فى قوله تعالى : (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) على ما سبق بيانه.

(ق) التفصيل : وهو الواقع بعد «أما» ، و «أما» فى قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ) ولا يقف بنا الأمر عند هذا الحد ، فإن لنا أن نصف النص بما يأتى :

(ر) ائتلاف اللفظ مع المعنى : لأن كل لفظ فيه قد ائتلف مع معناه. فهما مقدران بقدر ، وموضوعان بحكمة ، وهذا اللون ـ وإن مثلوا له ببعض آيات القرآن ـ فإنه وصف عام ليس فى موطن دون موطن بل القرآن كله موصوف بائتلاف ألفاظه مع معانيه.

(ش) حسن الجوار : وهذا مثل سابقه :

وصف عام للقرآن حيث لم تقع فيه لفظة واحدة متنافرة مع سابق عليها أو لاحق لها ، وهو ينطبق على آيتينا باعتبارهما جزءا من التنزيل الحكيم.

فهذه أكثر من عشرين لونا بحثوها فى ألوان البديع ، وقد جاءت فى القرآن على أحسن موقع وأجمل مطلع.

وهل ترى فى هذا النص ـ وقد علمنا ما فيه من ألوان البديع ـ قصورا فى معناه الذى سيق من أجله؟ أم اقتسارا للفظ على المعنى؟

ليس فى النص شىء من هذا. بل هو واف بالمراد فى وضوح وقوة ، وهذا هو الفارق بين كلام معجز ، وكلام هو عرضة للخطأ والمغالاة.

(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

(هود : ٤٤)

هذه الآية الكريمة تصور لنا فى إيجاز نهاية قصة الطوفان فى عهد نوح عليه‌السلام ، وقد اشتملت على الألوان البديعية الآتية :

(أ) المناسبة اللفظية التامة ، بين «أقلعى» و «ابلعى». فقد جمع بين اللفظين وهما هنا موزونان مقفيان بزنة وقافية واحدة وهذا هو معنى المناسبة التامة.

(ب) المطابقة : بين «السماء» و «الأرض» فى قوله تعالى : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) وقد مر تعريف المطابقة فلا حاجة إلى ذكره.

٥٦٢

(ج) الاستعارة : فى قوله تعالى : «أقلعى» و «ابلعى».

(د) المجاز المرسل : فى قوله تعالى : «يا سماء» والحقيقة : يا مطر السماء والعلاقة :

المجاورة.

(ه) الإشارة : وهى أن يدل اللفظ القليل على المعنى الكثير بحيث يكون اللفظ لمحة دالة. وذلك فى قوله تعالى : «وغيض الماء» لأن الماء لا يغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها من عيون الماء ، فدل هذا التركيب القليل : «وغيض الماء» على أن كل ذلك قد حدث.

(و) الإرداف : فى قوله تعالى : «واستوت على الجودى» وقد مر بحث هذه العبارة.

(ز) التمثيل : وقد مر تعريفه والتمثيل له بهذه العبارة : «وقضى الأمر».

(ح) التعليل : لأن «غيض الماء» علة الاستواء.

(ط) صحة التقسيم : حيث استوعب ـ سبحانه ـ حالة الماء حين نقصه.

(ى) الاحتراس : من توهم متوهم أن الماء قد عم من لا يستحق الهلاك وقد تحقق «الاحتراس» بالدعاء على الهالكين.

(ك) الانفصال : لأن لقائل أن يقول : إن لفظة «القوم» يستغنى عنها المعنى إذ لو قيل :

«وقيل بعدا للظالمين» لتم الكلام.

(ل) المساواة : لأن لفظ الآية لا يزيد على معناه ولا ينقص عنه ، وستأتى مخالفة هذا الوجه.

(م) حسن النسق : فى عطف القضايا بعضها على بعض حسبما وقعت : الأول فالأول.

(ن) ائتلاف اللفظ مع المعنى : لكون كل لفظة لا يصلح غيرها مكانها ، وقد مر تعريفه.

(س) الإيجاز : لأن الله اقتص قصة السفينة بلفظها مستوعبة فى أخصر عبارة بألفاظ غير مطولة.

(ع) التسهيم : لأن أول الآية إلى قوله تعالى : «أقلعى» يقتضى آخرها ، والتسهيم أن يكون فى أول الكلام ما يدل على آخره لأنه يقتضيه.

(ف) التهذيب : لأن مفردات الألفاظ موصوفة بصفات الحسن ، كل لفظة سهلة مخارج الحروف ، عليها رونق الفصاحة.

(ص) حسن البيان : لأن السامع لا يتوقف فى فهم معنى هذا الكلام لوضوحه ، وصفائه.

(ق) التمكين : لأن الفاصلة مستقرة فى

٥٦٣

قرارها. مطمئنة فى مكانها غير قلقة ولا مستكرهة.

(ر) الانسجام : وهو تحدر الكلام بسهولة وعذوبة سبك.

(ش) الإبداع : وهو فى مجموع الآية.

هذا خلاصة ما ذكره ابن أبى الأصبع فى بديع هذه الآية. ولنا عليها ملاحظة مهمة.

ذلك أنه وصف الآية بالمساواة وجعل المساواة فنا من فنون البديع كما جعل الاستعارة كذلك. ثم عاد ووصف الآية بالإيجاز ، والإيجاز والمساواة ضدان لا يجتمعان ، فإما أن يكون الكلام مساويا أو غير مساو بأن يكون موجزا أو مطنبا ، أما أن يوصف كلام واحد بعينه بأنه مساو ، وموجز مرة أخرى فهذا شىء غير مفهوم على الإطلاق ، ونحن ـ إذا جاريناه على أن الإيجاز من فنون البديع ـ فإن الآية موصوفة به لا بالمساواة إذ هى قد اشتملت على نوعى الإيجاز :

ففيها إيجاز الحذف. ويكفى فى تصور ذلك أن فى الآية قد بنى الفعل للمفعول فى عدة مواضع : «قيل يا أرض» و «غيض» و «قضى الأمر» و «قيل بعدا».

كما طوى ذكر السفينة وأضمر فاعل الفعل «استوت» ، وحذف معمول «أقلعى» ... وهذا موسوم بإيجاز الحذف.

وفيها إيجاز قصر .. لأن بعض ألفاظها قد حوى كثيرا من المعانى مثل : «غيض الماء» و «قضى الأمر».

وبهذا يظهر خلط ابن أبى الأصبع فى عد الآية من باب المساواة مرة والإيجاز مرة أخرى.

وكيف ساغ له ذلك وهو البلاغى الضليع والناقد الأديب؟ لا أرى سببا وراء ذلك إلا ولوعه بألوان البديع وكثرة محصوله منها.

(قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ). (يوسف الآيتان ٢٦ ـ ٢٧).

المعنى الإجمالى لهاتين الآيتين :

تكذيب يوسف عليه‌السلام لدعوى امرأة العزيز ، ثم تأييده فيما قال بشهادة شاهد من أهلها لفت نظر العزيز إلى قرائن الأحوال التى منها : علم العزيز صدق يوسف عليه‌السلام وكذب امرأته على يوسف.

والناظر فيهما لا يجد تكلفا فى العبارات.

ولا نقصا فى المعنى ، ومع هذا فقد جاءت فيها فنون شتى من البديع لم تخرج عن سمات البلاغة الأصلية ، والبيان الآسر.

وتلك الفنون هى :

٥٦٤

١ ـ المناقضة : وهى ـ هنا ـ مناقضة المتكلم غيره فى معنى. فقد ادعت امرأة العزيز أن يوسف عليه‌السلام راودها عن نفسها.

فنقض هذا المعنى فى قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).

٢ ـ الكناية : فى قوله أيضا : (راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) وحقيقته : طلبت منى الفحشاء.

والمراودة : أن تنازع غيرك فى الإرادة فتريد غير ما يريد (١٢) ، فقد كان يوسف عليه‌السلام عزوفا عنها فأرادت أن تثنيه عن رأيه لتحقق مقصودها.

٣ ـ النزاهة : لأن فى قوله : (راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) بعدا عن الألفاظ المعيبة. وفيها كذلك الاعتدال فى الاتهام ويبدو هذا جليا إذا ما قورنت هذه العبارة بعبارة امرأة العزيز :

(ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٣) فهى تدل على نفس حاقدة كائدة مغيظة إذ لم تكتف بمجرد الاتهام ، بل بالغت فيه مقترحة الجزاء : إما السجن ، وإما العذاب الأليم.

٤ ـ جناس الاشتقاق : وذلك فى قوله تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ) لأنهما يرجعان فى اللفظ إلى أصل واحد.

٥ ـ الاستقصاء : وهو فى قوله تعالى :

(مِنْ أَهْلِها) وصفا للشاهد ، وفى هذا مدخل عظيم الأثر فى براءة يوسف عليه‌السلام ، وإدانة امرأة العزيز.

٦ ـ حسن البيان : لأن المعنى فى هاتين الآيتين واضح لا يعوق عنه فهم ولا يغرب عن طالب.

٧ ـ حسن التفسير : لأن قوله تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) ، والآية التى بعدها ـ كل هذا تفسير للشهادة التى أشارت إليها العبارة السابقة.

٨ ـ حسن التقسيم : حيث قسم قرائن الواقعة قسمين باعتبار ما حدث من قدّ القميص.

٩ ـ المزاوجة : حيث زاوج بين الشرط والجزاء ، فقدّ القميص من القبل يترتب عليه صدقها وكذبه. وقده من الدبر يترتب عليه كذبها وصدقه.

١٠ ـ الإيهام : حيث ساوى بين امرأة العزيز ويوسف عليه‌السلام فى احتمال دعوى كل منهما فى الصدق والكذب ، والقرائن التى أشار إليها الشاهد تخص دعواها بالكذب. وتثبت الصدق ليوسف عليه‌السلام.

١١ ـ المقابلة : حيث طابق بين القبل والدبر ، والصدق والكذب.

١٢ ـ العكس والتبديل : حيث قدم الصدق مرة وأخّره مرة أخرى ، وقدم الكذب تارة وأخره تارة أخرى.

٥٦٥

١٣ ـ التمكين : لأن الفاصلة فى الموضعين قارة فى مكانها لا نافرة ولا قلقة.

١٤ ـ التسهيم : لأن قوله فى الآية الأولى :

(إِنْ كانَ قَمِيصُهُ) إلى : (فَكَذَبَتْ) يدل على الفاصلة وكذلك القول فى الآية الثانية.

١٥ ـ التسجيع : لأن الفاصلتين فى الموضعين متماثلتان : «الكاذبين» ، «الصادقين».

١٦ ـ لزوم ما لا يلزم : حيث التزم فى الفاصلة الياء المكسور ما قبلها وذلك نلحظه فى الموضعين.

١٧ ـ الإيجاز : ففي الآيتين لوحظ حذف بعض الكلمات منها : «قال» قبل : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) وحذف الفاعل فى «قد» فى الموضعين. وكان فى هذا الحذف من الفخامة والروعة ما فيه.

١٨ ـ حسن النسق : حيث رتبت الأجزاء ترتيبا حسنا فبدأ بتكذيب يوسف لدعوى امرأة العزيز ثم ذكر شهادة الشاهد الذى أيده. ثم تفصيل تلك الشهادة وما يترتب عليها فى عرض حسن ونسق جميل.

١٩ ـ الانسجام : وذلك من جزالة الألفاظ ، وجودة السبك والترتيب المنطقى لأجزاء القضية.

٢٠ ـ الافتنان : وقد عرفه ابن أبى الأصبع بأن يأتى المتكلم فى كلامه بفنين إما متضادين أو مختلفين ، وقد جاء ذلك ظاهرا فى الجمع بين البراءة والإدانة ، ثم الإدانة والبراءة فى قوله تعالى حكاية عن شاهد واقعة امرأة العزيز : (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

وقد خطّأ نصيب الشاعر الكميت فى قوله :

أم هل ظعائن بالعلياء نافعة

وإن تكامل فيها الأنس والشنب

قال نصيب للكميت : أين الأنس من الشنب ، ألا قلت كما قال ذو الرمة :

لمياء فى شفتيها حوّة لعس

وفى اللثات وفى أنيابها شنب (إ) ١٤

فإن الشنب يذكر مع اللمس ، والأنس يذكر مع الغنج. وبمثل هذا عاب ابن الأثير قول أبى نواس يصف الديك :

له اعتدال وانتصاب قد

وجلده يشبه وشى البرد

كأنها الهداب فى الفرند

محدوب الظهر كريم الجد

٥٦٦

لأنه ذكر الظهر وقرنه بالجد ، وهذا لا يناسب هذا ، لأن الظهر من جهة الخلق والجد من جهة النسب (١٥).

وكذلك خطأه فى قوله :

وقد حلفت يمينا

مبرورة لا تكذب

برب زمزم والحوض

والصفا والمحصب

لأن ذكر الحوض مع الصفا والمحصب غير مناسب. وإنما يذكر الحوض مع الصراط والميزان.

وأما التكرار فى القرآن فعذب وراق.

كقوله تعالى : (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) (١٦).

وقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) (١٧).

وقوله : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) (١٨).

وهو على تقاربه تجد له قوة وجزالة وأغراضه : إما المدح ، وإما التهويل وإما للاستبعاد كما فى قوله تعالى : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) (١٩) ... إلى غير ذلك من الأغراض.

وهذا التكرار لا يخرج عندهم عما سموه الترديد أو التعطف. أو الجناس والمشاكلة ..

وقد جاء فى الشعر وغيره من كلام الناس فلم يسلم من العيب إلا فيما قل.

فمما عيب قول أبى الطيب :

فقلقلت بالسهم الذى قلقل الحشا

قلاقل عيش كلهن قلاقل

غثاثة عيش أن تغث كرامتى

وليس بغث أن تغث المآكل

قال ابن سنان معلقا عليهما : «فقد اتفق له أن كرر فى البيت الأول لفظة مكررة الحروف فجمع القبح بأسره فى صيغة اللفظة نفسها ، ثم فى إعادتها وتكرارها ، وأتبع ذلك بغثاثة فى البيت الثانى وتكرار «تغث» فلست تجد ما يزيد على هذين البيتين فى القبح» (٢٠).

وقال أبو تمام :

قسم الزمان ربوعها بين الصبا

وقبولها ودبورها أثلاثا

وقد أخطأ أبو تمام فى ذكر «القبول» مع «الصبا» ، لأن الصبا هى القبول لذلك عده النقاد غير مفيد.

ففي الآية الأولى جمع بين براءة امرأة العزيز ـ فرضا ـ وإدانة يوسف عليه‌السلام ، وفى الآية الثانية جمع بين إدانتها ـ حقيقة ـ وبراءة يوسف عليه‌السلام.

وإلى هنا فإننا تناولنا ثلاثة نصوص من القرآن الكريم. وقد أبنّا على طريقتهم ما يحتمله النص من وجوه البديع ، وهذه النصوص فى جملتها تتكون من خمس آيات :

٥٦٧

وكان جملة ما ظهر لنا من فنون البديع فيها ـ بعد حذف المكرر ـ واحدا وأربعين فنا.

وهى :

١ ـ التمثيل ٢ ـ المشاكلة ٣ ـ الإبهام ٤ ـ التوجيه ٥ ـ حسن التقسيم ٦ ـ المقابلة ٧ ـ التعطف ٨ ـ البيان بعد الإبهام ٩ ـ صحة التفسير ١٠ ـ النزاهة ١١ ـ التكافؤ ١٢ ـ الترشيح ١٣ ـ التسجيع ١٤ ـ التذييل ١٥ ـ حسن النسق ١٦ ـ الانسجام ١٧ ـ المجاز ١٨ ـ الإدماج ١٩ ـ التفصيل ٢٠ ـ ائتلاف اللفظ مع المعنى ٢١ ـ حسن الجوار ٢٢ ـ الإشارة ٢٣ ـ الإرداف ٢٤ ـ التعليل ٢٥ ـ الاحتراس ٢٦ ـ الانفصال ٢٧ ـ المساواة ٢٨ ـ التسهيم ٢٩ ـ التهذيب ٣٠ ـ التمكن ٣١ ـ الإبداع ٣٢ ـ المناقصة ٣٣ ـ الكناية ٣٤ ـ الجناس اللفظى ٣٥ ـ الاستقصاء ٣٦ ـ المزاوجة ٣٧ ـ الإبهام ٣٨ ـ العكس والتبديل ٣٩ ـ لزوم ما لا يلزم ٤٠ ـ الإيجاز ٤١ ـ الافتنان.

* نتائج مهمة :

والباحث فى بديع القرآن مع إطلاق القول به حتى يشمل ما هو من المعانى والبيان يخرج بعدة نتائج :

أولا : أن العلماء قد اشترطوا لقبول البديع وحسنه وبلاغته شروطا منها : ألا يكون متكلفا ولا مسرفا فيه صاحبه ، وأن يرسل مع الطبع والسجية ولا يكون على حساب المعنى.

وبديع القرآن قد تحقق فيه عدم التكلف وكونه لا على حساب المعنى.

أما الشرط الثانى ـ وهو عدم الإكثار ـ فلم يتحقق ذلك إذ إن نصوص القرآن قد اشتملت على كثير من ألوان البديع ، وقد رأينا أن آية واحدة قد استخرج منها العلماء أكثر من عشرين فنا من فنون البديع ، ولم تزد كلماتها على سبع عشرة كلمة ، بل إن ابن أبى الأصبع قد استخرج من حرف واحد وهو «ثم» ـ فى قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (٢١) ـ استخرج من هذا الحرف وحده ثمانية فنون بديعية. (٢٢)

ومع هذه الكثرة فى بديع القرآن لم تجد له إلا بلاغة وحسنا ، ولم يؤثر عن أحد من العلماء والنقاد التقليل من قيمة البديع فى القرآن ، وما رأيناهم قد استحسنوا فيما سواه ما كثر منه فى القصيدة أو البيت لأن التاريخ والنقد الأدبيين لم يجدا مكثرا من البديع أو مسرفا فيه إلا كان خطؤه أكثر من صوابه وإجادته أقل من رداءته.

ولم يكن الإقلال منه عاصما من التكلف فيه حتى يكون مع الإكثار عذر لذلك التكلف.

فقد أخطأ المقلون كما أخطأ المكثرون.

فمثلا .. قد ورد فى القرآن الكريم أسلوب مراعاة النظير فملح وحسن ، كقوله تعالى :

٥٦٨

(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) (٢٣).

وتناول الشعراء هذا الأسلوب فأصابوا وأخطئوا.

وجاءت المبالغة فى القرآن قوية جزلة لا تنبو عن ذوق ولا ينكرها عقل. مثل قوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) (٢٤).

ففي هذه الآية مبالغة مقبولة غير منكرة ولا نافرة تصف أثر الخوف وهذا يصوره زوغ الأبصار لشدة الاضطراب وهذا أمر واقع ، عطف عليه أمر قريب من الواقع هو بلوغ القلوب الحناجر فإن القلب حين يضطرب تظهر آثار اضطرابه فى تهدج الصوت واضطرابه ، والصوت يكون مسموعا بعد مروره بالحنجرة ، فلذلك ساغ هذا التعبير وقوى به المعنى وحسن.

ومثل قوله تعالى : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) (٢٥). مبالغة فى صفاء الزيت.

وقوله تعالى : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) (٢٦) .. مبالغة فى تصوير الظلمة المحيطة به.

وجاءت هذه المبالغة على ألسنة الشعراء فأصابوا وأبعدوا فى الخطأ.

قال الأعشى :

فتى لو ينادى الشمس ألقت قناعها

أو القمر السارى لألقى المقالد

فقد غالى فى تصوير المعنى فعلق تبذل الشمس على مجالسته لها ، وكذلك تخلى القمر السارى عن المقالد مرهون بتلك المجالسة ، وهذه مبالغة موصوفة بالغلو. ولم يخل كلامه من التكلف ؛ فقد أثبت للشمس قناعا وللقمر مقالد وجوز فى جانبهما المنادمة.

وقال أبو نواس :

وأخفت أهل الشرك حتى أنه

لتخافك النطف التى لم تخلق

وهذا البيت معيب «لما فى ذلك من الغلو والإفراط الخارج عن الحقيقة».

وصحة التقسيم جاء فى الكتاب الحكيم على أبلغ وجه ، وأصح منهج كقوله :

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٢٧).

وقوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (٢٨).

٥٦٩

الآية الأولى : تبين قسمى أثر البرق عند الناس.

والآية الثانية : تبين أقسام الناس يوم العرض ، فهم ثلاثة لا رابع لهم. فهذه قسمة صحيحة.

وقد أخطأ بعض الشعراء عند ما تناولوا هذا الفن. مثل قول البحترى :

قف مشوقا أو مسعدا أو حزينا

أو معينا أو عاذرا أو عذولا

(إ) ٢٩ قال ابن الأثير : «فإن المشوق يكون حزينا والمسعد يكون معينا ، وكذلك يكون عاذرا ..

وكثيرا ما يقع البحترى فى مثل ذلك».

وعابوا قول أبى الطيب :

فافخر فإن الناس فيك ثلاثة

مستعظم أو حاسد أو جاهل

لأن المستعظم يكون حاسدا ، والحاسد يكون مستعظما ، ومن شرط التقسيم ألا تتداخل أقسامه بعضها فى بعض» (٣٠).

«وأما صحة التقسيم .. فأن تكون الأقسام المذكورة لم يخل بشيء منها ، ولا تكررت ولا دخل بعضها فى بعض».

ومثل للمعيب منه بقول جرير :

صارت حنيفة أثلاثا فثلثهم

من العبيد وثلث من مواليها

ثم علق عليه قائلا : فهذه قسمة فاسدة من طريق الإخلال لأنه قد أخل بقسم من الثلاثة. وقيل : إن بعض بنى حنيفة سئل من أى الأثلاث هو؟ قال : من الثلث الملغى» (٣١).

وهذه لمحة نقد بالغة الدقة.

وجاء الإيجاز فى القرآن الكريم بقسميه :

إيجاز الحذف وإيجاز القصر ، فلم يبهم معه معنى ولا اختفى معه مراد. كقوله تعالى :

(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٣٢) ، وقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ) (٣٣) ، وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٣٤) ، وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) (٣٥) ، وقوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) (٣٦) ، وقوله تعالى : (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٣٧) ، وقوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) (٣٨).

والقرآن ملىء بمثل هذه الدرر الغوالى مع قوة المعنى ووضوحه وشدة أسره للأفهام.

وقد تناوله قوم فأصابوا وأخطئوا ، فأما ما جاء فى القرآن فهو أبلغ منه وأوجز ، ولعل مضرب الأمثال فى ذلك قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٣٩).

فإذا قورن به قول العرب : «القتل أنفى للقتل». فإن عبارة القرآن قد فاقته من عدة

٥٧٠

وجوه (٤٠) قد عنى العلماء بإفاضة القول فيها.

مع أن هذا القول الصادر عن العرب كانوا يعدونه أبلغ ما قيل فى معناه.

على أن كثيرا من الشعراء قد أوجزوا فأخلوا ، وسر بلاغة الإيجاز وضوح المعنى ..

من ذلك قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود :

أعاذل عاجل ما أشتهى

أحب من الأكثر الرائث

(إ) ٤١ لأنه أراد : عاجل ما أشتهى مع القلة أحب إلى من الأكثر البطىء ، فترك «مع القلة» وبه تمام المعنى.

ومنه قول عروة بن الورد :

عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم

ومقتلهم عند الوغى كان أعذر

كأنه أراد أن يقول : عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم فى السلم وقتلهم فى الحرب أعذر ، فترك «فى السلم» وبه تمام المعنى كذلك.

وكذلك قول الحارث بن حلزة :

والعيش خير فى ظلال النوك

ممن عاش كدا

أراد : العيش الناعم فى ظلال الجهل خير من العيش الشاق فى ظلال العقل.

والوجه الذى يقرب هذه الأمثلة الثلاثة إلى الصواب أنه يمكن أن يقال : إن دليل الحذف فيها ما قابل المحذوف. فقوله : «ومقتلهم عند الوغى» دليل «فى السلم» المحذوف ، وإلا لخرج الكلام مخرج الأحاجى والألغاز ، ولما استحق أن يدخل فى باب الأدب.

ولو أننا تتبعنا سائر فنون البديع بمعناها العام لوجدنا أمثلتها فى القرآن لا تخرج عن البلاغة الأصلية مع الوفاء بحق المعنى ، وحق اللفظ.

فليس فيه إحسان فى موضع ، وإساءة فى آخر ، بل هو على وتيرة واحدة فى جميع فنونه وطرق تعبيره ، وهذا هو الفرق الذى رمناه بين بديع القرآن وبديع الناس.

فالناس ـ شعراؤهم وناثروهم ـ إذا أكثروا من استعمال البديع لم يسلم لهم منه إلا القليل ، وإذا لم يكثروا منه ـ وهذا شرط قبوله ـ فإنهم ليسوا فى مأمن من السقوط والكلفة ، كما وقع لبشار بن برد ومسلم بن الوليد وأبى تمام ، وكما وقع للمتأخرين منهم حينما أسرفوا وغالوا فى السعى وراء البديع فضعف معه المعنى أو زال من أساسه كبديع الزمان الهمذانى وصفى الدين الحلى ، وغيرهم من عشاق البديع.

والبديع فى القرآن فطرى جرى مع طبيعة

٥٧١

الأسلوب ولم يصر إليه حلية لفظ أو تزويق عبارة ، وهو فيه سمة من سمات إعجازه وحسنه سواء أكان راجعا إلى المعنى أو راجعا إلى اللفظ وحسنه ذاتى لا عرضى ، ولو ذهبنا ننحى ما جاء من بديع القرآن عن أصالة أسلوبه وروعة معانيه ، لذهبنا بشرط الحسن فيه لقوة صوره وأصالة وروده فيه ، وقد تقدم لنا أن كثيرا من فنون البديع من صميم طرق التعبير فى القرآن الكريم ـ كالمطابقة ـ لأنه كثيرا ما يقارن بين أنواع متضادة أو كالمتضادة ، والمشاكلة والسجع ... وما إلى هذه الألوان الآسرة.

على أن هنا ملاحظتين إحداهما ترجع إلى البديع بعامة ، والثانية ترجع إلى بديع القرآن بخاصة.

أما ما ترجع إلى البديع بعامة .. فإنه فن فى حاجة إلى الإنصاف وإعادة النظر ، ونحن هنا أمام طريقين :

إما أن نطلق كلمة «البديع» على فنون البلاغة جميعا ، وإما أن نرد كل حق إلى نصابه ، فنرد ما للمعانى للمعانى ، وما للبيان للبيان ـ مما يدرس ضمن فنون البديع ـ ولو فعلنا ذلك لما بقى شىء يمكن أن يطلق عليه بديعا ، لاختلاس هذه الفنون من علمى المعانى والبيان ، إلا فيما ندر.

وأما ما يتعلق ببديع القرآن .. فإن بعض الباحثين مسرف فى إثبات الألوان كما فعل ابن أبى الأصبع فى كتابه الموسوم «بديع القرآن» مثل التفويف والتنكيت والانفصال ، والتردد والاطراد ، فإن إدراك جمال التعبير فى القرآن لا يحتاج إلى أكثر من الذوق وصفاء النفس فلا داعى لكثرة التلقيب والتنويع.

والحمد لله فى الأولى والآخرة ..

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى

الهوامش :

__________________

(١) اللسان والمعاجم اللغوية ، مادة : بدع.

(٢) سر الفصاحة (١٩٣).

(٣) بغية الإيضاح (٣ / ٣) تعليق الشيخ عبد المتعال الصعيدى مكتبة الآداب ١٤٢٠ ه‍.

(٤) البقرة (٢٦ ـ ٢٧).

(٥) الإيضاح (٦ / ٢٧).

(٦) الحج (٧٣).

(٧) الكشاف (١ / ٨٤).

(٨) المصدر نفسه (٨٦٠).

(٩) المصدر نفسه (١ / ٩٠).

(١٠) بديع القرآن (١٦٦).

(١١) المصدر نفسه (١٧٢).

(١٢) مفردات الراغب (٢٠٦).

(١٣) يوسف (٢٥).

(١٤) الأغانى للأصفهانى (١ / ١٣٤).

(١٥) المثل السائر (٣ / ١٥٥).

(١٦) القارعة (١ ـ ٢).

(١٧) الانفطار (١٧ ـ ١٨).

(١٨) الواقعة (١٠).

(١٩) المؤمنون (٣٦).

(٢٠) سر الفصاحة (٩٣).

(٢١) آل عمران (١١).

(٢٢) المثل السائر (٣ / ٣).

(٢٣) الرحمن (٥ ـ ٦).

(٢٤) الأحزاب (١٠).

(٢٥) النور (٤٠).

(٢٦) النور (٤٠).

(٢٧) الرعد (١٢).

(٢٨) الواقعة (٨٨ ـ ٩٤).

(٢٩) ديوان البحترى (٢ / ١).

(٣٠) سر الفصاحة (٩٤).

(٣١) سر الفصاحة (٢٢٧).

(٣٢) يوسف (٨٢).

(٣٣) الفجر (٢٢).

(٣٤) سبأ (٥١).

(٣٥) الرعد (٣١).

(٣٦) الأنعام (٨٢).

(٣٧) يونس (٢٣).

(٣٨) البقرة (١٣٤).

(٣٩) البقرة (١٧٩).

(٤٠) انظر ـ مثلا ـ بديع القرآن لابن أبى الأصبع.

(٤١) الرّائث : البطيء.

٥٧٢

إعراب القرآن

قال ابن جنى فى «الخصائص الكبرى» :

الإعراب : هو الإبانة عن المعانى بالألفاظ (١).

وقال ابن منظور فى «لسان العرب» : أعرب الكلام وأعرب به : بيّنه ... وعرّب منطقه : أى هذّبه من اللحن ... (٢).

وقال الراغب فى «مفرداته» : ... إعراب الكلام : إيضاح فصاحته. وخصّ الإعراب فى تعارف النحويّين بالحركات والسكنات المتعاقبة على أواخر الكلم (٣).

ومن هذا المنطلق اللغوى يعرّف إعراب القرآن فيقال : هو بيان معانيه باستعمال القواعد النحوية عند الحاجة إليها ؛ فالإعراب فرع المعنى كما يقول علماء اللغة.

وفى القرآن معان كثيرة يتوقف فهمها على إعراب ألفاظها ؛ لمعرفة الفاعل من المفعول ، والصفة من الموصوف ، والمبتدأ من الخبر ، وغير ذلك مما يحتاج إليه المفسر فى الوقوف على المعنى المراد على وجه التحديد أو على وجه التقريب.

ويستطيع من خلال معرفة وجوه الإعراب أيضا أن يصحح من أقوال المفسرين ما يراه صحيحا ، أو يرجح ما يراه راجحا ؛ مستدلا على سلامة قوله بقاعدة أو بأكثر من قواعد الإعراب التى لا خلاف عليها بين المعربين.

ولا شك أن علماء النحو قد بذلوا جهودا مضنية فى وضع هذه القواعد وسبكها بدقة وفق مقتضيات اللغة.

وكان لأولهم قدم السبق فى تحريرها ، وكان لمن جاء بعدهم فضل التحقيق والتطبيق.

وقد بذل المفسرون جهودا مشكورة فى استعمال هذه القواعد النحوية ؛ لبيان معانى كتاب الله تعالى ؛ فكانوا نعم العون للناظرين فيه على اختلاف درجاتهم فى الثقافة والفهم وتنوع مشاربهم فى العلم والمعرفة.

فعلماء البلاغة يجدون فيه بغيتهم إذا أرادوا أن يتعرفوا جمال تعبيره ورقة تصويره ، وجودة نظمه وروعة بيانه ، وأسرار إعجازه فى مناحيه الأربعة : البيانية ، والتشريعية ، والعلمية ، والغيبية.

وعلماء الحديث يستعينون على فهمه بالقرآن ، ويستعينون على فهم القرآن بعلم الإعراب وعلوم البلاغة.

٥٧٣

والمشتغلون بالعلوم الأخرى يستمدون فهم كتاب الله ـ تعالى ـ من أولئك المفسرين الذين نبغوا فى هذه العلوم اللغوية التى تعتمد بالدرجة الأولى على قواعد الإعراب.

لذا كانت دراسة علم النحو ضرورية لكل من يتصدى لتفسير كتاب الله ـ تعالى ـ ، وبيان ما تضمنته الأحاديث النبوية أيضا ؛ لأن السنة بيان للقرآن ، يتوقف فهمه على فهمها بكل الوسائل المستعملة فى ذلك ، وأولها معرفة وجوه الإعراب.

وقد شرط العلماء لمن يتصدى لعلم التفسير شروطا كثيرة ، منها :

(أ) أن يقتصر منه على القدر الذى تدعو إليه الحاجة ، ويترك ما زاد عليها للمتخصصين فى علم النحو ؛ فإن القرآن من أوله إلى آخره كتاب هداية ومنهج حياة ، فينبغى أن يكون مبلغ همّ المفسر لآياته بيان معانية ومراميه ومناحى إعجازه ، وغير ذلك مما فيه حكم ، وحكمة ، وعظة ، وعبرة.

(ب) أن يفهم أولا معنى ما يعربه مفردا كان أو مركبا ؛ وذلك بالرجوع إلى كتب التفسير التى عنى أصحابها بالغوص فى المعانى إلى أعماقها واستخراج مكنوناتها ونفائسها ، مستعينين فى ذلك بمتن اللغة وفقهها وصورها البيانية وإيحاءاتها فى دقة النظم وجمال التعبير وسلامة الأسلوب تماما من الخلل والزلل.

(ج) أن يراعى المعرب المعنى الصحيح الذى دل عليه لفظ الآية وسياقها وما إلى ذلك من أدلة التصحيح ، ولو خالف بذلك الصناعة النحوية إذا كانت لا تعينه على المعنى الذى اتفق عليه أكثر المفسرين ؛ فالقرآن قد نزل بلسان عربىّ مبين يحكم به ولا يحكم عليه ؛ فالحجة فيه لأهل التفسير واضحة جليّة ، لا يضرهم من خالفهم من النحويين ولا من غيرهم.

وهذا ميدان زلت فيه أقدام كثير من المتكلفين والمقلدين.

(د) أن يجتنب الوجوه الضعيفة فى الإعراب ويلزم نفسه بما صحّ منها ، ولا سيما إذا كانت هذه الوجوه تخلّ بالمعنى أو توهن من شأنه فى العظة والاعتبار.

(ه) أن يتتبع المعرب ما تحتمله الألفاظ من وجوه الإعراب ؛ فيشير إليها ، ويختار أحسنها مرجحا قوله بالدليل.

(و) أن يراعى الشروط المختلفة بحسب الأبواب ؛ فإن العرب يشترطون فى باب شيئا ويشترطون فى آخر نقيض ذلك الشيء ، على ما اقتضته حكمة لغتهم وصحيح أقيستهم ؛ فإذا لم يتأمل المعرب ذلك اختلطت عليه الأبواب والشرائط.

٥٧٤

(ز) ألا يخرّج على خلاف الأصل ، أو على خلاف الظاهر لغير مقتض.

(ح) وهذه الشروط تقتضى شرطا آخر هو أهمها جميعا ، وهو أن يكون المعرب لكتاب الله ـ تعالى ـ مستجمعا لشروط المفسر من :

سلامة الفطرة ، وصحة المعتقد ، وصفاء الذهن ، وخلوّ قلبه من الهوى ، وخبرته الواسعة بفنون لغة العرب وغير ذلك مما هو مذكور فى محله (٤).

(٤) وينبغى أن يلتزم المعرب لكتاب الله ـ تعالى ـ الأدب فى التعبير عند الإعراب ؛ فلا يتفوه بكلمة لا تليق بجلال القرآن أو تخلّ بفصاحته ، أو تؤدى إلى شكّ فى سلامة نظمه ومحاسن أسلوبه.

(أ) مثل قول بعض المعربين : هذا حرف زائد ؛ فإن الزائد قد يفهم منه أنه لا معنى له ، وكتاب الله منزّه عن ذلك ، فإن الحروف التى يبدو للمعربين أنها زائدة فى كلام الناس لا ينبغى أن يقولوا فيها إن وردت فى كتاب الله :

هى زائدة ، إلا أن يقولوا : زائدة لملحظ بلاغى وفائدة لا تؤدّى بغيره.

أو يقولوا بقول بعض الورعين من المعربين :

هذا الحرف صلة أو هو حرف توكيد ، أى :

جىء به لفائدة لا غنى عنه فى بيانها.

(ب) ومثل قول بعض المعربين : «الله» مفعول به منصوب. وهذا لا يليق بجلال الله تعالى.

والأولى أن يقال : لفظ الجلالة منصوب على العظمة ، كما وجدناه فى بعض كتب المعربين.

(٥) (أ) وممن صنّف فى إعراب القرآن أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبرى (٥٣٨ ـ ٦١٦ ه‍ / ١١٤٣ ـ ١٢١٩ م).

فقد وضع فيه كتابا جامعا لسور القرآن كلها ، سماه : «التبيان فى إعراب القرآن» ـ فى جزءين. طبع لأول مرة فى مصر سنة (١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٩ م).

وهو كتاب واف فى مقصوده ، واضح فى أسلوبه ، تميز عن سواه بحل كثير من مشكلات الإعراب فى كتاب الله ـ تعالى ـ وأتى فيه بما يشفى ويكفى.

قال رحمه‌الله فى مقدمته : (والكتب المؤلفة فى هذا العلم كثيرة جدا ، مختلفة ترتيبا وحدّا ؛ فمنها المختصر حجما وعلما ، ومنها المطول بكثرة إعراب الظواهر ، وخلط الإعراب بالمعانى ، وقلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم ، فلما وجدتها على ما وصفت ، أحببت أن أملى كتابا يصغر حجمه ويكثر علمه ، أقتصر فيه على ذكر الإعراب ووجوه القراءات ؛ فأتيت به على ذلك).

٥٧٥

(ب) وقد صنف أبو محمد : عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصارى المصرى (٧٠٨ ـ ٧٦١ ه‍ / ١٣٠٩ ـ ١٣٦٠ م) كتابا نفيسا فى هذا الفن سماه / «مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب» جمع فيه الكثير من قضايا الإعراب ومسائله المتعلقة بكتاب الله ـ تعالى ـ فأفاد وأجاد ، وصار كتابه هذا مرجعا لا يستغنى عنه نحوى ولا مفسر.

قال فى مقدمته : (وضعت هذا التصنيف على أحسن إحكام وترصيف ، وتتبّعت فيه مقفلات مسائل الإعراب فافتتحتها ، ومعضلات يستشكلها الطلاب فأوضحتها ونقّحتها ، وأغلاطا وقعت لجماعة من المعربين وغيرهم فنبهت عليها وأصلحتها).

ثم قال : (وينحصر فى ثمانية أبواب :

الباب الأول : فى تفسير المفردات وذكر أحكامها.

الباب الثانى : فى تفسير الجمل وذكر أقسامها وأحكامها.

الباب الثالث : فى ذكر ما يتردد بين المفردات والجمل ، وهو الظرف والجار والمجرور ، وذكر أحكامها.

الباب الرابع : فى ذكر أحكام يكثر دورها ، ويقبح بالمعرب جهلها.

الباب الخامس : فى ذكر الأوجه التى يدخل على المعرب الخلل من جهتها.

الباب السادس : فى التحذير من أمور اشتهرت بين المعربين والصواب خلافها.

الباب السابع : فى كيفية الإعراب.

الباب الثامن : فى ذكر أمور كلية يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية). أه.

والناظر فيه يجد علما غزيرا بما تضمّنه كتاب الله ـ تعالى ـ من الحقائق والدقائق التى لا يستغنى عنها من أراد أن يتفقّه فى كتاب الله ـ عزوجل.

طبع هذا الكتاب بمطبعة المدنى ، ونشره محمد على صبيح بتحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد. وطبعته المكتبة العصرية ببيروت سنة (١٩٩٢ م / ١٤١٢).

(ج) وصنف فى هذا الفن : الأستاذ / محمد عبد الخالق عضيمة ـ كتابا كبير الحجم من أحد عشر جزءا فى النحو والصرف بوجه عام ، واهتم كثيرا بإعراب القرآن وبيان ما أشكل على الدارسين من وجوهه المختلفة. سماه : «دراسات لأسلوب القرآن الكريم».

وهو كتاب فريد ، فى ترتيبه وتهذيبه وجمعه للمسائل النحوية فى الجو القرآنى لا غنى للدارسين فى العلوم العربية والشرعية عن مطالعته.

٥٧٦

طبع هذا الكتاب سنة (١٩٨٨ م) فى مطبعة حسّان بالقاهرة.

(د) وظهر مؤخرا كتاب بعنوان : «إعراب القرآن الكريم وبيانه» لمحيى الدين درويش.

طبع عدة مرات. المرة الثالثة منها فى المطبعة اليمانية ، وطبع أيضا فى دار الإرشاد ـ حمص ـ سوريا. يقع الكتاب فى عشرة أجزاء ، مرتب على حسب السور ، يتكلم فيه المؤلف عن معانى الألفاظ بإيجاز ثم يعربها.

(ه) وممن صنف فى إعراب القرآن ـ أبو إسحاق إبراهيم بن السرى الزجاج المتوفى سنة (٣١١ ه‍ / ٩٢٣ م) كتابه المسمى : «معانى القرآن وإعرابه». تناول فيه إعراب القرآن كله بإيجاز. يقع الكتاب فى أربعة أجزاء ، حققه الدكتور : عبد الجليل عبده شلبى ، وطبع فى عالم الكتب ، الطبعة الأولى ١٤٠٨ ه‍ / ١٩٨٨ م.

(و) وقد صنف أبو جعفر النحاس المتوفى سنة (٣٣٨ ه‍ / ٩٤٨ م) كتابه المسمى : «إعراب القرآن».

وهو كتاب يعنى بإعراب القرآن عناية موسعة ، ذكر فيه أقوال النحويين ووجوه القراءات التى دندن حولها المعربون.

يقع الكتاب فى خمسة أجزاء طبع فى عالم الكتب الطبعة الثانية (١٤٠٥ ه‍ / ١٩٨٥ م) بتحقيق د / زهير غازى زاهر.

(ز) وصنف فى هذا الفن : عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنبارى (٥١٣ ه‍ / ٥٧٧ ه‍ / ١١١٩ / ١١٨١ م) كتابا أسماه :

«البيان فى غريب إعراب القرآن». وقد حققه د / طه عبد الحميد طه وراجعه الأستاذ :

مصطفى السقا طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة (١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م).

(ح) «تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه» للشيخ : محمد على طه الدرة ط دار الحكمة ـ دمشق ـ بيروت.

(ط) «مشكل إعراب القرآن» لمكى بن أبى طالب القيسى (٣٥٥ ـ ٤٣٧ ه‍ / ٩٦٦ ـ ١٠٤٥ م).

يقع فى جزءين طبع فى مجمع اللغة العربية بدمشق (١٣٩٤ ه‍ / ١٩٧٤ م) بتحقيق :

ياسين محمد السوّاس.

(ى) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل» للزمخشرى :

محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمى (٤٦٧ ـ ٥٣٨ ه‍ / ١٠٧٥ ـ ١١٤٤ م) وهو كتاب يكشف عن جمال النظم القرآنى وسحر بلاغته وفنون إعرابه ، يقع فى أربعة مجلدات.

(ك) «تفسير البحر المحيط» لأبى حيان :

محمد بن يوسف (٦٥٤ ـ ٧٤٥ ه‍ / ١٢٥٦ ـ ١٣٤٤ م) وهو كتاب حافل بمسائل الإعراب المتعلقة بكتاب الله ـ تعالى ـ يستدرك فيه ما

٥٧٧

فات الزمخشرى وغيره من المعربين ، ويبين من خلال وجوه الإعراب ما تضمنته الآيات من المعانى مع بيان إعجاز القرآن فى بلاغته ونظمه وجمال تعبيره ودقة تصويره وعذوبة بيانه ؛ حتى بدا وكأنه كتاب نحو وبلاغة.

يقع هذا الكتاب فى ثمانى مجلدات كبار ، وهو مطبوع متداول ، طبعته دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع عدة طبعات. الطبعة الثانية ١٤٠٣ ه‍ ـ ١٩٨٣ م.

وبهامشه :

١ ـ «تفسير النهر الماد من البحر» لأبى حيّان نفسه وهو مختصر «للبحر المحيط».

٢ ـ كتاب «الدرّ اللقيط من البحر المحيط» للإمام : تاج الدين الحنفى النحوى تلميذ أبى حيّان (٦٨٢ ـ ٧٤٩ ه‍ / ١٢٥٣ ـ ١٣١٩ م).

(ل) «الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدّقائق الخفية» تأليف : سليمان بن عمر العجيلى الشافعى الشهير بالجمل ، (المتوفى ١٢٠٤ ه‍ / ١٧٩٠ م).

يقع فى أربعة مجلدات كبار طبعته مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر بدون تاريخ.

وبهامشه كتابان :

١ ـ «تفسير الجلالين» لجلال الدين السيوطى ، وجلال الدين المحلى.

٢ ـ «إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات فى جميع القرآن» لأبى البقاء : عبد الله بن الحسين العكبرى المتقدم ذكره.

وهذا الكتاب لا يقل شأنا عن كتاب البحر المحيط ، بل هو أوسع منه دائرة فى بعض المواضع ؛ فقد أفاد منه ومن غيره ممن جاء بعده إلا أنه لا يخوض فى أعماق المسائل النحوية المعقدة كما صنع أبو حيّان فى كتابه.

وطالب العلم لا يستغنى عن هذا وذاك ؛ فإنه إن لم يجد ضالته فى كتاب وجدها فى آخر ؛ فقد يوجد فى النهر ما لا يوجد فى البحر.

أ. د. / محمد بكر إسماعيل

الهوامش :

__________________

(١) الخصائص الكبرى ج ١ ص ٣٥ لأبى الفتح عثمان بن جنى (... ـ ٣٩٢ ه‍ / ٠٠٠ ـ ١٠٠٢ م) ت محمد على النجار الأستاذ بكلية اللغة العربية ط دار الهدى للطباعة والنشر بدون تاريخ.

(٢) لسان العرب لابن منظور مادة (عرب) ط دار المعارف المصرية.

(٣) مادة (عرب) ص ٣٢٨ ، ٣٢٩ ط مصطفى البابى الحلبى وشركائه الطبعة الأخيرة ١٣٨١ ه‍ / ١٩٦١ م.

(٤) راجع كتاب مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب تحت عنوان : ذكر الجهات التى يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها ج ٢ ص ٥٢٧ ، ٥٩٩ بتصرف.

٥٧٨

محكم القرآن ومتشابهه

(١) [الاحكام فى اللغة]

الإحكام فى اللغة : الإتقان والمنع.

قال ابن منظور فى «لسان العرب» (١) :

أحكم الأمر : أتقنه ، وحكم الشيء وأحكمه :

منعه من الفساد. أه.

والمحكم : هو المتقن الذى لا يعتريه لبس ولا خلل.

(٢) [الاحكام فى الاصطلاح]

وقد عرّفه علماء الشريعة بتعريفات كثيرة :

فقال بعضهم : المحكم : هو الحكم الشرعى الذى لم يتطرق إليه النسخ.

وقال بعضهم : المحكم : هو ما ورد من نصوص الكتاب أو السنة دالا على معناه بوضوح لا خفاء فيه.

وقال كثير من أهل السنة : المحكم : ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل.

ونسب إلى ابن عباس فى تعريف المحكم :

أنه الذى لا يحتمل إلا وجها واحدا من التأويل.

وقيل : المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان.

ويحكى هذا القول عن الإمام أحمد رضي الله عنه.

وقيل : المحكم ما كانت دلالته راجحة ، وهو النص والظاهر.

وينسب هذا القول للفخر الرازى ، واختاره كثير من المحققين.

(٣) [التشابه فى اللغة]

والتشابه فى اللغة : التماثل المؤدّى إلى الالتباس غالبا.

والمتشابه : هو الملتبس بغيره لمشاكلته له فى بعض أوصافه.

والمتشابه من القرآن : ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ، إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى.

فقال الفقهاء : المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده.

وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب : محكم على الإطلاق ،

٥٧٩

ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه.

فالمتشابه فى الجملة ثلاثة أضرب :

متشابه من جهة اللفظ فقط ، ومتشابه من جهة المعنى فقط ، ومتشابه من جهتهما.

والمتشابه من جهة اللفظ ضربان :

أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك إما من جهة غرابته نحو «الأبّ» وهو نبات ترعاه الإبل و «يزفون» يسرعون.

وإما من جهة مشاركة فى اللفظ كاليد والعين. (فإن اليد تطلق على العضو ، وعلى القدرة ، وعلى النعمة ، والعين ، تطلق على عضو الإبصار والجاسوس ، والذهب والفضة ، وعين الماء وغير ذلك).

والثانى : يرجع إلى جملة الكلام المركب ، وذلك ثلاثة أضرب :

ضرب لاختصار الكلام نحو :

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (النساء : ٣). فإن المراد باليتامى فى الآية : اليتيمات ، فلما جاء اللفظ عاما أشكل على بعض الصحابة ارتباط الشرط بالجواب ؛ فأخبرتهم عائشة رضى الله عنها بأن المراد به ما ذكرنا.

وضرب لبسط الكلام نحو :

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١).

لأنه لو قيل ؛ ليس مثله شىء ، كان أظهر للسامع ، لكن فى هذا التعبير معنى بلاغى لا يخفى على علماء التفسير ، وهو نفى مثل المثل.

وضرب لنظم الكلام ، نحو :

(أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً) (الكهف : ١).

تقديره : الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا.

والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى ، وأوصاف يوم القيامة ؛ فإن تلك الصفات لا تتصوّر لنا ؛ إذ كان لا يحصل فى نفوسنا صورة ما لم نحسه ، أو لم يكن من جنس ما نحسه.

والتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعا خمسة أضرب :

الأول : من جهة الكمّية ، كالعموم والخصوص نحو : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ).

والثانى : من جهة الكيفية ، كالوجوب والندب ، نحو : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ).

والثالث : من جهة الزمان ، كالناسخ والمنسوخ ، نحو : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (آل عمران : ١٠٢) فإنه منسوخ على ما قيل :

٥٨٠