الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) (١٥).

فجملة (قالَ يا آدَمُ) بيان وتفسير لجملة (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) لذلك فصلت الثانية عن الأولى لأن بينهما كمال الاتصال ، حيث كانت الثانية بيانا وتفسيرا للأولى.

وغير ذلك كثير فى كتاب الله العزيز.

* شبه كمال الاتصال : ويسمى :

الاستئناف البيانى وضابطه أن تنزّل الجملة الثانية منزلة جواب عن سؤال تضمنته الجملة الأولى. ومن أمثلته المستفيضة فى القرآن الكريم قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه‌السلام.

(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ..) (١٦).

فالجملة الأولى تضمنت سؤالا حاصله :

ولما ذا لا تبرئ نفسك؟ فكان الجواب :

(إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) ففصلت هذه الجملة عن الجملة الأولى ؛ لأن الثانية نزّلت منزلة جواب عن سؤال تضمنته الجملة الأولى ، فبين الجملتين شبه كمال الاتصال ، أو الاستئناف البيانى كما عرفت.

ومنه فى القرآن الكريم قوله تعالى :

(قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) يحكى الله فى هذه الآية ما دار بين إبراهيم عليه‌السلام والملائكة حين دخلوا عليه.

وجملة (قالَ سَلامٌ) فصلت عما قبلها لأنها بمثابة جواب عن سؤال تضمنته الجملة الأولى :

ما ذا قال إبراهيم فى رده على الملائكة؟

فكان الجواب : (قالَ سَلامٌ) فبين الجملتين شبه كمال الاتصال أو الاستئناف البيانى ـ لذلك فصلت الثانية عن الأولى. ويرى الإمام عبد القاهر الجرجانى أن كل جملة مفصولة بعد جملة «قال» فى القرآن هى جواب عن سؤال مقدر تضمنته الأولى (١٧) ، وإذا صح هذا فإن الاستئناف البيانى فى القرآن أكثر صور الفصل فى القرآن الكريم.

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى

المصادر والمراجع :

__________________

(١) اللسان والمعاجم اللغوية ، مادة : فصل.

(٢) الإيضاح (١٤٨).

(٣) دلائل الإعجاز (٢٢٢ ـ ٢٤٤).

(٤) مفتاح العلوم (١٢٠).

(٥) الإيضاح (١٤٧).

(٦) شروح التلخيص (٣ / ٢) المطول (٢٤٧) الأطول (٢ / ٢).

(٧) البيت للأخطل ، انظر الإيضاح (١٥٠) المصباح (٣١).

(٨) الكوثر (٢ ـ ٣).

(٩) سبأ (٣).

(١٠) الشعراء (١٣٢ ـ ١٣٤).

(١١) يس (٢٠ ـ ٢١).

(١٢) المؤمنون (٨٠ ، ٨١ ، ٨٢).

(١٣) لقمان (٧).

(١٤) الحجر (٦٦).

(١٥) طه (١٢٠).

(١٦) يوسف (٢٣).

(١٧) دلائل الإعجاز (٢٣٨).

٥٠١

الوصل

الوصل فى اللغة : الجمع والضم ، ضد التفريق والقطع (١) أما فى اصطلاح البلاغيين فهو عطف جملة ، لا محل لها من الإعراب ، على أخرى لا محل لها من الإعراب بالواو خاصة بشرط مخصوص (٢).

وقد تقدمت الإشارة إليه فى مبحث الفصل قريبا ، والذى يقتضى هذا النوع من العطف مناسبة حاصلة فى الجملتين :

المعطوف عليها والمعطوفة ، وقد عبّر عن هذه المناسبة البلاغيون ، وأسموها :

ـ التوسط بين الكمالين : والمراد من الكمالين :

* كمال الانقطاع.

* كمال الاتصال.

اللذان مرّ الحديث عنهما فى مبحث الفصل بين الجمل من قبل.

ويتحقق هذا التوسط بين الجملتين إذا اتفقت الجملتان فى الخبرية والإنشائية ، بأن تكونا خبريتين معا ، أو إنشائيتين.

والجملتان الإنشائيتان لا تكونان إلا جملتين فعليتين أما الجملتان الخبريتان فتكونان اسميتين ، وتكونان فعليتين إذا كان الفعل فيهما ماضيا ، أو مضارعا غير منهى عنه ب «لا» الناهية.

وهذا الوصل بين الجمل بضوابطه المشار إليها كثير جدا فى القرآن الكريم ، لا تكاد تخلو منه سورة من سوره حتى قصار السور (٣). ومن أمثلته فى القرآن الكريم قوله تعالى :

(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (٤) وصلت جملة (إِنَّ الْفُجَّارَ) بجملة (إِنَّ الْأَبْرارَ) بالواو ؛ لأن بين الجملتين التوسط بين الكمالين لأن كلا منهما خبرية لفظا ومعنى.

وقد حسّن هذا الوصل التقابل بين الأبرار والفجار والنعيم والجحيم ، ولام التوكيد الداخل على جملة الخبر (لَفِي) ـ لفي والجملتان هنا اسميتان ونظيرهما قوله تعالى :

٥٠٢

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٥).

عطفت جملة (كُونُوا) على جملة (اتَّقُوا اللهَ) لاتفاق الجملتين فى الإنشائية لفظا ومعنى ، فبين الجملتين التوسط بين الكمالين ؛ لأن كلا منهما فعل أمر. (٦).

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى

المصادر والمراجع :

__________________

(١) اللسان والمعاجم اللغوية ، مادة : وصل.

(٢) انظر هوامش مبحث الفصل.

(٣) قصار السور مثل سور جزء (عم) سميت كذلك لكثرة الفصل بينها ب «بسم الله الرحمن الرحيم».

(٤) الانفطار (١٢ ـ ١٣).

(٥) التوبة (١١٩).

(٦) ينظر الإيضاح وشروح التلخيص والمطول : مبحث الفصل والوصل.

٥٠٣

الإخراج على خلاف الظّاهر

الإخراج فى اللغة هو الإظهار (١).

أما فى اصطلاح البلاغيين فهو فن قولى دقيق المسلك رفيع القدر ، يدور معناه حول إفساح الطريق أمام البليغ ليورد كلامه على حسب تقديره الخاص ، مخترقا به المعايير النمطية التى يتحتم إيراد الكلام على هداها ويلتزم بها المتكلمون ، لأنها أشبه ما تكون باللوغارتمات الصارمة.

وهذا المصطلح «الإخراج على خلاف الظاهر» يحتاج فى فهمه إلى تمهيد ، ومقدمة خلاصتها أن البلاغيين يشترطون فى بلاغة الكلام أن يكون مطابقا لمقتضى الحال ، والحال عندهم هى الأمر أو المناسبة التى تدعو المتكلم إلى الكلام. وهذه المناسبات مختلفة فقد تكون تهنئة أو مواساة ، أو إصلاحا بين الخصوم أو ترغيبا فى أمور ، أو تحذيرا من أمور. وكل مناسبة منها لها خصوصية أو كلام مخصوص. فإذا وفّق الإنسان لإلقاء الكلام مناسبا للحال التى دعته إلى الكلام كان بليغا ، وكان كلامه بلاغة.

والمناسبات التى يتحدث الناس فيها لا تكاد تحصر فى عدد محدد ، لكن البلاغيين وضحوا هذه الفكرة ، وهى مطابقة الكلام لمقتضى الحال من خلال ثلاث مناسبات ضبطوها ضبطا حكيما. وهى بالنسبة للأفكار التى يحملها كلام البليغ أو المعانى التى يريد إذاعتها بين الجمهور. فقد قسموا أحوال المخاطبين أمام الأفكار التى يحملها الكلام ثلاثة أقسام :

١ ـ أن يكون السامع أو المخاطب خالى الذهن من تلك الأفكار وليس له موقف سابق منها بالإثبات والقبول أو النفى والرفض.

٢ ـ أن يكون المخاطب أو السامع ، أو حتى القارئ مترددا بين قبول الفكرة أو رفضها ، لعدم ترجيح طرف على آخر من طرفيها.

٣ ـ أن يكون المخاطب رافضا للأفكار التى يحملها الكلام.

هذه هى المستويات الثلاثة ، التى استعان البلاغيون بها على تحديد الكلام الذى يعد بلاغة. وسموا هذه المستويات أحوالا للمخاطبين ، ثم نصوا على ما يناسب كل حال منها من الكلام البليغ.

٥٠٤

* فالمناسبة الأولى (خلو الذهن) قالوا إن الكلام المناسب لها أن يكون خاليا من أساليب التوكيد ، مثل :

إن ـ أن ـ القسم ـ التكرار ـ نونا التوكيد الخفيفة والثقيلة ـ لام التوكيد.

ومثال مطابقة الكلام لظاهر مقتضى الحال فى هذه الحالة من القرآن الكريم قوله تعالى :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) لم يأت هذا الخبر دفعا لتردد فى استحقاق الله للحمد ، ولا لدفع إنكار من منكر. أما من غير القرآن فقد مثلوا لها بقولهم : «عبد الله قائم».

* أما المناسبة الثانية (التردد) فالكلام المناسب لها هو التوكيد بمؤكد واحد.

ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى.

(إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (٣).

حيث اشتمل الكلام على مؤكد واحد هو (إِنَ) أما من غير القرآن فقد مثلوا له بقولهم : «إن عبد الله قائم».

* أما المناسبة الثالثة (الإنكار) فالكلام المناسب لها أن يؤكد الخبر الدافع لهذا الإنكار بمؤكدين فأكثر ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى :

(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) (٤).

أكد الخبر هنا بثلاثة مؤكدات هى : أن ـ لام التوكيد ـ اسمية الجملة لأن المخاطب ؛ كافر. والكافر لا يؤمن بالآخرة. ومثاله من غير القرآن الكريم قولهم : «إن عبد الله لقائم ، وفيه ثلاثة ، مؤكدات ، مثل ما فى الآية ، وهى :

* إن.

* لام التوكيد

* اسمية الجملة.

وقال البلاغيون فى اختلاف نظم التراكيب الثلاثة ، مع أن المعنى ـ فى الظاهر ـ واحد :

إن التركيب الأول إخبار بقيام عبد الله.

والتركيب الثانى إزالة للتردد فى قيامه والثالث إزالة لإنكار منكر قيامه.

والكلام فى التركيب الأول سموه الخبر الابتدائى ، وفى التركيب الثانى سموه الخبر الطلبى ، وفى الثالث الخبر الإنكارى وسموها جميعا ـ أضرب الخبر (٥).

فإذا خرج المتكلم عن هذه الحدود المرسومة ، كأن يؤكد الخبر لخالى الذهن ، ويترك التوكيد مع المنكر ـ لا يسمى الكلام بليغا ، ولا المتكلم ؛ لأنه أخرج كلامه على خلاف ظاهر مقتضى الحال.

أما فى القرآن الكريم فنرى فى مواطن كثيرة إخراج الكلام على مقتضى الحال ، وفى مواطن أخرى يأتى الكلام مخرجا على خلاف

٥٠٥

ما يقتضيه ظاهر الحال. ويكون الكلام فى ذروة البلاغة والبيان الرفيع ، لأن ذلك الإخراج يجيء فى القرآن لاعتبارات بلاغية خفية تراعى فى البيان القرآنى المعجز (٦).

ومن أمثلة الإخراج على خلاف ظاهر مقتضى الحال فى القرآن الكريم قوله تعالى :

(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (٧) فى الآية الكريمة الأولى أكد «الموت» بثلاثة مؤكدات هى :

اسمية الجملة. إن ، لام التوكيد. مع أن الموت لا ينكره أحد قط ؛ لأنه حقيقة يؤمن بها كل الناس. فمقتضى ظاهر الحال هنا أن لا يكون فى الكلام توكيد ، لكن هذا الظاهر خولف لاعتبار بلاغى عظيم.

ذلك أن المخاطبين لما كانوا مفتونين بالدنيا ، شديدى الحرص على السعى من أجل الحصول عليها ، والتمتع بها وإهمالهم العمل للآخرة ، شبّهوا بمن لا يؤمن بالموت فخوطبوا خطاب المنكر الشديد الإنكار لنزول الموت به.

وهذا اعتبار بلاغى تربوى كما ترى وكذلك قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) فيه إخراج للكلام على خلاف مقتضى الظاهر ، فالبعث أنكره كثير من الناس فى حياة كل الرسل ، وحكى القرآن الكريم نفسه ما قاله منكرو البعث من مشركى العرب. ومع ذلك ترى القرآن ـ هنا ـ لا يؤكد مجىء البعث إلا بمؤكد واحد ، وكان الظاهر يقتضى أن يؤكد بثلاثة مؤكدات أو أكثر. فلما ذا خولف الظاهر هنا يا ترى؟

الداعى البلاغى لهذه المخالفة ، هو إظهار التعريض بغفلة المخاطبين المنكرين للبعث.

والإيحاء بأن البعث جدير به أن لا ينكره منكر ، لقوة الأدلة عليه ، لأن منكرى البعث بنوا إنكارهم على أساس استحالة إحياء الأنفس بعد موتها وصيرورة الأجساد ترابا ، وهذه شبهة واهية لأن الله خلق الناس من العدم ، فكيف يستحيل عليه أن يعيد حياتهم ، وقد خلقهم من قبل ولم يكونوا شيئا.

هذا هو الاعتبار أو الداعى البلاغى فى مخالفة الظاهر فى الآيتين معا ، وهى اعتبارات بليغة أسمى ما تكون البلاغة. وهذا هو الشأن فى كل صور الإخراج على خلاف ظاهر الحال فى القرآن الكريم.

على أننا نجد دواعى أخرى فى القرآن الكريم للإخراج على خلاف الظاهر ، نكتفى بمثال واحد منه توخيا للإيجاز. المثال هو قوله تعالى :

(قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (٨)

هذا كلام الملائكة لله عزوجل ، حين طلب

٥٠٦

منهم أن ينبؤا الله ـ وهو أعلم ـ بأسماء الأشياء التى علم الله أسماءهم لآدم.

المتكلم فى هذه الآية هم الملائكة.

والمخاطب هو الله عزوجل.

والملائكة ، لا ينكرون أن الله هو العليم الحكيم. والله ـ وهو المخاطب ـ لا ينكر أنه هو العليم الحكيم. فكان مقتضى ظاهر الحال أن يقولوا : أنت العليم الحكيم بدون أية مؤكدات. لأن التوكيدات لا تكون إلا مع المنكر. ومع هذا نرى خطاب الملائكة ، لله جاءت فيه أربع مؤكدات ، هى :

إنّ ـ أنت ـ اسمية الجملة ـ تعريف المسند إليه والمسند (المبتدأ والخبر).

فالمسند إليه هو «الكاف» فى (إِنَّكَ) والمسند هو (الْعَلِيمُ).

فلما ذا ـ إذا ـ خولف مقتضى ظاهر الحال ـ هنا ـ هذه المخالفة القوية الظاهرة؟.

إن الداعى والسر البلاغى فى هذه المخالفة هو : «أن مضمون الخبر فى هذا التركيب حقيقة عظيمة ، ومن حق الحقائق العظيمة أن يعبر عنها فى البيان العظيم بأسلوب فخم عظيم مثلها» وهذا المنهج خاص ببيان القرآن الكريم ، ليس له نظير فى بلاغة البلغاء من البشر ، وله فى القرآن الكريم مواطن أخرى فى آيات الله المعجزة.

فالتوكيد فى الآية لم يكن مراعا فيه حال المتكلم ، ولا حال المخاطب. بل الذى روعى فيه حال المعنى وحده. وللإخراج على خلاف الظاهر فى القرآن الكريم صور أخرى هى :

الالتفات ـ ووضع المظهر موضع المضمر ، ووضع المضارع موضع الماضى ، ووضع الماضى موضع المضارع ، ثم القلب. والمقام ـ هنا ـ لا يتسع للحديث عنها.

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى

المصادر والمراجع :

__________________

(١) اللسان والمعاجم اللغوية ، مادة : خرج.

(٢) فاتحة الكتاب (١).

(٣) الإسراء (٨١).

(٤) الصافات (٣٨).

(٥) بغية الإيضاح (٢٩).

(٦) وفى كلام البلغاء شعرا ونثرا أمثلة على هذا الإخراج المخالف للظاهر انظر شروح التلخيص (مبحث الخبر).

(٧) المؤمنون (١٤ ـ ١٥).

(٨) البقرة (٣٢).

للاستزادة ينظر مبحث الخبر فى :

ـ الإيضاح للخطيب القزوينى.

ـ المطول لسعد الدين التفتازانى.

ـ الأطول لعصام الدين.

٥٠٧

الالتفات

الالتفات لغة التحول والانصراف من جهة إلى أخرى يقال التفت عن الشيء : تحول وانصرف عنه ، والتفت إليه إذا أدار وجهه نحوه (١).

فأصل الالتفات يكون فى الأفعال بإدارة الوجه وحده أو هو والعنق. أما فى اصطلاح علماء البلاغة فالالتفات مقصور على الأقوال دون الأفعال. وله ست صور :

* الالتفات فى التعبير من الغائب إلى المخاطب؟

* الالتفات فى التعبير من الغائب إلى المتكلم؟

* الالتفات فى التعبير من المتكلم إلى المخاطب؟

* الالتفات فى التعبير من المتكلم إلى الغائب؟

* الالتفات فى التعبير من الخطاب إلى التكلم؟

* الالتفات فى التعبير من الخطاب إلى الغيبة؟

وقد أورد البلاغيون تعريفات كثيرة للالتفات أكثرها غير واف بالمراد ، بدأ من تعريف ابن المعتز للالتفات (٢) إلى تعريف ابن الأثير له (٣).

ولم يوضع له تعريف فى دقيق إلا على يد الخطيب القزوينى ، والذى تابعه عليه شراح تلخيصه وجمهور البلاغيين (٤).

والتعريف الذى كتبه الخطيب وتابعه عليه الجمهور هو : «الالتفات : التعبير عن معنى الطرق الثلاثة التكلم والخطاب والغيبة ، بعد التعبير عنه بواحد منها» ومعنى هذا التعريف يؤول إلى الصور الست التى تقدمت.

وقد ورد فى القرآن الكريم الالتفات فى صوره المشار إليها من قبل.

فالالتفات من الغيبة إلى الخطاب ورد فى مواضع كثيرة منها قوله تعالى :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٣) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٤) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فقد بدأ الحديث بطريق الغيبة فى الآيات الثلاث الأولى ثم عدل عن الغيبة إلى الخطاب فى أربعة مواضع فى الآيات الرابعة والخامسة ، والسادسة فى الجمل الآتية :

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أَنْعَمْتَ)

٥٠٨

ومثال الانتقال من الخطاب للغيبة قوله تعالى :

(حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ..) (٥).

وللالتفات وظيفة بيانية عامة ووظيفة خاصة. فالعامة هى تلوين الخطاب ، وفائدته تنشيط ذهن السامع ، ودفع الملل عنه ، لأن فى انتقال الحديث من أسلوب إلى أسلوب تجديدا لحركة الذهن ، وترويحا على المشاعر. وهذا عام فى كل صور الالتفات.

وفى ذلك يقول الإمام الزمخشرى :

«وتلك على عادة افتنانهم ـ أى العرب ـ فى الكلام ، وتصرفهم فيه ؛ ولأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب ، كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع ، وإيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد ، وقد تختص مواقعه بفوائد» (٦).

وقد أشار بقوله : «وقد تختص مواقعه بفوائد» إلى ما تختص به كل صورة من صور الالتفات فوق تطرية الكلام وتلوين الخطاب.

وتطبيق هذه الملامح البيانية التى تشع من كل صورة من صور الالتفات على ما تقدم من سورتى «أم الكتاب» و «يونس» يرينا ما لهذا الفن البلاغى فى القرآن من دور عظيم الشأن فى التأثير على النفوس.

فالانتقال من الغيبة إلى الخطاب فى آيات «الفاتحة» كان عقب ثناء العبد على الله بطريق الغيبة. فهو وحده المستحق للحمد كله.

وهو وحده الرحمن الحق ، والرحيم الحق وهو وحده مالك شئون يوم الدين.

وبعد استحضار هذه الكمالات فى المشاعر ، يقترب العبد من حضرة ربه ، ويقف بين يديه فيخاطب ربه مخاطبة الحاضر ؛ لا مخاطبة الغائب.

أما فى آية «يونس» فإن قوله تعالى :

(حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) أى استقررتم وركبتم فيها. والفلك تركب لتجرى بمن فيها ، فإذا جرت وأسرعت براكبيها فقد غابوا وهى تمخر بهم عباب الماء. فالتفت القرآن من توجيه الخطاب إليهم إلى الحديث عنهم بطريق الغيبة إشارة إلى نعمة جرى السفن بهم.

ومثال الانتقال من الغيبة إلى التكلم قوله تعالى :

(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ ..) (٧).

فقد جرى الحديث أولا عن الغائب ، ثم التفت من الغيبة إلى التكلم فقال (فَسُقْناهُ).

والداعى البلاغى لهذا الالتفات هو التلويح

٥٠٩

منه تعالى بعظم النعمة ، وكمال التدبير ، لأن سير السحب فى اتجاهات ملحوظة فى الجو محض تدبير من الله عزوجل بما يصلح أحوال العباد ، فهو يصرف السحب عمن ليسوا فى حاجة إلى الماء ، إلى قوم يعلم الله شدة حاجتهم إلى الماء ، فيأمر السحب بالسير نحوهم.

ومثال الانتقال من التكلم إلى الغيبة قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وكان الأصل أن يقال : فصل لنا ، بضمير المتكلم لا الاسم الظاهر (رب) ـ لأنه من قبيل الغائب.

والداعى البلاغى هو إظهار الامتنان على المخاطب ؛ وسرعة امتثال الأمر ؛ لأن الصلاة المأمور بها هى (لربك) ومن خصائص (رب) الإنعام والرعاية ، وفى قوله عزوجل :

(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) التفات من التكلم إلى الخطاب ، حيث أوقع الفعل «فطر» على ضمير المتكلم ، ثم التفت منه إلى الخطاب فى (تُرْجَعُونَ) والداعى البلاغى هو التصريح بتعميم الحكم (الرجوع إلى الله) على جميع الذين فطرهم الله ، لئلا يتوهم المخاطبون أنه خاص بالمتكلم.

ويجوز أن يكون فى هذه الآية إيجازا بالحذف المسمى «الاحتباك» حيث حذف من الأول (فطرنى) ما دلّ عليه الثانى (ترجعون) ومن الثانى (ترجعون) ما دل عليه الأول (فطرنى) والتقدير وما لى لا أعبد الذى فطرنى وفطركم ، وإليه ترجعون وأرجع.

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى

الهوامش :

__________________

(١) لسان العرب والمعاجم اللغوية ، مادة لفت.

(٢) البديع (٥٨).

(٣) المثل السائر (٢ / ٤) والجامع الكبير (٩٨).

(٤) شرح التلخيص للشيخ أكمل الدين البابرتى (٢٥٧) طرابلس شرح وتحقيق محمد مصطفى رمضان ط أولى عام ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م.

(٥) يونس (٢٢).

(٦) الكشاف (١ / ١٢).

(٧) فاطر (٩).

٥١٠

القصر

القصر فى اللغة الحبس والتضييق والمنع ، ومعناه قريب من معنى الحصر (١).

أما فى اصطلاح البلاغيين فيدور معناه حول معنى التخصيص أى تخصيص أمر بأمر آخر ، بمعنى منع الشركة فيه ، فهو لمن خصصته به ، كما لو قائل قال :

هذا الكتاب لخالد ، فقد قصر ملكية الكتاب على خالد دون أن يشركه أحد فيه.

هذا هو المعنى العام للقصر فى اللغة ، أما المعنى فى البلاغة فهو :

«تخصيص شىء بشيء بطريق مخصوص» (٢) هذا تعريف الإمام جلال الدين السيوطى. أما الخطيب القزوينى فقد عرفه بقوله :

«تخصيص أحد الأمرين بالآخر وحصره فيه» (٣) وهو قريب من تعريف السيوطى ، بيد أنه لم يذكر الطريق أو الأداة التى تستخدم فى القصر ، وقد تداول البلاغيون هذين التعريفين مع ميلهم إلى التعريف الأول.

وهذا مثال يوضح مرادهم من التعريف :

«ما نجا إلا الصالحون» هذا المثال من صور القصر ، لأنه خص أمرا هو «النجاة» بأمر هو «الصالحون» أما الطريق المخصوص ، الذى به تحقق القصر فهو «النفى والاستثناء» أى ما وإلا.

ومن هذا التحليل يتبيّن أن أسلوب القصر يتكوّن من ثلاثة أركان :

الأول : هو الأمر المقصور ، وهو فى هذا المثال «النجاة».

الثانى : هو المقصور عليه ، وهو فى هذا المثال «الصالحون».

الثالث : طريق القصر أو أداته ، وهو ـ هنا ـ النفى والاستثناء ، سواء كان بما وإلا ، أو بغيرهما.

وهناك أمثلة من القرآن الكريم موزعة على أدوات القصر :

* النفى والاستثناء ، ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى :

(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ..) (٤). هذا قصر موصوف (محمد) على صفة (رسول) أما أداة القصر فهى (ما ، وإلا) : أى النفى والاستثناء فقد خصصت

٥١١

الآية محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه رسول ، كما كان من معانى هذا القصر نفى أن يكون لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم صفة أخرى تخرجه عن بشريته ، وعن منع إجراء أحكام البشرية عليه ، ومنها الموت ، الذى استعظم أصحابه نزوله به عن طريق القتل وغيره.

* إنما : ومن أدوات القصر «إنما» ومن أمثلتها فى القرآن الكريم قوله تعالى :

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ..) (٥).

المقصور هو التحريم ، والمقصور عليه هو الميتة وما عطف عليه.

وأداة القصر هى «إنما» وهو قصر صفة (التحريم) على موصوف (الميتة وما عطف عليه. وأداة القصر هى «إنما» والمعنى :

ما حرّم عليكم إلا كذا والمقصور فى طريق «إنما» هو ما يأتى بعدها مباشرة أما المقصور عليه فهو ما يأتى ثانيا بعد المقصور وأما المقصور فى طريق النفى والاستثناء فهو ما يقع قبل أداة الاستثناء. والمقصور عليه هو ما يقع بعد أداة الاستثناء.

* تقديم ما حقه التأخير هذا طريق ثالث من طرق القصر ، وهو تقديم ما حقه التأخير ، كتقديم الخبر على المبتدأ ، وتقديم الحال على صاحبها ، وتقديم المفعول على الفعل.

ومن تقديم ما حقه التأخير فى القرآن الكريم قوله تعالى :

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فقد قدّم (إِيَّاكَ) فى الموضعين على الفعل (نَعْبُدُ) ، (نَسْتَعِينُ) لإرادة القصر والتخصيص ، والمعنى.

نخصك بالعبادة ، ونخصك بالاستعانة ، ولو لا إرادة القصر لقيل : نعبدك ونستعينك.

لأن هاتين العبارتين لا تمنعان التشريك فى العبادة والاستعانة.

والآية اشتملت على صورتى قصر ، وفى كل منهما قصر صفة على موصوف : أى قصر العبادة والاستعانة وهما صفتان ، على موصوف ، وهو الله عزوجل ، المكنى عنه ب «الكاف» فى (إِيَّاكَ).

* تعريف جزئى الجملة الاسمية : ومن طرق القصر تعريف جزئى الجملة الاسمية (المسند إليه والمسند) ومن أمثلته فى القرآن الكريم قوله تعالى.

(فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) (٦) المسند إليه «الله» والمسند (الْوَلِيُ) أى لا ولى إلا الله ، قصر صفة على موصوف على سبيل التحقيق.

وأداة القصر هى تعريف كل من المسند إليه (فَاللهُ) والمسند (الْوَلِيُ) وقد زاد القصر هنا قوة ضمير الفصل (هُوَ).

* العطف بلا وبل ولكن ، ومن طرق القصر العطف بلا وبل ولكن. ومن أمثلته فى

٥١٢

القرآن الكريم قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) (٧).

المقصور فى الآية هو (من يقتل في سبيل الله) والمقصور عليه هو (أَحْياءٌ) وأداة القصر هى (بَلْ) قصر موصوف على صفة.

ويشترط فى إفادة (بَلْ) القصر أن يتقدم عليها نفى أو نهى. وفى هذه الآية تقدم عليها النهى : (وَلا تَقُولُوا).

ومثل «لكن» قوله تعالى :

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) (٨) فالمقصور محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمقصور عليه الرسالة ، وأداة القصر (لكِنْ) ويشترط فيها ما اشترط فى (بَلْ) من تقديم النفى أو النهى عليها.

وقد تقدم عليها فى هذه الآية النفى بما.

وللقصر أنواع ثلاثة ، باعتبار حال المخاطب ، فقوله تعالى (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٩).

يصلح أن يكون قصر قلب ، أو قصر إفراد ، أو قصر تعيين.

* فإن كان المخاطب يعتقد أن محمدا ملك لا بشر كان القصر قصر قلب ، أى قلب اعتقاد المخاطب إلى العكس.

وإن اعتقد أنه ملك وبشر ، كان قصر إفراد.

* وإن كان مترددا هل هو ملك أو بشر كان قصر تعيين. وللقصر باعتبار الواقع نوعان :

* قصر حقيقى مطابق معناه للواقع ، ومثاله من القرآن : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لأن هذا القول مطابق للواقع تماما.

* قصر ادعائى أو تنزيلى فإن كان القصر قصر صفة على موصوف فإنك تذهب إلى عدم الاعتداد بكل ما له من صفات سوى الصفة التى قصرته عليها. ومثاله ما تقدم (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ).

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى

المصادر والمراجع :

__________________

(١) اللسان والمعاجم اللغوية مادة : قصر.

(٢) شروح التلخيص (٢ / مبحث القصر) ومعترك الأقران للسيوطى (٢ / ٢).

(٣) شرح التلخيص (٣٢١) عمل محمد مصطفى رمضان.

(٤) آل عمران (١٤٤).

(٥) المائدة (١١٥).

(٦) الشورى (٩).

(٧) البقرة (١٥٤).

(٨) الأحزاب (٤٠).

(٩) فصلت (٦).

وللاستزادة : انظر مباحث القصر فى :

* دلائل الإعجاز* المطول* الإيضاح

٥١٣

المجاز العقلى

المجاز فى اللغة مأخوذ من جاز المكان يجوزه ، إذا انتقل من مكان إلى مكان ، ويقال جاز الطريق يعنى سار فيه (١). وتعريفه فى اصطلاح البلاغيين امتداد لمعناه اللغوى إلا إنه أخص ، لأن المعنى اللغوى يشمل كل انتقال ، على أن الأصل فى اللغة يدور حول انتقال الأجسام ، أما فى البلاغة فهو مقصور على نقل الألفاظ من معنى إلى معنى آخر.

وفى هذا المعنى يقول الإمام عبد القاهر الجرجانى «المجاز مفعل من جاز الشيء يجوزه إذا تعداه وإذا عدل باللفظ عما يوجبه أصل اللغة وضعا على أنه مجاز ، على معنى أنهم جازوا به موضعه الأصلى أو جاز هو مكانه الذى وضع فيه أولا» (٢).

وقد تطور هذا التعريف بعد الإمام عبد القاهر فى مباحث الحقيقة والمجاز فى البحث البلاغى ، وقد قسموا المجاز قسمين :

* المجاز اللغوى وعرفوه بأنه : استعمال اللفظ فى غير ما وضع له لعلاقة بين المعنى الوضعى للفظ ، والمعنى المجازى.

* المجاز العقلى ، وفرقوا بين المجاز اللغوى والمجاز العقلى بأنه فى المجاز اللغوى يتم التصرف فى معانى اللغة كما فى مبحث الاستعارة فاستعارة كلمة أسد للرجل المقدام تم التصرف بإحلال معنى الأسد بالرجل الشجاع ، أما المجاز العقلى فتكون معانى الألفاظ فيه مرادا منها المعانى الوضعية دون إدخال أى تغيير عليها ، أما تسميته مجازا فله اعتبار آخر ، هذا الاعتبار يظهر من تعريف المجاز العقلى كما ذكره الخطيب وتابعه عليه جمهور البلاغيين ، وهو : «إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأول» (٣) ويسمى المجاز الحكمى أو المجاز الإسنادى ، لأنه مجاز مركب لا يقع إلا فى الجمل.

يعنى أن المجاز العقلى يكون بإسناد الفعل ، أو ما فيه معنى الفعل كاسمى الفاعل والمفعول إلى غير فاعله فى حكم العقل والواقع.

والفاعل المجازى في المجاز العقلى يشترط فى صحة إسناد الفعل أو ما فى معنى الفعل ، إليه أن تكون له صلة بالفعل ، فإن لم تكن له بالفعل صلة فلا يجوز إسناد الفعل إليه ، ولا إسناد ما فيه معنى الفعل. وهذه الصلة هى التى أشار إليها الإمام الزمخشرى بالملابسة وأخذها عنه الخطيب ، وجميع البلاغيين من بعده (٤) والذى يلابس الفاعل ويكون له بالفعل علاقة هو الآتى ، مع التمثيل له من القرآن الكريم.

٥١٤

* المكانية من صور المجاز العقلى إسناد الفعل أو ما فى معناه إلى المكان الذى حدث فيه الفعل ، ومثاله من القرآن الكريم قوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها ... يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) (٥)

هذان مجازان عقليان أحدهما فى إسناد الإخراج إلى الأرض ، والفاعل الحقيقى هو الله. أما الأرض فهى مكان الفعل وليست فاعله ، والذى سوّغ أن تكون الأرض فاعلا للإخراج أنها مكان الفعل. فالملابسة والعلاقة هى المكانية.

وكذلك إسناد التحديث إلى ضمير الأرض ، مجاز عقلى علاقته المكانية ، أما الفاعل الحقيقى فهو الله عزوجل ومثلهما قوله تعالى :

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً ...) (٦) فقد أوقع اسم الفاعل (آمِناً) وهو في قوة معنى الفعل ، على ضمير (بَلَداً) على سبيل المجاز العقلى والبلد مكان.

فالملابسة أو العلاقة فيه هى المكانية وفاعل الأمن الحقيقى هم أهل البلد «مكة» لا البلد.

* الزمانية : لكل فعل زمان يقع فيه ، لذلك صح أن يسند الفعل إلى زمانه على سبيل المجاز العقلى ، ومن أمثلته فى القرآن الكريم :

(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (٧) فقد أسند فيه الفعل (يَجْعَلُ) لضمير (يَوْماً) على أنه فاعل الشيب فى (الْوِلْدانَ) أى الأطفال صغار السن ، واليوم هو زمان التشييب لا فاعله ، لأن الفاعل الحقيقى هو الله عزوجل ، واليوم ظرف للتشييب.

* السببية ، وقد يكون المجاز العقلى حاصلا بإسناد الفعل إلى سببه ، وهو كثير فى القرآن الكريم ، ومنه قوله تعالى فى شأن آدم وحواء (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) (٨) فقد أسند الإخراج إلى ضمير (الشَّيْطانُ) وهو سبب الإخراج وليس فاعله. والعلاقة فيه هى السببية ، والتقدير ؛ فأخرجهما الله بسبب وسوسة الشيطان لهما ، وإغرائه إياهما على الأكل من الشجرة المحرمة عليهما.

ومثله قوله تعالى : (... وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ..) (٩) والمجاز العقلى ـ عموما ـ يفيد المبالغة فى تصوير أثر الفاعل المجازى الذي أسند إليه الفعل في صدور الأثر المراد ، بتحويله من كونه مكانا للفعل أو زمانا أو سببا إلى كونه فاعلا للفعل.

أ. د. عبد العظيم إبراهيم المطعنى

الهوامش :

__________________

(١) اللسان والمعاجم اللغوية ، مادة : جوز.

(٢) أسرار البلاغة (٣٤٢) دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان ١٣٩٨ هو ١٩٧٨ م / ت : محمد رشيد رضا.

(٣) الإيضاح. ضمن شروح التلخيص (١ / ٢٢٣).

(٤) شروح التلخيص (١ / ٢٢٥) وما بعدها.

(٥) الزلزلة (٤٠٢).

(٦) البقرة (١٢٦).

(٧) المزمل (١٧).

(٨) البقرة (٢٣٦).

(٩) الأنفال (٢).

٥١٥

التّشبيه

التشبيه فى اللغة : التمثيل ، يقال فلان شبيه بفلان ، إذا كانت فيه أوصاف (١) تشابه أوصافه. أما فى اصطلاح البلاغيين فقد عرفه الخطيب القزوينى فقال :

«التشبيه : الدلالة على مشاركة أمر لآخر فى معنى» (٢) وهذا التعريف فيه قصور ؛ لأنه لم يذكر أداة التشبيه وهو ـ مع قصوره أقرب تعريفات التشبيه إلى الكمال لأن ما قبله من التعريفات أكثر منه قصورا.

وأكمل تعريفات التشبيه ما عليه متأخرو البلاغيين حيث عرفوه بقولهم :

«التشبيه هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر ، فى معنى مشترك بينهما بأداة مذكورة أو مقدرة ، لغرض يقصده المتكلم».

وإنما كان هذا التعريف أكمل ما قيل فى تصوير التشبيه لأنه اشتمل على كل أركانه وعناصره :

فالأمر الأول هو : المشبه.

والثانى هو : المشبه به.

وفى معنى ، هو وجه الشبه.

وبأداة ، هى أداة التشبيه حرفا كانت مثل الكاف فى قولنا الشمس كالمرآة.

أو اسما فى : الشمس مثل المرآة.

أو فعلا فى : الشمس تحاكى المرآة.

أما : الغرض الذى يقصده المتكلم فهو الغرض البلاغى من كل عملية تشبيهية.

كما تضمن هذا التعريف حالتى ذكر الأداة وحذفها ، وكذلك حذف وجه الشبه وذكره ، وهما ليسا من أطراف التشبيه ، بل أمران عارضان وأركان التشبيه هى المشبه ، وهو الأمر الأول فى التعريف.

المشبه به ، وهو الأمر الثانى فى التعريف.

الوجه ، وهو الصفة المشتركة ، بين الأمرين.

الأداة ، وهى وسيلة الدلالة على المشاركة.

والمشبه والمشبه به يسميان : طرفى التشبيه.

ومجموع الأربعة ، يسمى أركان التشبيه.

وللتشبيه عند البلاغيين أربعة ألقاب ، وثلاث مراتب :

٥١٦

* فاللقب الأول : التشبيه المرسل المفصل وهو ما ذكرت فيه أركانه الأربعة : مثل : (حجة كالشمس فى الظهور) فالحجة هى المشبه ، والشمس هى المشبه به ، والكاف هى أداة التشبيه. وفى الظهور هو وجه الشبه.

وسمى مرسلا لذكر الأداة ، ومفصلا لذكر الوجه.

واللقب الثانى : التشبيه المرسل المجمل ، وهو ما ذكرت فيه الأداة وحذف الوجه ، مثل : حجة كالشمس.

وسمى مرسلا لذكر الأداة ، ومجملا لحذف وجه الشبه.

* واللقب الثالث : التشبيه المؤكد المفصل ، وهو ما حذفت فيه الأداة ، وذكر الوجه ، مثل :

حجة هى الشمس فى الظهور.

* واللقب الرابع : التشبيه المؤكد المجمل ، وهو ما حذف فيه الوجه والأداة معا. مثل :

حجة هى الشمس.

ومراتبه الثلاث من حيث الدلالة على قوة المعنى هى :

* أدنى درجاته ومراتبه : ما ذكرت فيه أركانه الأربعة كقول الشاعر :

فوجهك كالنار فى ضوئها

وقلبى كالنار فى حرها

فى البيت صورتان تشبيهيتان :

المشبه فى الأول وجه المخاطبة ، والمشبه به النار ، والكاف أداة التشبيه. وفى ضوئها وجه الشبه. والصورة الثانية مثلها ، ما عدا وجه الشبه فهو «فى حرها».

المرتبة الوسطى : هى ما ذكرت فيها الأداة مع حذف الوجه وما حذفت فيه الأداة مع ذكر الوجه. لأن هاتين الصورتين ، وهما الثانية والثالثة ، من ألقاب التشبيه ، معناهما متكافئان.

المرتبة العليا ، هى ما حذف فيها الوجه والأداة معا ، وإنما كانت هذه المرتبة عليا مراتب التشبيه لأن :

فى حذف الأداة دعوى الاتحاد بين الطرفين ، حتى لكأن المشبه صار هو المشبه به ، دون عازل بينهما.

وفى حذف الوجه دعوى مشاركة المشبه للمشبه به فى جميع ما ثبت له من صفات.

لذلك يسمى البلاغيون كل تشبيه حذف منه الوجه والأداة معا : التشبيه البليغ :

لأنه أقوى مراتبه فى الدلالة على المعنى المراد من التشبيه.

وضابط وجه الشبه عندهم أن يكون مجرورا ب «فى» أو منصوبا على التمييز.

٥١٧

مثل أن يقال : خالد كالأسد فى الشجاعة :

وخالد كالأسد شجاعة.

والتشبيه فى القرآن الكريم لم يخرج عن هذه الضوابط التى ذكرناها تمهيدا لفهم تشبيهات القرآن الكريم ومنزلتها فى البيان المعجز الرفيع.

والتشبيه فى القرآن الكريم من أساليب بلاغته العالية وهو فيه كثير الورود ، بلغت صوره ما يقارب الخمسمائة صورة ، وشملت كل أنماط التشبيه من حيث الإفراد والتركيب فى الطرفين والوجه ، ومن حيث الحسية والمعنوية فيهما ، وأدت هذه الصور خدمات بيانية وتربوية فى مجال الدعوة تحنو لها الجباه ، وكانت وجها أو وجوها من وجوه الإعجاز القرآنى المفحم للإنس والجن ، وحفلت بدقائق ولطائف وأسرار ليس لها نظير خارج دائرة البيان القرآنى.

وجمعت فى دلالاتها بين إقناع العقل ، وإمتاع العاطفة وتغذية القلوب ، وكشفت عن خبيئات المعانى ، ترغيبا وترهيبا ، تحبيبا وتنفيرا ، ومثلت الخفى فى صورة الجلى ، والغامض فى صورة المكشوف ، وخاطبت كل حواس الإدراك فى الإنسان وكل ملكات الفهم والتذوق عند العقلاء.

خذ إليك مثلا قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) (٥).

جاء التشبيه فى نهاية الآية ، وقد تقدم عليه ما ينفى عنه كل نقص ، هو قوله تعالى :

(فِي سَبِيلِهِ) دفعا للقتال الذى لم يرد به نصرة الحق ، كالقتال عصبية ، أو ظلما.

كما تقدم عليه قوله تعالى (صَفًّا) إلماحا إلى شدة التماسك بين المجاهدين فى سبيل الله ، بحيث لا يترك تماسكهم أدنى خلل يضعف قوتهم. ثم جاء التشبيه شارحا لذلك التماسك المفهوم من قوله : (صَفًّا) هكذا :

كالبنيان ووجه الشبه هو «القوة والإحكام ، وهو محذوف وقد صار التشبيه بحذف الوجه مجملا ، فأفاد عموم الاشتراك بين المشبه والمشبه به ، وهو أحد عنصرى التشبيه البليغ.

ومن سحر البيان فى هذا التشبيه إيثار أداة التشبيه كأن وقد تقدم أن ذكر الأداة يكون معه التشبيه مرسلا ، والإرسال أدنى دلالة من التوكيد الذى يترتب على حذف الأداة ، لكن الأداة كأن دفعت هذا الاحتمال لأن «كأن» مركبة من عنصرين كما ترى :

الكاف ، ثم أن. وهى من أدوات التوكيد ، لأنها من أخوات «إن»

هذا التركيب يوحى بأن «الكاف هى أداة التشبيه ، أما «أن» فهى أداة توكيد قائمة برأسها. فيكون التشبيه فى الآية مؤكدا ،

٥١٨

فيزول عن هذه الصورة التشبيهية وصف الإرسال.

وحتى لو لم تكن «كأن» مركبة. فهى عند فريق من العلماء تستعمل فى التشبيه المؤكد ، فيكون مرسلا من جهة ، ذكر الأداة لفظا ، ومؤكدا من جهة معنى «كأن».

والمشبه به (بُنْيانٌ) جىء به منكرا بقصد التعظيم أى بنيان عظيم فى قوة تماسكه.

أما قوله (مَرْصُوصٌ) فقد كمل به الحسن من كل وجه ، لأن البنيان قد يكون على هيئة لا تماسك فيها. فجاء «مرصوص» بمثابة احتراس لدفع كل عوامل الوهن عن المشبه به.

أما من حيث تحليل عناصر هذا التشبيه فإن الملاحظ فيه :

أن المشبه مفرد حسى وإن كان جمعا : لأن المثنى والجمع فى هذا المبحث من قبيل الإفراد ، وهو الذين يقاتلون فى سبيل الله صفا.

والمشبه به مفرد حسى كذلك ، وهو البنيان المرصوص والوجه مفرد حسى ، وهو : قوة التماسك الملحوظة فى المشبه والمشبه به معا.

أما الغرض من التشبيه فهو الترغيب.

ومثال آخر ، هو قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً) (٦)

التشبيه هو قوله تعالى : (وَسِراجاً مُنِيراً) والخطاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. المشبه فيه هو النبى عليه‌السلام.

والمشبه به هو السراج ، وأداة التشبيه محذوفة والوجه محذوف كذلك. وليس هو (مُنِيراً) لأنه وصف للمشبه به ، لا منصوب على التمييز ، حتى يصلح أن يكون وجها للتشبيه.

وإنما الوجه هو : فى الهداية «لأن الهداية متحققة فى الطرفين المشبه (محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم) والمشبه به (السراج المنير).

والمشبه والمشبه به مفردان حسيان ، والوجه (الهداية) مفرد عقلى معنوى. والغرض الثناء وفى هذا التشبيه لطيفة من لطائف البيان العالى والبلاغة الآسرة والإعجاز الحكيم.

ذلك أن المشبه به هو السراج ، والسراج مصدر ضوئى ذاتى ، كالشمس ، وليس مصدر إنارة مستمدة من غير السراج. فكان الظاهر أن يقال : وسراجا مضيئا. كما قال :

(الشَّمْسَ ضِياءً) أى جعلناها مضيئة لا منيرة ، لأن الضوء ما صدر عن مصدره صدورا مباشرا. أما النور والإنارة فمصدره

٥١٩

عاكس لضوء غيره. لذلك وصف القمر فى القرآن بأنه نور ، ومنير ، لأنه يعكس ضوء الشمس ، وليس له إشعاع ذاتى.

إذن ، لما ذا وصف القرآن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد تشبيهه بالسراج بأنه (مُنِيراً) والسراج له ضوء لا نور؟

إن إيثار (مُنِيراً) على «مضيئا» قبس من ضوء الإعجاز البلاغى فى القرآن الكريم ؛ لأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يخترع الهدى الذى جاء به من عند نفسه وإنما تلقاه عن الله عزوجل ، فهو عاكس لهذا الضوء الإلهى ولو قيل «مضيئا» لوقع فى بعض الأفهام أنه مجرد عبقرى من عباقرة البشر ، وليس له صلة بالله. وهذا ما يردده بعض المستشرقين الآن ، لكن لما قال (مُنِيراً) أحكم غلق كل النوافذ أمام الأوهام المريضة ، عن طريق استخدام مفردات اللغة فى أعلى وأدق وأحكم مستويات استعمالها.

كما كان فى إيثار (مُنِيراً) علي «مضيئا» إثبات لرسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه منير عاكس لضوء مصدره الله عزوجل ، وليس هو مصدره.

ولقائل أن يقول :

ولما ذا لم يقل القرآن : وقمرا منيرا؟

فيريحنا من تلك التأويلات؟

والجواب : أن البلاغة والإعجاز فى (وَسِراجاً مُنِيراً) وليس كذلك : وقمرا منيرا.

وذلك لأن من منهج القرآن البلاغى ألا يشبه أحدا من الخلق بالقمر «فهذا أمر هجره البيان القرآنى تماما. هذه واحدة.

والثانية أن التشبيه بالقمر لا يرقى إلى مستوى التشبيه بالسراج. ولا يؤدى عشر معشار المعانى التى تشع منه ، بيان ذلك : أن القمر متقلب لا يدوم على حال. ففي كل يوم له وضع يختلف عما قبله وما بعده :

يبدو ضعيفا هزيلا نحيفا فى أولى مراحله ، قصير المكث فى الأفق ولا يبلغ تمامه إلا ليلة واحدة فى دورته الشهرية ، ثم يعود عكس ما بدأ ، يصغر حجمه ليلة قليلة ، ثم يختفى تماما فى آخر لياليه.

وليس الهدى الذى جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذلك فهو مستقر لا متقلب كالقمر ، دائم لا تعتريه آفات ولا علل.

إن السراج الذى شبه الله به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينطفئ منذ أشعله الله ، ولم يضعف ، ولن ينطفئ ولن يضعف. لذلك كان التشبيه به بلاغة وإعجازا. أما التشبيه بالقمر ـ فى هذا المقام ـ فعىّ وفهاهة ، لذلك لم يشبه الله رسوله به ؛ لأن حديث الله أحسن الحديث ، وقوله أصدق الأقوال.

٥٢٠