الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

فى الغنة وأحكامها وأقوال العلماء فى ذلك

الغنة فى اللغة : صوت يخرج من الخيشوم لا عمل للسان فيه.

وفى الاصطلاح : صوت أغن مركب فى جسم النون ولو تنوينا والميم مطلقا ـ أى أن صوت الغنة صفة لازمة للنون والميم سواء كانتا متحركتين أو ساكنتين مظهرتين أو مدغمتين أو مخفاتين.

ومحل الغنة فى النون والميم لا فى غيرهما من الحروف. والنون أغن من الميم ويلحق بالنون التنوين.

مخرج الغنة :

أما مخرج الغنة فمن الخيشوم ، وهو خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم ـ وقيل : هو أقصى الأنف ـ أى : أن صوت الغنة بجميع أحواله يخرج من الخيشوم. ودليل ذلك أنه لو أمسك بالأنف لا انحبس خروجه مطلقا حتى فى حال ضعفه عند تحريك النون والميم مخففتين ، أو سكونهما مظهرتين ، كما يشهد بذلك النطق.

مراتب الغنة :

يرى جمهور العلماء أن للغنة خمس مراتب هى :

الأولى : المشدّد ، ويشمل ما كان فى كلمة وما كان فى كلمتين ، فالذى فى كلمة هو النون والميم المشدّدتان مطلقا مثل : «يمنّون» «همّت به». والذى فى كلمتين يشمل أربعة أنواع وكلها فى الإدغام التام :

الأول : الإدغام التام المصحوب بالغنة وهو إدغام النون الساكنة والتنوين فى النون والميم نحو : «إن نشأ» ، «من مال الله»

الثانى : إدغام الميم الساكنة فى مثلها نحو :

«كم من فئة».

الثالث : إدغام المتجانسين الصغير المصحوب بالغنة وهو إدغام الباء الساكنة فى الميم فى قوله تعالى : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا) (سورة هود آية ٤٢) عند من أدغم ومنهم حفص عن عاصم من طريق الشاطبية.

الرابع : إدغام اللام الشمسية فى النون نحو : «إلى النور» ، ويسمى كل من النون والميم

٣٨١

فيما ذكر حرف غنة مشددا. ويجب إظهار غنته ، كما يجب الاحتراز من المد عند الإتيان بالغنة فى مثل قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) ، وقوله تعالى (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ).

المرتبة الثانية : المدغم ، والمراد به هنا الإدغام بالغنة الناقص ، وهو إدغام النون الساكنة والتنوين فى الواو والياء.

المرتبة الثالثة : المخفى ، ويشمل أنواعا ثلاثة هى :

الأول : إخفاء النون الساكنة والتنوين عند حروف الإخفاء الخمسة عشر.

الثانى : إخفاء الميم المقلوبة من النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتهما بالباء مثل :

«ينبت» ، «عليم بذات».

الثالث : إخفاء الميم قبل الباء نحو : «فاحكم بينهم».

المرتبة الرابعة : الساكن المظهر ، ويشمل إظهار النون الساكنة والتنوين عند حروف الحلق ، وكذلك الميم الساكنة حال إظهارها إذا لم يأت بعدها باء أو ميم.

المرتبة الخامسة : المتحرك المخفف ، ويشمل النون الساكنة والميم الخفيفتين المتحركتين بأى حركة كانت.

مقدار الغنة : حركتان كالمد الطبيعى ، أى غنة كاملة من غير تفاوت فى المراتب الثلاث الأولى ، وأما مقدارها فى المرتبتين الأخيرتين فهو أصل الغنة فقط (١).

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) انظر : هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ١٧٧ ـ ١٨٨. للشيخ / عبد الفتاح المرصفى.

٣٨٢

فى تعريف الميم الساكنة وأحكامها

الميم السكنة هى التى سكونها ثابت فى الوصل والوقف نحو : «الحمد لله» ، وتكون هذه الميم فى الاسم والفعل ، وتكون متوسطة ومتطرفة. ولها قبل حروف الهجاء كلها ما عدا الألف اللينة ـ ألف المد ـ أحكام ثلاثة وهى :

الإخفاء الشفوى ، والإدغام الصغير ، والإظهار الشفوى ، وهذه الأحكام بيانها فيما يلى :

أولا : الإخفاء الشفوى :

والإخفاء فى اللغة : بمعنى الستر. وفى الاصطلاح : النطق بالميم الساكنة على صفة بين الإظهار والإدغام مع مراعاة الغنة وعدم التشديد.

وله حرف واحد فقط وهو الباء ، وسمى بالإخفاء : لإخفاء الميم الساكنة عند الباء.

وسمى بالشفوى : لأن الميم والباء كليهما يخرجان من الشفتين ، ووجهه : التجانس فى المخرج وفى أكثر الصفات.

ومن أمثلة الإخفاء الشفوى : قوله تعالى :

(فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (سورة المائدة آية : ٤٨).

ثانيا : الإدغام الصغير :

والإدغام الصغير له حرف واحد وهو «الميم» ، فإذا وقع بعد الميم الساكنة سواء كان معها فى كلمة واحدة أم فى كلمتين وجب إدغام الميم الساكنة فى الميم المتحركة ، ويسمى إدغام مثلين صغيرا مع الغنة.

فالذى من كلمة نحو «الم» ، «المر» ، والذى من كلمتين نحو «كم من فئة» ، «ولكم ما كسبتم» ، ومنه إدغام النون الساكنة والتنوين فى الميم نحو : «من مال الله» ، وذلك لقلب المدغم من جنس المدغم فيه ، وكذلك يطلق على كل ميم مشددة نحو «دمّر» «ويعمّر» «وهمّ».

وسمى إدغاما لإدغام الميم الساكنة فى المتحركة. وسمى بالمثلين لكون المدغم والمدغم فيه مؤلفان من حرفين اتحدا مخرجا وصفة أو اتحدا اسما ورسما. وسمى صغيرا لكون الأول من المثلين ساكنا والثانى متحركا ، أو لقلة عمل المدغم. وسمّى بالغنة لكون الغنة مصاحبة له هنا بالإجماع. ووجهه : التماثل.

ثالثا : الإظهار الشفوى :

والإظهار الشفوى له ستة وعشرون حرفا وهى الباقية من الحروف الهجائية بعد إسقاط حرف الباء الذى تقدم ذكره فى الإخفاء الشفوى ، وحرف الميم الذى ذكره فى الإدغام الصغير. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد الميم الساكنة سواء كان معها فى كلمة واحدة أو فى كلمتين وجب إظهار الميم ، ويسمى إظهارا شفويا.

٣٨٣

فالذى من كلمة واحدة نحو : «الحمد لله» ، «أنعمت» ، «قمتم» ، والذى من كلمتين نحو : (ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ) (البقرة : ٢٣٢) إلى غير ذلك.

ثم إن إظهار الميم الساكنة يكون عند الفاء والواو آكد خوفا من أن يسبق اللسان إلى إخفائهما عند هذين الحرفين لقربهما من الفاء فى المخرج ، واتحادهما مع الواو فى المخرج.

وسمى إظهارا : لإظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها بحرف من حروف الإظهار الستة والعشرين. وسمى شفويا : لخروج الميم الساكنة المظهرة من الشفة. ووجهه : التباعد ، أى بعد مخرج الميم عن أكثر مخارج حروف الإظهار.

وقد أشار الجمزورى فى تحفة الأطفال إلى أحكام الميم الساكنة بقوله :

***

والميم إن تسكن تجى قبل الهجا

لا ألف لينة لذى الحجا

أحكامها ثلاثة لمن ضبط

إخفاء إدغام وإظهار فقط

فالأول الإخفاء عند الباء

وسمه الشفوى للقراء

والثانى إدغام بمثلها أتى

وسم إدغاما صغيرا يا فتى

والثالث الإظهار فى البقية

من أحرف وسمها شفوية

واحذر لدى واو وفا أن تختفى

لقربها والاتحاد فاعرف (إ) ١

***

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) انظر : نهاية القول المفيد فى علم التجويد ص ٢٦ ـ ١٢٨ طبعة الحلبى سنة ١٣٤٩ ه‍ ـ للشيخ محمد مكى نصر. وهداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ١٩١ ـ ١٩٨ طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية الأولى سنة ١٤٠٢ ه‍ ١٩٨٢ م للشيخ عبد الفتاح السيد عجمى المرصفى. وبغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن ص ٢٠٧ ـ ٢١٤ طبعة دار ابن القيم الثالثة ١٤١٤ ه‍ ١٩٩٣ م بالمملكة العربية السعودية ، والبرهان فى تجويد القرآن ص ١٢ ، ١٣ طبعة محمد على صبيح وأولاده سنة ١٩٧٨ م.

٣٨٤

اللامات السواكن

اللام الساكنة فى القرآن الكريم على خمسة أنواع هى : لام أل ، ولام الفعل ، ولام الأمر ، ولام الاسم ، ولام الحرف. وإليك تعريف كل واحدة من هذه الأنواع ، وبيان حكمها مع التمثيل عليها فيما يلى :

أولا : لام التعريف «أل» : هى لام ساكنة زائدة عن بنية الكلمة مسبوقة بهمزة وصل مفتوحة عند البدء وبعدها اسم سواء صح تجريدها عن هذا الاسم كالشمس والقمر ، أم لم يصح كما فى لفظ الجلالة ، والذى ، والتى.

حكمها : إذا وليها أحد الحروف الهجائية الثمانية والعشرين والتى ليس منها حروف المد الثلاثة ـ لأنه عندئذ تكون جميعا بين ساكنين ـ لها حكمان :

الأول : الإظهار القمرى : وذلك إذا جاء بعد أحد الحروف القمرية الأربعة عشر المجموعة فى قول صاحب التحفة : «ابغ حجك وخف عقيمه» ، وهى الهمزة ، والباء ، والغين ، والحاء ، والجيم ، والكاف ، والواو ، والخاء ، والفاء ، والعين ، والقاف ، والياء ، والميم ، والهاء.

فإذا جاء أحد حروف هذه الجملة بعد لام «أول» وجب إظهارها ، ويسمى إظهارا قمريا كما فى «الأنهار» ، «البوار» ، «الغفور» ، وتسمى اللام حينئذ لا ما قمرية لظهورها عند النطق بها فى لفظ «القمر» ، وسمى إظهارا لظهور لام التعريف عند هذه الأحرف. ووجهه :

التباعد ، أى بعد مخرج اللام عن مخرج هذه الأحرف.

الثانى : الإدغام ، وذلك إذا جاء بعدها أحد الحروف الشمسية الأربعة عشر الباقية من حروف الهجاء والتى رمز إليها صاحب التحفة فى أوائل كلمات هذا البيت :

طب ثم صل رحما تفز ضف ذا نعم

دع سوء ظن زر شريفا للكرم

وهى : الطاء ، والثاء ، والصاد ، والراء ، والتاء ، والضاد ، والذال ، والنون ، والدال ، والسين ،

٣٨٥

والظاء ، والزاى ، والشين ، واللام ، فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد لام «أل» وجب إدغامها. ويسمى إدغاما شمسيا ، وتسمى اللام حينئذ لاما شمسية لعدم ظهورها عند النطق بها فى لفظ «الشمس» وذلك كما فى :

«الطيبات» ، «الثواب» ، «الصابرون». وهكذا فى بقية الحروف. وسبب هذا الإدغام التماثل فى اللام ، وفى بقية الحروف التقارب.

ثانيا : لام الفعل : وهى أحد حروف الفعل الأصلية ، وهى إما أن تكون متوسطة ، وإما أن تكون متطرفة. فإن كانت متوسطة وجب إظهارها كما فى لفظ «ألهاكم» ، «يلتقطه» ، وإن كانت متطرفة ففيها حكمان :

الأول : الإدغام ، وهو إذا جاء بعدها لام أو راء ، كما فى قوله : «ألم أقل لكم» ، وقوله : «وقل رب» ، وسبب إدغامها فى اللام التماثل ، وفى الراء التقارب.

الثانى : الإظهار ، وهو أن يأتى بعد لام الفعل حرف آخر من حروف الهجاء غير اللام والراء ، فيجب عند ذلك إظهارها ، كما فى قوله : «قل أتخذتم» ، «قل بئسما».

ثالثا : لام الأمر : وهى لام زائدة عن أصل الكلمة ، ويأتى بعدها فعل مضارع فقط وهى متصلة به ، ولا تكون إلا ساكنة ، وتأتى بعد الفاء ، أو الواو ، أو ثم ، كما في قوله :

«فلينظر» ، وقوله : «وليملل» ، وقوله : «ثم ليقطع». فهذه اللام يجب إظهارها.

رابعا : لام الاسم : وهى أحد حروف الاسم الأصلية بخلاف لام «أل» والمقصود بلام الاسم هى ما كانت ساكنة متوسطة ، ولا تكون متطرفة أبدا ، وهذه اللام يجب إظهارها كما في قوله : «ألسنتكم» ، «بسلطان».

خامسا : لام الحرف : وهى لام أصلية ساكنة ، وهذه اللام لها حكمان :

الأول : الإدغام ، وذلك إذا جاء بعدها لام أو راء ، كما فى قوله : «هل لك» ، «بل لا تكرمون».

والراء فى القرآن لا تقع بعد لام الحرف إلا مع «بل» كما فى قوله : «بل ربكم» ، ويستثنى منها راء واحدة وقعت فى القرآن بعد «بل» فلا تدغم ، وهى قوله : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (سورة المطففين ، آية : ١٤) ، وذلك بسبب السكت ، والسكت مانع من الإدغام.

الثانى : الإظهار ، وذلك إذا جاء بعدها أىّ حرف من حروف الهجاء غير اللام والراء ، كما فى قوله : «هل تعلم» «بل طبع».

٣٨٦

وإليك ما قاله الجمزورى فى تحفة الأطفال :

***

للام أل حالان قبل الأحرف

أولاهما إظهارها فليعرف

قبل أربع من عشرة خذ علمه

من ابغ حجك وخف عقيمه

ثانيهما إدغامها فى أربع

وعشرة أيضا ورمزها فع

***

طب ثم صل رحما تفز ضف ذا نعم

دع سوء ظن زر شريفا للكرم

واللام الأولى سمها قمرية

واللام الأخرى سمها شمسية

وأظهرن لام فعل مطلقا

فى نحو قل نعم وقلنا والتقى (إ) ١

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) البرهان فى تجويد القرآن ص ١٤ ـ ١٦ طبعة محمد صبيح وأولاده ١٩٧٨ م للشيخ محمد الصادق قمحاوى. وهداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٢٠١ ـ ٢١٤ طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية الأولى ١٤٠٢ ه‍ ١٩٨٢ م للشيخ عبد الفتاح المرصفى.

٣٨٧

«المثلان ، والمتقاربان ، والمتجانسان ، والمتباعدان»

الحرفان المتلاقيان لفظا وخطا ، أو خطا فقط ينقسمان إلى أربعة أقسام :

مثلين ، ومتقاربين ، ومتجانسين ، ومتباعدين ، كما يقتضى ذلك القسمة العقلية ، ثم إن كلا من الأقسام الأربعة ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، وذلك فيما يلى :

أولا : المثلان : وهما الحرفان اللذان اتحدا مخرجا وصفة كالباءين نحو : «اضرب بعصاك» ، وكالدالين نحو : «وقد دخلوا». وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

١ ـ مثلان صغير : وهو أن يكون الحرف الأول ساكنا والثانى متحركا كما فى الأمثلة المتقدمة. وحكمه : وجوب الإدغام لجميع القراء ، وذلك إن لم يكن الأول حرف مد نحو «قالوا وهم» ، أو هاء سكت نحو : «ماليه هلك» ، وإلا وجب الإظهار.

٢ ـ مثلان كبير : وهو أن يكون الحرفان متحركين نحو : «فيه هدى» ، «الرحيم مالك» ، وحكمه : الإظهار لجميع القراء ما عدا السوسى.

٣ ـ مثلان مطلق : وهو أن يكون الحرف الأول متحركا والثانى ساكنا نحو «ما ننسخ» «شققنا» ، وحكمه الإظهار من غير خلاف.

ثانيا : المتقاربان : وهما الحرفان اللذان تقاربا مخرجا وصفة كالذال والزاى نحو : «إذ زين» ، أو مخرجا لا صفة كالدال والسين نحو :

«قد سمع» ، وكالذال والجيم نحو : «إذ جاءوكم». وهو ثلاثة أقسام :

١ ـ متقاربان صغير : وهو أن يكون الحرف الأول منهما ساكنا والثانى متحركا مثل النون مع اللام فى نحو : «ولكن لا يعلمون» والقاف مع الكاف فى نحو : «ألم نخلقكم» ، حكمه : الإظهار إلا اللام والراء نحو : «قل رب» «بل ران» لغير حفص ، فإنه يجب الإدغام. وأما حفص فله على لام «بل ران» سكتة لطيفة والسكت يمنع الإدغام.

٢ ـ متقاربان كبير : وهو أن يتحرك الحرفان معا كالقاف مع الكاف فى نحو :

«رزقكم» ، والدال مع السين فى نحو : «عدد سنين». وحكمه : الإظهار لغير السوسى.

٣ ـ متقاربان مطلق : وهو أن يتحرك الأول منهما ويسكن الثانى كالهمزة مع الحاء فى نحو «أحمل» ، والياء مع الضاد فى نحو «يضلل». وحكمه : الإظهار وجوبا لجميع القراء.

ثالثا : المتجانسان : وهما الحرفان اللذان اتحدا مخرجا واختلفا صفة كالدال والتاء فى نحو : «قد تبين» ، والثاء مع الذال فى نحو «يلهث ذلك» ، وهو ثلاثة أقسام :

١ ـ متجانسان صغير : وهو أن يكون الحرف الأول منهما ساكنا والثانى متحركا كالتاء مع الطاء فى نحو : «همت طائفة» ، وحكمه الإظهار إلا فى خمسة مواضع يجب

٣٨٨

الإدغام فيها ، وهى : الدال فى التاء نحو «قد تبين» ، والتاء فى الدال والطاء نحو : «أثقلت دعوا» ، «همت طائفة» ، والذال فى الظاء نحو «إذ ظلمتم» ، والثاء فى الذال نحو : «يلهث ذلك» ، والباء فى الميم نحو : «اركب معنا».

٢ ـ متجانسان كبير : وهو أن يتحرك الحرفان معا كالتاء مع الطاء فى نحو :

«الصالحات طوبى». وحكمه : الإظهار لغير السوسى.

٣ ـ متجانسان مطلق : وهو أن يتحرك الحرف الأول ويسكن الثانى ، كالياء مع الشين فى نحو : «يشكر». وحكمه : الإظهار وجوبا للجميع.

رابعا : المتباعدان : وهما الحرفان اللذان تباعدا مخرجا واختلفا صفة. وهو ثلاثة أقسام :

١ ـ المتباعدان الصغير : وهو أن يكون الأول ساكنا والثانى متحركا كالهمزة مع اللام فى نحو : «تألمون».

٢ ـ المتباعدان الكبير : وهو أن يتحرك الحرفان معا كالزاى مع الهمزة فى نحو : «استهزئ».

٣ ـ المتباعدان المطلق : وهو أن يتحرك الحرف الأول ويسكن الثانى ، كالقاف مع الواو.

وحكم المتباعدين : الإظهار وجوبا عند جميع القراء سواء كان صغيرا أم كبيرا أم مطلقا ، لأن الإدغام بشروطه مطلقا إنما يسوغه التماثل أو التقارب أو التجانس.

****

وقد أشار الجمزورى فى تحفة الأطفال إلى الأقسام الثلاثة الأولى بقوله :

إن فى الصفات والمخارج اتفق

حرفان فالمثلان فيهما أحق

أو يكون مخرجا تقاربا

وفى الصفات اختلفتا يلقبا

متقاربين أو يكونا اتفقا

فى مخرج دون الصفات حققا

بالمتجانسين ثم إن سكن

أول كل فالصغير سمّين

أو حرك الحرفان فى كل فقل

كل كبير وافهمنه بالمثل (إ) ١

وأشار صاحب كتاب انشراح الصدور إلى المتباعدين بقوله :

وإن يكونا مخرجا تباعدا

وفى الصفات اختلفا مباعدا (إ) ٢

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) انظر : البرهان في تجويد القرآن ص ٢٨ ـ ٣٠ طبعة مطبعة محمد على صبيح وأولاده سنة ١٩٧٨ م للشيخ / محمد الصادق قمحاوى. وهداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٢١٧ ـ ٢٢٧ ، طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية الأولى ١٤٠٢ ه‍ ١٩٨٢ م.

(٢) انشراح الصدور فى تجويد كلام الغفور للشيخ وهبة سرو المحلى ص ٣٠ طبعة مطبعة المليجى بالقاهرة ١٩٢٣.

٣٨٩

فى المدّ والقصر

الأصل فى هذا الباب ما رواه البخارى بسنده عن قتادة قال : سألت أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ عن قراءة النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : كان يمد مدّا (١). ورواه النسائى عن قتادة بلفظ سألت أنسا كيف كانت قراءة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال كان يمدّ صوته مدّا (٢).

وما أخرجه سعيد بن منصور فى سننه قال :

حدثنا شهاب بن خراش ، حدثنى مسعود بن يزيد الكندى قال : كان ابن مسعود يقرئ رجلا ، فقرأ الرجل : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (سورة التوبة آية ٦٠) مرسلة ـ أى مقصورة من غير مدّ ـ فقال ابن مسعود :

ما هكذا أقرأنيها النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : وكيف أقرأكها؟ قال : أقرأنيها : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) فمدها (٣).

تعريف المدّ :

المدّ فى اللغة : مطلق الزيادة ، ومنه قوله تعالى : (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) (سورة نوح آية ١٢) أى يزدكم ـ وفى الاصطلاح :

إطالة الصوت بحرف من حروف المدّ الثلاثة عند ملاقاة همزة أو سكون.

حروف المدّ :

وحروف المدّ الثلاثة يجمعها لفظ «واى» وهى الواو الساكنة المضموم ما قبلها نحو «يقول» ، والألف الساكنة المفتوح ما قبلها نحو «قال» ، والياء الساكنة المكسور ما قبلها نحو «قيل» ويجمع الكل بشروطها المذكورة الكلمات : «نوحيها» ، «أوتينا» ، «أوذينا». وتسمى هذه الحروف : حروف المدّ واللّين ، لخروجها بامتداد ولين من غير كلفة على اللسان لاتساع مخرجها. وأما حرفا اللين فهما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما.

****

جاء فى متن التحفة :

حروف ثلاثة فعيها

من لفظ واى وهى فى نوحيها

والكسر قبل الياء وقبل الواو ضم

شرط وفتح قبل ألف يلتزم

واللين منها الياء وواو سكنا

إن انفتاح قبل كل أعلنا

٣٩٠

تعريف القصر :

القصر فى اللغة : الحبس والمنع ، ومنه قوله تعالى : (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) (سورة الرحمن آية ٧٢) أى محبوسات فيها. وفى الاصطلاح : إثبات حرف المد من غير زيادة عليه.

المدّ والقصر حقيقة واصطلاحا :

وحقيقة المدّ تحققه بأى مقدار ولو حركتين. وحقيقة القصر عدم المدّ مطلقا.

لكن المصطلح عليه فى علم التجويد كما يستفاد من تعريفى المدّ والقصر السابقين أن القصر هو مقدار حركتين ، والمد هو ما فوق ذلك.

تعريف الحركة :

الحركة : هى إطالة الصوت بمدّ الحرف بمقدار قبض الأصبع أو بسطه. وقيل : إن مقدار الحركة هو مقدار النطق بحرف هجائى على الوجه الذى يقرأ به القارئ من السرعة والبطء وعلى ذلك فإن الذى مقداره حركتان يكون مقداره ، مقدار النطق بحرفين ، وما حقه أن يمد مقدار أربع حركات يكون بمقدار النطق بأربعة أحرف هجائية وهكذا إذ أنه أضبط فى ذاته وأنسب إلى مراتب القراءة المختلفة سرعة وبطء.

أقسام المدّ :

ينقسم المدّ إلى قسمين :

الأول : المد الأصلى

، وهو المد الطبيعى الذى لا تقوم ذات الحرف إلا به ، ولا يتوقف على سبب من همز أو سكون ، بل يكفى فيه وجود أحد حروف المد الثلاثة. وسمى طبيعيا لأن صاحب الطبيعة السليمة لا يزيد فيه ولا ينقص عن مقداره. ومقداره ألف ، والألف حركتان ، والحركة مقدار قبض الأصبع أو بسطه. مثل :

«قال ، يقول ، قيل».

***

* قال الشيخ الجمزورى فى متن تحفة الأطفال :

وسم أولا طبيعيا وهو

ما لا توقف له على سبب

ولا بدونه الحروف تجتلب

بل أى حرف غير همز أو سكون

جاء بعد مدّ فالطبيعى يكون

ملحقات المدّ الطبيعى «الأصلى» :

يلحق بالمدّ الطبيعى المدود التالية :

١ ـ مدّ العوض : وهو الوقوف على تنوين بالفتح على غير تاء التأنيث كما فى «ميقاتا» ،

٣٩١

«نباتا» ، «ألفافا» فإن القارئ يقف على كل منها بألف مدّ ، وذلك عوضا عن التنوين ، ولذلك سمى بمد العوض. أما إذا كان الوقف على تاء التأنيث المنونة بالفتح ، فإن القارئ يقف عليها بالسكون فقط كما فى كلمات :

«رحمة» ، «لاغية» ، «حامية» فإن الوقف على كل من هذه التاءات بهاء ساكنة.

٢ ـ مدّ البدل الصغير : وهو إبدال همزة ثانية ساكنة حرف مدّ يتناسب مع حركة الهمزة الأولى ، وليس بعده همزة ، فإن كانت حركة الهمزة الأولى فتحة أبدلت الهمزة الثانية ألفا كما فى (ءامن) ، (ءادم) إذ أصلها «أأمن ، أأدم» ، وإن كانت حركة الهمزة الأولى ضمة أبدلت الهمزة الثانية واوا كما فى (اؤتمن) ، (أوذوا) إذ أصلها «أأذوا» فضمت الهمزة الأولى وسكنت الثانية فأبدلت بواو لمناسبة حركة الأولى وهى الضمة. وإن كانت حركة الهمزة الأولى كسرة ، فإن الهمزة الثانية تبدل ياء ، كما فى (إيمانا) ، فإن أصلها «إأمانا» فكسرت الهمزة الأولى وسكنت الثانية ، فأبدلت الثانية ياء لمناسبة حركة الأولى. مع ملاحظة أن مدّ البدل فى بعض القراءات الأخرى ـ كما هو الحال عند الإمام نافع ـ يمد حركتين وأربعا وستا ، وعند ذلك يلحق بالمدّ الفرعى.

٣ ـ مدّ الصلة الصغرى : وهو عبارة عن هاء الضمير المفرد الغائب المضمومة أو المكسورة إذا وقعت بين متحركين الثانى منهما ليس همزة قطع ولم يوقف عليها.

شروط هذا المدّ :

(أ) أن تكون الهاء ضمير غائب مفردا.

(ب) أن تكون الهاء مضمومة أو مكسورة.

(ج) أن يكون الحرف الذى قبلها متحركا والحرف الذى يليها في أول الكلمة التى بعدها متحركا.

(د) أن يكون الحرف المتحرك الذى بعدها ليس همزة قطع ، فإن كان همزة قطع فعند ذلك يسمى صلة كبرى.

(ه) أن لا يوقف عليها ، فإذا وقف القارئ على الهاء فإنه يقف بالسكون من غير مدّ.

٤ ـ مدّ التمكين : وهو عبارة عن ياءين الأولى مشددة مكسورة والثانية حرف مدّ.

وسمى تمكينا لأنه يتمكن كل أحد من إخراجه وتطبيقه بسبب الشدة ، كما فى «حيّيتم» «النبيّين» ، فإن الياء الأولى مشددة مكسورة فى كل من الكلمتين والثانية حرف مدّ. وهذا المدّ هو من المدّ الطبيعى غير أنه أفرد باسم مستقل.

القسم الثانى : المدّ الفرعى :

وهو المدّ الزائد على مقدار المدّ الطبيعى ، وهو الذى يتوقف على سبب من الأسباب.

وسمى بالفرعى لتفرعه من المدّ الطبيعى.

أسباب المدّ الفرعى : أمران :

أحدهما : لفظى : وهو إما همز أو سكون. نحو «جاء ، يا أيها ، نستعين ، آمنوا ،

٣٩٢

الضالين» ، فإذا وجد القارئ بعد حرف المدّ همزا أو سكونا وجب أو جاز أو لزم مدّه زيادة على مقدار المدّ الطبيعى كما سيأتى بيان ذلك.

الثانى : معنوى : وهو لقصد المبالغة فى النفى للتعظيم ، وهو من الأسباب القوية المقصودة عند العرب ، وإن كان ضعيفا عند القراء ، وهو نوعان : الأول : المدّ للتعظيم ، وهو فى «لا» النافية للجنس فى كلمة التوحيد خاصة وهى : «لا إله إلا الله» ، «ويسمى بمدّ المبالغة أيضا لأنه طلب للمبالغة فى نفى الألوهية عما سوى الله تعالى. الثانى : مدّ التبرئة ، وهو ثابت عند الإمام حمزة أحد القراء السبعة فى أحد الوجهين عنه من طريق طيبة النشر ، لكن لا يبلغ به حدّ الإشباع ، بل يقتصر فيه على التوسط ، وقدره أربع حركات ، وذلك لضعف سببه عن السبب اللفظى. ومثاله : «لا ريب» «لا شية فيها».

أنواع المدّ الفرعى :

علم مما تقدم أن للمدّ الفرعى سببين لفظيين هما : الهمز والسكون ، فالهمز سبب لثلاثة أنواع منه ، وهى المدّ المتصل ، والمنفصل ، والبدل. والسكون سبب لنوعين من المدّ ، ولا يكون إلا بعد حرف المدّ دائما ، فإن كان ثابتا فى الوصل والوقف فهو المدّ اللازم نحو «الصاخة» وإن كان ثابتا فى الوقف دون الوصل فهو المدّ العارض للسكون نحو «نستعين» ، وبيان هذه الأنواع فيما يلى :

١ ـ المدّ المتصل :

هو أن يأتى بعد حرف المدّ همز فى كلمة واحدة نحو «جاء» ، «السوء» «تفيء» وسمى متصلا لاتصال الهمز بحرف المدّ فى كلمة واحدة.

وهذا النوع حكمه الوجوب. لوجوب مدّه زيادة على مقدار المدّ الطبيعى عند جميع القراء ، ولا يعرف لأحد منهم فيه خلاف. إلا أنهم اختلفوا فى مقدار الزيادة على حسب مذاهبهم ، فمنهم من قرأ بمرتبة الإشباع وقدرها ست حركات. ومنهم قرأ بمرتبة دونه وقدرها خمس حركات ، وهو الإمام عاصم شيخ حفص. ومنهم من قرأ بمرتبة التوسط وقدرها أربع حركات ، ومن بينهم الإمام عاصم كذلك. ومنهم من قرأ بمرتبة فويق القصر وقدرها ثلاث حركات ، ولا أقل من ذلك.

ومما تقدم يعلم أن المدّ المتصل لا يزيد عن الحركات الست ولا ينقص عن الثلاث فمراتبه أربع فقط ، كما يعلم أيضا أنه لا يجوز القصر فيه كالطبيعى. قال الحافظ ابن الجزرى :

«وقد تتبعته ـ أى القصر فى المتصل ـ فلم أجده فى قراءة صحيحة ولا شاذة بل رأيت النص بمدّه (٤). كما أشار إليه فى المقدمة الجزرية بقوله :

وواجب إن جاء قبل همزة

متصلا إن جمعا بكلمة

٣٩٣

هذا ووجه المدّ فى المتصل : هو أن الهمزة ثقيلة فى النطق بها لأنها حرف شديد جهرى ـ كما تقدم فى الصفات ـ فزيد فى المدّ قبلها للتمكن من النطق بها على حقها مع شدتها وجهرها. وقيل : إن حرف المدّ ضعيف خفى والهمز قوى صعب فزيد فى المدّ تقوية لضعفه عند مجاورته القوى.

٢ ـ المدّ المنفصل :

وهو أن يأتى بعد حرف المدّ همزة قطع فى كلمة أخرى ، نحو «بما أنزل» ، «قالواءامنا» ، «وفى أنفسكم». وسمى منفصلا لانفصال الهمزة عن حرف المدّ فى كلمة أخرى. وحكمه : الجواز ، لجواز قصره عند البعض ، كالمدّ الأصلى الطبيعى بمقدار حركتين ، وجواز مدّه ، وحفص يمدّه بمقدار أربع حركات أو خمس حركات.

مع ملاحظة إذا اجتمع مدّان متصلان أو أكثر كما فى قوله تعالى :

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) (سورة البقرة آية ٢٢) فلا يجوز التفرقة بينهما فى المدّ بحجة جواز الوجهين فى كل منهما بل تجب التسوية فى الكل إما بالحركات الأربع فى الجميع أو بالخمس فيها. وكذلك الحكم بعينه إذا اجتمع مدّان منفصلان أو أكثر كما فى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) (سورة النساء آية ١٣٦) فلا يجوز التفرقة بين هذه المدود بحجة جواز الوجهين أيضا بل يجب التسوية بينها بأن يكون المنفصل الثانى وما بعده مساويا للأول توسطا أربع حركات أو فويقه خمس حركات ، لأن التسوية فى هذا وذاك من جملة التجويد وهذا ما أشار إليه الحافظ ابن الجزرى فى المقدمة الجزرية بقوله : «واللفظ فى نظيره كمثله».

ومن المدّ المنفصل أيضا مدّ الصلة الكبرى ، وهو هاء الضمير الغائب المفرد المضمومة أو المكسورة الواقعة بين متحركين الثانى منهما همزة قطع ولم يوقف عليها كما فى قوله :

(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) (سورة الهمزة آية ٣) فإنه يمدّ أربع أو خمس حركات.

٣ ـ مدّ البدل :

هو أن يتقدم الهمز على حرف المدّ :

«ءامنوا» «أوتوا» «إيمانا» وسمى بدلا لإبدال حرف المدّ من الهمز. وقد سبق الكلام عنه على أنه مد طبيعى وليس مدا فرعيا يمكنه أن يزيد على المد الطبيعى ـ فينبغى التوضيح.

٣٩٤

٤ ـ المدّ العارض للسكون :

هو أن يأتى بعد حرف المدّ أو اللين سكون عارض وقفا لا وصلا. أى : أن الحرف الذى بعد حرف المدّ أو اللين متحرك فى الأصل ، ولكن السكون عرض له لأجل الوقف ، لما تقرر فى القواعد من أنه لا يوقف على متحرك مثل : «الرحيم» «نستعين» «يوقنون» فى حالة الوقف. وسمى عارضا لعروض المدّ بعروض السكون ، أى : أنه طارئ بسبب سكون الوقف ، ولو تحرك الحرف الذى بعد حرف المدّ أو اللين بسبب وصل الكلمة بما بعدها لما وجد المدّ.

أحوال هذا المدّ :

إما أن يكون مهموزا. وإما أن يكون غير مهموز. وكل من القسمين إما أن يكون مفتوح الآخر ، أو مكسور الآخر ، أو مضموم الآخر ، فالأقسام ستة حاصلة من ضرب اثنين فى ثلاثة. وإليك حكم كل قسم :

الأول : حكم المدّ العارض للسكون الذى ليس مهموزا :

ينقسم هذا المدّ إلى ثلاثة أقسام ، وكل قسم له حكم على النحو التالى :

(أ) المفتوح الآخر : فيه ثلاثة أوجه :

القصر ، والتوسط ، والمدّ ، وذلك نحو «العالمين».

(ب) المكسور الآخر ، نحو (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وفيه أربعة أوجه وهى :

١ ـ القصر بالسكون المحض.

٢ ـ التوسط بالسكون المحض.

٣ ـ المدّ بالسكون المحض.

٤ ـ الروم على القصر.

(ج) المضموم الآخر ، نحو (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وفيه سبعة أوجه هى :

١ ـ القصر بالسكون المحض.

٢ ـ التوسط بالسكون المحض.

٣ ـ المدّ ست حركات بالسكون المحض.

٤ ـ الإشمام مع القصر.

٥ ـ الإشمام مع التوسط.

٦ ـ الإشمام مع المدّ ست حركات.

٧ ـ الروم مع القصر.

الثانى : حكم المدّ العارض للسكون المهموز :

(أ) المفتوح الآخر نحو شاء ، وجاء ، وفيه المدّ أربع أو خمس أو ست حركات بالسكون المحض.

(ب) المكسور الآخر نحو «من السماء» وفيه خمسة أوجه هى :

١ ـ المدّ أربع حركات بالسكون المحض.

٢ ـ المدّ خمس حركات بالسكون المحض.

٣ ـ المدّ ست حركات بالسكون المحض.

٤ ـ الروم على المدّ أربع حركات.

٥ ـ الروم على المدّ خمس حركات.

٣٩٥

(ج) المضموم الآخر نحو «يشاء» ، «السفهاء» وفيه ثمانية أوجه هى :

١ ـ المدّ أربع حركات بالسكون المحض.

٢ ـ المدّ خمس حركات بالسكون المحض.

٣ ـ المدّ ست حركات بالسكون المحض.

٤ ـ الإشمام على المدّ أربع حركات.

٥ ـ الإشمام على المدّ خمس حركات.

٦ ـ الإشمام على المدّ ست حركات.

٧ ـ الروم على المدّ أربع حركات.

٨ ـ الروم على المدّ خمس حركات.

٥ ـ مدّ اللين :

سبق أن قلنا أن حرفى اللين هما الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما نحو «القول» «الصّيف» ولهذين الحرفين حالتان :

الأولى : أن يقع بعدهما همز متصل بهما فى كلمة واحدة نحو «شىء» و «سوء».

الثانية : ألا يقع بعدهما همز نحو «السّير» ، «فلا خوف».

فأمّا اللذان بعدهما همز متصل بهما فى كلمة واحدة نحو «سوأة» ، «كهيئة» فقد قرأ ورش من طريق الأزرق فيهما بوجهين هما :

التوسط والإشباع ، ويستوى فى ذلك عنده الوصل والوقف. أما باقى القراء فليس لهم إلا القصر ، وهذا فى حالة الوصل ، أما فى حالة الوقف فيدخل فى حكم المدّ العارض للسكون ، ويكون لهم فيه حينئذ القصر والتوسط والإشباع بالسكون المحض أو بالسكون مع الإشمام أو الروم حسب نوع العارض.

وأما اللذان ليس بعدهما همز ، فللقراء فيهما تفصيل : حالة الوصل : حاصله أن نحو «لومة» ، «وأحيينا» فيه القصر فى الحالين على نحو ما مر. وكذلك الحكم بعينه لجميع القراء ـ باستثناء ورش ـ فى حرفى اللين اللذين بعدهما الهمز المنفصل عنهما ، أى : أن حرفى اللين فى آخر الكلمة الأولى والهمز فى أول الكلمة الثانية نحو «بنى آدم» «ولو أننا نزلنا».

وأما نحو : «لا خوف» و «فلا فوت» فقد أجمع القراء العشرة على القصر فى حالة الوصل. وأما فى حالة الوقف ففيه المدّ أربع حركات أو خمس حركات أو ست حركات ، ويدخل حينئذ فى المدّ العارض للسكون.

٦ ـ المدّ اللازم :

هو أن يأتى بعد حرف المدّ سكون لازم وصلا ووقفا ، نحو «آية» ، «الآن» ، «الم» ، وسمى لازما للزوم سببه وهو السكون وصلا ووقفا. وهو ينقسم إلى أربعة أقسام :

٣٩٦

الأول : المدّ اللازم الكلمى المثقل :

هو أن يأتى بعد حرف المدّ سكون أصلى لازم ثابت وصلا ووقفا فى كلمة تزيد على ثلاثة أحرف ، مع الإدغام ، أى : إدغام الحرف الساكن فيما بعده نحو «الحاقّة» ، «دابّة» وسمى كلميا لاجتماع المدّ مع السكون فى كلمة ، وسمى مثقلا من أجل الإدغام.

الثانى : المدّ اللازم الكلمى المخفف :

هو أن يأتى بعد حرف المدّ سكون أصلى ثابت وصلا ووقفا فى كلمة تزيد على ثلاثة أحرف من غير إدغام ، وذلك فى كلمة فى موضعين بسورة «يونس» ـ عليه‌السلام ـ وهى : (آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ) «آية ٥١» ، (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ) آية ٩١ وسمى كلميا لاجتماع المدّ مع السكون فى كلمة ، وسمى مخففا لعدم الإدغام.

الثالث : المدّ الحرفى المثقل :

هو أن يأتى بعد حرف المدّ سكون ثابت وصلا ووقفا فى حرف هجاؤه على ثلاثة أحرف وسطها حرف مدّ ولين أو حرف لين فقط مع الإدغام ، أى : إدغام الساكن فيما بعده ، وسمى حرفيا لاجتماع المدّ والسكون اللازم فى حرف ، وسمى مثقلا لأجل الإدغام.

الرابع : المدّ اللازم الحرفى المخفف :

هو : أن يأتى بعد حرف المدّ سكون ثابت وصلا ووقفا فى حرف هجاؤه على ثلاثة أحرف وسطها حرف مدّ ولين ، أو حرف لين فقط من غير إدغام. وعلة التسمية تفهم مما تقدم.

واللازم الحرفى بقسميه لا يكون إلا فى فواتح السور فى ثمانية أحرف منها مجموعة فى هذه العبارة «كم عسل نقص» وهى الكاف ، والميم ، والعين ، والسين ، واللام ، والنون ، والقاف ، والصاد. وقد اجتمع المدّ اللازم الحرفى بنوعيه فى قوله : «الم» فلام مثقل وميم مخفف.

وإليك ما قاله الشيخ الجمزورى فى تحفة الأطفال :

أقسام لازم لديهم أربعة

وتلك كلمى وحرفى معه

كلاهما مخفف مثقل

فهذه أربعة تفصل

فإن بكلمة سكون اجتمع

مع حروف مد فهو كلمى وقع

أو فى ثلاثى الحروف وجدا

والمدّ وسطه فحرفى بدا

كلاهما مثقل إن أدغما

مخفف كل إذا لم يدغما

واللازم الحرفى أول السور

وجوده ، فى ثمان انحصر

يجمعهما حروف كم عسل نقص

٣٩٧

حكم المدّ اللازم :

لزوم مده بمقدار ثلاث ألفات ، أى يلزم مدّه ست حركات بلا زيادة ولا نقص عند جمهور القراء. ومن نقص أو زاد فقد أساء وظلم. وهذا الحكم سواء كان فى حالة الوصل أو الوقف.

وهو إما أن يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا ، فإن كان مرفوعا فله فى الوقف عليه ثلاثة أوجه : السكون والروم والإشمام نحو : «ولا جان» ، وإن كان مجرورا ففيه وجهان : السكون المحض. والروم نحو : «غير مضار» ، وإن كان منصوبا ففيه وجه واحد وهو السكون المحض نحو : «صوآف».

وقال الجمزورى :

ولازم إن السكون أصلا

وصلا ووقفا بعد مدّ طولا

وقال ابن الجزرى :

فلازم إن جاء بعد حرف مدّ

ساكن حالين وبالطول يمدّ

حكم الحروف الموجودة فى أوائل السور :

تنقسم الحروف الأربعة عشر الموجودة فى أوائل السور المبدوءة بالحروف المقطعة والتى جمعها صاحب التحفة فى قوله : «صله سحيرا من قطعك» إلى ثلاثة أقسام :

الأول : ما يمدّ مدّا لازما ، وهى الحروف الثمانية والتى قلنا عنها إنها مجموعة فى قول صاحب التحفة : «كم عسل نقص» أو فى قول بعضهم : «سنقص علمك» ، فهذه الحروف تمدّ مدّا لازما ست حركات ما عدا العين من فاتحة سورة «مريم» فى قوله : «كهيعص» ، وفاتحة سورة «الشورى» فى قوله : «حم عسق» ففيها التوسط والطول ، أى : المدّ ست حركات ، وهو الأفضل.

قال صاحب التحفة :

واللازم الحرفى أول السور

وجوده وفى ثمان انحصر

الثانى : ما يمدّ مدّا طبيعيا ، أى يمدّ حركتين ، وهو خمسة أحرف مجموعة فى عبارة «حىّ طهر» وهى الحاء ، والياء ، والطاء ، والهاء ، والراء.

الثالث : ما لا يمدّ أصلا ، لا مدّا أصليا ولا فرعيا ، وهو الألف ، وذلك لأن كل حرف وضعه على ثلاثة أحرف وليس وسطه حرف مدّ ساكن لا يمدّ أصلا.

٣٩٨

قال صاحب التحفة :

وما سوى الحرف الثلاثى لا ألف

فمدّه مدا طبيعيا ألف

وذاك أيضا فى فواتح السور

فى لفظ حى طهر قد انحصر.

قواعد لها علاقة بالمدّ :

أولا : إذا اجتمع مدّان لازمان ، أو مدّان متصلان ، أو مدّان منفصلان لا يجوز مدّ أحدهما دون الآخر بل تجب التسوية ، لقول ابن الجزرى : واللفظ فى نظيره كمثله.

ثانيا : إذا كان الحرف الساكن فى كلمة وحرف المدّ فى كلمة أخرى حذف حرف المدّ فى الوصل نحو : «وقالوا اتخذ» ، «والمقيمى الصلاة».

ثالثا : مراتب المدّ : أقوى المدود : اللازم ، فالمتصل ، فالعارض للسكون ، فالمنفصل ، فالبدل.

رابعا : إذا اجتمع سببان من أسباب المدّ قوى وضعيف ألغى الضعيف وعمل بالقوى نحو : «ولا آمين» ففيه بدل ولازم فيلغى البدل لأنه ضعيف ويعمل باللازم لأنه قوى (٥).

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) الحديث : أخرجه البخارى فى صحيحه ، كتاب فضائل القرآن ، باب مدّ القراءة ٦ / ٢٤٠ ، ٢٤١ طبعة الشعب بالقاهرة سنة ١٣٧٨ ه‍.

(٢) سنن النسائى بشرح جلال الدين السيوطى وحاشية الإمام السندى ٢ / ١٧٩ ، الناشر المكتبة التجارية بمصر الطبعة الأولى سنة ١٣٤٨ ه‍ ١٩٣٠ م.

(٣) الدر المنثور فى التفسير بالمأثور ٣ / ٢٥٠ طبعة دار المعرفة. بيروت. لجلال الدين السيوطى وقال السيوطى : أخرجه سعيد بن منصور ، والطبرانى ، وابن مردويه. وذكره ابن الجزرى فى كتاب النشر فى القراءات العشر ١ / ٣١٥ ، ٣١٦ وقال : هذا حديث حجة ونص فى هذا الباب ورجال إسناده ثقات ، رواه الطبرانى فى معجمه الكبير.

(٤) انظر : النشر فى القراءة العشر ١ / ٣١٥ طبعة دار الكتب العلمية بيروت للحافظ أبى الخير محمد بن محمد الدمشقى الشهير بابن الجزرى.

(٥) انظر : هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ٢٦٧ ـ ٣٦٣ للشيخ / عبد الفتاح المرصفى.

٣٩٩

الوقف والابتداء

أهمية هذا الباب :

يعتبر الوقف والابتداء من أهم أبواب علم التجويد التى ينبغى للقارئ أن يهتم بها ، ويجب عليه معرفتها ، وهو علم جليل إذ بمعرفته نستطيع أن نقف على كيفية أداء القراءة.

ومما يدل على أهمية تعلم هذا العلم أن الإمام عليا رضي الله عنه سئل عن قوله تعالى :

(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (سورة المزمل آية : ٤) فقال : الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. وبما ورد عن ابن عمر أنه قال : «لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغى أن يوقف عنده منها» (١).

قال ابن الجزرى : ففي كلام على رضي الله عنه دليل على وجوب تعلمه ومعرفته ، وفى كلام ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ برهان على أن تعلمه إجماع من الصحابة ـ رضى الله عنهم ، وصح بل تواتر عندنا تعلمه والاعتناء به من السلف كأبى جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذى هو من أعيان التابعين وصاحبه الإمام نافع بن أبى نعيم ، وأبى عمرو ابن العلاء ، ويعقوب الحضرمى ، وعاصم بن أبى النجود وغيرهم من الأئمة وكلامهم فى ذلك معروف (٢).

ومن أقوى الأدلة فى هذا الباب ظاهر الحديث الذى رواه أبو داود عن أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية ، يقول : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، ثم يقف. (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ثم يقف. (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ثم يقف (٣). وفى مسند الإمام أحمد ، وسنن أبى داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقطع قراءته : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)» وقال الدارقطنى : صحيح الإسناد (٤).

تعريف الوقف وأقسامه :

الوقف فى اللغة : الكف والحبس ، يقال :

أوقفت الدابة أى حبستها.

٤٠٠