الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

مراتب التلاوة

مراتب التلاوة بالنظر إلى سرعة الأداء وبطئه هى :

١ ـ التحقيق : وهو فى اللغة : التدقيق والتأكد والإنجاز. وفى الاصطلاح : التأنى فى القراءة بإعطاء كل حرف حقه من إشباع المد وتحقيق الهمزات ، وإتمام الحركات ، واعتماد الإظهار والتشديدات ، وتوفية الغنات ، وتفكيك الحروف وإخراج بعضها من بعض بالسكت والترسل واليسر والتؤدة ، وملاحظة الجائز من الوقوف بلا قصر ولا اختلاس ولا إسكان محرك ، ولا إدغامه إلخ من مراعات جميع أحكام التجويد (١).

يقول السيوطى : «التحقيق يكون لرياضة الألسن وتقويم الألفاظ ، ويستحب الأخذ به على المتعلمين من غير أن يتجاوز فيه إلى حد الإفراط بتوليد الحروف من الحركات ، وتكرير الراءات ، وتحريك السواكن ، وتطنين النونات بالمبالغة فى الغنات ، كما قال حمزة ـ رحمه‌الله تعالى ـ لبعض من سمعه يبالغ فى ذلك : «أما علمت أن ما فوق البياض برص ، وما فوق الجعودة قطط ، وما فوق القراءة ليس بقراءة»؟ (٢).

٢ ـ الحدر : فى اللغة : الإسراع. وفى الاصطلاح : هو إدراج القراءة وسرعتها وتخفيفها بالقصر والتسكين ، والاختلاس والبدل والإدغام الكبير وتخفيف الهمزة ، ونحو ذلك مما صحت به الرواية مع مراعاة إقامة الإعراب وتقويم اللفظ ، وتمكن الحروف بدون بتر حروف المد ، واختلاس أكثر الحركات ، وذهاب صوت الغنة ، والتفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة ، ولا توصف بها التلاوة ، وهذا النوع مذهب ابن كثير ، وأبى جعفر ، ومن قصر المنفصل كأبى عمرو ويعقوب (٣).

ويتلخص من ذلك : أن الحدر : هو الإسراع فى القراءة مع مراعاة الأحكام.

٣ ـ التدوير : وهو فى اللغة : جعل الشيء على شكل دائرة أى حلقة ، وفى الاصطلاح :

هو مرتبة متوسطة بين الترتيل والحدر ، أو بين التحقيق والحدر. قال السيوطى : «وهو الذى ورد عن أكثر الأئمة ممن مدّ المنفصل ولم يبلغ فيه الإشباع ، وهو مذهب سائر القراء ، وهو المختار عند أكثر أهل الأداء» (٤).

٤ ـ الترتيل : وهو فى اللغة : الترسل.

٣٦١

ويقال : رتل الكلام : أحسن تأليفه وأبانه وتمهل فيه. وترتيل القراءة : الترسل فيها والتبيين من غير بغى (٥). وفى الاصطلاح :

القراءة بتؤدة واطمئنان مع تدبر المعانى ومراعاة أحكام التجويد من إعطاء الحروف حقها من الصفات والمخارج ، ومد الممدود وقصر المقصور ، وترقيق المرقق وتفخيم المفخم مما يتفق وقواعد التجويد. وهو أفضل المراتب الأربعة ، فقد أمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال جل شأنه : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (سورة المزمل آية ٤)

والفرق بين الترتيل والتحقيق ـ فيما ذكره بعض العلماء ـ أن التحقيق يكون للرياضة والتعليم والتمرين ، والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط ، فكل تحقيق ترتيل ، وليس كل ترتيل تحقيقا (٦).

وقول السيوطى : «كل تحقيق ترتيل وليس كل ترتيل تحقيقا». يريد به بيان النسبة بين الترتيل والتحقيق ـ على ما أعتقد ـ مما يكون فى مقام التعليم يطلق عليه تحقيق ويطلق عليه ترتيل أيضا ؛ لأن مقام التعليم لا ينافى التدبر والتفكر ، وما يكون فى مقام التدبر والتفكر يطلق عليه ترتيل ، ولا يطلق عليه تحقيق لأنه ليس مقام تعليم وتمرين.

إذن : فالتحقيق أعم والترتيل أخص ، والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق ، وهو أن يجتمع الشيئان فى شىء واحد وينفرد الأعم.

حكم الاستعاذة

اتفق العلماء على أن الاستعاذة مطلوبة من مريد القراءة ، واختلفوا بعد ذلك هل هذا الطلب على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب؟. فذهب جمهور العلماء وأهل الأداء إلى أنه على سبيل الندب ، وقالوا : إن الاستعاذة مندوبة عند إرادة القراءة ، وحملوا الأمر فى قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (سورة النحل آية ٩٨). على الندب فلو تركها القارئ لا يكون آثما.

وقال ابن سيرين ـ وهو من القائلين بالوجوب ـ : لو أتى الإنسان بها مرة واحدة فى حياته كفاه ذلك فى إسقاط الواجب عنه.

وصيغة الاستعاذة عند جميع القراء : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». لأن هذا الصيغة هى الواردة فى القرآن الكريم كما فى الآية السابقة ، وهى الواردة أيضا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ففي الصحيحين من حديث سليمان بن صرد ـ رضى الله عنه ـ قال : «استبّ رجلان عند رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمرّ وجهه ، فقال النبى

٣٦٢

صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنى لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجده ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». (٧) ولا خلاف بينهم فى جواز غير هذه الصيغة من الصيغ الواردة عن أهل الأداء سواء نقصت عن هذه الصيغة نحو : «أعوذ بالله من الشيطان» ، أم زادت نحو : «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» إلى غير ذلك من الصيغ الواردة عن أئمة القراءة.

كيفيتها : يرى بعض الأئمة : أن المختار الجهر بالاستعاذة مطلقا ، وقيل : المختار الإسرار بها مطلقا. وقيل : الجهر بالتعوذ أفضل إذا كان بحضرة القارئ من يسمع قراءته ، لينصت السامع للقراءة ، وأما إذا لم يكن بحضرته من

يسمع ، أو كان ولكنه أراد أن يقرأ سرا ، فلا يطلب الجهر. وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة فى الصلاة وخارجها (٨) ، فإن المختار فى الصلاة الإخفاء لأن المأموم منصت من أول الإحرام بالصلاة.

البسملة وحكمها

البسملة : مصدر بسمل إذا قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أو إذا كتبها فهى بمعنى القول أو الكتابة. ثم صارت حقيقة عرفية فى نفس (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهو المراد هنا.

ولا خلاف بين العلماء فى أن البسملة بعض آية من سورة النمل ، كما أنه لا خلاف بين القراء فى إثباتها أول سورة «الفاتحة» سواء وصلت بسورة «الناس» أو ابتدئ بها ، لأنها وإن وصلت لفظا فهى مبتدأ بها حكما ، وقد أجمع القراء السبعة أيضا على الإتيان بها عند الابتداء بأول كل سورة سوى سورة «براءة» وذلك لكتابتها فى المصحف.

ويجوز لكل القراء الإتيان بالبسملة وتركها فى أواسط السور ، لا فرق فى ذلك بين سورة «براءة» وغيرها ، وذهب بعض العلماء إلى استثناء براءة فألحقها بأولها فى عدم جواز الإتيان بالبسملة فى أوسطها لأحد من القراء (٩).

الأوجه التى تجوز للقارئ فى الاستعاذة مع البسملة والسورة أربعة أوجه وهى :

١ ـ وصل الجميع : بمعنى : أن يصل الاستعاذة بالبسملة ووصل البسملة بالسورة.

٢ ـ قطع الجميع : بمعنى : عدم وصل الاستعاذة بالبسملة ، وعدم وصل البسملة بالسورة.

٣ ـ وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف على البسملة ، ثم يبدأ فى قراءة السورة.

٤ ـ قطع الاستعاذة عن البسملة ، ووصل البسملة بالسورة.

٣٦٣

أما أوجه البسملة بين السورتين فيجوز للقارئ فيها ثلاثة أوجه وهى :

ـ وصل الجميع : أى : وصل آخر السورة بالبسملة ، ووصل البسملة بأول السورة الأخرى.

٢ ـ قطع الجميع ، بمعنى : عدم وصل آخر السورة بالبسملة ، وعدم وصل البسملة بأول السورة الأخرى.

٣ ـ قطع البسملة عن آخر السورة ، ووصلها بأول السورة الأخرى.

وهناك وجه ممنوع عند الجميع لا يصح وهو : وصل البسملة بآخر السورة الأولى وقطعها عن الأخرى.

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) بغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن ص ٧.

(٢) الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١ / ١٣٢ طبعة الحلبى الرابعة ١٣٩٨ ه‍ ١٩٧٨ م.

(٣) المصدر السابق.

(٤) نفس المصدر.

(٥) لسان العرب ، لابن منظور مادة «رتل» ٣ / ١٥٧٨ طبعة دار المعارف.

(٦) الإتقان فى علوم القرآن لجلال الدين السيوطى ١ / ١٣٢.

(٧) الحديث أخرجه أبو داود فى سننه برقم ٤٧٨٠ ، والحاكم فى المستدرك ٢ / ٤٤١ ، والطبرانى فى الكبير ٧ / ١١٦.

(٨) انظر : النشر فى القراءات العشر للحافظ ابن الجزرى ١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٩ طبعة دار الكتب العلمية ببيروت. والإتقان فى علوم القرآن للسيوطى ١ / ١٣٩.

(٩) القول السديد فى فن التجويد ص ٥٤ بتصرف للدكتور / أحمد عبد الغنى الجمل ، طبعة أولى ـ مطبعة الحسين الإسلامية ـ ١٤١١ ه‍ ١٩٩٠ م.

٣٦٤

مخارج الحروف

المخارج : جمع مخرج ، وهو فى اللغة : اسم لمكان خروج الشيء. وفى الاصطلاح : محل خروج الحرف الذى ينقطع عنده صوت النطق به فيتميز عن غيره.

كيفية معرفة مخرج الحرف : ولمعرفة مخرج أى حرف ينبغى أن ندخل عليه حرفا متحركا مع تسكين الحرف المراد مخرجه أو تشديده ، ثم نصغى إليه حال النطق به ، فحيث انقطع صوت النطق بالحرف فهو مخرجه.

هذا بالنسبة لحروف الهجاء ما عدا حروف المد واللين.

أما هذه الحروف فتعرف مخارجها بإدخال حرف مفتوح على الألف ، ومكسور على الياء ، ومضموم على الواو.

عدد مخارج الحروف :

لما كانت مادة الحروف هى الصوت الذى هو الهواء الخارج من الرئة إلى الفم ، لذا رتب العلماء مخارج الحروف باعتبار الصوت ، فقدموا فى الذكر ما هو أقرب إلى الرئة ثم ما يليه إلى الفم وهكذا.

واختلف العلماء فى عدد مخارج الحروف ، والمختار ما ذهب إليه الجمهور ، وهو أن المخارج سبعة عشر مخرجا منحصرة فى خمسة مخارج عامة ، وهى :

الأول : الجوف : ومعناه فى اللغة : الخلاء.

وفى الاصطلاح : الخلاء الواقع داخل الحلق والفم. وتخرج منه الألف المدية المفتوح ما قبلها نحو : «قال» ، والياء المدية المكسور ما قبلها نحو : «قيل» ، والواو المدية المضموم ما قبلها نحو : «يقول». وتسمى هذه الحروف الثلاثة الجوفية لخروجها من الجوف ، وتسمى أيضا مدية وذلك لامتداد الصوت بها فى يسر عند النطق بها.

الثانى : الحلق : وهو مخرج كلى وفيه ثلاثة مخارج جزئية هى :

١ ـ أقصى الحلق ، وتخرج منه الهمز والهاء.

٢ ـ وسط الحلق : وتخرج منه العين والحاء.

٣ ـ أدنى الحلق : وتخرج منه الغين والخاء.

وتسمى جميع هذه الحروف بالحلقية لخروجها من الحلق.

الثالث : اللسان : وهو مخرج كلى وفيه عشرة مخارج جزئية وهى :

٣٦٥

١ ـ أقصى اللسان من فوق مما يلى الحلق مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى ، ومنه تخرج القاف.

٢ ـ أسفل أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى ، ومنه تخرج الكاف.

٣ ـ وسط اللسان مع ما يليه من الحنك الأعلى ، ومنه تخرج الجيم والشين مطلقا ، والياء المتحركة.

٤ ـ إحدى حافتى اللسان الأمامية مما يلى الأضراس العليا ، أى جانبيه من الداخل ومنها تخرج الضاد ، ومن الجانب الأيسر أسهل وأكثر استعمالا.

٥ ـ أدنى حافتى اللسان إلى منتهاه مما يلى الأنياب ، أى جانبه من الخارج مع ما يحاذيه من لثة الأسنان العليا ، ومنه تخرج اللام.

٦ ـ طرف اللسان تحت مخرج اللام قليلا مع ما يحاذيه من لثة الأسنان العليا ، ومنه تخرج النون الساكنة ولو تنوينا.

٧ ـ أدنى اللسان من ظهره أدخل من النون قليلا مع ما يحاذيه من لثة الأسنان العليا ، ومنه تخرج الراء. هذا وقد اشتركت النون والراء فى المخرج إلا أن الراء أدخل إلى ظهر اللسان من مخرج النون.

٨ ـ طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا ، ومنه تخرج الطاء والدال والتاء.

٩ ـ طرف اللسان من فوق الثنايا السفلى مع مراعاة الانفراج القليل بين طرف اللسان والثنايا عند النطق ، ومنه تخرج الصاد والزاى والسين.

١٠ ـ طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا ، ومنه تخرج الظاء والذال والثاء. وهذه الحروف الثلاثة هى المطلوب إخراج اللسان عند النطق بها.

الرابع : الشفتان : وفيهما مخرجان هما :

١ ـ بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا ، ومنه تخرج الفاء.

٢ ـ الشفتان معا ، ومنهما تخرج الباء والميم مع انطباق الشفتين ، والواو مع انفتاح الشفتين وانفراجهما قليلا. والمراد بالواو هنا غير المدية ، أما المدية فتخرج من الجوف كما سبق ، وتسمى هذه الحروف الشفهية.

الخامس : الخيشوم : وهو أعلى الأنف وأقصاه من الداخل ، ومنه تخرج الغنة المركبة فى جسم النون ولو تنوينا ، والميم فقط (١).

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) انظر فى هذا الموضوع نهاية القول المفيد فى علم التجويد من ص ٣١ ـ ٤١ للشيخ محمد مكى نصر. طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة ١٣٤٩ ه‍.

٣٦٦

صفات الحروف

والصفات : جمع صفة وهى فى اللغة :

ما قام بالشىء من المعانى حسيا كالبياض والحمرة أو معنويا كالأدب والعلم. وفى الاصطلاح : كيفية تعرض للحرف عند النطق به كجريان النفس فى الحروف المهموسة وعدم جريانه فى الحروف المجهورة وما أشبه ذلك.

الفرق بين الصفة والمخرج : فالمخرج : هو المحل والمكان والموضع الذى يخرج منه الحرف ، كالحلق ، أو الجوف ، أو الخيشوم إلخ.

أما الصفة : فهى كيفية تولد الحرف وخروجه من مخرجه كالجهر أو الهمس أو الشدة أو الرخاوة ، إلخ.

فوائد معرفة الصفات :

١ ـ تمييز الحروف المشتركة فى المخرج إذ لو لا الصفات لما تميزت الطاء عن التاء ، ولما تميزت الظاء عن الذال ، لأن الطاء والتاء مخرجهما واحد ، وكذلك الظاء والذال مخرجهما واحد.

٢ ـ تحسين لفظ الحروف المختلفة فى المخرج.

٣ ـ معرفة قوىّ الحروف وضعيفها.

وتنقسم الصفات إلى قسمين :

الأول : صفات لازمة «أصلية» : وهى الملازمة للحرف فلا تفارقه بحال من الأحوال كالجهر ، والهمس ، والشدة ، والرخاوة ، والاستعلاء ، والإطباق ، والاستفال ، والانفتاح ، والإصمات ، والتفشى ، والاستطالة ، واللين ، والقلقلة ، والصفير ، والتكرير ، والانحراف.

الثانى : صفات عارضة : وهى التى تعرض للحرف فى بعض الأحوال وتنفك عنه فى أحوال أخرى كالترقيق ، والتفخيم ، والإدغام ، والإخفاء ، والإقلاب ، والإظهار ، والمد ، والقصر ، والغنّة وغيرها.

والصفات الأصلية تنقسم من ناحية أخرى إلى قسمين : صفات لها أضداد وهى عشرة ، خمس ضدها خمس ، فالحروف الهجائية موزعة على الصفتين ، فما كان فى هذه فلا يكون فى ضدها. وصفات لا ضد لها وهى سبع.

٣٦٧

أولا : الصفات التى لها أضداد ، وتعريف كل صفة وبيان حروفها وذلك فيما يلى :

١ ـ الهمس : ومعناه فى اللغة : الخفاء.

وفى الاصطلاح : خفاء الحرف لضعفه وجريان النفس منه عند النطق به لضعف الاعتماد عليه فى مخرجه. وحروفه عشرة وهى : الفاء ، والحاء ، والثاء ، والهاء ، والشين ، والخاء ، والصاد ، والسين ، والكاف ، والتاء.

مجموعة فى قول ابن الجزرى : «فحثه شخص سكت».

٢ ـ الجهر : وهو ضد الهمس ، وهو فى اللغة : بمعنى الإعلان والإظهار. وفى الاصطلاح : ظهور الحرف وإعلانه لقوته وانحباس النفس معه عند النطق به لقوة الاعتماد عليه فى مخرجه. وحروفه تسعة عشر حرفا ، وهى الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الهمس العشرة. والفرق بين الهمس والجهر قائم على جريان النفس فى الأول وانحباسه فى الثانى.

٣ ـ الشدة : وهى فى اللغة : بمعنى القوة.

وفى الاصطلاح : انحباس جريان الصوت عند النطق بالحرف لقوة الاعتماد على مخرجه.

وحروفه ثمانية جمعها ابن الجزرى فى قوله :

«أجد قط بكت».

٤ ـ الرخاوة : وهى فى اللغة بمعنى اللين.

وفى الاصطلاح : جريان الصوت عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على مخرجه.

وحروفها : ستة عشر حرفا ما عدا الشدة والتوسط ، مع ملاحظة أن هذه الصفة هى الوحيدة من بين الصفات التى لها ضدان هما الشدة والتوسط.

٥ ـ التوسط : أى البينية بين الشدة والرخاوة. والتوسط فى اللغة : الاعتدال. وفى الاصطلاح : اعتدال الصوت عند النطق بأى حرف من حروف التوسط لعدم كمال انحباسه كما فى الشدة ، وعدم كمال جريانه كما فى الرخاوة. وحروفه خمسة مجموعة في قول ابن الجزرى : «لن عمر».

٦ ـ الاستعلاء : وهو فى اللغة : بمعنى العلو والارتفاع. وفى الاصطلاح : ارتفاع أقصى اللسان إلى الحنك الأعلى عند النطق بالحرف فيرتفع الصوت معه ، ولذلك سمى مستعليا. وحروفه سبعة وهى المجموعة فى قول ابن الجزرى : «خص ضغط قظ».

٧ ـ الاستفال : وهو ضد الاستعلاء ، ومعناه فى اللغة : الانخفاض. وقيل :

الانحطاط. وفى الاصطلاح : انخفاض أقصى اللسان أو انحطاطه عن الحنك الأعلى عند النطق بالحرف فينخفض معه الصوت إلى قاع الفم ولذا سمى مستفلا.

٣٦٨

وحروفه اثنان وعشرون حرفا وهى الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الاستعلاء السبعة المتقدمة.

ومن هنا يؤخذ أن حروف الهجاء موزعة على الصفتين ، فما كان من حروف «خص ضغط قظ» فهو مستعل ، وما كان من غيرها فهو مستفل. كما يؤخذ أيضا من التعريف الاصطلاحى للصفتين أن الفرق بينهما قائم على ارتفاع أقصى اللسان بالحرف إلى الحنك الأعلى عند النطق به أو انخفاضه عنه ، فما كان من الحروف مرتفع مع اللسان فهو مستعل ، وما كان منها منخفض معه فهو مستفل ، ويترتب على صفة الاستفال الترقيق لحروفها ، كما يترتب على صفة الاستعلاء التفخيم لحروفها.

٨ ـ الإطباق : وهو فى اللغة بمعنى الإلصاق. وفى الاصطلاح : إلصاق اللسان بالحنك الأعلى عند النطق بالحرف. وحروفه أربعة وهى : الصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء.

والصاد والضاد متوسطتان.

٩ ـ الانفتاح : ضد الإطباق ، وهو فى اللغة : بمعنى الافتراق ، وفى الاصطلاح :

انفتاح قليل بين اللسان والحنك الأعلى ، ويصح أن يقال فى تعريفه : تجافى كل من طائفتى اللسان والحنك الأعلى عن الأخرى حتى يخرج الريح من بينهما عند النطق بأى حرف من حروفه. وحروف الانفتاح خمسة وعشرون حرفا ، وهى الحروف الباقية من حروف الهجاء بعد حروف الإطباق الأربعة.

١٠ ـ الإذلاق : وهو فى اللغة : بمعنى الفصاحة والخفة. وفى الاصطلاح : خفة الحرف عند النطق به لخروجه من ذلق اللسان والشفة. وحروفه ستة جمعها ابن الجزرى فى قوله : «فر من لب» ، وسميت هذه الصفة بذلك لذلاقتها أى خفتها وسرعة النطق بحروفها ، لأن بعضها يخرج من ذلق اللسان أى : طرفه ، وهو الراء ، واللام ، والنون ، وبعضها يخرج من ذلق الشفة وهو الفاء ، والباء ، والميم.

١١ ـ الإصمات : وهو ضد الإذلاق ، ومعناه فى اللغة : المنع ، وفى الاصطلاح : ثقل الحرف بخروجه من غير اللسان والشفة ، ويمكن أن يقال فى تعريفه : امتناع حروفه من الانفراد أصولا فى الكلمات الرباعية والخماسية.

فالحروف المصمتة منعت أن تختص ببناء كلمة أصلية رباعية أو خماسية فى لغة العرب ، وذلك لصعوبة هذه الحروف على اللسان ، فكل كلمة أصلية رباعية أو خماسية فى لغة العرب يمتنع أن تكون حروفها كلها مصمتة ، بل لا بدّ أن تشتمل على بعض حروف الإذلاق ، وإلا كانت الكلمة غير عربية ككلمة

٣٦٩

«عسجد» اسم للذهب ، وكلمة «عسطوس» اسم شجر. وحروف الإصمات ثلاثة وعشرون حرفا وهى الباقية من حروف الإذلاق.

ثانيا : الصفات التى لا ضد لها وهى :

١ ـ الصفير : وهو فى اللغة : حدة الصوت. وفى الاصطلاح : صوت زائد يشبه صوت الطائر يخرج من بين الشفتين عند النطق بالحرف. وحروفه ثلاثة : الصاد ، والزاى ، والسين. فصفير الصاد يشبه صوت الأوز ، وصفير الزاى يشبه صوت النحل ، وصفير السين يشبه صوت الجراد.

٢ ـ القلقلة : وهى فى اللغة : الصياح والتحريك والاضطراب.

وفى الاصطلاح : اضطراب اللسان عند النطق بالحرف ساكنا حتى يسمع له نبرة قوية. وحروفها خمسة مجموعة فى قولك :

«قطب جد».

وسبب قلقلة هذه الحروف أنها مجهورة وشديدة ، فالجهر يمنع جريان النفس والشدة تمنع جريان الصوت. فلما امتنع جريان النفس والصوت احتيج إلى التكلف فى بيان إخراجها شبيهة بالمتحرك وهى أقرب إلى الفتحة.

ومراتب القلقلة ثلاث : أعلاها الطاء ، وأوسطها القاف ، وأدناها الباقى. وقيل :

أعلاها المشدد الموقوف عليه ، ثم الساكن فى الوقف ، ثم الساكن وصلا ، ثم المتحرك.

٣ ـ اللين : ومعناه فى اللغة : السهولة.

وفى الاصطلاح : خروج الحرف من مخرجه بيسر من غير كلفة على اللسان. وحروفه :

الواو والساكنة المفتوح ما قبلها نحو كلمة «خوف» ، والياء الساكنة المفتوح ما قبلها نحو كلمة «قريش».

٤ ـ الانحراف : وهو فى اللغة بمعنى :

الميل والعدول. وفى الاصطلاح : ميل الحرف بعد خروجه حتى يتصل بمخرج غيره ، وله حرفان : اللام ، والراء. أى أن هذين الحرفين لهما قابلية شديدة للانحراف عن مخرجهما ، فاللام تنحرف بعد خروجها من مخرجها إلى طرف اللسان أى إلى مخرج النون ، ولذلك يقرأها الألثغ نونا. والراء تنحرف بعد خروجها من مخرجها إلى ظهر اللسان إلى جهة اللام ، ولذلك يقرأها الألثغ لاما.

٥ ـ التكرار : وهو فى اللغة بمعنى : الإعادة للشيء مرة أو أكثر. وفى الاصطلاح : ارتعاد طرف اللسان عند النطق بالحرف ساكنا أو مشددا ، وله حرف واحد وهو الراء. ووصف الراء بالتكرار لأنها قابلة له وليس المقصود الإتيان به ، وإنما المقصود اجتنابه والحذر منه.

٣٧٠

٦ ـ التفشى : وهو فى اللغة بمعنى الانتشار والاتساع. وفى الاصطلاح : انتشار الريح في الفم عند النطق بالحرف حتى يتصل بمخرج الظاء. وللتفشى حرف واحد وهو الشين.

٧ ـ الاستطالة : وهى فى اللغة بمعنى :

الامتداد. وفى الاصطلاح : امتداد الصوت من أول حافة اللسان إلى آخرها عند النطق بالضاد الذى هو حرفها الوحيد. (١).

هذه هى صفات الحروف بقسميها :

الصفات التى لها أضداد ، والصفات التى ليس لها أضداد. وإليك ما جاء فى متن الجزرية :

صفاتها جهر ورخو مستفل

منفتح مصمتة والضد قل

مهموسها فحثه شخص سكت

شديد لفظ أجد قط بكت

وبين رخو والشديد لن عمر

وسبع علو خص ضغط قظ حصر

وصاد ضاد طاء ظاء مطبقة

وفر من لب الحروف المذلقة

صفير صاد وزاى سين

قلقلة قطب جد واللين

واو وياء سكنا وانفتحا

قبلهما والانحراف صححا

فى اللام والراء وبتكرير جعل

وللتفشى ضادا استطل

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) انظر : كتاب بغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن من ص ١٣١ ـ ١٥٤. وانظر : كتاب نهاية القول المفيد فى علم التجويد من ص ٤٣ ـ ٥٨ طبعة الحلبى سنة ١٣٤٩ ه‍ للشيخ / محمد مكى نصر. وراجع أيضا كتاب هداية القارى إلى تجويد كلام البارى من ص ٧٥ ـ ١٠٠ وانظر كتاب كيف تقرأ القرآن قراءة شرعية من ص ٨٢ ـ ٩٥ للدكتور سيد مرسى إبراهيم البيومى. طبعة دار التوفيقية للطباعة بالأزهر.

٣٧١

التفخيم والترقيق

التفخيم فى اللغة : التسمين ، وفى الاصطلاح : هو عبارة عن تسمين الحرف بجعله فى المخرج سمينا وفى الصفة قويا ، ويرادفه التغليظ إلا أن التفخيم غلب استعماله فى الراءات ، والتغليظ غلب استعماله فى بعض اللامات. والترقيق ضدهما ، وهو فى اللغة التنحيف. وفى الاصطلاح : هو عبارة عن تنحيف الحرف بجعله فى المخرج نحيفا وفى الصفة ضعيفا.

والحروف الهجائية بالنسبة للتفخيم والترقيق ثلاثة أقسام : منها ما يفخم قولا واحدا ، ومنها ما يرقق قولا واحدا أيضا ، ومنها ما يرقق تارة ويفخم تارة أخرى ، لسبب من الأسباب ، وإليك بيان هذه الأقسام الثلاثة فيما يلى :

أولا : الحروف التى تفخم قولا واحدا : وهى حروف الاستعلاء السبعة ، المجموعة فى قول ابن الجزرى : «خص ضغط قظ» بدون استثناء شىء منها ، وهى على خمسة مراتب :

الأولى : وهى أعلى مراتب التفخيم : أن يكون حرف التفخيم مفتوحا بعده ألف مثل كلمة : «الطامة» ، «الضالين» ، «الظانين» ، «القارعة» ، «الغافلين» ، «الخائنين».

المرتبة الثانية : وهى أن يكون الحرف مفتوحا ليس بعده ألف. مثل كلمة : «طبع» ، «ضرب» ، «ظلم» ، «صبر» ، «القتل» ، «غضب» ، «خبير».

المرتبة الثالثة : وهى أن يكون الحرف مضموما سواء كان بعده واو أو ليس بعده واو مثل كلمة : «اضطر» ، «ضرب» ، «ظلم» ، «صرفت» ، «قتل» ، «غرفة» ، «خذ».

المرتبة الرابعة : وهى أن يكون الحرف ساكنا. مثل كلمة : «أطوارا» ، «اضرب» ، «أظلم» ، «واصبر» ، «بمقدار» ، «تغرب» ، «اخرج».

المرتبة الخامسة : وهى أن يكون الحرف مكسورا مثل كلمة : «يطع» ، «ضياء» ، «ظلا» ، «خصيما» ، «قيل» ، «وغيض» ، «داخرين».

ثانيا : الحروف التى ترقق قولا واحدا : وهى حروف الاستفال ، الحروف الباقية من حروف الهجاء بعد حروف

٣٧٢

الاستعلاء السبعة المتقدم ذكرها ، باستثناء ألف المد والراء واللام من لفظ الجلالة خاصة فى بعض الأحوال.

ثالثا : الحروف المرققة تارة والمفخمة تارة أخرى : وهى : الراء واللام والألف المدية ويتبعها الغنة. وإليك بيان هذه الأحرف :

أولا : أحكام الراء : وللراء من حيث التفخيم والترقيق ثلاث حالات هى التفخيم والترقيق وجواز الوجهين ، وذلك فيما يلى :

الحالة الأولى : تفخيم الراء فى الحالات التالية :

١ ـ إذا كانت الراء مضمومة مثل قوله تعالى : «روح القدس» ، «نصر الله».

٢ ـ إذا كانت الراء مفتوحة ، مثل قوله تعالى : «وترى الجبال» ، «رابية».

٣ ـ إذا كانت الراء ساكنة بعد ضم مثل قوله تعالى : «زرتم المقابر» ، «القرآن».

٤ ـ إذا كانت الراء ساكنة بعد فتح مثل قوله تعالى : «بردا وسلاما» ، «من خردل».

٥ ـ إذا كانت الراء واقعة بعد حرف ساكن غير الياء ، وقبل ذلك الحرف الساكن فتح أو ضم كما فى قوله تعالى : «ليلة القدر» ، «لفى خسر».

٦ ـ إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر عارض ، مثل قوله تعالى : «لمن ارتضى» ، «رب ارجعون».

٧ ـ إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر أصلى ، ولكن وقع بعدها حرف من حروف الاستعلاء واتصل معها فى كلمة ولم يكن حرف الاستعلاء مكسورا نحو : «قرطاس» ، «فرقة» ، «مرصادا».

الحالة الثانية : ترقق الراء فى الحالات التالية :

١ ـ إذا كانت الراء مكسورة مثل قوله تعالى : «رزقا للعباد».

٢ ـ إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر أصلى متصل بها فى كلمة واحدة ولم يقع بعدها حرف استعلاء متصل بها مثل

كلمة «فرعون» ، «الفردوس».

٣ ـ إذا كانت الراء ساكنة متطرفة بعد حرف ساكن غير الياء وقبل هذا الحرف كسر مثل كلمة «الذكر» و «السحر» و «الشعر» وهذا لا يكون إلا فى حالة الوقوف على الراء ، فإذا وصلت تحركت ، وحينئذ يكون حكمها حسب حركتها ، ويشترط أن لا يكون الحرف الساكن حرفا من حروف الاستعلاء.

٤ ـ إذا كانت الراء ساكنة متطرفة بعد ياء ساكنة مثل : «قدير» ، و «نذير» وهذا أيضا لا يكون إلا فى حالة الوقف.

٣٧٣

٥ ـ إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر أصلى ووقع بعدها حرف استعلاء ولكنه منفصل عنها فى كلمة أخرى مثل : «أن أنذر قومك» ، «ولا تصعر خدك».

الحالة الثالثة : جواز الترقيق والتفخيم :

يجوز الترقيق والتفخيم فى «الراء» إذا كانت الراء ساكنة بعد كسر أصلى ولكن وقع بعدها حرف استعلاء متصل بها فى كلمة واحدة ، وكان حرف الاستعلاء مكسورا ، وذلك فى كلمة واحدة هى : «فرق» فى سورة الشعراء.

وكذلك يجوز الترقيق والتفخيم فى حالة الوقف إذا سكنت الراء فى الآخر ووقع بينها وبين الكسر حرف ساكن ، وكان هذا الحرف ضادا أو طاء ، فمن نظر إلى كونه حرف استعلاء وهو حاجز حصين فخم الراء ، ومن لم يعتد به رقق الراء ، والمختار التفخيم فى راء «مصر» ، والترقيق فى راء «القطر» نظرا للوصل وعملا بالأصل ، وقد أشار إلى ذلك بعضهم بقوله :

واختير أن يوقف مثل الوصل

فى راء مصر القطر يا ذا الفضل

ثانيا : أحكام اللام : وقبل البدء ببيان أحكام تفخيم اللام أو ترقيقها أقول : إن اللام فى غير لفظ الجلالة لا تكون إلا مرققة ويجب المحافظة على ترقيقها خاصة إذا وليها حرف تفخيم كما فى «وليتلطف» ، وكما فى «وعلى الله» ، ويجب عدم المبالغة فى ترقيقها حتى كأنها ممالة. كما يجب إظهارها إذا كانت لام جر كما فى «ولله الأسماء الحسنى» ، ولا تكون اللام مفخمة إلا فى لفظ الجلالة المسبوق بفتح أو ضم.

وترقق اللام فى جميع كلمات القرآن وعلى أى وضع كانت كما فى «لا ريب» «للمتقين» ، «الضالين» وغير ذلك ، وفى لفظ الجلالة «الله» ولفظ «اللهم» المسبوق بكسر سواء كان كسرا أصليا كما فى «بالله» ، و «رضوان الله» أو كسرا عارضا للتخلص من التقاء الساكنين كما فى «قل هو الله أحد الله الصمد» فلفظ الجلالة الثانى اللام فيه مرققة لأنها مسبوقة بكسر عارض على نون التنوين للتخلص من التقاء الساكنين. وكما فى : «قل اللهم» فإن اللام فى لفظ : «اللهم» مرققة لأنها مسبوقة بكسر عارض على اللام فى «قل» وذلك للتخلص من التقاء الساكنين.

تغليظ اللام :

اصطلح العلماء على تسمية اللام المفخمة بالمغلظة. وهى لا تكون مغلظة إلا فى لفظ الجلالة : «الله» أو لفظ : «اللهم» المسبوق بفتح أو ضم كما سبق بيان ذلك.

٣٧٤

ثالثا : أحكام ألف المد : ألف المد لا توصف بتفخيم ولا بترقيق ولكنها تتبع حالة الحرف الذى قبلها ، فإن كان مرققا تبعته فى الترقيق كما فى «الأنهار» ، «تجارة» ، وإن كان الحرف الذى قبلها مفخما تبعته فى التفخيم كما فى «الطامة» ، «الضالين» ، «الظالمين» إلى غير ذلك.

رابعا : أحكام غنة الإخفاء الحقيقى : الغنة لا توصف بتفخيم ولا ترقيق ولكنها عكس الألف تتبع حرف الإخفاء الذى يأتى بعدها ، فإن كان مفخما كالصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، والقاف ، فإنها تفخم تبعا له كما فى : «من طين» ، «من ظلم» ، «من ضل» ، «من قبل» ، «ولمن صبر» ، أما الغين والخاء فليس معهما غنة لأنهما من حروف الإظهار. وإن كان الحرف مرققا كالتاء والثاء والجيم وغير ذلك من حروف الإخفاء الحقيقى فإنها ترقق تبعا لها كما فى «من تحتها» ، «فمن ثقلت» ، «من جاء» إلى غير ذلك من الأمثلة (١).

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) راجع نهاية القول المفيد فى علم التجويد من ص ٩٣ ـ ١٠٣ ، وهداية القارى إلى تجويد كلام البارى من ص ١٠٣ ـ ١٥٦ وبغية عباد الرحمن لتحقيق تجويد القرآن من ص ٥٩ ـ ١٨٠ والنشر فى القراءات العشر ١ / ٢١٥ ـ ٢٢١ والمنح الفكرية شرح المقدمة الجزرية ص ٥٤ ـ ٣١ طبعة الحلبى سنة ١٣٦٧ ه‍ ١٩٤٨ للشيخ / ملا على بن سلطان محمد القارى ، والبرهان فى تجويد القرآن ص ٢٥ ـ ٢٧ طبعة محمد على صبيح وأولاده بمصر ١٩٧٨ م.

٣٧٥

أحكام النون الساكنة والتنوين

تعريفها :

النون الساكنة هى التى لا حركة لها كنون «من وعن» وهى تثبت لفظا وخطا ، ووصلا ووقفا ، وتكون فى الاسم والفعل والحرف وتقع متوسطة ومتطرفة.

والتنوين فى اللغة معناه : التصويت. يقال :

نوّن الطائر إذا صوّت. وفى الاصطلاح : هو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظا وتفارقه خطا ووقفا.

الفرق بين النون الساكنة والتنوين :

بتأمل التعريفين السابقين يظهر لنا أن هناك خمسة فروق بين النون الساكنة والتنوين هى :

١ ـ النون الساكنة حرف أصلى من حروف الهجاء ، والتنوين زائد.

٢ ـ النون الساكنة ثابتة لفظا وخطا ، والتنوين ثابت فى اللفظ دون الخط.

٣ ـ النون الساكنة ثابتة فى الوصل والوقف ، والتنوين ثابت فى الوصل دون الوقف.

٤ ـ النون الساكنة تكون فى الأسماء والأفعال والحروف ، والتنوين لا يكون إلا فى الأسماء دون الأفعال والحروف.

٥ ـ النون الساكنة تقع فى وسط الكلمة وفى آخرها ، والتنوين لا يكون إلا فى آخر الكلمة.

هذا : وللنون الساكنة والتنوين بالنسبة لما يأتى بعدهما من حروف الهجاء أربعة أحكام هى : الإظهار ، والإدغام ، والإقلاب ، والإخفاء ، وإليك بيان هذه الأحكام فيما يلى :

الأول : الإظهار :

الإظهار فى اللغة معناه : الكشف والوضوح والبيان. وفى الاصطلاح : إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة فى الحرف المظهر.

وقال بعضهم : هو فصل الحرف الأول من الثانى من غير سكت عليه. وقيل غير ذلك.

وحروف الإظهار ستة هى : الهمزة ، والهاء ، والعين ، والحاء ، والغين ، والخاء. وهى المسماة بحروف الحلق ، ولذا سمى إظهارا سواء كان معها فى كلمة أم كان منفصلا عنها بأن كانت النون آخر الكلمة وحرف الحلق أول الثانية ، أو بعد التنوين ـ ولا يكون إلا من كلمتين ـ وجب الإظهار.

٣٧٦

ومن أمثلة النون فى كلمة ومن كلمتين مع الهمزة : «ينأون» ، «من آمن» ، ومع الهاء :

«منهم» ، «من هاجر» ، ومع العين : «أنعمت» ، «من عمل» ، ومع الحاء : «ينحتون» ، «فإن حاجوك» ، ومع الغين : «فسينغضون» «من غل» ، ومع الخاء : «والمنخنقة» ، «ومن خزى».

ومن أمثلة التنوين مع الهمزة : «جنات ألفافا» ، ومع الهاء : «جرف هار» ، ومع العين :

«سميع عليم» ، ومع الحاء : «عليم حكيم» ، ومع الغين : «عزيز غفور» ، ومع الخاء :

«لطيفا خبيرا».

والعلة فى إظهار النون والتنوين عند هذه الأحرف بعد المخرج أى : بعد مخرج النون والتنوين عن مخرج حروف الحلق ، فالنون والتنوين يخرجان من طرف اللسان ، والحروف الستة تخرج من الحلق. وأعلى مراتب الإظهار عند الهمز والهاء ، وأوسطه عند العين والحاء ، وأدناه عند الغين والخاء.

وسمى إظهارا لظهور النون الساكنة والتنوين عند ملاقاتهما بحرف من هذه الأحرف. وسمى حلقيا لخروج حروفه من الحلق.

الثانى : الإدغام :

والإدغام فى اللغة معناه : إدخال الشيء فى الشيء ، وفى الاصطلاح : التقاء حرف ساكن بمتحرك بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا يرتفع عنه اللسان ارتفاعة واحدة.

ومعنى ذلك : أن الإدغام : هو إدخال الحرف الأول فى الحرف الثانى بحيث يصيران حرفا واحدا مشددا.

وحروف الإدغام ستة مجموعة فى كلمة :

«يرملون» وهى الياء والراء والميم واللام والواو والنون. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الستة بعد النون الساكنة بشرط أن تكون النون آخر الكلمة ، وأحد هذه الحروف الستة أول الكلمة الثانية ، أو بعد التنوين ـ ولا يكون إلا من كلمتين ـ وجب إدغامها.

وينقسم الإدغام إلى قسمين :

الأول : إدغام بغنة وله أربعة حروف مجموعة فى لفظ «ينمو» وهى الياء والنون والميم والواو. فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة بعد النون الساكنة والتنوين بشرط أن ذلك يكون من كلمتين ، بأن تكون النون فى كلمة وأحد الحروف فى كلمة أخرى ، أو بعد التنوين ـ ولا يكون إلا من كلمتين ـ وجب الإدغام ، ويسمى إدغاما ناقصا ، لذهاب الحرف وهو النون ، أو التنوين وبقاء الصفة وهى الغنة.

ومن أمثلة النون الساكنة مع الياء : «من يقول» ومع النون : «من نذير» ، ومع الميم : «من مسد» ، ومع الواو : «من ولى».

ومن أمثلة التنوين مع الياء : «وبرق يجعلون» ، ومع النون : «يومئذ ناعمة» ،

٣٧٧

ومع الميم : «عذاب مقيم» ، ومع الواو :

«يومئذ واهية».

أما إذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة السابقة بعد النون الساكنة فى كلمة واحدة وجب الإظهار مطلقا لعدم تقييده بحلق أو شفة ، ولم يقع فى القرآن بعد النون من كلمة إلا الياء والواو ، فالياء فى كلمتى «الدنيا» ، و «بنيان» ، والواو فى كلمتى :

«صنوان» ، و «قنوان».

ووجب الإظهار فى هذه الكلمات الأربع لئلا يشتبه بالمضاعف ـ وهو ما تكرر أحد أصوله «كصنوان» «ودنيا» ، فلو أدغمت النون فى الياء أو فى الواو ، وقيل الديا وصوان ، فيلتبس الأمر بين ما أصله النون فأدغمت نونه ، وبين ما أصله التضعيف ، فلهذا أظهرت النون خوف الالتباس.

الثانى : إدغام بغير غنة ، وله حرفان : اللام والراء. فإذا وقعت اللام أو الراء بعد النون الساكنة أو التنوين وجب الإدغام ، ويسمى إدغاما بغير غنة ، ووجه حذف الغنة مع اللام والراء : المبالغة فى التخفيف ، ويسمى هذا القسم من الإدغام إدغاما كاملا ، لذهاب الحرف والصفة معا.

ومن أمثلة اللام بعد النون الساكنة : «ولكن لا يعلمون» ، ومثال الراء بعد النون الساكنة :«من ربهم» ، ومثال اللام بعد التنوين :«هدى للمتقين» ، ومثال الراء بعد التنوين :«رءوف رحيم».

الثالث : الإقلاب :

والإقلاب فى اللغة معناه : تحويل الشيء عن وجهه ، وفى الاصطلاح : جعل حرف وهو الميم ، مكان حرف آخر ، وهو النون الساكنة أو التنوين ، مع مراعاة الغنة والإخفاء. ويصح أن يقال فى تعريفه : هو قلب النون الساكنة أو التنوين ميما عند الباء ، مع مراعاة الغنة والإخفاء. وله حرف واحد هو الباء ، فإذا وقعت الباء بعد النون الساكنة من كلمة أو من كلمتين ، أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين وجب الإقلاب ، أى قلب هذه النون أو التنوين ميما عند الباء مع الإخفاء بغنة.

ومن أمثلة النون الساكنة مع الباء : «أنبئهم» «أن بورك» ، ومثال التنوين مع الباء : «سميع بصير».

ووجه الإقلاب هنا هو : عسر الإتيان بالغنة فى النون الساكنة والتنوين مع الإظهار ، ثم إطباق الشفتين لأجل الباء ، وعسر الإدغام كذلك لاختلاف المخرج وقلة التناسب ، وحينئذ يتعين الإخفاء ، ثم توصل إليه بالقلب ميما لمشاركتها للباء مخرجا وللنون غنة.

الرابع : الإخفاء :

والإخفاء فى اللغة معناه : الستر ، تقول :

أخفيت الشيء أى : سترته. وفى الاصطلاح :

هو عبارة عن النطق بحرف ساكن عار من التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام مع

٣٧٨

بقاء الغنة فى الحرف الأول وهو هنا النون الساكنة والتنوين.

وحروف الإخفاء : خمسة عشر حرفا وهى التى جمعها الجمزورى فى تحفته فى أوائل كلمات البيت التالى :

صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما

دم طيبا زد فى تقى ضع ظالما

وهى : الصاد ، والذال ، والثاء ، والكاف ، والجيم ، والشين ، والقاف ، والسين ، والدال ، والطاء ، والزاى ، والفاء ، والتاء ، والضاد ، والظاء.

فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد النون الساكنة سواء كان متصلا بها فى كلمتها أم منفصلا عنها ، أو بعد التنوين ولا يكون إلا من كلمتين كما هو مقرر وجب إخفاؤهما ، ويسمى إخفاء حقيقيا لأنه متحقق فى النون الساكنة والتنوين أكثر من غيرهما.

ومن أمثلة إخفاء النون الساكنة مع هذه الحروف من كلمة ومن كلمتين : «منصورا» «أن صدوكم» ، «منذر» ، «من ذكر» ، «منثورا» ، «من ثمرة» ، «ينكثون» ، «من كل» ، «أنجيناكم» ، «أن جاءكم» ، «المنشئون» ، «لمن شاء» ، «أندادا» ، «من دابة» ، «ينقضون» ، «فإن قاتلوكم» ، «منسأته» ، «من سيئاتكم» ، «ينطقون» ، «من طيبات» ، «فأنزلنا» ، «فإن زللتم» ، «انفروا» ، «وإن فاتكم» ، «منتهون» ، «من تحتها» ، «منضود» ، «من ضل» ، «انظروا» ، «من ظهير».

ومن أمثلة التنوين مع هذه الحروف : «ريحا صرصرا» ، «سراعا ذلك» ، «أزواجا ثلاثة» ، «عادا كفروا» ، «فصبر جميل» ، «بأس شديد» ، «ثمنا قليلا» ، «ورجلا سلما» ، «قنوان دانية» ، «شرابا طهورا» ، «مباركة زيتونة» ، «خالدا فيها» ، «جنات تجرى» ، «قوما ضالين» ، «ظلا ظليلا».

ووجه إخفاء النون الساكنة والتنوين عند هذه الأحرف هو : أن النون الساكنة والتنوين لم يقربا من هذه الأحرف الخمسة عشر مثل قربهما من حروف الإدغام حتى يدغما ، ولم تبعد النون الساكنة والتنوين من هذه الأحرف مثل بعدهما عن حروف الإظهار فيظهرا ، فهما لم يأخذا القرب الموجب للإدغام ، ولم يأخذا صفة البعد الموجب للإظهار ، ومن هنا فقد أعطيت النون الساكنة والتنوين عند الأحرف الخمسة عشر السابقة حكما متوسطا بين الإظهار والإدغام ، هذا الحكم المتوسط ، هو الإخفاء كما اتضح لنا معناه.

وللإخفاء مراتب ثلاثة : أعلى عند الطاء والدال والتاء.

وأدنى عند القاف والكاف. وأوسط عند باقى الحروف الخمسة عشر. وقد أشار صاحب التحفة إلى هذه الأحكام الأربعة بقوله :

٣٧٩

للنون إن تسكن وللتنوين

أربع أحكام فخذ تبيينى

فالأول الإظهار قبل أحرف

للحلق ست رتبت فلتعرف

همز فهاء ثم عين حاء

مهملتان ثم غين خاء

والثانى إدغام بستة أتت

فى يرملون عندهم قد ثبتت

لكنهما قسمان قسم يدغما

فيه بغنة بينمو علما

إلا إذا كان بكلمة فلا

تدغم كدنيا ثم صنوان تلا

والثانى إدغام بغير غنة

فى اللام والراء ثم كرّرنه

والثالث الإقلاب عند الباء

ميما بغنة مع الإخفاء

والرابع الإخفاء عند الفاضل

من الحروف واجب للفاضل

فى خمسة من بعد عشر رمزها

فى كلم هذا البيت قد ضمنتها

صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما

دم طيبا زد فى تقى ضع ظالما (إ) ١

أ. د. السيد إسماعيل على سليمان

الهوامش :

__________________

(١) النجوم الطوالع شرح الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الإمام نافع للعلامة المحقق الشيخ سيدى إبراهيم أحمد المارغنى ص ٩٦ وما بعدها طبع المطبعة التونسية بسوق البلاط بتونس عام ١٣٥٤ ه‍ ١٩٣٥ م. وانظر : هداية القارى إلى تجويد كلام البارى ص ١٥٩ وما بعدها طبعة دار النصر للطباعة الإسلامية الأولى سنة ١٤٠٢ ه‍ ١٩٨٢ م للشيخ / عبد الفتاح السيد عجمى المرصفى. وانظر البرهان فى تجويد القرآن ص ٧ ـ ١١ طبعة مطبعة محمد على صبيح وأولاده بميدان الأزهر سنة ١٩٧٨ للشيخ / محمد الصادق قمحاوى. وكتاب كيف تقرأ القرآن قراءة شرعية ص ١١٥ ـ ١٢٣. طبعة دار التوفيقية بالأزهر سنة ١٤٠٠ ه‍ ١٩٨٠ م للأستاذ الدكتور سيد مرسى إبراهيم بيومى.

٣٨٠