الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

المعانى ، فالبيان ، فالبديع ، لإظهار أسرار الإعجاز البلاغى.

سابعا : ثم يبين المعنى المراد بعبارة سلسة بليغة ، مطابقة للنص المفسّر ، دون تزيد على معناه ، أو إنقاص شىء من محتواه.

ثامنا : استنباط ما يمكن استنباطه ، من أمور تتعلق بالعقيدة ، أو بالأحكام الفقهية ، أو البلاغية ، أو غير ذلك ، فى حدود القوانين الشرعية ، والقواعد اللغوية.

مع ملاحظة أمرين فى غاية الأهمية :

أولهما : اجتناب كل ما يعتبر من قبيل الحشو ، فلا يشحن تفسيره بمسائل الإعراب ، وعلل النحو ، ودلائل أصول الفقه ، ودلائل مسائل الفقه ، فكل ذلك مقرر فى تأليف هذه العلوم ، وإنما يؤخذ ذلك مسلما به فى علم التفسير ، دون استدلال عليه.

ثانيهما : التركيز على العنصر العملى فى القرآن ، ببيان أن القرآن ليس كتاب تلاوة وثقافة فقط ، ولكنه كتاب علم وعمل ، فيجب على المسلمين أن يتحركوا به فى دنيا الواقع ، كما فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحابته الكرام ـ رضى الله عنهم أجمعين.

٢٨ ـ طبقات المفسرين ومدارسهم :

لما أنزل الله ـ تعالى ـ القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره بتبليغ ألفاظه ، وتبيين ما احتاج الناس إلى بيانه ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة : ٦٧] ، وقال أيضا : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤].

فامتثل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمر ربه ، فبين لهم ما كان خافيا عليهم ، وأزال عن قرآنه ما التبس منه ، ففهم الصحابة قرآن ربهم وعملوا به ، ولما انتقل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جوار ربه ترك عبء الدعوة الإسلامية ، وتبليغ كتاب الله ـ عزوجل ـ وتبيينه على عاتق أصحابه الكرام ، فكان هؤلاء الصحب عند حسن الظن بهم ، فانتشروا فى البلاد شرقا وغربا ، وأسسوا للناس مدارس ، تعلمهم كتاب ربهم ، وتفقههم فى أمور دينهم.

وقد اشتهر من بين هؤلاء الصحابة :

الخلفاء الراشدون الأربعة ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود ، وأبىّ بن كعب ، وأبو موسى الأشعرى ، وعبد الله بن الزبير ، وزيد بن ثابت ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وعبد الله ابن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وجابر بن عبد الله.

ثم جاء بعد طبقة الصحابة طبقة التابعين الذين تتلمذوا على أيدى صحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما هى إلا سنوات قلائل إلا وقد وجدنا

٣٠١

لجهد الصحابة الثمرة المرجوة منه ، حيث لم يخلد هؤلاء الصحابة للراحة فى المدينة أو فى الأمصار المفتوحة ، وإنما كانوا منارات علم وتعليم ، فأسسوا المدارس من أجل إنشاء جيل صار خير الأجيال بلا منازع بعد جيل الصحابة ـ رضى الله عن الجميع.

وكان من أبرز تلك المدارس ثلاث مدارس ، أثرت فى الحركة التفسيرية تأثيرا منقطع النظير ، هذه المدارس هى :

(أ) مدرسة مكة : وكان أستاذها عبد الله ابن عباس ، وكان أبرز طلابها : سعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، وعكرمة أبو عبد الله البربرى ، وعطاء بن أبى رباح ، وطاوس بن كيسان.

(ب) مدرسة الكوفة : وأستاذها عبد الله ابن مسعود ، وكان من أبرز تلاميذ هذه المدرسة الذين صاروا أئمة فى التفسير :

علقمة بن قيس ، وزر بن حبيش ، ومسروق بن الأجدع ، وعبيدة بن عمرو ، وعبيد بن نضيلة ، والأسود بن يزيد ، وأبو عبد الرحمن السلمى ، وعامر الشعبى ، والحسن البصرى ، وقتادة بن دعامة السّدوسى.

(ج) مدرسة المدينة : ومؤسسها وأستاذها أبىّ بن كعب ، ومن أبرز تلاميذ هذه المدرسة الذين صاروا أئمة فى التفسير : أبو العالية رفيع بن مهران الرياحى البصرى ، وسعيد بن المسيب ، ومحمد بن كعب القرظى ، وزيد بن أسلم.

ثم بعد هذه الطبقة جاءت طبقة أخرى اهتمت بجمع أقوال الصحابة والتابعين فى التفسير ، وعلى رأس هذه الطبقة : سفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجراح ، وشعبة بن الحجاج ، وآخرون.

ثم جاءت بعدها طبقة أخرى ، وعلى رأسها : محمد بن جرير الطبرى ، وابن أبى حاتم ، وابن ماجة ، والحاكم ، وابن مردويه ، وابن حبان ، وابن المنذر ، وهذه التفاسير كلها بالمأثور ، ليس فيها غيره ، إلا تفسير ابن جرير الطبرى ، فإنه فى معظم الأحيان يتعرض لتوجيه الأقوال التى يذكرها ويرجح بعضها على بعض ، كما يتعرض للمسائل الفقهية ، وأصول الفقه والقراءات والإعراب وغير ذلك ، مما جعل تفسيره فى غاية الأهمية لدى المشتغلين بالمأثور وبالرأى على حد سواء ، وإن كانت الصبغة المأثورية هى الغالبة عليه.

وبعد هذه الطبقة التى كانت تهتم بذكر السند جاءت طبقة أخرى ، أهملوا الإسناد ، فالتبس الصحيح بالعليل ، وتسلل الدخيل إلى التفسير.

إلى أن جاءت طبقة أخرى كان الواحد

٣٠٢

منهم أشبه بحاطب ليل ، ثم خطا المفسرون بعد ذلك خطوة متخصصة ، أو قريبة منها ، حيث رأينا الواحد منهم يصبغ تفسيره بالصبغة التى برع فيها ، أو طغت عليه ، فوجدنا بعضهم يهتم بالإعراب وقواعد النحو وفروعه ، كما هو صنيع الزجاج ، والواحدى ، وأبى حيان ، ووجدنا آخرين جعلوا كل همهم سرد القصص عن السابقين ، بصرف النظر عن صحتها أو بطلانها ، كما فعل الثعلبى ، ووجدنا صنفا آخر صب اهتمامه على مسائل الفقه ، وكأنه أراد بتفسيره أن يكون موسوعة فقهية ، كما فعل القرطبى ، كما رأينا صنفا آخر جعل العلوم العقلية والفلسفية بؤرة اهتمامه فى التفسير ، كالفخر الرازى.

أما أصحاب البدع ، كالمعتزلة والخوارج ، فمتى لاحت لهم شاردة تخدم بدعتهم وخيّل لهم أن لها موضعا فى تفسير الآية سارعوا فى وضعها ، كما فعل الزمخشرى فى كشافه ، وكذلك فعل الملاحدة ، كالباطنية فى تفاسيرهم.

ومع امتداد الزمان وتنوع العلوم ، ووقوف العلماء على كثير من أسرار هذا الكون ، ومع تعدد نظم الاجتماع والعمران ، رأينا فى كل عصر طبقة تهتم بناحية أو أكثر من نواحى القرآن.

أ. د. / جمال مصطفى عبد الحميد عبد الوهاب النجار

٣٠٣

مراجع الاستزادة :

__________________

للاستزادة والتوسع فى موضوعات هذا المدخل يرجع إلى :

(١) الإتقان فى علوم القرآن للسيوطى.

(٢) الإسرائيليات فى التفسير والحديث للدكتور / محمد الذهبى.

(٣) أصول الدخيل فى تفسير أى التنزيل ، للدكتور / جمال مصطفى النجار.

(٤) البرهان فى علوم القرآن للزركشى.

(٥) التفسير بالرأى ، للدكتور / جمال مصطفى النجار.

(٦) التفسير بالمأثور ، للدكتور / جمال مصطفى النجار.

(٧) التفسير والمفسرون ، للدكتور / محمد الذهبى.

(٨) الدخيل فى تفسير القرآن الكريم ، للدكتور / عبد الوهاب فائد.

(٩) دراسات فى مناهج المفسرين ، للدكتور / إبراهيم خليفة.

(١٠) لمعة الاعتقاد ، لابن قدامة.

(١١) مدخل إلى مناهج المفسرين ، للدكتور / محمد جبريل.

(١٢) مقدمة فى أصول التفسير ، لابن تيمية.

(١٣) مناهل العرفان فى علوم القرآن ، للشيخ محمد عبد العظيم الزرقانى.

الهوامش :

__________________

(١) انظر القواميس ، مادة (فسر) ، والبحر المحيط لأبى حيان : ١ / ١٣ ، ط. / دار الفكر.

(٢) البحر المحيط : ١ / ١٣ ، ١٤ باختصار يسير.

(٣) البرهان : ٢ / ١٠٤ ، ١٠٥ ، ط. / دار المعرفة.

(٤) التحبير ٣٦ ، ط. / دار المنار.

(٥) مناهل العرفان : ٢ / ٣ ، ط. / الفنية المتحدة بالقاهرة.

(٦) المصدر السابق : ٢ / ١٠.

(٧) لسان العرب (أول) ط. / دار المعارف.

(٨) تاج العروس للزبيدى (أول) ط. / الكويت.

(٩) كما يقول الدكتور محمد الذهبى فى : التفسير والمفسرون : ١ / ٢٠ ، طبعة المدنى.

(١٠) انظر فى ذلك : التيسير فى علم التفسير ، لعمر النسفى : ١ / ٥٤ من تحقيق د. جمال مصطفى النجار ، رسالة دكتوراة ، وتاج العروس ٧ / ٢١٥ ، والبرهان للزركشى : ٢ / ٢٨٦ ، والإتقان للسيوطى : ٢ / ١٧٣ ، طبعة دار الندوة الجديدة ببيروت ، ومناهل العرفان : ٢ / ٥.

(١١) لسان العرب : (شبه).

(١٢) لمعة الاعتقاد ، لابن قدامة ، ٣٥ ، ٣٦ بشرح محمد العثيمين : طبعة الدار السلفية بالإسماعيلية.

(١٣) البخارى : كتاب العلم ، باب التناوب فى العلم ، طبعة عيسى الحلبى.

(١٤) مسلم ، كتاب الزهد ، باب التثبيت فى الحديث ، وحكم كتابة العلم ، طبعة / دار إحياء الكتب العربية.

(١٥) البخارى ، كتاب اللقطة ، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة.

(١٦) انظر تهذيب التهذيب : ٥ / ٥٦٦ ط / دار الفكر.

(١٧) تذكرة الحفاظ : ١ / ٩٢ طبعة / حيدرآباد بالهند.

(١٨) تفسير ابن جرير الطبرى : ١ / ٩٠ ط / دار المعارف.

(١٩) انظر الإتقان : ٢ / ١٨٩.

(٢٠) وفيات الأعيان : ٣ / ٤٦٢ ط / دار صادر.

(٢١) انظر صحيح البخارى ، كتاب العلم ، باب كيف يقبض العلم.

(٢٢) انظر الإتقان : ٢ / ١٨٨.

(٢٣) نص على هذا الشيخ محمد الفاضل بن عاشور فى كتابه : «التفسير ورجاله» ٢٩ ، ط / مجمع البحوث الإسلامية.

(٢٤) انظر : التفسير والمفسرون : ١ / ١٥١.

(٢٥) هو فضيلة الأستاذ الدكتور / محمد جبريل فى كتابه القيم : «مدخل إلى مناهج المفسرين» ٨٣ ، طبعة الرسالة بالباب الأخضر بالقاهرة.

(٢٦) انظر التفسير والمفسرون : ١ / ١٥٢ وهو يتحدث عن الخطوتين الثانية والثالثة.

(٢٧) انظر لسان العرب ، والقاموس المحيط للفيروزآبادى ، طبعة الرسالة ، ومفردات الراغب الأصفهانى ، مادة (نهج) ، طبعة دار القلم.

(٢٨) انظر الإتقان : ٢ / ١٨١.

(٢٩) لسان العرب : (أثر).

(٣٠) أصول الفقه للسرخسى : ١ / ١٥٢ ، طبعة دار الكتاب العربى بالقاهرة.

(٣١) الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى : ٢ / ٥٥ ، طبعة / محمد صبيح.

(٣٢) سنن أبى داود ، كتاب السنة ، باب (٥) ، طبعة / دار الفكر ، وسنن الترمذى ، كتاب العلم ، باب (١٠) ، طبع دار الكتب العلمية.

(٣٣) إعلام الموقعين : ٢ / ٣٦١ طبعة / دار الجيل.

(٣٤) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٩٠ ، طبعة / دار البيان العربى.

(٣٥) مسند أحمد : ١ / ٣٣٥ طبعة / دار الفكر.

(٣٦) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٩٠.

(٣٧) تفسير ابن جرير : ١ / ٣٤ معارف.

(٣٨) مسلم : كتاب الآداب ، باب (٩).

(٣٩) أبو داود : كتاب الأطعمة ، باب (٣٤) ، وسنن ابن ماجة : كتاب الأطعمة ، باب (٣١) ، طبعة / دار الفكر العربى.

٣٠٤

__________________

(٤٠) البخارى : كتاب الوصايا ، باب (٢).

(٤١) فتح البارى : ٥ / ٤٣٤ ، طبعة / الريان.

(٤٢) فتح القدير للشوكانى : ١ / ٣٣٥ ، طبعة / دار الخير ، والحديث فى صحيح البخارى كتاب الجهاد باب (٨٩) وفى كتاب المغازى ، باب (٨٦).

(٤٣) انظر فى تفصيل تلك الأنواع : التفسير بالمأثور : للدكتور جمال مصطفى النجار : ١١٧ وما بعدها ، طبعة / الحسين الإسلامية.

(٤٤) مسند أحمد : ٤ / ٣٧٨ ، وسنن الترمذى : كتاب التفسير ، تفسير الفاتحة.

(٤٥) صحيح مسلم : كتاب الصلاة ، باب (٥٣ ، ٥٤).

(٤٦) سنن الترمذى : كتاب التفسير ، تفسير سورة العنكبوت.

(٤٧) المصدر السابق فى تفسير سورة إبراهيم.

(٤٨) المصدر السابق فى تفسير سورة الفتح.

(٤٩) مسند أحمد : ٢ / ٤٤١.

(٥٠) سنن الترمذى : كتاب التفسير ، تفسير سورة الواقعة.

(٥١) مسند أحمد : ٥ / ١٢ ، والترمذى : فى كتاب التفسير ، تفسير سورة البقرة الآية : ٢٣٨.

(٥٢) سنن الترمذى ، كتاب التفسير ، باب تفسير سورة البقرة.

(٥٣) البخارى ، كتاب التفسير ، تفسير سورة الكهف.

(٥٤) صحيح البخارى ، كتاب التفسير ، تفسير سورة البقرة ، ومسلم فى كتاب النكاح ، باب (١١٧ ، ١١٨).

(٥٥) البخارى ، كتاب فضائل الصحابة ، باب (١).

(٥٦) كما فى إعلام الموقعين : ١ / ٨٠ ، ط. دار الجيل.

(٥٧) الإتقان : ٢ / ١٨٧.

(٥٨) الكفاية فى علم الرواية ، للخطيب البغدادى : ٤٨ ، طبعة / دار الكتب الحديثة.

(٥٩) البخارى : كتاب فضائل الصحابة ، باب (١).

(٦٠) تهذيب التهذيب : ٤ / ١٢ ، طبعة / دار الفكر.

(٦١) ميزان الاعتدال : ٣ / ٩ ، طبعة / عيسى الحلبى.

(٦٢) تفسير الطبرى : ١ / ٩٠ ط. / المعارف.

(٦٣) تهذيب التهذيب : ٧ / ٢٦٥.

(٦٤) انظر فى ذلك مقدمة فى أصول التفسير لابن تيمية : ٣٨ ـ ٥٠ ، طبعة / دار ابن حزم.

(٦٥) انظر فى ذلك : القاموس المحيط ولسان العرب (رأى) ، وتفسير ابن جرير الطبرى : / ٨ ، ٣٥ ، ط / المعارف.

(٦٦) إعلام الموقعين ١ / ٦٦.

(٦٧) أى شركاء ، كما فى لسان العرب (فوض) ، طبعة / دار القلم.

(٦٨) مقدمة جامع التفاسير للأصفهانى : ٩٣ ، طبعة / دار الدعوة.

(٦٩) انظر الإتقان : ٢ / ١٨٠.

(٧٠) سنن الترمذى : كتاب التفسير ، باب (١).

(٧١) الترمذى فى الموضع السابق ، وأبو داود فى كتاب العلم ، باب (٥).

(٧٢) تهذيب التهذيب : ٥ / ٤ ، ط / دار الفكر.

(٧٣) ميزان الاعتدال : ١ / ٤٣٢ ، وتهذيب التهذيب ٤ / ٢٦١.

(٧٤) تفسير ابن جرير : ١ / ٧٨ ـ ط / المعارف.

(٧٥) الموضع السابق.

(٧٦) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر : ٢ / ١٣٦ ، طبعة المنيرية.

(٧٧) إحياء علوم الدين : ١ / ٢٩٠.

(٧٨) مسند أحمد ١ / ٢٦٦.

(٧٩) الإحياء : ١ / ٢٩٠.

(٨٠) تفسير ابن جرير : ٨ / ٥٣ ، ط / المعارف.

(٨١) تفسير ابن جرير : ١ / ٩٠ ، ط. / المعارف.

(٨٢) لسان العرب (حل).

(٨٣) التفسير الموضوعى ، للدكتور أحمد الكومى : ٦ ، مذكرة مقررة على طلاب كلية أصول الدين.

(٨٤) روح المعانى : ١ / ١٨ ، ط. / دار الفكر.

(٨٥) التفسير والمفسرون : ٢ / ٤٠٨ بشيء من الاختصار.

(٨٦) انظر نماذج لذلك فى «فصوص الحكم» : ١٤٦ ـ ١٧٥ ، ط / السعادة.

(٨٧) انظر نماذج لذلك فى رسائل إخوان الصفا : ١ / ٩١ ، ٩٨ ، ٤ / ١١٠ ، ١٧٢ ـ ١٨٥ ، ط. تحفة الأخبار.

(٨٨) انظر نماذج لذلك فى رسائل ابن سينا : ١٢٤ ـ ١٣٢ ، طبعة / الهند ١٩٠٨.

(٨٩) انظر ذلك بالتفصيل فى كتابنا : التفسير بالرأى : ٣١١ ـ ٣٤١ ، طبعة / الحسين الإسلامية.

(٩٠) أطواق الذهب للزمخشرى : ١١٠ ، ط. / دار الفضيلة.

(٩١) الإسلام والنصرانية للشيخ محمد عبده : ٥١ ، طبعة / محمد صبيح.

(٩٢) المصدر السابق : ٥٢ ، ٥٣.

(٩٣) الإسلام دين الفطرة والحرية ، لعبد العزيز جاويش ١٣٧ ، ط. / دار المعارف.

(٩٤) الموافقات : ٣ / ٢٤٩ ، ط. / محمد صبيح.

(٩٥) الإتقان : ٢ / ١٧٦.

(٩٦) البرهان : ٢ / ٣١٣.

(٩٧) انظر هذا الموضوع بتوسع فى كتابنا : التفسير بالرأى ١١٥ ـ ٢٢٦.

(٩٨) المقصود من قلب الكلام : أن بعض ألفاظه قد حلّ مكان بعض آخر منه ، وأخذ حكمه أيضا ، أما التقديم والتأخير فلا يأخذ أحدهما حكم الآخر.

(٩٩) انظر لسان العرب ، والقاموس المحيط ، والمصباح المنير ، مادة (أصل).

(١٠٠) لسان لعرب (دخل). باختصار.

(١٠١) انظر صحيح البخارى ، كتاب التفسير ، تفسير سورة الفتح ، وكتاب البيوع ، باب كراهية الصخب فى السوق.

(١٠٢) البخارى : كتاب التفسير ، باب (وقالوا اتخذ الله ولدا).

(١٠٣) البخارى : كتاب الأنبياء (فتح البارى : ٦ / ٤٩٦).

(١٠٤) انظر : مقدمة فى أصول التفسير : ٣٤ ، والإسرائيليات للذهبى : ٨٦ ، ٨٧ ، طبعة / مجمع البحوث الإسلامية.

(١٠٥) انظر رأيهم فى : عمدة التفسير ، للشيخ أحمد شاكر : ١ / ١٥ ، طبعة / دار المعارف ، والدخيل للدكتور فائد : ١ / ١٥٧ ، طبعة حسان.

(١٠٦) انظر التفسير والمفسرون : ٢ / ٤٠٩.

(١٠٧) الإتقان : ٢ / ١٨٦.

(١٠٨) الإتقان : ٢ / ٨٣ نقلا عن ابن النقيب.

(١٠٩) انظر فى ضوابط إعراب القرآن ، كتاب : تفسير القرآن الكريم ، أصوله وضوابطه ، للدكتور على العبيد ، طبعة / الرياض.

(١١٠) البرهان : ١ / ١٢٩ ، ط. دار المعرفة.

٣٠٥

القراءات والقراء

حقيقة القراءات ، وحدّها :

القراءات لغة :

جمع قراءة. وهى (مصدر قرأ أى نطق باللفظ. فهى : التلفظ) (١).

(وتستعمل بمعنى اسم المفعول ، فيراد بها :

اللفظ المنطوق) (٢).

وقراءات القرآن هى :

(صور نظم كلام الله تعالى من حيث وجوه الاختلافات المتواترة ، المنسوبة إلى أئمة معينين ناقلين لها) (٣) ، كقراءات نافع ، وابن كثير ، وأبى عمرو.

فقراءة القرآن الواحدة هى :

(صورة نظم كلام الله تعالى من حيث ما فيها من وجوه الاختلافات المتواترة ، المنسوبة إلى إمام معين ناقل لها) ، كقراءة نافع ، أو ابن كثير ، أو أبى عمرو.

ـ وقد يراد من القراءات : الصور الواردة بالتبادل على اللفظ ، كقولنا : قراءات لفظ (الصِّراطَ) (الفاتحة : ٦) ثلاث : الصاد الخالصة ، والصاد المخلوطة بصوت الزاى ، والسين (٤).

ـ وقد يراد من القراءات : الكلمات والكيفيات الواردة فى قراءة واحد معين ـ كابن كثير مثلا ـ المختلفة عما ورد فى قراءة غيره ، كقولنا : قراءات ابن كثير فى سورة الفاتحة هى : (الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة : ٣ ـ ٤) بإظهار الميمين ـ خلافا لمن أدغمهما ـ ، و (ملك) بدون ألف ـ خلافا لمن قرأها (مالك) بالألف ، و (الصراط) بالسين من رواية قنبل عنه ـ خلافا لمن قرأها بالصاد الخالصة ، وخلافا لمن قرأها بالصاد المخلوطة بصوت الزاى ـ ، و (عليهم) بكسر الهاء ـ خلافا لمن ضمها ـ ، وبصلة ميم الجمع ـ خلافا لمن أسكنها (٥).

ـ ويتبين مما سلف أن حقيقة هذا المركب :

(قراءات القرآن) تعنى الأجزاء ، والكيفيات المخصوصة الداخلة فى ذات القرآن وصفاته (٦).

٣٠٦

وهى ـ حينئذ ـ : ما يستحق أن يسمى قراءات حقيقة ، ويسمى قرآنا ، وهى المتواترة ، المجمع عليها ، المعمول بها فى التلاوة التعبدية ، لا غير ذلك.

ـ وهذه أمثلة من (صور النظم ، والكلمات ، والكيفيات) ، أى من (القراءات) :

ـ فمن صور النظم : (قراءة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) (البقرة : ٣٧) بنصب (آدم) ، ورفع (كلمات) لابن كثير ، وبرفع (آدم) ، ونصب (كلمات) بالكسر لغيره) (٧).

ـ ومن الكلمات المختلفة المتواردة على الموضع الواحد : الواو فى قراءة (وَلا يَخافُ عُقْباها) (الشمس : ١٥) بالواو لغير نافع وابن عامر وأبى جعفر ، والفاء فى قراءتها بها لهؤلاء الثلاثة) (٨).

ـ ومن الكيفيات : إدغام الميمين فى (الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ) (الفاتحة : ٣ ـ ٤) لبعض القراء العشرة ، والإظهار للبعض الآخر (٩) ، وضم الهاء فى (عَلَيْهِمْ) (الفاتحة : ٧) لحمزة ، وكسرها لغيره (١٠).

الحروف :

قد تسمى القراءات ـ أعنى الكلمات المختلفة وما إليها ـ حروفا ، فيقال : حروف القرآن ، حروف القراء السبعة ـ مثلا ـ حروف نافع.

ـ وقد أطلق العلماء لفظ حرف ، وحروف ، وقراءة ، وقراءات بأكثر من إطلاق ، فعلينا أن نتعرف على المراد من اللفظ المستعمل بمعونة السياق والمقام ، فقد يراد من لفظ (القراءات) مثلا ما هو أعم من المتواترات ، وإليك بيان المراد من قولهم فى كتب الفن :

فرش الحروف :

قال ابن القاصح : «القراء يسمون ما قل دوره من حروف القراءات المختلف فيها فرشا ، لأنها لما كانت مذكورة فى أماكنها من السور فهى كالمفروشة ، بخلاف الأصول ، لأن الأصل الواحد منها ينطوى على الجميع ، وسمى بعضهم الفرش فروعا ، مقابلة للأصول» (١١).

ومن أمثلة الفرش : إمالة (التَّوْراةَ) (آل عمران : ٣) لأبى عمرو والكسائى ومن وافقهما إمالة كبرى ، والفتح لعاصم ومن وافقه (١٢).

ومن أمثلة الأصول : إمالة كل ألف بعدها راء متطرفة مكسورة لأبى عمرو ومن وافقه ، وفتحها لابن كثير ومن وافقه ، مثل (عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد : ٢٢) إلى آخر ما يشبه ذلك (١٣).

***

٣٠٧

توقيف القراءات :

القراءات العشر المعمول بها ، المعروفة فى هذا الفن توقيفية.

ومعنى التوقيف : التعليم.

وهو تعليم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأمة.

والأدلة على التوقيف عديدة ، والفقرات التالية تتضمن قدرا من تلك الأدلة :

ـ قال الله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) فالقرآن منزل من عند الله تعالى ، ولا قرآن بدون قراءة ، والقراءات العشر متساوية ـ كما بيّناه فى موضعه ـ فهى منزلة من عند الله تعالى ، فهى توقيفية ، والذى علّمها لنا هو الله تعالى ، وقد قال سبحانه : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ) (الرحمن : ١ ـ ٢). وأول من تعلم القرآن من البشر هو النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد قال الله تعالى له : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة : ١٧ ـ ١٨).

وقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتعليم الأمة ، قال تعالى :

(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) (الإسراء : ١٠٦).

وأمر الله الأمة بقبول تعليم القرآن والشريعة ، قال تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) (الحشر : ٧). وأمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتلاوة القرآن ، كما دلّ عليه قوله تعالى :

(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) (النمل : ٩١ ـ ٩٢) ، كما أمر سبحانه الأمة بقراءته فقال : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (المزمل : ٢٠) ، ومدح المشتغلين بتلاوته فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر : ٢٩ ـ ٣٠). فقامت الأمة بواجبها ، واتبعوا ، ولم يبتدعوا ، وتعلموا من نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم علّم بعضهم بعضا ، ويبقى أمر التوقيف على نمطه هذا إلى ما شاء الله تعالى.

ـ واشتملت كتب الحديث على جزئيات كثيرة من القراءات ، مسندة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، سالكة طرقا غير طرق القراء ، إذ هى طرق المحدثين ـ ولكل قوم طرقهم ، وهذه طائفة من تلك الجزئيات نذكرها تدليلا على التوقيف ، واستئناسا ـ وإن كانت هى وسائر ما رووه لم يقصدوا به رواية ختمة :

عن أنس ـ رضى الله عنه ـ أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة : ٤) بالألف.

وعن أم سلمة ـ رضى الله عنها ـ أنه قرأه بدون ألف. (والضمير فى (أنه) هنا وفيما يأتى للنبى ـ عليه الصلاة والسلام).

٣٠٨

وروى أبىّ ـ رضى الله عنه ـ أنه قرأ (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (البقرة : ٤٨ ، ٥٨) بالتاء : ولا تقبل.

وأنه قرأ (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (البقرة :٢٨٣) بدون ألف ، وبضم كل من الراء والهاء.

وأنه أقرأه بقراءتين : الياء ، والتاء ، فى : (فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس : ٥٨).

وأنه أقرأه (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (الكهف :٨٦) بالهمز.

وروى أيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حامية بالألف بدون همز.

وقرأ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (الكهف : ٧٧) بتشديد التاء الأولى فى (لَاتَّخَذْتَ) ، وإدغام الذال فى التاء ، وقرأها أيضا لتخذت بحذف همزة الوصل ، وتخفيف التاء ، وإظهار الذال ، وكسر الخاء.

وكل ذلك فى قراءات العشرة.

إلى غير ذلك من جزئيات كثيرة فى أكثر من مائة وأربعين حديثا شريفا (١٤).

ـ واشتملت المصاحف العثمانية على جزئيات كثيرة من القراءات كان الرسم نصا فيها ، وكلها فى قراءات العشرة ، وهى منقولة من صحف الصدّيق ـ رضى الله عنه ـ ومن مصاحف الصحابة التى كتبت بين يدى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كما أن صحف الصدّيق منقولة مما كان فى بيوت أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما كتب بحضرته ، ومما كان مع الصحابة مما كتبوه أيضا بين يديه ـ عليه الصلاة والسلام (١٥).

وهذه طائفة منها لخدمة هذا الغرض بنحو ما أشرنا إليه آنفا من تدليل ، واستئناس :

كتب : (أَرَأَيْتَ) (العلق : ٩) مثلا بألف بعد الراء فى بعض المصاحف العثمانية ، وبدونها فى بعضها الآخر ، وبهما قرئ (١٥).

وكتب : (نَخْشى) (المائدة : ٥٢) بالياء فى بعض المصاحف ، وبالألف فى بعضها ، وقرئ بالإمالة إلى الياء ، وبالفتح (١٦).

وكتب : (إِلَّا قَلِيلٌ) (النساء : ٦٦) قليلا بالألف فى المصحف الشامى ، وبدونها فى بقية المصاحف ، وقرئ بالنصب ، والرفع (٨٦).

وكتب : (مَنْ يَرْتَدَّ) (المائدة : ٥٤) بدال واحدة فى المكى والبصرى والكوفى ، وبدالين فى البقية ، وقرئ بالإدغام ، والفك (٨٧).

وكتب : (وَيَقُولُ الَّذِينَ) (المائدة : ٥٣) بواو العطف فى العراقية ، وبدونها فى البقية ، وبهما قرئ (١٧).

٣٠٩

وكتب : (ذُو الْجَلالِ) (الرحمن :) بالواو فى غير المصحف العثمانى الشامى ، وبالياء فى الشامى ، وبهما قرئ (١٨).

إلى غير ذلك من الجزئيات المكتوبة فى المصاحف العثمانية الستة ، نصا ، أو إشارة (١٩).

ـ وأسانيد القراء العشرة ، وطرق قراءاتهم التى بلغت زهاء ألف طريق مفصلة متصلة مرفوعة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتلاوة كل واحد على الآخر ، وكلهم ثقات ، متقنون ، آخذون بالتوقيف البالغ الغاية فى الدقة ، الواصل إليهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عن جبريل ـ عليه‌السلام ـ عن اللوح المحفوظ ، عن رب العالمين ـ جل جلاله (٢٠).

وقد فصل ابن الجزرى تلك الأسانيد فى كتابه الكبير «النشر فى القراءات العشر» فى حوالى مائة صفحة (٢١).

وذكر شارح «مسلّم الثبوت» أن أسانيد القراء العشرة صحيحة بالإجماع ، متلقاة بالقبول ، وأنها أصح الأسانيد ، وأن غيرها إذا عارضها فإنه يكون سندا لا يعبأ به (٢٢).

وهناك غير ذلك من الأدلة الدالة على أن القراءات المعمول بها مروية بالتوقيف (٢٣).

تواتر القرآن :

التواتر هو نقل جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ، كما يؤمن وقوع الكذب منهم فى المنقول وقوعا اتفاقيا بدون تواطؤ فى كل طبقة ، من أول السند إلى منتهاه.

والقرآن الكريم منقول بهذه الصفة فى كل طبقة. والأدلة على تواتر القرآن عديدة ، نسوقها فى فقرات ، تنطوى كل فقرة منها على بعضها ، على النحو التالى :

١ ـ قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (المائدة : ٦٧).

والبلاغ العام إنما هو بالتواتر (٢٤) وقد كان.

ويلاحظه من يلاحظ القرون.

وقال تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (الأعلى : ٦) كما قال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) وأجمعت الأمة على أن المراد بذلك حفظه على المكلفين للعمل به ، وحراسته من وجوه الغلط والتخليط (٢٥) والحفظ إنما يتحقق بالتواتر (٢٦). وهذا النص القرآنى قد صارت به الأمة آمنة من أن يكون نقل القرآن آحاديا فى وقت من الأوقات (٢٧).

٢ ـ وقد عرض القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السادة عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وأبى بن كعب وعبد الله بن مسعود

٣١٠

وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعرى وأبو الدرداء (٢٨) وقد حفظوه فى حياة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخذ عنهم عرضا ، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة (٢٩).

وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة كمعاذ بن جبل وأبى زيد وسالم مولى أبى حذيفة وعبد الله بن عمر وعتبة بن عامر (٣٠).

وعرض القرآن على بعض من ذكروا السادة أبو هريرة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن السائب والمغيرة بن شهاب المخزومى والأسود بن يزيد النخعى وعلقمة ابن قيس وأبو عبد الرحمن السلمى وأبو العالية الرياحى (٣١).

ومن لاحظ العصور وأحوال الرجال وجد الحصر للأعداد الكثيرة الناقلين للقرآن الكريم غير ممكن ، ووجد الدقة والإتقان وسعة العلم أمرا راسخا يقطع به على تواتر كتاب الله وسلامته ، بل وجد عددا يبلغ أضعاف أضعاف ما يطلبون للتواتر من عدد (٣٢).

فهذا هو أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ يقرأ عنده نيّف وستمائة وألف ، لكل عشرة منهم مقرئ ، وكان أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ يكون عليهم قائما ، وإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبى الدرداء رضي الله عنه (٣٣).

وهذا ابن مسعود يأمر قارئا متعجّلا بالترتيل.

«قال إبراهيم النخعى : قرأ علقمة على عبد الله ، فكأنه عجل ، فقال : فداك أبى وأمى رتّل ، فإنه زين القرآن (٣٤)». هذا مع أنها عجلة ـ كما يبدو ـ لم تصل إلى درجة الإخلال بشيء فى القراءة.

وكان ابن مسعود يقرئ رجلا ، فقرأ الرجل :

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (سورة التوبة الآية ٦٠) ، مرسلة فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن ، فقال : أقرأنيها :

(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) ، فمدها (٣٥).

وعدد من ذكرت من الصحابة أقل من نصف عدد المذكورين فى لطائف الإشارات للقسطلانى ، ولم يرد الحصر بل أشار إلى أن هناك غيرهم من الصحابة القراء أيضا (٣٦).

وذكر الذهبى واحدا وعشرين من التابعين القراء وجعلهم الطبقة الثالثة ، وهو كغيره لا يريد ، ولا يدعى ، ولا

يمكنه الحصر (٣٧).

ومعلوم أن الإسلام فى امتداد ، والقراء فى ازدياد.

وهذه «غاية النهاية» لابن الجزرى ، بلغت ترجمات القراء فيها ما يقرب من أربعة آلاف

٣١١

ترجمة ، فإذا كان هذا عدد القراء المقرئين فكم يكون عدد التلاميذ الحفاظ؟!

وإن لنا أن نعتبر بعدد تلاميذ أبى الدرداء المذكور آنفا ، وطائفة قرأت على ابن مسعود (٣٨) ، وأولاد جمعهم سيدنا عمر ـ رضى الله عنه ـ ، فى المكتب ، ليحفظوا القرآن (٣٩) وبلوغ عدد التابعين إلى أربعين فى عد «الإتقان» (٤٠) ، وأربعة وأربعين فيما نعده فى النشر (٤١) ونعتبر بالازدياد كما أشرنا ، فنعلم أن التواتر والصحة فى جميع العصور من بدهيات الأمور ، ونعلم أن المستقبل على نمط الماضى.

٣ ـ ولا غرو بعد وضوح هذا الواقع التاريخى للناس ، المبين لما أشرنا إليه أن يجمع المسلمون ، وتتفق الكلمة على أن القرآن متواتر صحيح يمتاز فى ذلك عن كل ما عداه.

قال فى «تيسير التحرير» : (والقرآن كله متواتر إجماعا) (٤٢).

وذكر ابن أمير الحاج فى «شرح التحرير» :

(أن جميع القرآن متواتر إجماعا) (٤٣).

وقال النويرى : (القرآن عند الجمهور من أئمة المذاهب الأربعة ، منهم الغزالى وصدر الشريعة ، وموفق الدين المقدسى وابن مفلح والطوفى ، هو : ما نقل بين دفتى المصحف نقلا متواترا. وقال غيرهم : هو الكلام المنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للإعجاز بسورة منه. وكل من قال بهذا الحد اشترط التواتر ـ كما قال ابن الحاجب رحمه‌الله ـ للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله ، والقائلون بالأول لم يحتاجوا للعادة لأن التواتر عندهم جزء من الحد ، فلا يتصور ماهية القرآن إلا به. وحينئذ فلا بد من حصول التواتر عند أئمة المذاهب الأربعة ، ولم يخالف منهم أحد فيما علمت ـ بعد الفحص الزائد ـ وصرح به جماعات لا يحصون كابن عبد البر وابن عطية وابن تيمية والتونسى فى تفسيره ، والنووى والسبكى والإسنوى والأذرعى والزركشى والدميرى والشيخ خليل وابن الحاجب وابن عرفة وغيرهم رحمهم‌الله. وأما القراء فأجمعوا فى أول الزمان على ذلك ، وكذلك فى آخره ، ولم يخالف من المتأخرين إلا أبو محمد مكى ، وتبعه بعض (٤٤) المتأخرين).

ثم جوّز النويرى أن يكون الإجماع انعقد قبل مكى ، بل قال النويرى : (بل هو الراجح لما تقدم من اشتراط الأئمة ذلك ، كأبى عمرو بن العلاء وأعلى منه ، بل هو الحق الذى لا محيد عنه) (٤٥).

٤ ـ والعلم الضرورى ـ من وراء تلك الأدلة النقلية ـ حاصل والضرورى لا يحتاج إلى دليل

٣١٢

ـ بأن القرآن الكريم مصون ، ونقلته يفوقون الحصر.

وفى القرطبى : أنه يعلم على القطع والبتات ، أن قراءة القرآن تلقينا متواترة عن كافة المشايخ ، جيلا فجيلا ، إلى العصر الكريم ، إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤٦).

وذكر عبد الجبار أن كون القرآن منقول بالتواتر ، معلوم بالضرورة (٤٧).

٥ ـ والأصل أن القرآن متواتر بتفاصيله وجوبا.

ودليل هذا الأصل : أن القرآن الكريم لكونه كلام الله تعالى ولكونه مشتملا على الأحكام الشرعية ولكونه معجزا ، فإنه مما تتوافر الدواعى على نقله بتفاصيله ، وتقضى العادة بحفظه ، فلا بد من تواتره بتفاصيله.

هكذا قرّر أهل الأصول التواتر (٤٨).

والتفاصيل المتواترة وجوبا ـ أو التى دلّ الدليل على وجوب تواترها ـ هى إجمالا :

المتن ، والهيئة ، وعدم الزيادة ، وعدم النقصان ، بل يدخلان فى الهيئة.

وقال الغزالى : (حد الكتاب ما نقل إلينا بين دفتى المصحف على الأحرف السبعة المشهورة نقلا متواترا. ونعنى بالكتاب القرآن المنزّل.

وقيدناه بالمصحف لأن الصحابة بالغوا فى الاحتياط فى نقله ، حتى كرهوا التعاشير والنقط ، وأمروا بالتجريد كيلا يختلط بالقرآن غيره. «ونقل إلينا متواترا ، فنعلم أن المكتوب فى المصحف المتفق عليه هو القرآن ، وأن ما هو خارج عنه ليس منه ، إذ يستحيل فى العرف والعادة مع توافر الدواعى على حفظه أن يهمل بعضه فلا ينقل أو يخلط به ما ليس منه». ثم قال : فإن قيل : لم شرطتم التواتر؟.

قلنا : ليحصل العلم به ، لأن الحكم بما لا يعلم جهل ، وكون الشيء كلام الله تعالى أمر حقيقى ليس بوضعى ، حتى يتعلق بظنّنا ، فيقال : إذا ظننتم كذا فقد حرمنا عليكم فعلا ، أو حلّلنا لكم ، فيكون التحريم معلوما عند ظنّنا ، ويكون ظنّنا علامة لتعلق التحريم به ، لأن التحريم بالوضع ، فيمكن الوضع عند الظنّ ، وكون الشيء كلام الله تعالى أمر حقيقى ، ليس بوضعىّ ، فالحكم فيه بالظن جهل) (٤٩).

وقال محب الله ، وعبد العلى : (قالوا اتفاقا : ما نقل آحادا فليس بقرآن قطعا ، ولم يعرف فيه خلاف لواحد من أهل المذاهب ، واستدل بأن القرآن مما تتوافر الدواعى على نقله ، لتضمّنه التحدى ، ولأنه أصل الأحكام ، باعتبار المعنى والنظم جميعا ، حتى تعلق بنظمه أحكام كثيرة ، ولأنه يتبرك به فى كل عصر بالقراءة

٣١٣

والكتابة ، ولذا علم جهد الصحابة فى حفظه بالتواتر القاطع. وكل ما تتوافر دواعى نقله ينقل متواترا عادة ، فوجوده ملزوم التواتر عند الكل عادة ، فإذا انتفى اللازم وهو التواتر انتقى الملزوم قطعا ، والمنقول آحادا ليس متواترا فليس قرآنا) (٥٠).

ـ وقال السيوطى : (لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا فى أصله وأجزائه ، وأما فى محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محققى أهل السنة. للقطع بأن العادة تقضى بالتواتر فى تفاصيل مثله ، لأن هذا المعجز العظيم ، الذى هو أصل الدين القويم ، والصراط المستقيم مما تتوافر الدواعى على نقل جمله وتفاصيله. فما نقل آحادا ، ولم يتواتر يقطع بأنه ليس من القرآن) (٥١).

ـ وبهذا اتضحت دلالة النقل ، والعقل ، والواقع الماثل للعيان على تواتر القرآن وجوبا ، جملة ، وتفصيلا ، مادة وهيئة ، ومحلا.

ـ ويؤخذ من التواتر القطع بأنه لا وصف لشىء من القرآن وراء التواتر البتة من شهرة أو صحة غير مصحوبة بالتواتر ، فضلا عما دون ذلك.

ـ ويؤخذ مما سلف ـ وخصوصا من كلام الغزالى ـ أن تواتر القرآن يدفع فرية الزيادة فيه ، وفرية النقص منه ، ويقطع دابرهما.

ـ ويؤخذ من جملة الأدلة أنه لا سبيل أصلا إلى القطع بنموذج لقرآن منسوخ التلاوة ، لأنه لا تدعى قرآنيته اليوم ، ولا يدل دليل قطعى على أنه كان متواترا ، فكيف يقال إنه كان قرآنا؟! ، أو يجب الإيمان بأنه كان قرآنا؟!. هكذا يقال فى كل نموذج على حدته.

ـ أما إذا بلغ عدد النماذج إلى ما يفيد التواتر المعنوى فإنه يفيد القطع ـ فى الجملة ـ بأن من القرآن ما نسخت تلاوته.

وأما إذا ثبت نموذج ثبوتا ظنيا ، وأفاد هذا النموذج حكما عمليا فإن الأخذ به يصح عند الجمهور ، شأنه شأن العمل بالقراءة الشاذة (٥٢).

هل قرئ بالشاذ على أنه قرآن؟

لم يقرأ بالشاذ ـ بحال ـ على أنه قرآن.

هذا هو حال أهل الحق. والشاذ آحادي ـ قطعا ، والقرآن متواتر ـ قطعا ـ فكيف يلتقيان؟!

ومن انحرف عن حال أهل الحق فقد أدبوه ، واستتابوه ، فتاب ، وأناب (٥٣).

القرآن والقراءات :

إذا قرأت القرآن ثلاث مرات ـ مثلا ـ بثلاث قراءات ، لأبى جعفر ، ويعقوب ، وخلف

٣١٤

العاشر وجدت المرّة الأولى مشتملة على تشديد (الْمَيْتَةَ) (البقرة : ١٧٣) ، وكسر الطاء فى (فَمَنِ اضْطُرَّ) (البقرة : ١٧٣) ، وحذف الهمز ونقل حركته إلى النون ، مع كسرها فى (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) (المائدة : ٣٢) ، وغير ذلك مما فى قراءة أبى جعفر (٥٤).

ووجدت المرة الثانية مشتملة على إثبات الياء وقفا فى (وَاخْشَوْنِ) (المائدة : ٣) ، وفتح الفاء دون تنوين فى (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) (المائدة : ٦٩) ، وغير ذلك مما فى قراءة يعقوب (٥٥).

ووجدت المرة الثالثة مشتملة على قراءة (هُزُواً) (المائدة : ٥٧) بسكون الزاى ، وهمز مفتوح بعدها ، وغير ذلك مما فى قراءة خلف (٥٦).

وتجد القرآن واحدا فى الجميع ، وما الفرق بينها وبينه إلا أنها صور مختلفة له ، يفترق بعضها عن بعض بما تشتمل عليه كل ختمة فى مواضع منها من وجوه تخصها ، وتجعل لها صورة تفترق بها عن غيرها.

وننظر إلى القراءات التى تتوارد على الموضع القرآنى وننظر إلى القرآن فى ختمة فنقول : القراءات التى دخلت فى الختمة أجزاء دخلت فى القرآن ، وهو كل لها ـ فالفرق بينهما هو الفرق بين الكل وأجزائه.

والقراءات التى لم تدخل فى هذه الختمة أجزاء للقرآن فى غير هذه الختمة (٥٧).

***

القراءات والأحرف السبعة :

أنزل الله تعالى القرآن على سبعة أحرف لتيسير تلاوته على الأمة (والراجح فى معنى الأحرف السبعة أنها سبع لغات من أفصح لغات العرب ، كلغة قريش ، ولغة تميم ، ولغة أسد. ولكل واحد أن يقرأ بما تيسر له منها كما علّم.

ومن تعلمها وميز بعضها عن بعض استطاع أن يقرأ سبع ختمات كل ختمة على حرف.

واللغة الواحدة تشتمل على أكثر من وجه فى بعض الألفاظ ، وفى بعض الأساليب ، فالحرف الواحد يتسع لأكثر من قراءة تشتمل كل قراءة منها على بعض الوجوه التى تميزها مفترقة عن صورة غيرها. فمن قرأ ختمتين بقراءتين فى ظل حرف وجد ـ بوضوح ـ أن عدد القراءات يزيد عن عدد الأحرف واتضح أن الفرق بينهما هو أن القراءات فروع عن الأحرف ، كفروع الشجرة ، فهى منها ، والشجرة أصلها. وإذا كانت هذه الزيادة فى ظل الحرف الأول مثلا فقس ذلك تجد مزيدا من القراءات والأصل واحد وهو الأحرف السبعة.

٣١٥

وهذا مثال توضيحى : قرئ لفظ (لِجِبْرِيلَ) (البقرة : ٩٧) مثلا ـ بالهمز ـ والهمز ينسب إلى لغة تميم ـ وبدونه ـ وهذا فى لغة قريش ، وفى المهموز قراءتان : (جبرئيل) بفتح كل من الجيم والراء ، وبياء ممدودة بعد الهمزة ، وبدون هذه الياء. فهذان وجهان وقراءتان فى لغة من الهمز. وفى غير المهموز قراءتان (جبريل) بكسر كل من الجيم والراء ، وبياء ممدودة بعد الراء ، وبفتح الجيم فهذان وجهان وقراءتان فى لغة من لا يهمزون. ولزيادة عدد القراءات عن عدد الأحرف سبب آخر ، وهو تداخل الأحرف ، إذ لم يرد منعه ، ويظهر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم علّم من علّم بعض القرآن على حرف ، وبقية القرآن على حرف آخر ، فينتج من ذلك صورة ختمة مفترقة عن كل واحدة من السبع التى تكون كل واحدة منها على حرف واحد.

ولا تخفى الكثرة الكاثرة من القراءات التى تنشأ عن تغيير مواضع الانتقال فى الختمة من حرف أول إلى حرف ثان ، ومن حرف أول إلى حرف ثالث ، وهلم جرا. والحديث الصحيح لا يأبى هذا التداخل ، إذ يقول :

(.... إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) (٥٨) ولم يقل منها ، فكان أوضح فى العموم ، إذا المعنى : فاقرءوا ما تيسر من المنزل ـ وهو السبعة ، أعم من أن تكون مميزة واحدا واحدا أو متداخلة.

وهذا مثال توضيحى : (قرأ حفص : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) (هود : ٤١) بإمالة (مَجْراها) ، وفتح (مُرْساها) ، (٥٩) ، والإمالة لغة عامة أهل نجد ، والفتح لغة أهل الحجاز) (٦٠) ، وهى قراءة ـ كغيرها من سائر قراءات العشرة من الروايات والطرق المعيّنة ـ مسندة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومتواترة ، فدل ذلك على أن القراءة الواحدة اشتملت فى بعض الجزئيات على حرف ولغة ، وبعضها الآخر على حرف آخر ولغة أخرى وهذا هو التداخل ، وبه زاد عدد القراءات على عدد الأحرف السبعة ، وتفرع الكثير عن القليل ، وكان الفرق ـ على نحو مما سبق ـ كالفرق بين أجزاء من الشيء وجملة ذلك الشيء) (٦١).

ـ وبهذا ظهر اتحاد القراءات مع الأحرف السبعة اتحاد الأجزاء المعنية للشيء مع الشيء وسائر أجزائه ، ونعنى بسائر أجزاء القرآن أجزاءه التى تنطق على وجه واحد فى كل القراءات وفى كل اللهجات التى نزل عليها القرآن الكريم ، مثل ألفاظ سورة الفاتحة التى بهذه الصفة كلفظ (الْعالَمِينَ) ، (الرَّحْمنِ) ، (الرَّحِيمِ) ، (يَوْمِ الدِّينِ) ،

٣١٦

مع ألفاظها الأخرى المقروءة بقراءات تنتسب إلى لهجات ، أو تنتسب ـ بعبارة أخرى ـ إلى حرفين فأكثر من الأحرف السبعة.

***

تواتر القراءات العشر :

ـ المراد بالقراءات العشر : القراءات المعمول بها فى التلاوة التعبدية ، المجمع عليها ، المعروفة فى كتب الفن «كالشاطبية» «والدرة» «والطيبة» ، أو ما يتضمن ما تضمنته هذه الكتب الثلاثة.

ـ ومعنى التواتر مبين فى موضوع (تواتر القرآن) من هذا البحث.

ـ والفقرات التالية تتضمن الدليل تلو الدليل على أنها متواترة حرفا حرفا :

ـ القراءات العشر أجزاء مادية ، وصورية للقرآن ، وقد قام الدليل على وجوب تواتره مادة وهيئة ، فهى متواترة.

ـ وهى سواء فى ذلك وفى صحة النقل من باب أولى ، ليست إحداها أقل من غيرها فى هذا الشأن ، فالمعنى الذى يقوم ببعضها فيوجب تواتره موجود فى البعض الآخر ، فثبت أنها سواء ، متواترة كلها (٦٢).

ـ والوجوه المقروء بها حتى من قبل ظهور القراء العشرة ، كقراءات لفظ (الصِّراطَ) بالصاد الخالصة ، وبالصاد المخلوطة بصوت الزاى ، وبالسين (٦٣) هذه وغيرها من سائر جزئيات القراءات العشر جاءتنا كل جزئية منها من طريق وهو طريق القرآنية ، وهو طريق واحد ، لا يمر به إلا ما كان موصوفا بوصف القرآنية ، ولم تأت من طرق بأوصاف مختلفة ، وما دام الطريق واحدا فكل جزئية من العشر قرآن ، وبالتالى كل منها متواتر. وإلا فلو قلنا : إن إحداها متواترة دون غيرها ـ مع أن طريق الورود واحد لكان ذلك تحكما باطلا ، وتضمن ترجحا لإحدى المتساويات على غيرها دون مرجح ، وهو باطل. ، فحينئذ تكون الوجوه كلها متواترة ، وهو المطلوب (٦٤).

ـ والواقع يشهد بالتواتر ، فإن جزئيات القراءات قد رواها معظم الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورواها عن الصحابة التابعون ، وأتباع التابعين عن سلفهم ، ومن هؤلاء وهؤلاء أئمة الأداء وشيوخ الإقراء ، ورواها عنهم أمم لا يحصون عددا ، وهكذا فى جميع العصور والأمصار ، إلى يومنا هذا ، ويستمر ذلك إلى ما يشاء الله.

وأسماء الرجال الذين نقلوا العشر فى كل طبقة ـ فى كتب الطبقات وما إليها ـ أكثر مما يعتبر فى عدد التواتر. هذا مع اعتراف

٣١٧

المؤلفين فى الرجال بأنهم لم يستقصوا كل رواة العشر (٦٥).

ـ والإجماع قائم على قبول القراءات العشر ، وعلى تواترها (٦٦).

ـ والعلم الضرورى بتواترها حاصل لدى العلماء ، وما علم بالضرورة لا يحتاج إلى دليل ، كما قاله صاحب «فواتح الرحموت» (٦٧) ، وأشار على من كان فى ريب أن يلاحظ القرون (٦٨).

ـ وانحصار عدد القراء الأئمة فى عشرة أمر اتفاقى لا يقدح فى تواتر أى جزئية من جزئيات قراءاتهم ، وذلك لما سلف آنفا من أدلة التواتر.

وهناك من الأمور ما قد يوهم عدم التواتر ، ولو فى بعض من قراءات العشرة ، وفيما يلى بيان ذلك ، وإزالة الشبهة فيه.

وببيانه وإزالة الشبهة فيه يزداد أمر تواتر القراءات العشر اتضاحا. وها هو البيان :

التواتر وآحادية المخرج :

تواتر قراءات العشرة ليس عن طريق ما دوّن فى الأسانيد ، لأنها ترجع إلى عدد محصور ، ولكن إذا نظرت إلى أن هذا العدد المحصور لم يختص بها ، بل كانت روايته هذه يقرأ بها غيره ممن لا حصر لهم ـ غاية الأمر أن المدوّنين اقتصروا على هؤلاء ليضبطوا ما دوّنوه ويحرروه ـ فإنك تعلم قطعا أنها كانت متواترة ولا تزال متواترة. فليست القراءات كالحديث مخرجها كمخرجه إذا كان مدارها على واحد كانت آحادية ـ ليس الأمر كذلك ـ ولكنها إنما نسبت إلى ذلك الإمام اصطلاحا ، وإلا فأهل كل بلدة كانوا يقرءونها أخذوها أمما عن أمم ، ولو انفرد واحد بقراءة دون أهل العلم بالقراءات لم يوافقه على ذلك أحد ، بل كانوا يجتنبونها ويأمرون باجتنابها (٦٩).

تواتر ما اختلفت الطرق فى نقله وما انفرد بعضها به :

ليس المعتبر فى العلم بصحة النقل والقطع على ثبوته أن لا يخالف فيه مخالف ، وإنما المعتبر فى ذلك مجيئه عن قوم بهم يثبت التواتر وتقوم الحجة ، سواء اتفق على نقلهم أو اختلف فيه (٧٠).

فإذا تحقق التواتر بالطرق الناقلة عن القراء فلا أثر لغيرها ، سواء نفى (٧١) فيه نسبة شىء من المعمول به إلى قارئه أو سكت فيه عنها ، لأن غاية النفى أنه ظنى ، وهو ملغى مع القطع الحاصل بالتواتر (٧٢). وعلى هذا فمن الباطل الزعم بأن ما اختلفت الطرق فى نقله قرآن غير متواتر. ولا يشفع لهذا الزاعم

٣١٨

أنه يوجب قبوله إذا اشتهر (٧٣) واستفاض فهذا الحكم ثابت عندنا من التواتر الذى طالعنا دليله أكثر من مرة. ونحو ذلك يقال فى انفرادات باقية فى المعمول به (٧٤).

التواتر وقبيل الأداء :

المد والإمالة ـ مثلا ـ من صفات الأداء المتواترة ، ومن أجزاء القرآن كما سبق فى بيان تواتر القراءات ، إذ اللفظ مادة وهيئة ، والهيئة تسمى صفة ، وصورة. أما قبيلها : فقبيل المد هو ذلك الاختلاف فى قدره ، وقبيل الإمالة هو ذلك الاختلاف فى قدر ما تنحى به الإمالة (٧٥). وقس على ذلك بقية صفات الأداء وقبيلها (٧٦).

وما كان من هذا القبيل واضحا فهو منقول متواتر لأنه جزء من القرآن ، كزيادة المد المتصل على الطبيعى. وما كان دقيقا غامضا ككون هذه الزيادة بمقدار زمنى من الثوانى هو كذا وكذا ، أو ككون نطقى بالمد فى طوله كنطق شيخى بلا أدنى زيادة ولا أدنى نقصان ، أو ككون نطقى بالمد فى المرة الثانية جاء على طول المرة الأولى التى رضيها شيخى بلا أدنى زيادة ولا أدنى نقصان ، فإن هذا القبيل الدقيق الغامض نوع آخر ليس من نوع ما يتواتر أو لا يتواتر ، وليس داخلا فيما يقع به التكليف ، بل الأمر فيه على السعة واليسر بدون إفراط ولا تفريط.

والخلاصة أن ما أدركه القراء بآذانهم وشعورهم ونقلوه فى التلاوة فهو من أجزاء القرآن المتواترة ، من قبيل الأداء كان ومن الهيئة أو من قبيل جواهر الألفاظ ، كمد (مالِكِ) ، وقصرها ، والصاد المخلوطة بالزاى فى (الصِّراطَ) ، والإمالة الكبرى ، والإمالة الصغرى.

وما كان من الأمور الغامضة والعسيرة والمتعذرة فلا كلام فيه.

وما كان من إفراط فى المد مثلا ، أو مبالغة فى الإمالة حتى صارت كسرا أو صارت قريبة منه جدا فإنه من نوع قبيل الأداء ، لكنه القبيل الذى أدركه أهل الصنعة وأدركوا أنه غير منقول ، فمنعوا منه (٧٧).

ثم ننبه إلى أمر ، وهو :

الشاذ المروى عن بعض العشرة ـ فنقول :

المعمول به فى التلاوة التعبدية هو المتواتر عن القراء العشرة ، وما شذ عن المعمول به فهو شاذ ـ كما سبق ـ حتى لو كان منسوبا إلى بعض العشرة.

وذلك أن الإمام منهم كان يقرئ بالوجوه

٣١٩

المتواترة ، وكان يعلّم وجوها أخرى غير متواترة ، لا ليتعبّد بها ، ولكن لتستفاد ـ ما دامت صحيحة السند ـ فإنها تتضمن لغة ، أو تفسيرا ، أو غير ذلك ، كما سيأتى فى بيان أثر القراءات الشاذة. والرواة مميزون غاية التمييز بين المتواتر والشاذ ، ولا يمكن أن يلتبس ما هو قرآن بغيره. وعلى هذا فلا نستغرب ولا يشكل علينا أن يوصف وجه بالشذوذ وهو ينسب إلى بعض العشرة ، ولا أن يوصف وجه بالشذوذ ويحتج به فى التفسير أو غيره ، فما هو إلا الشذوذ الذى يعنى الخروج عن المعمول به ، المتواتر ، وهذا لا يمنع الاستفادة به فى غير التلاوة التعبدية.

وهذه نماذج منه :

(مَعايِشَ) (الأعراف : ١٠) قرأها نافع معايش بالهمز.

(بُشْراً) (الأعراف : ٥٧) قرئت بالباء وضمتين والتنوين فى وجه عن عاصم (٧٨).

(وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ) (الحاقة : ١٤) بتشديد الميم عن ابن عامر (٧٩).

(لا تُضَارَّ) (البقرة : ٢٣٣) بتشديد الراء مع تسكينها لأبى جعفر (٨٠).

فمثل هذا يستفاد به فى غير التلاوة التعبدية إذا كان منقولا نقلا يرتضيه العلماء ، ولا يتلى على أنه قرآن.

***

أنواع اختلاف القراءات العشر :

اختلاف القراءات العشر اختلاف تنوع وتغاير ، لا اختلاف تضاد وتناقض ، فإن هذا محال أن يكون فى كلام الله تعالى ، قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء : ٨٢).

وأنواع اختلاف القراءات العشر ثلاثة :

ـ الأول : اختلاف اللفظ مع اتحاد المعنى.

مثل قراءة (الصِّراطَ) (الفاتحة : ٦) بالصاد ، وقراءتها بالسين ، فالمعنى واحد ، واللفظ مختلف.

ـ الثانى : اختلافهما جميعا مع جواز اجتماعهما فى شىء واحد ، مثل قراءة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة : ٤) بالألف ، وقراءتها بدون ألف ، فالقراءتان مختلفتان فى اللفظ ، ومعنى الملك يختلف عن معنى المالك ـ كما هو واضح والمراد فى القراءتين هو الله تعالى ، لأنه مالك يوم الدين ، وملكه ، فالاسمان والوصفان مجتمعان له تعالى.

ـ الثالث : اختلافهما جميعا مع امتناع

٣٢٠