الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

التفسير والمفسرون

١ ـ التفسير لغة واصطلاحا ووجه الحاجة إليه

التفسير والمفسرون :

١ ـ التفسير لغة واصطلاحا ووجه الحاجة إليه :

التفسير لغة : الكشف والإيضاح ، سواء أكان لمحسوس أم لمعقول ، وإن كان استعماله فى الثانى أكثر من استعماله فى الأول.

ومن استعماله فى المحسوس قولهم :

فسرت الفرس ، إذا عريته لينطلق فى حصره (١) ، أى كشفت ظهره ، وهو مشدود بالحصار ـ وهو اللجام ـ ليسرع فى عدوه.

ومن استعماله فى المعنويات قوله تعالى :

(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [الفرقان : ٣٣] أى أحسن إيضاحا وتفصيلا.

معنى التفسير اصطلاحا :

أما معناه اصطلاحا ، فقد اختلفت عبارات العلماء فى ذلك ، ومن أشهرها :

١ ـ ما قاله أبو حيان فى مقدمة تفسيره :

«التفسير : علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها ، وأحكامها الإفرادية والتركيبية ، ومعانيها التى تحمل عليها حالة التركيب ، وتتمات لذلك».

ثم شرحه بقوله : «فقولنا : (علم) هو جنس يشمل سائر العلوم ، وقولنا : (يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن) هذا هو علم القراءات ، وقولنا : (ومدلولاتها) أى مدلولات تلك الألفاظ ، وهذا هو علم اللغة ، وقولنا :

(وأحكامها الإفرادية والتركيبية) هذا يشمل علم التصريف ، وعلم الإعراب ، وعلم البيان ، وعلم البديع ، وقولنا : (ومعانيها التى تحمل عليها حالة التركيب) يشمل ما دلالته بالحقيقة وما دلالته بالمجاز ، وقولنا : (وتتمات لذلك) هو معرفة النسخ ، وسبب النزول ، وقصة توضح ما انبهم فى القرآن ، ونحو ذلك» (٢).

٢ ـ وعرفه الزركشى بقوله : «علم يعرف به

٢٤١

فهم كتاب الله تعالى ، المنزل على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه وحكمه» (٣).

وقد ذكر السيوطى فى إتقانه عدة تعريفات كثيرة للتفسير ، واعتبر فى كتابه «التحبير فى علم التفسير» تعريف أبى حيان أحسن تعريف. (٤)

ولعل خير ما يجمع تلك التعاريف كلها ، ذلك الذى ذكره الزرقانى فى مناهله ، حيث يقول : «والتفسير فى الاصطلاح : علم يبحث فيه عن القرآن الكريم ، من حيث دلالته على مراد الله تعالى ، بقدر الطاقة البشرية» (٥).

وهذا التعريف ـ على الرغم من إيجاز عبارته ـ تعريف جامع مانع ، يناسب المطلوب من الصياغة فى مثل هذا المقام.

ثم شرح الزرقانى تعريفه هذا شرحا وافيا ، ثم بين لنا سبب تسمية هذا العلم بذلك الاسم ، ووجه اختصاصه بها دون بقية العلوم ، فقال : «وسمى علم التفسير لما فيه من الكشف والتبيين ، واختص بهذا الاسم دون بقية العلوم ـ مع أنها كلها مشتملة على الكشف والتبيين ـ لأنه لجلالة قدره ، واحتياجه إلى زيادة الاستعداد ، وقصده إلى تبيين مراد الله من كلامه ، كان كأنه هو التفسير وحده ، دون ما عداه» (٦).

وجه الحاجة إلى التفسير :

أولا : من أهداف نزول القرآن الكريم الدلالة على صدق النبوة والرسالة ، أى أنه نزل ليكون المعجزة الكبرى للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعرفة أوجه إعجازه لا تتم إلا عن طريق تفسيره.

ثانيا : ومن أهداف القرآن الكريم كذلك أن الله أنزله ليكون روحا لهذه الحياة ، ونورا للناس يهديهم إلى ما فيه سعادتهم فى الدنيا ، وفلاحهم فى الآخرة ، أنزله ليكون منهج حياتهم فى أمور العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق ، وسائر شئون الدين والدنيا والآخرة ، ولن يتأتى للأمم والجماعات والأفراد الرقى فى مدارج الكمالات إلا بالعمل بهذا القرآن ، ولن يتأتى العمل به إلا بعد فهمه فهما صحيحا ، وهذا الفهم الصحيح لا يتأتى إلا بتفسير القرآن.

ثالثا : معلوم أن العلوم تنقسم إلى علوم دنيوية ، وعلوم شرعية ، والعلوم الدنيوية يتوقف الانتفاع بها على الوجه الأكمل والأصلح للبشرية على العلوم الشرعية ، والتخلق بالآداب الإلهية ، وإلا كانت دمارا

٢٤٢

للبشرية ، وهذا ما نراه فى عصرنا ، حينما تحللت تلك العلوم من الأخلاق الربانية ، فكانت نقمة ووبالا على أهلها ، وعلى الدنيا كلها ، والعلوم الشرعية متوقفة أيضا بدورها على القرآن الكريم ، والقرآن الكريم لا يمكن الاستفادة منه ـ كما ذكرنا ـ إلا بتفسيره ، فثبت من هذا أن كل كمال دينى أو دنيوى متوقف على تفسير القرآن الكريم.

٢ ـ التأويل والتفسير :

التأويل لغة : مأخوذ من الأول ، وهو الرجوع ، قال ابن منظور : «الأول : الرجوع ، آل الشيء يؤول أولا ، ومآلا : رجع ، وقال أبو عبيد : التأويل : المرجع والمصير». (٧)

وقيل : إن التأويل مأخوذ من الإيالة ، وهى السياسة ، قال الزبيدى : «آل الملك رعيته يؤول إيالا : ساسهم وأحسن رعايتهم ، وآل المال : أصلحه وساسه» (٨).

وعلى ذلك : فإن قلنا : إن التأويل مأخوذ من الأول ، وهو الرجوع ، فلأن فيه إرجاع الآية إلى ما تحتمله من المعانى ، وإن قلنا : إنه مأخوذ من الإيالة وهى السياسة ، فلأن المؤول يسوس الكلام ، ويضعه فى معناه اللائق به.

أما استعمالات التأويل ، فإنه يطلق على ما يأتى :

١ ـ يطلق على التفسير ، وهو الإيضاح والتبيين ، فيكون التفسير والتأويل بمعنى واحد ، وهذا ما جرى عليه ابن جرير الطبرى فى تفسيره ، حينما يقول : القول فى تأويل قوله تعالى كذا وكذا ، وبقوله : اختلف أهل التأويل فى هذه الآية.

٢ ـ ويطلق على حقيقة الشيء ذاته ، ونفس المراد بالكلام ، فإذا قيل : غربت الشمس ، فتأويل هذا هو نفس غروبها ، وهذا ـ فى نظر ابن تيمية رحمه‌الله (٩) ـ هو لغة القرآن التى نزل بها.

٣ ـ ويطلق على صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معنى آخر مرجوح ، وهو بهذا الإطلاق نوعان : صحيح ، وفاسد.

الفرق بين التفسير والتأويل :

يرى بعض العلماء أن التأويل مرادف للتفسير ، ويرى الآخرون أن هناك فرقا بينهما ، ولكن هؤلاء اختلفوا فى هذا الفرق.

فمنهم من يقول : إن التفسير يخالف التأويل بالعموم والخصوص ، فالتفسير أعم

٢٤٣

من التأويل ، وكأنه يريد من التفسير بيان مدلول اللفظ مطلقا ، سواء كان بالمتبادر ، أم بغير المتبادر ، ويريد من التأويل بيان مدلول اللفظ بغير المتبادر منه لدليل.

ومنهم من يرى أن الاختلاف بينهما إنما هو بالتباين ، فكل منهما مباين للآخر ، ولكن إلى أى شىء يرجع هذا التباين؟ هنا تختلف عبارات العلماء.

فمنهم من يقول : التفسير : بيان وضع اللفظ ، إما حقيقة ، وإما مجازا ، والتأويل : بيان باطن اللفظ.

ومنهم من يقول : التفسير يتعلق بالرواية ، والتأويل يتعلق بالدراية.

ومنهم من يقول : التفسير للمحكمات ، والتأويل يتعلق بالدراية.

ومنهم من يقول : التفسير للمحكمات ، والتأويل للمتشابهات.

ومنهم من يقول : التفسير هو القطع بأن مراد الله كذا ، والتأويل ترجيح أحد المحتملات ، بدون قطع.

ومنهم من يقول : التفسير هو بيان المعانى التى تستفاد من وضع العبارة ، والتأويل هو بيان المعانى التى تستفاد بطريق الإشارة (١٠).

المتشابه فى أسماء الله وصفاته :

التشابه فى اللغة : يطلق على معنيين ، على التماثل ، وعلى الالتباس ، جاء فى لسان العرب : أشبه الشيء الشيء : ماثله ، وفى التنزيل : (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : ١٤١] ، والشبهة : الالتباس (١١).

والآيات والأحاديث الخاصة بصفات الله تعالى ـ مثل : الاستواء ، واليد ، والعين ، والقدم ، ونحوها ـ من هذا القبيل الثانى ، أى من الأمور المشكلة ، ولذلك اختلف فى فهمها :

١ ـ فالسلف كان منهجهم تجاه تلك النصوص ، الإقرار والإثبات والإمرار ، من غير تعرض لتأويلها ، مع تنزيهه تعالى عن التمثيل والتشبيه.

يقول ابن قدامة : «قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ـ رضى الله عنه ـ فى قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ، وإن الله يرى فى القيامة» ، وما أشبه هذه الأحاديث : نؤمن بها ، ونصدق بها ، لا كيف ولا معنى ، ولا نرد شيئا منها ، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ، ولا نرد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه ، وبلا حدّ ولا غاية ، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١] ، ونقول كما قال ، ونصفه بما وصف به نفسه ، لا نتعدى ذلك ، ولا يبلغه وصف الواصفين ، نؤمن

٢٤٤

بالقرآن كله ، محكمه ومتشابهه ، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتثبيت القرآن».

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعى ـ رضى الله عنه : «آمنت بالله وبما جاء عن الله ، على مراد الله ، وآمنت برسول الله ، وبما جاء عن رسول الله ، على مراد رسول الله». وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف ـ رضى الله عنهم ـ كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات ، لما ورد من الصفات فى كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله» (١٢).

٢ ـ أما الخلف : فقد أوّل جمهوره هذه الصفات بمعان لم يقل بها السّلف.

حيث أوّلوا الاستواء بمعنى الاستيلاء أو القهر ، واليد بمعنى القدرة ، ومجيئه تعالى بمجيء أمره ، وعين الله بمعنى عنايته ورعايته ، ولفظ اليمين بالقوة ، والفوقية بالعلو المعنوى لا الحسّى ، والعنديّة فى مثل قوله تعالى فى سورة

الأنعام : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) بالإحاطة والتمكن ، وهكذا.

وحجة هؤلاء : أنه يجب تنزيه الله ـ تعالى ـ عن مماثلة خلقه ، ولكن الحقيقة أن مذهب السلف لا يقتضى المماثلة ، فإذا كان للخلق علم وسمع وبصر ورحمة ، فلله تعالى أيضا علم وسمع وبصر ورحمة ، ولكن من قال من السلف أو الخلف إن علم الله وسمعه وبصره ورحمته مثل علم خلقه وسمعهم وبصرهم ورحمتهم؟ وهل يعقل أن يكون فهم الخلف لآيات الصفات أحسن من فهم السلف؟

تأويل ما يمتنع ـ عقلا أو شرعا ـ حمله على ظاهره :

وإذا كان هذا موقف السلف والخلف من نصوص الصفات ، فإن الأمر يختلف مع تلك النصوص التى يمتنع عقلا وشرعا حملها على ظاهرها ، مثل نصوص معية الله ـ تعالى ـ كقوله عزوجل : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤]. فالله تعالى منزه عن أن يكون معنا بذاته فى حجراتنا وداخل دورات مياهنا ، وحماماتنا ونحو ذلك ، فالمراد بمعيته هنا معيته بالعلم والسمع والبصر ، فهو يعلم كل ما يصدر عنا ويسمعه ويبصره.

تأويل المتشابه اللفظى :

يقصد بالمتشابه اللفظى : ما تكرر من القرآن لفظا ، أو مع اختلاف فى العبارة

٢٤٥

والتركيب بأى صورة من الصور ، كالتقديم والتأخير ، والزيادة والنقصان ، وإبدال حرف بآخر ، أو كلمة بأخرى ، وغير ذلك.

ومثاله : قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة : ٥٨] ، مع قوله تعالى : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ١٦١].

والمقصود بتأويل المتشابه اللفظى هنا :

بيان السر فى التكرار ، وفى اختلاف التركيب فى كل موضع من المواضع المكررة ، بحيث يظهر لنا وجه إعجاز القرآن ، الذى صرف فيه القول بأساليب متعددة ، عجز الخلق جميعا عن مجاراته ولو بأسلوب واحد منها.

وعلى هذا : فإن المقصود بتأويل المتشابه اللفظى يختلف عن المقصود بتأويل متشابه الصفات ، ولقد اعتنى العلماء بدراسة هذه الناحية فى القرآن عناية فائقة وكان على رأسهم الخطيب الإسكافى فى كتابه «درة التنزيل وغرة التأويل» ، ومحمود بن حمزة الكرمانى فى كتابه «البرهان فى توجيه متشابه القرآن» ، وابن الزبير الغرناطى فى كتابه «ملاك التأويل».

المصنفات فى التأويل :

أما المصنفات فى تأويل الصفات فبلغت من الكثرة مبلغا فائقا ، نقتصر منها على ما يلى :

١ ـ تأويلات القرآن لأبى منصور الماتريدى.

٢ ـ تأويل المتشابهات فى الأخبار والآيات لعبد القاهر البغدادى.

٣ ـ مجالس فى المتشابه من الآيات القرآنية ، لابن الجوزى.

٤ ـ الإكليل فى المتشابه والتأويل ، لابن تيمية.

٥ ـ القواعد المثلى فى صفات الله وأسمائه الحسنى ، لمحمد الصالح العثيمين.

٣ ـ نشأة علم التفسير :

القرآن الكريم هو منهج الله ـ تعالى ـ للناس فى كل ما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم

٢٤٦

وأخراهم ، من اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكا ، ويحشر يوم القيامة أعمى ، ولما كان العمل به متوقفا على بيان نصه ، وتوضيح غرضه ، فقد تكفل الله بذلك ، حتى لا يكون للناس على الله حجة ، قال تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة : ١٧ ـ ١٩].

ومن هذا المنطلق فقد قيض الله للبشر فى كل عصر من يبين لهم هذا النص القرآنى ، ويوضح لهم المقصود منه ، وبدا هذا التقييض واضحا منذ عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الآن ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل ٤٤].

جلس النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين أصحابه ، ليفصل لهم ما أجمل من القرآن ، وليزيل عن أذهانهم ما علق بها من لبس ، وليبين لهم تخصيص العام ، وتقييد المطلق ، وتوضيح المبهم ، وغير ذلك مما سنوضحه ـ إن شاء الله ـ فى حديثنا عن التفسير النبوى.

وكان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حريصين كل الحرص على ملازمة مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل وجدنا بعضهم كان يتناوب مع صاحبه حضور المجلس النبوى إذا لم يستطع الملازمة.

أخرج البخارى فى صحيحه عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ قال : «كنت أنا وجار لى من الأنصار فى بنى أمية بن زيد ـ وهى من عوالى المدينة ـ نتناوب النزول على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ينزل يوما وأنزل يوما ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحى وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك» (١٣).

فلما انتقل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الرفيق الأعلى قيض الله ـ عزوجل ـ للناس صحابته الكرام ، ليبينوا لهم مراده من كلامه.

وقد ظل الصحابة يفسرون للناس ما احتاجوا إلى تفسيره.

فلما جاء عصر التابعين قيض الله منهم من يأخذ العلم على أيدى المفسرين من الصحابة ، حتى صاروا علماء نابغين ، بل كان منهم من يفتى فى وجود أستاذه بأمر منه.

وكان للتابعين مقومات جيدة كانوا يعتمدون عليها فى تفسيرهم ، سوف نتحدث عنها ـ إن شاء الله ـ قريبا ، ولقد أنتج لنا التابعون كما عظيما من التفسير.

وظل التفسير بالمأثور ـ قرآن ، وسنة ،

٢٤٧

وأقوال للصحابة والتابعين ـ يتناقل شفهيا ، حتى دخل عصر التدوين ، ثم دخل التفسير فى أطوار أخرى من عصر إلى عصر ، تتلون ألوانه بتلون اتجاهات أصحابها ، حتى وصل إلى عصرنا هذا ، وقد أخذ من كل لون ، ولا غرو فى ذلك ، فهو ماسة ربانية ، ينظر كل منهم إلى زاوية من زواياها ، فتستهويه ، ولا يكاد يصرف نظره عنها ، وهو البحر الذى لا ساحل له ولا قرار ، وبقدر ما عند الصياد من استعداد وأدوات ، بقدر ما يصطاد منه ، ليأكل ويبيع ويقتات.

٤ ـ تدوين التفسير :

التدوين فى بداية الأمر كان خاصا بالقرآن الكريم ، دون الحديث النبوى ، حتى لا يلتبس شىء من القرآن بغيره ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تكتبوا عنى ، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه» (١٤).

فلما أمن اللبس أباح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتابة الحديث أيضا ، ويدل لذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة ، لما طلب أبو شاة أن يكتب له خطبته :

«اكتبوا لأبى شاة». (١٥)

وإذا أردنا أن نقف على بداية تدوين التفسير ، وتطور هذا التدوين ، فإننا نقرر ما يلى :

أولا : إن تدوين التفسير كعلم مستقل عن الحديث ، وليس كباب من أبوابه بدأ فى مرحلة مبكرة ، على أيدى التابعين ، الذين جمعوا قدرا كبيرا منه على أيدى الصحابة ، ومما يدل على ذلك : ما جاء عن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبى العالية ، والحسن البصرى.

فأما سعيد بن جبير فقد ذكر الحافظ ابن حجر فى ترجمته لعطاء بن دينار الهذلى ، أن عبد الملك بن مروان سأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن ، فكتب سعيد بهذا التفسير ، فوجده عطاء فى الديوان ، فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير. (١٦)

وأما مجاهد فقد روى عنه الذهبى أنه قال : عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات ، أقف عند كل آية أسأله ، فيم نزلت؟

وكيف نزلت؟ (١٧). وروى ابن جرير الطبرى عن أبى مليكة قال : «رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن ، ومعه ألواحه ، فقال ابن عباس : اكتب ، حتى سأله عن التفسير كله». (١٨)

وأما أبو العالية ـ وهو رفيع بن مهران ، أحد تلامذة ابن عباس وأبى بن كعب ـ فقد

٢٤٨

كتب نسخة فى التفسير عن أبىّ ، بإسناد قال عنه السيوطى فى «الإتقان» : «وهذا إسناد صحيح». وقد أخرج من هذه النسخة جماعة من العلماء ، كالإمام أحمد فى مسنده ، والحاكم فى مستدركه ، وغيرهما. (١٩)

أما الحسن البصرى ، فقد جاء فى «وفيات الأعيان» : أن شيخا من شيوخ المعتزلة ، وهو عمرو بن عبيد كتب تفسيرا للقرآن عنه. (٢٠)

ثانيا : وبناء على ما سبق ، فإن ما فعله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ، حينما أمر واليه على المدينة ، أبا بكر بن حزم (٢١) (سنة مائة) ، بجمع الحديث ، فكلّف أبو بكر ابن شهاب الزهرىّ بذلك ، لا يعتبر الحلقة الأولى لتدوين التفسير ، حتى وإن كان بابا من أبواب الحديث ، فالتدوين للتفسير ـ وكعلم مستقل أيضا ـ كان سابقا لخلافة عمر بن عبد العزيز ـ رحمه‌الله.

ثالثا : ثم تأتى مرحلة ابن جريج ، فقد كتب فى التفسير ثلاثة أجزاء كبار ، عن ابن عباس رضى الله عنهما. (٢٢)

رابعا : ثم خطا التفسير بعد ذلك خطوة أقرب إلى الشمولية لمعظم آيات القرآن الكريم ، حيث كتب الفراء (المتوفى سنة ٢٠٧ ه‍) كتابا فى معانى القرآن ، متتبعا آيات القرآن ، حسب كتابتها فى المصحف الشريف ، كما ظهر تفسير ليحيى بن سلام المتوفى سنة ٢٠٠ ه‍ ، اهتم فيه بإيراد الأخبار وتعقبها بالنقد والاختيار ، كما اهتم فيه بالنواحى الإعرابية والقراءات وتوجيهها. (٢٣)

خامسا : وما زال التفسير ينمو ويزدهر ، حتى وصل إلى مرحلة الاستقصاء لكل آية من آياته ، وظهر ذلك على أيدى مجموعة من العلماء ، وكان من أشهرهم محمد بن جرير الطبرى المتوفى سنة ٣١٠ ه‍ ، وتفسيره يعتبر أقدم تفسير وصل إلينا ، وابن أبى حاتم المتوفى سنة ٣٢٧ ه‍ ، وابن مردويه المتوفى سنة ٤١٠ ه‍ ، وغيرهم من الأئمة الفضلاء.

ولكن الملاحظ على هذه التفاسير التى دونت حتى هذه الفترة أنها كانت لا تهتم إلا بالمأثور فقط ، ما عدا تفسير ابن جرير ، فإنه كان يزيد على المأثور توجيه الأقوال ، وترجيح بعضها على بعض ، وذكر الإعراب والقراءات ، واستنباط الأحكام وغير ذلك ، فلذلك كان عظيم الفائدة.

سادسا : ثم بعد ذلك اتسعت دائرة التفسير الكامل للقرآن كله ، وكثرت فيه

٢٤٩

التصانيف المستقلة ، وتعددت ألوانه ، ورأينا كما هائلا من التفسير ، يتناسب مع مكانة وأهمية الكتاب المفسّر ، وهو القرآن الكريم ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد.

خطآن شائعان :

وفى هذا المقام لاحظت خطأين شائعين فى كتب من صنف فى مناهج المفسرين :

الخطأ الأول : هو القول بوجود مرحلتين منفصلتين للتفسير ، مرحلة شفهية ، شملت عصر الصحابة والتابعين ، تليها مرحلة تدوينية لم تظهر إلا فى عصر تابعى التابعين ، ولعلّ أول من وقع فى هذا الخطأ أستاذ العصر بلا منازع فى مجال مناهج المفسرين ، وهو أستاذ أساتذتنا الشيخ الدكتور / محمد الذهبى ـ رحمه‌الله ، حيث نص صراحة فى سفره القيم «التفسير والمفسرون» ، على وجود هذا الانفصال الزمنى ، بين التفسير فى مرحلة الرواية ، والتفسير فى مرحلة التدوين. (٢٤)

أما الخطأ الثانى : فهو قولهم : إن استقلال التفسير عن السنة بالتدوين ، كان فى عصر تابعى التابعين ، أو بعد هذا العصر.

فها هو ذا أحد أساتذتنا الأجلاء (٢٥) ـ أكرمه الله ـ يقول عن ابن جريج ـ وهو من تابعى التابعين ـ : «فهو أول من صنف فى تفسير القرآن على استقلال ، فكتب فيه ثلاثة أجزاء كبار ، عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما».

بل إن الدكتور محمد الذهبى ـ رحمه‌الله ـ ليذهب إلى تأخير هذا الاستقلال إلى ما بعد جيل ابن جريج ـ رحمه‌الله. (٢٦)

فالروايات التى ذكرناها سابقا ، والتى تنص صراحة على أن جماعة من التابعين ، كسعيد ابن جبير ، ومجاهد ، وأبى العالية ، والحسن البصرى الذين أخذوا التفسير عن الصحابة ، كانوا يدونونه فى نفس الوقت الذى كانت الروايات التفسيرية تتناقل شفهيا ، فى عصر الصحابة والتابعين ، كما تدل الروايات عن هؤلاء التابعين بصراحة على أن تدوينهم للتفسير كان على جهة الاستقلال ، وليس على أنه باب من أبواب السنة كما قيل ، ولا يعنى هذا إنكار وجود من دوّن التفسير بعد ذلك مختلطا بالسنة ، على أنه باب من أبوابها ، ثم انتهى الأمر بعد هذا الاختلاط إلى الاستقلال التام ، والاستقصاء الكامل ، لتفسير كل آيات القرآن وسوره ، على حسب الترتيب المعروف فى المصحف الشريف.

٢٥٠

٥ ـ مصادر التفسير :

للتفسير خمسة مصادر مرتبة ، لا يجوز لأحد أن يتخطى المقدم منها إلى ما بعده ، إلا إذا لم يجد بغيته فى هذا المقدم ، والمصادر الخمسة هى :

أولا : القرآن نفسه ، إذ أن الموضوع الواحد قد يكون له عدة آيات متناثرة فى ثنايا القرآن. فقد يجد المفسر فيها مطلقا فيحمله على المقيد ، أو عاما فيحمله على الخاص ، أو مجملا فيحمله على المبيّن ، أو موجزا فيوضحه بما جاء مطنبا ، ونحو ذلك من صور تفسير القرآن بالقرآن.

ثانيا : السنة النبوية ، وهذا أمر بدهى ، لأن السنة النبوية مبينة للقرآن ، مع ضرورة الاقتصار على الصحيح ، والبعد عن الموضوع والضعيف.

ثالثا : أقوال الصحابة ـ رضى الله عنهم أجمعين ، لأنهم هم الذين عاصروا الوحى والتنزيل ، وشاهدوا ملابسات القرآن الكريم.

رابعا : أقوال التابعين ، فهى موروث عظيم ، لجيل تربى على أيدى الصحابة الكرام ، وعنهم أخذوا القرآن وسنة النبى ـ عليه الصلاة والسلام.

خامسا : وبعد مرور المفسّر بالمصادر السابقة ، وعدم وجوده بغيته فيها يأتى المصدر الخامس ، ألا وهو إعمال عقله ، وكد ذهنه ، للوصول إلى مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية ، بعد توافر شروط التفسير فيه ، ومراعاة الضوابط المطلوبة لسلامة تفسيره ، واتباعه خطوات المنهج الأمثل فى التفسير ، التى خصصنا لكل منها قدرا معينا فى هذا المدخل ، فليرجع إليها.

٦ ـ مناهج المفسرين :

مصطلح «مناهج المفسرين» مركب إضافى مكون من جزءين :

أما الجزء الأول ، وهو كلمة «مناهج» فى اللغة فهى جمع «منهج» ، والمنهج هو الطريق الواضح ، سواء كان حسيا ، أم معنويا ، بل إنه فى الأصل كان يطلق على الطريق الحسى ، ثم استعمل بعد ذلك فى الطريق المعنوى ، ثم غلب عليه بعد ذلك ، حتى أضحى الآن لا يكاد يستعمل إلا فى الطريق المعنوى. (٢٧)

أما الجزء الثانى ، وهو كلمة «المفسرين» ، فهى جمع مفسّر ، والمفسر وإن كان يطلق على كل من يفسر ويوضح أى شىء ، فإن المراد به الآن عند الإطلاق : هو المشتغل بتفسير كلام خاص ، وهو القرآن الكريم.

٢٥١

وبناء عليه : فإن المراد بمناهج المفسرين اصطلاحا : هو ذلك العلم الذى يبحث فيه عن طرق المفسرين ، فى تناولهم بيان المراد من النص القرآنى ، والحكم على كل طريقة من طرق هؤلاء المفسرين ، بالصواب أو الخطأ ، كما يبحث فيه عن تتمات لا بدّ منها ، تتعلق بالتفسير والمفسرين ، كتعريف التفسير ، وأقسامه ، ومصادره ، وشروطه ، وفائدته ، ووجه الحاجة إليه ، والفرق بينه وبين التأويل ، وغير ذلك.

ولقد صار علما مستقلا يدرس بكليات أصول الدين بجامعة الأزهر.

شروط المفسر :

التفسير هو الترجمة عن الله ـ تعالى ـ لبيان مراده ـ عزوجل ـ من كلامه ، لذلك لا يجوز لأى أحد اقتحام هذا المجال إلا بعد أن تتوافر فيه شروط خاصة نص عليها علماء الأمة ، ألخصها فيما يأتى :

(أ) الإسلام ، لأن الكافر غير مؤتمن على الدنيا ، فكيف نأتمنه على الدين؟

(ب) اتباع مذهب السلف الصالح ـ رضى الله عنهم ـ فمن كان صاحب بدعة لبّس على الناس مقصود الله ـ تعالى ـ ليحملهم على اعتقاد بدعته.

(ج) صحة المقصد ، بأن يبتغى بتفسيره وجه الله ـ تعالى ـ دون سمعة أو رياء ، ليلقى السداد والقبول.

(د) أن يعتمد أول ما يعتمد على المأثور ، فلا يجوز إعمال عقله ، وترك المأثور.

(ه) أن يقف على العلوم الواجب توافرها فيمن يتصدى لتفسير القرآن ، وهى خمسة عشر علما ، على النحو التالى : (٢٨)

١ ـ علم اللغة ؛ لأن بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها ، بحسب الوضع.

٢ ـ النحو ، لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب.

٣ ـ التصريف ، لأن به تعرف الأبنية والصّيغ ، فكلمة (وجد) مثلا كلمة مبهمة ، فإذا صرفناها اتضحت بمصدرها.

٤ ـ الاشتقاق ، لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين اختلف باختلافهما ، كالمسيح ، هل هو من السياحة أم من المسح؟

٥ ، ٦ ، ٧ ـ علوم البلاغة الثلاثة ، «المعانى

٢٥٢

والبيان والبديع» لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعنى ، وبالثانى خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها ، وبالثالث وجوه تحسين الكلام ، ولأن إعجاز القرآن البلاغى لا يدرك إلا بهذه العلوم.

٨ ـ علم القراءات ، لأن به يعرف كيفية النطق بالقرآن ، وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض.

٩ ـ علم أصول الدين ، ليعلم ما يجب لله ـ تعالى ـ وما يستحيل عليه ، وما يجوز فى حقه ، وكذلك بالنسبة للأنبياء ، ما يجب لهم ، وما يستحيل عليهم وما يجوز فى حقهم.

١٠ ـ أصول الفقه ، إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط.

١١ ـ أسباب النزول ، والقصص ، لأن بعض الآيات لا يمكن فهمها إلا به.

١٢ ـ الناسخ والمنسوخ ، ليعلم المحكم من غيره.

١٣ ـ الفقه.

١٤ ـ الأحاديث المبينة للمجمل والمبهم.

١٥ ـ علم الموهبة ، وهو علم يورثه الله ـ تعالى ـ لمن عمل بما علم.

٧ ـ التفسير بالمأثور :

كلمة (مأثور) فى اللغة ـ مأخوذة من الأثر ، والأثر يطلق ـ كما قال ابن منظور فى «اللسان» ـ على أمرين : على بقية الشيء ، وعلى الخبر ، أى على الكلام المخبر به عن شخص آخر. (٢٩)

والمعنى الثانى من معانى المأثور هو المراد عند المفسرين ، حينما يطلقون مصطلح التفسير بالمأثور ، إلا أن دائرته عندهم محدودة ، وليست عامة.

فالتفسير بالمأثور عند العلماء يراد به :

ما جاء فى القرآن الكريم نفسه من آيات تبين آيات أخرى ، وما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحابته الكرام ، وكذلك عن التابعين ، على اختلاف بين العلماء ، فيما جاء عن التابعين ، على ما سنوضحه فى موضعه قريبا إن شاء الله ـ تعالى.

حتمية الأخذ بالتفسير المأثور وتقديمه على التفسير بالرأى :

لا يجوز لأحد بحال من الأحوال أن يفسر القرآن الكريم قبل أن يمر على كل مصدر من مصادر التفسير بالمأثور الأربعة ، مرتبة ترتيبا وجوبيا على النحو الذى ذكرناه سابقا.

٢٥٣

فيجب أن نبحث فى القرآن أولا عن المعنى الذى نريده ، فقد نجد فيه بغيتنا ، وإنما قلنا يجب ذلك لما يأتى :

١ ـ لأن صاحب أى كلام أدرى بمقصوده من غيره ، فما بالنا إذا كان المبين هو الله تعالى؟

٢ ـ ولأن الشرع أمر باتباع ما جاء عن الله ـ تعالى ـ ونهى عن التقديم بين يديه ـ عزوجل.

فإن لم يجد المفسر بيانا وإيضاحا لمعنى الآية فى القرآن ، فعليه أن يلجأ إلى سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قبل أى شىء ، لما يأتى :

١ ـ لقيام الأدلة المتعددة على حجية السنة.

٢ ـ وأيضا فإن الإجماع قد قام على حجية السنة ، أطبق على ذلك السلف والخلف ، فى جميع العصور.

٣ ـ وأيضا فإن وظيفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هى تبيين القرآن.

٤ ـ وأيضا فإن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم معصوم عن الخطأ فى أمور الوحى.

من أجل هذا لا يجوز للمفسر أن يتخطى البيان النبوى لغيره ، إن وجد.

فإن لم يجد المفسر بيانا نبويا ذهب إلى أقوال الصحابة ، فإنهم شاهدوا الوحى والتنزيل ، ورأوا التفسير العملى للقرآن متجسدا فى أقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأفعاله ، وأيضا لما خصوا به من الفهم التام ، والعلم الصحيح ، والدراية بعادات العرب وأحوالهم ، وإتقان لغتهم.

فإن لم يجد المفسر بغيته فى أقوال الصحابة انتقل إلى أقوال التابعين ، الذين تتلمذوا على أيدى الصحابة ، وعليهم أثنى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحابته الكرام خيرا ، على خلاف بين العلماء فى مدى حجية أقوالهم.

فإن فقد المفسر مطلوبه فى هذه المصادر الأربعة انتقل إلى التفسير بالرأى ، بعد توافر الشروط المطلوبة ، والضوابط الواجب مراعاتها.

المصنفات فى التفسير بالمأثور :

والمصنفات فى التفسير بالمأثور خاصة ، أو التى غلب فيها المأثور كثيرة ، يأتى على رأسها ما يلى :

١ ـ جامع البيان عن تأويل القرآن ، لابن جرير الطبرى.

٢ ـ بحر العلوم ، لأبى الليث ، نصر بن محمد السمرقندى.

٢٥٤

٣ ـ معالم التنزيل ، لأبى محمد الحسن بن مسعود البغوى.

٤ ـ المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز ، لأبى محمد عبد الحق بن غالب بن عطية.

٥ ـ تفسير القرآن العظيم ، لأبى الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير.

٦ ـ الجواهر الحسان فى تفسير القرآن ، لأبى زيد عبد الرحمن بن محمد الثعلبى.

٧ ـ الدر المنثور فى التفسير بالمأثور ، للحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى.

٨ ـ فتح القدير ، الجامع بين فنّى الرواية والدّراية من علم التفسير ، لمحمد بن على الشوكانى ، وهو ـ كما هو ظاهر من عنوانه ـ شامل للتفسير بالمأثور ، والتفسير بالرأى.

٩ ـ أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن ، للشيخ محمد الأمين الشنقيطى.

مظان التفسير بالمأثور فى غير المصنفات الخاصة به :

التفسير بالرأى لا يعنى ترك صاحبه للتفسير المأثور ، فإن جل التفاسير بالرأى ـ إن لم تكن كلها ـ تحوى كثيرا من روايات التفسير بالمأثور تقوية لمعنى أو ترجيحا لرأى على آخر ، ونحو ذلك ، ومن هذه التفاسير ما يأتى :

١ ـ الكشاف ، للزمخشرى.

٢ ـ مفاتيح الغيب ، للفخر الرازى.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبى.

٤ ـ روح المعانى ، للآلوسى.

٥ ـ التحرير والتنوير ، للطاهر بن عاشور.

٦ ـ محاسن التأويل ، للقاسمى.

٨ ـ تفسير القرآن بالقرآن :

ذكرنا قريبا أن تفسير القرآن بالقرآن يعتبر المصدر الأول من مصادر التفسير بالمأثور ، الذى لا ينبغى لأحد أن يتعداه إلى غيره ، ما لم يجد مقصوده فيه ، وذلك أرقى أنواع التفسير.

ولتفسير القرآن بالقرآن عدة وسائل ، نوضح أبرزها فيما يلى :

أولا : شرح الموجز بالمطنب :

فقارئ القرآن يرى فيه نصوصا موجزة فى بعض المواضع ، ويرى فى الوقت نفسه نصوصا مطنبة فى الموضوع ذاته ، فى مواضع

٢٥٥

أخرى ، كما ورد فى قصص الأنبياء ، مثل قصة آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وهود ، وصالح ، وموسى ، وعيسى ، وغيرهم ، كما يرى موضوعات أخرى تفرقت أجزاؤها فى ثنايا القرآن ، كموضوعات الربا والخمر ، ومشاهد يوم القيامة والمرأة ونحوها.

فعلى المفسر أن يجمع أجزاء الموضوع الواحد ، من كل مكان ، ليكتمل الموضوع كله أمامه ، ثم يشرع فى تفسيره ، فى ضوء جميع هذه الأجزاء ، حتى لا يلتبس عليه الأمر ، أو يخرج ناقص التصور ، أو مخطئا فى الحكم.

ثانيا : تفسير المجمل بالمبين :

الناظر فى القرآن يجده ينقسم ـ من حيث وضوح الدلالة على المراد ، وعدم هذا الوضوح ـ إلى قسمين :

١ ـ قسم بيّن واضح ، غير مفتقر إلى ما يبينه. مثل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).

٢ ـ وقسم يحتاج إلى بيان ، لأنه غير واضح الدلالة على المراد.

صور التبيين القرآنى للمجمل :

وهذا المجمل الذى يأتى تبيينه بالقرآن له ثلاث صور كالآتى :

١ ـ إما أن يكون متصلا باللفظ المجمل.

٢ ـ وإما أن يكون منفصلا عنه ، ولكن فى السورة نفسها.

٣ ـ وإما أن يكون منفصلا عنه فى سورة أخرى.

فمثال ما جاء متصلا بالمجمل عقبه مباشرة قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) بيّنهم بقوله تعالى : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ١٥٥ ، ١٥٦].

أما المجمل الذى انفصل عنه ما يبينه ، ولكن فى السورة نفسها ، فمثاله قوله تعالى :

(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) [المائدة : ١] فالمستثنى المحرّم مجمل ، فسرته الآية الثالثة من السورة نفسها ، وهى قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) الآية.

أما ما جاء مبيّنا ولكنه منفصل عن المجمل فى سورة أخرى ، فكثير ، منه قوله تعالى :

(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) [الحج : ٢٤] ، بيّن بقوله تعالى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي

٢٥٦

هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) [الأعراف : ٤٣].

ثالثا : حمل العام على الخاص :

ومن تفسير القرآن بالقرآن حمل العام على الخاص.

والمراد بالعام ـ على ما عرفه السرخسى :

«كل لفظ ينتظم جمعا من الأسماء ، لفظا أو معنى ، فلفظا مثل زيدون ، ومعنى مثل (من) و (ما) وما أشبههما. (٣٠)

أما الخاص : فيطلق ـ كما قال الآمدى ـ على اللفظ الواحد ، الذى لا يصلح مدلوله لاشتراك كثيرين فيه ، كأسماء الأعلام ، مثل زيد ، وعمرو ونحوه. (٣١)

المخصص المتصل :

والعام قد يخص بمتصل ، أو منفصل.

والمخصص المتصل أنواع ، أشهرها ما يلى :

الأول : الاستثناء.

الثانى : التخصيص بالشرط.

مثاله : قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) [النور : ٣٣] ، فلا يجب على السيد مكاتبة عبده إلا بالشرط المذكور.

الثالث : التخصيص بالغاية ، مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) [البقرة : ٢٢٢].

الرابع : التخصيص ببدل البعض من الكل ، كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧].

المخصص المنفصل :

أما المخصص القرآنى المنفصل ، فمن أمثلته : قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ) الآية ٢٣ من النساء ، حيث خصّصت الآية الثالثة من السورة نفسها ، وهى قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ).

رابعا : حمل المطلق على المقيد :

ومن تفسير القرآن بالقرآن حمل مطلقه على مقيده.

والمطلق عبارة عن : النكرة فى سياق الإثبات ، أو هو اللفظ الدال على مدلول شائع فى جنسه ، مثل رقبة ، وعبد ، ونحوهما.

والمقيد يطلق باعتبارين ، الأول : ما كان من الألفاظ الدالة على مدلول معين ، كزيد وعمرو ، وهذا الرجل ، ونحوه.

٢٥٧

والثانى : ما كان من الألفاظ دالا على وصف مدلوله المطلق ، بصفة زائدة عليه ، كقولك : دينار مصرى ، ودرهم مكى.

والفرق بين العام والمطلق : أن المطلق يدل على فرد شائع ، أو أفراد شائعة فى جنسه ، لا على جميع الأفراد ، بينما العام يدل على شمول اللفظ لجميع أفراده ، من غير حصر.

وإنما يحمل المطلق على المقيد إذا لم يكن للمطلق إلا أصل واحد.

مثال ذلك : إطلاق الشهادة فى البيوع وغيرها ، واشتراط العدالة فيها فى الرجعة والوصية ، فيحمل المطلق على المقيد ، فتكون العدالة شرطا فى كل شهادة ، وكذا إطلاق الميراث فيما أطلق فيه ، وتقييد ميراث الزوجين بقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (النساء : ١١ ـ ١٢) فيحمل المطلق على المقيد ، ولا يوزع الميراث فى أى حالة ، إلا بعد تنفيذ الوصية ، وسداد الدين.

فإن كان للمطلق أصلان ، فلا يحمل المطلق على المقيد ، وإنما يبقى المطلق على إطلاقه ، والمقيد على تقييده.

مثاله : كفارة اليمين ، وقضاء رمضان ، جاء مطلقا دون تقييد بالتتابع أو بالتفريق ، بينما جاء صوم كفارة التمتع فى الحج مقيدا بالتفريق ، ثلاثة أيام فى الحج ، وسبعة بعد الرجوع ، وجاء صوم كفارة القتل مقيدا بالتتابع ، فهذان أصلان ، تقييد بالتفريق ، وتقييد بالتتابع ، فما ذا نفعل فى إطلاق صوم كفارة اليمين ، وقضاء رمضان؟ إلى أى أصل من الأصلين يرد هذا الإطلاق؟ إلى التقييد بالتفريق أم إلى التقييد بالتتابع؟ هنا نقول :

يبقى هذا المطلق على إطلاقه ، ولا يقيد بأحد القيدين ، لأن حمله على أحدهما ليس بأولى من حمله على الآخر.

خامسا : الجمع بين ما يوهم ظاهره التناقض :

ومن تفسير القرآن بالقرآن الجمع بين ما يوهم التعارض من آياته ، لأن الاختلاف نوعان :

١ ـ اختلاف حقيقى ، وهو ما لا يمكن الجمع فيه بين الشيئين ، بأى وجه من الوجوه ، وهذا غير موجود فى القرآن على الإطلاق.

٢ ـ اختلاف غير حقيقى ، وهو الذى يبدو للناظر فى بعض الآيات من أول نظرة سطحية لها ، وحين التدقيق بين النصوص يتضح عدم التعارض.

٢٥٨

فيجب على المفسر أن ينظر إلى الأسباب التى أدت إلى هذا الإيهام ، ثم يقوم بإزالة هذا التعارض الظاهرى.

سادسا : بيان الناسخ والمنسوخ :

ومن وسائل تفسير القرآن بالقرآن ، بيان ناسخه من منسوخه ، والمراد من النسخ هنا :

رفع الحكم الشرعى بدليل شرعى متأخر.

وإنما يجب على المفسر بيان ذلك ، حتى لا يظن جاهل أن هناك تعارضا بين نصوص القرآن الكريم فى الحكم على الشيء الواحد بأكثر من حكم ، بالجواز والمنع ، أو بالحل والحرمة ، أو بالأمر والنهى ، وحتى يعرف المسلم آخر حكم استقر عليه الأمر فى نهاية المطاف ، فيعمل بالناسخ ، ويترك المنسوخ ، دون أن يفعل العكس.

٩ ـ التفسير النبوى :

ذكرنا قريبا أن السنة هى المصدر الثانى من مصادر التفسير بالمأثور ، الذى يجب أن لا يتخطاه المفسر ، بعد أن لم يجد ما يفسر به من خلال القرآن ذاته.

وإنما قلنا : إنه لا يجوز للمفسر أن يتخطى التفسير النبوى لتوافر الأدلة على ذلك ، من القرآن والسنة والإجماع.

فمن الأدلة القرآنية : قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥].

وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤].

ومن الأدلة النبوية : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله). (٣٢)

أما الإجماع : فإن الأمة سلفا وخلفا انعقد قولها على حجية السنة ، قال الإمام الشافعى رحمه‌الله : «أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس». (٣٣)

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر كل القرآن الكريم :

ومن البدهى الذى نود تقريره هنا أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر كل القرآن الكريم ، والأدلة على ذلك كثيرة ، من القرآن والسنة والعقل :

٢٥٩

فمن القرآن : تلك الآيات التى تدل على أن فى القرآن ما يستنبطه أولو العلم باجتهادهم ، كقوله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣].

قال أبو حامد الغزالى : «فأثبت لأهل العلم استنباطا ، ومعلوم أنه وراء السماع. (٣٤) فلو كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد بين كل معانى القرآن فما ذا بقى لأولى العلم؟».

ومن السنة : دعاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن عباس بقوله : «اللهم فقهه فى الدين ، وعلمه التأويل» (٣٥).

قال أبو حامد الغزالى ـ معلقا على هذا الحديث : «فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل ، ومحفوظا مثله ، فما معنى تخصيصه بذلك؟» (٣٦).

ومن الأدلة العقلية :

١ ـ اختلاف الصحابة فى التفسير ، وتعدد أقوالهم ، فلو كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد فسر القرآن كله لما وجدنا ذلك الاختلاف ، بل لما وجدنا لهم تفسيرا من أصله.

٢ ـ وأيضا : فإنه لو كان للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفسير كامل للقرآن لنقل إلينا ، كما نقل عنه كل شىء ، يتعلق بالدين والدنيا معا ، مثل ما يتعلق بآداب النوم وقضاء الحاجة وغيرهما.

وليس من حق أحد أن يدعى أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد فسر القرآن كله لفظة لفظة ، ثم فقد كله إلا القليل منه ، أو النادر ، لأن التفسير النبوى الكامل مما تتوافر الدواعى على نقله ، فأين أهمية نقل آداب النوم ، وقضاء الحاجة ، من أهمية نقل تفسير كامل للقرآن ، لو أثر عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

وليس من حق أحد أيضا أن يدعى أنه أثر عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفسير كامل للقرآن ، لكن الصحابة لم يبلغوه لمن خلفهم ، لأن هذا قادح فى عدالة الصحابة التى ثبتت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ، ولتنافى ذلك مع كفاحهم فى نشر كتاب الله ـ تعالى ـ وتبيينه للناس.

القدر الذى بيّنه النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

من خلال الواقع الذى نقل شفهيا وكتابة ، عن طريق الرواة وكتب السنة والتفسير ، يتضح لنا بجلاء أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يفسر من القرآن إلا قدرا يسيرا ، لو قيس بما لم يفسره ، وإن كان فى حد ذاته كثيرا.

والسبب فى ذلك : أنه لم يكن فى عصر النبوة من داع لتفسير نبوى كامل للقرآن ، وخاصة إذا علمنا أن هناك من القرآن الكريم ما قد استأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه ، وأن منه ما يعلم معناه من له أدنى دراية بلغة العرب ،

٢٦٠