الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

أ. د. محمود حمدي زقزوق

الموسوعة القرآنيّة المتخصصة

المؤلف:

أ. د. محمود حمدي زقزوق


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

العاشرة : تحصيل الفوائد التبعية مثل معرفة تاريخ التشريعات والحضارات الذى يفيد فى الإلمام بفوائد المدنية. كعلمنا بأن الشريعة القبطية كان يسترق فيها السارق من قصة يوسف فى قوله تعالى : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١٨).

ثم أجاب عن تساؤل : لما ذا لم يكتف بالقصة الواحدة فى تحصيل المقصود منها ، وما فائدة التكرار فى سور كثيرة؟

فذكر أن هذا الهاجس قد يكون تطرق من المناهج الإلحادية فى نظرتها للقرآن. ولكننا نقول : إن القرآن أقرب إلى الوعظ منه إلى التأليف ، فالخطيب لو قام يعظ لو أعاد المعانى لم يعد الألفاظ ، فالقرآن تارة تأتى القصة للبرهان وتارة للتبيان فيحصل بها مقاصد الخطبة والوعظ وتحصل معه مقاصد أخرى :

أحدها : الرسوخ فى الأذهان.

الثانى : إظهار البلاغة بتعدد الأساليب البديعة فى التعبير عن الغرض الواحد ، فذلك وجه من وجوه الإعجاز.

الثالث : أن يسمع من تأخر إسلامه القصة التى نزلت فى وقت سبق إسلامه ؛ لأن سماعه للقصة عند نزولها أوقع فى نفسه.

الرابع : لم يكن المسلمون كلهم يحفظون القرآن بأكمله ، بل يحفظ البعض بعض السور ، وعليه يكون من حفظ سورة فيها القصة لم يفت الآخر الذى حفظ سورة أخرى معرفة نفس القصة ؛ لأنها مكررة فى السورة التى حفظها.

الخامس : أن فى كل مرة تكرر فيها القصة يذكر فيها ما لم يذكر فى غيرها ؛ وذلك تجنبا للتطويل ومناسبة للحالة المقصودة من سامعيها ، فتارة تساق للمؤمنين ، وتارة تساق للكافرين ، وبذلك يتفاوت الأسلوب بين الإطناب والإيجاز على حسب المقام ، فقصة موسى عليه‌السلام التى بسطت فى سورة طه والشعراء أوجزت فى سورة الفرقان فى آيتين هما : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) (١٩) انتهى. تحرير الطاهر بن عاشور.

ولا شك أن الفوائد التى ذكرها بعضها أعظم من بعض ، وإن لاحظنا العموم عليها بحيث تشمل جميع القصص القرآنى ، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لكل قصة فائدتها الخاصة بها. ومن أراد ذلك فليطالع على سبيل المثال ما ذكره القاسمى فى تفسيره لسورة يوسف فى الآية الأخيرة منها.

أ. د. / إبراهيم عبد الرحمن خليفة

١٨١

مصادر البحث والاستزادة فى الموضوع

__________________

(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم للعلامة أبى السعود العمادى ، ط القاهرة.

(٢) التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.

(٣) تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلانى ، تحقيق الشيخ محمد عوامة ـ نشر دار الرشيد ـ سوريا ، حلب.

(٤) جامع البيان عن تأويل آى القرآن ، لابن جرير الطبرى.

(٥) الفن القصصى فى القرآن ، للدكتور محمد خلف الله. طبع القاهرة.

(٦) القاموس المحيط للفيروزآبادى وشرحه ، تاج العروس للزبيدى.

(٧) القصص القرآنى فى مفهومه ومنطوقه للأستاذ عبد الكريم الخطيب ، ط دار المعرفة ، بيروت.

(٨) المستدرك على الصحيحين لأبى عبد الله الحاكم وتلخيصه للحافظ الذهبى.

(٩) محاسن التأويل للقاسمى ط مؤسسة التاريخ العربى بيروت ، لبنان.

(١٠) المعجم الوسيط ، وضع مجمع اللغة العربية ـ القاهرة.

الهوامش :

__________________

(١) سورة القصص (١١).

(٢) سورة الكهف : (٦٤).

(٣) سورة آل عمران (٦٢).

(٤) انظر : تاج العروس واللسان والمصباح المنير والمعجم الوسيط فى هذه المادة.

(٥) سورة يوسف (١٦).

(٦) سورة يوسف (٩٩).

(٧) سورة القلم (١٧).

(٨) سورة الكهف (٢٥).

(٩) سورة البقرة (٢٥٩).

(١٠) انظر : تفسيره (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) أول آيات هذه القصة (ج ٥ ص ١٤٤).

(١١) السابق نفسه فى أولى آيات هذه القصة (ص ٢٢١).

(١٢) سورة يوسف (٣).

(١٣) سورة الزمر (٢٣).

(١٤) سورة القلم (٢٦ ـ ٢٨).

(١٥) سورة يوسف (٢٥).

(١٦) سورة هود (٤٩).

(١٧) سورة الأعراف (١٧٦).

(١٨) سورة يوسف (٧٦).

(١٩) سورة الفرقان : (٣٥ ـ ٣٦).

١٨٢

محاورات القرآن وجدله

المحاورة : مصدر من (حاور) بمعنى تراجعا الكلام تقول : حاور الرجل صاحبه أى :

راجعه الكلام. كذا فى «المصباح».

وفيه أيضا : جدل الرجل جدلا ، من باب تعب : إذا اشتدت خصومته ، وجادل مجادلة وجدالا : إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب. وفى لسان حملة الشرع :

مقابلة الأدلة لظهور أرجحها ، وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلّا فمذموم.

والمحاورة : تكون خصومة أو لا ، وكذلك تكون فى مقابلة دليل أو لا. أما الجدل فعلى خلاف المحاورة فى الاثنين. فكل جدل حوار لا العكس. ومن استعمال الحوار فى الخصومة قوله تعالى : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) (١) ، ومن مقابلة الدليل قصة المجادلة لزوجها فى الظهار ، فى قوله تعالى :

(وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) (٢). ولم يأت الحوار الخالى من الخصومة ومن مقابلة الدليل فى القرآن.

والمحاورة المستعملة فى لغة الكاتبين فى عصرنا لا يكادون يستعملونها فى معنى الجدل ، وكأن الجدل ليس فردا من أفرادها ؛ لأنهم يقصرونه على اللدد فى الخصومة ، مع أن الجدل منه ما هو محمود حسن ، ومنه ما هو مذموم قبيح ، فمن المذموم : جدال الكفار بغير علم وهم أتباع للشيطان فيه ؛ لأنه هو الذى بدأه فى استكبار السجود لآدم قال تعالى فى هذا النوع : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (٣) ومن الجدل المحمود الحسن : ما كان مبعثه الرحمة والشفقة ، كما فى قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) (٤) ، والجدال فى نصفة النفس كما فى قصة المرأة المجادلة عن نفسها.

وأعظم الجدل المحمود هو ما كان فى نصرة الحق ودحض الباطل كما فى أمره سبحانه وتعالى لنبيه : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٥) ، إذا كان الخصم ليس لددا مصرا ، أما إذا كان كذلك فيكون الصواب قوله تعالى : (وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) (٦).

١٨٣

ومن الكاتبين من خصوا هذا النوع السابق باسم الجدل فى القرآن. ولقد أجاد الإمام السيوطى فى كلامه عن هذا النوع من علوم القرآن فذكر ما ملخصه : أن نجم الدين الطوفي أفرد الجدل فى القرآن بالتصنيف ، ونقل عن العلماء : أن القرآن اشتمل على جميع أنواع البراهين والأدلة ، ولكن أوردها على عادة العرب مبتعدا عن دقائق طرق المتكلمين لأمرين هما : قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (٧) ، وأن مخاطبته فى محجة خلقه جاءت فى أجلى صورة ليفهمها العامة لا القليلون ، فتلزم الجميع الحجة. ونقل عن ابن أبى الأصبع أن الجاحظ زعم أن المذهب الكلامى لا يوجد منه شىء فى القرآن. ورد عليه بأنه مشحون به.

ثم عرف الجدل بأنه : (احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجة تقطع المعاند له فيه على طريقة أرباب الكلام). ومنه نوع منطقى تستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة ، فالإسلاميون ذكروا أن أول سورة الحج إلى قوله تعالى : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٨) خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات : قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) (٩) ؛ لأنه قد ثبت عندنا بالخبر المتواتر أنه تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظما لها ، وذلك مقطوع بصحته ، لأنه خبر أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته ، منقول إلينا بالتواتر ، فهو حق ، ولا يخبر بالحق عما سيكون إلا الحق ، فالله هو الحق. وأخبر تعالى أنه يحيى الموتى ؛ لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر ، وحصول فائدة هذا الخبر موقوفة على إحياء الموتى ، ليشاهدوا تلك الأهوال التى يعملها الله من أجلهم ؛ وقد ثبت أنه قادر على كل شىء ، ومن الأشياء إحياء الموتى ، فهو يحيى الموتى ، وأخبر أنه على كل شىء قدير ، لأنه أخبر أنه من يتبع الشياطين ، ومن يجادل فيه بغير علم يذقه عذاب السعير ، ولا يقدر على ذلك إلا من هو على كل شىء قدير ، فهو على كل شىء قدير ، وأخبر أن الساعة آتية لا ريب فيها ، لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق الإنسان من تراب إلى قوله : (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (١٠) ، وضرب لذلك مثلا بالأرض الهامدة التى ينزل عليها الماء ، فتهتز وتربو ، وتنبت من كل زوج بهيج ، ومن خلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالخلق ثم أعدمه بالموت ، ثم يعيده بالبعث ، وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق ، ثم أماتها بالجدب ، ثم أحياها بالخصب ، وصدق خبره فى ذلك كله بدلالة الواقع المشاهد على المتوقع الغائب ؛ حتى انقلب الخبر عيانا صدق خبره فى الإتيان بالساعة ، ولا يأتى بالساعة إلا من

١٨٤

(يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) لأنها عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة ، فهى آتية لا ريب فيها ، وهو ـ سبحان وتعالى ـ يبعث من فى القبور (١١).

وقال : وقال غيره : استدل ـ سبحانه ـ على المعاد الجسمانى بضروب أحدها : قياس الإعادة على الابتداء كما فى قوله تعالى :

(كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) (١٢) ، وثانيها :

قياس الإعادة على خلق السموات والأرض بطريق الأولى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) (١٣) ، وثالثها : قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات ، ورابعها : قياس الإعادة على إخراج النار من الشجر الأخضر ، وخامسها : أن الاختلاف جبلة فى الدنيا ، فلا بد من حياة أخرى غير هذه الحياة ، يرتفع فيها الخلاف والعناد ، وهذا ما وعد الله به فى قوله تعالى :

(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) (١٤).

ثم ذكر استدلالهم على أن الله صانع العالم ، وهو واحد بدليل التمانع فى قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١٥).

ثم أخذ السيوطى يبين طرفا من المصطلحات المعروفة فى علم الجدل ، فذكر منها : السبر والتقسيم ، ومن أمثلته فى القرآن قوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) (١٦) الآيتين ، فقد ردّ الله ـ سبحانه ـ فى الآيتين على الكفار فى تحريمهم ذكور الأنعام بالسبر والتقسيم ، وكأنه يبين لهم أنه لا تصح أى علة للتحريم ، فإما أن تكون العلة

الأنوثة ، أو الذكورة ، أو اشتمال الرحم لهما ، أو لا تدرى لها علة ، فهو التعبدى ، وهم لا يتلقون عن الله ليزعموا ذلك.

ومنها ـ أى المصطلحات : القول بالموجب.

ونقل عن ابن أبى الأصبع تعريفه : بأنه رد كلام الخصم من فحوى كلامه.

وقال غيره هو قسمان : أحدهما : أن تقع صفة فى كلام الغير كناية عن شىء أثبت له حكما ، فيثبتها لغير ذلك الشيء كقوله تعالى :

(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) (١٧) ، فالأعز فى كلام المنافقين كناية عنهم ، فنثبتها لغير ذلك وهو الله ورسوله (فالأعز) الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم و (الأذل) المنافقون.

ثانيهما : حمل لفظ وقع فى كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقه.

وذكر له مثالا ظفر به فى قوله تعالى :

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) (١٨) فحمل لفظ (أذن) التى للسبب ، على (الأذن) الحاسة.

١٨٥

ومنها : التسليم وهو قبول وقوع المحال افتراضا ثم التدليل على عدم فائدته وإن وقع كما فى قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١٩).

فلما كان الواقع على خلاف ذلك ـ مع التسليم فرضا بوقوعه ـ فلا يصح وجود إلهين لما يلزم منه المحال.

ومنها : الإسجال وهو : الإتيان بألفاظ تسجل على المخاطب وقوع ما خوطب به ، كما فى قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) (٢٠).

ومنها : الانتقال وهو : أن ينتقل من استدلال لآخر لعدم فهم الخصم له كما فى قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) (٢١) ، بعد عدم فهمه لقوله : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، فقال وهو لا يفهم : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ).

ومنها : المناقضة وهو : تعليقه على مستحيل إشارة لاستحالته ، كما فى قوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) (٢٢).

ومنها : مجاراة الخصم ، كما فى قوله تعالى : (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٢٣). وبها يعسر عليهم بعد هذا التبكيت والإلزام المجاراة فى الجدل (٢٤).

أ. د / إبراهيم عبد الرحمن خليفة

الهوامش

__________________

(١) سورة الكهف (٣٧).

(٢) سورة المجادلة (١).

(٣) سورة الحج (٨).

(٤) سورة هود (٧٤) والآيات حتى (٧٦).

(٥) سورة النحل (١٢٥).

(٦) سورة الحج (٦٨).

(٧) سورة إبراهيم (٤).

(٨) سورة الحج (٧).

(٩) سورة الحج (٦).

(١٠) سورة الحج (٥).

(١١) بديع القرآن : (ص ٣٧ ، ٤٨).

(١٢) سورة الأنبياء (١٠٤).

(١٣) سورة يس (٨١).

(١٤) سورة الأعراف (٤٣).

(١٥) سورة الأنبياء (٢٢).

(١٦) سورة الأنعام (١٤٣).

(١٧) سورة المنافقون (٨).

(١٨) سورة التوبة (٦١).

(١٩) سورة المؤمنون (٩١).

(٢٠) سورة آل عمران (١٩٤).

(٢١) سورة البقرة (٢٥٨).

(٢٢) سورة الأعراف (٤٠).

(٢٣) سورة إبراهيم (١٠ ، ١١).

(٢٤) الإتقان فى علوم القرآن : (ج ٤ ص ٦٠ : ٦٦).

١٨٦

أقسام القرآن

القسم : الحلف ، اسم مصدر من أقسم إقساما : إذا حلف. كذا فى «المصباح» ـ وهو الغاية القصوى فى الكلام ، ولذا لا يخاطب به خالى الذهن ، وإنما يخاطب به المكذب والمنكر. وعلماء المعانى يجعلونه من الإنشاء الذى ليس لنسبته مدلول فى الخارج بل معناه قائم بنفس المتكلم.

وأركانه أربعة : (مقسم ـ ومقسم به ـ مقسم عليه ـ وأداة القسم). وقد أورد بعضهم شبهة مفاداها ما حكمة قسمه ـ سبحانه ـ أو قسم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأن قسمه ـ سبحانه ـ وقسم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمؤمن فلا حاجة له ، أو لكافر فلا ينفعه بل ينفعه الدليل؟ وقد أجاب السيوطى عن هذه الشبهة بأن لغة العرب من عادتها القسم عند التأكيد ، والقرآن نزل بلغتهم ، ونقل جواب القشيرى بأن ذكر القسم لكمال الحجة والتأكيد ؛ لأن الحكم يفصل فيه بالشهادة أو القسم ، وقد جاء بهما ـ سبحانه ـ فى كتابه فقال تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) (١) ، وقال سبحانه وتعالى : (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) (٢).

وأرى أن أمثل ما يجاب به : أن القسم إنما جاء لفرط أهمية المقسم عليه عند المقسم ، وهذه فائدة يجدر بك أن تبينها للمؤمن والكافر على حد سواء.

وجواب آخر أعظم من السابق : أن القسم منه دليل وبرهان على قدرته على فعل المقسم عليه.

أركان القسم :

أولا : المقسم : المقسم فى القرآن أربعة :

(أ) الله تعالى نفسه ، وهو كثير ولب موضوعنا كقوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣).

(ب) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو غيره من الرسل كقوله تعالى : (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) (٤) ، وقول إبراهيم : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (٥).

(ج) غير الرسل كما فى قوله تعالى : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) (٦).

(د) غير البشر ، كالذى جاء عن رأس الكفر

١٨٧

إبليس فى قوله تعالى : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٧).

ثانيا : المقسم به : جاء القسم فى القرآن بالله ـ سبحانه ـ أو أحد صفاته ، أو بصفة فعله كبناء السماء وطحو الأرض ، وبالمخلوقات كالصافات والذاريات والطور ، وحياة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة فى قوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٨). فالحلف به ـ سبحانه وتعالى ـ أو بصفته أو صفة فعله لا إشكال فيها ، وينعقد اليمين بها ، ولزمته الكفارة فى الحنث ، ولكن الكلام فى حلفه بمخلوقاته ـ سبحانه. والجواب ذكره السيوطى فذكر أوجها له :

أحدها : أنه على حلف مضاف تقديره (ورب التين).

والثانى : العرب تعظم الأشياء وتقسم بها ، فنزل بلغة العرب.

والثالث : أن القسم بما يعظمه المقسم ، وعليه فالقسم بالمخلوق هو قسم بالخالق.

ونقل السيوطى مثل هذا المعنى عن ابن أبى الأصبع فى (أسرار الفواتح) ـ ثم ذكر آثارا عن الصحابة والتابعين فى القسم بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه كان لبيان مكانته عند ربه ـ سبحانه.

وأرى : أن ثانى الأجوبة التى ذكرها السيوطى لا معنى له ؛ ولذا لم يذكره الحافظ ابن حجر مع استيفائه لأحاديث هذه المسألة فأورد الجواب الأول وهو حذف المضاف ، والثالث : وهو أنه خاص بالله لتعظيم المقسم به. ونقل الحافظ عن ابن عبد البر جعل لفظ (أفلح وأبيه) من الحديث غير محفوظة ، وتردها الأحاديث الصحيحة. وقد ورد فى غير حديث مرفوع القسم بقوله : (وأبيك) فى مثل إجابته عن أى الصدقة أفضل؟ فقال :

«وأبيك لتنبأن». فإذا ثبت ذلك ، فالجواب عليه بأجوبة :

الأول : أنه كان يجرى على ألسنتهم دون قصد القسم والمنهى عنه قصد القسم بها.

وإليه مال البيهقى وارتضاه النووى.

والثانى : أنه يقع فى كلامهم للتعظيم والتأكيد ، والنهى كان عن التعظيم. فمن أمثلة ما وقع فى كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر :

فإن تلك ليلى استودعتنى أمانة

فلا وأبى أعدائها لا أذيعها

فلا يمكن أن يكون معظما لأبى أعدائها ، بل قصد تأكيد كلامه.

والثالث : أن هذا كان جائزا ثم نسخ ، قاله الماوردى ، وحكاه البيهقى ، وقال السبكى : أكثر الشّراح عليه. وقال ابن العربى : وروى أن

١٨٨

النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يحلف بأبيه ثم نهى عن ذلك.

وقال المنذرى : دعوى النسخ ضعيفة لعدم تحقق التاريخ.

والرابع : أن فى الجواب حذفا تقديره (أفلح ورب أبيه). قاله البيهقى.

والخامس : أنه للتعجب. قاله السهيلى.

والسادس : أنه خاص بالشارع دون أمته.

ورد بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال.

ثم تكلم الحافظ ابن حجر عن القسم بغير الله ، وذهب إلى أنه لا ينعقد ، ونقل عن بعض الحنابلة استثناءهم للحلف بالنبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم القول بالانعقاد فى الحلف به صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووجوب الكفارة فى الحنث ، لأنه أحد ركنى الشهادة. وأطلق ابن العربى النسبة لمذهب أحمد ورد هذا.

ثم استنبط من الحديث المشروح ـ (أفلح وأبيه) ـ أن من قال : إن فعلت كذا فهو يهودى أو نصرانى. انعقد يمينه. ثم ذكر عن ابن المنذر أنه نقل الخلاف فى الحلف بغير الله ، فنقل عن طائفة أن النهى خاص بأيمان الجاهلية لتعظيمهم فيها الأوثان ، فهذه يأثم صاحبها ولا تنعقد.

وأما ما كان يؤول إلى تعظيمه ـ سبحانه وتعالى ـ والقربة إليه ليس داخلا فى النهى ، ومن قال به أبو عبيد وطائفة ، ودليله إيجاب الصحابة على الحالف بالهدى والصدقة والعتق ، وهذا يعنى أنهم فهموا النهى ليس عاما ، وتعقبه ابن عبد البر بأنه ليس حلفا.

ونقل عن الطبرى عدم انعقاد الحلف بغير الله ، وأن ابن عباس علل قسمه ـ سبحانه ـ بالمخلوقات ليعجب بها المخلوقين ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم. ونقل الإجماع عن ابن هبيرة على انعقاد الحلف بالله ـ والاتفاق على عدم جواز الحلف بمعظم ، ونقل انفراد أحمد بانعقاد الحلف بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونقل عن عياض عدم الخلاف بين الفقهاء من انعقاد الحلف بالله أو بصفاته إلا ما روى عن الشافعى باشتراط نية الحالف بالصفات.

وهذا النقل عن الشافعى غير صحيح ؛ لأن الشافعى يشترط النية فى ما يصح إطلاقه عليه ـ سبحانه وتعالى ـ وعلى غيره. ونقل عن وجه للشافعية أن اليمين الصريح عندهم بلفظ (الله) ، وعن المالكية التعميم ، وكذلك الحنابلة (٩).

ثالثا : أداة القسم : الغالب فيها أن تكون فعلا كأقسم ، ويجب حذف هذا الفعل من الواو القسمية ك (والله) ؛ لأن هذه الواو لا تدخل إلّا على الاسم الظاهر ، وكذلك يجب حذفه مع التاء ، وهى مختصة بلفظ الجلالة (تالله) وتفيد مع القسم معنى التعجب كقول أخوة يوسف : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) (١٠) ، وغالبا يذكر الفعل مع الباء القسمية ك (أقسم

١٨٩

بالله لأفعلن كذا). ، وقلما يحذف كما فى قوله تعالى : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (١١).

ولقد ذكر جار الله الزمخشرى الفرق بين الباء والتاء : أن الباء الأصل ، والتاء مبدلة من الواو التى مبدلة منها ، وفى التاء زيادة معنى التعجب (١٢). فالغالب فى أداة القسم ائتلافها من فعل وحرف على ما وصفنا.

وقد يكون القسم جملة اسمية ، فيحذف خبرها وجوبا إذا كان المبتدأ نصا فى اليمين كقولهم : (لعمر الله لأفعلن كذا) ، وقوله تعالى :

(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٣) وتقدير المحذوف : يمينى أو قسمى ، فإن لم يكن نصا فى اليمين أو القسم جاز حذف الخبر وذكره ، كما فى قولهم : (عهد الله لأفعلن كذا). نصّ على ذلك ابن عقيل فى شرحه «لألفية ابن مالك».

و «فى حاشية الخضرى» شرح معنى قولهم : (نصا فى القسم) بأن يكثر ويغلب استعماله فى القسم. وبيّن أن (عهد الله) يعتبرها بعضهم (نصا فى القسم) ، فلا إشكال فى تسوية الفقهاء بينها وبين (العمر) ؛ لأنهما كناية يمين ، ولا ينعقد بهما إلّا مع النية (١٤) وقد تحذف أداة القسم والمقسم به معا ويدلّ عليهما باللام الموطئة للقسم كقوله تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) (١٥) ، وقد يحذفان فلا يدلّ عليهما إلّا المعنى ، قال السيوطى نحو : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (١٦).

رابعا : المقسم عليه : الأصل فيه وهو جواب القسم ، أن يذكر كما سبق فى الأمثلة ، وقد يحذف ، فقد ذكر أبو على الفارسى أن الألفاظ الجارية مجرى القسم قسمان :

أولهما : التى كغيرها من الأخبار وليست بقسم ، فلا تجاب بجواب ، كما فى قوله :

(وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا) (١٧). فتجوز أن تكون قسما أو حالا للخلو من الجواب.

وثانيهما : ما يتلقى بجواب القسم كقوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) (١٨). بل يحذف جواب القسم مع هذا الثانى لحكمة. وقد بيّن شمس الدين ابن القيم فى (التبيان فى أقسام القرآن) أن القسم فى القرآن بأمور : على أمور ، فيقسم ـ سبحانه ـ بذاته وصفاته ، وآياته المستلزمة لذاته وصفاته ، وبعض المخلوقات ليدل على عظيم آياته ، ثم بين أن الغالب على القسم الجملة الخبرية ، وقد تكون طلبية كقوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٩) ، وقد

١٩٠

يراد تحقيق المقسم عليه ، فيكون من باب الخبر ، وقد يراد به تحقيق القسم.

والأشياء الواضحة الجلية يقسم بها لا عليها ، ويجوز ذلك فى القرآن. وذكر أن فى القرآن تارة يذكر جواب القسم ، وتارة يحذف ، والأول الغالب. والحالف لا يعيد المقسم عليه ولو كرر القسم ، ولما كان القسم يكثر فى الكلام حذف فعله واكتفى بالباء ، ثم حذفت وعوض عنها بالواو فى الأسماء الظاهرة والتاء فى أسماء الله. فسبحانه وتعالى يقسم على أصول الإيمان وأن الرسول حق ، وأن الجزاء والوعد والوعيد حق ، وحال الإنسان.

فمن الأول : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) (٢٠) إلى قوله : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) (٢١) ، ومن الثانى :

(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٢٢) ، ومن الثالث : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (٢٣) إلى قوله تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) (٢٤) ، ومن الرابع : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٢٥).

ثم ذكر أن الجواب يحذف تارة ولا يراد ذكره ، بل يراد تعظيم المقسم به ، وهذا يذكر معه الفعل مع حرف القسم كقولك : (فلان يحلف بالله وحده) ، وقد يكون بحرف القسم فقط كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ، ومقلب القلوب» ، وتارة بحذف الجواب ، وهو مراده لظهوره بدلالة الحال ، أو بدلالة السياق ، ويكثر إذا كان فى نفس المقسم به ما يدلّ عليه ، وهى طريقة القرآن ؛ لأن المقصود يحصل بذكر المقسم به ، فيكون حذف المقسم عليه أبلغ ، كمن أراد أن يقسم على أن الرسول حق فقال : والذى أرسل محمدا بالهدى ودين الحق وأيده بالآيات البينات ... فلا يكون فى حاجة إلى جواب.

ومن ذلك قوله تعالى : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (٢٦). انتهى ملخصه.

تنبيهات : أحدها : قد تقع (لا) قبل فعل القسم كقوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (٢٧) واختلف العلماء فى تفسير المراد عندئذ على ثلاثة أقوال مبناها اختلاف فى (لا) :

١ ـ أن (لا) نافية فهو نفى للجملة ، وليس نفيا لاستحقاقها القسم بها.

٢ ـ أن (لا) نافية نفت الكلام السابق وجملة القسم مثبتة وهو أضعفها.

٣ ـ أن (لا) زائدة لمجرد التأكيد ، وجملة القسم مثبتة.

وعليه يكون القسم حاصلا على قولين وغير حاصل على قول.

١٩١

ثانيها : (المسميات الإيمانية والتربوية للقسم) :

جعل الله من مقتضى الإيمان الكامل عدم جعل اسم الله عرضة للقسم ، فقال تعالى :

(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٨) ، والجعل متعلق بالاسم لا بالذات كما نصّ عليه الطاهر بن عاشور.

والعرضة : على وزن الفعلة وزن دالّ على المفعول. وهو مشتق من عرضه إذا وضعه على العرض أى الجانب. والمقصود جعل الشيء حاجزا. فالعرضة تطلق على المعنيين ، ويمكن حمل الآية على المعنيين. والمعنى الثانى شاع حتى ساوى الحقيقة. واللام فى (لأيمانكم) لتعدية الفعل. أى تحلفوا بالله على الامتناع عن التقوى والبر والإصلاح. وسمّى الحلف يمينا ؛ لأن العرب كانت من عادتهم أن يمسك المتحالفان كل واحد منهما يمين الآخر.

ثم اختصروا فقالوا : صدرت منه يمين أو حلف يمينا ، فهى من تسمية الشيء بما يقارنه ويلازمه ، فلما كان أغلب حلفهم معاهدة بحيث يضع المتعاهدون أيديهم بعضا على بعض ، فشاع إطلاق اليمين على الحلف. وهو يرجع إلى إشهاد الله على صدق الحالف.

ومعنى الآية ـ لو كانت العرضة بمعنى الحائل ـ أى لا تجعلوا اسم الله حائلا معنويا بينكم وبين فعل البر والتقوى والإصلاح. كما وقع من أبى بكر عند ما أقسم ألّا ينال مسطحا بخير بعد أن خاض فى الإفك. وأما على تقدير أن تكون العرضة بمعنى الشيء المعرّض ، فالمعنى : لا تجعلوا اسم الله معرضا لأن تحلفوا به فى الامتناع عن البر والتقوى والإصلاح.

وقدّرت (لا) بعد (أن) فصار المعنى أن لا تبروا كما فى قوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) (٢٩) لأن تعظيم الله يجب أن لا يكون سببا فى قطع ما أمر به ونهى عن عدم البر والتقوى والإصلاح. وهذا النهى يستلزم أن الحلف لو وقع على ترك البر فلا حرج من تركه. وعليه يكون قوله : (أَنْ تَبَرُّوا) مفعولا لأجله فهو علة النهى أى إنما نهيتكم لتكونوا أتقياء أبرارا مصلحين. فعلى التقدير الأول يكون هناك عذر فى الحنث ، وعلى التقدير الثانى يكون هناك تحذير من الحلف. ومن تمام ما يتعلق بالآية السابقة من آداب سامية فى الحلف معالجة المشقة التى تقع على الذين جرت الأيمان على ألسنتهم ، فما حكم أيمانه؟ ويظهر الحاجة إلى فهم قوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ

١٩٢

يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (٣٠).

وقد ذكر الطاهر بن عاشور فى تفسير هذه الآية ما ملخصه : أن النفوس بعد سماع الآية السابقة تزداد الهواجس من كثرة تردد الأيمان على الألسنة. فجاء قوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ) (٣١) الآية.

والمؤاخذة مفاعلة من الأخذ بمعنى المحاسبة.

فالمفاعلة للمبالغة فى الأخذ والمحاسبة ، واللغو مصدر من لغا : إذا قال كلاما باطلا.

ويقال : لغا يلغو لغوا ، كدعا ، ولغا يلغى لغيا كسعى. ولغة القرآن بالواو ، وفى اللسان «أنه لا نظير له إلّا قولهم أسوته أسوا وأسى».

ويطلق اللغو أيضا على الكلام الساقط الذى لا يعتد به وهو الخطأ وهو إطلاق شائع.

واقتصر عليه الزمخشرى فى «الأساس» وفى «الكشاف». و (فى) للظرفية المجازية يراد بها الملابسة ، وهى صفة للغو أو حال منه ، وكذلك قدره الكواشى فيكون المعنى : لا يؤاخذكم الله بأن تلغوا لغوا ملابسا للأيمان.

هذا إن جعلت اللغو مصدرا ، أما إذا جعلته اسما للكلام الساقط فيكون المعنى : لا يؤاخذكم الله فى أيمانكم باللغو. فكثرة جريان الحلف على الألسنة جعلته يشبه اللغو فى الكلام.

وقد اختلف العلماء فى مراد اليمين فى الآية : الجمهور على أنها الأيمان الجارية على الألسنة بغير قصد الحلف ، وهذا قول عائشة والشعبى وأبى قلابة ، وعكرمة ، ومجاهد ، وأبى صالح وبه أخذ الشافعى. ودليله أن اللغو وردت فى الآية فى مقابلة المنعقدة ، فلا بد أن هذه التى لا قصد فيها أى غير منعقدة فلا إثم ولا كفارة عليها ، وفى غيرها الكفارة المذكورة فى سورة المائدة : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) (٣٢) فيكون فى الغموس ، والمعلق ، وعلى الظن الذى يتبين خلافه.

وذهب مالك إلى أن اللغو هو الذى يقسم فيه على شىء يظنه كذلك ، أو يتبين خلافه ظنه ، وهو مروى فى غير «الموطأ» عن أبى هريرة ، وقال به الحسن ، وإبراهيم ، وقتادة والسدى ، ومكحول ، وابن أبى نجيح ، ودليله من الآية المؤاخذة على كسب القلب لا على أصل القسم ، فعلم أن المراد بكسبه كسب الحنث أى تعمده ، فالحالف على ظن يظهر خطؤه لا يتعمد الحنث ، فهو الملغو ولا مؤاخذة فيه.

ومن قال : لا والله. وهو كاذب فهو قسم عنده ، وجاءت عليه الكفارة ؛ لأنه حلف حين حلف وهو حانث ، وإنما جعلنا تفسير (ما كسبت قلوبكم) كسب الحنث ، لأن مساق الآية للحنث ، لأن قوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ

١٩٣

عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) (٣٣) إما إذن فى الحنث ، أو نهى عن الحلف خشية الحنث.

وقال جماعة : اللغو لم يقصد به الكذب ، فشمل القسمين : ما كان بلا قصد ، وما كان بقصد مع اعتقاد الصدق ، وممن قال به ابن عباس ، والشعبى ، وأبو حنيفة وعلله بمثل ما سبق ذكره من عدم تعلق المؤاخذة بأصل الحلف.

والمنعقدة من العقد ، وهو فى اللغة بمعنى :الربط ـ فهى يمين فيه تعليق ، ومقابل اللغو ؛ المنعقدة والغموس ، فالمنعقدة والغموس نوعان ، وفى الحنث بالمنعقدة الكفارة. وقوله : (وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (٣٤) تدليل لحكم نفى المؤاخذة.

ثالثها : كما وقع القسم فى الدنيا يقع فى الآخرة ، ومن ذلك قول أهل الجنة : (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) (٣٥). وكذلك يقع من الكافرين فى قولهم : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٣٦). والله أعلم.

أ. د / إبراهيم عبد الرحمن خليفة

مصادر هذ الموضوع

__________________

(١) الإتقان فى علوم القرآن ، للسيوطى.

(٢) التبيان فى أقسام القرآن ، لشمس الدين ابن القيم ، ط دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان.

(٣) التحرير والتنوير ، للطاهر بن عاشور.

(٤) تفسير القرآن العظيم ، للحافظ ابن كثير.

(٥) الجامع الصحيح ، للبخارى.

(٦) شرح ابن عقيل لألفية بن مالك وحاشية الخضرى عليه ، ط عيسى الحلبى.

(٧) صحيح مسلم.

(٨) فتح البارى شرح صحيح البخارى ، للحافظ ابن حجر العسقلانى.

(٩) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل ، لجار الله الزمخشرى.

الهوامش :

__________________

(١) سورة آل عمران (١٨).

(٢) سورة يونس (٥٣).

(٣) سورة الحجر (٩٢ ، ٩٣).

(٤) سورة يونس : (٥٣).

(٥) سورة الأنبياء (٥٧).

(٦) سورة القلم (١٧).

(٧) سورة ص (٨٢).

(٨) سورة الحجر (٧٢).

(٩) فتح البارى : (ج ١١ ص ٥٣٣ ـ ٥٣٥).

(١٠) سورة يوسف (٨٥).

(١١) سورة ص (٨٢).

(١٢) الكشاف (ج ٣ ص ١٤).

(١٣) سورة الحجر (٧٢).

(١٤) حاشية الخضرى على شرح ابن عقيل (ج ١ ص ١٠٧).

(١٥) سورة آل عمران (١٨٦).

(١٦) سورة مريم (٧١).

(١٧) سورة البقرة (٩٣).

(١٨) سورة النور (٥٣).

(١٩) سورة الحجر (٩٢ ، ٩٣).

(٢٠) سورة الصافات (١).

(٢١) سورة الصافات (٣).

(٢٢) سورة يس (١ ـ ٣).

(٢٣) سورة الذاريات (١).

(٢٤) سورة الذاريات (٥ ، ٦).

(٢٥) سورة العصر (١ ـ ٣).

(٢٦) سورة ص (١).

(٢٧) سورة القيامة (١).

(٢٨) سورة البقرة (٢٢٤).

(٢٩) سورة النساء (١٧٦).

(٣٠) سورة البقرة (٢٢٥).

(٣١) سورة البقرة (٢٢٥).

(٣٢) سورة المائدة (٨٩).

(٣٣) سورة البقرة (٢٢٤).

(٣٤) سورة المائدة (١٠١).

(٣٥) سورة الصافات (٥٦).

(٣٦) سورة الأنعام (٢٣).

١٩٤

الأسماء والكنى والألقاب فى القرآن

فى هذا النوع من علوم القرآن ، حفل كلام السيوطى بالكثير من الأخبار المنكرة والباطلة ، وما لا أصل له ، وما هو من الإسرائيليات التى لا أصل لها فى الكتاب والسنة ؛ ولذا فإنا نطرح كل ذلك ، ونكتفى بمجرد المس الخفيف لما عرض له القرآن من هذه الأنواع الثلاثة ، دون الدخول فى الشرح التفصيلى لمعنى أى منها ، فضلا عما وراء ذلك من سبب التسمية وذكر الأنساب وغيرهما ، على ما وقع من السيوطى فى الكثير من هذا.

أولا : الأسماء :

ذكر الله ـ تعالى ـ من الأسماء فى القرآن العظيم أعلاما وأسماء أجناس ، فمن الأعلام :

وأشرفها ، أسماء القرآن ، وقد مرت ، وأسماء الكتب المتقدمة (التوراة كتاب موسى ، والزبور كتاب داود ، والإنجيل كتاب عيسى ، عليهم‌السلام) ، ويلى ذلك فى الشرف أسماء الأنبياء وبعض الملائكة عليهم‌السلام.

فأما أسماء الأنبياء ، فقد ذكر الله منها ستة وعشرين اسما لخمسة وعشرين نبيا ، منهم ثمانية عشر اسما فى قوله : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ) (١) ويبقى سبعة وهم إدريس وهود وشعيب وذو الكفل وصالح وآدم ، وقد نظمهم بعضهم فقال :

فى تلك حجتنا منهم ثمانية

من بعد عشر ويبقى سبعة وهمو

إدريس هود شعيب صالح وكذا

ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا

وإنما كانت الأسماء ستة وعشرين مع كون المسمين ـ عليهم‌السلام ـ خمسة وعشرين ، لأن لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم اسمين مذكورين فى القرآن «محمد» فى أربع سور (آل عمران ـ والأحزاب

١٩٥

ـ ومحمد ـ والفتح) «وأحمد» فى (سورة الصف).

وأما ما جاء من أسماء بعض الملائكة فجبريل ، وميكال أو ميكائيل ـ وقرئ بهما ـ عليهما‌السلام.

ومنها أعلام لبشر غير أنبياء ، كلقمان فى سورته على القول بأنه غير نبى ، «وكزيد» أى ابن حارثة مولى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقع التنصيص على اسمه ليكون واقعة عين مشهودة فى قاعدة إبطال التبنى ، وهدم ما كان معروفا فى الجاهلية من توريث المتبنى وتحريم زواج من تبناه بامرأته ، على ما جاء فى سورة الأحزاب من تزويج الله تعالى نبيه بزينب امرأة زيد الذى كان متبناه.

ومن تلك الأعلام : «مريم» أم عيسى عليهما‌السلام ـ ولها سورة فى القرآن مسماة باسمها ، ولم يذكر علم لأحد من النساء سواها ؛ لكونها وابنها آية للعالمين. وهؤلاء جميعا من البشر المؤمنين.

ومن أعلام كفار البشر : «آزر» أبو إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ خلفه حقا وحقيقة ، لا مجازا على ما يدعيه البعض.

ومنهم : «قارون وهامان» وقد ذكرا فى «القصص» و «غافر».

ومنهم : «جالوت» الذى قتله داود ـ عليه‌السلام ـ على ما جاء فى قصة طالوت وجنوده من سورة البقرة.

ومن غير البشر والملائكة جاء علم لجنى واحد هو إبليس رأس الكفر ـ لعنه الله.

ومن أعلام القبائل : (عاد ، وثمود ، ومدين) فى مواضع عديدة من القرآن.

و (يأجوج ومأجوج) فى الكهف. والأنبياء و (سبأ) فى سورتها. و (قريش) فى سورتها.

وكما رأى القارئ الكريم ، فإن ما ذكر إلى الآن أعلام أشخاص للعقلاء أفرادا كانوا أو جماعات.

ومن الأعلام المذكورة فى القرآن لغير العاقل :

(أ) أعلام للأصنام ـ وقد جاء من هذا :

ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ، أصنام قوم نوح على ما جاء فى سورة نوح ـ عليه‌السلام.

واللات ، والعزى ، ومناة. أصنام مشركى قريش والعرب ، وذكرت فى سورة النجم.

(ب) ومنها أعلام الأمكنة والبلدان والأنهار والوديان وما إلى ذلك. فمن البلدان : مكة وبكة ، بالميم والباء. والمدينة لمدينة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو علم بالغلبة ، ويثرب لها أيضا. ومصر الممنوعة من الصرف فى أربعة مواضع من القرآن : موضع فى يونس ، واثنان فى يوسف ، ورابع فى الزخرف. وبابل فى قصة هاروت وماروت من سورة البقرة.

ومن الأمكنة : بدر ، وحنين ، والمشعر الحرام ـ وهو علم بالغلبة على المزدلفة ، أو على جبل

١٩٦

بها ، والصواب الأول. والحجر : مساكن قوم صالح ـ عليه‌السلام ـ وفى التنزيل سورة باسمه. والأحقاف : مساكن عاد قوم هود ، وفى القرآن سورة بهذا الاسم كذلك. والكهف :

علم بالغلبة على الذى أوى إليه الفتية وله سورة باسمه كذلك. وعرفات : اسم للمكان المخصوص أو للجبل والصواب الأول.

ومن الجبال : «طور سيناء».

ومن أسماء الأنهار : «الكوثر» : نهر فى الجنة.

وسلسبيل وتسنيم عينان فى الجنة كذلك.

ومن الأودية : «ويل» : اسم واد فى جهنم ، على ما أخرج الترمذى بسند حسن من حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا.

وأشرف أعلام الأمكنة على الإطلاق ـ (العرش العظيم) ، ثم الفردوس : اسم لأعلى الجنة وأوسطها ، وفوقها ـ بالضم أى سقفها ـ عرش الرحمن. ثم مكة ، فالمدينة. فهذه هى الأعلام.

وأما أسماء الأجناس فهى كثيرة جدا كالإنس ، والجان ، والملائكة ، والطير ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والكواكب ، والجبال ، والشجر ، والدواب إلى غير ذلك مما يطول ذكره ولا يفيد استقصاؤه.

ثانيا : الكنى :

ولم يأت منها فى القرآن إلا واحدة فى قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) لعم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسمه عبد العزى على ما هو معروف مشهور فى السير والمغازى.

ثالثا : الألقاب :

وأما الألقاب فكثيرة منها : النبى ، والرسول ، والخليل لإبراهيم عليه‌السلام ، وإسرائيل بمعنى عبد الله ليعقوب عليه‌السلام ، والمسيح لعيسى عليه‌السلام.

ومنها : فرعون لقب لمن ملك مصر قديما ومنهم فرعون موسى ، وتبّع لمن ملك اليمن.

ومن ألقاب غير البشر وشرها على الإطلاق : الشيطان : لقب لإبليس ـ لعنه الله ـ ثم استعمل فى كل من بلغ من الشر أقصى غاية ـ كشياطين الجن والإنس ، وكذلك الوسواس الخناس (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ).

والله أعلم

أ. د / إبراهيم عبد الرحمن خليفة

الهوامش :

__________________

(١) الأنعام الآيات من ٨٣ إلى ٨٦.

١٩٧

الموصول لفظا المفصول معنى

أفرد السيوطى نوعا وذكر أنه جدير بالإفراد بالتصنيف ، وبه تحصل فوائد وحل إشكالات ، وحاصل هذا النوع فى أمرين :

أحدهما : أن يتبادر معنى لا يصلح أن يكون مرادا ويندفع الإشكال بحمله على آخر.

ثانيهما : أن يتوهم أن صاحب الكلام واحد فيندفع هذا التوهم ببيان قائله. والمعنى الجامع لهما هو : قطع آخر الكلام عن أوله لحكمة ، ومن مثل الأمر الأول التى صدّر بها السيوطى بحثه قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) حتى قوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). فالحديث فى قصة آدم كما جاء التصريح بذلك ، أخرجه ابن أبى حاتم وغيره عن ابن عباس بسند صحيح ، وعند أحمد والترمذى وحسنه ، والحاكم وصححه من طريق الحسن عن سمرة مرفوعا.

ولكن آخر الآية مشكل لما فيه من نسبة الإشراك لآدم. وهناك من حمل الآية على غير آدم ، وعلّل الحديث ـ أى جعله معلولا ـ وحكم بنكارته ، وحاصل ما دفع به السيوطى الإشكال مستندا إلى قولى السدى وأبى مالك أن قوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) مفصول عما قبله وهو مختص بمشركى العرب.

ثم نقل السيوطى ثلاث روايات عند ابن أبى حاتم بهذا المعنى فاتضحت المعضلة.

ويوضح ذلك تحول الضمير من التثنية العائد لآدم وحواء فى قوله تعالى : (آتاهُما) إلى الجمع فى قوله تعالى : (يُشْرِكُونَ).

وأرى أن الإشكال ما زال قائما لقوله تعالى :

(جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما). ومن خير ما وقفت عليه فى تفسير هذه الآية ما قاله جمال الدين القاسمى فى تفسيرها حيث ذكر تنبيها : بأن هذه الآية سيقت لتوبيخ المشركين فى جنايتهم بالشرك ، وذلك أن الله أنعم عليهم بالخلق ، وجعل الزوج للسكينة ، فتتدرج فى الخلق من العدم إلى الوجود ، ومن الضعف إلى القوة ، ثم أخذ المواثيق عليهم إن آتاهم ما يطلبون أن يشكروه ولا يكفروا. ونقل عن المفسرين أحاديث وآثارا تشير إلى أن المراد من القصة آدم وحواء ، وحكم على هذه

١٩٨

الروايات بأنها واهية معللة ، ونقل ذلك عن الحافظ ابن كثير ، وقال : إنها من أقاصيص مسلمة أهل الكتاب. ثم بين ما ارتضاه فى تفسير الآية الذى قاله غير واحد ، منهم الحسن وهو : أن المعنى به : ذرية آدم ومن أشرك بعدهم ، ونقل تحسين ابن كثير لهذه الروايات عن الحسن ، ونقل عن القفال أن القصة على جهة ضرب المثل ، ونقل عن الناصر فى (الانتصاف) متعقبا على الزمخشرى : الأسلم أن يكون المراد جنس الذكر والأنثى ، وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس ، وإن كان فيهم موحدون من باب (بنو فلان قتلوا قتيلا) فالنسبة للبعض (١).

والحاصل : أنه إن أريد بالنفس الواحدة الأب وزوجها الأم بما يشمل كل أم وأب فلا إشكال. وإن أريد آدم وحواء فالوجه أن فى الكلام استخدام (٢) ـ وهو محسن بديعى ـ بأن يعود الضمير فى (يسكن) على آدم وفى (إليها) إلى حواء ، ثم يعود فى أول الضميرين فى (يغشاها) للذكر وثانيهما للأنثى. فينحل الإشكال بالكلية.

ثم إن السيوطى نقل مثلا لمثل ما قاله ولكنه لا يسلم فى سورة يوسف فى قول امرأة العزيز : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (٣).

والصحيح الذى نذهب إليه : أن الجميع كلام امرأة العزيز ، وإن كان الأكثرون على أن كلامها انتهى عند قوله : (وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فليس فى الكلام وصل وفصل فى آية يوسف (٤).

أ. د. / إبراهيم عبد الرحمن خليفة

الهوامش :

__________________

(١) محاسن التأويل (ح ٣ ص ٦٧٨ : ٦٨٠).

(٢) انظر : التحرير والتنوير (ح ٩ ص ٢١٠) فما بعدها.

(٣) سورة يوسف : ٥١ : ٥٣.

(٤) انظر : هذا النوع فى الإتقان (ح ١ ص ٣٠٩ : ٣١٢).

١٩٩

خواص القرآن

أفرد الإمام الغزالى بالتصنيف (خواص القرآن) ، ويقصد بها ما لآى القرآن من خواص مادية فى الشفاء من الأمراض ، وإبطال السحر ، والنجاة من العدو ، وكل هذا توصل إليه العلماء من تجاربهم الشخصية ؛ لأنهم يعتقدون البركة فى القرآن ، وهذا لا ينفع إلا من اعتقد اعتقادهم ، وإن كان فعل هؤلاء العلماء له أصل فى السنة ، فى حديث رقية أبى سعيد لديغا بالفاتحة فبرأ ، فأقره النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «ما يدريك أنها رقية» ، على ما فى البخارى من فضائل الفاتحة. وثبت أن آية الكرسى تحرز من الشيطان ، على ما فى نفس المصدر ، وكذلك أن سور الإخلاص والمعوذتين تشفى من الوجع على وجه مخصوص ، هذا ما ذكره الكاتبون فى هذا المعنى من أمثال الزركشى فى «برهانه» والسيوطى فى «إتقانه» ، ولو عمم المسلمون ذلك ليشمل القرآن بخواصه جميع مناحى الحياة ـ لأن القرآن كتاب جميع أصول الخيرات من أصول اعتقاد وتشريع ، كما جمع محاسن الأخلاق ـ لدفعهم إلى التقدم والرقى الحضارى.

أ. د. / إبراهيم عبد الرحمن خليفة

٢٠٠