مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

______________________________________________________

وقد قضى نصف ما عليه ، فأجاز له نصف الوصية. وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه ، فأوصي له بوصية فأجاز له ربع الوصية .. » (١). وجه الاشكال : أن عدم صحة الوصية له أعم من عدم القابلية للملك. وأما قول الورثة : « لا تجوز وصيتها له لأنه مكاتب لم يعتق » فهو وإن دل على ظهور ذلك عندهم لا يدل على ما نحن فيه أيضاً كظهور ذلك عندنا.

ومثله ـ أيضاً ـ في الاشكال : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج ، المتضمن للخلاف الواقع بين ابن شبرمة وابن أبي ليلى ، فيما لو أعتق عبيده وكان يحيط دينه بأثمانهم ، و‌في ذيله قال : « فقلت له ـ يعني : أبا عبد الله (ع) ـ : رجل ترك عبداً لم يترك مالا غيره ، وقيمة العبد ستمائة درهم ، ودينه خمسمائة درهم ، فأعتقه عند الموت ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائة درهم. فقلت : أليس قد بقي عن قيمة العبد مائة درهم عن دينه؟ فقال (ع) : بلى. قلت : أليس للرجل ثلث يصنع به ما شاء؟ قال : بلى. قلت : أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ قال : إن العبد لا وصية له ، إنما ماله لمواليه » (٢). فان نفي الوصية للعبد ، معللاً : بأن ماله لمواليه ، كالصريح في أن العبد لا يملك ، فتكون الوصية لغواً. لكن قول السائل بعد ذلك : « قلت : فإن قيمة العبد ستمائة درهم ، ودينه ثلثمائة درهم ، فضحك ، وقال : من هنا أتي أصحابك ، جعلوا الأشياء شيئاً واحداً ولم يعلموا السنة إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل على وصيته ، وأجيزت وصيته على وجهها. فالآن يوقف هذا ، فيكون نصفه للغرماء ، ويكون ثلثه للورثة ، ويكون له السدس ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المكاتبة حديث : ٢. ويقرب منه ـ بتغيير مختصر ـ ما في باب : ٨٠ من أبواب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوصايا حديث :

٤١

______________________________________________________

مما يوجب الارتياب في دلالة الرواية ، وكيف جاز أن يكون له السدس في الفرض الأخير في الرواية ، ولم يجز أن يكون له أقل من السدس ـ كما في الفرض السابق في الرواية ـ مع اشتراكهما في التعليل؟

مضافاً إلى أن المفروض في الرواية ليس من الوصية التمليكية ، بل هو من الإنشاء المنجز عند الموت ، الذي ترجع فائدته إلى العبد. ولا ريب في صحته من المالك إذا كان في غير مرض الموت ، وإن قلنا بأن العبد لا يملك ، فكيف صح تطبيق عدم صحة الوصية للعبد فيه ، معللاً بما ذكر؟ مع أن الرواية من أدلة القول بأن المنجزات من الثلث ، وهو خلاف التحقيق. ولعل الأولى في توجيهها : حملها على أن الامام (ع) في مقام نقض القياس جرياً على مذهب أهل القياس ، لا في مقام بيان الحكم الواقعي بل هو إشكال آخر على الرواية ـ مع قطع النظر عن الإشكالين السابقين ـ يمنع من صحة الاستدلال بها على المقام. وهذه الوجوه من الإشكال هي العمدة في سقوط الرواية عن الحجية على المقام ، وإلا فالفقرة المذكورة من أوضح الأدلة على نفي الملكية.

ومثل ذلك في الاشكال : ما في المختلف من الاستدلال على ذلك بقوله : « لأنه لو ملك المال لدخل المال في ملكه بالأسباب الموجبة للدخول من غير اختيار ، كالميراث وشبهه. والتالي باطل إجماعاً ، فكذا المقدم .. » ‌إذ فيه : منع الملازمة في الشرطية الأولى ، لإمكان كون الرقية مانعاً من الإرث ، كالقتل والكفر. ومثله استدلاله : بأنه لو ملك لما جاز للمولى أخذه منه قهراً ، والتالي باطل إجماعاً. إذ من الجائز أن يكون للعبد حكم يختص به ، من جواز أخذ المولى ماله منه قهراً. ومن ذلك تعرف إشكال ما ذكره السيد في الرياض بقوله : « وبالجملة : تتبع النصوص ـ الواردة في العتق والوصية للمملوك ـ يكشف عن عدم الملكية له دون ريبة .. » ‌

٤٢

______________________________________________________

فإن ثبوت بعض الأحكام بدليل لا يدل على ما ذكر ، فضلا عن الدلالة بلا ريبة. وبالجملة : لا تصلح الأدلة التي استدل بها على نفي الملكية لا ثبات ذلك.

هذا وفي المسألة أقوال أخرى بالتفصيل بين الموارد ، منها : ما حكاه في الشرائع بقوله : « وقيل : يملك فاضل الضريبة خاصة. وهو المروي .. » ‌وفي الجواهر : « إني لم أعرف القائل به بالخصوص ، وإن نسب إلى الشيخ في النهاية والقاضي. لكن الذي عثرت عليه في الأول ـ مع عدم اختصاصه بفاضل الضريبة ـ صريح في إرادة ملك التصرف ، كما حكاه عنه في الدروس لا الرقبة .. إلى أن قال ـ بعد حكاية كلامه ـ : ونحوه عن القاضي .. » ‌وأشار في الشرائع إلى‌ صحيح عمر بن يزيد قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أراد أن يعتق مملوكاً له ، وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته مالاً سوى ما كان يأخذ مولاه من الضريبة. قال : فقال : إذا أدى الى سيده ما فرض عليه ، مما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. قال : قال : أبو عبد الله (ع) : أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض ، فإذا أدوها اليه لم يسألهم عما سواها؟ قال : قلت : للمملوك أن يتصدق مما اكتسب ويعتق ، بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم ، وأجر ذلك له. قلت : فإن أعتق مملوكاً مما اكتسب ـ سوى الفريضة ـ لمن يكون ولاء العتق؟ قال (ع) : يذهب فيتوالى من أحب ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه ووارثه. قال : قلت : أليس قد قال رسول الله (ص) : الولاء لمن أعتق؟ قال : فقال : هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله. قلت : فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه ، أيلزمه ذلك؟ قال : فقال : لا يجوز ذلك ، ولا

٤٣

______________________________________________________

يرث عبداً حراً » (١). ودلالته على أن المال للمملوك ظاهر. ولا سيما بملاحظة قوله (ع) : « إن أجر ذلك له » ‌، وتعليل عدم الولاء له إذا أعتق عبداً : بأنه لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، إذ لو كان المال لمولاه لكان المناسب التعليل : بأنه ليس بمعتق ، لأن المراد به من له العتق ، لا من قام به العتق ، كما هو ظاهر.

والمناقشة فيه : بأنه مخالف لما دل على حجز العبد عن التصرف. مندفعة : بأن الظاهر من إطلاق وضع الضريبة الاذن في التصرف فيما زاد عليها. نعم يشكل هذا التفصيل : بأن الصحيح المذكور إنما يدل على ثبوت الملكية فيما زاد على ضريبة المولى ، ولا يدل على نفيها في غيره ، فلا يكون سنداً للتفصيل. إلا إذا بني على قيام الدليل على عموم نفي الملك ، ليكون الجمع بينه وبين الصحيح المذكور بالتخصيص والتفصيل. لكن عرفت خلافه.

ومنها : أنه يملك أرش الجناية خاصة. حكاه في الشرائع قولا ، وفي الجواهر : إنه لم يعرف القائل به ، كالقائل بالتفصيل بين فاضل الضريبة وأرش الجناية وبين غيرهما ، وكالقائل بالتفصيل بين ما ملكه مولاه خاصة ، أو مع أرش الجناية خاصة ، أو مع فاضل الضريبة فقط ، أو الثلاثة ، دون غيره. ونقل عن شيخه في شرحه : أنه حكى جميع ذلك بل وغيرها. وكيف كان ، فقد استدل على التفصيل ـ المحكي عن الشرائع ـ بموثق إسحاق ابن عمار ، قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر ، فيقول : حللني من ضربي إياك ، ومن كل ما كان مني إليك ، ومما أخفتك وأرهبتك ، ويحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه. ثمَّ إن المولى بعد أن أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع وضعها فيه العبد فأخذها السيد ، إحلال هي له؟ فقال (ع) : لا تحل له لأنه افتدى بها عن نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب بيع الحيوان حديث : ١.

٤٤

أو بذل له مولاه للزاد والراحلة [١]. نعم لو حج بإذن مولاه صح بلا إشكال ،

______________________________________________________

قال : فقلت له : فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليها الحول؟ قال (ع) لا : إلا أن يعمل له فيها ، ولا يعطي من الزكاة شيئاً » (١). وفيه : أنه ليس من أرش الجناية ـ كما هو واضح ، وذكره في الجواهر وغيرها ـ فان جاز العمل به في الخروج عن أدلة المنع ، تعين القول بمضمونه ، لا في أرش الجناية ، كما هو المدعى. ولا سيما أن أرش الجناية لا يرجع إلى العبد وإنما يرجع إلى مالكه ، لأنه عوض النقص الوارد على ملكه. ولذا قال في الجواهر : « وتسمع ـ إن شاء الله ـ في كتاب القصاص والديات المفروغية عن ملك السيد أرش جناية العبد الذي هو مملوك له. والأرش جبر تفاوت ما نقص من ملكه .. ».

والمتحصل مما ذكرنا : أن القول بنفي الملك لا دليل عليه ظاهر. والأفق بالأدلة الخاصة ـ ومنها صحيح عمر بن يزيد‌ ، وموثق إسحاق‌ المتقدمان هو القول بالملك في الجملة. والذي تقتضيه إطلاقات أدلة السببية هو الملكية مطلقاً ، إلا في موارد خاصة دل الدليل على نفي الملكية فيها ، بنحو لا يمكن استفادة عموم نفي الملكية منها ، كي تكون موجبة لتقييد دليل السببية أو تخصيصه بالحر. ومما ذكرنا تعرف الاشكال فيما تقدم في الرياض : من أن تتبع النصوص ـ الواردة في العتق والوصية للمملوك ـ يكشف عن عدم الملكية له من دون ريبة. ومن ذلك تعرف ضعف التفصيلات التي حكى في الجواهر : حكايتها عن أستاذه. فلاحظ ، وتأمل.

[١] في الجواهر : دعوى الإجماع بقسميه عليه ـ منا ومن غيرنا ـ وإن بذل له مولاه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب بيع الحيوان حديث : ٣.

٤٥

ولكن لا يجزيه عن حجة الإسلام [١]. فلو أعتق بعد ذلك أعاد ، للنصوص ، منها : خبر مسمع : « لو أن عبداً حج عشر حجج ثمَّ أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً » (١). و‌منها : « المملوك إذا حج ـ وهو مملوك ـ أجزأه إذا مات قبل أن يعتق ، فإن أعتق أعاد الحج » [٢]. وما‌ في خبر حكم بن حكيم : « أيما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام » (٢) ‌محمول على إدراك ثواب الحج [٣] : أو على أنه يجزيه عنها ما دام مملوكاً ، لخبر أبان : « العبد إذا حج فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق » (٣) ‌، فلا إشكال‌

______________________________________________________

[١] إجماعاً بقسميه ، منا ومن غيرنا أيضاً ، كذا في الجواهر. وفي المستند : بالإجماع ، والنصوص.

[٢] يريد به‌ صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « إن المملوك إن حج ـ وهو مملوك ـ أجزأه إذا مات قبل أن ينعتق ، وإن أعتق فعليه الحج » ، (٤) ‌و‌صحيحه الآخر : « قال : المملوك إذا حج وهو مملوك ، ثمَّ مات قبل أن يعتق أجزأ ذلك الحج ، فإن أعتق أعاد الحج » (٥). والمتن لا يوافق أحد المتنين.

[٣] ذكر ذلك في الوسائل. وفي الجواهر : ادعى إجماع الأمة على خلاف الخبر المذكور ، ثمَّ قال : « فمن الواجب طرحه. أو حمله على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٤) الوسائل الباب : ١٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

٤٦

في المسألة. نعم لو حج بإذن مولاه ، ثمَّ انعتق قبل إدراك المشعر ، أجزأه عن حجة الإسلام. بالإجماع ، والنصوص [١]. ويبقى الكلام في أمور :

أحدها : هل يشترط في الاجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام ـ بعد الانعتاق فهو من باب القلب ، أو لا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان مقتضى إطلاق للنصوص الثاني ، وهو الأقوى [٢].

______________________________________________________

إدراك ثواب حجة الإسلام ما دام مملوكاً .. ».

[١] قال في الجواهر : « بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه .. » ‌و‌في صحيح معاوية بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : مملوك أعتق يوم عرفة. قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » (١) ‌و‌رواه في المعتبر بزيادة : « وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج ، ويتم حجه ، ويستأنف حجة الإسلام فيما بعد » (٢). و‌خبر شهاب عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له ، أيجزي عن العبد حجة الإسلام؟ قال (ع) : نعم » (٣) ‌، و‌صحيحه عنه (ع) : « في رجل أعتق عشية عرفة عبداً له. قال (ع) : يجزي عن العبد حجة الإسلام ، ويكتب للسيد أجران : ثواب العتق ، وثواب الحج » (٤). ونحوها غيرها.

[٢] كما في الجواهر. لما ذكر. وحكى فيها عن الخلاف : وجوب تجديد نية الإحرام ، وعن المعتبر ، والمنتهى ، والروضة : وجوب تجديد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

٤٧

______________________________________________________

نية الوجوب ، وعن الدروس : وجوب تجديد النية.

أقول : الاحتمالات المتصورة في الاجزاء ثلاثة : ( الأول ) : أن يكون الحج ـ الذي وقع فيه العتق قبل أحد الوقوفين ـ هو حج الإسلام من حين وقوعه ، كما ذكرنا في الصبي أنه الأظهر. ( الثاني ) : أن لا يكون حج الإسلام حين وقوعه ، ولكن يكون حج الإسلام حين الانعتاق. ( الثالث ) : أن يكون غير حج الإسلام حتى بعد الانعتاق ، لكنه يجزي عن حج الإسلام ، فهو مستحب يجزي عن الواجب. فعلى الأخير لا مجال لتجديد النية ـ لا في الإحرام ، ولا في الوجوب ، ولا في غير ذلك ـ لأنه لم يتغير عن حال وقوعه وحدوثه. وعلى الأول لا مجال لتجديد نية الإحرام ولا لتجديد نية حج الإسلام ، ولكن يجدد نية الوجوب ، لأنه حال وقوعه لم يكن واجباً وفي الأثناء صار واجباً. وعلى الثاني يجدد نية الموضوع ونية الوجوب.

والذي يقتضيه الجمود على‌ قوله (ع) : « يجزي عن العبد حجة الإسلام » ‌هو الأخير ، لأن إجزاء شي‌ء عن آخر يقتضي الاثنينية بينهما. كما أن مقتضى الجمود على‌ قوله (ع) : « إذا أدرك أحد الموقفين .. » ‌هو الثاني ، لأن الأول والأخير لا يختص فيهما الإدراك بالموقف ، بل كان الإدراك فيهما للحج من أوله إلى آخره. والذي يقتضيه الأخذ بالمعمومات ـ الدالة على وجوب الحج الإسلامي ـ هو الأول ، لأن القدر اللازم في الخروج عن العمومات صورة وقوع الحج بتمامه في حال الرقية ، أما صورة وقوع بعضه في حال الحرية فلا موجب للخروج فيها عن عموم الوجوب ، كما تقدم ذلك في الصبي.

لكن البناء على الأخذ بالعموم في الفرض يقتضي اختصاص الاجزاء بصورة كون نيته للحج ـ من حين شروعه فيه ـ بعنوان كونه الحج المشروع‌

٤٨

فلو فرض أنه لم يعلم بانعتاقه حتى فرغ ، أو علم ولم يعلم الاجزاء حتى يجدد النية ، كفاه وأجزأه [١].

______________________________________________________

في حقه ، فيكون ناوياً لحج الإسلام إجمالاً ، وإن كان قد أخطأ في تطبيق غيره عليه. فلو لم يكن الأمر كذلك ـ بأن كان ناوياً للحج الاستحبابي لنفسه ـ فالقواعد العامة تقتضي عدم الاجتزاء ، كما عرفت الإشارة إلى ذلك في المسألة التاسعة. لكن ذلك خلاف إطلاق النصوص. ولأجل ذلك يشكل الرجوع إلى إطلاق دليل وجوب الحج ، الشامل للحر والعبد. وحينئذ يدور الأمر بين الأمرين الآخرين. ولا يبعد البناء على الثاني ، لأن إجزاء شي‌ء عن آخر وإن كان يتوقف على الاثنينية ، لكن يكفي فيها الانقلاب في الأثناء. وحينئذ لا مانع من البناء على الانقلاب ، اعتماداً على‌ قوله (ع) : « إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج » ‌، فيكون وقوفه من حج الإسلام وما قبله من غير حج الإسلام ، اجتزى بمجموعهما عنه. وهذا هو الذي يقتضيه الأخذ بظاهر نصوص المقام من غير تكلف.

[١] فان قلت : إذا كان الحج غير الإسلامي ينقلب بعد الانعتاق إلى الحج الإسلامي ، لزم الإتيان به على وجه العبادة ، فإذا فاتت النية لم يصح وإن كان عن جهل بالحكم أو الموضوع. قلت : إطلاق النصوص يقتضي الاجزاء إذا فاتت النية عن جهل بالحكم أو الموضوع ، فيكون الاجزاء مرتباً على الانقلاب الواقعي. نعم إذا تعمد ترك النية ، أو أفسد نيته ـ برياء أو نحوه ـ لم يصح ، لأنه خارج من منصرف النصوص. ولو لا إطلاق النصوص المذكور كان اللازم تجديد النية ـ بالمقدار اللازم ـ في الشروع بحج الإسلام وغيره من العبادات. والظاهر أن هذا هو المراد بالقلب فالمراد به الانقلاب على وجه يلزم تجديد النية ، لا القلب بالمعنى الذي يكون باختيار المكلف فان اختاره حصل وإلا فلا ، فإنه بهذا المعنى لا دليل عليه‌

٤٩

الثاني : هل يشترط في الاجزاء كونه مستطيعاً حين الدخول في الإحرام ، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق ، أو لا يشترط ذلك أصلاً؟ أقوال ، أقواها الأخير [١] ،

______________________________________________________

كما عرفت في وجوه الاحتمالات السابقة. فلاحظ.

[١] قال في الدروس : « ولو أعتق قبل الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام. بشرط تقدم الاستطاعة وبقائها .. ». وفي الروضة ـ بعد أن حكم باعتبار الاستطاعة سابقاً ولا حقاً في الصبي والمجنون ـ قال : ويشكل ذلك في العبد إن أحلنا ملكه. وربما قيل بعدم اشتراطها فيه للسابق ، أما اللاحق فتعتبر قطعاً .. ». وفي المدارك : « واعتبر الشهيد في الدروس : تقدم الاستطاعة وبقائها ، مع حكمه بإحالة ملك العبد. وهو عجيب .. » ‌ولما كانت الاستطاعة لا تنحصر بالملك بل تكون بالبذل أيضاً ـ كما سيأتي ـ لا مجال لإشكال الروضة ، ولا تعجب المدارك ، كما ذكره غير واحد ممن تأخر عنهم. والذي اختاره في المدارك : عدم اعتبار الاستطاعة أصلاً ، لا سابقاً ولا لاحقاً ، وجعله مما ينبغي القطع به ، وقواه في الجواهر وغيرها مستدلين بإطلاق النصوص.

ويشكل : بأنها ليست واردة في مقام البيان من هذه الجهة ، وانما هي واردة لبيان الاجتزاء بالحرية عند أحد الموقفين ، فيبقى اعتبار بقية الشرائط بحاله ، كما أشار الى ذلك في الروضة في حكم الصبي والمجنون. وقال في كشف اللثام : « ثمَّ من المعلوم أن الاجزاء عن حجة الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال ، لكن الإتمام لما جامع الاستطاعة التي للمكي غالباً ، وكانت كافية في الوجوب هنا وإن كانا نائيين ـ كما مرت الإشارة اليه ـ لم يشترطوها .. ». ثمَّ نقل عن التذكرة : استقرار الوجوب في الصبي والعبد ، سواء كانا موسرين أم معسرين ، لأن ذلك واجب عليهما‌

٥٠

لإطلاق النصوص. وانصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام [١].

الثالث : هل الشرط في الاجزاء إدراك خصوص المشعر [٢] سواء أدرك الوقوف بعرفات أيضاً أولا ـ أو يكفي إدراك أحد الموقفين ، فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك‌

______________________________________________________

بإمكانه في موضعه. ثمَّ قال : « ومن اشترط استطاعة النائي المجاور مكة اشترطها هنا في الاجزاء .. ».

وبالجملة : الإطلاق الذي ذكروه غير واضح. وعدم تعرض الأكثر لاعتبار الاستطاعة لا يدل عليه ، لأن مصب كلامهم جهة الرقية والحرية لا غيرهما. وأما ما ذكره في كشف اللثام : من اعتبار الاستطاعة عند الكمال ـ واحتمله في الروضة ، كما تقدم ـ فوجهه أن الاستطاعة إنما تكون شرطاً حال الوجوب لا قبله ، إذ لا دليل على اعتبارها قبله في غير المقام ، فضلا عن المقام. وفي المستند جزم باعتبار الاستطاعة حين العتق. واستدل عليه بالآية (١) ، والنصوص‌ (٢) لكن دلالة الآية غير ظاهرة ، لاختصاصها بغير الفرض ، كما لا يخفي.

[١] هذا الانصراف غير ظاهر. وليس حال العبد الذي أعتق أثناء الحج إلا حال غير المستطيع الذي تكلف الحج ، فإنه إذا شرع فيه لا يتوجه عليه الأمر بحج الإسلام مطلقاً وإن لم يكن مستطيعاً.

[٢] كما هو ظاهر عبارة الشرائع. ومثلها : بعض العبارات الأخرى‌

__________________

(١) المراد هو قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) .. آل عمران : ٩٧.

(٢) لاحظ الوسائل باب : ٨ من أبواب الحج حديث : ٤ ، ٥ ، ٧ وغيرها ويأتي ذكر الأحاديث قريباً ـ إن شاء الله ـ في المسألة : ١ من مسائل اعتبار الاستطاعة في حجة الإسلام.

٥١

للوقوف بعرفات معتقاً كفى؟ قولان ، الأحوط الأول. كما أن الأحوط اعتبار إدراك الاختياري من المشعر ، فلا يكفي إدراك الاضطراري منه [١]. بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين [٢] ، وإن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر ، لكن إذا كان مسبوقاً بإدراك عرفات أيضاً ولو مملوكاً.

______________________________________________________

حيث اقتصر فيها على المشعر. وظاهر أكثر العبارات : الاجتزاء بإدراك أحد الموقفين ، كما هو مذكور في النص ، بل لا ينبغي التأمل فيه. لكن مع ذلك قال في الجواهر : « ولو فرض تمكنه من موقف عرفة دون المشعر ، فلا يبعد عدم الإجزاء ، ضرورة ظهور النص والفتوى في أن كل واحد منهما مجزي مع الإتيان بما بعده ، لا هو نفسه .. ». وفيه : أن ما دل على صحة الحج بإدراك عرفة وحدها عند الاضطرار حاكم عليه ، فيكون مقدماً عليه ، لأن موضوع الاجزاء فيما نحن فيه إدراك أحد الموقفين ـ حال الحرية ـ في الحج الصحيح ، فاذا ثبتت الصحة بإدراك عرفة وحدها مع الاضطرار ثبت موضوع الاجزاء. والمظنون : أن الاقتصار على ذكر المشعر كان بملاحظة الزمان ، لأن إدراك السابق غالباً إدراك للاحق ، لا لخصوص وقوف المشعر.

[١] في الجواهر جعله المنساق من عبارات الأصحاب ، ثمَّ قال : « ولعله كذلك ، اقتصاراً على المتيقن. » وتوقف المصنف (ره) ناشئ من احتمال الرجوع إلى إطلاق نصوص المقام المقتضي للاكتفاء به ، لأن إدراك اضطراري المشعر إدراك لأحد الموقفين. ومن احتمال انصراف النصوص عن الاضطراري إلى الاختياري المجعول الأولي. لكن الظاهر أنه بدوي لا يعتد به.

[٢] كأنه لاحتمال انصراف الدليل إلى هذه الصورة بخصوصها ،

٥٢

الرابع : هل الحكم مختص بحج الافراد والقران ، أو يجري في حج التمتع أيضاً وإن كانت عمرته بتمامها حال المملوكية؟ الظاهر الثاني [١] ، لإطلاق النصوص. خلافاً لبعضهم ، فقال بالأول [٢] ، لأن إدراك المشعر معتقاً إنما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال المملوكية. وفيه : ما مر من الإطلاق. ولا يقدح ما ذكره ذلك البعض ، لأنهما عمل واحد. هذا إذا لم ينعتق إلا في الحج ، وأما إذا انعتق في عمرة التمتع ، وأدرك بعضها معتقاً فلا يرد الإشكال.

( مسألة ١ ) : إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به ليس له أن يرجع في إذنه [٣] ، لوجوب الإتمام على المملوك ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. نعم لو أذن له ثمَّ رجع‌

______________________________________________________

لأنها الفرد الاختياري الأولى ، كما تقدم في إدراك اضطراري المشعر. لكن عرفت أنه بدوي لا يعتد به.

[١] كما اختاره في الجواهر. وحكاه في كشف اللثام عن نص الخلاف والتذكرة ، وفي الدروس : نسبته إلى ظاهر الفتوى.

[٢] حكى في كشف اللثام : الأول عن بعض في مبحث الصبي والمجنون واختاره ، لأن العمرة فعل آخر مفصول عن الحج ، وقعت بتمامها في الصغر أو الجنون كعمرة أوقعها في عام آخر ، فلا جهة للاكتفاء بها. فيكون كمن عدل اختياراً إلى الافراد ، فإذا أتم المناسك أتى بعمرة مفردة في عامه ذلك ، لا بعده انتهى. والاشكال عليه بما ذكره المصنف : من أنهما عمل واحد ، متوجه. فالعمل بالإطلاق متعين.

[٣] الظاهر أنه لا إشكال فيه عندنا. قالوا : لأنه إحرام انعقد صحيحاً‌

٥٣

قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه [١]. وإذا لم يعلم برجوعه فتلبس به ، هل يصح إحرامه ويجب إتمامه ، أو يصح ويكون للمولى حله ، أو يبطل؟ وجوه ، أوجهها الأخير [٢]. لأن الصحة مشروطة بالاذن ، المفروض سقوطه‌

______________________________________________________

فلا ينحل إلا بمحلل شرعي. وفي التذكرة : نسب ذلك إلى غير واحد من علماء المخالفين ، وحكى الخلاف فيه عن أبي حنيفة ، وحكى خلافه في كشف اللثام أيضاً. وكأنه : لأن دليل وجوب الإتمام ناظر إلى وجوب الإتمام من حيث كونه إتماماً ، ولا نظر فيه إلى تحليل التصرف بمال الغير. وأفعال العبد لما كانت مملوكة للمولى احتيج في جواز التصرف فيها إلى دليل ، وهو مفقود. ومن ذلك يشكل ما ذكره المصنف ـ تبعاً للجواهر ـ من أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فان ذلك يختص بما إذا لم يلزم التصرف بمال الغير. أما إذا كان قد لزم ذلك فلا مجال له ، لأن البقاء على الإحرام معصية للخالق ، لما دل على حرمة التصرف في مال الغير ، كما في سائر موارد التصرف في مال الغير وإن لم تجب اطاعته. فليس المقام من باب الإطاعة للمخلوق ، بل من باب حرمة التصرف بغير إذن المالك وإن لم يكن آمراً ، أو كان ممن لا تجب إطاعته.

[١] لانتفاء الاذن ، المانع من صحة التقرب بالإحرام.

[٢] لم أعرف من اختاره. نعم في المعتبر ـ وعن غيره ـ : فيه تردد. والمحكي عن الخلاف والمبسوط والوسيلة : الصحة ، وللمولى أن يحله. وفي القواعد ذكر ذلك ، ولكن قال بعده : « على إشكال .. ». ووجه الاشكال ـ على ما ذكره غير واحد ـ : هو عموم حق المولى ، وعدم لزوم الاذن ، خصوصاً وقد رجع قبل التلبس. ومن انعقاد الإحرام صحيحاً فلا ينحل إلا بمحلل شرعي ، ولزوم الاذن بصحة الإحرام ، وحكي الأول عن المختلف.

٥٤

بالرجوع [١]. ودعوى : أنه دخل دخولاً مشروعاً فوجب إتمامه ، فيكون رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل. مدفوعة : بأنه لا تكفي المشروعية الظاهرية. وقد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل ، ولا يجوز القياس عليه.

( مسألة ٢ ) : يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه [٢] وليس للمشتري حل إحرامه. نعم مع جهله بأنه محرم يجوز له الفسخ ، مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه.

( مسألة ٣ ) : إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه ، وإن لم يتمكن فعليه أن يصوم [٣].

______________________________________________________

وفي المدارك والكشف وغيرهما : صحة الإحرام ولزومه ، واختاره في الجواهر لدخوله دخولا مشروعاً ، فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل.

[١] كذا ذكر غير واحد وجهاً للبطلان. لكن لم يتضح ما يدل عليه. ولذا قال في كشف اللثام : « من الشك في أن الشرط : الاذن ، كالوضوء للصلاة. أو اعتقاده ، كطهارة الثوب فيها .. ». ومع هذا الشك يكون المرجع إطلاقات المشروعية.

[٢] إجماعاً ـ كما في المدارك ـ وقطعاً ، كما في الجواهر. قال في الأول : « لأن الإحرام لا يمنع التسليم ، فلا يمنع صحة البيع. ثمَّ إن كان المشتري عالماً بذلك فلا خيار له ، وإن لم يعلم ثبت له الخيار مع الفور. إلا مع قصر الزمان بحيث لا يفوته شي‌ء من المنافع .. ». وهذا الخيار نظير خيار تخلف الوصف. وذكر نظيره في كتاب الإجارة ، فيما لو آجر العين ثمَّ باعها ولم يعلم المشتري بالإجارة.

[٣] بلا خلاف أجده فيه ـ كما اعترف به في محكي المنتهى ـ بل ولا‌

٥٥

وإن لم ينعتق كان مولاه بالخيار [١] بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم. للنصوص ، والإجماعات.

______________________________________________________

إشكال لأنه بالإدراك المزبور يكون حجه حج إسلام ، فيساوي غيره من الأحرار في وجوب الهدي عليه مع القدرة ، ومع التعذر الصوم ، كذا في الجواهر. وهو واضح.

[١] بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه عندنا ، بل في ظاهر المنتهى والتذكرة : الإجماع عليه ، بل في صريح المدارك : ذلك ، كذا في الجواهر. و‌في صحيح سعد بن أبي خلف : « سألت أبا الحسن (ع) ، قلت : أمرت مملوكي أن يتمتع. قال : إن شئت فاذبح عنه ، وإن شئت فمره فليصم » (١) ‌و‌في صحيح جميل ، قال الصادق (ع) : « فمره فليصم ، وإن شئت فاذبح عنه » (٢).

وعن الشيخ في التهذيب والاستبصار : لزوم الذبح عنه. ويشهد له‌ خبر علي بن أبي حمزة : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ، ثمَّ أهل بالحج يوم التروية ولم أذبح عنه ، فله أن يصوم بعد النفر؟ فقال : ذهبت الأيام التي قال الله تعالى. ألا كنت أمرته أن يفرد الحج؟. قلت : طلبت الخير ، فقال (ع) : كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة ، وكان ذلك يوم النفر الأخير » (٣). وفيه ـ مع ضعف الخبر ، وإعراض المشهور عنه ـ : أن مقتضى الجمع العرفي بينه وبين ما سبق الحمل على الاستحباب ، كما يشير اليه التعليل. وأضعف من ذلك : الاستدلال عليه : بأن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه. إذ ـ مع أنه غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الذبح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الذبح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب الذبح حديث : ٤.

٥٦

( مسألة ٤ ) : إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة ، فهل هي على مولاه [١] ، أو عليه ويتبع بها بعد العتق [٢] ، أو ينتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز [٣] ،

______________________________________________________

ظاهر الانطباق على ما نحن فيه ـ لا يصلح لمعارضة الدليل.

[١] كما في المعتبر ، وقواه في المدارك. لصحيح حريز عن أبي عبد الله (ع) : « كل ما أصاب العبد ـ وهو محرم ـ في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام » (١). واستدل له في المعتبر : بأن جنايته من توابع إذنه في الحج ، فتلزمه جنايته. وهو كما ترى.

[٢] كما في الجواهر. عملاً بالقواعد المقتضية لكونه عليه دون السيد إذ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ). لكن يشكل : بأن فيه مخالفة للصحيح المذكور‌

[٣] يعني يكون الفداء على العبد فيما لا يكون الصوم له بدلاً ، فان كان الصوم بدلاً انتقل الى البدل مع العجز. وهذا الاحتمال راجع إلى الأول إذ الأول مبني على عجز العبد عن كل من الفداء والبدل ، أما عجزه عن الأول فلعدم الملك ، وأما عجزه عن الثاني فلمنع المولى. والثاني مبني على عدم العجز كلية ، لأنه قابل للملكية ، أو لبذل السيد أو غيره للفداء. وأما عدم العجز عن الصوم فلأنه قد يأذن السيد له فيه ، لكن لو لم يأذن له في الصوم يكون عاجزاً ، وحينئذ يتبع بالفداء أو بدله بعد العتق. وهذا الاحتمال منقول عن الشيخ (ره) كما في المدارك ، قال : « قال الشيخ (ره) : إنه يلزم العبد ، لأنه فعل ذلك بدون إذن مولاه. ويسقط الدم الى الصوم ، لأنه عاجز ففرضه الصيام. ولسيده منعه منه ، لأنه فعل موجبه بدون إذن مولاه .. ».

أقول : قد عرفت أنه ـ على تقدير منع السيد عن الصوم ـ لا بد من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب كفارات الصيد حديث : ١.

٥٧

أو في الصيد عليه وفي غيره على مولاه [١]؟ وجوه ، أظهرها كونها على مولاه. لصحيحة حريز‌ ، خصوصاً إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه [٢]. نعم لو لم يكن مأذوناً في الإحرام بالخصوص ، بل كان مأذوناً مطلقاً إحراماً كان أو غيره ، لم يبعد كونها عليه ، حملاً لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران ‌ـ النافي‌

______________________________________________________

البناء على أن الفداء على العبد يتبع به بعد العتق ، وعليه البدل على تقدير عجزه. هذا ما تقتضيه القواعد ، ولا بد حينئذ من إرجاع كل من هذين الاحتمالين الى الآخر ، وإلا كان على خلاف القواعد. كما أنه لا مجال للمصير إلى كل منهما إلا بعد سقوط الصحيح عن الحجية.

[١] لا يحضرني قائل بذلك. نعم يظهر عكس هذا التفصيل من المفيد حيث خص كون الفداء على السيد بالصيد ، على ما حكاه في المدارك وغيرها وكأن وجه التفصيل المذكور في المتن : الجمع بين صحيح حريز المتقدم‌ ، و‌خبر عبد الرحمن بن أبي نجران : « سألت أبا الحسن (ع) عن عبد أصاب صيداً وهو محرم ، هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال (ع) : لا شي‌ء على مولاه » (١) ‌، بحمل الثاني على خصوص مورده ـ وهو الصيد ـ وحمل الأول على غيره ، حملاً للمطلق على المقيد.

[٢] حكي التفصيل المذكور في المتن ـ من أنه إذا أذن له في الإحرام بالخصوص فالكفارة على السيد ، وإلا فعلى العبد ـ عن المنتفى ، جمعاً بين الخبرين ، حسبما ذكر في المتن. لكن الجمع المذكور غير ظاهر ، لأن‌ قوله (ع) في الصحيح : « إذن أذن له في الإحرام » ‌أعم من كون الاذن بالعموم أو بالخصوص. وكان الأولى : الجمع بحمل الخبر على الصيد ـ كما هو مورده ـ وحمل الصحيح على غيره ، جمعاً بين المطلق والمقيد ، فان المتن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب كفارات الصيد حديث : ٣.

٥٨

______________________________________________________

مروي ـ في التهذيب (١) ، والكافي (٢) ، والفقيه (٣) كما عرفت. نعم‌ رواه في الاستبصار هكذا : « المملوك إذا أصاب الصيد » (٤). ونحوه في المعتبر (٥) فيكون مورده الصيد أيضاً ، فيتحد مع خير عبد الرحمن مورداً ، وحينئذ يتعارضان. والجمع بينهما بحمل الخبر على ما إذا لم يأذن له المولى ـ كما عن الشيخ وغيره ـ بعيد جداً ، فإنه لا يصح إحرامه بدون الاذن ، وظاهر السؤال فرض صحة الإحرام.

ثمَّ بناء على التعارض يتعين الأخذ بالصحيح ، فإن الثاني وان كان صحيحاً أيضاً ـ فقد رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن. واسناد الشيخ الى سعد صحيح ، ومحمد بن الحسن ثقة ، لأن الظاهر أنه الصفار. وكذا محمد بن الحسين لأن الظاهر أنه ابن أبي الخطاب ، وعبد الرحمن ثقة أيضاً ـ لكن صحيح حريز‌ لما كان موافقاً لصحيحه الآخر ـ الذي رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم المختلفة الصحيحة ـ كان أرجح من الآخر من باب الترجيح بما وافق الكتاب ، بناء على أن المراد منه : الكتاب بالمعنى الأعم من الكتاب والسنة. ولا سيما وقد قال في المنتقى : « وربما ينظر في رفع التعارض هنا إلى أن طريق الخبر الثاني لا ينهض لمقاومة الأول ، باعتبار وقوع نوع اضطراب فيه ، مع غرابته. فان المعهود من رواية سعد عن محمد بن الحسين أن تكون بلا واسطة ورواية محمد بن الحسين عن ابن أبي نجران غير معروفة. وفي بعض نسخ‌

__________________

(١) ج ٥ صفحة ٣٨٣ حديث : ١٣٣٤ طبع النجف الأشرف.

(٢) ج ٤ صفحة ٣٠٤ حديث : ٧ طبع إيران الحديثة.

(٣) ج ٢ صفحة ٢٦٤ حديث : ١٢٨٤ طبع النجف الأشرف.

(٤) ج ٢ صفحة ٢١٦ حديث : ٧٤١ طبع النجف الأشرف.

(٥) نص العبارة كما يلي : « المملوك كل ما أصاب الصيد .. » لاحظ المعتبر صفحة ٣٢٨.

٥٩

لكون الكفارة في الصيد على مولاه ـ على هذه الصورة.

( مسألة ٥ ) : إذا أفسد المملوك المأذون حجه بالجماع قبل المشعر فكالحر في وجوب الإتمام والقضاء [١]. وأما البدنة ففي كونها عليه ، أو على مولاه ، فالظاهر أن حالها حال سائر الكفارات على ما مر [٢]. وقد مر أن الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام. وهل يجب على المولى تمكينه من‌

______________________________________________________

التهذيب : سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين .. ». وأورده العلامة في المنتهى بهذه الصورة ، والغرابة منتفية معه. ونحوه ما ذكره الكاظمي في مشتركاته. وهذا المقدار ربما يستوجب قلة في الوثوق.

ثمَّ إنه إن كان إشكال في ترجيح أو تخيير فهو في الصيد ، أما في غيره من الجنايات فلا إشكال في لزوم الرجوع الى صحيح حريز المثبت للفداء على السيد ، إذ لا معارض له في ذلك. اللهم إلا أن يستشكل فيه : باحتمال كونه هو صحيحه الآخر ـ الذي رواه في الاستبصار المعارض بصحيح ابن أبي نجران‌. لكن هذا الاحتمال ضعيف ، بعد روايته في الفقيه والكافي والتهذيب بالمتن المذكور ، فان كان إشكال فهو في المتن الآخر المروي في الاستبصار ، الوارد في الصيد بالخصوص. وحينئذ لا يكون معارضاً لصحيح ابن أبي نجران‌ فيه ، فيخصص به صحيح حريز‌. لكن الاحتمال المذكور خلاف الأصل المعول عليه ، المقتضي لكونهما خبرين متباينين.

[١] الظاهر أنه لا إشكال فيه ، لعموم الأدلة له كعمومها للحر.

[٢] إذ لا دليل فيها بالخصوص ، فيتعين الرجوع الى الصحيح ـ الذي رواه المشايخ الثلاثة ـ الذي يثبت الفداء على السيد ، إذ لا معارض له في ذلك ، كما عرفت.

٦٠