مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

أقواها الثاني ، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب [١]. والقول بأن الأصل هو التداخل [٢] ضعيف. واستدل للثالث بصحيحتي‌

______________________________________________________

المدارك إلى الأكثر ، والتفصيل محكي عن النهاية والتهذيب والاقتصاد وغيرها.

[١] هذا الأصل بني عليه في الأسباب الشرعية ، مثل : « إذا أفطرت فكفر » و « إذا ظاهرت فكفر » ، من جهة ظهور القضية الشرطية في السببية المستقلة بمعنى : كون الشرط سبباً في وجود الجزاء على وجه الاستقلال ، على النحو الذي لا يحصل بالتداخل. وإن كان إطلاق الجزاء يقتضي التداخل ، لأن ظهور الشرط فيما ذكر أقوى من ظهور الجزاء. وهذا التقريب غير وارد في المقام ، لأن سببية النذر للوجود المستقل وعدمه تابع لقصد الناذر ، فاذا فرض أنه قصد مطلق الطبيعة كفى ذلك في البناء على التداخل ، ولا يعارض هذا الإطلاق ظهور آخر كي يقدم عليه. فجعل المقام من صغريات قاعدة التداخل في غير محله.

[٢] هذا القول اختاره جماعة ، منهم السيد في المدارك ، قال ـ في مقام الاشكال على ما ذكر الجماعة من أن اختلاف السبب يقتضي اختلاف المسبب ـ : « وهو احتجاج ضعيف ، فان هذا الاقتضاء إنما يتم في الأسباب الحقيقية دون المعرفات الشرعية. ولذا حكم كل من قال بانعقاد نذر الواجب بالتداخل إذا تعلق النذر بحج الإسلام ، من غير التفات إلى اختلاف الأسباب » وضعف ما ذكره يظهر مما سبق ، فان المراد من الاقتضاء ـ في كلامهم ـ ليس هو الاقتضاء العقلي ، بل الاقتضاء الدلالي ، أعني : ظهور الكلام في التعدد على ما عرفت. وتفصيله في الأصول في مبحث مفهوم الشرط. فراجع. هذا ولو بنى على أصالة التداخل فلا مجال للاستدلال بها في المقام لما عرفت ، والمتعين ـ في إثبات التداخل في المقام ـ إطلاق المنذور الشامل لحج الإسلام من دون معارض.

٣٤١

رفاعة ومحمد بن مسلم : « عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى ، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال (ع) : نعم » [١]. وفيه : أن ظاهرهما كفاية الحج النذري عن حجة الإسلام مع عدم الاستطاعة [٢] ، وهو غير معمول به. ويمكن حملهما على أنه نذر المشي لا الحج ، ثمَّ أراد أن يحج [٣] ،

______________________________________________________

ثمَّ إنه استدل بعضهم ـ على عدم التداخل في المقام ـ بالإجماع المحكي عن الناصريات ، وبالخبر المرسل في نهاية الشيخ ، فإنه ـ بعد أن نسب ما ذكر فيها من التفصيل الى بعض الروايات ـ قال : « وفي بعض الأخبار : أنه لا يجزي عنه ». وفي هذا الاستدلال ما لا يخفى ، فإن الإجماع ممنوع ، ضرورة وقوع الخلاف. والخبر المرسل لا يصلح للحجية.

[١] قال رفاعة بن موسى : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى ، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال : نعم. قلت : أرأيت إن حج عن غيره ولم يكن له مال ، وقد نذر أن يحج ماشياً ، أيجزي ذلك عنه (١) من مشيه؟ قال (ع) : نعم » (٢). و‌قال محمد بن مسلم : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل‌ .. ( إلى قوله في الجواب الأول ) قال : نعم » (٣).

[٢] هذا الاستظهار غير ظاهر ، ولا قرينة عليه.

[٣] هذا الحمل ذكره في كشف اللثام وغيره. وهو غير بعيد في‌

__________________

(١) في عبارة التهذيب : « عنه ذلك ».

(٢) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣. ونص الرواية في المتن موافق لما في التهذيب جزء : ٥ صفحة : ٤٠٧ طبع النجف الأشرف ، وفي الوسائل جمع بين ذلك وبين ما في الكافي جزء : ٤ صفحة : ٢٧٧ طبع إيران الحديثة.

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

٣٤٢

فسئل (ع) عن أنه هل يجزيه هذا الحج الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا؟ فأجاب (ع) بالكفاية. نعم لو نذر أن يحج مطلقاً ـ أي حج كان ـ كفاه عن نذره حجة الإسلام ، بل الحج النيابي وغيره أيضاً ، لأن مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأي وجه كان [١].

______________________________________________________

الصحيح الأول ، بقرينة السؤال الثاني. وعن المختلف : حمل الروايتين على ما إذا نذر حج الإسلام. وهو بعيد جداً ، كما اعترف به في المدارك.

[١] لا يظهر الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى ـ التي ذكرها في صدر المسألة ـ إلا من جهة التصريح بالإطلاق وعدمه ، وهو لا يوجب الفرق بينهما في الحكم.

وبالجملة : الصور ثلاث : الأولى : أن ينذر حج الإسلام. وقد تعرض لها في المسألة الرابعة عشرة. الثانية : أن ينذر حجاً غير حج الإسلام. وقد تعرض لها في المسألة السادسة عشرة. الثالثة : أن ينذر حجاً مطلقاً. وهذه الصورة قد تعرض لها في هذه المسألة. وهذه الصورة تارة : يصرح فيها بالإطلاق ، وأخرى : لا يصرح فيها به والحكم فيهما واحد. وإنشاء النذر لا ظهور فيه في كون المنذور غير واجب ، كي يحتمل أن يكون هذا الظهور مقدماً على إطلاق المنذور. نعم بناء على كون حج الإسلام مستحقاً لله تعالى ، وأنه لذلك لا يصح نذره لامتناع إنشاء استحقاق المستحق ـ كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الرابعة عشرة ـ فلا مجال للأخذ بإطلاق المنذور بنحو يشمل حج الإسلام ، ولا بد من البناء على عدم التداخل. وحينئذ لو صرح بالإطلاق كان النذر باطلا. هذا ثمَّ إذا بني على التداخل كفى الفرد الواحد ، لكن لا بد من نيتهما معاً ، فان حج الإسلام لا يصح مع عدم نيته. كما أن الوفاء بالنذر قصدي ، فإذا لم يقصد الوفاء لم ينطبق المنذور على المأتي به.

٣٤٣

( مسألة ٢٠ ) : إذا نذر الحج ـ حال عدم استطاعته ـ معلقاً على شفاء ولده مثلاً ، فاستطاع قبل حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم حجة الإسلام [١]. ويحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فورياً [٢] ، بل هو المتعين إن كان نذره من قبيل الواجب المعلق [٣].

______________________________________________________

ولأجل ذلك يشكل ما ذكره القائلون بالتداخل ، من أنه إذا نوى واحداً منهما أجزأ عن الآخر مطلقاً ، فإنه لا وجه له ظاهر.

[١] لأن الاستطاعة علة لوجوب حج الإسلام ، والنذر لا يزاحمها لأنه معلق على أمر غير حاصل ، فكأنه غير حاصل.

[٢] فإنه ـ على تقدير هذا الفرض ـ يكون حصول المعلق عليه موجباً لفعلية النذر ، فيكون كاشفاً عن عدم الاستطاعة من أول الأمر. ولا ينافي ذلك ما ذكرنا في وجه تقديم النذر على الاستطاعة ، من أن السبب السابق مقدم على اللاحق ، لأن النذر سابق ـ في فرض المسألة ـ على الاستطاعة ، وإنما المتأخر فعليته عنها ، والمراد في التقديم هو الإنشاء. ومن ذلك يظهر : أنه لو فرض حصول المعلق عليه بعد خروج الرفقة كان الأمر كذلك ، فان كان قد خرج مع الرفقة بنية حج الإسلام وجب عليه العدول والإتيان به بعنوان الوفاء بالنذر ، وإن لم يكن قد خرج مع الرفقة وجب عليه الخروج بعد ذلك مع التمكن والإتيان بالحج النذري. ومع عدم التمكن يبطل النذر إذا كان مقيداً بتلك السنة ، ويكون قد استقر عليه حج الإسلام. وإذا لم يكن مقيداً بتلك السنة فقد استقر عليه الحج النذري. وإذا كان ذلك موجباً لانتفاء الاستطاعة ـ للمزاحمة مع حج الإسلام ـ انكشف انتفاء الاستطاعة من أول الأمر ، على ما تقدم تفصيل ذلك في المسألة السابعة عشرة.

[٣] بأن يكون المعلق المنذور لا النذر ، فيكون وجوب المنذور فعلياً ،

٣٤٤

( مسألة ٢١ ) : إذا كان عليه حجة الإسلام والحج النذري ، ولم يمكنه الإتيان بهما إما لظن الموت [١]. أو لعدم التمكن إلا من أحدهما [٢] ، ففي وجوب تقديم الأسبق سبباً [٣] ، أو التخيير ، أو تقديم حجة الإسلام ـ لأهميتها ـ وجوه ، أوجهها الوسط [٤] ، وأحوطها الأخير.

______________________________________________________

وحينئذ يكون الوجوب النذري سابقاً على الاستطاعة ، لحصوله بالنذر نفسه. لكن عرفت أنه لو كان نفس النذر معلقاً فالحكم كذلك ، سواء قلنا بأن إنشاء النذر المشروط يوجب نذراً منوطاً بالشرط ـ كما هو أحد الرأيين ـ أم لا يوجب ذلك بل يوجب نذراً فعلياً متأخراً ـ كما هو الرأي الثاني ـ فإن النذر الفعلي المتأخر لما كان مستنداً إلى الإنشاء المتقدم كان بمنزلة المتقدم في كونه مقدماً على الاستطاعة عند التزاحم والترافع ، فيكون رافعاً لها لا أنها رافعة له ، لأن سببها متأخر عن سببه ، والمدار في التقديم هو تقدم السبب لا تقدم المسبب. فلا فرق بين المبنيين في تقديم النذر إلا في الوضوح والخفاء. فلاحظ.

[١] فيكون عدم التمكن من جهة ضيق الوقت.

[٢] يعني : من غير جهة الوقت.

[٣] تقدم السبب لا أثر له في مقام الترجيح العقلي بعد استقرار الوجوب بالنسبة الى كل منهما. ولذلك لا تكون هذه المسألة من قبيل ما سبق ، من تقدم السابق من النذر والاستطاعة ، لأن ذلك التقديم إنما كان مع الترافع ، فيكون التقديم شرعياً ، بخلاف المقام ، فان التقديم ـ على تقديره ـ عقلي لا غير.

[٤] يعني : التخيير. ووجهه غير ظاهر. ولا سيما بعد بيانه وجه الأخير ، وهو الأهمية. فان الأهم إذا كان مقدماً في نظر العقل كان اللازم البناء عليه ، إذ لا موجب لرفع اليد عنه. وهذا مما لا ينبغي التأمل فيه.

٣٤٥

وكذا إذا مات وعليه حجتان ولم تف تركته إلا لأحدهما [١]. وأما إن وفت التركة فاللازم استئجارهما ولو في عام واحد [٢].

( مسألة ٢٢ ) : من عليه الحج الواجب بالنذر الموسع يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله [٣].

______________________________________________________

[١] ذكر في القواعد : أنه تقدم حجة الإسلام. وفي كشف اللثام : حكى ذلك عن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع والشرائع والإصباح. لوجوبها بأصل الشرع ، والتفريط بتأخيرها لوجوب المبادرة بها. واستظهر في الجواهر التخيير ، واحتمل تقديم ما تقدم سببه. وفيه : أن التخيير المذكور ـ إن قيل به ـ عقلي ، والعقل لا يحكم بالتخيير مع أهمية أحد المتزاحمين ، بل مع احتمال الأهمية أيضاً يتعين عنده التقديم. وتقدم السبب لا أثر له في نظر العقل في الترجيح ، إلا إذا كان أحد الواجبين رافعاً للآخر ، كما عرفت.

نعم إذا كان زمانه مقدماً على زمان الآخر فقد قيل بتقديم السابق ، بل لعله المشهور ، كما في صورة الدوران بين أجزاء الصلاة ، مثل القيام في الركعة الأولى والقيام في الثانية. ولكن التحقيق خلافه. فراجع كلماتهم في الأصول في مباحث مقدمة الواجب ، وفي الفقه في مباحث الدوران بين الأجزاء الصلاتية. لكن لو قيل بتقديم ما هو أسبق زماناً فذلك مع التساوي في الأهمية لا مع الاختلاف ، وإلا فلا ينبغي الإشكال في تقديم الأهم عقلا وإن تأخر زمانه. فالسبق إنما يكون موجباً للتقديم مطلقاً ـ حتى مع الأهمية ـ إذا كان المقام مقام ترافع وتدافع في أصل الوجوب والاستقرار في الذمة ، فيكون شرعياً لا عقلياً ، كما هو في المقام. ولذلك صرح في كشف اللثام : بأنه لا فرق بين تقدم النذر على استقرار الحج وتأخره عنه.

[٢] إذ لا ترتيب بينهما. والظاهر أنه لا إشكال فيه.

[٣] لإطلاق أدلته. ولا مجال لقياس المقام على من كان عليه حج‌

٣٤٦

( مسألة ٢٣ ) : إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد ووجب عليه أحدهما على وجه التخيير ، وإذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً. وإذا طرأ العجز من أحدهما معيناً تعين الآخر. ولو تركه أيضاً حتى مات يجب القضاء عنه مخيراً أيضاً ، لأن الواجب كان على وجه التخيير ، فالفائت هو هو الواجب المخير ، ولا عبرة بالتعيين العرضي [١] ، فهو كما لو كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان ، وكان عاجزاً عن بعض الخصال ثمَّ مات ، فإنه يجب الإخراج من تركته مخيراً وإن تعين عليه ـ في حال حياته ـ في إحداها فلا يتعين في ذلك المتعين. نعم لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معيناً ، ولم يتمكن من الآخر الى أن مات ، أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكناً منه ، بدعوى : أن للنذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه [٢] ، بناء على أن عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد [٣]. لكن الظاهر أن‌

______________________________________________________

الإسلام ـ بناء على عدم جواز إتيانه بالحج المندوب ـ لاختصاص دليل المنع به ـ لو تمَّ ـ ولا يشمل المقام. وكذا القياس على من كان عليه صوم واجب ، بناء على أنه لا يجوز له التطوع بالصوم ، كما هو المشهور.

[١] فإنه تعيين عقلي لا شرعي ، والمدار في القضاء على التعيين الشرعي والتخيير الشرعي ، لأنهما موضوع القضاء.

[٢] وإذا لم ينعقد لا وجوب شرعي بالنسبة إليه ، فلا مجال للاجتزاء به في القضاء.

[٣] قد تقدم : أن المبنى المذكور من المسلمات عندهم ، المدعى‌

٣٤٧

مسألة الخصال ليست كذلك ، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير وإن لم يكن في حياته متمكناً إلا من البعض أصلاً وربما يحتمل ـ في الصورة المفروضة ونظائرها ـ عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضاً ، بدعوى : أن متعلق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير ، ومع تعذر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييرياً [١]. بل عن الدروس اختياره في مسألة ما لو نذر إن رزق ولداً أن يحجه أو يحج عنه ، إذا مات الولد قبل تمكن الأب من أحد الأمرين [٢]. وفيه : أن مقصود‌

______________________________________________________

عليها الإجماع لكن المراد منه ، عدم التمكن من المنذور ، وذلك لا يحصل بالنسبة إلى المنذور التخييري إلا بعدم التمكن من العدلين معاً ، وعدم التمكن من أحدهما لا دليل على منعه من انعقاد النذر.

[١] المحتمل : الشهيد في المسالك في كتاب النذر ، كما سيأتي كلامه.

[٢] قال في الدروس : « ولو نذر الحج بولده أو عنه لزم ، فان مات الناذر استؤجر عنه من الأصل ، ولو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط ». فان موت الولد إنما يوجب عدم التمكن من أحد العدلين وهو الحج به ، إذ يمكن الحج عنه بعد موته. فالبناء على السقوط حينئذ ليس إلا من جهة عدم التمكن من أحد العدلين.

قال في المسالك : « ولو مات الولد قبل أن يفعل أحد الأمرين بقي الفرد الآخر ، وهو الحج عنه. سواء كان موته قبل تمكنه من الحج بنفسه أم لا ، لأن النذر ليس منحصراً في حجه حتى يعتبر تمكنه في وجوبه. نعم لو كان موته قبل تمكن الأب من أحد الأمرين احتمل السقوط ، لفوات متعلق النذر قبل التمكن منه ، لأنه أحد الأمرين ، والباقي منهما‌

٣٤٨

الناذر إتيان أحد الأمرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير ، فليس النذر مقيداً بكونه واجباً تخييرياً حتى يشترط في انعقاده التمكن منهما.

( مسألة ٢٤ ) : إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (ع) من بلده ثمَّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته [١].

______________________________________________________

غير أحدهما الكلي. وهو خيرة الدروس. ولو قيل بوجوب الحج عنه كان قوياً ، لأن الحج عنه متعلق النذر أيضاً ، وهو ممكن. ونمنع اشتراط القدرة على جميع أفراد المخير بينهما في وجوب أحدهما ، كما لو نذر الصدقة بدرهم ، فان متعلقه أمر كلي ، وهو مخير في الصدقة بأي درهم اتفق من ماله. ولو فرض ذهابه إلا درهماً واحداً وجب الصدقة به ». وفي الجواهر : « فيه : أن الفرق واضح بين ما ذكره من المثال وبين ما سمعته من الدروس ».

وحاصل ما ذكره في الفرق : أن عدم التمكن من بعض الأفراد ـ في المثال ـ طارئ بعد التمكن ، وفيما ذكره في الدروس قبل التمكن حسبما فرضه. وهو كما ذكر ، لكن يكفي في الاشكال النقض بغيره من الأمثلة ، مثل : ما لو نذر التصدق بدرهم كلي وكان بعض دراهمه مغصوبة ، وأمثال ذلك من الموارد التي يكون بعض أفراد المنذور غير مقدور ، والالتزام ببطلان النذر في مثل ذلك خلاف المقطوع به. مع أنك عرفت أن دليل اعتبار القدرة لا يشمل مثل ذلك ، ولا يصلح لتقييد أدلة النفوذ والصحة.

[١] لما عرفت من أن النذر يقتضي أن يكون المنذور حقاً لله تعالى كسائر الحقوق المالية التي للناس ، فيكون الحال كما لو مات الأجير قبل العمل إذا لم تشترط فيه المباشرة.

٣٤٩

ولو اختلف أجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما أجرة [١] ، إلا إذا تبرع الوارث بالزائد ، فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد أجرة وإن جعل الميت أمر التعيين اليه [٢]. ولو أوصى باختيار الأزيد أجرة خرج الزائد من الثلث [٣].

( مسألة ٢٥ ) : إذا علم أن على الميت حجاً ولم يعلم أنه حجة الإسلام أو حج النذر وجب قضاؤه عنه من غير تعيين [٤] ، وليس عليه كفارة [٥]. ولو تردد ما عليه بين‌

______________________________________________________

[١] لأن الحق بالنسبة إلى الأكثر أجرة من قبيل اللامقتضي ، فلا يزاحم إرث الوارث.

[٢] راجع إلى قوله : « يجب الاقتصار .. ». وذلك لأن جعل أمر التعيين إلى الناذر غاية ما يقتضي أن يكون حقاً له ، فيكون موروثاً ، فيكون أمر التعيين بيد الوارث. وحينئذ لا يجوز للوصي إخراج الأكثر أجره إذا لم يرض الوارث به. نعم إذا جعل الميت أمر التعيين إلى شخص آخر ، وكان من قبيل الحق المجعول له ، فاذا اختار الأكثر أجرة من له حق التعيين فليس للوارث منعه ، لأنه مزاحم للحق المقدم على إرث الوارث. وكذا إذا كان راجعاً إلى نذر المعين بتعيين الغير ، فما بعينه يكون هو المنذور لا غيره.

[٣] لأنه من الوصايا التي هي كذلك.

[٤] فإنه يكفي في امتثال الواجب المردد. ولو جي‌ء بكل من الفردين بملاحظة الخصوصية برجاء المطلوبية كفى أيضاً.

[٥] لأصالة البراءة منها مع الشك ، لاحتمال كون الفائت حجة الإسلام التي لا كفارة في فواتها.

٣٥٠

للواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضاً. وحيث أنها مرددة بين كفارة النذر وكفارة اليمين [١] فلا بد من الاحتياط ويكفي حينئذ إطعام ستين مسكيناً ، لأن فيه طعام عشرة أيضاً الذي يكفي في كفارة الحلف.

( مسألة ٢٦ ) : إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد [٢] مطلقاً حتى في مورد يكون الركوب أفضل [٣] ،

______________________________________________________

[١] الظاهر أن كفارة النذر هي كفارة اليمين ، كما تقدم الكلام فيه ـ في الجملة ـ في أواخر كتاب الصوم.

[٢] المذكور في كلامهم مسألتان : الأولى : أن ينذر الحج ماشياً. وسيأتي التعرض لها. الثانية : أن ينذر المشي في سفره إلى الحج الواجب أو المستحب. وهذه هي التي تعرض لها المصنف هنا. والظاهر التسالم على صحة النذر وانعقاده في الجملة. وتقتضيه النصوص ، كصحيح رفاعة بن موسى : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله. قال (ع) : فليمش. قلت : فإنه تعب. قال (ع) : فاذا تعب ركب » (١). ونحوه خبر سماعة وحفص الآتي‌ (٢) ، ويشير إليه غيرهما ، مما يأتي التعرض له. والحكم ـ في الجملة ـ لا ينبغي الإشكال فيه ، لما عرفت من النصوص وظهور الفتاوى وعمومات الصحة ، لكون المشي راجحاً ، فينعقد نذره كما ينعقد نذر غيره. وسيأتي التعرض لصحيحة الحذاء‌ (٣). [٣] لا يخلو من إشكال.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب وجوب الحج حديث : ١٠ ويأتي التعرض لها في المسألة الآتية.

(٣) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

٣٥١

لأن المشي ـ في حد نفسه ـ أفضل من الركوب [١] بمقتضى جملة من الاخبار‌ (١) ، وإن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات ، فان أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حد نفسه. وكذا ينعقد لو نذر الحج ماشياً ـ مطلقاً ـ [٢] ولو مع الإغماض عن رجحان المشي ، لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد ، إذ لا يلزم أن يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده وأوصافه. فما عن بعضهم : من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل [٣] لا وجه له. وأضعف منه : دعوى‌

______________________________________________________

[١] هذا لا يجدي في تحقيق الرجحان الموجب للانعقاد ، لأن الظاهر مما دل على أن الركوب أفضل في بعض الموارد : كون المشي ـ الذي هو ضد الركوب ـ علة لفوات العنوان الراجح الذي يكون بالركوب ، وإذا كان علة لفواته كان مرجوحاً بالعرض ، ولا فرق بين المرجوح بالذات والمرجوح بالعرض في عدم صحة نذره. نعم لو كان ضداً لما هو أرجح منه لم يخرج بذلك عن كونه راجحاً ، فلا مانع من نذره. لكنه خلاف ظاهر الأدلة. فلاحظ.

[٢] الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر. وفي المعتبر : « عليه اتفاق العلماء ». وتقتضيه عمومات صحة النذور ونفوذها. واستفادة ذلك من أكثر النصوص غير ظاهرة ، فإنها واردة في الناذر للمشي. نعم في رواية أنس تعرض لذلك‌ (٢). ولعله بالتأمل يظهر من غيرها أيضاً ، ولا يهم لكفاية العمومات في صحة النذر.

[٣] يشير إلى ما عن العلامة في كتاب الايمان من القواعد ، حيث‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣٢ من أبواب وجوب الحج.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب وجوب الحج حديث : ٨.

٣٥٢

الانعقاد في أصل الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقاً [١]. لأن المفروض نذر المقيد ، فلا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده [٢].

( مسألة ٢٧ ) : لو نذر الحج راكباً انعقد ووجب [٣] ، ولا يجوز حينئذ المشي وإن كان أفضل ، لما مر من كفاية رجحان المقيد دون قيده. نعم لو نذر للركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد ، لأن المتعلق حينئذ الركوب [٤]

______________________________________________________

قال : « لو نذر الحج ماشياً ، وقلنا المشي أفضل انعقد الوصف ، وإلا فلا ». وهو ظاهر كشف اللثام. واستشكل عليه في الجواهر بما في المتن وهو في محله. نعم يتم الاشكال فيما لو نذر المشي ـ كما عرفت ـ ولا يجري في نذر الحج ماشياً.

[١] حكيت عن الإيضاح ، حيث قال : « إن انعقاد أصل النذر إجماعي ، أما لزوم المشي فمبني على أن المشي أفضل من الركوب ، فلو كان الركوب أفضل لم يلزم ».

[٢] إلا أن يكون النذر على وجه تعدد المطلوب. أو نقول : بأن ذلك لا مجال للإشكال عليه بعد دعوى الإجماع. إلا أن يرجع الإشكال إلى منع الإجماع.

[٣] لما سبق من عمومات الصحة.

[٤] يعني : وهو مباح ، والمباح لا يتعلق به النذر. ومجرد كون المشي أفضل منه لا يقتضي بطلان نذره ، إذ لا يعتبر في المنذور أن يكون أرجح من غيره. والذي يتحصل : أن المنذور تارة : يكون مباحاً ، وأخرى : يكون راجحاً لكنه علة لفوات ما هو أرجح منه ، وثالثة : يكون راجحاً لكنه ضد لما هو أرجح منه. وفي الأولى لا يصح النذر ، لعدم الرجحان. وكذا في الثانية ، لأنه مرجوح بالعرض وإن كان راجحاً‌

٣٥٣

لا الحج راكباً. وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين ، وكذا ينعقد لو نذر الحج حافياً. وما في صحيحة الحذاء‌ [١] ، من أمر النبي (ص) بركوب أخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت الله حافية ، قضية في واقعة [٢] ، يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها ، من إيجابه كشفها ، أو تضررها ، أو غير ذلك.

______________________________________________________

ذاتاً. وفي الثالثة يصح ، لأنه راجح ذاتاً وعرضاً. ووجود ما هو أرجح منه لا يقتضي مرجوحيته ولا يمنع عن رجحانه. وحينئذ لا مانع من نذره حسب ما تقتضيه عمومات الصحة ، إذ لا دليل على اعتبار أن لا يكون ضداً لما هو أرجح ، كيف وإلا لزم بطلان أكثر النذور ، مثل : نذر الصلاة ، والصوم ، والحج إذا اتفق وجود ما هو أفضل؟.

هذا في النذر الوارد على القيد نفسه. وأما إذا كان وارداً على المقيد به ، فاذا كان المقيد بذاته راجحاً صح نذره في جميع الصور المذكورة. ولا يضر في الثانية كون القيد علة لترك ما هو أرجح منه ، لأن النذر وارد على المقيد به لا على نفسه. نعم إذا كان القيد علة لترك ما هو أرجح من المقيد لم ينعقد النذر المتعلق بالمقيد ، لأنه مرجوح عرضاً.

[١] قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافياً. فقال : إن رسول الله (ص) خرج حاجاً ، فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل ، فقال : من هذه؟ فقالوا : أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية. فقال رسول الله (ص) : يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب ، فان الله غني عن مشيها وحفاها » (١).

[٢] بهذا أجابا في المعتبر والمنتهى عن الصحيحة المذكورة ، وتبعهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

٣٥٤

______________________________________________________

عليه جماعة ، ومنهم في الجواهر. وفيه : أن جواب أبي جعفر (ع) عن سؤال الحذاءبما ذكر‌ دليل على أنه الحكم الواقعي الأولي المسؤول عنه ، ولو كان قضية في واقعة كان ذكره مستدركاً وبقي السؤال بلا جواب. لعم لو كان المخبر غير المعصوم لأمكن أن يقال ذلك ، لا فيما نحن فيه وأمثاله مما كان الخبر من المعصوم في مقام الجواب.

وكأنه لذلك حمل الصحيحة في الدروس على عدم انعقاد نذر الحفا ، قال (ره) : « لا ينعقد نذر الحفا في المشي ، للخبر عن النبي (ص) .. ». لكن الرواية ظاهرة في نذر المشي حافية ، وكذلك أمر النبي (ص) لها بالركوب ، وكذلك‌ قوله (ص) : « إن الله غني عن مشيها وحفاها ». ولعل مراد الدروس ذلك ، لأن الحفا لا يكون إلا بالمشي. وحينئذ لا بأس بما ذكره أخذاً بظاهر الرواية. ولا سيما بملاحظة التعليل ، إذ لا بد أن يكون المراد من غنى الله سبحانه عدم المطلوبية والمشروعية ، وإلا ( فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ). فيكون المراد أن الوجه في عدم الانعقاد عدم مشروعية المنذور ، فتتأكد دلالتها على بطلان نذر المشي حافياً ، كما اختاره في الدروس. وكيف كان فهي غير ما نحن فيه ، من نذر الحج ماشياً حافياً ، الذي هو المفروض في المتن ، فالرواية أجنبية عنه.

نعم يعارضها‌ رواية سماعة وحفص ، المروية عن نوادر محمد بن عيسى ، قالا : « سألنا أبا عبد الله (ع) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حافياً قال : فليمش ، فاذا تعب فليركب » (١). والجميع يقتضي حملها على الاستحباب. اللهم إلا أن تسقط الصحيحة بإعراض الأصحاب عنها ، فلا مجال للاعتماد عليها في رفع اليد عن القواعد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب وجوب الحج حديث : ١٠.

٣٥٥

( مسألة ٢٨ ) : يشترط في انعقاد النذر ماشياً أو حافياً تمكن الناذر وعدم تضرره بهما ، فلو كان عاجزاً أو كان مضراً ببدنه لم ينعقد [١]. نعم لا مانع منه إذا كان حرجاً لا يبلغ حد الضرر ، لأن رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة [٢].

______________________________________________________

[١] أما مع العجز فلانتفاء شرط انعقاد النذر ، وهو القدرة. وأما مع الضرر فللحرمة الموجبة للمرجوحية. ولعدم القدرة ، لأن غير المقدور شرعاً غير مقدور.

[٢] تقدم في مواضع من هذا الشرح ، تقريب ذلك : بأن أدلة نفي الحرج إنما تضمنت نفي الحكم المؤدي إلى الحرج ، وحينئذ تكون نسبتها إلى العمومات الدالة على اللزوم ـ من وجوب أو تحريم ـ مرددة بدواً بين أن تكون نسبة المخصص الى العام ، مثل : « أكرم العلماء إلا زيداً » ، وإن تكون نسبة المرخص إلى الملزم ، مثل : « أكرم ، العلماء ، وأذنت لك في ترك إكرام زيد ». فعلى الأول يكون إكرام زيد خارجاً عن العموم بالمرة ، كما لو قال : « أكرم من عدا زيد ». وعلى الثاني لا يكون خارجاً عنه وإنما يكون خارجا عن اللزوم فقط. فدلالة العموم على وجود ملاك وجوب الإكرام في زيد غير معارضة ، فتكون حجة وإنما المعارضة بين دلالة العموم على اللزوم ودلالة دليل الترخيص على عدمه. وهذا التردد بدوي ، أما بعد التأمل وملاحظة ورود أدلة نفي الحرج مورد الامتنان ـ بقرينة مناسبة الحكم والموضوع عرفاً. فالجمع يكون بين أدلة نفي الحرج وعمومات اللزوم على النحو الثاني لا الأول. وحينئذ لا تدل على أكثر من نفي اللزوم ، فتبقى الملاكات المدلول عليها بالعمومات بحالها.

هذا ما يقتضيه الجمع العرفي بينها. وكذلك الكلام في أدلة نفي الضرر ، فان مقتضى الجمع العرفي بينها وبين أدلة الأحكام الأولية اللزومية هو‌

٣٥٦

هذا إذا كان حرجياً حين النذر ، وكان عالماً به [١]. وأما إذا عرض الحرج بعد ذلك فالظاهر كونه مسقطاً للوجوب [٢].

( مسألة ٢٩ ) : في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء : بلد النذر أو الناذر ، أو أقرب البلدين الى الميقات ، أو مبدأ الشروع في السفر [٣] ،

______________________________________________________

ذلك أيضاً. نعم قام الدليل ـ من إجماع وغيره ـ على حرمة إيقاع النفس في الضرر. ثمَّ إن الظاهر من العزيمة أنه لا يجوز الوقوع في الحرج. لكن الظاهر أن مراد القائل بها عدم المشروعية ، لا الحرمة التكليفية ، وإلا فلا يظن من أحد الالتزام به ، بل خلافه من الضروريات الفقهية ، كيف ولا يزال الناس يعملون الأعمال الحرجة ويوقعون الإجارات عليها؟ ولعل ذلك من الضروريات عند المتشرعة. فلاحظ.

[١] فإنه حينئذ يكون مقدماً على الحرج ، فلا يشمله دليل نفي الحرج لما عرفت من أنه لما كان امتنانياً اختص بالحرج الآتي من قبل الشارع ، فلا يشمل الحرج الآتي من قبل العبد لإقدامه عليه ، فاذا نذر ما هو حرجي فقد أقدم على الحرج ، فتشمله عمومات الصحة من دون معارض. أما إذا كان جاهلاً به فدليل نفي الحرج ينفي لزوم النذر ، لأن لزومه هو الذي يؤدي إلى الحرج ، وتبقى مشروعية الوفاء به بحالها.

[٢] لإطلاق دليله. وعروض الحرج ليس له موضوعية في الحكم ، بل من حيث كونه ملازماً غالباً للجهل ، فالمدار في اللزوم وعدمه العلم والجهل ، لا العروض وعدم العروض.

[٣] اختار الأول في الشرائع ، وحكي عن المبسوط والتحرير والإرشاد. والثاني ظاهر القواعد والدروس وغيرهما ، وفي الحدائق : الميل اليه. وفي الجواهر : « وقيل : يعتبر أقرب البلدين إلى الميقات. وفي المسالك : هو‌

٣٥٧

أو أفعال الحج [١] أقوال. والأقوى أنه تابع للتعيين أو الانصراف ، ومع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال : « لله علي أن أحج ماشياً » ، ومن حين الشروع في السفر إذا قال : « لله علي أن أمشي إلى بيت الله » أو نحو ذلك. كما أن الأقوى‌

______________________________________________________

حسن إن لم يدل العرف على خلافه .. ولعله لكون المراد المشي في الجملة إلى الحج ، وهو يصدق بذلك .. ». وفيه : أن الصدق يتحقق بالمشي بأقل من ذلك إلى الميقات. وفي كشف اللثام : « ويمكن القول بأنه من أي بلد يقصد فيه السفر إلى الحج. لتطابق العرف واللغة فيه ».

[١] جعله في الجواهر الأصح. وعلله : بما أشار إليه في المتن ، من أن المشي حال من الحج ، والحج اسم لمجموع المناسك المخصوصة ، فلا يجب المشي إلا حاله. وفي المبسوط ـ بعد أن حكى القول المذكور واستدل له بما ذكر ـ قال : « ويدفعه : أصالة عدم النقل .. » ، يعني : يراد من الحج القصد لا الأفعال ، فيجب المشي من حين الشروع في قصد البيت ، فيرجع إلى القول الرابع الذي تقدم عن كشف اللثام.

وكيف كان فالنزاع في المقام في مراد الناذر ، وما ذكره المصنف (ره) من أنه تابع للتعيين ، أو للانصراف. ومع عدمهما .. في محله متين. إلا أن الكلام كله في تحقيق الانصراف وعدمه. ولا يبعد أن يكون المنصرف اليه من قول الناذر : « لله علي أن أحج ماشياً » هو المنصرف اليه من قوله : « لله علي أن أزور الحسين (ع) ماشياً ». والوجه فيه : أن النذر تعلق بالمشي المشروع على نحو ما شرع في الحج ، وهو لا يختص بالمشي حال الحج ، بل يعم المشي من حين الشروع في السفر. ويشير إليه ـ أيضاً ـ ما يأتي في منتهاه.

٣٥٨

أن منتهاه ـ مع عدم التعيين ـ رمي الجمار ، لجملة من الأخبار [١] لا طواف النساء كما عن المشهور [٢] ، ولا الإفاضة من عرفات ، كما في بعض الأخبار [٣].

______________________________________________________

[١] منها‌ صحيح جميل : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا حججت ماشياً ، ورميت الجمرة فقد انقطع المشي » (١). و‌في صحيح إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا (ع) : « قال : قال أبو عبد الله (ع) في الذي عليه المشي في الحج : إذا رمى الجمرة زار البيت راكباً وليس عليه شي‌ء » (٢) ‌، و‌صحيح الحلبي : « أنه سأل أبا عبد الله (ع) عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال (ع) : إذا رمى الجمرة وأراد الرجوع فليرجع راكباً فقد انقضى مشيه ، وإن مشى فلا بأس » (٣). والظاهر أن الوجه فيه ما عرفت ، من أن المشي المنذور هو المشروع في الحج والمرغوب ، وهو يختص بما ذكر ، لا أن الحكم تعبدي ولو كان مخالفة للنذر. فلاحظ.

[٢] اختاره في الشرائع ، والدروس. وفي الجواهر وغيرها قيل : انه المشهور. وكأن الوجه فيه : الأخذ بمفهوم الحج ، ولا يختص بجزء دون جزء. لكن طواف النساء ليس من أجزاء الحج. اللهم إلا أن يفهم بالتبعية. لكن لا مجال لذلك بعد ورود ما عرفت من النصوص.

[٣] في خبر يونس بن يعقوب المروي في قرب الاسناد : « سألت أبا عبد الله (ع) متى ينقطع مشي الماشي؟ قال (ع) : إذا أفاض من عرفات » (٤). لكن لم يعرف قائل به ، وحينئذ لا مجال للاعتماد عليه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٦.

٣٥٩

( مسألة ٣٠ ) : لا يجوز لمن نذر الحج ماشياً أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره ، وإن اضطر اليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره. كما أنه لو كان منحصراً فيه من الأول لم ينعقد. ولو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور أنه يقوم فيه ، لخبر السكوني [١]. والأقوى عدم وجوبه ، لضعف الخبر عن إثبات الوجوب [٢].

______________________________________________________

[١] عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن آبائه (ع) : « أن علياً (ع) سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله فعبر في المعبر. قال (ع) : فليقم في المعبر قائماً حتى يجوزه » (١).

[٢] لكن عمل الشيخ وجماعة بالخبر يكفي في جبر ضعفه. مضافاً الى أن السكوني قد عول الأصحاب على أخباره ، وقد ادعى الشيخ إجماع الأصحاب على ذلك ، فرفع اليد عنه غير واضح.

ثمَّ إن كان مورد السؤال في الخبر صورة ما إذا نذر المشي في جميع نقاط المسافة ، فمقتضى القاعدة بطلان النذر ، لعدم القدرة ، فإن عمل بالخبر كان دالاً على الصحة ومخصصاً للقاعدة ، وكان أيضاً دالا على البدلية على خلاف أصل البراءة. فان لم يعمل به تعين البناء على البطلان. وإن كان مورد السؤال صورة ما إذا كان النذر مختصاً بالموضع الذي يمكن فيه المشي ، فمقتضى القاعدة وجوب المشي في غير المعبر وعدم لزومه فيه ، فاذا عمل بالخبر كان دالا على وجوب القيام تعبداً لا بدلا ، لعدم وجوب المبدل منه. وظاهر الخبر أن مورده الصورة الأولى ، فإذا بني على عدم العمل به تعين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

٣٦٠