مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

______________________________________________________

يدل على القول الأول. نظير : خبر أبي سعيد عمن سأل أبا عبد الله (ع) : « عن رجل أوصى بعشرين درهماً في حجة. قال (ع) : يحج بها عنه رجل من موضع بلغه » (١). ونحوه خبر أبي بصير‌ (٢) ، و‌خبر عمر ابن يزيد قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل أوصى بحجة فلم تكفه. قال : فيقدمها حتى يحج دون الوقت » (٣). ونحوه خبره الآخر‌ (٤). مع أن الثاني ظاهر في إجزاء الحج من الميقات ، وهو لا يدل على عدم وجوب إيقاعه من البلد ، لإمكان التفكيك بينهما ، كما تقدم في كلام الدروس. لأن وجوب الإيقاع من البلد منوط باشتغال الذمة ، فإذا فرغت بأداء الحج من الميقات سقط الوجوب.

ومن ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال للقول الثاني‌ بصحيح البزنطي عن محمد بن عبد الله ، قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يموت فيوصي بالحج ، من أين يحج عنه؟ قال (ع) : على قدر ماله ، إن وسعه ماله فمن منزله ، وإن لم يسعه ماله فمن الكوفة. فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة » (٥). لعدم ظهوره في حج الإسلام. مع أن مورده الوصية ، ويجوز أن يكون لها حكم خاص من جهة التعارف ، كما أشار الى ذلك في المدارك حيث قال : « ولعل القرائن الحالية كانت دالة على ارادة الحج من البلد ، كما هو المنصرف من الوصية عند الإطلاق في زماننا فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصية .. ». مع أن الجمع بينه وبين خبر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج ملحق حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٣.

٢٦١

______________________________________________________

زكريا بن آدم‌ حمل الأول على ما إذا عين مالاً للحج ـ كما ورد‌ في موثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج ، فكان لا يبلغ أن يحج به من بلاده. قال (ع) : فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه » ـ (١). فإنه أقرب من حمل الثاني على صورة الاضطرار ، كما هو ظاهر.

وإن شئت قلت : بعد تقييد خبر زكريا‌ بموثق ابن بكير‌ ـ بحمله على صورة عدم الوصية بمال معين ـ يدور الأمر ـ في الجمع بينه وبين خبر محمد بن عبد الله‌ ـ بين التصرف فيه بحمله على صورة الضرورة ، وبين حمل خبر محمد‌ على صورة الوصية بمال معين ، فيكون المراد من قوله (ع) : « على قدر ماله » ‌: على قدر ماله الذي عينه للحج. ولا ينبغي التأمل في أن الثاني أولى ، لأن حمل الأول على حال الضرورة بمنزلة الطرح له ، فيكون الدوران حينئذ بين الطرح والتخصيص ، والثاني أولى.

والمتحصل مما ذكرنا. أن النصوص جميعها ليست واردة فيما نحن فيه ـ وهو القضاء عن الميت ـ بل واردة في الوصية ، عدا صحيح حريز‌. والعمدة ـ في المعارضة بينها ـ هي المعارضة بين خبري زكريا‌ ومحمد بن عبد الله‌ ، والجمع بينها بالتصرف في الثاني أولى. وبذلك يكون الجمع أيضاً بين خبر زكريا‌ (٢) و‌صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : وإن أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام ، ولم يبلغ ماله ذلك ، فليحج عنه من بعض المواقيت » (٣). وأما الخبر المروي عن مستطرفات السرائر من كتاب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

(٢) تقدم ذكر الرواية في صدر التعليقة. فلاحظ.

(٣) كما في الجواهر نقلا عن المدارك في المسألة : ٢ من مسائل شرائط وجوب الحج وفي المدارك نسب الرواية إلى الشيخ ( قده ) ، ولكنا لم نعثر على ذلك لا في كتابيه في الحديث : ـ

٢٦٢

______________________________________________________

المسائل ، بسنده عن عدة من أصحابنا ، قالوا : « قلنا لأبي الحسن ـ يعني علي بن محمد (ع) ـ : إن رجلاً مات في الطريق ، وأوصى بحجته وما بقي فهو لك ، فاختلف أصحابنا فقال بعضهم : يحج عنه من الوقت فهو أوفر للشي‌ء أن يبقي ، وقال بعضهم : يحج عنه من حيث مات. فقال (ع) : يحج عنه من حيث مات » (١). فلا يبعد أن يكون الظاهر من قوله : « بحجته » ‌: إتمام حجته ، فلا يكون مما نحن فيه ، كما ذكر ذلك في الجواهر. لا أقل من احتمال ذلك فيكون مجملاً ، أو لزوم حمله على ذلك جمعا بينه وبين خبر زكريا‌. والله سبحانه العالم.

ثمَّ إن المستفاد من دليل القول الأول ـ سواء كان خبر زكريا‌ أم إطلاق الأدلة ـ ليس إلا وجوب الحج من الميقات ، وأما وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة فان لم يمكن فالأقرب إليه فالأقرب ، فشي‌ء لا يقتضيه الدليل. إلا أن يكون المراد ما هو أقل قيمة ، يعني : لا يجب على الورثة ما هو أكثر قيمة ، كما أشرنا إلى ذلك آنفاً.

ومنه يظهر ضعف القول الثاني ، وأن مستنده إن كان هو النصوص فقد عرفت وجه الجمع بينها ، وإن كان ما ذكره الحلي : من أنه كان تجب عليه نفقة الطريق من البلد فلما سقط الحج عن بدنه وجب في ماله فهو ممنوع ، كما عرفت. ولو سلم فلا يصلح لمعارضة النص. وأما ما ادعاه : من تواتر الأخبار بذلك فغير ثابت. ولذا قال في المعتبر والمختلف : « لم‌

__________________

ـ التهذيب والاستبصار ، ولا في كتبه الفقهية ، كالمبسوط ونحوه. نعم في التهذيب جاءت العبارة المذكورة في ذيل رواية له من الحلبي ، وعقبها بقوله : « روى ذلك موسى بن القاسم ». ولعل هذا هو منشأ اشتباه المدارك في اسناد الرواية إلى الحلبي ناسباً لها الى الشيخ ، وعليه اعتمد صاحب الجواهر ( قده ) كما عرفت.

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٩.

٢٦٣

لكن لا يحسب الزائد عن أجرة الميقاتية على الصغار من الورثة [١] ولو أوصى بالاستئجار من البلد وجب ، ويحسب الزائد عن أجرة الميقاتية من الثلث [٢]. ولو أوصى ولم يعين شيئاً كفت الميقاتية ، إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية [٣]. أو كانت قرينة على إرادتها ، كما إذا عين مقداراً يناسب البلدية [٤].

( مسألة ٨٩ ) : لو لم يمكن الاستيجار إلا من البلد وجب ، وكان جميع المصرف من الأصل [٥].

______________________________________________________

نقف في ذلك على خبر شاذ فكيف يدعى التواتر؟ .. ». وأما الثالث فأولى بالإشكال من الثاني ، لأن النصوص لو أغمض النظر عن معارضها فإنما تقتضي الثاني. وكذلك ما ذكر الحلي لو أغمض النظر عما فيه من الاشكال فهو يقتضي الثاني لا الثالث. وأما الرابع فعلى تقدير وجود القول به فأضعف من الجميع ، كما يظهر بالتأمل.

[١] لأن ذلك تصرف في ما لهم بغير وجه شرعي ثابت.

[٢] كما صرح بذلك في المدارك والجواهر. لأن صرف الزائد ليس إلا بمقتضى العمل بالوصية التي لا يجب إخراجها إلا من الثلث.

[٣] بنحو يكون قرينة على إرادة ذلك من الموصي. أما إذا كان موجباً للإجمال اقتصر على الميقاتية ، للشك في الوصية من البلد.

[٤] وكذا إذا لم يكن مناسباً لها وأمكن الاستيجار به من البلد ، فإنه يجب الإخراج من البلد ، فان تعذر فالأقرب إليه فالأقرب ، كما تضمنته النصوص السابقة.

[٥] كما استوضحه في المدارك والجواهر. لأن إطلاق الوجوب والإخراج من الأصل يقتضي ذلك. وكذا لو توقف على الاستنابة من‌

٢٦٤

( مسألة ٩٠ ) : إذا أوصى بالبلدية ، أو قلنا بوجوبها مطلقاً ، فخولف واستؤجر من الميقات ، أو تبرع عنه متبرع منه ، برئت ذمته ، وسقط الوجوب من البلد [١]. وكذا لو لم يسع المال إلا من الميقات [٢].

( مسألة ٩١ ) : الظاهر أن المراد من البلد هو البلد الذي مات فيه [٣] ، كما يشعر به‌ خبر زكريا بن آدم ( رحمهما الله ) : « سألت أبا الحسن (ع) عن رجل مات وأوصى بحجة ،

______________________________________________________

موضع أبعد من البلد إلى مكة.

[١] كما تقدم في كلام الدروس. لأن الحج من الميقات فرد للمأمور به ، فيسقط به الأمر. ولا ينافي ذلك وجوب الإخراج من البلد ، لأن ذلك تكليف زائد ، لا أنه داخل في قوام الواجب. ولذلك يظهر ضعف ما في المدارك ، قال (ره) : « ويشكل بعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه على هذا التقدير ، فلا يتحقق الامتثال .. ». نعم لا يبعد البناء على إثم الولي بذلك إذا كان ذلك باختياره ـ كما تقدم في كلام الدروس ـ لتفويته الواجب بالوصية. إلا أن يلتزم بأن الوجوب على نحو الواجب المشروط المنوط باشتغال ذمة الميت ، فإذا برئت بالحج الميقاتي انتفى الشرط فينتفي الوجوب بانتفاء شرطه ، لا أنه يسقط لتعذر امتثاله. لكنه بعيد عن ظاهر الوصية.

[٢] لما تقدم. بل هنا أولى ، لسقوط الوجوب بالتعذر.

[٣] قال في المدارك : « الظاهر أن المراد من البلد الذي يجب الحج منه ـ على القول به ـ محل الموت حيث كان ، كما صرح به ابن إدريس ، ودل عليه دليله .. ». أقول : قد تقدمت عبارة ابن إدريس ، ولم يصرح فيها ببلد الموت. نعم ذلك مقتضى دليله ، لأنه حين الموت كان‌

٢٦٥

أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (ع) : ما كان دون الميقات فلا بأس به » (١). مع أنه آخر مكان كان مكلفاً فيه بالحج. وربما يقال إنه بلد الاستيطان ، لأنه المنساق من النص والفتوى [١]. وهو كما ترى [٢].

______________________________________________________

مكلفاً بالسفر من ذلك المكان ، فاذا اقتضى ذلك الاستنابة من البلد كان مقتضياً للاستنابة من ذلك المكان. ولعل غرض المدارك من التصريح هذا المقدار من الاستفادة.

[١] قال في الجواهر : « وكيف كان فالمراد بالبلد ـ على تقدير اعتباره ـ بلد الاستيطان ، لأنه المنساق من النص والفتوى. خصوصاً من الإضافة فيهما ، سيما خبر محمد بن عبد الله .. » ‌(٢).

[٢] كأنه يريد : أن الانسياق لا يصلح لمعارضة ما هو ظاهر الخبر المتقدم. والتحقيق : أن إطلاق البلد في كلامهم من دون تعرض لبيان المراد منه يقتضي ظهوره في بلد الاستيطان. وأما النصوص فقد عرفت أنها جميعاً واردة في الوصية ، والمتعرض منها للبلد خبر زكريا‌ وخبر محمد ابن عبد الله‌ المذكور فيه : « منزله » ‌، وموثق عبد الله بن بكير‌ المذكور فيه : « بلاده » (٣) ، ودلالة الأخيرين على بلد الاستيطان ظاهرة ، كدلالة الأول على بلد الموت. والجميع بينها يتعين بحمل الأخيرين على الأول ، لأن الغالب في بلد الاستيطان أن يكون بلد الموت ، فيسهل حملهما عليه ، وليس كذلك حمل الأول عليهما ، لأن التعرض فيه لذكر الموت زائداً على ذكر البلد ظاهر جداً في اعتبار خصوصية الموت في الاستنابة. ولا سيما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٢.

٢٦٦

وقد يحتمل البلد الذي صار مستطيعاً فيه [١]. ويحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة. والأقوى ما ذكرنا ، وفاقاً لسيد المدارك ( قده ) ، ونسبه الى ابن إدريس رحمه‌الله أيضاً. وإن كان الاحتمال الأخير ـ وهو التخيير ـ قوياً جداً [٢].

______________________________________________________

بملاحظة أنه البلد الذي هو منتهى انقطاع الخطاب بالحج عنه ، ضرورة كونه مكلفاً بالحج من ذلك المكان ، فيناب عنه ، كما ذكر في الجواهر ، وجعله مؤيداً لما في المتن.

[١] حكى في الجواهر هذا الاحتمال عن بعض ، وعن بعض العامة : القول به. وكأنه لأن بلد اليسار هو البلد الذي توجه اليه الخطاب بالحج منه. وفيه : أن الخطاب بالحج منه يختص بصورة عدم انتقاله عنه ، فاذا انتقل عنه توجه اليه الخطاب بالحج من غيره الذي انتقل اليه. ولذلك استدل الحلي على بلد الموت بذلك.

[٢] كأن وجهه : الأخذ بإطلاق البلد ، ومنع الانسباق الى بلد الاستيطان ، كما أشار إلى ذلك بقوله سابقاً : « كما ترى ». وأما خبر زكريا‌ فدلالته بالاشعار لا بالظهور. وفيه : ما عرفت من أن : « بلاده » و : « منزله » ظاهران في بلد الاستيطان. مع أنه لو تمَّ ذلك كان اللازم الاجتزاء بكل. بلد ولا يختص بالبلد الذي كان فيه بعد الاستطاعة. وأما الخبر فدلالته تامة ، لأن قوله : « أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه‌ ظاهر في أن للبلد الذي مات فيه نوعاً من الخصوصية ، فاذا حمل الخبر على حال الضرورة فقد دل على الوجوب من ذلك البلد في حال الاختيار. وأوضح منه في ذلك خبر كتاب المسائل المروي في مستطرفات السرائر‌ (١) ، بناء على الاستدلال به لوجوب الحج من البلد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب النيابة في الحج حديث : ٩.

٢٦٧

( مسألة ٩٢ ) : لو عين بلدة غير بلده كما لو قال : « استأجروا من النجف أو من كربلاء » ـ تعين [١].

( مسألة ٩٣ ) : على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب ، بل يكفي كل بلد دون الميقات [٢]. لكن الأجرة الزائدة على الميقات ـ مع إمكان الاستئجار منه ـ لا يخرج من الأصل [٣] ، ولا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك للبلد [٤]. إلا إذا أوصى بإخراج الثلث [٥].

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون الوجه فيما ذكره المصنف (ره) : أن كل بلد من البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة توجه اليه الخطاب بالحج منه ، ولما لم يمكن البناء على وجوب الجمع تعين البناء على التخيير. نظير ما ذكره فيمن فاتته الصلاة في الوقت وكان في بعض الوقت حاضراً وفي بعضه مسافراً. وفيه : أنه بعد الانتقال من البلد إلى الآخر يتوجه اليه الخطاب بالحج من الآخر على وجه التعيين ، كما عرفت. وبالجملة : فهذا الاحتمال ضعيف جداً ، ولذا لم يعرف من أحد ، فضلا عن القول به.

[١] عملا بعموم لزوم العمل بالوصية.

[٢] لأن الاجزاء لا يقتضي اللزوم ، والإطلاق يقتضي إجزاء الجميع.

[٣] إذ لا ملزم للورثة بذلك مع إمكان ما هو أقل قيمة ـ كما هو المفروض ـ لأن الذي يخرج من الأصل صرف الوجود المنطبق على الأقل كما ينطبق على الأكثر.

[٤] لأن الذي يخرج من الثلث هو الوصية ، والمفروض عدمها.

[٥] لأنه إذا أوصى كذلك لزم صرف الثلث في مصلحة الميت.

٢٦٨

من دون أن يعين مصرفه [١] ، ومن دون أن يزاحم واجباً مالياً عليه [٢].

( مسألة ٩٤ ) : إذا لم يمكن الاستئجار من الميقات وأمكن من البلد وجب ، وإن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة [٣] ، فيزاحم الدين إن لم تف التركة بهما ، بمعنى : أنها توزع عليهما بالنسبة.

( مسألة ٩٥ ) : إذا لم تف التركة بالاستئجار من ‌

______________________________________________________

وتعيين المصرف موكول الى نظر الوصي. فإذا كان نظره يقتضي الحج البلدي كان مما أوصى به الميت ، فيخرج من الثلث.

[١] إذ لو عين لزم العمل بتعيينه ولم يجز صرف الثلث في غيره. نعم إذا عين مصرفاً لا يستوفي الثلث فالحكم كما إذا لم يعين ، لأن المقدار الزائد موكول الى نظر الوصي ، فله صرفه في الحج البلدي.

[٢] فإنه مع المزاحمة للواجب المالي يتعين صرف الثلث في الواجب المالي. لكن ـ على هذا ـ لا ثلث للميت ، لأن الثلث ـ الذي يكون للميت الوصية به ـ ثلث ما زاد على الواجب المالي. وكذا لو كان عليه واجب غير مالي ، بناء على إخراجه من الأصل ، كما هو مذهب المصنف (ره). ولأجل ذلك يكون التقييد بالمالي غير ظاهر الوجه ، فالعبارة ـ إذاً ـ لا تخلو عن اشكال. وعلى المختار ، من عدم خروج الواجب غير المالي من الأصل يكون الصحيح في التعبير هكذا : « ومن دون أن يزاحم واجباً غير مالي ». فلاحظ‌

[٣] لإطلاق دليل وجوب إخراجه من الأصل ، كما تقدم في المسألة التاسعة والثمانين. ولا فرق في ثبوت الإطلاق بين أن يزاحمه دين آخر أولا ، فيجب العمل به ، ومع المزاحمة يلزم التحصيص والتقسيط.

٢٦٩

الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري ـ كمكة أو أدنى الحل ـ وجب [١]. نعم لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد ويخرج من أصل التركة ، لأنه لا اضطرار للميت مع سعة ماله [٢].

( مسألة ٩٦ ) : بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه وهو حي أو ميت ، فيجوز لمن هو معذور ـ بعذر لا يرجى زواله ـ أن يجهز رجلا من الميقات ، كما ذكرنا سابقاً أيضاً [٣]. فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى ، وإن كان الأحوط ذلك.

( مسألة ٩٧ ) : الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت [٤]. خصوصاً إذا كان الفوت عن تقصير من‌

______________________________________________________

[١] لعموم دليل البدلية عند الاضطرار.

[٢] فلا مجال البدلية الاضطرارية.

[٣] في أواخر المسألة الثانية والسبعين.

[٤] كما في كشف الغطاء. والظاهر أنه مفروغ عنه عندهم ، لأنه دين ـ كما في النص ـ فيجري عليه حكمه ، من وجوب المبادرة إلى أدائه ، عملا بقاعدة السلطنة وللنصوص المتضمنة : أن حبس الحقوق من الكبائر. أو لأن اللام في قوله تعالى : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ .. ) (١) ‌لام الملك ، فيكون الحج مملوكاً له تعالى ، فيكون ديناً حقيقة ، فيجب أداؤه ، كما عرفت. أو لأن ما دل على وجوب المبادرة إليه في حال الحياة بدل عليها بعد الوفاة أيضاً ، لأن ما يفعله النائب هو ما يجب على المنوب‌

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

٢٧٠

الميت [١] وحينئذ فلو لم يمكن إلا من البلد وجب وخرج من الأصل [٢] ولا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى ولو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيراً على الورثة. كما أنه لو لم يمكن من الميقات إلا بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الموت وجب ولا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى توفيراً عليهم.

( مسألة ٩٨ ) : إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة ، أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن [٣] كما أنه لو كان على الميت دين ، وكانت التركة وافية وتلفت بالإهمال ضمن.

( مسألة ٩٩ ) : على القول بوجوب البلدية وكون المراد بالبلد الوطن ، إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكة [٤]. إلا مع رضى الورثة بالاستئجار من الأبعد. نعم مع عدم تفاوت الأجرة الحكم التخيير.

______________________________________________________

عنه بماله من الاحكام. فتأمل.

[١] كأن وجه الخصوصية : أن المبادرة حينئذ تكون منجزة على المنوب عنه فتكون من أحكامه الفعلية لا الاقتضائية.

[٢] هذا من أحكام لزوم الفورية.

[٣] للتفريط الموجب لضمان الحق. أو لما ورد من النصوص المتضمنة : أن من كان أميناً على مال ليصرفه فأخر صرفه ـ مع إمكانه ، ووجود المستحق ـ ضمن‌ (١).

[٤] المراد من الأقرب الأقل قيمة ، كما يظهر ذلك من ملاحظة مجموع‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الوصايا.

٢٧١

( مسألة ١٠٠ ) : بناء على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب ، فلا اختصاص بحجة الإسلام [١]. فلو كان عليه حج نذري لم يقيد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستئجار من البلد [٢]. بل وكذا لو أوصى بالحج ندباً ، اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث [٣].

( مسألة ١٠١ ) : إذا اختلف تقليد الميت والوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميت [٤]. وإذا العبارة. وحينئذ يكون قرينة على المراد من عبارة المشهور المتقدمة في صدر‌

______________________________________________________

المسألة الثامنة والثمانين. فراجع.

[١] لان الدليل الدال على الوجوب من البلد إن كان ما ذكره ابن إدريس : من أنه مقتضى الخطاب ، فلا فرق فيه بين أن يكون الخطاب بحج الإسلام أو بحج النذر. وإن كان هو النصوص فموردها الوصية ، فإذا لزم التعدي عن موردها لم يكن فرق بين حج الإسلام وغيره.

[٢] لو كان النذر مقيداً بالميقات فمقتضى ما ذكره ابن إدريس وجوب الحج من البلد أيضاً ، لأن الخطاب المتوجه إلى الميت حال حياته ـ بالإتيان بالحج من الميقات ـ يقتضي وجوب السعي إليه من البلد الذي هو فيه وإن كان من باب المقدمة ، فيجب على النائب الإتيان به بعين التقريب الذي ذكر في الحج الإسلامي. بل لو كان ناذراً الحج من بلد آخر غير بلده أيضاً يقتضي الحج من بلده الى ذلك البلد ثمَّ منه إلى الميقات ، لما ذكر.

[٣] لما عرفت ، من أن نصوص الوصية ـ على تقدير دلالتها على الوجوب من البلد ـ لم يذكر فيها أن الموصى به حج الإسلام ، بل مقتضى إطلاقها العموم للوصية بالحج الندبي.

[٤] تقدم مثل ذلك من المصنف في موارد كثيرة وتقدم الاشكال‌

٢٧٢

علم أن الميت لم يكن مقلداً في هذه المسألة ، فهل المدار على تقليد الوارث ، أو الوصي ، أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعيناً والتخيير مع تعدد المجتهدين ومساواتهم؟ وجوه [١]. وعلى الأول فمع اختلاف‌

______________________________________________________

فيه : بأن تقليد الميت ليس له موضوعية. بل هو طريق إلى وظيفة الميت في مقام العمل ، فهو حجة عليه لا على الوارث ، واللازم على الوارث العمل على مقتضى تقليده. فاذا كان تقليد الميت يقتضي الحج من الميقات وتقليد الوارث يقتضي الحج من البلد ، فالوارث لا يرى براءة ذمته إلا بالحج من البلد ، لأنه يرى أنه هو الواجب على الميت في حال حياته. وأنه هو اللازم إخراجه من تركته ، وأنه لا يرث إلا ما زاد عليه ، فكيف يجتزي بالحج من الميقات؟! نعم لو كان التقليد موضوعاً للحكم الواقعي كان لما ذكر وجه. لكنه تصويب باطل. وكذلك الوصي فإن الوصي إذا كان مقتضى تقليده الإخراج من البلد ، فهو يرى وجوب ذلك عليه لما دل على وجوب العمل بالوصية ، فكيف يجتزي بإخراج الحج من الميقات؟! وسيأتي منه ـ في فصل الوصية ـ : أن المدار على تقليد الوصي والوارث.

[١] قد عرفت أن اللازم لكل عامل أن يعمل على تقليده لا تقليد غيره. لكن لو بني على الثاني ـ في الصورة الأولى ـ يتعين في هذه الصورة الرجوع إلى المجتهد ـ الذي كان يجب على الميت تقليده ـ إذا كان متعيناً. لأن رأيه حجة عليه. أما إذا كان متعدداً فيشكل التخيير : بأنه مع التعدد لا يكون رأى أحدهما حجة إلا إذا اختاره. نظير : ما لو تعارض الخبران ، فإنه لا يكون أحدهما حجة إلا في حال الاختيار ، فمع عدم الاختيار لا حجة ولا حجية. واختيار الوارث لا أثر له في الحجية على الميت. وحينئذ يتعين الرجوع إلى تقليد نفسه ، لا التخيير بين المجتهدين. فاللازم حينئذ‌

٢٧٣

الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده [١] ، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته ـ بمقدارها بالنسبة ـ فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد. ويحتمل الرجوع الى الحاكم لرفع النزاع ، فيحكم بمقتضى مذهبه. نظير : ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة. وإذا اختلف تقليد الميت والوارث في أصل وجوب الحج عليه وعدمه ـ بأن يكون‌

______________________________________________________

التفصيل بين أن يكون المجتهد متعيناً فيلزم العمل على تقليد الميت ، وأن لا يكون متعيناً فيلزم العمل على تقليد الحي نفسه.

[١] لأنه الحجة عليه دون تقليد غيره. وهذا مما لا إشكال فيه ، إنما الإشكال فيما إذا أدى ذلك إلى النزاع. توضيح ذلك : أن التقليدين المختلفين تارة : يكونان اقتضائيين. وأخرى : يكون أحدهما اقتضائياً دون الآخر. فان كانا معاً اقتضائيين فالعمل على أحدهما يكون منافياً للعمل على الآخر دائماً. وإذا كان أحدهما اقتضائياً دون الآخر ، فالعمل على اللااقتضائي قد يكون منافياً للعمل على الاقتضائي وقد لا يكون ، كما في المقام. فان تقليد من يقول بوجوب الحج البلدي اقتضائي ، وتقليد من يقول بكفاية الحج الميقاتي لا اقتضائي ، لجواز الإتيان بالحج البلدي عنده ، فالمقلد لمن يقول بكفاية الحج الميقاتي لا اقتضائي ، لجواز الإتيان بالحج البلدي لم يكن منشأ للنزاع بينهم. أما إذا لم يقدم على ذلك بل أقدم على بذل الحج الميقاتي ، فان لم يتعلق بعمل صاحبه لم يكن مثاراً للنزاع والخصام ، وإن تعلق بعمله كان مثاراً لذلك.

ومبنى ذلك : ما تقدم في المسألة الخامسة والثمانين ، من أن الواجب على الورثة التوزيع والتحصيص ، أو هو إخراج الحج على كل حال. فعلى‌

٢٧٤

الميت مقلداً لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحج ، والوارث مقلداً لمن يشترط ذلك فلم يكن واجباً عليه ، أو بالعكس ـ فالمدار على تقليد الميت [١].

( مسألة ١٠٢ ) : الأحوط ـ في صورة تعدد من يمكن استئجاره استئجار من أقلهم أجرة مع إحراز صحة عمله مع عدم رضى الورثة أو وجود قاصر فيهم ، سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية. وإن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميت‌

______________________________________________________

الأول لا يكون عمل أحدهما متعلقاً بعمل الآخر ، فاذا كان الوارث ذكرين كان الواجب على كل واحد منهما نصف المقدار اللازم في الحج. فمن كان مقتضى تقليده إخراج الحج البلدي لزمه نصف المقدار اللازم فيه ، ومن كان مقتضى تقليده إخراج الحج الميقاتي لزمه نصف المقدار اللازم في الميقاتي ، فكل واحد يدفع ما عليه لا غير. وعلى الثاني يجب على من كان مقتضى تقليده الحج البلدي إخراجه على كل حال ، كما لو غصب بعض التركة. فإذا دفع ـ من كان مقتضى تقليده الحج الميقاتي ـ نصف ما يلزم في الحج الميقاتي لم يسكت عنه الآخر ، لأنه لو سكت عنه لزم خسارة التفاوت وإخراج الحج البلدي ، فيحصل النزاع ، فيتعين الرجوع إلى المجتهد الثاني ويجب العمل على حكمه. وقد عرفت في المسألة الخامسة والثمانين : أن الأقرب هو الثاني ، فيتعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي لقطع النزاع. ومثله : لو اختلف الورثة في وجوب الحج على الميت وعدمه لاختلافهم في شرائط الاستطاعة. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في المسألة الخامسة والثمانين.

[١] قد تقدم الاشكال فيه. وسيأتي منه ـ في أول فصل مباحث الوصية ـ : أن المدار على تقليد الوصي والوارث ، كما سبق.

٢٧٥

من حيث الفضل والأوثقية مع عدم قبوله إلا بالأزيد وخروجه من الأصل [١]. كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص عن أقلهم أجرة [٢] ، وإن كانت أحوط.

( مسألة ١٠٣ ) : قد عرفت أن الأقوى كفاية الميقاتية. لكن الأحوط الاستئجار من البلد بالنسبة إلى الكبار من الورثة ، بمعنى : عدم احتساب الزائد عن أجرة الميقاتية على القصر إن كان فيهم قاصر [٣].

( مسألة ١٠٤ ) : إذا علم أنه كان مقلداً ولكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة ، فهل يجب الاحتياط ، أو المدار على تقليد الوصي أو الوارث؟ وجهان أيضاً [٤].

______________________________________________________

[١] هذا إذا كان التعدي عن المناسب يعد هتكاً لحرمة الميت وحطاً من كرامته ، فإنه حينئذ مما تنصرف عنه الأدلة. أما إذا لم يكن كذلك فلا دليل عليه. ثمَّ إن المناسبة تارة : تكون من حيث الفاعل ، وأخرى : تكون من حيث القيمة ، وفي المقامين لا بد أن يكون تركها هتكاً ، وإلا فلا موجب لها.

[٢] لأن الإذن محمول على المتعارف.

[٣] ظاهر العبارة : أن المراد أن الأحوط الكبار أن يبذلوا ما به التفاوت بين الميقاتية والبلدية من ما لهم. لكن ـ بناء على ما ذكره في المسألة السابقة ـ يكون الأحوط أن يبذل الكبار ما يلزم في حصتهم من التفاوت ، لا أن يبذلوا ما به التفاوت بين الميقاتية والبلدية حتى ما يتعلق بحصة الصغار.

[٤] لازم ما ذكره سابقاً أن يكون الوجهان : الاحتياط بفعل البلدية ، وعدمه بفعل الميقاتية. لأن الواجب على الوارث إذا كان ما يقتضيه تقليد‌

٢٧٦

( مسألة ١٠٥ ) : إذا علم باستطاعة الميت مالاً ولم يعلم تحقق سائر الشرائط في حقه ، فلا يجب القضاء عنه ، لعدم العلم بوجوب الحج عليه ، لاحتمال فقد بعض الشرائط [١].

( مسألة ١٠٦ ) : إذا علم استقرار الحج عليه ولم يعلم أنه أتى به أم لا فالظاهر وجوب القضاء عنه [٢] ، لأصالة‌

______________________________________________________

الميت وتردد بين البلدية والميقاتية ، فاللازم إما الرجوع إلى البراءة أو الاحتياط ، لا الرجوع إلى تقليد نفسه. وكذا الكلام في الوصي.

[١] والأصل البراءة الجاري في حق الميت أو في حق الوارث. هذا إذا لم تكن أمارة أو أصل يقتضي ثبوت الشرط فيقتضي ثبوت الوجوب ، وإلا كان العمل عليه ، فيجب القضاء عنه.

[٢] تقدم الكلام في نظير المقام في المسألة الخامسة من ختام الزكاة ، وفي آخر مسألة من فصل الاستيجار في قضاء الصلاة ، وفي غير ذلك. والحكم الذي ذكره المصنف (ره) هنا في محله ، للوجه الذي ذكره فيه : وأما وجه الاحتمال الآخر ـ وهو ظهور حال المسلم ـ فلا دليل على حجيته. إلا أن يكون الشك بعد خروج الوقت ، فقد قامت الأدلة على جواز البناء على وقوع الفعل فيه. أما في غير ذلك فلا دليل عليه. إذ مرجع ذلك إلى أن إسلام المسلم يقتضي وقوع الفعل منه فيبنى عليه ، وليس ذلك إلا عملاً بقاعدة المقتضي التي اشتهر عدم ثبوتها وعدم جواز العمل عليها. وأما قاعدة التجاوز فليست هي من ظهور الحال بل هي من قبيل ظهور الفعل ، لأن الدخول في الفعل المترتب على المشكوك فعله يدل على وقوع ما قبله.

وبالجملة : الظاهر تارة : يكون قولاً ، وأخرى : يكون فعلا ،

٢٧٧

بقائه في ذمته. ويحتمل عدم وجوبه عملاً بظاهر حال المسلم وأنه لا يترك ما وجب عليه فوراً. وكذا الكلام إذا علم أنه تعلق به خمس ، أو زكاة ، أو قضاء صلوات ، أو صيام ، ولم يعلم أنه أداها أو لا [١].

( مسألة ١٠٧ ) : لا يكفي الاستئجار في براءة ذمة الميت والوارث بل يتوقف على الأداء [٢]. ولو علم أن الأجير‌

______________________________________________________

وثالثة : يكون حالاً. والجميع إن كان مقروناً بقصد الحكاية فهو خبر ، وحجيته تختلف باختلاف الموارد ، من حيث كون المورد حكماً أو موضوعاً ، من حقوق الناس أو من حقوق الله تعالى ، أو لا من هذا ولا من ذاك. وباختلاف الخصوصيات من حيث كون المخبر عادلاً ، أو ثقة ، أو ذا يد ، أو غير ذلك ، وكون المخبر واحداً أو متعدداً وغير ذلك. وتختلف الحجية باختلاف ذلك كله حسبما تقتضيه الأدلة. وإذا لم يكن قصد الحكاية فالدال ليس من الخبر. والدلالة ان كانت عقلية للزوم العقلي فلا إشكال في الحجية ، وان لم يكن عقلياً بل كان مستندا إلى غلبة أو اقتضاء أو نحوهما فالدلالة محتاجة إلى دليل. ومنه المقام ، فإن الدلالة المستندة إلى مجرد وجود المقتضي لا دليل عليها.

[١] إذا علم أنه تعلق بذمته وشك في أدائه فمقتضى الاستصحاب وإن كان وجوب الأداء. لكن قد يستفاد عدمه مما ورد في الدعوى على الميت ، حيث لم يكتف بالبينة في وجوب الأداء ، بل احتيج إلى اليمين على البقاء ، فمع عدمه لا يجب الوفاء على الوارث ، فيكون ذلك على خلاف الاستصحاب.

[٢] هذا ينبغي أن يكون من الواضحات ، لأن الاستيجار ليس مصداقاً للمأمور به ، فكيف تبرأ به الذمة؟!.

٢٧٨

لم يؤد وجب الاستئجار ثانياً ، ويخرج من الأصل إن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير.

( مسألة ١٠٨ ) : إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن أجرة الميقاتية للورثة أو لبقيتهم [١].

( مسألة ١٠٩ ) : إذا لم يكن للميت تركة وكان عليه الحج لم يجب على الورثة شي‌ء [٢] ، وإن كان يستحب على وليه. بل قد يقال بوجوبه ، للأمر به في بعض الأخبار [٣].

______________________________________________________

[١] إذا كانت الإجارة بعين التركة فالإجارة بالنسبة إلى مقدار التفاوت فضولية ، فإن أجاز الورثة نفذت وإلا فلا. وإن كان في الذمة لم يرجع الوصي على الورثة أو الوارث على بقية الورثة إلا بمقدار الحج الميقاتي.

[٢] بلا خلاف ظاهر. وفي كشف اللثام : نسبته إلى المشهور ، وظاهر غيره : التسالم عليه. ويقتضيه النصوص المتضمنة : « أنه‌ يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك » ‌ـ كموثق سماعة ـ (١) أو‌ « من جميع ماله » ‌ـ كما في صحيح الحلبي ـ (٢) أو‌ « من جميع المال » ‌ـ كما في صحيح معاوية ـ (٣) أو غير ذلك ، كما في غيرها. وقد تقدمت في المسألة الثالثة والثمانين.

[٣] في الجواهر : أنه يشعر بالوجوب كلام ابن الجنيد. وفي كشف اللثام : « قد يستظهر الوجوب من كلام أبي علي ، وليس فيه إلا أن الولي يقضي عنه إن لم يكن ذا مال ». ولا ريب أن ظاهره الوجوب ، كما في الدروس. وكأنه للأمر به في صحيح ضريس ، المتقدم فيمن مات قبل دخول‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

٢٧٩

( مسألة ١١٠ ) : من استقر عليه الحج وتمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعاً أو بإجارة ، وكذا ليس له أن يحج تطوعاً [١]. ولو خالف فالمشهور البطلان ، بل ادعى بعضهم : عدم الخلاف فيه [٢] وبعضهم : الإجماع عليه [٣]. ولكن عن سيد المدارك : التردد في البطلان [٤]. ومقتضى‌

______________________________________________________

الحرم‌ (١). وفي الجواهر : إنه محمول على الندب قطعاً. أقول : مقتضى الجمع العرفي : التقييد بالتركة لا الحمل على الندب. نعم الاعتبار يساعد على الندب.

[١] لأنه تفويت الواجب الفوري ، وهو واضح.

[٢] في الجواهر ادعى عدم وجدان الخلاف في الأول ـ وهو الحج عن غيره بإجارة أو تبرعاً ـ وحكى الخلاف فيه في التطوع. قال في الخلاف : « وأما الدليل على أنه إذا نوى التطوع وقع عنه لا عن حجة الإسلام : قوله (ع) : « الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى .. » (٢). وهذا نوى التطوع ، فوجب أن يقع عما نوى عنه ».

[٣] ادعى ذلك في المستند في خصوص النيابة.

[٤] قال فيها : « ولا يخفى أن الحكم بفساد التطوع إنما يتم إذا ثبت تعلق النهي به نطقاً أو التزاماً. والقول بوقوع التطوع عن حج الإسلام للشيخ في المبسوط. وهو مشكل ، لأن ما فعله قد قصد به خلاف حج الإسلام ، فكيف ينصرف اليه؟! ونقل عنه في الخلاف : أنه حكم بصحة التطوع ، وبقاء حج الإسلام في ذمته. وهو جيد إن لم يثبت تعلق النهي به المقتضي للفساد .. ».

__________________

(١) تقدم في أول المسألة : ٧٣ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٠.

٢٨٠