مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ١٠

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٣
الصفحات: ٣٨٦

كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه [١]. ومعه لا وجه لدعوى : أن المستحب لا يجزي عن الواجب. إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجباً ، والمفروض في المقام أنه هو. بل يمكن أن يقال [٢] : إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب ـ بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب ـ إنه يجب عليه الإتمام ، ويكفي عن المنوب عنه. بل يحتمل ذلك وإن كان في أثناء‌

______________________________________________________

[١] قوى في الجواهر : أن يكون المراد من الإحجاج الإحجاج على نحو يحج عن نفسه ، لا نيابة عن المعذور. ولكنه خلاف الظاهر جداً.

[٢] قال في الدروس « لو استناب المعضوب فشفي انفسخت النيابة. ولو كان بعد الإحرام فالأقرب الإتمام ، فإن استمر الشفاء حج ثانياً ، فان عاد المرض قبل التمكن فالأقرب الاجتزاء .. ». وقال في المدارك : « لو استناب الممنوع فزال العذر قبل التلبس بالإحرام ، انفسخت الإجارة فيما قطع به الأصحاب. ولو كان بعد الإحرام احتمل الإتمام والتحلل. وعلى الأول فإن استمر الشفاء حج ثانياً ، وإن عاد المرض قبل التمكن فالأقرب الاجزاء .. » وظاهر كلامه في الصورة الأولى : صورة إتيان النائب بالحج. وإطلاق انفساخ الإجارة فيه ينافي بناءه على الاجزاء في صورة عود المرض.

وكيف كان فاحرام النائب لا أثر له في مشروعية النيابة وعدم انفساخ الإجارة ، لما عرفت من أن ارتفاع العذر كاشف عن عدم مشروعية النيابة من أول الأمر ، فاحرامه باطل. ولأجل ذلك لا يصح احتمال وجوب الإتمام ، ولا احتمال لزوم التحلل بعمرة مفردة ، لأنهما من أحكام الإحرام الذي حدث صحيحاً ، وليس منه إحرام النائب في الفرض ، ولا مجال‌

٢٠١

الطريق ، قبل الدخول في الإحرام. ودعوى : أن جواز النيابة ما دامي كما ترى ، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع [١] ، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها [٢]. خصوصاً إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك. ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر ـ من المرض وغيره ـ وبين من كان معذوراً خلقة ، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأول ضعيف [٣]. وهل يختص الحكم‌

______________________________________________________

لدعوى الاجزاء. وأولى بعدم إجزاء حج النائب ، وعدم مشروعية النيابة ، وانفساخ الإجارة : ما لو كان ارتفاع العذر في أثناء الطريق.

[١] قد عرفت أن الأمر ظاهري لا اعتبار به بعد انكشاف الخلاف.

[٢] كيف تكون لازمة بعد انكشاف كونها على عمل غير مشروع؟.

[٣] قال في الشرائع : « ولو كان لا يستمسك خلقة قيل : سقط الفرض عن نفسه وعن ماله ، وقيل : تلزمه الاستنابة. والأول أشبه ». وفي المدارك : « الأصح لزوم الاستنابة. لإطلاق قوله (ع) في صحيح الحلبي : وإن كان موسراً .. » (١). وعن الحدائق : اختياره. وفي الجواهر : اختار العدم ، أما على المختار من الندب ففي العارض ـ فضلاً عنه ـ فواضح. وأما على الوجوب فالمتجه الاقتصار على المنساق من النصوص المزبورة المخالفة للأصل. بل صحيح ابن مسلم‌ (٢) كالصريح في ذلك. انتهى. ووجه صراحته : اشتماله على قوله : « فعرض له .. ». لكن صراحته تأبى صحة الاحتجاج به على العموم ، ولا تأبى صحة الاحتجاج بغيره عليه لو أمكن. فالعمدة : ما عرفت من عدم الوجوب على من لم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب وجوب الحج حديث : ٥.

٢٠٢

بحجة الإسلام ، أو يجري في الحج النذري والافسادي أيضاً [١]؟ قولان. والقدر المتيقن هو الأول ، بعد كون الحكم على خلاف القاعدة. وان لم يتمكن المعذور من الاستنابة ـ ولو لعدم وجود النائب ، أو وجوده مع عدم رضاه إلا بأزيد من أجرة المثل ، ولم يتمكن من الزيادة ، أو كانت مجحفة ـ سقط الوجوب [٢].

______________________________________________________

يستقر الحج في ذمته. فراجع. وفي المسالك : وجوب الاستنابة ، لعدم العلم بالقائل بالفرق. وإشكاله ظاهر.

[١] قال في الدروس : « ولو وجب عليه الحج بإفساد أو نذر فهو كحجة الإسلام ، بل أقوى .. ». وفي المدارك : أنه غير واضح في النذر ، بل ولا الإفساد أيضاً إن قلنا أن الثانية عقوبة. لأن الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص ، وهو حج الإسلام. والنذر والإفساد إنما اقتضيا وجوب الحج مباشرة ، وقد سقط بالعذر. انتهى. وتبعه عليه في الجواهر. وظاهر المصنف (ره) الميل اليه. وهو في محله لو كان الانصراف إلى حج الإسلام ناشئاً عن سبب ارتكازي. لكنه غير ظاهر. وفي المستند قال : « إطلاق بعض ما تقدم من الاخبار ـ كصحيحة محمد‌ والحلبي‌ ـ عدم اختصاص ذلك بحجة الإسلام ، وجريانه في غيرها من الواجبات أيضاً كالمنذورة. والظاهر عدم الخلاف فيه أيضاً ، كما يظهر منهم في مسألة الاستنابة من الحجين في عام واحد ». وسيأتي من المصنف ـ في المسألة الحادية عشرة من الفصل الآتي ـ الجزم بعموم الحكم لغير حجة الإسلام.

[٢] لعين الأدلة المتقدمة في شرائط الاستطاعة.

٢٠٣

وحينئذ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقراً عليه [١] ، ولا يجب مع عدم الاستقرار [٢] ولو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناء على الوجوب ، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار. وهل يجب مع عدم الاستقرار أيضا أولا؟ وجهان ، أقواهما نعم [٣] ، لأنه استقر عليه بعد التمكن من الاستنابة. ولو استناب ـ مع كون العذر مرجو الزوال ـ لم يجز عن حجة الإسلام [٤] ، فيجب عليه بعد زوال العذر. ولو استناب مع رجاء الزوال ، وحصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية. وعن صاحب المدارك : عدمها ووجوب الإعادة ،

______________________________________________________

[١] كما سيأتي الكلام فيه.

[٢] لاختصاص أدلة القضاء الآتية بمن استقر الحج في ذمته.

[٣] كأن الوجه الثاني ـ وهو العدم ـ مبني على اختصاص أدلة وجوب القضاء بمن استقر عليه مباشرة. وضعفه ظاهر.

[٤] قد عرفت أن الحكم الواقعي ـ وهو وجوب الاستنابة ، والاجزاء عن حج الإسلام ـ تابع لموضوعه الواقعي ، وهو استمرار العذر ، وأن اليأس طريق اليه. وكذا الرجاء ، بناء على إلحاقه باليأس. فالحكم بالاجزاء مع أحدهما ظاهري يرتفع بعد انكشاف الخلاف ، فاذا زال العذر بعد الاستنابة ـ ولو مع اليأس ـ انكشف عدم الوجوب وعدم الاجزاء ، فيجب عليه مباشرة حينئذ. وإذا استناب مع رجاء الزوال ـ بناء على عدم وجوب الاستنابة حينئذ ، لعدم طريقية احتمال الاستمرار مع احتمال الزوال ـ وانكشف استمرار العذر ، فقد انكشف ثبوت الوجوب والاجزاء. وقد تقدمت دعوى الإجماع على الاجزاء عن الشيخ في الخلاف.

٢٠٤

لعدم الوجوب مع عدم اليأس ، فلا يجزي عن الواجب [١]. وهو كما ترى. والظاهر كفاية حج المتبرع عنه في صورة وجوب الاستنابة [٢]. وهل يكفي الاستنابة من الميقات ، كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ [٣] ، وجهان ،

______________________________________________________

[١] قال : « ولو حصل اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة ، لأن ما فعله أولاً لم يكن واجباً ، فلا يجزي عن الواجب. ولو اتفق موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه ، لعدم حصول شرطه ، الذي هو استقرار الحج أو اليأس من البرء .. ». وظاهره : أن اليأس شرط في الحكم الواقعي ، فمع عدمه ينتفي الحكم ، وقد عرفت إشكاله. ولأجله يظهر الاشكال فيما ذكره أخيراً ، فإنه ـ بناء على وجوب الاستنابة على المعذور الذي لم يستقر الحج في ذمته قبل العذر ـ إذا لم يستنب العدم اليأس ثمَّ مات قبل الشفاء ، انكشف كونه موضوعاً لوجوب الاستنابة واقعاً وإن لم يقم طريق عليه ، فيجب القضاء. نظير : ما لو كان مالكاً للزاد والراحلة وكان جاهلاً بذلك ، فإنه يجب عليه الأداء بعد ذلك وإن زالت الاستطاعة ـ وقد تقدم ـ كما يجب على وليه القضاء لو مات.

[٢] لأن الظاهر من نصوص الاستنابة : أن فعل النائب يجزي في إفراغ ذمة المنوب عنه ، من غير دخل للاستنابة في ذلك. وبعبارة أخرى : المفهوم من النصوص : أن البدل فعل النائب لا فعل المنوب عنه بالتسبيب فلا دخل للتسبيب في إفراغ الذمة ، ولا في أداء الواجب وإن كان مقتضى الجمود على ما تحت عبارة النصوص : أن التسبيب دخيل في البدل الواجب لكن مناسبة الحكم والموضوع الارتكازية توجب حمل الكلام على الأول ، فهذا الارتكاز من قبيل القرينة المتصلة على صرف الكلام عن ظاهره.

[٣] يأتي إن شاء الله تعالى.

٢٠٥

لا يبعد الجواز [١] حتى إذا أمكن ذلك في مكة ، مع كون الواجب عليه هو التمتع. ولكن الأحوط خلافه ، لأن القدر المتيقن من الأخبار الاستنابة من مكانه. كما أن الأحوط عدم الكفاية في التبرع عنه لذلك أيضاً.

( مسألة ٧٣ ) : إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق ، فان مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام ، فلا يجب القضاء عنه [٢]. وإن مات قبل‌

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق النصوص. فان الحج ـ الذي هو موضوع النيابة ـ أول أجزائه الإحرام من الميقات ، وما قبله خارج عنه ، فإطلاق النصوص يقتضي حمله على الأول. وليس ما يتوهم منه التقييد إلا ما في النصوص السابقة ، من الأمر بتجهيز رجل ، والأمر ببعثه مكانه. لكن التجهيز غير ظاهر الارتباط بما نحن فيه. والبعث لا يدل على مبدأ البعث. نعم ربما اقتضى انصرافه كون المبدأ مكان المنوب عنه ، الذي قد يكون بلده وقد يكون غيره. لكنه ممنوع ، فإطلاقه يقتضي لزوم كون المبدأ المكان الذي لا بد من الابتداء به ، وهو الميقات لا غير. والانصراف إلى مكان المنوب عنه بدوي ناشئ من الغلبة ، فلا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. ثمَّ إنه على تقدير تماميته فإنما يقتضي كونه من مكان الاستنابة ، لا من بلد المنوب عنه. وسيأتي في مسألة اعتبار البلد في الحج القضائي ما له نفع في المقام.

[٢] بلا خلاف أجده فيه ، كما في المدارك والحدائق وغيرهما. بل عن المنتهى : دعوى الإجماع عليه ، كذا في الجواهر. ويشهد له جملة من النصوص ، منها : صحيح ضريس عن أبي جعفر (ع) : « قال في رجل

٢٠٦

ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام ، على المشهور الأقوى [١]. خلافاً لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء حينئذ أيضاً. ولا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الاخبار ، كصحيحة بريد العجلي ، حيث قال فيها ـ بعد الحكم بالاجزاء إذا مات في الحرم ـ : « وإن كان مات ـ وهو صرورة قبل أن يحرم ـ جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام ». فإن مفهومه الاجزاء إذا كان بعد أن يحرم. لكنه معارض بمفهوم صدرها [٢] ،

______________________________________________________

خرج حاجاً حجة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن مات في الحرم فقد أجزأت عن حجة الإسلام ، وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام » (١) ‌، و‌صحيح بريد العجلي قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل خرج حاجاً ، ومعه جمل له ونفقة وزاد ، فمات في الطريق ، قال (ع) : إن كان صرورة ثمَّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام ، وإن كان مات ـ وهو صرورة قبل أن يحرم ـ جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الإسلام » (٢).

[١] بل لم يعرف مخالف فيه إلا ما عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، كما حكاه في المتن تبعاً للمدارك وغيرها. وفي كشف اللثام نسبه إلى الحلي فقط ، وكأنه لأن الشيخ في الخلاف وإن قال : « إذا مات أو أحصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج » ، لكن استدلاله بالنصوص والإجماع يدل على أن مراده الإحرام ودخول الحرم ، وإلا لم يكن لاستدلاله بذلك وجه.

[٢] وهو قوله (ع) : « ثمَّ مات في الحرم » الدال بمفهومه على عدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٢.

٢٠٧

وبصحيح ضريس‌ ، وصحيح زرارة‌ [١] ، ومرسل المقنعة‌ [٢]. مع أنه يمكن أن يكون المراد من قوله : « قبل أن يحرم » ‌

______________________________________________________

الاجزاء إذا مات قبل الدخول في الحرم وإن كان محرماً. وحينئذ يدور الأمر بين تقييد الذيل ـ بأن يراد منه قبل أن يحرم ويدخل الحرم ـ وبين حمل الصدر على إرادة الإحرام من دخول الحرم ، وبين رفع اليد عن المفهوم في الطرفين ، فتكون الصورة الثالثة ـ وهي صورة الإحرام وعدم دخول الحرم ـ غير متعرض لها الحديث بكلتا شرطيتيه. ولا ترجيح لبعض هذه التصرفات على بعض ، فيكون الصحيح مجملا من هذه الجهة. فيرجع إلى غيره. أو يدعى أظهرية الأخير منه ـ كما هو غير بعيد ـ فيتعين الرجوع إلى غيره أيضاً.

[١] عن أبي جعفر (ع) : « إذا أحصر الرجل بعث بهديه‌ .. إلى أن قال : قلت : فان مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة. قال (ع) : يحج عنه إن كان حجة الإسلام ويعتمر ، إنما هو شي‌ء عليه » (١). لكن لما لم يكن مجال للعمل بإطلاقه ، يتعين إما حمله على الاستحباب ، أو على صورة ما إذا لم يدخل الحرم ، ولعل الأول أولى. وحينئذ لا يصلح لمعارضة ما سبق.

[٢] قال المفيد (ره) فيها : « قال الصادق (ع) : من خرج حاجاً فمات في الطريق ، فإنه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة ، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج ، وليقض عنه وليه » (٢). ودلالته ظاهرة ، كمعارضته. لكنه ضعيف السند ، غير ثابت جبره بعمل. فاذاً العمدة ـ في الاستدلال على القول المشهور ، وضعف مخالفه ـ هو صحيح ضريس‌ ، وعدم صلاحية صحيح بريد لمعارضته.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب وجوب الحج حديث : ٤.

٢٠٨

قبل أن يدخل في الحرم [١] ، كما يقال : « أنجد » أي : دخل في نجد ، و « أيمن » أي : دخل اليمن ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام. كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام ، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم ثمَّ مات. لأن المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام [٢]. ولا يعتبر دخول مكة ، وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك [٣] ، لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم. والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال ، كما إذا مات بين الإحرامين. وقد يقال بعدم الفرق أيضاً بين كون الموت في الحل أو الحرم ، بعد كونه بعد الإحرام ودخول الحرم [٤]. وهو مشكل ،

______________________________________________________

[١] هذا المعنى ـ وإن ذكر في المستند ـ بعيد لا مجال للاعتماد عليه في إثبات الحكم الشرعي.

[٢] هذا مما لا ينبغي التأمل فيه.

[٣] يريد به صحيح زرارة‌. لكن ليس فيه ظهور في اعتبار الدخول في مكة ، وإنما فيه الحكم بعدم الاجزاء إذا مات قبل دخولها.

[٤] قال في الدروس : « ولا فرق بين موته في الحل أو في الحرم ، محلا أو محرماً ، كما لو مات بين الإحرامين .. ». وفي المدارك : « وإطلاق كلام المصنف وغيره يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يقع التلبس بإحرام الحج أو العمرة ، ولا بين أن يموت في الحل أو الحرم ، محرماً أو محلا ، كما لو مات بين الإحرامين. وبهذا التعميم قطع المتأخرون. ولا بأس به .. ». ونحوه عن الحدائق.

٢٠٩

لظهور الأخبار في الموت في الحرم [١]. والظاهر عدم الفرق بين حج التمتع والقران والافراد [٢]. كما أن الظاهر أنه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه أيضاً [٣]. بل لا يبعد الاجزاء ـ إذا مات في أثناء حج القران أو الافراد ـ عن عمرتهما وبالعكس [٤]. لكنه مشكل ، لأن الحج والعمرة فيهما عملان مستقلان [٥] ، بخلاف حج التمتع فإن العمرة فيه داخلة في الحج ، فهما عمل واحد. ثمَّ الظاهر اختصاص حكم الاجزاء بحجة الإسلام ، فلا يجري الحكم في حج النذر‌

______________________________________________________

[١] كما صرح بذلك في صحيح ضريس‌. وفي الجواهر : « أشكل عليهم : بأن الحكم مخالف للأصول ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن ، وهو الموت في الحرم. اللهم إلا أن يكون إجماعاً ، كما هو مقتضى نسبته في الحدائق إلى الأصحاب. لكنه كما ترى .. ». وكأنه لم يعتن بالتصريح بالموت في الحرم في صحيح ضريس‌ ، لأن المفهوم منه الموت بعد الدخول في الحرم ، كما عبر بذلك الأصحاب. لكنه غير ظاهر ، فالأخذ بظاهر الصحيح متعين.

[٢] كما صرح بذلك في الجواهر. والظاهر أنه لا إشكال فيه ، لإطلاق النصوص. نعم الموت في الطريق في مقابل الموت بعد الإحرام يكون في القران والافراد ، ولا يكون في التمتع ، وإنما يكون في عمرته.

[٣] كما تقدم في المدارك وعن الحدائق. لظاهر النصوص المتقدمة.

[٤] كما يقتضيه ما تقدم في المدارك وعن الحدائق.

[٥] الروايات واردة في الحج ، فإلحاق عمرة القران والافراد به محتاج الى دليل. وإلحاق عمرة التمتع به كان من جهة أنها كالجزء من الحج ، وهذا لا يطرد في العمرة المذكورة ، فإلحاقها بالحج غير ظاهر.

٢١٠

والإفساد إذا مات في الأثناء [١]. بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً ، وإن احتمله بعضهم [٢]. وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه ، فيجزيه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم ، ويجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان ، بل قولان [٣] ، من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور. ومن أنه لا وجه لوجوب القضاء عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية. ولذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب ، أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسراً. ومن هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقر عليه. وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر عليه ، وحمل الأمر بالقضاء على الندب. وكلاهما مناف لاطلاقهما. مع أنه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل ، مع أنه مسلم بينهم. والأظهر الحكم بالإطلاق ، إما بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق ـ كما عليه جماعة ـ وإن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط ، أو الموت وهو في البلد. وإما بحمل الأمر بالقضاء على القدر‌

______________________________________________________

[١] لاختصاص النصوص بحجة الإسلام ، والتعدي إليهما محتاج الى دليل.

[٢] قد عرفت تصريح المدارك بالعمرة ، وإطلاقه يقتضي العموم للمفردة. وكذا حكي عن الحدائق ، وعرفت إشكاله.

[٣] حكي أولهما : عن ظاهر القواعد والمبسوط والنهاية. وثانيهما :

٢١١

المشترك ، واستفادة الوجوب فيمن استقر عليه من الخارج [١] ، وهذا هو الأظهر [٢]. فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضاً ، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين ، واستحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك.

( مسألة ٧٤ ) : الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع ،

______________________________________________________

ظاهر الجواهر ، حاكياً له عن بعض ، حاملاً للأمر على الندب. لكن أشكل عليه بعد ذلك ـ تبعاً لكاشف اللثام ـ بأنه يبقى الاجزاء عمن استقر الحج عليه بلا دليل. اللهم إلا أن يرشد اليه : ما تسمعه ـ إن شاء الله تعالى ـ في حكم النائب ، من الاجتزاء بذلك فيه. ثمَّ قال : « ولعل الأولى تعميم الصحيحين لهما ، واستعمال الأمر بالقضاء فيهما في القدر المشترك بين الندب والوجوب .. ».

أقول : دعوى عموم النصوص لهما غير ظاهرة ، لأنها واردة في مقام تشريع الاجزاء عن حج الإسلام بعد الفراغ عن ثبوته على المكلف باجتماع شرائطه ، فلا تشمل من لم يستقر الحج عليه. وبالجملة : النصوص واردة في مقام جعل البدل عن الواجب ، فلا تدل على إلغاء شرط وجوبه ، لأنها ليست واردة في مقام تشريع وجوبه ليؤخذ بإطلاقها.

[١] وهو الإجماع.

[٢] كما تقدم عن الجواهر. وقد عرفت : أن الأظهر أن النصوص واردة في من استقر الحج بذمته ، وأن الأمر بالقضاء للوجوب لا غير. ثمَّ إنه لو بني على إطلاق النصوص ، فحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة ، وهي مفقودة ، فيتعين الوجه الأول ، كما عليه الجماعة‌

٢١٢

لأنه مكلف بالفروع [١] ، لشمول الخطابات له أيضاً. ولكن لا يصح منه ما دام كافراً [٢] كسائر العبادات ، وإن كان معتقداً لوجوبه ، وآتياً به على وجهه مع قصد القربة ، لأن الإسلام شرط في الصحة. ولو مات لا يقضى عنه ، لعدم كونه أهلاً للإكرام والإبراء [٣]. ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه. وكذا لو استطاع بعد إسلامه. ولو زالت استطاعته ثمَّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى [٤] ، لأن الإسلام يجب ما قبله. كقضاء الصلاة والصيام ، حيث أنه واجب عليه‌

______________________________________________________

[١] أشرنا إلى ذلك في كتاب الزكاة وغيره. فراجع.

[٢] لكون الحج عبادة ، ولا تصح من الكافر ، لعدم صلاحيته للتقرب المعتبر في العبادة. وكما يمنع من صحته منه مباشرة يمنع من صحته من نائبه أيضاً. وفي المدارك ـ في شرح قول ماتنه : « والكافر يجب عليه الحج ، ولا يصح منه .. » ـ قال : « هذان الحكمان إجماعيان عندنا. وخالف في الأول أبو حنيفة ، فقال : إن الكافر غير مخاطب بشي‌ء من الفروع. ولا ريب في بطلانه. ويترتب على الوجوب أنه لو مات كذلك أثم بالإخلال بالحج ، لكن لا يجب قضاؤه عنه .. ».

[٣] يعني : إبراء ذمته من الحج الذي اشتغلت به.

[٤] كما في القواعد وكشف اللثام والجواهر وغيرها. وقال في المدارك : « لو أسلم وجب عليه الإتيان بالحج مع بقاء الاستطاعة قطعاً ، وبدونها في أظهر الوجهين. واعتبر العلامة في التذكرة ـ في وجوب الحج ـ استمرار الاستطاعة إلى زمان الإسلام. وهو غير واضح .. ». وفي الذخيرة والمستند : الوجوب أظهر. واستدل في الثاني بالاستصحاب. ولم يتعرض‌

٢١٣

حال كفره كالأداء ، وإذا أسلم سقط عنه. ودعوى : أنه لا يعقل الوجوب عليه [١] ، إذ لا يصح منه إذا أتى به وهو كافر ، ويسقط عنه إذا أسلم. مدفوعة : بأنه يمكن أن يكون‌

______________________________________________________

فيهما لحديث الجب‌ (١) ، وكذلك في المدارك هنا. وكأنه لما في المدارك ـ في كتاب الزكاة ـ من ضعفه سنداً. لكن الجبر بالعمل كاف في دخوله في موضوع الحجية. وأما دلالته فواضحة ، لأن وجوب الحج عليه بعد الإسلام لما كان مستنداً إلى الاستطاعة السابقة ، كان مقتضى قطع ما قبل الإسلام عما بعده عدم سببية الاستطاعة السابقة للوجوب بعد الإسلام. وكذلك الحكم في جميع الأحكام اللاحقة التي لو ثبتت استندت إلى السبب السابق ، مثل : وجوب صلاة الآيات بعد الكفر إذا كان حدوث الآية قبله ، ووجوب قضاء الصلاة إذا كان مستنداً الى الفوت حال الكفر ، ووجوب الغسل إذا كان مستنداً إلى حدوث سببه حال الكفر.

نعم إذا كان القضاء بالأمر الأول ـ بناء على تعدد المطلوب ـ فهو مستند إلى وجود المصلحة في الفعل ، فلا يقتضي الإسلام سقوطه. وكذلك وجوب الغسل إذا كان مستنداً الى وجود الأثر العيني الخارجي ، فلا يقتضي الإسلام سقوطه. وكذلك وجوب التطهير من النجاسة. نعم قد تشكل دلالة الحديث بملاحظة قرينة السياق في بعض الموارد التي ورد فيها ، المقتضية لحمله على رفع العقاب لا غير. وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب قضاء الصلاة ، وكتاب الزكاة. فراجع.

[١] هذه الدعوى ذكرها السيد في المدارك في مبحث قضاء الصلوات ، واحتج بها على عدم تكليف الكافر بالقضاء. وحكاها في التذكرة والمنتهى عن أبي حنيفة. قال في الأول : « وهو غلط ، لأن الوجوب حالة الكفر‌

__________________

(١) تقدم الكلام فيه في صفحة : ٥٠ من الجزء السابع من هذا الشرح.

٢١٤

الأمر به حال كفره أمراً تهكمياً ليعاقب لا حقيقياً [١]. لكنه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به ، لا كافراً ولا مسلماً. والأظهر أن يقال : إنه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعاً وإن تركه فمتسكعاً ، وهو ممكن في حقه ، لإمكان إسلامه وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك. فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال ، ومأمور ـ على فرض تركه حالها ـ بفعله بعدها. وكذا يدفع الإشكال في قضاء الفوائت ، فيقال : إنه‌

______________________________________________________

يستلزم الصحة العقلية ، أما الشرعية فإنها موقوفة على شرط ، وهو قادر عليه ، وهو الإسلام ، فكان كالمحدث المخاطب بالصلاة .. ». وفي المنتهى ـ بعد نقل الاشكال ـ قال : « والجواب : المنع من عدم المكنة ، لأن الشرط هو الإسلام ، وهو متمكن منه ، والتمكن من الشرط هنا يستلزم التمكن من المشروط .. ». ولم يظهر وجه اندفاع الاشكال بما ذكره. إلا بناء على عدم سقوطه بالإسلام. وفي المعتبر : حكى الدعوى المذكورة عن الشافعي ، وقال في جوابها : « قلنا : يمكنه الأداء ، لأن تقديم الإسلام ممكن منه ، وإذا كان الشرط ممكناً لم يمتنع المشروط .. ». ولا يظهر أيضاً وجه الجواب. إلا أن يكون مراده تقديم الإسلام في سنة الاستطاعة ، فيرجع إلى ما ذكره المصنف وغيره.

[١] إذا كان دليل الوجوب الأدلة العامة فمدلولها واحد لا يمكن أن يكون الأمر في حق المسلم حقيقيا وفي حق الكافر تهكمياً. مع أن الأمر التهكمي لا يوجب عقاباً. بل قد عرفت سابقاً الإشارة إلى أن البعث العقلي ، واستحقاق الثواب على الموافقة والعقاب على المحالفة ، كلها من آثار الترجح النفسي ولوازمه. والأمر لا موضوعية له في ذلك ، بل هو طريق محض إليه لا غير.

٢١٥

في الوقت مكلف بالأداء ، ومع تركه بالقضاء. وهو مقدور له ، بأن يسلم فيأتي بها أداء ، ومع تركها قضاء. فتوجه الأمر بالقضاء اليه إنما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق [١]. فحاصل الاشكال : إنه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر ، ولا يجب عليه إذا أسلم ، فكيف يكون مكلفاً بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل الجواب : أنه يكون مكلفاً بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق ، ومع تركه الإسلام‌

______________________________________________________

[١] يعني : على نحو الأمر بشي‌ء معلق ، فالمعلق هو المأمور به لا الأمر. لكن يشكل ذلك أولا : بما أشكل على الواجب المعلق ، من أن القيد المتأخر إذا كان قيداً للواجب كان واجباً بوجوبه ، ولما لم يكن مقدوراً فعلا كان التكليف به تكليفاً بغير المقدور ، فيكون محالا. مضافاً إلى أن الأمر بالمعلق لما لم يكن محركاً لم يكن تكليفاً ولا وجوباً ، لأن اعتبارهما مشروط بالمحركية. وثانياً : بأن الإجماع على شرطية الإسلام في صحة العبادة إنما يقتضي اعتباره حال العمل ، ولا يقتضي اعتباره في سنة الاستطاعة. فإنه لا دليل عليه ، والقواعد العامة تنفيه. وارتكاب مخالفة القواعد في ذلك ليس بأهون من ارتكاب مخالفة عموم الأدلة الدالة على التكاليف. إلا أن يكون المقصود رفع الاستحالة العقلية التي يدعيها المانع ـ على ما يظهر من استدلاله ـ لا ترجيح التصرف بالأدلة الأولية ، بالبناء على شرطية الإسلام حال الأداء ـ في الموارد التي يجب فيها القضاء ، أو في السنة الأولى في مسألتنا ـ على التصرف في عموم أدلة التكاليف ، كي يشكل : بأن التصرف المذكور ليس بأولى من التصرف في عموم التكليف.

ثمَّ إنه قد يستضعف الاشكال المذكور : بأن العمومات قوية الدلالة ،

٢١٦

في الوقت فوت على نفسه الأداء والقضاء ، فيستحق العقاب عليه. وبعبارة أخرى : كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء. وحينئذ فإذا ترك الإسلام ومات كافراً يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء ، وإذا أسلم يغفر له ، وإن خالف أيضاً واستحق العقاب.

( مسألة ٧٥ ) : لو أحرم الكافر ثمَّ أسلم في الأثناء لم‌

______________________________________________________

معتضدة بما ورد من الآيات الشريفة الدالة على عذاب الكافر بترك الصلاة وغيرها. وفيه : أن الكلام في خصوص العمومات المنافية لحديث الجب ، مثل : ما دل على قضاء الصلاة ، وما دل على وجوب الحج إذا استطاع وزالت استطاعته في السنة الثانية. فإن العموم الدال على وجوب الحج بعد زوال الاستطاعة ليس بتلك القوة ، على نحو يرجح لأجله الالتزام بأن الشرط ـ في وجوب الحج ـ خصوص الإسلام في سنة الاستطاعة.

هذا والذي يقتضيه التأمل : أن البناء على تخصيص عموم القضاء ، أو العموم الدال على وجوب الحج في السنة الثانية على من استطاع في السنة الأولى فتهاون بحديث الجب لا يمكن ، لأن لسانه أب عن ذلك. فإنه يدل على السقوط بعد الثبوت ، فهو معاضد للعمومات لا مخصص. ومن ذلك يظهر أن البناء على نفي القضاء عن الكافر ، أو عدم وجوب الحج في المقام ـ كما ذكر المستشكل لحديث الجب ـ إن كان المقصود منه نفي الملاك ، فهو خلاف ظاهر الحديث أو صريحه. وإن كان نفي فعلية التكليف فلا مضايقة فيه. بل هو في محله ، كما يعترف به من تعرض للجواب عن الاشكال بما ذكره المصنف (ره). فان شرط الصحة إذا كان هو الإسلام في الوقت ، فاذا خرج الوقت ولم يسلم فقد فات الشرط وتعذر المشروط وسقط التكليف‌

٢١٧

______________________________________________________

به ، وإن كان يستحق العقاب عليه. لأنه عجز نفسه عن القيام بالواجب الذي وجب عليه ، إما بالوجوب المعلق ـ بناء على إمكان الوجوب المعلق ـ أو بالوجوب الذي سيجب عليه بالوجوب المنجز ـ بناء على امتناع الوجوب المعلق ـ لأن تعجيز المكلف نفسه عن الواجب الذي سيجب عليه موجب لاستحقاق العقاب ، لأنه تفويت لغرض المولى. فتكون المسألة من قبيل غسل الجنب قبل الفجر في شهر رمضان ، فإنه إذا تركه عمداً كان مستحقا للعقاب ، إما لأن الوجوب حاصل قبل الفجر على نحو الوجوب المعلق وقد عصاه. أو لأنه سيحصل له بعد الفجر ، فيكون ترك الغسل تفويتاً لغرض المولى ، أو لغير ذلك من الوجوه التي تعرضنا لها في كتاب الصوم. فراجع. وبما ذكر يظهر وجه جمع بين القولين.

ولعله إلى ذلك أشار الوحيد البهبهاني (ره) في حاشيته على المدارك ، فإنه أشكل على ما ذكره في المدارك فقال : « يجوز أن يكون مخاطباً بالقضاء وإن كان الإسلام شرطاً لصحته وقبوله ، وأنه بعد تحقق الإسلام وفعليته يسقط. إذ السقوط معناه رفع ما ثبت من التكليف والوجوب. وثمرة هذا التكليف : عقاب الكافر لو مات كافراً .. إلى أن قال : ومصداق‌ قوله (ص) : « الإسلام يجب ما قبله » ‌هو هذا القضاء وما ماثله ، من الأمور التي كانت لازمة عليه قبل الإسلام .. » وإن كانت عبارته غير وافية به.

ثمَّ إن ما ذكرنا من الوجهين في امتناع الواجب المعلق لا يخلو من إشكال ، فإن أخذ الزمان المستقبل قيداً في الواجب إنما يمتنع إذا كان أخذه على نحو يكون مورداً للتكليف ، أما إذا لم يؤخذ كذلك ـ بأن أخذ وجوده من باب الاتفاق وبغير داعي الوجوب قيداً ـ فلا يكون التكليف بالمقيد به تكليفاً بغير الاختياري ، فلا مانع منه. وعدم محركية الوجوب إلى الفعل‌

٢١٨

يكفه ووجب عليه الإعادة من الميقات ، ولو لم يتمكن من العود الى الميقات أحرم من موضعه [١]. ولا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلماً [٢] ، لأن إحرامه باطل.

( مسألة ٧٦ ) : المرتد يجب عليه الحج ، سواء كانت استطاعته حال إسلامه السابق أو حال ارتداده ، ولا يصح منه. فان مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه ، ولا يقضى عنه على الأقوى [٣] ، لعدم أهليته للإكرام وتفريغ ذمته كالكافر‌

______________________________________________________

قبل الوقت لا يمنع من صدق التكليف عليه. مع أنه قد يكون محركاً إلى مقدماته إذا كانت له مقدمات قبل الوقت ، ويستحق العقاب على ترك الواجب الناشئ من تركها. فالبناء على امتناع الواجب المعلق لما ذكر غير ظاهر.

[١] كما ذكر في الشرائع وغيرها. وعلله في المدارك : بأنه ثبت ذلك في الناسي والجاهل ، والمسلم في المقام أعذر منهما. وأنسب بالتخفيف. لكنه غير ظاهر إذا كان عالماً عامداً. إلا أن يثبت ذلك في العامد إذا تعذر عليه العود. وسيأتي الكلام فيه في محله.

[٢] كما نص عليه في الشرائع وغيرها. لكنه قال : « إلا أن يستأنف إحراماً .. ». وهو في محله ، لبطلان إحرامه ، فتجب عليه إعادة الإحرام من الميقات إن أمكن ، وإن لم يمكن فمن موضعه ، على ما عرفت. نعم لو تركه جهلا أو نسياناً لحقه حكمهما ، وهو الصحة.

[٣] خلافاً للقواعد ، حيث قال : « ولو مات ـ يعني : المرتد المستطيع ـ أخرج من صلب تركته وإن لم يتب ، على إشكال .. ». واستدل له : بإطلاق وجوب القضاء عمن مات وعليه حج الإسلام ولأنه دين. وهو كما ترى ، لاختصاص أدلة القضاء بغيره ممن يحسن إبراؤه وإكرامه ،

٢١٩

الأصلي. وإن تاب وجب عليه وصح منه وإن كان فطرياً ، على الأقوى من قبول توبته [١] ، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته. فلا تجري فيه قاعدة جب الإسلام ، لأنها مختصة بالكافر الأصلي بحكم التبادر [٢]. ولو أحرم في حال ردته ثمَّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي. ولو حج في حال إحرامه ثمَّ ارتد لم يجب عليه الإعادة على الأقوى [٣]. ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : « من كان مؤمناً فحج ثمَّ أصابته فتنة ثمَّ تاب ، يحسب له كل عمل صالح عمله ، ولا يبطل منه شي‌ء » (١).

______________________________________________________

كما ذكر ذلك في كشف اللثام والجواهر وغيرهما. لكن قال في الجواهر : « ولعل الأقوى عدم القضاء .. ». وفيه إشعار بتوقفه في ذلك. ولكنه في غير محله.

[١] تعرضنا لذلك في مبحث مطهرية الإسلام من كتاب الطهارة. فراجع‌

[٢] بل التسالم أيضاً ، يظهر ذلك من كلماتهم في مباحث قضاء الصلاة والصيام ، حيث قيدوا سقوطه عن الكافر بالكفر الأصلي. وسيأتي في كلام الشيخ ما هو قرينة على ذلك. وما ذكره من التبادر أيضاً ظاهر.

[٣] خلافاً للشيخ (ره) في المبسوط ، وحكاه في كشف اللثام عن الجواهر. قال في المبسوط : « لأن إسلامه الأول لم يكن إسلاماً عندنا ، لأنه لو كان كذلك لما جاز أن يكفر .. ». وكأنه لما في الجواهر ، من قوله تعالى ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (٢). لكن الدلالة غير ظاهرة. بل ذيل الآية دال على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١.

(٢) التوبة : ١١٥.

٢٢٠