قصص الأنبياء

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

قصص الأنبياء

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٣

١
٢

٣
٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة النّاشر

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد ، إله الأولين والآخرين ، أرسل رسوله بالهدى والحق. وأخرج عباده من الظلمات إلى النور بما بعث إليهم من الأنبياء والمرسلين ، الذين اختارهم من صفوة البشر وأذكاهم وأخبرهم وعلمهم حكمته. وجملّهم بهديه وشرائعه. تنساب من خلال سيرتهم العطرة صورة الإيمان الحق. وخص كل نبي منهم بتعامل وتكليف ، وابتلى ، كل نبي بقومه (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [١٢ يوسف : ١١١].

وفصل سبحانه ذكرهم في كتابة العزيز أيما تفصل : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ.) [١٨ / الكهف : ١٣]. ومنهم من لم يقصص : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [٤ / النساء : ١٦٤]. كما جاءت أخبارهم المتصلة السند إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي هذا الكتاب «قصص الأنبياء» يتعرض مصنفه الحافظ ابن كثير (صاحب التفسير المعروف) لجملة الأخبار فيحقق ما ثبت رفعه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معتمدا في نقلها على الكتاب والسنة.

ويميز بين الصحيح منها والسقيم. وينبذ الخبر الاسرائيلي والأحاديث المشكوك بصحتها.

وإيمانا منا بما لهذا السفر النفيس من جزيل الفائدة وعميم النفع نقدمه للقراء الأعزاء بهذه الحلة القشيبة والإخراج الجديد معتمدين فيها على أدق النسخ المحققة والمضبوطة. والمقابلة على عدة نسخ مخطوطة ومطبوعة من كتاب «البداية والنهاية» لابن كثير ومن أهم هذه النسخ :

١ ـ نسخة مصورة عن مخطوطة محفوظة بمكتبة ولي الدين بالآستانة. وقد رمز إليها في حواشي الكتاب بالحرف (و). وهي بدورها مقارنة على نسختين مخطوطتين محفوظتين بدار الكتب المصرية برقم (تاريخ تيمور ٢٤٤٢) ورقم (تاريخ ٣٦٠٩).

٢ ـ نسخة مطبوعة من كتاب البداية والنهاية تم طبعها بمطبعة السعادة عام ١٣٥١ ه‍ ، ١٩٣٢ م.

كما تم تخريج الآيات القرآنية الواردة في الأصل بين قوسين معكوفين [] يضمان رقم السورة واسمها ورقم الآية ويردان بعد كل آية في الأصل لسهولة الرجوع إليها.

راجين أن نكون قد حققنا الغاية المرجوة ، والله من وراء القصد.

الناشر

٥
٦

ترجمة المؤلف (*)

١) نسبه وكنيته :

أبو الفداء عماد الدين اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القرشي.

٢) مولده ومماته :

ولد ابن كثير سنة ٧٠٠ ه‍ (كما ذكر أكثر من مترجم) أو بعدها بقليل كما جاء في الدر الكامن لابن حجر. وهذا ما يتبين من قوله هو في ترجمة والده الذي ذكر أنه توفي سنة ٧٠٣ ه‍.

وقد توفي يوم الخميس في ٢٦ شعبان سنة ٧٧٤ ه‍. ودفن بمقبرة الصوفية بدمشق.

٣) تحصيله وعلومه :

كان أبوه عمر بن كثير عالما فقيها خطيبا. وقد بدأ الاشتغال بالعلم على يدي أخيه عبد الوهاب ثم اجتهد في تحصيل العلوم على يد كبار العلماء في عصره. وختم حروف القرآن الكريم سنة ٧١١ ه‍. وقرأ بالقراءات حتى عدّ من القراء. وترجم له في طبقات القراء للداودي.

__________________

(*) أوردنا ترجمة المؤلف الحافظ ابن كثير مختصرة ومن بريد التوسع يمكنه العودة للمراجع التي استقيت الترجمة منها وهي :

ـ الأعلام ـ الزركلي.

ـ البداية والنهاية ـ ابن كثير.

ـ تذكرة الحفاظ ـ الذهبي.

ـ الدر الكامن ـ ابن حجر.

ـ النجوم الزاهرة ـ ابن تغري.

ـ عمدة التفاسير ـ الشيخ أحمد شاكر.

ـ معجم المؤلفين ـ الأستاذ عمر كحالة.

وغيرها من المراجع العديدة الأخرى.

٧

٤) مشايخه :

تفقه ابن كثير على الشيخين برهان الدين الفزاري ، وكمال الدين بن قاضي شهبة. حفظ التنبيه للشيرازي ، مختصر ابن الحاجب في الأصول ، ولازم أبا الحجاج المزي وقرأ عليه مؤلفه في الرجال «تهذيب الكمال». كما كان من أعظم تلاميذ ابن تيمية.

٥) أقوال العلماء فيه :

وقال فيه العلامة العيني فيما نقل عنه ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة. «كان قدوة العلماء والحفاظ وعمدة أهل المعاني والألفاظ. وسمع وجمع ، وصنف ودرس ، وحدث وألف.

وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ».

٦) مصنفاته :

لأبن كثير العديد من التصانيف وقد فقد بعضها ومن هذه التصانيف :

١ ـ التفسير : وهو من أفيد كتب التفاسير بالرواية يفسر القرآن بالقرآن والأحاديث المسندة.

٢ ـ البداية والنهاية (مطبوع) : وهو التاريخ الذي يؤرخ فيه منذ بدء الخليقة ع (مطبوع).

٣ ـ قصص الأنبياء وهو كتابنا هذا.

٤ ـ السيرة النبوية (غير مطبوع).

٥ ـ الفصول في اختصار سيرة الرسول (مطبوع).

٦ ـ اختصار علوم الحديث (مطبوع).

٧ ـ جامع المسانيد والسنن : وقد جاء ذكره باسم الهدى والسنن في احاديث المسانيد والسنن) موجود منه ٧ مجلدات وغير مطبوع.

٨ ـ التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل.

٩ ـ رسالة في الجهاد (مطبوعة).

١٠ ـ طبقات الشافعية : ومعه مناقب الشافعي.

١١ ـ اختصار كتاب (المدخل الى كتاب السنن) للبيهقي.

١٢ ـ تخريج أحاديث أدلة التنبيه في الشافعية.

١٣ ـ تخريج أحاديث ابن الحاجب في الأصول.

١٤ ـ شرح صحيح البخاري. (لم يكمله).

١٥ ـ كتاب الأحكام (لم يكمله).

٨

٩
١٠

بسم الله الرحمن الرحیم

باب ما ورد في خلق آدم عليه‌السلام

قال الله تعالى :

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ* وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ* وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ* فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [٢ / البقرة : ٣٠ ـ ٣٩]

وقال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [٣ / آل عمران ٥٩]

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [٤ / النساء : ١]

كما قال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.) [٤٩ / الحجرات : ١٣]

١١

وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.) [٧ / الأعراف : ١٨٩]

وقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ* قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ* قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ* وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ* فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ* قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ* قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ* قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ.)

[٧ / الأعراف : ١١ ـ ٢٥]

كما قال في الآية الأخرى : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى.)

[٢٠ / طه : ٥٥].

وقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ* وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ* قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ*

١٢

إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ* وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)

[١٥ / الحجر : ٢٦ ـ ٤٤]

وقال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً* قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً* قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً* وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً)

[١٧ / الإسراء : ٦١ ـ ٦٥]

وقال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)

[١٨ / الكهف : ٥٠]

وقال تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً* وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى * فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ : يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى * فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى * قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى.)

[٢٠ ـ طه : ١١٥ ـ ١٢٦]

وقال تعالى : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ* ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ

١٣

الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ* إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ* إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ* قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ* قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ* قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ* إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ* وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.)

[٣٧ / ص : ٦٨ ـ ٨٨]

فهذا ذكر هذه القصة من مواضع متفرقة من القرآن ، وقد تكلمنا على ذلك كله في التفسير ، ولنذكر هاهنا مضمون ما دلت عليه هذه الآيات الكريمات ، وما يتعلق بها من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، باالمستعان (١).

فأخبر تعالى أنه خاطب الملائكة قائلا لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) أعلم بما يريد أن يخلق من آدم وذريته الذين يخلف بعضهم بعضا كما قال : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) [وقال : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ)](٢) فأخبرهم بذلك على سبيل التنويه بخلق آدم وذريته ، كما يخبر بالأمر العظيم قبل كونه ، فقالت الملائكة سائلين على وجه الاستكشاف والاستعلام عن وجه الحكمة لا على وجه الاعتراض والتنقّص (٣) لبني آدم والحسد لهم ، كما قد يتوهمه بعض جهلة المفسرين ، قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ؟).

قيل علموا أن ذلك كائن بما رأوا ممن كان قبل آدم من الجن ، قاله قتادة.

وقال عبد الله بن عمر : كانت الجن قبل آدم بألفي عام فسفكوا الدماء ، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة (٤) فطردوهم إلى جزائر البحور.

وعن ابن عباس نحوه. وعن الحسن ألهموا ذلك.

وقيل : لما اطلعوا عليه من اللوح المحفوظ ، فقيل أطلعهم عليه هاروت وماروت عن ملك فوقهما يقال له السّجلّ. رواه ابن أبي حاتم عن أبي جعفر الباقر.

__________________

(١) م : والله المستعان

(٢) سقطت من م.

(٣) و : والنقص.

(٤) و : من الملائكة جندا.

١٤

وقيل : لأنهم علموا أن الأرض لا يخلق منها إلا من يكون بهذه المثابة غالبا.

(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي نعبدك دائما لا يعصيك منا أحد ، فإن كان المراد بخلق هؤلاء أن يعبدوك فها نحن لا نفتر ليلا ولا نهارا.

(قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أي أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هؤلاء ما لا تعلمون ، أي سيوجد منهم الأنبياء والمرسلون والصدّيقون والشهداء [والصالحون](١).

ثم بيّن لهم شرف آدم عليهم في العلم فقال : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها). قال ابن عباس :

هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ، دابة ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجبل ، وجمل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.

وقال مجاهد : علمه اسم الصّحفة ، والقدر ، حتى الفسوة والفسيّة.

وقال مجاهد : علّمه اسم كل دابة ، وكل طير وكل شيء. وكذا قال سعيد بن جبير وقتادة وغير واحد.

وقال الربيع : علّمه أسماء الملائكة. وقال عبد الرحمن بن زيد : علّمه أسماء ذريته.

والصحيح : أنه علمه أسماء الذّوات وأفعالها مكبّرها ومصغرّها ، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما.

وذكر البخاري هنا ما رواه هو ومسلم من طريق سعيد وهشام عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا [حتى يريحنا من مكاننا هذا] فيأتون آدم فيقولون أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء» (٢) وذكر تمام الحديث.

__________________

(١) سقطت من م.

(٢) الحديث رواه البخاري (٩٧ / ١٩ / ٧٤١٠ / فتح) وتمامه : «... اشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول : لست هناك ـ ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ـ ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتون نوحا فيقول : لست هناك ـ ويذكر خطيئته التي أصاب ـ ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن. فيأتون إبراهيم فيقول : لست هناك ـ ويذكر لهم خطاياه التي أصابها ـ ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما. فيأتون موسى فيقول : لست هناك ـ ويذكر لهم خطيئته التي أصابها ـ ولكن ائتوا عيسى عبد الله رسوله وكلمته وروحه فيأتون عييسى فيقول : لست هناك ، ولكن ائتوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبدا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتونني ، فأنطلق ، فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ، ثم يقال لي : ارفع يا محمد ، قل يسمع ، وسل تعطه واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها ، ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ، ثم أرجع فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلب من الخير ما يزن برة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة» أه. وما بين الأقواس زيادة ساقطة من المطبوعة والمخطوطة وأثبتها من الحديث في البخاري. رواه مسلم (١ / ٨٤ / ٣٢٢) ورواه الترمذي (٣٨ / ١٠ / ٣٢٣٤).

١٥

(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). قال الحسن البصري : لما أراد الله خلق آدم ، قالت الملائكة : لا يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه فابتلوا بهذا وذلك قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

وقيل غير ذلك كما بسطناه في التفسير.

قالوا : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أي سبحانك أن يحيط أحد بشيء من علمك من غير تعليمك ، كما قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ).

(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ. فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ؟) أي أعلم السر كما أعلم العلانية.

وقيل إن المراد بقوله : (أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) ما قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ، وبقوله :

(وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) المراد بهذا الكلام إبليس حين أسرّ الكبر والتخيرة (١) على آدم عليه‌السلام.

قاله سعيد بن جبير ومجاهد والسّدي والضحاك والثوري واختاره ابن جرير.

وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قولهم : لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه.

وقوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ) هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم حين خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، كما قال : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) فهذه ارفع تشريفات : خلقه له بيده الكريمة ، ونفخه من روحه ، وأمره (٢) الملائكة بالسجود له ، وتعليمه أسماء الأشياء.

ولهذا قال له موسى الكليم حين اجتمع هو وإياه في الملإ الأعلى وتناظرا كما سيأتي : أنت آدم أبو البشر الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك أسماء كل شيء. وهكذا يقول [له](٣) أهل المحشر يوم القيامة كما تقدم ، وكما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقال في الآية الأخرى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ.)

[٧ / الأعراف : ١١ ـ ١٢]

__________________

(١) و : المنافسة.

(٢) و : وأمر ..

(٣) من و.

١٦

وقال الحسن البصري : قاس إبليس ، وهو أول من قاس. وقال محمد بن سيرين : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس ولا القمر إلا بالمقاييس ، رواهما ابن جرير.

ومعنى هذا أنه نظر نفسه بطريق المقايسة بينه وبين آدم ، فرأى نفسه أشرف من آدم فامتنع من السجود له ، مع وجود الأمر له ولسائر الملائكة بالسجود. والقياس إذا كان مقابلا بالنص كان فاسد الاعتبار ،. ثم هو فاسد في نفسه ، فإن الطين أنفع وخير من النار ، لأن الطين فيه الرزانة والحلم والأناة والنمو ، والنار فيها الطيش والخفة والسرعة والإحراق.

ثم آدم شرفه الله بخلقه له بيده ونفخه فيه من روحه ، ولهذا أمر الملائكة بالسجود له ، كما قال : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ).

استحق هذا من الله تعالى لأنه استلزم تنقّصه لآدم وازدراءه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الإلهي ، ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين.

وشرع في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئا ، وكان اعتذاره أشد من ذنبه.

وشرع في الاعتذار بما لا يجدي الحق في النص على آدم.

كما قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً* قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً* قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً* وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً.)

[١٧ / الإسراء : ٦١ ـ ٦٥].

وقال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً.)

[١٨ / الكهف : ٥٠].

أي خرج عن طاعة الله عمدا وعنادا واستكبارا عن امتثال أمره ، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها ، فإنه مخلوق من نار كما قال ، وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق

١٧

آدم مما وصف لكم» (١).

قال الحسن البصري : لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط. وقال شهر بن حوشب :

كان من الجن ، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليهم جندا من الملائكة فقتلوهم وأجلوهم إلى جزائر البحار ، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلى السماء فكان هناك ، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه.

وقال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون : كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا. قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل ، وفي رواية عنه : الحارث.

قال النقاش : وكنيته أبو كردوس. قال ابن عباس : وكان من حيّ من الملائكة يقال لهم الجن ، وكانوا خزّان الجنان ، وكان من أشرفهم و [من](٢) أكثرهم علما وعبادة ، وكان من أولى الأجنحة الأربعة فمسخه الله شيطانا رجيما.

وقال تعالى : (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ* فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ* قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ* قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ* قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ* لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.)

[٣٨ / ص : ٧١ ـ ٨٥]

وقال تعالى : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ.)

[٧ / الأعراف : ١٦ ـ ١٧]

أي بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد ، ولآتينهم من كل جهة منهم ، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه.

__________________

(١) الحديث رواه مسلم في صحيحه (٥٣ / ١٠ / ٢٩٩٦). ورواه أحمد في مسنده (٦ / ١٦٨ حلبي). ورواه البيهقي في سننه (٩ / ٣ / حيدرآباد). ورواه ابن عساكر في تاريخه (٢ ك ٢٤٣ / تهذيب).

(٢) من و.

١٨

وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا أبو عقيل ـ هو عبد الله بن عقيل الثقفي ـ حدثنا موسى بن المسيب ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن سبرة بن أبي الفاكه (١) قال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الشيطان قعد (٢) لابن آدم بأطرقه» (٣) وذكر الحديث [كما قدمناه في صفة إبليس](٤).

* * *

وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم.

أهم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات؟ وهو قول الجمهور.

أو المراد بهم ملائكة الأرض كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس؟ وفيه انقطاع وفي السياق نكارة ، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه.

ولكن الأظهر من السياقات الأول ، ويدل عليه الحديث : «وأسجد له ملائكته» وهذا عموم أيضا ، والله أعلم.

وقوله تعالى لإبليس : (فَاهْبِطْ مِنْها) و (اخْرُجْ مِنْها) دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها ، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته ، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة ، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه. فأهبط إلى الأرض مذءوما مدحورا.

* * *

وأمر الله آدم عليه‌السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ).

وقال تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ. وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ

__________________

(١) و : فاكه.

(٢) م : يقعد وهذا خطأ وأثبته من الحديث في المسند (٣ / ٤٨٣ / حلبي).

(٣) الحديث رواه النسائي في المجتبي (٦ / ٢١ ، ٢٢ ، التجاية). ورواه أحمد في مسنده (٣ / ٤٨٣ / حلبي) وتمامه : ««أن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك فعصاه ثم أسلم فأقعد له بطريق الهجرة فقال تهاجر وتدع أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال تجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصاه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمن فعل ذلك كان حقا على الله عزوجل أن يدخله الجنة ومن قتل كان حقا على الله عزوجل أن يدخله الجنة. وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة ، أه. والحديث فيه : سبرة بن الفاكه : صحابي أسدي ، في إسناد حديثه اختلاف ـ س تقريب التذيب (١ / ٢٨٣ / ٥٢).

(٤) سقطت من المخطوطة وأثبتها من المطبوعة (ح ١ / ٧٣).

١٩

الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ.)

[٧ / الأعراف : ١٧ ـ ١٩]

وقال تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى * فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى.)

[٢٠ / طه : ١١٦ ـ ١١٩]

وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم [إلى](١) الجنة لقوله : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار (٢) وهو ظاهر هذه الآيات.

ولكن حكى السدي عن أبي صالح وأبي مالك ، عن ابن عباس عن مرّة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا : أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة ، فكان يمشي فيها وحشيا ليس له فيها زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه. فسألها ما (٣) أنت؟ قالت : امرأة. قال : ولم خلقت؟ قالت : لتسكن إليّ ، فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه : ما أسمها يا آدم؟ قال : حواء ، قالوا : ولم كانت حواء؟

قال : لأنها خلقت من شيء حي.

وذكر محمد بن إسحاق عن ابن عباس أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم مكانه لحم.

ومصداق هذا في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها ، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً ....) الآية. وفي قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها ، فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ ...) الآية وسنتكلم عليها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وفي الصحيحين من حديث زائدة ، عن ميسرة الأشجعي ، عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «استوصوا بالنساء خيرا ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في

__________________

(١) م : ما أنت.

(٢) من و.

(٣) م : بشار.

٢٠