قصص الأنبياء

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

قصص الأنبياء

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٣

وهذا الإسناد لا بأس به ولم يخرجوه.

وقال عمر بن عبد العزيز : لما أمرت الملائكة بالسجود كان أول من سجد منهم إسرافيل ، فآتاه الله أن كتب القرآن في جبهته.

رواه ابن عساكر.

وقال الحافظ أبو يعلي : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن إسماعيل بن رافع المقبري ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله خلق آدم من تراب ، ثم جعله طينا ثم تركه ، حتى إذا كان حمأ مسنونا خلقه الله وصوره ، ثم تركه حتى إذا كان صلصالا كالفخار قال : فكان إبليس يمر به فيقول : لقد خلقت لأمر عظيم.

ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه ، فعطس فلقاه الله رحمة به ، فقال الله : يرحمك ربك ، ثم قال الله : يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فقل لهم ، فانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. فقال : يا آدم! هذا تحيتك وتحية ذريتك. قال : يا رب وماذريتي؟ قال : اختر يدي يا آدم ، قال : أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين ، فبسط كفه فإذا من هو كائن من ذريته في كف الرحمن ، فإذا رجال منهم أفواههم النور ، وإذا رجل يعجب آدم نوره ، قال : يا رب من هذا؟ قال ابنك داود ، قال يا رب : فكم جعلت له من العمر؟ قال : جعلت له ستين ، قال : يا رب فأتم له من عمري حتى يكون عمره (١) مائة سنة ، ففعل الله ذلك ، وأشهد على ذلك.

فلما تقدم عمر آدم بعث الله ملك الموت ، فقال آدم : أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال له الملك : أو لم تعطها ابنك داود؟ فجحد ذلك ، فجحدت ذريته ، ونسي فنسيت ذريته!» (٢).

وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار والترمذي والنسائي في اليوم والليلة من حديث صفوان بن عيسى ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال النسائي : هذا حديث منكر.

وقد رواه محمد بن عجلان ، عن أبيه وعن أبي سعيد المقبري ، عن عبد الله بن سلام قوله.

وقال الترمذي : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن

__________________

(١) م : حتى يكون له من العمر.

(٢) حديث ضعيف.

رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ١ / ٩ / تحرير). ورواه ابن عساكر في تاريخه (٢ / ٣٤٦ / تهذيب). والبيهقي بنحو هذا اللفظ.

والحديث فيه : إسماعيل بن رافع بن عويمر الأنصاري المدني نزيل البصرة ، يكنى أبا رافع ، ضعيف الحفظ من السابعة ، مات في حدود الخمسين ـ غ ت ق. تقريب التهذيب (١ / ٦٩ / ٥٠٧).

وقال الذهبي في المغني : عن المقبري ضعفوه جدا وقال الدارقطني : متروك (١ / ٨٠ / ٦٥١ / حلب).

٤١

أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما خلق الله آدم مسح ظهره ، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ، ثم عرضهم على آدم فقال : أي رب من هؤلاء؟ قال : هؤلاء ذريتك فرأى رجلا فأعجبه وبيص ما بين عينيه ، فقال : أي رب من هذا؟ قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود ، قال رب وكم جعلت عمره؟ قال : ستين سنة ، قال : أي رب زده من عمري أربعين سنة.

فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت ، قال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال : أو لم تعطها ابنك داود؟ قال : فجحد فجحدت ذريته ، ونسي آدم فنسيت ذريته ، وخطىء آدم فخطئت ذريته» (١).

ثم قال الترمذي : حسن صحيح. وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ورواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين ؛ وقال صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه.

وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة مرفوعا فذكره ، وفيه : «ثم عرضهم على آدم فقال : يا آدم هؤلاء ذريتك ، وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع الأسقام ، فقال آدم : يا رب لم فعلت هذا بذريتي؟

قال : كي تشكر نعمتي» (٢).

ثم ذكر قصة داود. وستأتي من رواية ابن عباس أيضا.

وقال الإمام أحمد في مسنده حدثنا الهيثم بن خارجة ، حدثنا أبو الربيع عن يونس بن ميسرة ، عن أبي أدريس ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى ، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الدر ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم ، فقال للذي في يمينه : إلى الجنة ولا أبالي ، وقال للذي في كتفه اليسرى : إلى النار ولا أبالي» (٣).

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا خلف بن هشام ؛ حدثنا الحكم بن سنان ؛ عن حوشب ، عن

__________________

(١) الحديث رواه الترمذي في سننه (٤٨ / ٨ / ٣٠٧٦). ورواه ابن عساكر في تاريخه (٢ ـ ٣٤٦ ، ٣٤٧ / تهذيب).

وفيه : عبد الله بن محمد بن حميد بن أبي الأسود : أبو بكر ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي. قال ابن معين ما أرى به بأسا. وقال ابن المدين : سماعه من أبي عوامة ضعيف لأنه كان صغيرا.

التاريخ الصغير للبخاري (٢ / ٣٥٠ / مصر). والتاريخ الكبير (٢٤٥ / ١ ، ١٨٩ / ٥ / الهند).

(٢) الحديث رواه ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (٢ ك ٨٨ / السلفية) وقال : رواه أبو نعيم عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلت لأبي زرعة : أيها أصح قال حديث أبي نعيم وهو ابن وهب في حديثه. أه.

(٣) الحديث رواه أحمد في مسنده (٦ / ٤٤١ ـ حلبي). ورواه ابن عساكر في تاريخه (٢ / ٣٤٧ ، ٣٤٨) / تهذيب).

٤٢

الحسن قال : خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى ؛ وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى ؛ فألقوا على وجه الأرض ؛ منهم الأعمى والأصم والمبتلي. فقال آدم : يا رب ألا سويت بين ولدي؟ قال : يا آدم إني أردت أن أشكر.

وهكذا روى عبد الرزاق عن معمر ؛ عن قتادة عن الحسن بنحوه.

وقد رواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه فقال : حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، ؛ حدثنا محمد بن بشار ؛ حدثنا صفوان بن عيسى ؛ حدثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب ؛ عن سعيد المقبري ؛ عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس ؛ فقال : الحمد لله فحمد الله بإذن الله ؛ فقال له ربه : يرحمك ربك يا آدم ؛ إذهب إلى أولئك إلى ملأ منهم جلوس فسلم عليهم ؛ فقال : السلام عليكم ؛ فقالوا : وعليكم السلام ورحمة الله.

ثم رجع إلى ربه فقال هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم.

وقال الله ويداه مقبوضتان : اختر أيهما شئت ، فقال : اخترت يمين ربي ، وكلتا يدي ربي يمين مباركة ، ثم بسطهما فإذا فيهما آدم وذريته ، فقال : أي رب ما هؤلاء؟ قال : هؤلاء ذريتك ؛ وإذا كل إنسان منهم مكتوب عمره بين عينيه ، وإذا فيهم رجل أضوؤهم ـ أو من أضوئهم ـ لم يكتب له إلا أربعون سنة ، قال : يا رب من هذا؟ قال : هذا ابنك داود. وقد كتب الله عمره أربعين سنة ، قال : أي رب زد في عمره ، فقال : ذاك الذي كتب له. قال : فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة ، قال : أنت وذاك. اسكن الجنة.

فسكن الجنة ما شاء الله ثم هبط منها ، وكان آدم يعد لنفسه. فأتاه ملك الموت فقال له آدم : «قد عجلت ، قد كتب لي ألف سنة. قال : بلى ، ولكنك جعلت لابنك داود منها ستين سنة ، فجحد آدم فجحدت ذريته ، ونسى فنسيت ذريته ، فيومئذ أمر بالكتاب والشهود» هذا لفظه (١).

وقد قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا ، ثم قال : اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة فاستمع ما يجيبونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. ، فقال :

السلام عليكم ، فقالوا السلام عليك ورحمة الله. فزادوه ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على

__________________

(١) الحديث روى نحوه أحمد في مسنده (١ / ٢٥٢ ، ٢٩٩ ، ٣٧١ / حلبي).

وفيه : الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن المقبري ، ثقة. وقال أبو حاتم «ليس بالقوي». روي عنه الدراوردي مناكير ، وقال ابن حزن : «ضعيف» وقال ابن حجر : صدوق يهم من الخامسة ، مات سنة ست وأربعين.

غ م مدت س. ق.

تقريب التهذيب (١ / ١٤٢ / ٤١). المغني في الضعفاء (١ / ١٤٢ / ١٢٣٧).

٤٣

صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن» (١).

وهكذا رواه البخاري في كتاب الاستئذان ، عن يحيى بن جعفر ، ومسلم ، عن محمد بن رافع ، كلاهما عن عبد الرزاق به.

وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كان طول آدم ستين ذراعا في سبع أذرع عرضا» (٢).

انفرد به أحمد.

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت آية الدّين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أول من جحد آدم ، إن أول من جحد آدم ، إن أول من جحد آدم. إن الله لما خلق آدم مسح ظهره ، فأخرج منه ما هو ذارىء إلى يوم القيامة ، فجعل يعرض ذريته عليه ؛ فرأى فيهم رجلا يزهر ؛ قال : أي رب من هذا؟ قال : هذا ابنك داود ؛ قال : أي رب كم عمره؟ قال : ستون عاما. قال : أي رب زد في عمره ، قال : لا ؛ إلا أن أزيده من عمرك ؛ وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاما. فكتب الله عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة.

فلما احتضر آدم أتته الملائكة لقبضه ؛ قال : إنه قد بقي من عمري أربعون عاما ؛ فقيل له :

إنك قد وهبتها لابنك داود قال : ما فعلت ؛ وأبرز الله عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة (٣).

وقال أحمد : حدثنا أسود بن عامر ؛ حدثنا حماد بن سلمة ؛ عن علي بن زيد ؛ عن يوسف ابن مهران ؛ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أول من جحد آدم. قالها ثلاث مرات. إن الله عزوجل لما خلقه مسح ظهره فأخرج ذريته فعرضهم (٤) عليه ؛ فرأى فيهم رجلا يزهر ؛ فقال : أي رب زد في عمره. قال : لا ، إلا أن تزيده أنت من عمرك. فزاده أربعين سنة من عمره. فكتب الله تعالى عليه كتابا وأشهد عليه الملائكة.

فلما أراد أن يقبض روحه قال : إنه بقي من أجلي أربعون سنة ؛ فقيل له : إنك قد جعلتها

__________________

(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٧٩ / ١ / ٦٢٢٧ / فتح) ولفظه : «خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا : فلما خلقه قال : اذهب فسلم ... وذكر تمام الحديث». ومسلم في صحيحه (٥١ / ١١ / ٢٨٤) بنفس لفظ البخاري وأحمد في مسنده (٢ / ٣١٥ / حلبي).

(٢) حديث ضعيف.

رواه أحمد في مسنده (٢ / ٥٣٥ / حلبي) وتفرد به وفيه : علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان ، التميمي البصري أصله حجازي ، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان ، ينسب أبوه إلى جد جده ، ضعيف ، من الرابعة ، مات سنة أحدى وثلاثين ، وقيل قبلها ـ غ م ع. تقريب التهذيب (٢ / ٣٧ / ٣٤٢).

(٣) حديث ضعيف.

رواه أحمد في مسنده (١ / ٢٥٢ ، ٢٩٩ ، ٣٧١ / حلبي). ورواه الطبراني في تاريخه (١ / ١٥٦ ـ معارف) وابن عساكر في تاريخه (٢ / ٣٤٥ / تهذيب) وفيه علي بن زيد ضعيف وسبق الكلام عن ترجمته.

(٤) و : فأعرضهم وهو تحريف.

٤٤

لابنك داود. قال : فجحد ؛ قال : فأخرج الله الكتاب ؛ وأقام عليه البينة ؛ فأتمها لداود مائة سنة ؛ وأتم لآدم عمره ألف سنة (١).

تفرد به أحمد ؛ وعلي بن زيد في حديثه نكارة.

ورواه الطبراني عن علي بن عبد العزيز ؛ عن حجاج بن منهال ؛ عن حماد بن سلمة. عن علي بن زيد. عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس وغير واحد. عن الحسن قال : لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أول من جحد آدم ثلاثا» وذكره.

وقال الإمام مالك بن أنس في موطئه عن زيد بن أبي أنيسة : إن عبد الحميد بن عبد الرحمن ابن زيد بن الخطاب ، أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية :

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)

[٧ / الأعراف : ١٧٢]

فقال ابن الخطاب : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأل عنها فقال : «إن الله خلق آدم عليه‌السلام ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية. قال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال : خلقت هؤلاء للنار. وبعمل أهل النار يعملون».

فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة. حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل به الجنة ، وإذا خلق الله العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار» (٢).

وهكذا رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم ، وأبو حاتم وابن حبان في صحيحه من طرق ، عن الإمام مالك به.

وقال الترمذي : هذا حديث عن حسن ، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر ، وكذا قال أبو حاتم وأبو زرعة ، زاد أبو حاتم : وبينهما نعيم بن ربيعة.

__________________

(١) راجع تخريج ما قبله.

(٢) الحديث رواه أبو داود (٢ / ٥٢٩ / حلبي). ورواه الترمذي في سننه (٤٨ / ٨ / ٣٠٧٥). ورواه مالك في الموطأ (٤٦ / ١ / ٢). ورواه أحمد في مسنده (١ / ٤٥ / حلبي) وفيه : زيد بن أبي أنيسة الجزري أبو أسامة أصله من الكوفة ، ثم سكن الرها ، ثقة له أفراد ، وقال أحمد : في حديثه بعض النكارة ، من السادسة مات سنة تسع عشرة ، وقيل سنة أربع وعشرين ، وله ست وثلاثون سنة ـ ع.

تقريب التهذيب (١ / ٢٧٢ / ١٥٨). المغني في الضعفاء (١ / ٢٤٥ / ٢٢٦٢).

٤٥

وقد رواه أبو داود عن محمد بن مصفي ، عن بقية ، عن عمر بن جثعم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن مسلم بن يسار ، عن نعيم بن ربيعة ، قال : كنت عند عمر بن الخطاب وقد سئل عن هذه الآية فذكر الحديث.

قال الحافظ الدارقطني : وقد تابع عمر بن جثعم أبو فروة بن يزيد بن سنان الرهاوي. عن زيد بن أبي أنيسة قال : وقولهما أولى بالصواب من قول مالك رحمه‌الله.

وهذه الأحاديث كلها دالة على استخراجه تعالى ذرية آدم من ظهره كالذر وقسمتهم قسمين :

أهل اليمين وأهل الشمال وقال : هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء للنار ولا أبالي.

فأما الإشهاد عليهم واستنطاقهم بالإقرار بالوحدانية ، فلم يجيء في الأحاديث الثابتة. وتفسير الآية التي في سورة الأعراف وحملها على هذا فيه نظر كما بيناه هناك وذكرنا الأحاديث والآثار مستقصاة بأسانيدها وألفاظ متونها ، فمن أراد تحريره فليراجعه ثم ، والله أعلم.

* * *

فأما الحديث الذي رواه أحمد (١) : حدثنا حسين بن محمد ـ حدثنا جرير ـ يعني ابن حازم ـ عن كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه‌السلام بنعمان يوم عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلا قال :

(أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ.)

[٧ / الأعراف : ١٧٢ ـ ١٧٣]

فهو بإسناد جيد قوي على شرط مسلم ، رواه النسائي وابن جرير والحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد المروزي به. وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، إلا أنه اختلف فيه على كلثوم بن جبر روي عنه مرفوعا وموقوفا ، وكذا روى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا. وهكذا رواه العوفي والوالبي والضحاك وأبو جمرة ، وعن ابن عباس قوله. وهذا أكثر وأثبت والله أعلم. وهكذا روي عن عبد الله بن عمر موقوفا ومرفوعا والموقوف أصح.

__________________

(١) الحديث رواه أحمد في مسنده (١ / ٢٧ / حلبي). ورواه السيوطي في الفتح الكبير (١ / ٣١٩) وقال رواه أحمد والنسائي والحاكم عن ابن عباس. ورواه الطبري في تاريخه (١ / ٣٤ / معارف). والحديث فيه : الحسين بن محمد المروزي ، مجهول من التاسعة أيضا ـ تمييز.

تقريب التهذيب (١ / ١٧٩ / ٣٨٨).

٤٦

وأستأنس القائلون بهذا القول ـ وهو أخذ الميثاق على الذرية وهم الجمهور ـ بما قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، حدثني شعبة ، عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به؟ قال : فيقول نعم. فيقول : قد أردت منك ما هو أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئا ، فأبيت إلا أن تشرك بي» (١).

أخرجاه من حديث شعبة به.

وقال أبو جعفر الرازي : عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) الآية والتي بعدها.

قال : فجمعهم له يومئذ جميعا ما هو كائن منه إلى يوم القيامة ، فخلقهم ثم صورهم ثم استنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق. ، وأشهد عليهم أنفسهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى ...) الآية ...

قال : فإني أشهد عليكم السموات السبع والأرضين السبع. ، وأشهد عليكم أباكم آدم ، ألا تقولوا يوم القيامة ، : لم نعلم بهذا ، اعلموا إنه لا إله غيري ولا رب غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ، وإني سأرسل إليكم رسلا ينذرونكم عهدي وميثاقي ، وأنزل عليكم كتابي.

قالوا : نشهد إنك ربنا وإلهنا ، لا رب لنا غيرك ، ولا إله لنا غيرك. فأقروا يومئذ بالطاعة.

ورفع أباهم آدم فنظر إليهم ، فرأى فيهم الغني والفقير ، وحسن الصورة ودون ذلك ، فقال :

يا رب لو سويت بين عبادك؟ فقال : إني أحببت أن أشكر.

ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النور ، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة ، فهو الذي يقول الله تعالى :

(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.)

[٣٣ / الأحزاب : ٧].

وهو الذي يقول : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ.)

[٣٠ / الروم : ٣٠]

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ١ / ٣٣٣٤) فتح) ... ورواه مسلم في صحيحه (٥٠ / ١٠ / ٥٢). ورواه أحمد في مسنده (٣ / ١٢٧ ، ١٢٩ / حلبي). وأبي عمران الجوني هو : عبد الملك بن حبيب البصري (تقريب التهذيب ٢ / ٤٥٦ / ١٨٦).

٤٧

وفي ذلك قال : (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى.)

[٥٣ / النجم : ٥٧]

وفي ذلك قال : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)

[٧ / الأعراف : ١٠٢]

رواه الأئمة : عبد الله بن أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه ، في تفاسيرهم من طريق أبي جعفر ، وروى عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة والسدي ، وغير واحد من علماء السلف بسياقات توافق هذه الأحاديث.

* * *

وتقدم أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم امتثلوا كلهم الأمر الإلهي ، وامتنع إبليس من السجود له حسدا وعداوة له ، فطرده الله وأبعده وأخرجه من الحضرة الإلهية ونفاه عنها ؛ وأهبطه إلى الأرض طريدا ملعونا شيطانا رجيما.

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، ويعلي ومحمد ابنا (١) عبيد ، قالوا حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله ، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» (٢).

رواه مسلم من حديث وكيع وأبي معاوية عن الأعمش به.

ثم لما أسكن آدم الجنة التي أسكنها ، سواء ، أكانت في السماء أم (٣) في الأرض على ما تقدم من الخلاف فيه ، أقام بها هو وزوجته حواء عليهما‌السلام ، ؛ يأكلان منها رغدا حيث شاءا ؛ فلما أكلا من الشجرة التي نهيا عنها سلبا ما كانا فيه من اللباس وأهبطا إلى الأرض. وقد ذكرنا الاختلاف في مواضع هبوطه منها.

واختلفوا في مقدار مقامه في الجنة : فقيل بعض يوم من أيام الدنيا ؛ وقد قدمنا ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : «وخلق آدم في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة» وتقدم أيضا حديثه عنه وفيه ـ يعني يوم الجمعة ـ خلق آدم وفيه أخرج منها.

فإن كان اليوم الذي خلق فيه أخرج فيه ـ وقلنا إن الأيام الستة كهذه الأيام ـ فقد لبث بعض

__________________

(١) و : حدثنا عبيد.

(٢) الحديث رواه مسلم في صحيحه (١ / ٣٥ / ١٣٣). ورواه ابن ماجة في سننه (٥ / ٧٠ / ١٠٥٢). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٤٤٣) ورواه السيوطي في الفتح الكبير (١ / ١٤١).

(٣) و : أو.

٤٨

يوم من هذه ؛ وفي هذا نظر. وإن كان إخراجه في غير اليوم الذي خلق فيه ؛ أو قلنا بأن تلك الأيام مقدارها ستة آلاف سنة كما تقدم عن ابن عباس ومجاهد والضحاك ، واختاره ابن جرير ، فقد لبث هناك مدة طويلة.

قال ابن جرير : ومعلوم أنه خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة ، والساعة منه ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، فمكث مصورا طينا قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين سنة ، وأقام في الجنة قبل أن يهبط ثلاثا وأربعين سنة وأربعة أشهر ، والله تعالى أعلم.

وقد روى عبد الرزاق ؛ عن هشام بن حسان ؛ عن سوار خبر عطاء بن أبي رباح : أنه كان لما أهبط رجلاه في الأرض ورأسه في السماء ، فحطه الله إلى ستين ذراعا. وقد روي عن ابن عباس نحوه.

وفي هذا نظر ، لما تقدم من الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن» وهذا يقتضي أنه خلق كذلك لا أطول من ستين ذراعا ، وأن ذريته لم يزالوا يتناقص خلقهم حتى الآن (١).

وذكر ابن جرير عن ابن عباس : أن الله قال : يا آدم إن لي حرما بحيال عرشي ، فانطلق فابن لي فيه بيتا ، فطف به كما تطوف ملائكتي بعرشي ؛ وأرسل الله له ملكا فعرفه مكانه وعلمه المناسك ، وذكر أن موضع كل خطوة خطاها آدم صارت قربة بعد ذلك.

وعنه : أن أول طعام أكله آدم في الأرض ، أن جاءه جبريل بسبع حبات من حنطة ، فقال :

ما هذا؟ قال : هذا من الشجرة التي نهيت عنها فأكلت منها ، فقال : وما أصنع بهذا؟ قال : أبذره في الأرض ، فبذره. وكان كل حبة منها زنتها أزيد من مائة الف ، فنبتت فحصده ، ثم درسه ثم ذراه ، ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه فأكله بعد جهد عظيم وتعب ونكد ، وذلك قوله تعالى : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى).

وكان أول كسوتهما من شعر الضأن : جزّاه ثم غزلاه ؛ فنسج آدم له جبة ولحواء درعا وخمارا.

واختلفوا : هل ولد لهما بالجنة شيء من الأولاد؟ فقيل : لم يولد لهما إلا في الأرض ؛ وقيل بل ولد لهما فيها ، فكان قابيل وأخته ممن ولد بها (٢) والله أعلم.

وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى ، وأمر أن يزوج كل ابن أخت أخيه (٣) التي ولدت معه ؛ والآخر بالأخرى ، وهلم جرا ؛ ولم يكن تحل أخت لأخيها الذي ولدت معه.

__________________

(١) وروى الحديث ابن عساكر أيضا في تاريخه (٢ / ٣٤٥ / تهذيب).

(٢) و : من ولديها.

(٣) م : أخت أخته.

٤٩

ذكر قصة ابني آدم : قابيل وهابيل

قال الله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ* فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)

[٥ / المائدة ٢٧ ـ ٣١]

وقد تكلمنا على هذه القصة في سورة المائدة في التفسير بما فيه كفاية. ولله الحمد.

ولنذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك.

فذكر السدى عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ، أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى الآخر (١) وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل ، وكان أكبر من هابيل وأخت هابيل أحسن ، فأراد قابيل (٢) أن يستأثر بها على أخيه ، وأمره آدم عليه‌السلام أن يزوجه إياها فأبى ، فأمرهما أن يقربا قربانا ، وذهب آدم ليحج إلى مكة ؛ واستحفظ السموات على بنيه فأبين ؛ والأرضين والجبال فأبين ؛ فتقبل قابيل بحفظ ذلك.

فلما ذهب قربا قربانهما ، فقرب هابيل جذعة سمينة ، وكان صاحب غنم ، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه ، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل ، فغضب وقال لأقتلنك حتى لا تنكح أختي ، فقال : إنما يتقبل الله من المتقين.

وروي عن ابن عباس من وجوه أخر ، وعن عبد الله بن عمرو. وقال عبد الله بن عمرو وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده!

__________________

(١) م : الأخرى.

(٢) م : هابيل.

٥٠

وذكر أبو جعفر الباقر : أن آدم كان مباشرا لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل ، فقال قابيل لآدم : إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي ، وتوعد أخاه فيما بينه وبينه.

فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي ، فبعث آدم أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به (١) ، فلما ذهب إذ هو به ، فقال له : تقبل منك ولم يتقبل مني. فقال : إنما يتقبل الله من المتقين. فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله. وقيل : إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته. وقيل : بل خنقه خنقا شديدا وعضه كما تفعل السباع ، فمات والله أعلم.

وقوله له لما توعده بالقتل : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ، ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) دل على خلق حسن ، وخوف من الله تعالى وخشية منه (٢) ، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله.

ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه» (٣).

وقوله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى ، إذ قد عزمت على ما عزمت عليه ، أن تبوء بإثمي وإثمك ، أي تتحمل إثم قتلي مع مالك من الآثام المتقدمة قبل ذلك ، قاله مجاهد والسدى وابن جرير وغير واحد.

وليس المراد أن آثام المقتول تتحول بمجرد قتله إلى القاتل كما قد توهمه بعض الناس ؛ فإن ابن جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك.

وأما الحديث الذي يورده بعض من لا يعلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما ترك القاتل على المقتول من ذنب» (٤) فلا أصل له ، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضا.

__________________

(١) و : ما بطأ.

(٢) و : وخشية الله.

(٣) والحديث رواه البخاري في صحيحه (٨٧ / ٢ ، ٦٨٧٥ / فتح). ورواه مسلم في صحيحه (٢٨ / ٣٢ ، ٣٣) (٥٢ / ٦٤ / ١٦). ورواه أبو داود (٣٤ / ٥ / حلبي). ورواه النسائي (٣٧ / ٢٩ / التجارية). ورواه ابن ماجه في سننه (٣٦ / ١١). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ١٠٠) ، (٤ / ٤٠١ ، ٤٠٣ ـ ٤١٨ ، (٥ / ٤١ ، ٤٣ ، ٤٦ ، ٤٨ ، ٥١).

(٤) حديث ضعيف.

رواه السخاوي في المقاصد الحسنة (٣٦٥ / ٩٥٠) وقال : قال ابن كثير في تاريخه : إنه لا يعرف له أصلا أه. ورواه العجلوني في كشف الخفاء (٢ / ٢٥٨ / ٢٢٠٠) وقال : قال الحافظ ابن حجر في اللآلىء : هو حديث لا يعرف له أصلا ولا بإسناد ضعيف ، ومعناه صحيح ، كما أخرجه ابن حبان عن عمر رفعه بلفظ «إن السيف محاء للخطايا» وللعقيلي عن أنس رفعه «لا يمر السيف بذنب إلا محاه ، قال : وليس له أصل يثبت أه.

٥١

ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة ، أن يطالب المقتول القاتل فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه المظلة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل ، كما ثبت به الحديث الصحيح في سائر المظالم ، والقتل من أعظمها والله أعلم. وقد حررنا هذا كله في التفسير ، ولله الحمد ،

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أنه قال عند فتنة عثمان بن عفان : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنها ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي» (١).

قال أفرأيت إن دخل على بيتي فبسط يده إلي ليقتلني.

قال : «كن كابن آدم».

ورواه ابن مردويه عن حذيفة بن اليمان مرفوعا ، وقال : كن كخير ابني آدم. وروى مسلم وأهل السنن إلا النسائي عن أبي ذر نحو هذا.

وأما الآخر فقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ووكيع ، قالا : قال حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ؛ لأنه كان أول من سن القتل» (٢).

ورواه الجماعة سوى أبي داود من حديث الأعمش به. وهكذا روي عن عبد الله بن عمرو ابن العاص وإبراهيم النخعي أنهما قالا مثل هذا سواء.

وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم ، مشهورة بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها ، وذلك مما تلقوه عن أهل الكتاب فالله أعلم بصحة ذلك.

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير ـ وقال إنه كان من الصالحين ـ أنه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر وعمر وهابيل ، وأنه استحلف هابيل أن هذا دمه فحلف له ، وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء ، فأجابه إلى ذلك ، وصدقه في ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس (٣).

وهذا منام لو صح عن أحمد بن كثير هذا ، لم يترتب عليه حكم شرعي. والله أعلم.

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦١ / ٢٥) ٩٢ / ٩). ورواه مسلم في صحيحه (٥٢ / ١٠ / ١٣). ورواه الترمذي في سننه (٣٤ / ٢٩ / ٢١٩٤). ورواه أحمد في مسنده (١ / ١٦٩ ، ١٨٥) ، (٢ / ٢٨٢ ـ ٤٠٨) ، (٤ / ١٠٦ ، ١١٠) ، (٥ / ١١٠).

(٢) الحديث رواه البخاري (٢٣ / ٣٢) ، (٦٠ / ١) ، (٩٦ / ١٥). ورواه مسلم في صحيحه (٢٨ / ٢٧) ورواه الترمذي في سننه (٤٢ / ١٤ / ٢٦٧٣). ورواه النسائي (٣٧ / ١ / التجارية). ورواه ابن ماجة (٢١ / ١). ورواه أحمد في مسنده (١ / ٣٨٣ ، ٤٣٠ ٤٣٣). ورواه الطبري في تاريخه (١ / ١٤٤ / معارف).

(٣) تهذيب ابن عساكر (١ / ٤٤١).

٥٢

وقوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ ، قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ ، فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة ، وقال آخرون حمله مائة سنة! ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين. قال السدي بإسناده عن الصحابة : أخوين ، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر ، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه ، فلما رآه يصنع ذلك قال : يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي. ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.

وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزنا شديدا ، وأنه قال في ذلك شعرا ، وهو قوله فيما ذكره ابن جرير عن ابن حميد :

تغيّرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغبرّ قبيح

تغيّر كل ذي لون وطعم (١)

وقل بشاشة الوجه المليح

فأجيب آدم :

أبا قابيل (٢) قد قتلا جميعا

وصار الحي كالميت الذبيح

وجاء بشرة قد كان منها

على خوف فجاء بها يصيح

وهذا الشعر فيه نظر. وقد يكون آدم عليه‌السلام قال كلاما يتحزن به بلغته ، فألفه بعضهم إلى هذا ، وفيه أقوال والله أعلم.

وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه ، فعلقت ساقه إلى فخذه ، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت ، تنكيلا به وتعجيلا لذنبه وبغيه وحسده لأخيه لأبويه.

وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» (٣).

* * *

والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون أنه التوراة : أن الله عزوجل أجله وأنظره ، وأنه سكن في أرض «نود» في شرقي عدن وهم يسمونه قنين. وأنه ولد له خنوخ ، ولخنوخ عندر ، ولعندر محوايل ، ولمحوايل متوشيل ، ولمتوشيل لامك. وتزوج هذا

__________________

(١) في تاريخ الطبري (١ / ١٤٥ / معارف) تغير كل ذي طعم ولون .....

(٢) م : هابيل وكذا في تاريخ الطبري (١ / ١٤٥ / معارف).

(٣) حديث صحيح.

ورواه أبو داود في سننه (٢ / ٥٧٤). ورواه الترمذي في سننه (٣٨ / ٥٧ / ٢٥١١) وقال : هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجة في سننه (٣٧ / ٢٣ / ٤٢١١). ورواه أحمد في مسنده (٥ / ٣٦ / ٣٨) ورواه البخاري في الأدب المفرد رقم (٦٧).

ورواه السيوطي في الفتح الكبير (٣ / ١٠٨) وقال : رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك والطبري عن أبي بكرة.

٥٣

امرأتين : عدا وصلا. فولدت «عدا» ولدا اسمه ابل ، وهو أول من سكن القباب واقتنى المال.

وولدت أيضا نوبل ، وهو أول من أخذ في ضرب الونج والصنج. وولدت «صلا» ولدا اسمه توبلقين ، وهو أول من صنع النحاس والحديد ، وبنتا اسمها «نعمى».

وفيها أيضا أن آدم طاف على امرأته فولدت غلاما ودعت اسمه «شيث» وقالت من أجل أنه قد وهب لي خلفا من هابيل الذي قتله قابيل. وولد لشيث أنوش.

قالوا : وكان عمر آدم يوم ولد له شيث مائة وثلاثين سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة ، وكان عمر شيث يوم ولد له أنوش مائة وخمسا وستين (١) ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وسبع سنين. وولد له بنون وبنات غير أنوش.

فولد لأنوش «قينان» وله من العمر تسعون سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة ، وولد له بنون وبنات.

فلما كان عمر قينان سبعين سنة ولد له مهلاييل ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وأربعين سنة ، وولد له بنون وبنات. فلما كان لمهلاييل من العمر خمس وستون سنة ولد له «يرد» وعاش بعد ذلك ثمانمائة وثلاثين سنة وولد له بنون وبنات.

فلما كان ليرد مائة سنة واثنتان وستون سنة ولد له «خنوخ» وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات.

فلما كان لخنوخ خمس وستون سنة ولد له متوشلخ ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة ، وولد له بنون وبنات. فلما كان لمتوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة ولد له «لامك» وعاش بعد ذلك سبعمائة واثنتين وثمانين سنة وولد له بنون وبنات.

فلما كان للامك من العمر مائة واثنتان وثمانون سنة ولد له «نوح» وعاش بعد ذلك خمسمائة وخمسا وتسعين سنة ، وولد له بنون وبنات. فلما كان لنوح خمسمائة سنة ولد له بنون : سام وحام ويافث.

هذا مضمون ما في كتابهم صريحا.

وفي كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر ، كما ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك. والظاهر أنها مقحمة فيها ، ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير وفيها غلط كثير كما سنذكره (٢) في مواضعه إن شاء الله تعالى.

وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير في تاريخه عن بعضهم : أن حواء ولدت لآدم أربعين ولدا

__________________

(١) و : مائة وخمس سنين.

(٢) و : مما سنبينه.

٥٤

في عشرين بطنا (١). قاله ابن إسحاق وسماهم والله تعالى أعلم. وقيل مائة وعشرين بطنا في كل واحد ذكر وأنثى ، أولهم قابيل وأخته قليما ، وآخرهم عبد المغيث وأخته أم المغيث.

ثم انتشر الناس بعد ذلك وكثروا ، وامتدوا في الأرض ونموا ؛ كما قال الله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً.)

[٤ / النساء : ١]

وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم عليه‌السلام لم يمت حتى رأى من ذريته من أولاده وأولاد أولاده أربعمائة ألف (٢) نسمة ، والله أعلم.

وقال تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.)

[٧ / الأعراف : ١٨٩]

الآيات فهذا تنبيه أولا بذكر آدم ، ثم استطرد الى الجنس. وليس المراد بهذا ذكر آدم وحواء ، بل لما جرى ذكر الشخص استطرد إلى الجنس كما في قوله تعالى :

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ)

[٢٣ / المؤمنون : ١٢ ، ١٣]

وقال تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ.)

[٦٧ / الملك : ٥]

ومعلوم أن رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السماء ، وإنما استطرد من شخصها إلى جنسها.

* * *

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عمر بن إبراهيم ، حدثنا قتادة عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد ، فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش ، فسمته عبد الحارث فعاش ، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره» (٣).

__________________

(١) و : أربعمائة سنة.

(٢) حديث ضعيف.

رواه الترمذي ٤٨ / ٨ / ٣٠٧٧) وقال : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة. ورواه أحمد في مسنده (١٥ ـ ١ / حلبي). ورواه الحاكم والضياء المقدسي في المختار. ورواه السيوطي في الفتح الكبير (٣ / ٣٢). ورواه الطبري في تاريخ مطولا بالمعنى (١٤٩ / ١٥٠ / ١ / طبعة ليدن). وفيه : عمر بن إبراهيم العبدي ، البصري ، صاحب الهروي ، صدوق ، في حديثه عن قتادة ضعف ، من السابعة قدت س ق. تقريب التهذيب (٢ / ٥١ / ٣٨٥).

(٣) تاريخ الطبري (١ / ١٤٥ / معارف).

٥٥

وهكذا رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم عند هذه الآية ، وأخرجه الحاكم في مستدركه ، كلهم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث به ، فقال الحاكم :

صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم ، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه.

فهذه علة قادحة في الحديث أنه روي موقوفا على الصحابي وهذا أشبه. والظاهر أنه تلقاه من الإسرائيليات ، وهكذا روي موقوفا عن ابن عباس. والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار وذويه (١) والله أعلم.

وقد فسر الحسن البصري هذه الآيات بخلاف هذا ، فلو كان عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه إلى غيره. والله أعلم.

وأيضا فالله تعالى إنما خلق آدم وحواء ليكونا أصل البشر ، وليبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، فكيف كانت حواء لا يعيش لها ولد ذكر في هذا الحديث إن كان محفوظا؟!

والمظنون بل المقطوع به أن رفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطأ ، والصواب وقفه والله أعلم. وقد حررنا هذا في كتابنا التفسير ولله الحمد.

ثم قد كان آدم وحواء أتقى لله مما ذكر عنهما في هذا ؛ فإن آدم أبو البشر الذي خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته.

وقد روى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال :

«مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا» قلت : يا رسول الله كم الرسل منهم؟ قال : «ثلاثمائة وثلاثة عشر : جم غفير» قلت يا رسول الله من كان أولهم؟ قال : آدم. قلت : يا رسول الله نبي مرسل؟ قال : «نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا».

وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع بن هرمز ، عن عطاء بن رباح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم بأفضل الملائكة : جبريل ، وأفضل النبيين آدم ، وأفضل الأيام يوم الجمعة ، وأفضل الشهور شهر رمضان ، وأفضل الليالي ليلة القدر ، وأفضل النساء مريم بنت عمران» (٢)

وهذا إسناد ضعيف ، فإن نافعا أبا هرمز كذبه ابن معين ، وضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم والله أعلم.

__________________

(١) م : ودونه.

(٢) الحديث رواه السيوطي في الفتح الكبير (١ / ٤٧٤) وقال : رواه الطبرائي عن ابن عباس.

وفيه نافع بن هرمز ، عن أنس والحسن ، متروك ، قال النسائي : ليس بالثقة.

المغني في الضعفاء (٢ / ٦٩٣ / ٦٥٨٨).

٥٦

وقال كعب الأحبار : ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم ، لحيته سوداء إلى سرته. وليس أحد يكنى في الجنة إلا آدم ؛ كنيته في الدنيا أبو البشر وفي الجنة أبو محمد.

وقد روى ابن عدي من طريق شيخ ابن أبي خالد ، عن حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله مرفوعا : أهل الجنة يدعون بأسمائهم إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد.

ورواه ابن عدي أيضا من حديث علي بن أبي طالب وهو ضعيف من كل وجه. والله أعلم.

وفي حديث الإسراء الذي في الصحيحين ؛ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما مر بآدم وهو في السماء الدنيا ، قال له مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ، قال : وإذا عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة ، فإذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى ، فقال يا جبريل ما هذا؟ قال هذا آدم وهؤلاء نسم بنيه ، فإذا نظر قبل أهل اليمين ـ وهم أهل الجنة ـ ضحك ، وإذا نظر قبل أهل الشمال ـ وهم أهل النار ـ بكى (١).

وهذا معنى الحديث.

وقال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني يزيد بن هارون ، أنبأنا هشام بن حسان عن الحسن قال : كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده.

وقال بعض العلماء في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فمررت بيوسف وإذ هو قد أعطى شطر الحسن» قالوا : معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه‌السلام وهذا مناسب ، فان الله خلق آدم وصوره بيده الكريمة ، ونفخ فيه من روحه ، فما كان ليخلق إلا أحسن الأشياء.

وقد روينا عن عبد الله بن عمر وابن عمر أيضا موقوفا ومرفوعا : أن الله تعالى لما خلق الجنة ، قالت الملائكة : يا ربنا اجعل لنا هذه ، فإنك خلقت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ، فقال الله تعالى : وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان.

__________________

(١) الحديث رواه مسلم في صحيحه (١ / ٧٤ / ٢٦٣) ونصه : عن أنس بن مالك قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فرج سقف بيتي وأنا بمكة. فنزل جبريل عليه‌السلام. ففرج صدري. ثم غسله من ماء زمزم. ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا. فأفرغها في صدري. ثم أطبقه. ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا قال جبريل عليه‌السلام لخازن السماء الدنيا ؛ افتح. قال : من هذا؟ قال : هذا جبريل : قال هل معك أحد؟ قال : نعم. معي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : افأرسل إليه؟ قال : نعم. ففتح قال : فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة. وعن يساره أسودة. قال : فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى. قال فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح : قال قلت : يا جبريل من هذا؟ قال هذا آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه. فأهل اليمين أهل الجنة. والأسودة التي على شماله أهل النار. فإذا نظر قبل يمينه ضحك. وإذا نظر قبل شماله بكى. قال ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية. فقال لخازنها. افتح. قال فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا. ففتح» أه.

ورواه البخاري في صحيحه (٦٠ / ٥ / ٣٣٤٢ ـ فتح).

٥٧

وقد ورد الحديث المروي في الصحيحين وغيرهما من طرق : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله خلق آدم على صورته» وقد تكلم العلماء على هذا الحديث فذكروا فيه مسالك كثيرة ليس هذا موضع بسطها. والله أعلم.

٥٨

ذكر وفاة آدم ووصيته إلى ابنه شيث عليه‌السلام

ومعنى شيث : هبة الله ، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.

قال أبو ذر في حديثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف ، على شيث خمسين صحيفة».

قال محمد بن إسحاق : ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار ، وعلمه عبادات تلك الساعات ، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك.

قال : ويقال إن أنساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إلى شيث وسائر أولاد آدم غيره انقرضوا وبادوا. والله أعلم.

ولما توفي آدم عليه‌السلام ـ وكان ذلك يوم الجمعة ـ جاءته الملائكة بحنوط وكفن ـ من عند الله عزوجل ـ من الجنة ، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثا عليه‌السلام. قال ابن إسحاق : وكسفت الشمس والقمر سبعة أيام بلياليهن.

وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن ، عن يحيى ـ هو ابن ضمرة السعدي ـ قال : رأيت شيخا بالمدينة يتكلم فسألت عنه فقالوا هذا أبي بن كعب ، فقال إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه : أي بني! إني أشتهي من ثمار الجنة.

قال : فذهبوا يطلبون له ، فاستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه ، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل ، فقالوا لهم : يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون؟ وأين تطلبون؟

قالوا : أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة ، فقالوا لهم : ارجعوا فقد قضى أبوكم. فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم ، فقال : إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك ، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عزوجل. فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه ، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره ، ثم حثوا عليه ، ثم قالوا : يا بني آدم هذه سنتكم (١).

__________________

(١) الحديث رواه أحمد في مسنده (٥ / ١٣٦ / حلبي).

٥٩

إسناد صحيح إليه.

وروى ابن عساكر من طريق شيبان بن فروخ ، عن محمد بن زياد ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كبّرت الملائكة على آدم أربعا ، وكبر أبو بكر على فاطمة أربعا ، وكبر عمر على أبي بكر أربعا ، وكبر صهيب على عمر أربعا» (١).

قال ابن عساكر : ورواه غيره عن ميمون فقال عن ابن عمر.

واختلفوا في موضع دفنه. فالمشهور أنه دفن عند الجبل الذي أهبط فيه (٢) في الهند ، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة. ويقال إن نوحا عليه‌السلام لما كان زمن الطوفان حمله هو وحواء في تابوت ، فدفنهما ببيت المقدس. حكى ذلك ابن جرير.

وروى ابن عساكر عن بعضهم أنه قال : رأسه عند مسجد إبراهيم ورجلاه عند صخرة بيت المقدس. وقد ماتت بعده حواء بسنة واحدة.

واختلف في مقدار عمره عليه‌السلام : فقدّمنا في الحديث عن ابن عباس وأبي هريرة مرفوعا : أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة.

وهذا لا يعارضه ما في التوراة من أنه عاش تسعمائة وثلاثين سنة ، لأن قولهم هذا مطعون فيه مردود ، إذ خالف الحق الذي بأيدينا مما هو المحفوظ عن المعصوم.

وأيضا فإن قولهم هذا يمكن الجمع بينه وبين ما في الحديث ؛ فإن ما في التوراة إن (٣) كان محفوظا ـ محمول على مدة مقامه في الأرض بعد الإهباط ، وذلك تسعمائة سنة وثلاثون سنة شمسية ، وهي بالقمرية تسعمائة وسبع وخمسون سنة ، ويضاف إلى ذلك ثلاث وأربعون سنة مدة مقامه في الجنة قبل الإهباط على ما ذكره ابن جرير وغيره ، فيكون الجميع ألف سنة.

وقال عطاء الخرساني : لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبعة أيام ، رواه ابن عساكر.

فلما مات آدم عليه‌السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه‌السلام وكان نبيا بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه ، عن ابي ذر مرفوعا أنه أنزل عليه خمسون صحيفة.

فلما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش (٤) فقام بالأمر بعده ، ثم بعده ولده قينن (٥) ثم من

__________________

(١) الحديث رواه السيوطي في الفتح الكبير (٢ / ٣١٦) وقال رواه الحاكم في المستدرك عن أنس وابن نعيم في الحلية من طريق ابن عباس. وفيه : ميمون بن مهران المجزري ، أبو أيوب ، أصله كوفي ، ثقة فقيه ، ولى الجزيرة لعمر بن عبد العزيز ، وكان يرسل ، من الرابعة ، مات سنة سبع عشرة ـ غ م ع.

تقريب التهذيب (٢ / ٢٩٢ / ١٥٥٣).

(٢) ط : منه.

(٣) و : إذا.

(٤) و : يانش.

(٥) م : قابن.

٦٠