قصص الأنبياء

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

قصص الأنبياء

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٣

وقال السدي عن أبي مالك وأبي صالح ، وعن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة قالوا : ثم إن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوف هارون فائت به جبل كذا وكذا

فانطلق موسى وهارون نحو هذا الجبل ، فاذا هم بشجرة لم تر شجرة مثلها ، وإذا هم ببيت مبني ، وإذا هم بسرير عليه فرش ، وإذا فيه ريح طيبة. فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه ، قال : يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير ، قال له موسى : فنم عليه ، قال : إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت فيغضب عليّ ، قال له : لا ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم. قال : يا موسى بل نم معي فإن جاء رب هذا البيت غضب عليّ وعليك جميعا. فلما ناما أخذ هارون الموت. فلما وجد حسه قال : يا موسى خدعتني ، فلما قبض رفع ذلك البيت ، وذهبت تلك الشجرة ، ورفع السرير به إلى السماء.

فلما رجع موسى إلى قومه وليس معه هارون قالوا : إن موسى قتل هارون وحسده على حب بني إسرائيل له ، وكان هارون أكف عنهم وألين لهم من موسى ، وكان في موسى بعض الغلظة عليهم. فلما بلغه ذاك قال لهم : ويحكم! كان أخي أفتروني أقتله؟ فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ، ثم دعا الله فنزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض.

ثم إن موسى عليه‌السلام بينما هو يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء ، فلما نظر إليها يوشع ظن أنها الساعة ، فالتزم موسى وقال : تقوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي الله؟ فاستل موسى عليه‌السلام من تحت القميص وترك القميص في يدي يوشع. فلما جاء يوشع بالقميص آخذته بنو إسرائيل وقالوا : قتلت نبي الله. فقال : لا والله ما قتلته ، ولكنه استل مني ، فلم يصدقوه وأرادوا قتله. قال : فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام ، فدعا الله فأتى كل رجل ممن كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى ، وإنا قد رفعناه إلينا. فتركوه.

ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى إلا مات ، ولم يشهد الفتح.

وفي بعض هذا السياق نكارة وغرابة ، والله أعلم.

وقد قدمنا أنه لم يخرج أحد من التيه ممن كان مع موسى ، سوى يوشع بن نون ، وكالب بن يوفنا ، وهو زوج مريم أخت موسى وهارون وهما الرجلان المذكوران فيما تقدم ، اللذان أشارا على ملأ بني إسرائيل بالدخول عليهم.

وذكر وهب بن منبه ، أن موسى عليه‌السلام مر بملأ من الملائكة يحفرون قبرا ، فلم ير أحسن منه ولا أنضر ولا أبهج ، فقال : يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر؟ فقالوا : لعبد من عباد الله كريم ، فإن كنت تحب أن تكون هذا العبد فادخل هذا القبر ، وتمدد فيه وتوجه إلى ربك.

وتنفس أسهل تنفس. ففعل ذلك ، فمات صلوات الله وسلامه عليه ، فصلت عليه الملائكة ودفنوه.

٣٨١

وذكر أهل الكتاب ، وغيرهم أنه مات وعمره مائة وعشرون سنة.

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أمية بن خالد ويونس ، قالا حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمار ابن أبي عمار ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال يونس : رفع هذا الحديث إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«كان ملك الموت يأتي الناس عيانا ، قال فأتى موسى عليه‌السلام فلطمه ففقأ عينه ، فأتى ربه فقال : يا رب عبدك موسى فقأ عيني ، ولولا كرامته عليك لعتبت عليه ، وقال يونس : لشققت عليه ـ قال له : اذهب إلى عبدي ، وقل له فليضع يده على جلد أو مسك ثور ، فله بكل شعرة وارت يده سنة ، فأتاه فقال له ، فقال : ما بعد هذا؟ قال الموت. قال : فالآن. قال : فشمه شمة فقبض روحه» (١).

قال يونس فرد الله عليه عينه وكان يأتي الناس خفية. وكذلك رواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن مصعب بن المقدام عن حماد بن سلمة به. فرفعه أيضا.

__________________

(١) ورواه الطبري في تاريخه (١ / ٤٣٤ / معارف) بزيادة «قال : فجاء بعد ذلك إلى الناس خفية».

٣٨٢

ذكر نبوة يوشع

وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما‌السلام

هو الخليل يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم‌السلام ، وأهل الكتاب يقولون : يوشع ابن عم هود.

وقد ذكره الله تعالى في القرآن (١) غير مصرح باسمه في قصة الخضر كما تقدم من قوله : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ) وقدمنا ما ثبت في الصحيح من رواية أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أنه يوشع بن نون.

وهو متفق على نبوته عند أهل الكتاب ؛ فإن طائفة منهم وهم السامرة ، لا يقرون بنبوة أحد بعد موسى إلا يوشع بن نون ، لأنه مصرح به في التوراة ، ويكفرون بما وراءه وهو الحق [مصدّقا لما معهم](٢) من ربهم فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة!

وأما ما حكاه ابن جرير وغيره من المفسرين عن محمد بن إسحاق : من أن النبوة حولت من موسى إلى يوشع في آخر عمر موسى ، فكان موسى يلقى يوشع فيسأله ما أحدث الله [إليه](٣) من الأوامر والنواهي ، حتى قال له : يا كليم الله إني كنت لا أسألك عما يوحي الله إليك حتى تخبرني أنت ابتداء من تلقاء نفسك. فعند ذلك كره موسى الحياة وأحبّ الموت. ففي هذا نظر ؛ لأن موسى عليه‌السلام لم يزل الأمر والوحي والتشريع والكلام من الله إليه في جميع أحواله ، حتى توفاه الله عزوجل. ولم يزل معززا مكرما مدللا وجيها عند الله ، كما قدمنا في الصحيح من قصة فقئه عين ملك الموت ، ثم بعثه الله إليه إن كان يريد الحياة فليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة يعيشها ، قال : ثم ماذا؟ قال : الموت. قال : فالآن يا رب. وسأل الله أن يدنيه إلى بيت المقدس رمية بحجر ، وقد أجيب إلى ذلك صلوات الله وسلامه عليه.

فهذا الذي ذكره محمد بن إسحاق إن كان إنما يقوله من كتب أهل الكتاب ؛ ففي كتابهم الذي يسمونه التوراة : أن الوحي لم يزل ينزل على موسى في كل حين. يحتاجون إليه إلى آخر مدة موسى ، كما هو المعلوم من سياق كتابهم عند تابوت الشهادة في قبة الزمان.

ولقد ذكروا في السفر الثالث : أن الله أمر موسى وهارون أن يعدا بني اسرائيل على أسباطهم ، وأن يجعلا على كل سبط من الاثني عشر أميرا وهو النقيب ، وما ذاك إلا ليتأهبوا

__________________

(١) و : في الكتاب

(٢) من و.

(٣) من و.

٣٨٣

للقتال ، قتال الجبارين عند الخروج من التيه ، وكان هذا عند اقتراب انقضاء الأربعين سنة.

ولهذا قال بعضهم : إنما فقأ موسى عليه‌السلام عين ملك الموت ؛ لأنه لم يعرفه في صورته تلك ، ولأنه كان قد أمر بأمر كان يرتجي وقوعه في زمانه ، ولم يكن في قدر الله أن يقع ذلك في زمانه ، بل في زمان فتاه يوشع بن نون عليه‌السلام.

كما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قد أراد غزو الروم بالشام فوصل إلى تبوك ثم رجع عامه ذلك في سنة تسع ثم حج في سنة عشر ، ثم رجع فجهز جيش أسامة إلى الشام طليعة بين يديه ، ثم كان على عزم الخروج إليهم امتثالا لقوله تعالى :

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ.)

[٩ / التوبة : ٢٩]

ولما جهز رسول الله جيش أسامة ، توفي عليه الصلاة والسلام وأسامة مخيم بالجرف ، فنفذه صديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، ثم لما لمّ شعث جزيرة العرب ، وما كان دهى من أمر أهلها ، وعاد الحق إلى نصابه ، جهز الجيوش يمنة ويسرة إلى العراق أصحاب كسرى ملك الفرس ، وإلى الشام أصحاب قيصر ملك الروم ، ففتح الله لهم ومكن لهم وبهم ، وملكهم نواصي أعدائهم.

وهكذا موسى عليه‌السلام : كان الله قد أمره أن يجند بني إسرائيل وأن يجعل عليهم نقباء كما قال تعالى :

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)

[٥ / المائدة : ١٢]

يقول لهم : لئن قمتم بما أوجبت عليكم ، ولم تنكلوا عن القتال كما نكلتم أول مرة ، لأجعلن ثواب هذه مكفرا (١) لما وقع عليكم من عقاب تلك ، كما قال تعالى لمن تخلف من الأعراب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة الحديبية :

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً)

[٤٨ / الفتح : ١٦]

__________________

(١) و : كفر.

٣٨٤

وهكذا قال تعالى لبني إسرائيل : (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ، ثم ذمهم تعالى على سوء صنيعهم ونقضهم مواثيقهم كما ذم من بعدهم من النصارى على اختلافهم في أديانهم ، وقد ذكرنا ذلك في التفسير مستقصى ولله الحمد.

والمقصود هنا أن الله تعالى أمر موسى عليه‌السلام أن يكتب أسماء المقاتلة من بني إسرائيل ممن يحمل السلاح ويقاتل ممن بلغ عشرين سنة فصاعدا ، وأن يجعل على كل سبط نقيبا منهم. السبط الأول سبط روبيل لأنه بكر يعقوب ، وكان عدة المقاتلة منهم ستة وأربعين ألفا وخمسمائة ، ونقيبهم منهم وهو أليصور بن شديئور (١). السبط الثاني : سبط شمعون ، وكانوا تسعة وخمسين ألفا وثلاثمائة ، ونقيبهم شلوميئيل بن هوريشداي (٢) ، ، السبط الثالث : سبط يهوذا وكانوا أربعة وسبعين ألفا وستمائة ، ونقيبهم نخشون بن عمينا ذاب. السبط الرابع سبط إيساخر وكانوا أربعة وخمسين ألفا وأربعمائة ونقيبهم نشائيل بن صوعر (٣). السبط الخامس : سبط يوسف عليه‌السلام ، وكانوا أربعين ألفا وخمسين ، ونقيبهم يوشع بن نون. السبط السادس : سبط ميشا ـ وكانوا واحدا وثلاثين ألفا ومائتين (٤) ، ونقيبهم جمليئيل بن فدهصور. السبط السابع : سبط بنيامين ، وكانوا خمسة وثلاثين ألفا وأربعمائة ، ونقيبهم أبيدن بن جدعون ،. السبط الثامن : سبط حاد ، وكانوا خمسة وأربعين ألفا وستمائة وخمسين رجلا ، ونقيبهم الياساف بن رعوئيل. السبط التاسع ، سبط أشير ، وكانوا وأحدا وأربعين ألفا وخمسمائة ، ونقيبهم فجعيئيل بن عكرن. السبط العاشر : سبط دان ، وكانوا اثنين وستين ألفا وسبعمائة ، ونقيبهم أخيعزر بن عمشداي (٥). السبط الحادي عشر :

سبط نفتالي ، وكانوا ثلاثة وخمسين ألفا وأربعمائة ، ونقيبهم الباب بن حيلون.

هذا نص كتابهم الذي بأيديهم ، والله أعلم.

وليس منهم (٦) «بنو لاوي» فقد أمر الله موسى أن لا يعدهم معهم ، لأنهم موكلون بحمل قبة الشهادة وضربها [وخزنها](٧) ونصبها وحملها إذا ارتحلوا ، وهم سبط موسى وهارون عليهما‌السلام ، وكانوا اثنين وعشرين الفا ، من ابن شهر فما فوق ذلك ، وهم في أنفسهم قبائل من (٨) كل قبيلة طائفة من قبة الزمان يحرسونها ويحفظونها ويقومون بمصالحها ونصبها وحملها ، وهم كلهم حولها ، ينزلون ويرتحلون أمامها ويمنتها وشمالها ووراءها.

وجملة ما ذكر من المقاتلة غير بني لاوي خمسمائة ألف وواحد وسبعون ألفا وستمائة وستة وخمسون. لكن قالوا : فكان عدد بني إسرائيل ممن عمره عشرون سنة فما فوق ذلك ؛ ممن حمل السلاح ، ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخسمة وخمسون رجلا ، سوى بني لاوي. وفي هذا نظر ، فإن جميع الجمل المتقدمة إن كانت كما وجدنا في كتابهم ، لا تطابق الجملة التي ذكروها ، والله أعلم.

فكان بنو لاوي الموكلون بحفظ قبة الزمان يسيرون في وسط بني إسرائيل ، وهم القلب ، ورأس الميمنة بنو روبيل ، ورأس الميسرة بنو دان وبنو نفتالي (٩) يكونون ساقة. وقرر موسى عليه

__________________

(١) و : النصون بن ساذون.

(٢) و : شاموال بن صور شدي.

(٣) و : صاعون.

(٤) و : أربعمائة.

(٥) و :عميشندي.

(٦) و : فيهم.

(٧) من و.

(٨) م : عهد إلى كل قبيلة طائفة.

(٩) و : وبنو ثالي يلفون.

٣٨٥

السلام ـ بأمر الله تعالى له ـ الكهانة في بني هارون ، كما كانت لأبيهم من قبلهم ، وهم : ناداب وهو بكره ، وأبيهو والعازر ، ويثمر ، والمقصود أن بني إسرائيل لم يبق منهم أحد ممن كان نكل عن دخول مدينة الجبارين الذين قالوا : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) قاله الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس ، وقاله قتادة وعكرمة ، ورواه السدي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة ، حتى قال ابن عباس وغيره من علماء السلف والخلف : ومات موسى وهارون قبله كلاهما في التيه جميعا.

وقد زعم ابن إسحاق أن الذي فتح بيت المقدس هو موسى ، وإنما كان يوشع على مقدمته.

وذكر في مروره إليها قصة بلعام بن باعوراء الذي قال تعالى فيه :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ* وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ* ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ.)

[٧ / الأعراف : : ١٧٥ ـ ١٧٧]

وقد ذكرنا قصته في التفسير ، وأنه كان ـ فيما قاله ابن عباس وغيره ـ يعلم الاسم الأعظم ، وأن قومه سألوه أن يدعو على موسى وقومه ـ فامتنع عليهم ، ولما ألحوا عليه ركب حمارة له ، ثم سار نحو معسكر بني إسرائيل ، فلما أشرف عليهم ربضت به حمارته فضربها حتى قامت ، فسارت غير بعيد وربضت فضربها ضربا أشد من الأول فقامت ثم ربضت ، فضربها فقالت له يا بلعام : أين تذهب؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم؟ فلم ينزع عنها فضربها حتى سارت به حتى أشرف عليهم من رأس جبل «حسبان» ونظر إلى معسكر موسى وبني إسرائيل فأخذ يدعو عليهم فجعل لسانه لا يطيعه إلا أن يدعو لموسى وقومه ، ويدعو على قوم نفسه ، فلاموه على ذلك فاعتذر إليهم بأنه لا يجري على لسانه إلا هذا ، واندلع (١) لسانه حتى وقع على صدره ، فقال لقومه : قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة.

ثم أمر قومه أن يزينوا النساء ويبعثوهن بالأمتعة يتبعنهم عليهم ويتعرضن لهم لعلهم يقعون في الزنى ، فإنه متى زنى رجل منهم كفيتموهم ، ففعلوا وزينوا نساءهم وبعثوهن إلى المعسكر ، فمرت (٢) امرأة منهم اسمها «كسبتي» برجل من عظماء بني إسرائيل : وهو «زمري بن شلوم» يقال إنه كان رأس سبط بني شمعون بن يعقوب فدخل بها قبته ، فلما خلا بها أرسل الله الطاعون على بني إسرائيل ، فجعل يجوس فيهم. فلما بلغ الخبر إلى «فنحاص» ابن العيزار بن هارون ، أخذ

__________________

(١) م : واندفع.

(٢) و : حتى مرت.

٣٨٦

حربته وكانت من حديد ، فدخل عليهما القبة فانتظمهما جميعا فيها ، ثم خرج بها على الناس والحربة في يده ، وقد اعتمد على خاصرته وأسندها إلى لحيته ، ورفعهما نحو السماء وجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ، ورفع الطاعون. فكان جملة من مات في تلك الساعة سبعين ألفا ، والمقلل يقول عشرين ألفا ، وكان فنحاص بكر أبيه العيزار بن هارون ، فلهذا يجعل بنو إسرائيل لولد فنحاص من الذبيحة ـ اللبة (١) والذراع ، واللحى ، ولهم البكر من كل أموالهم وأنفسها.

وهذا الذي ذكره ابن إسحاق من قصة بلعام صحيح ، وقد ذكره غير واحد من علماء السلف ، لكن لعله لما أراد موسى دخول بيت المقدس أول مقدمه من الديار المصرية ، ولعله مراد ابن إسحاق ، ولكنه غير ما فهمه بعض الناقلين عنه ، وقد قدمنا عن نص التوراة ما يشهد لبعض هذا ، والله أعلم.

ولعل هذه قصة أخرى كانت في خلال سيرهم في التيه ، فإن في هذا السياق ذكر «حسبان» وهي بعيدة عن أرض بيت المقدس ، أو لعله كان هذا لجيش موسى الذين عليهم يوشع بن نون ، حين خرج بهم من التيه قاصدا بيت المقدس ، كما صرح به السدي ، والله أعلم.

وعلى كل تقدير فالذي عليه الجمهور : أن هارون توفي بالتيه قبل موسى أخيه بنحو من سنتين ؛ وبعده موسى في التيه أيضا ، كما قدمنا. وأنه سأل ربه أن يقربه إلى بيت المقدس فأجيب إلى ذلك.

فكان الذي خرج بهم من التيه ، وقصد بهم بيت المقدس ، هو يوشع بن نون عليه‌السلام.

فذكر أهل الكتاب وغيرهم من أهل التاريخ ، أنه قطع ببني إسرائيل نهر الأردن وانتهى إلى أريحا ، وكانت من أحصن المدائن سورا وأعلاها قصورا ، وأكثرها أهلا ، فحاصرها ستة أشهر. ثم إنهم أحاطوا بها يوما وضربوا بالقرون ـ يعني الأبواق ـ وكبروا تكبيرة رجل واحد ، فتفسخ سورها وسقط وجبة واحدة ، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم ، وقتلوا اثني عشر ألفا من الرجال والنساء ، وحاربوا ملوكا كثيرة. ويقال إن يوشع ظهر على أحد وثلاثين ملكا من ملوك الشام.

وذكروا أنه انتهت محاصرته إلى يوم الجمعة بعد العصر ، فلما غربت الشمس أو كادت تغرب ، ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم وشرع لهم ذلك الزمان ، قال لها : إنك مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها عليّ فحبسها الله عليه حتى تمكن من فتح البلد ، وأمر القمر فوقف عند الطلوع ، وهذا يقتضي أن هذه الليلة كانت الرابعة عشرة من الشهر الأول وهو قصة الشمس المذكورة في الحديث الذي سأذكره. وأما قصة القمر فمن عند أهل الكتاب ، ولا ينافي الحديث بل فيه زيادة تستفاد فلا تصدق ولا تكذب ، ولكن ذكرهم أن هذا في فتح أريحا فيه نظر ، ولا شبة ـ والله أعلم ـ إن هذا كان في فتح بيت المقدس الذي هو المقصود الأعظم ، وفتح أريحا كان وسيلة إليه ، والله أعلم.

قال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر ، عن هشام ، عن ابن سيرين عن

__________________

(١) و : القبة.

٣٨٧

أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس» (١) انفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط البخاري.

وفيه دلالة على أن الذي فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه‌السلام ، لا موسى ، وأن حبس الشمس كان في فتح بيت المقدس لا أريحا كما قلنا. وفيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه‌السلام. فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه : أن الشمس رجعت حتى صلى علي بن أبي طالب صلاة العصر ، بعد ما فاتته بسبب نوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ركبته ، فسأل رسول الله أن يردها الله عليه حتى يصلي العصر فرجعت ، وقد صححه أحمد بن أبي صالح المصري ولكنه ليس في شيء من الصحاح ولا الحسان ، وهو مما تتوافر الدواعي على نقله. وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها ، والله أعلم.

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه : لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة ، وهو يريد أن يبني بها ولما يبن ، ولا آخر قد بنى بنيانا ولم يرفع سقفها ، ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها.

قال : فغزا فدنا من القرية حين صلى العصر أو قريبا من ذلك ، فقال للشمس : أنت مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها عليّ شيئا ، فحبست عليه حتى فتح الله عليه ، قال : فجمعوا ما غنموا ، فأتت النار لتأكله فأبت أن تطعمه ، فقال : فيكم غلول ، فليبايعني من كل قبيلة رجل ، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده ، فقال : فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك ، فبايعته قبيلته ، قال :

فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة فقال : فيكم الغلول أنتم غللتم (٢).

قال : فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب ، قال فوضعوه بالمال وهو بالصعيد ، فأقبلت النار فأكلته ، فلم تحل الغنائم لأحد من قبل ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا».

انفرد به مسلم من هذا الوجه. وقد روى البزار من طريق مبارك بن فضالة ، عن عبيد الله ابن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه. قال : ورواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري ، قال : ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والمقصود انه لما دخل بهم باب المدينة أمروا أن يدخلوها سجدا أي ركعا متواضعين شاكرين الله عزوجل على ما من به عليهم من الفتح العظيم الذي كان الله وعدهم إياه ، وأن يقولوا حال دخولهم : «حطة» أي حط عنا خطايانا التي سلفت ؛ من نكولنا الذي تقدم منا.

ولهذا لما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم فتحها ، دخلها وهو راكب ناقته ، وهو متواضع حامد

__________________

(١) الحديث رواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٢٥ / حلبي)

(٢) الحديث رواه مسلم في صحيحه (٣٢ / ١١ / ٣٢). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٣١٨). ورواه البخاري مختصرا في صحيحه (٦٧ / ٥٨ ـ ٥١٥٧ / فتح).

٣٨٨

شاكر ، حتى إن عثنونه ـ طرف لحيته ـ ليمس مورك رحله : مما يطأطىء رأسه. خضوعا لله عزوجل ومعه الجنود والجيوش ممن لا يرى منه إلا الحدق ، ولا سيما الكتيبة الخضراء التي فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم لما دخلها اغتسل وصلى ثماني ركعات وهي صلاة الشكر على النصر ، على المشهور من قول العلماء. وقيل إنها صلاة الضحى ، وما حمل هذا القائل على قوله هذا إلا لأنها وقعت وقت الضحى.

وأما بنو إسرائيل فإنهم خالفوا ما أمروا به قولا وفعلا ؛ فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم وهم يقولون : حبة في شعرة ، وفي رواية : حنطة في شعرة.

وحاصله أنهم بدّلوا ما أمروا به واستهزأوا به ؛ كما قال تعالى حاكيا عنهم في سورة الأعراف وهي مكية : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ، * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ)

[٧ / الأعراف : ١٦١ ، ١٦٢]

وقال مخاطبا لهم : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ* فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.)

[٢ / البقرة : ٥٨ ـ ٥٩]

وقال الثوري عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس :

(وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) قال : ركعا من باب صغير رواه الحاكم وابن جرير وابن أبي حاتم ، وكذا روى العوفي عن ابن عباس وكذا روى الثوري عن ابن إسحاق عن البراء.

قال مجاهد والسدي والضحاك : والباب هو باب حطة من بيت إيلياء بيت المقدس.

قال ابن مسعود : فدخلوا مقنعين رؤوسهم ضد ما أمروا به ، وهذا لا ينافي قول ابن عباس أنهم دخلوا يزحفون على أستاههم. وهكذا في الحديث الذي سنورده بعد ، فإنهم دخلوا يزحفون وهم مقنعوا رؤوسهم.

وقوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) الواو هنا حالية لا عاطفة ، أي أدخلوا سجدا في حال قولكم حطة.

قال ابن عباس وعطاء والحسن وقتادة والربيع : أمروا أن يستغفروا.

قال البخاري : حدثنا محمد ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام ، بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قيل لبني إسرائيل : (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) فبدلوا : فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة» (١).

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦ / ٢ ، ٣ ، ٨ / ١٢٥ ، ٢٢٨ / فتح). ورواه أحمد في مسنده رقم (٨٠٩٥ ، ٨٢١٣ ، / شاكر). ورواه أحمد شاكر في عمدة التفاسير (١ / ١٥٤ / معار).

٣٨٩

وكذا رواه النسائي من حديث ابن المبارك ببعضه ، ورواه عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن مهدي به موقوفا.

وقد قال عبد الرزاق : انبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال الله لبني اسرائيل : (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم فقالوا حبة في شعرة».

ورواه البخاري ومسلم والترمذي من حديث عبد الرزاق ، وقال الترمذي حسن صحيح.

وقال محمد بن إسحاق : كان تبديلهم كما حدثني صالح بن كيسان ، عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة وعمن لا أتهم ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون حنطة في شعيرة».

وقال أسباط عن السدي عن مرة عن ابن مسعود قال في قوله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) قال : قالوا : «هطي سقاتا ازمة مزيا» فهي في العربية : «حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء».

وقد ذكر الله تعالى أنه عاقبهم على هذه المخالفة ؛ بإرسال الرجز الذي أنزله عليهم ، وهو الطاعون ، كما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن عامر بن سعد ، ومن حديث مالك عن محمد بن المنكدر وسالم أبي النضر ، عن عامر بن سعد ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أنه قال : «إن هذا الوجع أو القسم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم» (١).

وروى النسائي وابن أبي حاتم وهذا لفظه من حديث الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ، عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت قالوا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الطاعون رجز عذاب عذب به من كان قبلكم» (٢) ، وقال الضحاك عن ابن عباس : الرجز العذاب ، وكذا قال مجاهد وأبو مالك والسدي والحسن وقتادة. وقال أبو العالية : هو الغضب ، وقال الشعبي : الرجز إما الطاعون وإما البرد ، وقال سعيد بن جبير هو الطاعون.

ولما استقرت يد بني إسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه ، وبين أظهرهم نبي الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة حتى قبضه الله إليه ، وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة ، فكانت مدة حياته بعد موسى سبعا وعشرين سنة.

__________________

(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٩٠ / ١٣ / ٦٩٧٤ / فتح. ورواه أحمد في مسنده (١ / ١٩٣ / حلبي). ورواه الطبري في تفسيره : ١٠٣٦.

(٢) الحديث رواه ابن كثير في تفسيره (١ / ١٥٥ / عمدة التفاسير).

٣٩٠

ذكر قصتي الخضر وإلياس عليهما‌السلام

أما الخضر : فقد تقدم أن موسى عليه‌السلام رحل إليه في طلب ما عنده من العلم اللدني ، وقص الله من خبرهما في كتابه العزيز في سورة الكهف ، وذكرنا في تفسير ذلك هنالك ، وأوردنا هنا ذكر الحديث المصرح بذكر الخضر عليه‌السلام ، وأن الذي رحل إليه هو موسى بن عمران نبي بني إسرائيل عليه‌السلام ؛ الذي أنزلت عليه التوراة.

وقد اختلف في الخضر ؛ في اسمه ، ونسبه ، ونبوته ، وحياته إلى الآن ـ على أقوال ـ سأذكرها هاهنا إن شاء الله وبحوله وقوته.

قال الحافظ ابن عساكر : يقال إنه الخضر بن آدم عليه‌السلام لصلبه ، ثم روى من طريق الدارقطني : حدثنا محمد بن الفتح القلانسي ، حدثنا العباس بن عبد الله الرومي ، حدثنا رواد بن الجراح ، حدثنا مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الخضر ابن آدم لصلبه ، ونسىء له في أجله حتى يكذب الدجال.

وهذا منقطع وغريب.

وقال أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني : سمعت مشيختنا منهم أبو عبيدة وغيره قالوا : إن أطول بني آدم عمرا الخضر ، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم.

قال : وذكر ابن إسحاق : أن آدم عليه‌السلام لما حضرته الوفاة أخبر بنيه أن الطوفان سيقع بالناس ، وأوصاهم إذا كان ذلك أن يحملوا جسده [معهم](١) في السفينة ، وأن يدفنوه في مكان عينه لهم فلما كان الطوفان حملوه معهم ، فلما هبطوا إلى الأرض أمر نوح بنيه أن يذهبوا ببدنه فيدفنوه حيث أوصى. فقالوا إن الأرض ليس بها أنيس وعليها وحشة فحرضهم وحثهم على ذلك.

وقال إن آدم دعا لمن يلي دفنه بطول العمر ، فهابوا المسير إلى ذلك الموضع في ذلك الوقت ، فلم يزل جسده عندهم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه ، وأنجز الله ما وعده فهو يحيا إلى ما شاء الله له أن يحيا.

وذكر ابن قتيبة في المعارف عن وهب بن منبه : أن اسم الخضر «بليا» ويقال بليا بن ملكان ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه‌السلام.

__________________

(١) من و.

٣٩١

وقال إسماعيل بن أبي أويس : اسم الخضر ـ فيما بلغنا والله أعلم ـ المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد. وقال غيره : هو خضرون (١) بن عمياييل بن اليفز بن العيص بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل.

ويقال هو أرميا بن حلقيا ، فالله أعلم.

وقيل إنه كان ابن فرعون صاحب موسى ملك مصر ، وهذا غريب جدا. قال ابن الجوزي :

رواه محمد بن أيوب عن ابن لهيعة ، وهما ضعيفان.

وقيل : إنه ابن مالك وهو أخو إلياس ، قاله السدي كما سيأتي. وقيل إنه كان على مقدمة ذي القرنين. وقيل كان ابن بعض من آمن بإبراهيم الخليل وهاجر معه. وقيل كان نبيا في زمن بشتاسب ابن بهراسب.

قال ابن جرير : والصحيح أنه كان متقدما في زمن أفريدون بن أثفيان حتى أدركه موسى عليه‌السلام.

وروى الحافظ ابن عساكر عن سعيد بن المسيب أنه قال : الخضر أمه رومية وأبوه فارسي.

وقد ورد ما يدل على أنه كان من بني إسرائيل في زمان فرعون أيضا. قال أبو زرعة في دلائل النبوة : حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي ، حدثنا الوليد ، حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه ليلة أسري به وجد رائحة طيبة ، فقال : يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال : هذه ريح قبر الماشطة وابنها وزوجها.

وقال : وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل : وكان ممره براهب في صومعته ، فتطلع عليه الراهب فعلمه الإسلام فلما بلغ الخضر زوجه أبوه أمرأة فعلمها الإسلام ، وأخذ عليها ألا تعلم أحدا ، وكان لا يقرب النساء ثم طلقها. ثم زوجه أبوه بأخرى فعلمها الإسلام ، وأخذ عليها ألا تعلم أحدا ثم طلقها ، فكتمت احداهما وأفشت عليه الأخرى.

فانطلق هاربا حتى أتى جزيرة في البحر ، فأقبل رجلان يحتطبان فرأياه فكتم أحدهما وأفشى عليه الآخر. قال : قد رأيت الخضر قيل ومن رآه معك؟ قال : فلان. فسئل : فكتم. وكان من دينهم أنه من كذب قتل ، فقتل ، وكان قد تزوج الكاتم المرأة الكاتمة. قال فبينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها ، فقالت : تعس فرعون ، فأخبرت أباها ، وكان للمرأة ابنان وزوج ، فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما ، فأبيا ، فقال : إني قاتلكما ، فقالا :

إحسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد. فجعلهما في قبر واحد ، فقال : وما وجدت ريحا أطيب منهما ، وقد دخلت الجنة.

وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون ، وهذا المشط في أمر الخضر قد يكون مدرجا من كلام

__________________

(١) و : خضرون.

٣٩٢

أبي بن كعب أو عبد الله بن عباس والله أعلم. وقال بعضهم : كنيته أبو العباس ، والأشبه والله أعلم. أن الخضر لقب غلب عليه.

قال البخاري رحمه‌الله : حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء» (١).

تفرد به البخاري ، وكذلك رواه عبد الرزاق عن معمر به.

ثم قال عبد الرزاق : الفروة : الحشيش الأبيض وما أشبه يعني الهشيم اليابس. وقال الخطابي : وقال أبو عمر : الفروة الأرض البيضاء التي لا نبات فيها. وقال غيره : هو الهشيم اليابس شبهه بالفروة ، ومنه قيل فروة الرأس وهي جلدته بما عليها من شعر ؛ كما قال الراعي :

ولقد ترى الحبشيّ حول بيوتنا

جذلا إذا ما نال يوما مأكلا

صعلا أصكّ كأنّ فروة رأسه

بذرت فأنبت جانباه فلفلا

قال الخطابي : ويقال إنما سمي الخضر خضرا لحسنه وإشراق وجهه ، قلت : وهذا لا ينافي ما ثبت في الصحيح ، فإن كان ولا بد من التعليل بأحدهما ، فما ثبت في الصحيح أولى وأقوى ، بل لا يلتفت إلى ما عداه.

وقد روى الحافظ ابن عساكر هذا الحديث أيضا من طريق إسماعيل بن حفص بن عمر الأبلي : حدثنا عثمان وأبو جزي وهمام بن يحيى عن قتادة ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ، عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنما سمي الخضر خضرا لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء».

وهذا غريب من هذا الوجه.

وقال قبيصة عن الثوري عن منصور عن مجاهد قال : إنما سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله.

وتقدم أن موسى ويوشع عليهما‌السلام لما رجعا يقصان الأثر ، وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر ، وهو مسجى بثوب قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه ، فسلم موسى عليه‌السلام فكشف عن وجهه فرد ، وقال : أنى بأرضك السلام؟ من أنت؟ قال : أنا موسى. قال :

[نبي](٢) بني إسرائيل؟ قال : نعم. فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه عنهما.

__________________

(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٦٠ / ٢٧ / ٣٤٠٢ / فتح). ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده (٢ / ٨٤ / ٢٣٠٦ / منحه). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٣١٢ ، ٣١٨ / حلبي). ورواه الترمذي (٤٤ / ٣٠١٨).

(٢) من و.

٣٩٣

وقد دل سياق القصة على نبوته من وجوه : أحدها : قوله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً).

الثاني : قول موسى له :

(هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً* قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً* قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً* قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً.)

[١٨ / الكهف : ٦٦ ـ ٧٠]

فلو كان وليا وليس بنبي (١) لم يخاطبه بهذه المخاطبة ، ولم يرد على موسى هذا الرد ، بل موسى إنما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذي اختصه الله به دونه. فلو كان غير نبي ، لم يكن معصوما ، ولم تكن لموسى ـ وهو نبي عظيم ورسول كريم واجب العصمة ـ كبير رغبة ولا عظيم طلبة في علم ولي غير واجب العصمة ، ولما عزم على الذهاب إليه والتفتيش عنه ، ولو أنه يمضي حقبا من الزمان ، قيل ثمانين سنة. ثم لما اجتمع به تواضع له وعظمه ، واتبعه في صورة مستفيد منه فدل (٢) على أنه نبي مثله يوحى إليه كما يوحى إليه ، وقد خص من العلوم اللدنية والأسرار النبوية بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم ، نبي بني إسرائيل الكريم. وقد احتج بهذا المسلك بعينه الرماني (٣) على نبوة الخضر عليه‌السلام.

الثالث : إن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام ، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملاك العلام.

وهذا دليل مستقل على نبوته ، وبرهان ظاهر على عصمته ، لأن الوالي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده ، لأن خاطره ليس بواجب العصمة ، إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق. ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم ، علما منه بأنه إذا بلغ يكفر ، ويحمل أبويه على الكفر لشدة محبتهما له فيتابعانه عليه ، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته ، صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته ، دل ذلك على نبوته ، وأنه مؤيد من الله بعصمته.

وقد رأيت الشيخ أبا الفرج ابن الجوزي طرق هذا المسلك بعينه في الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه. وحكى الاحتجاج عليه الرماني أيضا.

الرابع : أنه لما فسر الخضر تأويل الأفاعيل لموسى ووضح له عن حقيقة أمره وجليّه ، قال بعد ذلك كله : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) يعني ما فعلته من تلقاء نفسي ، بل [أمر](٤) أمرت به وأوحي إليّ فيه.

فدلت هذه الوجوه على نبوته. ولا ينافي ذلك حصول ولايته ، بل ولا رسالته ، كما قاله آخرون. وأما كونه ملكا من الملائكة [فقول](٥) غريب جدا ، وإذا ثبتت نبوته ـ كما ذكرناه ، لم

__________________

(١) و : ل ولم يكن بنبي

(٢) و : دل.

(٣) و : البلقاني.

(٤) من : و.

(٥) من و.

٣٩٤

يبق لمن قال بولايته وأن الولي قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر ، مستند يستندون إليه ، ولا معتمد يعتمدون عليه.

وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا ، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم ، قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة أبيه آدم بطول الحياة ، وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيي. وذكروا أخبارا استشهدوا بها على بقائه إلى الآن. وسنوردها [مع غيرها](١) إن شاء الله تعالى وبه الثقة.

وهذه وصيته لموسى حين : (قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً). روى في ذلك آثار منقطعة كثيرة : قال البيهقي : أنبأنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، حدثنا أبو عبد الله الصفار ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا جرير ، حدثني أبو عبد الله الملطي قال : لما أراد موسى أن يفارق الخضر قال له موسى : أوصني ، قال :

كن نفاعا ولا تكن ضرارا ، كن بشاشا ولا تكن غضبان ، ارجع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة. وفي رواية من طريق أخرى زيادة : ولا تضحك إلا من عجب.

وقال وهب بن منبه قال الخضر : يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها!

وقال بشر بن الحارث الحافي : قال موسى للخضر : أوصني ، فقال : يسر الله عليك طاعته.

وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه ابن عساكر من طريق زكرياء بن يحيى الوقاد ـ إلا أنه من الكذابين الكبار ـ قال قرىء على عبد الله بن وهب وأنا أسمع ، قال الثوري ، قال مجالد ، قال أبو الوداك ، قال أبو سعيد الخدري ، قال عمر بن الخطاب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قال أخي موسى يا رب وذكر كلمته ـ فأتاه الخضر وهو فتى طيب الريح حسن بياض الثياب مشمرها ، فقال : السلام عليك ورحمة الله يا موسى بن عمران ، إن ربك يقرأ عليك السلام. قال موسى : هو السلام وإليه السلام ، والحمد لله رب العالمين ، الذي لا أحصى نعمه ، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته.

ثم قال موسى : أريد أن توصيني بوصية ينفعني الله بها بعدك ، فقال الخضر : يا طالب العلم ان القائل أقل ملالة من المستمع فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم ، واعلم أن قلبك وعاء فأنظر ماذا تحشو به وعاءك واعزف عن (٢) الدنيا وانبذها وراءك فإنها ليست لك بدار ولا لك فيها محل قرار ، وإنما جعلت بلغة للعباد والتزود منها ليوم المعاد (٣) ورض نفسك على الصبر وتخلص من الإثم.

يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده ، فإنما العلم لمن تفرغ له ، ولا تكن مكثارا للعلم مهذارا فإن كثرة المنطق تشين العلماء وتبدي مساوىء السخفاء ، ولكن عليك بالاقتصاد ، فإن ذلك من التوفيق والسداد وأعرض عن الجهال وماطلهم ، واحلم عن السفهاء ؛ فإن ذلك فعل الحكماء وزين العلماء ، وإذا شتمك الجاهل فاسكت عنه علما ، وجانبه حزما ، فإن ما بقي من جهله عليك وسبه إياك أكثر وأعظم.

__________________

(١) : من و.

(٢) م : وأعرف من الدنيا.

(٣) و : المعاد.

٣٩٥

يا بن عمران ولا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلا ؛ فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف. يا بن عمران لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه ، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه. يا بن عمران من لا تنتهي من الدنيا نهمته ، ولا تنقضي منها رغبته ومن يحقر حاله ، ويتهم الله فيما قضى له كيف يكون زاهدا (١)؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه؟ أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه؟ لأن سعيه إلى آخرته وهو مقبل على دنياه.

يا موسى تعلم ما تعلمت لتعمل به ، ولا تتعلمه لتحدث به ، فيكون عليك بواره ، ولغيرك نوره. يا موسى بن عمران ، اجعل الزهد والتقوى لباسك ، والعلم والذكر كلامك ، واستكثر من الحسنات فإنك مصيب (٢) السيئات ، وزعزع بالخوف قلبك فإن ذلك يرضي ربك ، واعمل خيرا فإنك لا بد عامل سوءا ، وقد وعظت إن حفظت.

قال : فتولى الخضر وبقي موسى محزونا مكروبا يبكي».

لا يصح هذا الحديث ، وأظنه من صنعة زكريا بن يحيى الوقاد المصري ، وقد كذبه غير واحد من الأئمة والعجب أن الحافظ ابن عساكر سكت عنه.

وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني : حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، حدثنا عمرو ابن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي ، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي ، حدثنا بقية بن الوليد (٣) ، عن محمد بن زياد ، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : «ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل ، أبصره رجل مكاتب ، فقال تصدق عليّ بارك الله فيك. فقال الخضر : آمنت بالله ، ما شاء الله من أمر يكون ، ما عندي من شيء أعطيه. فقال المسكين : أسألك بوجه الله لما تصدقت عليّ ؛ فإني نظرت إلى السماء في وجهك ، ورجوت البركة عندك. فقال الخضر : آمنت بالله ما عندي شيء أعطيكه ، إلا أن تأخذني فتبيعني ، فقال المسكين : وهل يستقيم هذا؟ قال : نعم ، الحق أقول لك لقد سألتني بأمر عظيم ، أما إني لا أخببك بوجه ربي ، بعني.

قال ، فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم ، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء ، فقال له : إنك إنما ابتعتني التماس خير فأوصني بعمل ، قال : أكره أن أشق عليك ، إنك شيخ كبير ضعيف. قال : ليس تشق عليّ ، قال : فانقل هذه الحجارة. وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم. فخرج الرجل لبعض حاجاته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة ، فقال :

أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه. ثم عرض للرجل سفر ، فقال : إني أحسبك أمينا فأخلفني في أهلي خلافة حسنة ، قال : فأوصني بعمل. قال : إني أكره أن أشق عليك ، قال :

ليس تشق عليّ ، قال : فاضرب من اللبن لبيتي حتى أقدم عليك. فمضى الرجل لسفره ، فرجع وقد شيد بناؤه.

__________________

(١) و : عابدا.

(٢) و : تصيب.

(٣) بقية بن الوليد : لا يحتج به وقد سبق تعريفه والحديث ضعيف.

٣٩٦

فقال : أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ فقال : سألتني بوجه الله ، والسؤال بوجه الله أوقعني في العبودية ، سأخبرك من أنا؟ أنا الخضر الذي سمعت به ؛ سألني مسكين صدقة فلم يكن عندي من شيء أعطيه ، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي ، فباعني. وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر ، وقف يوم القيامة جلده لا لحم له ولا عظم يتقعقع.

فقال الرجل : آمنت بالله ، شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم! فقال : لا بأس أحسنت وأبقيت. فقال الرجل : بأبي وأمي يا نبي الله ، احكم في أهلي ومالي بما أراك الله ، أو أخيرك فأخلي سبيلك ، فقال : أحب أن تخلي سبيلي ، فأعبد ربي ، فخلى سبيله ، فقال الخضر : الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها».

وهذا حديث رفعه خطأ ، والأشبه أن يكون موقوفا ، وفي رجاله من لا يعرف ، فالله أعلم.

وقد رواه ابن الجوزي في كتابه «عجالة المنتظر في شرح حال الخضر» من طريق عبد الوهاب ابن الضحاك ، وهو متروك عن بقية.

وقد روى الحافظ بن عساكر بإسناد إلى السدي : أن الخضر وإلياس كانا أخوين ، وكان أبوهما ملكا ، فقال إلياس لأبيه : إن أخي الخضر لا رغبة له في الملك ، فلو أنك زوجته لعله يجيء منه ولد يكون الملك له ، فزوجه أبوه بامرأة حسناء بكر ، فقال لها الخضر : إنه لا حاجة لي في النساء ؛ فإن شئت أطلقت سراحك ، وإن شئت أقمت معي تعبدين الله عزوجل وتكتمين عليّ سري.

فقالت : نعم ، وأقامت معه سنة.

فلما مضت السنة دعاها الملك ، فقال : إنك شابة وابني شاب فأين الولد؟ فقالت : إنما الولد من عند الله ؛ إن شاء كان وإن لم يشأ لم يكن. فأمره أبوه فطلقها وزوجه بأخرى ثيبا قد ولد لها ، فلما زفت إليه قال لها كما قال للتي قبلها ، فأجابت إلى الإقامة عنده ، فلما مضت السنة سألها الملك عن الولد ، فقالت : إن ابنك لا حاجة له بالنساء ، فتطلبه أبوه فهرب ، فأرسل وراءه فلم يقدروا عليه. فيقال إنه قتل المرأة الثانية لكونها أفشت سره ، فهرب من أجل ذلك ، وأطلق سراح الأخرى.

فأقامت تعبد الله في بعض نواحي تلك المدينة ، فمر بها رجل يوما فسمعته يقول : باسم الله. فقالت له : أنى لك هذا الاسم؟ فقال : إني من أصحاب الخضر ، فتزوجته فولدت له أولادا. ثم صار من أمرها أن صارت ماشطة بنت فرعون ، فبينما هي يوما تمشطها إذ وقع المشط من يدها فقالت : باسم الله فقالت ابنة فرعون : أبي؟ فقالت : لا ، ربي وربك ورب أبيك الله.

فأعلمت أباها فأمر بنقرة من نحاس فأحميت ، ثم أمر بها فألقيت فيها. فلما عاينت ذلك تقاعست أن تقع فيها ، فقال لها ابن معها صغير : يا أمه أصبري فإنك على الحق. فألقت نفسها في النار فماتت ، رحمها الله.

وقد روى ابن عساكر عن أبي داود الأعمى نفيع ـ وهو كذاب وضاع ـ عن أنس ابن مالك ،

٣٩٧

ومن طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ـ وهو كذاب أيضا ـ عن أبيه عن جده : أن الخضر جاء ليلة فسمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يدعي ويقول : «اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني ، وارزقني شوق الصالحين إلى ما شوقتهم إليه». فبعث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنس بن مالك فسلم عليه فرد عليه‌السلام ، وقال : قل له : «ان الله فضلك على الأنبياء كما فضل شهر رمضان على سائر الشهور ، وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على غيره». الحديث.

وهو مكذوب لا يصح سندا ولا متنا ؛ فكيف لا يتمثل بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويجيء بنفسه مسلما ومتعلما؟!

وهم يذكرون في حكاياتهم ، وما يسندونه عن بعض مشايخهم : أن الخضر يأتي إليهم ويسلم عليهم ويعرف أسماءهم ومنازلهم ومحالهم ، وهو مع هذا لا يعرف موسى بن عمران كليم الله ، الذي اصطفاه الله في ذلك الزمان على من سواه ، حتى يتعرف إليه بأنه موسى بني إسرائيل.

وقد قال الحافظ ابو الحسين بن المنادي ، بعد إيراده حديث أنس هذا : وأهل الحديث متفقون على أنه حديث منكر الإسناد سقيم المتن ، يتبين فيه أثر الصنعة.

فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي قائلا : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو بكر بن بالوية ، حدثنا محمد بن بشر بن مطر ، حدثنا كامل بن طلحة ، حدثنا عباد بن عبد الصمد ، عن أنس بن مالك قال : لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحدق به أصحابه ، فبكوا حوله واجتمعوا. فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى. ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وعوضا من كل فائت ، وخلفا من كل هالك ، فإلى الله أنيبوا وإليه فارغبوا ، وقد نظر إليكم في البلاء فانظروا ؛ فإن المصاب من لم يجبر.

وانصرف.

فقال بعضهم لبعض : أتعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر وعلي : نعم ؛ هو أخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخضر عليه‌السلام.

وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن كامل بن طلحة به. وفي متنه مخالفة لسياق البيهقي.

ثم قال البيهقي : عباد بن عبد الصمد ضعيف فهذا منكر بمرة. قلت : عباد بن عبد الصمد هذا هو ابن معمر البصري ، روى عن أنس نسخه ، قال ابن حبان والعقيلي : أكثرها موضوع ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث جدا منكره ، وقال ابن عدي :

عامة ما يرويه في فضائل عليّ ، وهو ضعيف غال في التشيع.

وقال الشافعي في مسنده : أنبأنا القاسم بن عبد الله عمر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عن علي بن الحسين قال : لما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول : إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل هالك ، ودركا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، وإياه فارجوا ؛ فإن المصاب من حرم الثواب. قال علي بن الحسين : أتدرون من هذا؟ هذا الخضر.

٣٩٨

شيخ الشافعي القاسم العمري متروك ، قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين : يكذب. وزاد أحمد : ويضع الحديث. ثم هو مرسل ومثله لا يعتمد عليه هاهنا والله أعلم.

وقد روي من وجه آخر ضعيف ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه عن علي ولا يصح.

وقد روى عبد الله بن وهب عمن حدثه ، عن محمد بن عجلان ، عن محمد بن المنكدر : أن عمر بن الخطاب بينما هو يصلي على جنازة إذ سمع هاتفا وهو يقول : لا تسبقنا يرحمك الله. فانتظره حتى لحق بالصف ، فذكر دعاءه للميت : إن تعذبه فكثيرا عصاك ، وإن تغفر له ففقير إلى رحمتك ، ولما دفن قال : طوبى لك يا صاحب القبر إن لم تكن عريفا أو جابيا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيا.

فقال عمر : خذوا الرجل نسأله عن صلاته وكلامه عمن هو؟ قال : فتوارى عنهم ، فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع. فقال عمر : هذا والله الخضر الذي حدثنا عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهذا الأثر فيه مبهم ، وفيه انقطاع ولا يصح مثله.

وروى الحافظ بن عساكر عن الثوري عن عبد الله بن المحرز عن يزيد بن الأصم ، عن علي ابن أبي طالب قال : دخلت الطواف في بعض الليل ، فإذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : يا من لا يمنعه سمع عن سمع ، ويا من لا تغلطه المسائل ، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحين ولا مسألة السائلين ـ ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك. قال : فقلت أعد عليّ ما قلت : فقال لي : أو سمعته؟ قلت : نعم. فقال لي : والذي نفس الخضر بيده ـ قال : وكان هو الخضر ـ لا يقولها عبد خلف صلاة مكتوبة إلا غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر وورق الشجر وعدد النجوم ، لغفرها الله له.

وهذا ضعيف من جهة عبد الله بن المحرز ، فإنه متروك الحديث ، ويزيد بن الأصم لم يدرك عليا ، ومثل هذا لا يصح والله أعلم.

وقد رواه أبو إسماعيل الترمذي : حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا صالح بن أبي الأسود ، عن محفوظ بن عبد الله الحضرمي ، عن محمد بن يحيى قال : بينما علي بن أبي طالب يطوف بالكعبة ، إذ هو برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول : يا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا من لا يغلطه السائلون ، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين ارزقني برد عفوك وحلاوة رحمتك. قال : فقال له علي : يا عبد الله أعد دعاءك هذا قال : أو قد سمعته؟ قال : نعم. قال : فادع به في دبر كل صلاة ، فوالذي نفس الخضر بيده لو كان عليك من الذنوب عدد نجوم السماء ومطرها ، وحصباء الأرض وترابها ، لغفر لك في اسرع من طرفة عين.

وهذا أيضا منقطع ، وفي إسناده من لا يعرف ، والله أعلم.

وقد رواه ابن الجوزي من طريق أبي بكر بن أبي الدنيا : حدثنا يعقوب بن يوسف ، حدثنا مالك بن إسماعيل فذكر نحوه. ثم قال : وهذا إسناد مجهول منقطع ، وليس فيه ما يدل على أن

٣٩٩

الرجل الخضر.

وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر : أنبأنا أبو القاسم بن الحصين أنبأنا أبو طالب محمد بن محمد ، أنبأنا أبو إسحاق المزكي. حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ، حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد أملاه علينا بعبادان ، أنبأنا عمرو بن عاصم ، حدثنا الحسن بن رزين عن ابن جريج ، عن عطاء عن ابن عباس قال : ولا أعلمه إلا مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسلم ـ قال : «يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : باسم الله ما شاء الله ، لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ، ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله» (١).

قال : وقال ابن عباس : من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات ، آمنه الله من الغرق والحرق والسرق. قال : وأحسبه قال : ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب.

قال الدارقطني في الأفراد : هذا حديث غريب من حديث ابن جريج لم يحدث به غير هذا الشيخ عنه يعني الحسن بن رزين هذا. وقد روي عن محمد بن كثير العبدي أيضا ، ومع هذا قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي : ليس بالمعروف.

وقال الحافظ أبو جعفر العقيلي : مجهول وحديثه غير محفوظ. وقال أبو الحسن بن المنادي :

هو (٢) حديث واه بالحسن بن رزين. وقد روى ابن عساكر نحوه عن طريق علي بن الحسن الجهضمي ـ وهو كذاب ـ عن ضمرة بن حبيب المقدسي ، عن أبيه ، عن العلاء بن زياد القشيري ،

عن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعا قال : يجتمع كل يوم عرفة بعرفات ـ جبريل وميكائيل وإسرافيل والخضر ، وذكر حديثا طويلا موضوعا تركنا إيراده قصدا ولله الحمد.

وروى ابن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى الخشن ، عن إبن أبي رواد قال : إلياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس ، ويحجان في كل سنة ، ويشربان من ماء زمزم شربة واحدة تكفيهما إلى مثلها من قابل.

وروى ابن عساكر : أن الوليد بن عبد الملك بن مروان ـ باني جامع دمشق ـ أحب أن يتعبد ليلة في المسجد ، فأمر القوم أن يخلوه له ففعلوا ، فلما كان من الليل جاء في باب الساعات فدخل الجامع ، فإذا رجل قائم يصلي فيما بينه وبين باب الخضراء ، فقال للقوم : ألم آمركم أن تخلوه؟

فقالوا : يا أمير المؤمنين هذا الخضر يجيء كل ليلة يصلي هاهنا.

__________________

(١) حديث ضعيف. رواه ابن الجوزي في كتابه «الموضوعات» (١ / ١٩٥ ـ ١٩٧ / حلبي).

وقال : «وأما حديث التقاء الخضر وإلياس ففي طريق الحسن بن رزين. قال الدارقطني : ولم يحدث به عن ابن جريج غيره. قال العقيلي ولم يتابع عليه مسندا ولا موقوفا وهو مجهول في النقل وحديثه غير محفوظ. وقال ابن المنادي : هذا حديث رواه بالحسن بن رزين والخضر وإلياس مضيا لسبيلهما. أه.

(٢) و : هذا حديث.

٤٠٠