قصص الأنبياء

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

قصص الأنبياء

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٣

الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا» (١).

هذا لفظ البخاري.

وقد اختلف المفسرون في قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) فقيل هي الكرم ، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبيّ وجعدة بن هبيرة ، ومحمد بن قيس والسدي في رواية عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة : قال : وتزعم يهود أنها الحنطة ، وهذا مروي عن ابن عباس والحسن البصري ووهب بن منبه وعطية العوفي ، وأبي مالك ومحارب بن دثار ، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى.

وقال الثوري عن أبي حصين ، عن أبي مالك : «ولا تقربا هذه الشجرة» هي النخلة. وقال ابن جريج عن مجاهد : هي التينة ، وبه قال قتادة وابن جريج. وقال ابو العالية : كانت شجرة من أكل منها أحدث ولا ينبغي في الجنة حدث.

وهذا الخلاف قريب ، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها ، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.

وإنما الخلاف الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم : هل هي في السماء أو في الأرض ، هو الخلاف الذي ينبغي فصله والخروج منه.

والجمهور على أنها هي التي في السماء وهي جنة المأوى ، لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي ، وإنما تعود على معهود ذهني ؛ وهو المستقر شرعا من جنة المأوى ، وكقول موسى عليه‌السلام لآدم عليه‌السلام : «علام أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ ...» الحديث كما سيأتي الكلام عليه.

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي ـ واسمه سعد بن طارق ـ عن أبي حازم سلمة بن دينار ، عن أبي هريرة ، وأبو مالك عن ربعي ، عن حذيفة قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة. فيأتون آدم فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة. فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟» (٢) وذكر الحديث بطوله.

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ١ / ٣٣٣١ ، ٥١٨٤ ـ ، ٥١٨٦ ـ فتح الباري).

ورواه مسلم في صحيحه من نفس طريق البخاري (١٧ / ١٨ / ١٤٦٨) ولكن بلفظ «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فأذا أشهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت. واستوصوا بالنساء ... وذكر تمام الحديث».

ورواه الترمذي في سننه بنحوه (١٠ / ١١ / ١١٦٣). ورواه ابن ماجه بنحوه أيضا من نفس طريق الترمذي (٩ / ٣ / ١٨٥١) من طريق عمرو بن الأحوص ولفظه «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان. ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك. إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ... إلى آخرة» أه.

(٢) الحديث رواه مسلم في صحيحه (١ / ٨٤ / ١٩٥) وتمامه : «يجمع الله تبارك وتعالى. فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة.

فيأتون آدم فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة. فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم! لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني

٢١

وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في (١) الدلالة على أنها جنة المأوى ، وليست تخلو عن نظر.

وقال آخرون : بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد ، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة ، ولأنه نام فيها وأخرج منها ، ودخل عليه إبليس فيها ، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى.

وهذا القول محكّي عن أبي بن كعب ، وعبد الله بن عباس ووهب بن منبّه وسفيان بن عيينة ، واختاره ابن قتيبة في المعارف ، والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره وأفرد له مصنفا على حدة. وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم‌الله. ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ابن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية.

وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في الملل والنّحل ، وأبو محمد بن عطية في تفسيره وأبو عيسى الرّماني في تفسيره ، وحكي عن الجمهور الأول ، وأبو القاسم الراغب والقاضي الماوردي في تفسيره فقال : واختلف في الجنة التي أسكناها يعني آدم وحواء على قولين : أحدهما أنها جنة الخلد. الثاني [أنها](٢) جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء ، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء.

ومن قال بهذا اختلفوا على قولين : أحدهما أنها في السماء لأنه أهبطهما منها ، وهذا قول الحسن ، والثاني أنها في الأرض لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار. وهذا قول ابن يحيى. وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم ، وألله أعلم بالصواب من ذلك.

هذا كلامه. فقد تضمن كلامه حكاية أقوال ثلاثة ، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة.

ولهذا (٣) حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال : هذه الثلاثة التي أوردها الماوردي ، ورابعها ، الوقف وحكي القول بأنها في السماء وليست جنة المأوى ، عن أبي علي الجبّائي.

__________________

إبراهيم خليل الله. قال فيقول إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء. اعمدوا إلى موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي كلمه الله تكليما. فيأتون موسى فيقول لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لست بصاحب ذلك فيأتون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فيقوم فيؤذن له ، وترسل الأمانة والرحم. فتقومان جنبي الصراط يمينا وشمالا. فيمروا لكم كالبرق. قال قلت : بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق! قال : ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال. تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط المستقيم يقول : رب سلم سلم. حتى تعجز اعمال العباد .. حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا. قال : وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة. مأمورة بأخذ من أمرت به. فمخدوش ناج ومكدوس في النار ،». أه. غريب الحديث. تزلف : تقرب.

(١) و : على.

(٢) و : لأنها

(٣) م : ولقد.

٢٢

وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله إلى جواب ، فقالوا : لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية. ، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته ، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع ، ولهذا قال : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً). وقال : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) وقال : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) والضمير عائد إلى الجنة أو السماء أو المنزلة. وأيا ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدرا في المكان الذي طرد عنه وأبعد منه ، لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز.

قالوا : ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله :

(هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى.) [٢٠ / طه : ١٢٠]

وبقوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ* فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)

[٧ / الأعراف : ٢٠ ـ ٢٢]

وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما.

وقد أجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها لا على سبيل الاستقرار بها ، وأنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء.

وفي الثلاثة نظر ، والله أعلم.

ومما احتج به أصحاب هذه المقالة : ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في الزيادات عن هدبة بن خالد ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن البصري ، عن يحيى بن ضمرة السعدي ، عن أبيّ بن كعب ، قال : إن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة ، فانطلق بنوه ليطلبوه له ، فلقيتهم الملائكة فقالوا : أين تريدون يا بني آدم؟ فقالوا إن أبانا اشتهى قطفا من عنب الجنة.

فقالوا لهم : ارجعوا فقد كفيتموه. فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنّطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل ومن خلفه الملائكة ودفنوه ، وقالوا : هذه سنتكم في موتاكم.

وسيأتي الحديث بسنده ، وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم عليه‌السلام.

قالوا : فلولا أنه كان الوصول إلى الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكنا ، لما ذهبوا يطلبون ذلك ، فدل على أنها في الأرض لا في السماء والله تعالى أعلم.

قالوا : والاحتجاج بأن الألف واللام في قوله : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلّم ، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام ، فإن آدم خلق من

٢٣

الأرض ولم يقل أنه رفع إلى السماء ، وخلق ليكون في الأرض ، وبهذا أعلم الربّ الملائكة حيث قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).

قالوا وهذا قوله تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ)

[٦٨ / القلم : ١٧].

فالألف واللام ليسا للعموم ، ولم يتقدم معهود لفظي ، وإنما هما للمعهود الذهني الذي دل عليه السياق وهو البستان.

قالوا : وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء.

قال الله تعالى : (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) [١١ / هود : ٤٨]

كان في السفينة (١) حين استقرت على الجوديّ ونضب الماء عن وجه الأرض أمر (٢) أن يهبط إليها هو ومن معه مباركا عليه وعليهم.*

وقال الله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ.) [٢ / البقرة : ٦١]

وقال تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ.) [٢ / البقرة : ٧٤]

وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير.

قالوا : ولا مانع ـ بل هو الواقع ـ أن الجنة التي أسكنها آدم كانت مرتفعة عن (٣) سائر بقاع الأرض ، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونضرة وسرور ، كما قال تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى). أي لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعري (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) أي لا يمس باطنك حرّ الظمأ ولا ظاهرك حرّ الشمس ، ولهذا قرن بين هذا وهذا ، وبين هذا وهذا ، لما بينهما من الملاءمة.

فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نهي عنها ، أهبط إلى أرض الشقاء والتعب والنّصب والكدر والسعي والنكد ، والابتلاء والاختبار والامتحان ، واختلاف السكان دينا وأخلاقا وأعمالا ، وقصودا وإرادات وأقوالا وأفعالا ، كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).

ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال : (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ ، فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) ، ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء.

__________________

(١) و : السفن

(٢) م : وأمر.

(٣) و : على.

٢٤

قالوا : وليس هذا القول مفرغا على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم ولا تلازم بينهما ، فكل من حكي عنه هذا القول من السلف وأكثر (١) الخلف ، ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم ، كما دلت عليه الآيات الصحاح والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

* * *

* وقوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) أي عن الجنة (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) أي من النعيم والنّضرة والسرور إلى دار التعب والكد والنكد ، وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدريهما ، كما قال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما ، وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) يقول : ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا من الخالدين ، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك.

(وَقاسَمَهُما) أي حلف لهما على ذلك (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) ، كما قال في الآية الأخرى (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ ، قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى؟) : أي هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم ، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع.

والمقصود أن قوله شجرة الخلد التي إذا أكلت منها خلدت ، وقد تكون هي الشجرة التي قال الإمام أحمد : «حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا شعبة عن أبي الضحاك ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها :

شجرة الخلد» (٢).

وكذلك رواه أيضا عن غندر وحجاج ، عن شعبة ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضا به.

قال غندر : قلت لشعبة : هي شجرة الخلد؟ قال ليس فيها [هي].

تفرّد به الإمام أحمد.

وقوله : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ، وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) كما قال في طه (فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما ، وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم ، وهي التي حدته على أكلها ، والله أعلم.

__________________

(١) و : وكثرهم.

(٢) الحديث رواه أحمد في مسنده واللفظ له (٢ / ٤٥٥ / حلبي). ورواه الدارمي في سننه (٢٠ / ١١٤ / ٢٨٤٢). ورواه البخاري في صحيحه (٥٩ / ٨ / ٣٢٥١ / فتح) وليس فيه لفظة «شجرة الخلد». ورواه أيضا في (٦٥ / ٥٦ / ٢ / ٤٨٨١ / فتح) ونهايته «واقرءوا إن شئتم (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) ، ورواه مسلم في صحيحه (٥١ / ١ / ٢٨٢٦) وليس فيه لفظة «شَجَرَةِ الْخُلْدِ» ورواه الترمذي في سننه (٣٩ / ١ / ٢٥٢٣). ورواه ابن ماجة في سننه (٣٧ / ٣٩ / ٤٣٣٥).

٢٥

وعليه يحمل (١) الحديث الذي رواه البخاري : حدثنا بشر بن محمد حدثنا عبد الله ، أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوه : «لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها» (٢).

تفرد به من هذا الوجه ، وأخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة به ، ورواه أحمد ومسلم عن هارون بن معروف ، عن أبي (٣) وهب ، عن عمرو بن الحارث (٤) عن أبي يونس ، عن أبي هريرة به.

وفي كتاب التوراة التي بأيدي (٥) أهل الكتاب) أن الذي دل حواء على الأكل من الشجرة هي الحية ، وكانت من أحسن الأشكال وأعظمها ، فأكلت حواء عن قولها وأطعمت آدم عليه‌السلام ، وليس فيها ذكر لإبليس فعند ذلك انفتحت أعينهما وعلما انهما عريانان ، فوصلا من ورق التين وعملا مآزر ، وفيها أنهما كانا عريانين ، وكذا قال وهب بن منبه : كان لباسهما نورا على فرجه وفرجها.

وهذا الذي في هذه التوراة التي بأيديهم غلط منهم ، وتحريف وخطأ في التعريف ؛ فإن نقل الكلام من لغة إلى لغة لا يتيسر (٦) لكل أحد ، ولا سيما ممن لا [يكاد](٧) يعرف كلام العرب جيدا ، ولا يحيط علما بفهم كتابه أيضا ، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظا ومعنى.

وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) فهذا لا يرد لغيره من الكلام. والله تعالى أعلم.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن بن أسكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق ، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه ، فأول ما بدا منه عورته ، فلما نظر إلى عورته جعل يشتد في الجنة ، فأخذت شعره شجرة فنازعها ، فناداه الرحمن عزوجل : يا آدم مني تفر؟ فلما سمع كلام الرحمن قال : يا رب لا ، ولكن استحياء» (٨).

وقال الثوري عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ١ / ٣٣٠ / فتح). ورواه مسلم في صحيحه (١٧ / ١٩ / ١٤٧٠). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٠٤ ، ٣١٥ / حلبي).

(٢) و : عن ابن.

(٣) م : حارث.

(٤) بين يدي وما أثبته من و.

(٥) م : لا يكاد يتيسر.

(٦) سقطت من م.

(٧) و : كثير.

(٨) الحديث رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ١ / ٩ ـ تحرير) وفيه : علي بن عاصم بن صهيب الواسطي ، التميمي مولاهم ، صدوق يخطىء ، ويصر ، ورمي بالتشيع ، من التاسعة وقال الذهبي حافظ مشهور ، ضعفوه. وكان مكثرا. مات سنة إحدى ومائتين ، وقد جاوز التسعين ـ د ت ق.

تقريب التهذيب (٢ / ٣٩ / ٣٦٦) المغني في الضعفاء للذهبي (٢ ك ٤٥٠ / ٤٢٩٠)

٢٦

(وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) ورق التين.

وهذا إسناد صحيح إليه وكأنه مأخوذ من أهل الكتاب ، وظاهر الآية يقتضي أعم من ذلك ، وبتقدير تسليمه فلا يضر ، والله تعالى أعلم.

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن ذكوان ، عن الحسن البصري عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أباكم آدم كان كالنخلة السحوق ، ستون ذراعا كثير الشعر موارى العورة ، فلما أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأته ، فخرج من الجنة ، فلقيته شجرة فأخذت بناصيته ، فناداه ربه : أفرارا مني يا آدم؟ قال : بل حياء منك (١) يا رب مما جئت به» (٢).

ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن يحيى بن ضمرة ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحوه.

وهذا أصح ، فإن الحسن لم يدرك أبيّا.

ثم أورده أيضا من طريق خيثمة بن سليمان الأطرابلسي ، عن محمد بن عبد الوهاب أبي مرصافة العسقلاني ، عن آدم بن أبي إياس ، عن سنان ، عن قتادة عن أنس مرفوعا بنحوه.

(وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ، وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ؟. قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ).

وهذا اعتراف ورجوع إلى الإنابة ، وتذلل وخضوع واستكانة ، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة ، وهذا السرّ ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلى خير في دنياه وأخراه.

(قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) وهذا خطاب لآدم وإبليس ، قيل والحية معهم ، أمروا أن يهبطوا من الجنة في حال كونهم متعادين متحاربين.

وقد يستشهد لذكر الحية معهما بما ثبت في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر بقتل الحيات ،

__________________

(١) م : بل حياء منك والله يا رب.

(٢) الحديث رواه الطبري في تاريخه (١ / ١٦٠ / معارف). ورواه ابن عساكر (٢ / ٣٥١ / تهذيب التاريخ). ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ٩ ، ١٠ / التحرير)).

والحديث فيه : الحسن بن ذكوان ، أبو سلمة البصري ، صدوق يخطىء ورمي بالقذف ، وكان يدلس وقال النسائي : ليس بالقوي ، وأما أحمد فقال : «أحاديثه أباطيل». وضعفه يحيى وأبو حاتم.

تقريب التهذيب (١ / ٦٧). المغني في الضعفاء (١ / ١٥٦ / ١٤٠٠).

٢٧

وقال : «ما سالمناهن منذ حاربناهن» (١).

وقوله في سورة طه : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) هو أمر لآدم وإبليس واستتبع آدم حواء وإبليس الحية.

وقيل هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ.) [٢١ / الأنبياء ـ ٧٨]

والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدّع ومدّعى عليه : قال : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ).

وأما تكريره الإهباط في سورة البقرة في قوله : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ* فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ، فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) فقال بعض المفسرين : المراد بالإهباط الأول : الهبوط من الجنة إلى السماء الدنيا ، وبالثاني : من السماء الدنيا إلى الأرض.

وهذا ضعف لقوله في الأول : «قلنا اهبطوا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين» فدل على أنهم أهبطوا إلى الأرض بالإهباط الأول والله أعلم.

والصحيح أنه كرره لفظا وإن كان واحدا ، وناط مع كل مرة حكما ، فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم ، وبالثاني الاشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد ، ومن خالفه فهو الشقي ، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم.

وروى الحافظ ابن عساكر عن مجاهد قال : أمر الله ملكبن أن يخرجا آدم وحواء من جواره فنزع جبريل التاج عن رأسه ، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه ، وتعلق به غصن ، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة ، فنكس رأسه يقول : العفو العفو ، فقال الله (٢) : أفرارا مني؟ قال : بل حياء منك يا سيدي!

وقال الأوزاعي عن حسان ـ هو ابن عطية ـ مكث آدم في الجنة مائة عام ، وفي رواية ستين عاما ، وبكى على الجنة سبعين عاما ، وعلى خطيئته سبعين عاما ، وعلى ولده حين قتل أربعين عاما.

__________________

(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٥٩ / ١٤ / ٣٢٥٧ / فتح) من طريق ابن عمر ـ رواه مسلم مطولا من نفس طريق البخاري (٣٩ / ٣٦ / ٣٢٣٣). ورواه ابو داود (٢ / ٦٥٣ / حلبي) والنسائي / كتاب الجهاد ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ٩ ، ١٠ / ا لتحرير).

(٢) في تاريخ ابن عساكر : فقال له الله فرارا (٢ / ٣٥٢ / التهذيب)

٢٨

رواه ابن عساكر.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : أهبط آدم عليه‌السلام إلى أرض يقال لها «دحنا» بين مكة والطائف (١).

وعن الحسن قال : أهبط آدم بالهند ، وحواء بجدة ، وإبليس بدستميسان من البصرة على أميال ، وأهبطت الحية بأصبهان (٢).

رواه أبن أبي حاتم أيضا.

وقال السدي : نزل آدم بالهند ونزل معه الحجر الأسود وبقبضة من ورق الجنة ، فبثه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك (٣).

وعن ابن عمر قال : أهبط آدم بالصفا ، وحواء بالمروة. رواه ابن ابي حاتم أيضا. (٤)

وقال عبد الرزاق : قال معمر : أخبرني عوف ، عن قسامة بن زهير ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة ، فثماركم هذه من ثمار الجنة ، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير. (٥)

وقال الحاكم في مستدركه : أنبأنا أبو بكر بن بالويه ، عن محمد بن أحمد بن النضر ؛ عن معاوية بن عمرو ، عن زائدة ، عن عمار بن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس.

ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (٦)

وفي صحيح مسلم من حديث الزهري عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة : فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها».

وفي الصحيح من وجه آخر : «وفيه تقوم الساعة» (٧).

__________________

(١) تفسير ابن ابى حاتم ، ج ٢ ، ص ١٣٨.

(٢) تفسير ابن ابى حاتم ، ج ٢ ، ص ١٣٩.

(٣) تفسير ابن ابى حاتم ، ج ٢٨ ، ص ٤٠٩.

(٤) تفسير ابن ابى حاتم ، ج ٢ ، ص ١٣٦.

(٥) تفسير ابن ابى حاتم ، ج ٢ ، ص ١٧٤.

(٦) تفسير ابن ابى حاتم ، ج ٢ ، ص ٥٩١.

(٧) الحديث رواه مسلم في صحيحه (٧ / ٥ / ٨٥٤) والزيادة من طريق قتيبة بن سعد وزيادته : «ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».

ورواه أحمد في مسنده من غير زيادة (١ / ٥١٢ / حلي) ورواه أيضا بزيادة على رواية مسلم (١ / ٥٠٤ / حلبي) وهي : «وفيه ساعة يوافقها مؤمن يصلي وقبض أصابعه يقللها يسأل الله عزوجل خيرا إلا أعطاه إياه». ورواه أبو داود الطيالسي (٢٣٣١ ، ٢٣٦٢).

ورواه أبو داود في سننه نحوه (٢ / ٣٠٩ / حلبي) من طريق أبي هريرة ولفظه «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه تقوم ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عزوجل حاجة إلا أعطاه إياها أه. ورواه الطبري في تاريخه (١ / ١١٢ ، ١١٤ ، ١١٥ / طبعة ليدن / بريل). ورواه أيضا الترمذي والنسائي والدارمي في سننه وابن ماجه بنحوه.

٢٩

وقال أحمد : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، عن أبي عمار ، عن عبد الله بن فرّوخ ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة» (١).

على شرط مسلم.

فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر من طريق أبي قاسم البغوي ، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ، حدثنا سعيد بن ميسرة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هبط آدم وحواء عريانين جميعا ، عليهما ورق الجنة ، فأصابه الحر حتى قعد يبكي ويقول لها : يا حواء قد آذاني الحرّ ، قال فجاءه جبريل بقطن ، وأمرها (٢) أن تغزل وعلمها ، وأمر آدم بالحياكة وعلمه أن ينسج» (٣) وقال :

«وكان آدم لم يجامع امرأته في الجنة ، حتى هبط منها للخطيئة التي أصابتهما بأكلهما من الشجرة» ، قال : «وكان كل واحد منهما ينام على حدة ؛ وينام أحدهما في البطحاء والآخر من ناحية أخرى ، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله» ، قال : وعلمه كيف يأتيها ، فلما أتاها جاءه جبريل فقال :

كيف وجدت امرأتك؟ قال : صالحة» (٤).

فإنه حديث غريب ورفعه منكر جدا وقد يكون من كلام بعض السلف وسعيد بن ميسرة هذا هو أبو عمران البكري البصري ، قال فيه البخاري منكر الحديث ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات ، وقال ابن عدي مظلم الأمر.

* * *

وقوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

[٢ / البقرة : ٣٧]

قيل هي قوله : (.... رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ).

روي هذا عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبي العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة ومحمد بن كعب وخالد بن معدان وعطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي ابن الحسن بن أسكاب ، حدثنا علي بن عاصم ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال آدم عليه‌السلام : أرأيت يا رب إن تبت ورجعت أعائدي إلى الجنة؟ قال : نعم. فذلك قوله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ).

__________________

(١) نفس المصدر السابق ..

(٢) في تاريخ ابن عساكر. : وآمر أن تغزل.

(٣) في تاريخ ابن عساكر : وآمر بالنسخ.

(٤) الحديث رواه ابن عساكر في تاريخه (٢ / ٣٥٣ / تهذيب).

٣٠

وهذا غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع.

وقال ابن أبي نجيح ؛ عن مجاهد قال : الكلمات : «اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، ربي إني ظلمت نفسي فأغفر لي إنك خير الراحمين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ؛ رب إني ظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم».

وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) قال : قال آدم : يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قيل له : بلى ، ونفخت فيّ من روحك؟ قيل له : بلى ، وعطست ، فقلت يرحمك الله وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل له : بلى ، وكتبت عليّ أن أعمل هذا؟ قيل له : بلى ؛ قال : أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة : قال نعم (١).

ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وروى الحاكم أيضا والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما اقترف آدم الخطيئة ، قال : يا رب أسألك بحق محمد الا غفرت لي».

فقال الله : فكيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد؟.

فقال : يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ؛ ونفخت فيّ من روحك ؛ رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك.

فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إليّ ؛ وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولو لا محمد ما خلقتك (٢).

قال البيهقي : تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف. والله أعلم.

وهذه الآية كقوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى)

[٢٠ / طه : ١٢١ ـ ١٢٢]

__________________

(١) هذا الأثر ذكره أحمد شاكر في «عمدة التفاسير» اختصار تفسير ابن كثير (١ / ١٣٣٦ / معارف) وقال : «هذا الحديث ذكره ابن كثير من رواية ضعيفة عن روايات السدي بنحو هذا ثم نسبه للحاكم. فحررت لفظه من رواية الحاكم في المستدرك. (٢ / ٥٤٥ / حيدر آباد) بشيء من الاختصار وقد وافقه الذهبي على تصحيحه» أه.

(٢) حديث ضعيف : رواه الطبراني في المعجم الصغير (٢ / ٨٢ ، ٨٣ / ط مصر) وقال لا يروي عن عمر إلا بهذا الإسناد. تفرد به أحمد ابن سعيد. ورواه ابن عساكر في تاريخه (٢ / ٢٥٩ / تهذيب). والحديث فيه. المغني في الضعفاء للذهبي (٢ / ٢٨٠ / حلب) تقريب التهذيب (١ / ٤٨٠).

٣١

ذكر احتجاج آدم وموسى عليهما‌السلام

قال البخاري : حدثنا قتيبة ؛ حدثنا أيوب بن النجار ؛ عن يحيى بن أبي كثير ؛ عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «حاجّ موسى آدم عليهما‌السلام فقال له : أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم.

قال آدم : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ؛ أتلومني على أمر قد كتبه الله عليّ قبل أن يخلقني ؛ أو قدّره عليّ قبل أن يخلقني».

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فحج آدم موسى» (١).

وقد رواه مسلم عن عمر والناقد ؛ والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد ؛ عن أيوب بن النجار به قال أبو مسعود الدمشقي : ولم يخرجا عنه في الصحيحين سواه.

وقد رواه أحمد ؛ عن عبد الرزاق عن معمر ؛ عن همّام ، عن أبي هريرة ورواه مسلم عن محمد بن رافع ، ؛ عن عبد الرزاق به.

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ؛ حدثنا إبراهيم ؛ حدثنا أبو شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ؛ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احتج آدم وموسى ، فقال له موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟

فقال له آدم : وأنت موسى الذي أصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، تلومني على أمر قدّر عليّ قبل أن أخلق؟».

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فحج آدم موسى» مرتين (٢).

قلت : وقد روى هذا الحديث البخاري ومسلم من حديث الزهري ؛ عن حميد بن عبد الرحمن ؛ عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحوه.

__________________

(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٦٥ / ٣ / ٤٧٣٨ / فتح) ورواه أحمد في مسنده (١ / ٢٨٧ / حلبي) ورواه أيضا عن عبد الرزاق عن معمر (١ / ٢٦٨ / حلبي). ورواه مسلم في صحيحه (٤٦ / ٢ / ٢٦٥٢) من طريق عمرو الناقد. وكذا رواه النسائي.

(٢) الحديث رواه أحمد في مسنده (١ / ٢٦٤ / حلبي). (٧٥٧٨ / معارف). ورواه البخاري في صحيحه (٦٠ / ٣١ / ٣٤٠٩ / فتح). ورواه مسلم في صحيحه (٤٦ / ٢ / ٢٦٥٢).

٣٢

وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ؛ حدثنا زائدة ؛ عن الأعمش ؛ عن أبي صالح ؛ وعن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «احتج آدم وموسى ؛ فقال موسى يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ؛ ونفخ فيك من روحه ، ؛ أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة».

قال : «فقال آدم : وأنت موسى الذي أصطفاك الله بكلامه تلومني على عمل أعمله ؛ كتبه الله عليّ قبل أن يخلق السموات والأرض؟».

قال : فحج آدم موسى» (١).

وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن يحيى بن حبيب بن عدي ؛ عن معمر بن سليمان ؛ عن أبيه ؛ عن الأعمش به.

قال الترمذي : وهو غريب (٢) من حديث سليمان التيمي عن الأعمش.

قال : وقد رواه بعضهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد.

قلت : هكذا رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ، عن محمد بن مثنى ، عن معاذ بن أسد ، عن الفضل بن موسى ، عن الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي سعيد.

ورواه البزار أيضا : حدثنا عمرو بن علي الفلاس ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أو أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر نحوه.

وقال أحمد : حدثنا سفيان عن عمرو سمع طاووسا ، سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احتج آدم وموسى ، فقال موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة.

قال له آدم : يا موسى أنت الذي اصطفاك الله بكلامه ـ وقال مرة برسالته ـ وخط لك بيده ، أتلومني على أمر قدره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟».

قال : «حج آدم موسى ، حج آدم موسى ، حج آدم موسى» (٣).

هكذا رواه البخاري عن علي بن المديني ، عن سفيان ، قال حفظناه من عمرو عن طاووس ، قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «احتج آدم وموسى فقال موسى : يا آدم أنت أبونا

__________________

(١) الحديث رواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٩٨ / حلي).

(٢) م : قريب.

(٣) الحديث رواه أحمد في مسنده (٧٣٨١ / معارف). ورواه البخاري في صحيحه (١١ / ٤٤١ / فتح) من طريق سفيان بن عيينة بهذا الإسناد وقال الحافظ بن حجر : «قال ابن عبد البر : هذا الحديث ثابت بالاتفاق ، رواه عن أبي هريرة جماعة من التابعين. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وجوه أخرى ، من رواية الأئمة الثقات الاثبات» أه.

وعمرو : هو ابن دينار.

ورواه أيضا السيوطي في الفتح الكبير (١ / ٤٩) وقال رواه أبو داود والترمذي أيضا. ورواه ابن ماجة في سننه (مقدمة / ١٠ / ٨٠) وآخره «ثلاثا».

٣٣

خيبتنا وأخرجتنا من الجنة.

فقال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ، أتلومني على أمر قدره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟».

«فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى هكذا ثلاثا».

قال سفيان : حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله.

وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجة من عشر طرق ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عبد الله بن طاووس ، عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحوه.

وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا حماد ، عن عمار ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لقي آدم موسى ، فقال : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك الجنة ، ثم فعلت ما فعلت؟

فقال : أنت موسى الذي كلمك الله وأصطفاك برسالته ، وأنزل عليك التوراة ، أنا أقدم أم الذّكر؟ قال : لا بل الذكر.

فحج آدم موسى» (١).

قال أحمد : وحدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحميد عن الحسن عن رجل ـ قال حماد أظنه جندب بن عبد الله البجلي ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«لقي آدم موسى» فذكر معناه.

تفرد به أحمد من هذا الوجه.

وقال أحمد : حدثنا حسين (٢) ، حدثنا جرير ـ هو ابن حازم ـ عن محمد ، هو ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقي آدم موسى فقال : أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، ثم صنعت ما صنعت؟.

قال آدم لموسى (٣) : «أنت الذي كلمه الله ، وأنزل عليه التوراة؟ قال : نعم. قال : فهل تجده مكتوبا عليّ قبل أن أخلق؟ قال : نعم.

قال : فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى» (٤).

وكذا رواه حماد بن زيد ، عن أيوب ، وهشام عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة رفعه.

__________________

(١) الحديث رواه أحمد في مسنده (٢ / ٤٦٤ / حلبي).

(٢) م : الحسن.

(٣) م : موسى.

(٤) الحديث رواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٩٢ / حلبي).

٣٤

وكذا رواه علي بن عاصم ، وعن خالد ، وهشام ، عن محمد بن سيرين ، وهذا على شرطهما من هذه الوجوه.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني أنس بن عياض ، عن الحارث بن أبي دياب ، عن يزيد بن هرمز ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احتج آدم وموسى عند ربهما فحج آدم موسى ، قال موسى : أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك جنته ، ثم أهبطت الناس إلى الأرض بخطيئتك؟

قال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نجيا؟ فبكم وجدت الله كتب التوراة؟ قال موسى : بأربعين عاما. قال آدم : فهل وجدت فيها : «وعصى آدم ربه فغوى» قال : نعم. قال : أفتلومني على أن عملت عملا كتب عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟».

قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فحج آدم موسى».

قال الحارث : وحدثني عبد الرحمن بن هرمز بذلك ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقد رواه مسلم عن إسحق بن موسى الأنصاري ، عن أنس بن عياض ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب ، عن يزيد بن هرمز والأعرج ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحوه.

وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احتج آدم وموسى ، فقال موسى لآدم ، : يا آدم أنت الذي أدخلت ذريتك النار.

فقال آدم : يا موسى اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ، وأنزل عليك التوراة فهل وجدت أن أهبط؟ قال : نعم ، قال : فحجه آدم». (٢)

وهذا على شرطهما ولم يخرجاه من هذا الوجه ، وفي قوله : أدخلت ذريتك النار ، نكارة.

فهذه طرق هذا الحديث عن أبي هريرة ، رواه عنه حميد بن عبد الرحمن وذكوان أبو صالح السمان ، وطاووس بن كيسان ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعمار بن أبي عمار ، ومحمد بن سيرين ، وهمام بن منبه ، ويزيد بن هرمز ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.

__________________

(١) رواه أبن عساكر في تاريخه (٢ / ٣٤٦ / تذيب).

(٢) الحديث رواه أحمد في مسنده (٧٦٢٣ / معارف).

٣٥

وقد رواه الحافظ أبو يعلي الموصلي في مسنده من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : حدثنا الحارث بن مسكين المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال موسى عليه‌السلام : يا رب أرنا آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة. فأراه آدم عليه‌السلام ، فقال : أنت آدم؟ فقال له آدم : نعم. فقال : أنت الذي نفخ الله فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلمك الأسماء كلها؟ قال : نعم. قال : فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟.

فقال له آدم : من أنت؟ قال : أنا موسى ، قال : أنت موسى نبي بني إسرائيل؟ أنت الذي كلمك الله من وراء الحجاب ، فلم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال : نعم. قال :

تلومني على أمر قد سبق من الله عزوجل القضاء به قبل؟! قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فحج آدم موسى ؛ فحج آدم موسى» (١).

ورواه أبو داود عن أحمد بن صالح المصري ؛ عن ابن وهب به.

قال أبو يعلي : وحدثنا محمد بن المثني ؛ حدثنا عبد الملك بن الصباح لمسمعي ، حدثنا عمران ؛ عن الرديني ؛ عن أبي مجلز ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر ، عن عمر ـ قال أبو محمد : أكبر ظني أنه رفعه ـ قال : «التقى آدم وموسى فقال موسى لآدم أنت أبو البشر ؛ أسكنك الله جنته ؛ وأسجد لك ملائكته. قال آدم : يا موسى أما تجده عليّ مكتوبا؟ قال : فحج آدم موسى فحج آدم موسى».

وهذا الإسناد أيضا لا بأس به ؛ والله أعلم.

وقد تقدم رواية الفضل بن موسى لهذا الحديث عن الأعمش ؛ عن أبي صالح عن أبي سعيد ، ورواية الإمام أحمد له عن عفان ، عن حماد بن سلمة عن حميد ، عن الحسن عن رجل.

قال حماد : أظنه جندب بن عبد الله البجلي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقي آدم موسى» فذكر معناه.

* * *

وقد اختلفت مسالك الناس في هذا الحديث :

فرده قوم من القدرية لما تضمن من إثبات القدر السابق.

واحتج به قوم من الجبرية ، وهو ظاهر لهم سدي الرأي حيث قال : فحج آدم موسى لما احتج عليه بتقديم كتابه ، وسيأتي الجواب عن هذا.

__________________

(١) الحديث رواه أبو داود في سننه (٢ / ٥٢٨ / حلبي.).

٣٦

قال آخرون : إنما حجه لأنه لامه على ذنب قد تاب منه ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

وقيل إنما حجه لأنه أكبر منه وأقدم. وقيل لأنه أبوه. وقيل لأنهما في شريعتين متغايرتين.

وقيل لأنهما في دار البرزخ وقد انقطع التكليف فيما يزعمون.

والتحقيق : أن هذا الحديث روي بألفاظ كثيرة بعضها مروي بالمعنى وفيه نظر.

ومدار معظمها في الصحيحين وغيرهما على أنه لامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة ، فقال له آدم : أنا لم أخرجكم ، وإنما أخرجكم الذي رتب الإخراج على أكلي من الشجرة ، والذي رتب ذلك وقدره وكتبه قبل أن أخلق ، هو الله عزوجل ، فأنت تلومني على أمر ليس له نسبة إلىّ أكثر من أني نهيت عن الأكل من الشجرة فأكلت منها ، وكون هذا الإخراج مترتبا على ذلك ليس من فعلي ، فأنا لم أخرجكم ولا نفسي من الجنة ، وإنما كان هذا من قدر الله وصنعه ، وله الحكمة في ذلك. فلهذا حج آدم موسى.

ومن كذب بهذا الحديث فمعاند ؛ لأنه متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وناهيك به عدالة وحفظا وإتقانا.

ثم هو مروي عن غيره من الصحابة كما ذكرنا.

ومن تأوله بتلك التأويلات المذكورة ، آنفا ، فهو بعيد عن اللفظ والمعنى ، وما فيهم من هو أقوى مسلكا من الجبرية.

وفيما قالوه نظر من وجوه :

أحدها : أن موسى عليه‌السلام لا يلوم على أمر قد تاب عنه فاعله.

الثاني : أنه قد قتل نفسا لم يؤمر بقتلها ، وقد سأل الله في ذلك بقوله :

(رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ)

[٢٨ / القصص : ١٦]

الثالث : أنه لو كان الجواب عن اللوم على الذنب بالقدر المتقدم كتابته على العبد ، لانفتح هذا لكل من ليم على أمر قد فعله ، فيحتج بالقدر السابق فينسد باب القصاص والحدود. ولو كان القدر حجة لاحتج به كل أحد على الأمر الذي ارتكبه في الأمور الكبار والصغار. وهذا يفضي إلى لوازم فظيعة. فلهذا قال من قال من العلماء ، بأن جواب آدم إنما كان احتجاجا بالقدر على المصيبة لا المعصية.

والله تعالى أعلم.

٣٧
٣٨

ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم عليه‌السلام

قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ومحمد بن جعفر ، حدثنا عوف ، حدثني قسامة بن زهير ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك ، والخبيث والطيب ، والسهل والحزن وبين ذلك» (١).

ورواه أيضا عن هوذة ، عن عوف ، عن قسامة بن زهير ، سمعت الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، فجاء منهم الأبيض والأحمر ، والأسود وبين ذلك ، والسهل والحزن وبين ذلك ، والخبيث والطيب وبين ذلك».

وكذا رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه ، من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، عن قسامة بن زهير المازني البصري ، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحوه. وقال الترمذي : حسن صحيح.

وقد ذكر السدي عن أبي مالك وأبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : فبعث الله عزوجل جبريل في الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني ، فرجع ولم يأخذ ، وقال : رب إنها عاذت بك فأعذتها.

فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل. فبعث ملك الموت فعاذت منه ، فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض وخلط (٢) ولم يأخذ من

__________________

(١) الحديث رواه البيهقي في سننه (٩ / ٣ / حيدرآباد). ورواه ابن عساكر في تاريخه (٢ / ٣٤١ / تهذيب) ورواه الطبري في تاريخه مطولا (١ / ٩١ ، ٩٢ / معارف) ونصه : «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك. والسهل والحزن والخبيث والطيب ثم بلت طينه حتى صارت طينا لازبا ثم تركت حتى صارت حمأ مسنونا ثم تركت حتى صارت صلصالا كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ ... مَسْنُونٍ) أه. ورواه أبو داود في سننه (٢ / ٥٢٥ / حلبي). ورواه أحمد في مسنده واللفظ له (٤ / ٤٠٠ ، ٤٠٦ / حلبي) وابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ١ / ٥ ، ٦ تحرير). ورواه الترمذي في سننه (٤٨ / ٣ / ٣٩٥٥).

(٢) م : وخلطة.

٣٩

مكان واحد ، وأخذ من تربة بيضاء وحمراء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين.

فصعد به فبلّ التراب حتى عاد طينا لازبا. واللازب : هو يلزق بعضه ببعض ؛ ثم قال للملائكة : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ).

فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ؛ فخلقه بشرا ؛ فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ؛ فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم منه فزعا إبليس ؛ فكان يمر به فيضربه ؛ فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة ، فلذلك حين يقول : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) ويقول : لأمر ما خلقت ، ودخل من فيه وخرج من دبره وقال للملائكة ، لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف ، لئن سلطت عليه لأهلكته.

فلما بلغ الحين الذي يريد الله عزوجل أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس ، فقالت الملائكة قل :

الحمد لله ، فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربك ، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخلت الروح في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، وذلك حين يقول الله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) ، (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) وذكر تمام القصة (١).

ولبعض هذا السياق شاهد من الأحاديث ، وإن كان كثير منه متلقى من الإسرائيليات.

فقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما خلق الله آدم تركه ما شاء أن يدعه ، فجعل إبليس يطيف به ، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك» (٢).

وقال ابن حبان في صحيحه : حدثنا الحسن بن سفيان ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد ابن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما نفخ في آدم فبلغ الروح رأسه عطس ، فقال : الحمد لله رب العالمين فقال له تبارك وتعالى : يرحمك الله» (٣).

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ، حدثنا حبان بن هلال ، حدثنا مبارك بن فضالة ، عن عبيد الله ، عن حبيب ، عن حفص ـ هو ابن عاصم بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ـ عن أبي هريرة رفعه قال : «لما خلق الله آدم عطس ، فقال الحمد لله ، فقال له ربه رحمك ربك يا آدم» (٤).

__________________

(١) الأثر رواه ابن عساكر في تاريخه (٢ / ٣٤١ ، ٣٤٢ / تهذيب) ورواه الطبري في تاريخه (١ / ٩٤ / معارف).

(٢) الحديث رواه أحمد في مسنده (٣ / ١٥٢ ، ٢٢٩ ، ٢٤٠ ، ٢٥٤ / حلبي). ورواه مسلم في صحيحه من نفس الطريق (٤٥ / ٣١ / ٢٦١١) وأوله «لما صور الله آدم في الجنة تركه ... وذكر تمام الحديث» أه.

(٣) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ١ / ٩ / تحرير). ولكن عن ابن عباس.

(٤) الحديث رواه نحوه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١ / ١ / ٩ / تحرير).

٤٠