قصص الأنبياء

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

قصص الأنبياء

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٣

مسلم ببيت المقدس ، حدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن أبا السمح حدثه عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «سأل موسى ربه عزوجل عن ست خصال كان يظن أنها له خالصة» والسابعة لم يكن موسى يحبها :

قال : يا رب أي عبادك اتقى؟ قال : الذي يذكر ولا ينسى. قال : فأي عبادك أهدى؟

قال : الذي يتبع الهدى. قال : فأي عبادك أحكم؟ قال : الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه.

قال : فأي عبادك أعلم؟ قال : عالم لا يشبع من العلم ، يجمع علم الناس إلى علمه. قال : فأي عبادك أعز؟ قال : الذي إذا قدر غفر. قال : فأي عبادك أغنى؟ قال : الذي يرضى بما يؤتى.

قال : فأي عبادك أفقر؟ قال : صاحب منقوص».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس الغني عن ظهر ، إنما الغني غني النفس ، وإذا أراد الله بعبد خيرا جعل غناه في نفسه وتقاه في قلبه ، وإذا أراد بعبد شرا جعل فقره بين عينيه» (١).

قال ابن حبان : قوله «صاحب منقوص» يريد به منقوص حالته ، يستقل ما أوتي ويبطل الفضل.

وقد رواه ابن جرير في تاريخه عن ابن حميد عن يعقوب التميمي ، عن هارون بن هبيرة ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : سأل موسى ربه عزوجل فذكر نحوه. وفيه قال : أي رب فأي عبادك أعلم؟ قال : الذي يبتغي علم الناس إلى علمه ، عسى أن يجد (٢) كلمة تهديه إلى هدي أو ترده عن ردي. قال : أي رب فهل في الأرض أحد مني؟ قال : نعم الخضر. فسأل السبيل إلى لقيه ، فكان (٣) ما سنذكره بعد إن شاء الله ، وبه الثقة (٤).

ذكر حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان

قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحق ، حدثنا إبن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن موسى قال : أي رب عبدك المؤمن مقتر عليه في الدنيا! قال : ففتح له باب من الجنة فنظر إليها ، قال : يا موسى هذا ما أعددت له. فقال موسى : يا رب وعزتك وجلالك لو كان مقطع اليدين والرجلين يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة ، وان هذا مصيره لم ير بؤسا قط. قال : ثم قال : أي رب عبدك الكافر موسع عليه في الدنيا ، قال : ففتح له باب إلى النار فقال (٥) : يا موسى هذا ما

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٨١ / ١٥ / ٦٤٤٦ / فتح). من طريق أبي هريرة ولفظه (ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغني غني النفس» من غير زيادة. وهكذا رواه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه (١٢ / ٤٠ / ١٢٠) ورواه الترمذي في سننه (٣٧ / ٤٠ / ٢٧٧٣). ورواه ابن ماجة (٣٧ / ٩ / ٤١٣٧). ورواه في أحمد مسنده (٢ / ٢٤٣ ، ٢٦١ / حلبي).

كلهم بلفظ البخاري.

(٢) و : يصيب.

(٣) و : كما سنذكره.

(٤) و : وله المة.

(٥) م : فيقول.

٣٤١

أعددت له. فقال : موسى أي رب وعزك وجلالك لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة وكان هذا مصيره لم ير خيرا قط» (١).

تفرد به أحمد من هذا الوجه ، وفي صحته نظر ، والله أعلم.

وقال ابن حبان : «ذكر سؤال كليم الله ربه جل وعلا أن يعلمه شيئا يذكره به» حدثنا ابن سلمة ، حدثنا حرملة ابن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا حدثه عن ابي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «قال موسى : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به. قال : قل يا موسى : لا إله إلا الله. قال : يا رب كل عبادك يقول : هذا. قال :

قل لا إله إلا الله. قال : إنما أريد شيئا تخصني به. قال : يا موسى لو أن أهل السموات السبع والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا الله».

ويشهد لهذا الحديث حديث البطاقة ، وأقرب شيء إلى معناه الحديث المروي في السنن عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أفضل الدعاء دعاء عرفة. وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» (٢).

وقال ابن أبي حاتم عند تفسير آية الكرسي : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثنا أحمد ابن عبد الرحمن الدسكي (٣) ، حدثني أبي عن أبيه ، حدثنا أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ان بني إسرائيل قالوا لموسى : هل ينام ربك؟

قال : اتقوا الله! فناداه ربه عزوجل : يا موسى سألوك هل ينام ربك ، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل ، ففعل موسى. فلما ذهب من الليل ثلثه نعس فوقع لركبتيه. ثم انتعش فضبطهما ، حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا ، فقال : يا موسى لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك! قال : وأنزل الله على رسوله آية الكرسي.

وقال ابن جرير : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا هشام بن يوسف ، عن أمية بن شبل (٤) بن الحكم بن أبان ؛ عن عكرمة ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحكي عن موسى عليه‌السلام على المنبر قال : «وقع في نفس موسى عليه‌السلام هل ينام الله عزوجل؟

__________________

(١) الحديث ضعيف. رواه أحمد في مسنده (٤ / ٣٢٢ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ / حلبي). وذلك لضعف دراج أبو السمح عن أبي الهيثم. (المغني في الضعفاء للذهبي) (١ / ٢٢٢ / ٢٠٣٩).

(٢) الحديث رواه مالك في الموطأ (٢٠ / ٨١ / ٢٤٦). ورواه السيوطي في الفتح الكبير (١ / ٢٠٨ ، ٢٠٩ / حلبي).

والاثنين من طريق طلحة بن عبيد بن كريز مرسلا. ورواه السيوطي في الفتح الكبير أيضا (١ / ٣٠٨ / حلي) بطريق آخر عن ابي هريرة ولفظه «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل قول قول الأنبياء من قبل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير» وقال رواه البيهقي في شعب الأيمان أ. ه.

(٣) و : الدسيكي.

(٤) أمية بن شبل قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (١ / ٢٧٦ / حلبي). وقال عنه «يماني له حديث منكر رواه عن الحكم ابن أبان ، عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا : قال : «وقع في نفس موسى ... الحديث» أه.

٣٤٢

فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا ، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة ، وأمر أن يحتفظ بهما.

قال : فجعل ينام وكادت يداه تلتقيان ، فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى ، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان ، قال : فضرب الله له مثلا : أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض».

وهذا حديث غريب رفعه ، والأشبه أن يكون موقوفا ، وأن يكون أصله إسرائيليا.

وقال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ..)

[٢ / البقرة : ٦٣ ، ٦٤]

وقال تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.)

[٧ ـ / الأعراف : ١٧١]

قال ابن عباس وغير واحد من السلف : لما جاءهم موسى بالألواح فيها التوراة أمرهم بقبولها والأخذ بها بقوة وعزم. فقالوا : انشرها علينا فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة قبلناها ، فقال : بل اقبلوها بما فيها ، فراجعوه مرارا ، فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل على رؤوسهم حتى صار كأنه ظلة ، أي غمامة ، على رؤوسهم ، وقيل لهم إن لم تقبلوها بما فيها وإلا سقط هذا (١) الجبل عليكم فقبلوا ذلك وأمروا بالسجود فسجدوا ، فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم ، فصارت سنة اليهود إلى اليوم ، يقولون لا سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب.

وقال سنيد بن داود عن حجاج بن محمد ، عن أبي بكر بن عبد الله قال : فلما نشرها لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز ، فليس على وجه الأرض يهودي صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونفض لها رأسه.

قال الله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي ثم بعد مشاهدة هذا الميثاق العظيم والأمر الجسيم نكثتم عهودكم ومواثيقكم (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) «بأن تدارككم بالإرسال إليكم وإنزال الكتب عليكم. (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ.)

__________________

(١) و : ذلك الجبل.

٣٤٣

قصة بقرة بني إسرائيل

قال الله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ* قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ* قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ* وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ* فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.)

[٢ / البقرة : ٦٧ ـ ٧٣]

قال ابن عباس وعبيدة السلماني وأبو العالية ومجاهد والسدي ، وغير واحد من السلف : كان رجل في بني إسرائيل كثير المال ، وكان شيخا كبيرا ، وله بنو أخ ، وكانوا يتمنون موته ليرثوه ، فعمد أحدهم فقتله في الليل وطرحه في مجمع الطرق ، ويقال على باب رجل منهم.

فلما أصبح الناس اختصموا فيه ، وجاء ابن أخيه فجعل يصرخ ويتظلم ، فقالوا :

ما لكم تختصمون ولا تأتون نبي الله؟ فجاء ابن أخيه فشكا أمر عمه إلى رسول الله موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقال موسى عليه‌السلام : «أنشد الله رجلا عنده علم من أمر هذا القتيل إلا أعلمنا به» فلم يكن عند أحد منهم علم منه. وسألوه أن يسأل في هذه القضية ربه عزوجل.

فسأل ربه عزوجل في ذلك ، فأمره الله أن يأمرهم بذبح بقرة. فقال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ، قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟) يعنون نحن نسألك عن أمر هذا القتيل ، وأنت تقول [لنا](١) هذا؟ (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أي أعوذ بالله أن أقول عنه غير ما أوحي إليّ ، وهذا هو الذي أجابني حين سألته عما سألتموني (٢) أن أسأله فيه. قال ابن عباس وعبيدة ومجاهد وعكرمة والسدي وأبو العالية وغير واحد : فلو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لحصل المقصود منها ، ولكن شددوا فشدد عليهم.

__________________

(١) من : و.

(٢) م : عما سألتموني عنه.

٣٤٤

وقد ورد فيه حديث مرفوع ، وفي إسناده ضعف.

فسألوا عن صفتها ، ثم عن لونها ، ثم عن سنها ، فأجيبوا بما عز وجوده عليهم ، وقد ذكرنا تفسير ذلك كله في التفسير.

والمقصود أنهم أمروا بذبح بقرة عوان ، وهي الوسط النصف بين الفارض وهي الكبيرة ، والبكر وهي الصغرة ، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والحسن وقتادة وجماعة. ثم شددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوا عن لونها ، فأمروا بصفراء فاقع لونها ، أي مشرب بحمرة ، تسر الناظرين ، وهذا اللون عزيز ، ثم شددوا أيضا (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ).

ففي الحديث المرفوع الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه : «لو لا أن بني إسرائيل استثنوا لما أعطوا» (١) وفي صحته نظر. والله أعلم.

(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها ، قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) وهذه الصفات أضيق مما تقدم ؛ حيث أمروا بذبح بقرة ليست بالذلول ، وهي المذللة بالحراثة وسقي الأرض (٢) بالساقية ، مسلمة ، وهي الصحيحة التي لا عيب فيها ، قاله أبو العالية وقتادة. وقوله : (لا شِيَةَ فِيها) أي ليس فيها لون يخالف لونها ، بل هي مسلمة من العيوب ، ومن مخالطة سائر الألوان غير لونها. فلما حددها بهذه الصفات ، وحصرها بهذه النعوت والأوصاف (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ).

ويقال إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان بارا بأبيه ، فطلبوها منه فأبى عليهم ، فأرغبوه في ثمنها حتى أعطوه ، فيما ذكره السدي ، بوزنها ذهبا فأبى عليهم ، حتى أعطوه بوزنها عشر مرات ، فباعها منهم.

فأمرهم نبي الله موسى بذبحها (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) أي وهم يترددون في أمرها. ثم امرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها قيل بلحم فخذها ، وقيل بالعظم الذي يلي الغضروف (٣) وقيل بالبضعة التي بين الكتفين ، فلما ضربوه ببعضها أحياه الله تعالى ، فقام وهو تشخب أوداجه ، فسأله نبي الله موسى من قتلك؟ قال : قتلني ابن أخي. ثم عاد ميتا كما كان.

__________________

(١) الحديث رواه ابن كثير في تفسيره (١ / ١٦٥ / عمدة التفاسير) وقال أحمد شاكر محققه في تعليقه على هذا الحديث ما نصه «في إسناده سرور بن المغيرة ، عن عباد بن منصور. وسرور بن المغيرة بن زاذان تكلم فيه الأزدي. والصواب أنه ثقة.

ذكره ابن حبان في الثقات. وترجمه البخاري في الكثير (٢ / ٢ / ٢١ /) وابن أبي حاتم (٢ / ١ / ٣٢٥). فلم يذكروا فيه جرحا. وقد ذكر الهيثمي هذا الحديث بنحوه ، مختصرا ، في مجمع الزوائد (٦ / ٣١٤). وقال : رواه البزار وفيه عباد بن منصور هو ضعيف ، وبقية رجاله ثقات» والحق أن عباد بن منصور ثقة ، ولكن تغير حفظه أخيرا. فلعله وهم في رفعه ويكون الراجح وقفه على أبي هريرة. كما قال الحافظ بن كثير» أ. ه.

(٢) و : وسقي الحرث.

(٣) و : الذي في الغضروف.

٣٤٥

قال الله تعالى : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.)

[٢٦ / البقرة : ٧٣]

أي كما شاهدتم إحياء هذا القتيل عن أمر الله له ، كذلك أمره في سائر الموتى ، إذا شاء إحياءهم أحياهم في ساعة واحدة كما قال : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ.)

[٣١ / لقمان : ٢٨]

٣٤٦

قصة موسى والخضر عليهما‌السلام

قال الله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً* فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً* فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً* قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً* قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً* فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً* قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً* قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً* قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً* قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً* فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً* قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً* فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً* قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً* فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً* قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً* أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً* وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً* فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً* وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً.)

[١٨ / / الكهف : ٦٠ ـ ٨٢]

قال بعض أهل الكتاب : إن موسى هذا الذي رحل إلى الخضر هو موسى بن منسا بن

٣٤٧

يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وتابعهم على ذلك بعض من يأخذ من صحفهم وينقل من كتبهم ؛ منهم نوف بن فضالة الحميري الشامي البكالي. ويقال إنه دمشقي ، وكانت أمه زوجة كعب الأحبار.

والصحيح الذي دل عليه ظاهر سياق القرآن ونص الحديث الصحيح الصريح المتفق عليه : أنه موسى بن عمران صاحب بني إسرائيل.

قال البخاري : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار ، قال : أخبرني سعيد ابن جبير ، قال : قلت لابن عباس : إن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل ، فقال ابن عباس : كذب عدو الله : حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال : أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه ، فأوحى الله إليه : إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى : يا رب فكيف لي به؟ قال : تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم ، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ، ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون ، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما ، واضطرب الحوت في المكتل ، فخرج منه فسقط في البحر ، واتخذ سبيله في البحر سربا ، امسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهمما وليلتهما.

حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : (آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به ، فقال له فتاه : (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً).

قال : فكان للحوت سربا ، ولموسى ولفتاه عجبا فقال له موسى : ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا».

قال : فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام؟ قال : أنا موسى. قال : موسى بني إسرائيل؟

قال : نعم ، أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا ، (قالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ، يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه ، فقال موسى : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً).

فقال له الخضر (١) : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً* فَانْطَلَقا) يمشيان على ساحل البحر ، فمرت بهما سفينة فكلموهم (٢) أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال

__________________

(١) و : قال الخضر.

(٢) و : فكلمهم.

٣٤٨

موسى : قوم حملونا بغير نول ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (لِتُغْرِقَ أَهْلَها ، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً* قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً).

قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فكانت الأولى من موسى نسيانا. قال : وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر!

ثم خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله ، فقال له موسى : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً)(١) (بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً* قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) قال : وهذه أشد من الأولى (قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً).

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ). قال : مائل. فقام الخضر (فَأَقامَهُ) بيده ، فقال موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً* قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ). إلى قوله : (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما».

قال سعيد بن جبير فكان ابن عباس يقرأ : «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا» وكان يقرأ : «وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين» (٢).

ثم رواه البخاري أيضا عن قتيبة عن سفيان بن عيينة بإسناده نحوه وفيه : «فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة فنزل عندها ، قال : فوضع موسى رأسه فنام».

قال سفيان : «وفي حديث غير عمرو قال : وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة ، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين ، قال : فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر ، فلما استيقظ (قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا) الآية. وساق الحديث.

وقال : ووقع عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر ، فقال الخضر لموسى : ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره ، وذكر تمام الحديث.

__________________

(١) م : كية.

(٢) الحديث رواه مسلم في صحيحه (٤٣ / ٤٦ / ١٧٠). ورواه البخاري في صحيحه (٣ / ٤٤ / ١٢٢ ك / فتح). ورواه الترمذي في مسنده (٤٨ / ١٩ / ٣١٤٩).

٣٤٩

وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام بن يوسف : أن ابن جريج أخبرهم ، قال أخبرني يعلي بن مسلم وعمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، يزيد أحدهما على صاحبه ، وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال : إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال سلوني : فقلت : أي أبا عباس ـ جعلني الله فداك ـ بالكوفة رجل قاص يقال له نوف ، يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل. أما عمرو فقال لي ، قال : قد كذب عدو الله. وأما يعلي فقال لي :

قال ابن عباس : حدثني أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : موسى رسول الله قال ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ، ورقت القلوب ولى ، فأدركه رجل فقال : أي رسول الله! هل في الأرض رجل أعلم منك؟ قال : لا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله. قيل : بلى. قال :

أي رب فأين؟ قال : بمجمع البحرين ، قال : أي رب اجعل لي علما أعلم ذلك به. قال لي عمرو قال : حيث يفارقك الحوت ، وقال لي يعلي : قال خذ نونا ميتا حيث ينفخ فيه الروح.

فأخذ حوتا فجعله في مكتل ، فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال ما كلفت كثيرا ، فذلك قوله جل ذكره : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ) يوشع بن نون ، ليست عن سعيد ابن جبير ، قال بينما هو في ظل صخرة ، في مكان ثريان إذ اضطرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه لا أوقظه ، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره ، واضطرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جريه البحر حتى كأن أثره في حجر ، قال لي عمرو : هكذا ، كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما.

(لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) قال : قد قطع الله عنك النصب ليست هذه عن سعيد.

أخبره فرجع فوجدا خضرا ـ قال لي عثمان بن أبي سليمان ـ على طنفسة خضراء على كبد البحر ، قال سعيد بن جبير مسجى بثوبه ، قد جعل طرفه تحت رجليه ، وطرفه تحت رأسه ، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه ، وقال : هل بأرضك من سلام؟ من أنت قال : أنا موسى. قال :

موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم. قال : فما شأنك؟ قال : جئتك لتعلمني مما علمت رشدا ، قال : أما يكفيك أن التوراة بيديك ، وأن الوحي يأتيك؟ يا موسى إن لي علما لا ينبغي لك أن تعلمه ، وإن لك علما لا ينبغي لي أن أعلمه ، فأخذ طائر بمنقاره من البحر ، فقال : والله ما علمي وعلمك في جانب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر.

(حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ) وجد معابر صغارا تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر ؛ عرفوه فقالوا : عبد الله الصالح. قال فقلنا لسعيد : خضر؟ قال : نعم. لا نحمله بأجر ، فخرقها ووتد فيها وتدا «قال» موسى : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً).

قال مجاهد : منكرا. (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) كانت الأولى نسيانا.

والوسطى شرطا ، والثالثة عمدا (قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً* فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) قال يعلي قال سعيد : وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ، ثم ذبحه بالسكين ، قال : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) لم تعمل بالخبيث. وكان ابن

٣٥٠

عباس قرأها : زكية زاكية مسلمة ، كقولك غلاما زكيا.

(فَانْطَلَقا فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) قال سعيد بيده هكذا ، ورفع يده فاستقام.

قال يعلي : حسبت أن سعيدا قال : فمسحه بيده فاستقام : (قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) قال سعيد : أجرا نأكله.

(وَكانَ وَراءَهُمْ) وكان أمامهم ، قرأها ابن عباس : أمامهم ملك يزعمون عن غير سعيد أنه «هدد بن بدد» والغلام المقتول اسمه يزعمون «جيسور» (مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها ، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها. ومنهم من يقول : سدوها بقارورة ، ومنهم من يقول بالقار.

(فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) وكان كافرا (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً) أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه ، (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً) لقوله : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) ، ، (وَأَقْرَبَ رُحْماً) هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر.

وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية ، وأما داود بن أبي عاصم فقال عن غير واحد :

إنها جارية.

وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :

خطب موسى بني إسرائيل ، فقال ما أحد أعلم بالله وبأمره مني ، فأمر أن يلقى هذا الرجل ، فذكر نحو ما تقدم.

وهكذا رواه محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عيينة ، ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنحو ما تقدم أيضا.

ورواه العوفي عنه موقوفا. وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس : أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى ، فقال ابن عباس : هو خضر ، فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس ، فقال : إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل ألى لقيه ، فهل سمعت من رسول الله فيه شيئا؟ قال : نعم ، وذكر الحديث.

وقد تقصينا طرق هذا الحديث وألفاظه في تفسير سورة الكهف ولله الحمد.

وقوله : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) قال السهيلي : وهما أصرم وصريم ابنا كاشح (وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما) قيل كان ذهبا ، قاله عكرمة. وقيل علما ، قاله ابن عباس : والأشبه أنه كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه علم. قال البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا بشر بن المنذر ، حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي ، عن عياش بن عباس الغساني ، عن ابن حجيرة ، عن أبي ذر رفعه قال : «إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من الذهب مصمت

٣٥١

مكتوب فيه : عجبت لمن أيقن بالقدر كيف نصب! وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك؟ وعجبت لمن ذكر الموت كيف (١) غفل؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله».

وهكذا روي عن الحسن البصري وعمر مولى غفرة وجعفر الصادق نحو هذا.

وقوله : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) ، قيل إنه كان الأب السابع وقيل العاشر ، وعلى كل تقدير :

فيه دلالة على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته والله المستعان.

وقوله : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) ـ دليل على أنه كان نبيا ، وأنه ما فعل شيئا من تلقاء نفسه بل بأمر ربه فهو نبي ، وقيل رسول وقيل ولي وأغرب من هذا من قال إنه كان ملكا. قلت وقد أعزب جدا من قال هو ابن فرعون ، وقيل إنه ابن ضحاك الذي ملك الدنيا ألف سنة.

قال ابن جرير : والذي عليه جمهور أهل الكتاب أنه كان في زمن «أفريدون» ويقال إنه كان على مقدمة ذي القرنين الذي قيل إنه كان أفريدون ، وذو الفرس هو الذي كان في زمن الخليل ، وزعموا أنه شرب من ماء الحياة فخلد وهو باق إلى الآن.

وقيل إنه من ولد بعض من آمن بإبراهيم ، وهاجر معه من أرض بابل. وقيل اسمه ملكان ، وقيل أرميا بن حلقيا ، وقيل كان نبيا في زمن سباسب بن بهراسب.

قال ابن جرير : وقد كان بين أفريدون وبين سباسب دهور طويلة لا يجهلها أحد من أهل العلم بالأنساب قال ابن جرير : والصحيح أنه كان في زمن أفريدون ، واستمر حيا إلى أن أدركه موسى عليه‌السلام. وكانت نبوة موسى في زمن «منوشهر» الذي هو من ولد أبرج بن أفريدون أحد ملوك الفرس ، وكان إليه الملك بعد جده أفريدون لعهده وكان عادلا. وهو أول من خندق الخنادق ، وأول من جعل في كل قرية دهقانا ، وكانت مدة ملكه قريبا من مائة وخمسين سنة. ويقال إنه كان من سلالة إسحاق بن إبراهيم.

وقد ذكر عنه من الخطب الحسان والكلم البليغ النافع الفصيح ما يبهر العقل ، ويحير السامع ، وهذا يدل على أنه من سلالة الخليل. والله أعلم. وقد قال الله تعالى :

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.)

[٣ / آل عمران : ٨١]

فأخذ الله ميثاق كل نبي على أن يؤمن بمن يجيء بعده من الأنبياء وينصره [واستلزم ذلك الإيمان وأخذ الميثاق لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه خاتم الأنبياء فحق على كل نبي أدركه أن يؤمن به وينصره](٢)

__________________

(١) و : لم غفل.

(٢) سقطت من م وأثبتها من و.

٣٥٢

فلو كان الخضر حيا في زمانه ، لما وسعه إلا اتباعه والاجتماع به والقيام بنصره ، ولكان من جملة من تحت لوائه يوم بدر ؛ كما كان تحتها جبريل وسادات من الملائكة.

وقصارى الخضر عليه‌السلام أن يكون نبيا ، وهو الحق ، ورسولا كما قيل ، أو ملكا فيما ذكر. وأيا ما كان فجبريل رئيس الملائكة ، وموسى أشرف من الخضر ، ولو كان حيا لوجب عليه الإيمان بمحمد ونصرته ، فكيف إن كان الخضر وليا كما يقوله طوائف كثيرون؟ فأولى أن يدخل في عموم البعثة وأحرى. ولم ينقل في حديث حسن بل ولا ضعيف يعتمد أنه جاء يوما واحدا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا اجتمع به وما ذكر من حديث التعزية فيه ، وإن كان الحاكم قد رواه ، فإسناده ضعيف ، والله أعلم وسنفرد لخضر ترجمة على حدة بعد هذا.

٣٥٣

ذكر الحديث الملقب بحديث الفتون

المتضمن قصة موسى مبسوطة من أولها إلى آخرها

قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب التفسير من سننه ، عند قوله تعالى :

(وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً.)

[٢٠ / طه : ٤٠]

حديث الفتون (١) :

حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا يزيد بن هارون : حدثنا أصبغ بن زيد ، حدثنا القاسم بن أبي أيوب ، أخبرني سعيد بن جبير قال : سألت عبد الله بن عباس عن قول الله تعالى لموسى :

(وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) فسألته عن الفتون ما هي؟ فقال أستأنف النهار يا بن جبير ؛ فإن لها حديثا طويلا.

فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس لأتنجز منه ما وعدني من حديث الفتون ، فقال :

تذاكر فرعون جلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم عليه‌السلام أن يجعل في ذريته أبناء وملوكا فقال بعضهم : إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ما يشكون منه ، وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب ، فلما هلك قالوا ليس هكذا كان وعد إبراهيم عليه‌السلام ، فقال فرعون : فكيف ترون؟

فأتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا معهم الشفار ، يطوفون في بني إسرائيل ، فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه ففعلوا ذلك.

فلما رأو أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، والصغار يذبحون قالوا ليوشكن أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم ؛ فاقتلوا عاما كل مولود ذكر واتركوا بناتهم (٢) ودعوا عاما فلا تقتلوا (٣) منهم أحدا ، فيشب الصغار مكان من يموت

__________________

(١) والحديث رواه ابن كثير في تفسيره (٣ / / ١٤٨ ـ ١٥٣ / حلبي) وقال : «وهكذا رواه النسائي في السنن الكبرى وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما كلهم من حديث يزيد بن هارون به وهو موقوف من كلام ابن عباس وليس فيه مرفوع إلا قليل منه وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره والله أعلم وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا. أه.

(٢) و : فيقل بناتهم.

(٣) و : فلا يقتل.

٣٥٤

من الكبار ، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيوا منهم ، فتخافوا مكاثرتهم إياكم ، ولن يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم.

فأجمعوا أمرهم على ذلك ، فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان ، فولدت علانية آمنة.

فلما كان من قابل حملت بموسى عليه‌السلام. فوقع في قلبها الهم والحزن ، وذلك من الفتون ، يا بن جبير! ما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به.

فأوحى الله إليها : أن (لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فأمرها إذا ولدت (١) أن تجعله في تابوت ثم تلقيه في اليم.

فلما ولدت فعلت ذلك. فلما توارى عنها ابنها أتاها الشيطان ، فقالت في نفسها : ما فعلت بابني؟ لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إليّ من أن ألقيه إلى دواب البحر وحيتانه؟

فانتهى الماء به حتى أوفى عند فرضة مستقى جواري امرأة فرعون ، فلما رأينه أخذنه ، فأردن أن يفتحن التابوت ، فقالت بعضهن : إن في هذا مالا ، وإنا إن فتحناه لم تصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه ، فحملنه كهيئته لم يخرجن منه شيئا حتى دفعنه إليها. فلما فتحته رأت فيه غلاما. ، فألقى الله عليه منها محبة لم يلق منها على أحد قط (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً) من ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا بشفارهم إلى امرأة فرعون ليذبحوه.

وذلك من الفتون يا ابن جبير!

فقالت لهم : «أقروه فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل ، حتى آتي فرعون فأستوهبه منه ، فإن وهبه مني كنتم قد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمر بذبحه لم ألمكم. فأتت فرعون فقالت :

(قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) فقال فرعون : يكون لك ، فأما لي فلا حاجة لي فيه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون قرة عين له ، كما أقرت امرأته لهداه الله كما هداها ، ولكن حرمه ذلك».

فأرسلت إلى من حولها إلى كل امرأة لها لأن تختار له ظئرا ، فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل على ثديها ، حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت ، فأحزنها ذلك.

فأمرت به فأخرج إلى السوق ومجمع الناس ترجو أن تجد له ظئرا تأخذه منها ، فلم يقبل. وأصبحت أم موسى والها ، فقالت لأخته : قصي أثره واطلبيه ، هل تسمعين له ذكرا؟ أحي ابني أم قد أكلته الدواب؟ ونسيت ما كان الله وعدها فيه.

(فبصرت به) أخته (عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) والجنب : أن يسمو بصر الإنسان إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به. فقالت من الفرح حين أعياهم الظئرات : (انا أَدُلُّكُمْ عَلى

__________________

(١) و : إذا ولدته.

٣٥٥

أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ). فأخذوها فقالوا : ما يدريك ما نصحهم له؟ هل تعرفينه؟ حتى شكوا في ذلك ، وذلك من الفتون يا ابن جبير! فقالت : نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في صهر الملك رجاء منفعة الملك. فأرسلوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر ، فجاءت أمه ، فلما وضعته في حجرها نزا الى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباه ريا ، وانطلق البشير إلى امرأة فرعون يبشرها أن قد وجدنا لابنك ظئرا ، فأرسلت إليها فأتت بها وبه.

فلما رأت ما يصنع بها قالت : امكثي ترضعي ابني هذا ، فإني لم أحب شيئا حبه قط ، قالت أم موسى : لا أستطيع أن أترك بيتي وولدي فيضيع ، فإن طابت نفسك أن تعطينيه ، فأذهب به إلى بيتي ، فيكون معي لا آلوه خيرا ، فعلت ؛ فإني غير تاركة بيتي وولدي وذكرت أم موسى ما كان الله وعدها ، فتعاسرت على امرأة فرعون ، وأيقنت أن الله منجز موعوده ، فرجعت إلى بيتها من يومها ، وأنبته الله نباتا حسنا ، وحفظه لما قد قضى فيه. فلم يزل بنو إسرائيل وهم في ناحية القرية ، ممتنعين من السخرة والظلم ما كان فيهم.

* * *

فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأم موسى : أزيريني ابني (١) فوعدتها يوما تزيرها (٢) إياه فيه ، وقالت امرأة فرعون لخزانها وظئورها وقهارمتها : لا يبقين أحد منكم إلا استقبل ابني اليوم بهدية وكرامة ، لأرى ذلك فيه وأنا باعثة أمينا يحصي كل ما يصنع كل إنسان منكم ، فلم تزل الهدايا والكرامة والنحل تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل على امرأة فرعون. فلما دخلت عليها نحلته وأكرمته وفرحت به ، وأنحلت أمه لحسن أثرها عليه. ثم قالت : لآتين به فرعون لينحلنه وليكرمنه.

فلما دخلت به عليه جعله في حجره ، فتناول موسى لحية فرعون فمدها إلى الأرض ، فقال الغواة من أعداء الله لفرعون ، ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه؟ إنه زعم أنه يرثك ويعلوك ويصارعك! فارسل إلى الذباحين ليذبحوه ، وذلك من الفتون يا بن جبير بعد كل بلاء ابتلى به وأريد به (٣).

فجاءت امرأة فرعون تسعى الى فرعون ، فقالت ما بدا لك في هذا الغلام الذي وهبته لي؟

فقال : ألا ترينه يزعم أن يصرعني ويعلوني؟ فقالت : اجعل بيني وبينك أمرا تعرف فيه الحق ، أئت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه! فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل ، وإن تناول الجمرتين ولم ير اللؤلؤتين ، علمت أن أحدا لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل ، فقرب إليه الجمرتين واللؤلؤتين فتناول الجمرتين ، فانتزعهما منه مخافة أن يحرقا يده ، فقالت المرأة الا ترى؟ فصرفه الله عنه بعد ما كان هم به ، وكان الله بالغا فيه أمره.

__________________

(١) م : أريني ابني.

(٢) م : تريها إياه فيه.

(٣) و : أريد به فتونا.

٣٥٦

فلما بلغ أشده وكان من الرجال ، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة ، حتى امتنعوا كل الامتناع. فبينما (١) موسى عليه‌السلام يمشي في ناحية المدينة ، إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما فرعوني والآخر إسرائيلي. فاستغاثه الاسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى غضبا شديدا ، لأنه تناوله وهو يعلم منزلته من بني إسرائيل ، وحفظه لهم [لا يعلم الناس إلا أنه من الرضاع إلا أم موسى ، إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على](٢) ما لم يطلع عليه غيره. فوكز موسى الفرعوني فقتله ، وليس يراهما أحد إلا الله عزوجل والإسرائيلي ، فقال موسى حين قتل الرجل : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ثم قال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ* فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ). الآيات.

فأتى فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم ، فقال ابغوني قاتله ومن يشهد عليه ، فإن الملك وإن كان صفوة من قومه (٣) ، لا ينبغي له أن يقتل (٤) بغير بينة ولا ثبت ، فاطلبوا لي علم ذلك آخذ لكم بحقكم.

فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة ، إذا بموسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلا من آل فرعون آخر ، فاستغاثه الاسرائيلي على الفرعوني ، فصادف موسى وقد ندم على ما كان من وكزه الذي رأى ، فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني ، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال له ما قال ، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني ، فخاف أن يكون بعد ما قال له : (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أن يكون إياه أراد ولم يكن أراده ، وإنما أراد الفرعوني فخاف الإسرائيلي وقال : (يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ)؟ وإنما قال له مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله فتتاركا.

وانطلق الفرعوني فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين (٥) يقول : «أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس» فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى ، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هيئتهم ، يطلبون موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم ، فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة ، فاختصر طريقا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره.

وذلك من الفتون يا بن جبير!

فخرج موسى متوجها نحو مدين لم يلق بلاء قبل ذلك وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه عزوجل ، فإنه قال : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ* وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً

__________________

(١) و : فبينما.

(٢) سقطت من م وأثبتها من و.

(٣) و : وإن كان صفوة له له مع قومه.

(٤) و : لا يستقيم له.

(٥) أن يقيد.

٣٥٧

مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ* وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) يعني بذلك حابستين غنمهما. فقال لهما :

(ما خَطْبُكُما) معتزلتين الناس؟ قالتا : ليس لنا قوة نزاحم القوم وإنما ننتظر فضول حياضهم.

فسقى لهما فجعل يغترف من الدلو ماء كثيرا حتى كان أول الرعاء وانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما ، وانصرف موسى فاستظل بشجرة ، وقال : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

واستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلا بطانا فقال : إن لكما اليوم لشأنا ، فأخبرتاه بما صنع موسى ، فأمر إحداهما أن تدعوه ، فأتت موسى فدعت. فلما كلمه : (قالَ : لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ليس لفرعون ولا لقومه علينا من سلطان لسنا في مملكته ، فقالت إحداهما : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فاحتملته الغيرة على أن قال لها : ما يدريك ما قوته وما أمانته؟ فقالت : أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا لم أر رجلا قط أقوى في ذلك السقي منه ، وأما الأمانة فإنه نظر إليّ حين أقبلت إليه وشخصت له ، فلما علم أني أمرأة صوب رأسه فلم يرفعه حتى بلغته رسالتك. ثم قال لي : امشي خلفي وانعتي لي الطريق ، فلم يفعل هذا إلا وهو أمين. فسرى عن أبيها وصدقها ، وظن به الذي قالت.

فقال له : (أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ، فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ، وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، ففعل فكانت على نبي الله موسى ثماني سنين واجبة ، وكانت السنتان عدة منه ، فقضى الله عنه عدته فأتمها عشرا.

قال سعيد ـ وهو ابن جبير ـ لقيني رجل من أهل النصرانية من علمائهم ، فقال : هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ قلت : لا ، وأنا يومئذ لا أدري. فلقيت ابن عباس فذكرت ذلك له ، فقال : أما علمت أن ثمانية كانت على نبي الله واجبة ، لم يكن نبي الله لينقص منها شيئا؟ وتعلم أن الله كان قاضيا عن موسى عدته التي وعده ، فإنه قضى عشر سنين. فلقيت النصراني فأخبرته ذلك ، فقال : الذي سألته فأخبرك اعلم منك بذلك ، قلت : أجل وأولى.

فلما سار موسى بأهله كان من أمر النار والعصا ويده : ما قص الله عليك في القرآن.

فشكا إلى الله تعالى ما يتخوف من آل فرعون في القتيل (١) وعقدة لسانه ، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون ، يكون له ردءا (٢) يتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه. فآتاه الله عزوجل سؤله ، وحل عقدة من لسانه ، وأوحى الله إلى هارون فأمره أن يلقاه.

فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون ، فانطلقا جميعا إلى فرعون ، فأقاما على بابه حينا لا يؤذن لهما. ثم أذن لهما بعد حجاب شديد فقالا : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) قال : (فَمَنْ رَبُّكُما؟) فأخبراه بالذي قص الله عليك في القرآن. قال : فما تريدون؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت ، قال :

__________________

(١) و : في القتل.

(٢) و : يكون عنه ردءا.

٣٥٨

أريد أن تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل ، فأبى عليه وقال : (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ) حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون ، فلما رآها فرعون قاصدة إليه خافها فاقتحم (١) عن سريره واستغاث بموسى أن يكفها عنه ففعل

ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء ، يعني من غير برص ، ثم ردها فعادت إلى لونها الأول.

فاستشار الملأ من حوله فيما رأى فقالوا له : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش ، وأبوا على موسى أن يعطوه شيئا مما طلب ، وقالوا له : اجمع السحرة فإنهم بأرضك كثير ، حتى تغلب بسحرك سحرهما.

فأرسل إلى المدائن فحشر له كل ساحر متعلم ، فلما أتوا فرعون قالوا : بم يعمل هذا الساحر؟

قالوا : يعمل بالحيات. قالوا : فلا والله ما أحد في الأرض يعمل بالسحر بالحيات (٢) والحبال والعصي الذي نعمل ، فما أجرنا إن نحن غلبنا؟ قال لهم : أنتم أقاربي وخاصتي ، وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم. فتواعدوا (يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى).

قال سعيد : فحدثني ابن عباس أن يوم الزينة ، اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة ، هو يوم عاشوراء.

فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض : انطلقوا فلنحضر هذا الأمر (لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) يعنون موسى وهارون استهزاء بهما ، فقالوا يا موسى ، بعد تريثهم بسحرهم (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) قال بل ألقوا ، (فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه حيفة ، فأوحى الله إليه : (أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) فلما ألقاها صارت ثعبانا عظيمة فاغرة فاها ، فجعلت العصا تلتبس بالحبال ، حتى صارت حرزا للثعابين تدخل فيه حتى ما أبقت عصا ولا حبلا إلا ابتلعته.

فلما عرف السحرة ذلك ، قالوا : لو كان هذا سحرا لم يبلغ من سحرنا كل هذا ، ولكنه أمر من الله تعالى ، آمنا بالله وبما جاء به موسى ، ونتوب إلى الله ما كنا عليه.

فكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه وظهر الحق (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ).

وامرأة فرعون بارزة مبتذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعه ، فمن رآها من آل فرعون ظن أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه ، وإنما كان حزنها وهمها لموسى :

* * *

__________________

(١) و : واقتحم.

(٢) و : يعمل بالسحر والحيات.

٣٥٩

فلما طال مكث موسى بمواعيد فرعون الكاذبة ؛ كلما جاء بآية وعده عندها أن يرسل معه بني إسرائيل ، فإذا مضت أخلف موعده (١) وقال هل يستطيع ربك أن يصنع غير هذا؟ أرسل الله على قومه الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفضلات. كل ذلك يشكو إلى موسى ويطلب إليه أن يكفها عنه ، ليوافقه على أن يرسل معه بني إسرائيل ، فإذا كف ذلك عنه أخلف بوعده ونكث عهده ، حتى أمر الله موسى بالخروج بقومه ، فخرج بهم ليلا.

فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا أرسل في المدائن حاشرين فتبعه بجنود عظيمة كثيرة وأوحى الله إلى البحر : إذا ضربك موسى عبدي بعصاه فانفلق اثنتي عشرة فرقة ، حتى يجوز موسى ومن معه ، ثم التق على من بقي بعد من فرعون وأشياعه.

فنسي موسى أن يضرب البحر بالعصي وانتهى إلى البحر وله قصيف مخافة (٢) أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيا لله عزوجل!

فلما تراءى الجمعان وتقاربا «قال أصحاب موسى : إنا لمدركون» ، افعل ما أمرك به ربك ، فإنه لم يكذب ولم تكذب قال وعدني ربي إذا أتيت البحر انفرق اثنتي عشرة فرقة حتى أجاوزه ، ثم ذكر بعد ذلك العصا فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى ، فانفرق البحر كما أمره ربه وكما وعد موسى فلما [أن](٣) جاوز موسى وأصحابه كلهم البحر ، ودخل فرعون وأصحابه ، التقى عليهم البحر ، كما أمر فلما جاوز موسى البحر قال أصحابه : إنا نخاف ألا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه ، فدعا ربه فأخرجه لهم ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه.

* * *

ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم (قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ؛ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم.

ومضى فأنزلهم موسى منزلا وقال : أطيعوا هارون فإن الله قد استخلفه عليكم ، فإني ذاهب إلى ربي. وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها.

فلما أتى ربه عزوجل وأراد أن يكلمه في ثلاثين يوما ، وقد صامهن ليلهن ونهارهن ، كره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم ، فتناول موسى شيئا من نبات الأرض فمضغه ، فقال له ربه حين أتاه : لم أفطرت؟ ـ وهو أعلم بالذي كان ـ قال يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح. قال : أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك! ارجع فصم عشرا ثم ائتني ؛ ففعل موسى ما أمره به ربه.

__________________

(١) و : أخلف من غده.

(٢) و : فخاف.

(٣) من و.

٣٦٠