قصص الأنبياء

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

قصص الأنبياء

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٣

شاء الله تعالى. ولم يوجد من سلالته من الأنبياء سوى خاتمهم على الإطلاق وسيدهم ، وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة. محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي ، المكي ثم المدني.

صلوات الله وسلامه عليه.

فلم يوجد من هذا الفرع الشريف والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة ، والدرة الزاهرة ، وواسطة العقد الفاخرة ، وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع ، ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيامة.

وقد ثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال : «سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم».

فمدح إبراهيم أباه مدحة عظيمة في هذا السياق ، ودل كلامه على أنه أفضل الخلائق بعده عند الخلاق ، في هذه الحياة الدنيا ويوم يكشف عن ساق.

وقال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول : «إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق : أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة» (١).

ورواه أهل السنن من حديث منصور به.

وقال تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [٢ / البقرة : ٢٦٠]

ذكر المفسرون لهذا السؤال أسبابا بسطناها في التفسير وقررناها بأتم تقرير.

والحاصل : أن الله عزوجل أجابه الى ما سأل ، فأمره أن يعمد إلى أربعة من الطيور.

واختلفوا في تعيينها على أقوال ، والمقصود حاصل على كل تقدير ، فأمره أن يمزق لحومهن وريشهن ، ويخلط ذلك بعضه في بعض ، ثم يقسمه قسما ويجعل على كل جبل منهم جزءا ففعل ما أمر به. ثم أمر أن يدعوهن بإذن ربهن ، فلما دعاهن جعل كل عضو يطير إلى صاحبه ، وكل ريشة تأتي إلى أختها ، حتى اجتمع بدن كل طائر على ما كان عليه ، وهو ينظر إلى قدرة الذي يقول للشيء كن فيكون ، فأتين إليه سعيا ، ليكون أبين له وأوضح لمشاهدته من أن يأتين طيرانا.

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ١٠ / ٣٣٧١). ورواه أيضا في كتابه «خلق أفعال العباد» (٩٧ / السعودية) وذكر له روايات كثيرة متعددة بطرق مختلفة. ورواه الترمذي (٢٩ / ١٨ / ٢٠٦٠). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ١٨١ ، ٢٩٠ ، ٣٧٥) ، (٥ / ٤٣٠) ، (٢ / ٦ / حلبي). ورواه أبو داود (٢ / ٥٣٦ / حلبي). ورواه أيضا الدرامي في سننه ومالك في الموطأ.

١٦١

ويقال إنه أمر أن يأخذ رءوسهن في يده ، فجعل كل طائر يأتي فيلقى (١) رأسه فيتركب على جثته كما كان. فلا إله إلا الله.

وقد كان إبراهيم عليه‌السلام يعلم قدرة الله تعالى على إحياء الموتى علما يقينيا لا يحتمل النقيض ، ولكن أحب أن يشاهد ذلك عيانا ، ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين! فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأمولة.

وقال تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)

[٣ / آل عمران : ٦٥ ـ ٦٨]

ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى كل من الفريقين ، كون الخليل على ملتهم وطريقتهم (٢) ، فبرأه الله منهم ، وبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله «وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده» أي فكيف يكون على دينكم وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة؟ ولهذا قال : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) إلى أن قال : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

فبين أنه كان على دين الله الحنيف ، وهو القصد إلى الإخلاص ، والانحراف عمدا عن الباطل إلى الحق الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والمشركية.

كما قال تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ* وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ* فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما

__________________

(١) و : فيلقبه.

(٢) و : وطريقهم.

١٦٢

هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ* قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ* أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ* تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)

[٢ / البقرة : ١٣٠ ـ ١٤١]

فنزه الله عزوجل خليله عليه‌السلام عن أن يكون يهوديا أو نصرانيا ، وبين أنه إنما كان حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين. ولهذا قال تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) يعني الذين كانوا على ملته من أتباعه في زمانه ، ومن تمسك بدينه من بعدهم. «وهذا النبي» يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن الله شرع له الدين الحنيف الذي شرعه للخليل ، وكمله الله تعالى له ، وأعطاه ما لم يعط نبيا ولا رسولا من قبله :

كما قال تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

[٦ / الأنعام : ١٦١ ـ ١٦٣]

وقال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)

[١٦ / النحل : ١٢٠ ـ ١٢٣]

وقال البخاري : حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا هشام ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت. ورأى إبراهيم وإسماعيل بأيديهما الأزلام فقال : «قاتلهم الله! والله إن استقسما (١) بالأزلام قط!» (٢).

لم يخرجه مسلم.

وفي بعض ألفاظ البخاري : «قاتلهم الله! لقد علموا أن شيخنا لم يستقسم بها قط» (٣)

__________________

(١) و : لن يستقسما.

(٢) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ٨ / ٣٣٥٢ / فتح). ورواه أبو داود (١ / ٤٦٧ / حلبي) ولفظه «قاتلهم الله والله لقد علموا ما استقسما بها قط» قال : ثم دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه ثم خرج ولم يصل فيه. ا. ه ورواه أحمد في المسند (١ / ٣٣٤ ، ٣٦٥).

(٣) الحديث رواه البخاري عن ابن عباس (٢٥ / ٥٤ / ١٦٠١ / فتح) ولفظه «قاتلهم الله أما والله قد علموا أنهما لم يستقسما بها قط فدخل البيت فكبر من نواحيه ، ولم يصل فيه» أ. ه وراجع تخريج ما قبله.

١٦٣

وقوله : «أمة» أي قدوة إماما مهتديا داعيا الى الخير ، يقتدى به فيه (قانِتاً لِلَّهِ) أي خاشعا له في جميع حالاته وحركاته وسكناته ، (حَنِيفاً) أي مخلصا على بصيرة ، (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) أي قائما بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله ، (اجْتَباهُ) أي اختاره الله لنفسه واصطفاه لرسالته. واتخذه خليلا ، وجمع له بين خيري (١) الدنيا والآخرة.

وقال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)

[٤ / النساء : ١٢٥]

يرغب تعالى في اتباع إبراهيم عليه‌السلام ؛ لأنه كان على الدين القويم والصراط المستقيم ، وقد قام بجميع ما أمره به ربه ، ومدحه تعالى بذلك فقال : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) ولهذا اتخذه الله (٢) خليلا ، والخلة هي غاية المحبة كما قال بعضهم :

قد تخللت مسلك الروح مني

وبذا سمي الخليل خليلا

وهكذا نال هذه المرتبة (٣) خاتم الأنبياء وسيد المرسلين (٤) محمد صلوات الله وسلامه عليه ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جندب البجلي وعبد الله بن عمرو وابن مسعود عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أيها الناس ، إن الله اتخذني خليلا».

وقال أيضا في آخر خطبة خطبها : «أيها الناس لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله» (٥).

أخرجاه من حديث أبي سعيد.

وثبت أيضا من حديث عبد الله بن الزبير وابن عباس وابن مسعود. وروى البخاري في صحيحه : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن عمرو بن ميمون ، قال : إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) فقال رجل من القوم : لقد قرت عين أم إبراهيم!

وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم ، حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد ، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة ، حدثنا عبد الله الحنفي ، حدثنا زمعة بن

__________________

(١) و : خير.

(٢) و : واتخذه الله خليلا.

(٣) م : المنزلة.

(٤) م : الرسل.

(٥) الحديث رواه البخاري في رواية طويلة (٦٣ / ٤٥ / ١٩٠٤ / فتح) ، (٦٢ / ٥ / ٣٦٥٦ ، ٣٦٥٧ ، ٣٦٥٨ / فتح). ورواه الدارمي في سننه (٢١ / ١١ / ٢٩١٣ / مصر). ورواه ابن ماجه في سننه (مقدمة / ١١ / ٩٣). وأحمد في مسنده (١ / ٢٧٠ ، ٣٥٩) ، (٣ / ١٨ ، ٤٧٨) ، (٤ / ٤) ، (٥ / ٢١٢). ورواه الترمذي في سننه (٥٠ / ١٤ / ٣٦٥٥).

ورواه مسلم (٤٤ / ١ / ٢ / ٧).

١٦٤

صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينتظرونه ، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم وإذا بعضهم يقول : عجبا (١) إن الله اتخذ من خلقه خليلا! فإبراهيم خليله ، وقال آخر : ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما. وقال آخر :

فعيسى روح الله وكلمته. وقال آخر : آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلم وقال : «قد سمعت كلامكم وعجبكم إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى كليمه وهو كذلك وعيسى روحه وكلمته ، وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وإني حبيب الله ولا فخر ، ألا وإني أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتحه الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر» (٢).

هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وله شواهد من وجوه أخر والله أعلم.

وروى الحاكم في مستدركة من حديث قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أتنكرون أن تكون الخلة لإبراهيم؟ والكلام لموسى؟ والرؤية لمحمد؟ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمود بن خالد السلمي ، حدثنا الوليد ، عن إسحاق بن يسار قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل حتى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعد كما يسمع خفقان الطير في الهواء.

وقال عبيد بن عمير : كان إبراهيم عليه‌السلام يضيف الناس ، فخرج يوما يلتمس انسانا يضيفه فلم يجد أحدا يضيفه ، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما ، فقال : يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني؟ قال : دخلتها بإذن ربها. قال : ومن أنت؟ قال : أنا ملك الموت ، أرسلني ربي إلى عبد من عباده ، أبشره بأن الله قد اتخذه خليلا. قال : من هو؟ فو الله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ؛ ثم لا أبرح له جارا ؛ حتى يفرق بيننا الموت. قال. ذلك العبد أنت.

قال : أنا! قال : نعم. قال : فبم اتخذني ربي خليلا؟ قال بأنك (٣) تعطي الناس ولا تسألهم.

رواه ابن أبي حاتم.

وقد ذكره الله تعالى في القرآن كثيرا في غير ما موضع بالثناء عليه والمدح له ، فقيل : إنه مذكور في خمسة وثلاثين موضعا ، منها خمسة عشر في البقرة وحدها.

وهو أحد أولي العزم الخمسة المنصوص على أسمائهم تخصيصا من بين سائر الأنبياء في آيتي الأحزاب والشورى ، وهما قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ

__________________

(١) م : عجب.

(٢) الحديث ضعيف.

فيه : زمعة بن صالح الجندي ، نزيل مكة ، أبو وهب ، ضعيف ، وحديثه عند مسلم مقرون ، من السادسة. م / مدت س ق. تقريب التهذيب (١ / ٢٦٣ / ٦٥).

(٣) و : إنك.

١٦٥

وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ، وقوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ؛ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الآية.

ثم هو أشرف أولى العزم بعد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهو الذي وجده عليه‌السلام في السماء السابعة مسندا ظهره بالبيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم. وما وقع في حديث شريك ابن أبي نمير عن أنس في حديث الإسراء ، من أن إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة ، فمما انتقد على شريك في هذا الحديث. والصحيح الأول.

وقال أحمد ؛ حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمرو ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال ؛ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرحمن» (١).

تفرد به أحمد.

ثم مما يدل على أن إبراهيم أفضل من موسى الحديث الذي قال فيه :

«وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم» (٢).

رواه مسلم من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.

وهذا هو المقام المحمود الذي أخبر عنه صلوات الله وسلامه عليه بقوله : «أنا سيد ولد آدم

__________________

(١) حديث صحيح.

رواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٣٢ / حلبي) وتمامه «... عزوجل وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الداعي لأجبته إذ جاء الرسول فقال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد إذ قال لقومه لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد وما بعث الله من بعده من نبي إلا في ثروة من قومه». أ. ه وهكذا رواه الترمذي في سننه (٤٨ / ١٣ / ٣١١٦). ورواه البخاري مختصرا من طريق ابن عمر (٦٠ / ١٩ / ٣٣٩٠). وأحمد أيضا من طريق ابن عمر في مسنده (٢ / ٩٦ / حلبي).

(٢) الحديث رواه مسلم في صحيحه (٦ / ٤٨ / ٢٧٣) من حديث طويل ونصه :

«عن أبي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي. فقرأ قراءة أنكرتها عليه. ثم دخل آخر. فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه. فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه. ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ. فحسن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شأنهما. فسقط في نفس التكذيب. ولأني إذ كنت في الجاهلية. فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري. ففضت عرقا. وكأنما أنظر إلى الله عزوجل فرقا. فقال لي : «يا أبي! أرسل إلى : أن أقرأ القرآن على حرف. فرددت إليه : أن هون على أمتي. فرد إلى الثانية : اقرأه على حرفين. فرددت إليه : أن هون على أمتي. فرد إلى الثالثة : اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألينها فقلت : اللهم! اغفر لأمتي. اللهم أغفر لأمتي. وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم. حتى إبراهيم عليه‌السلام» أ. ه.

وكذلك رواه أحمد في مسنده (٥ / ١٢٧ ، ١٢٩ / حلبي).

١٦٦

يوم القيامة ولا فخر». ثم ذكر استشفاع الناس بآدم ، ثم بنوح ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ثم عيسى ، فكلهم يحيد عنها حتى يأتوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقول : «أنا لها ، أنا لها» الحديث بتمامه.

وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبيد الله ، حدثني سعيد ، عن أبي هريرة قال : قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال : «أكرمهم أتقاهم» فقالوا ليس عن هذا نسألك. قال : «فأكرم الناس يوسف (١) نبي الله ، ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله». قالوا : ليس عن هذا نسألك. قال : أفعن معادن العرب تسألونني؟ قالوا نعم. قال فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» (٢).

وهكذا رواه البخاري في مواضع أخر ، ومسلم والنسائي من طرق ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن عبيد الله ـ وهو ابن عمر العري به.

ثم قال البخاري : ثم قال أبو أسامة ومعتمر عن عبيد الله ، عن سعيد ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قلت : وقد أسنده في موضع آخر من حديثهما ، وحديث عبيدة بن سليمان. والنسائي من حديث محمد بن بشر ، أربعتهم عن عبيد الله بن عمر ، عن سعيد ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [ولم يذكروا أباه].

وقال أحمد : حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمر ، حدثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله».

تفرد به أحمد.

وقال البخاري : إسحاق بن منصور ، أخبرنا عبد الصمد ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».

تفرد به من طريق عبد الرحمن بن عبيد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن ابن عمر به.

* * *

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ١٤ / ٣٣٧٤ / فتح).

(٢) الحديث رواه البخاري (٤٠ / ١٤ / ٣٣٧٤ / فتح).

١٦٧

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن سفيان ؛ حدثني مغيرة بن النعمان ؛ عن سعيد بن جبير ؛ عن ابن عباس ؛ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يحشر الناس عراة غرلا ؛ فأول من يكسى إبراهيم عليه‌السلام» ثم قرأ : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)(١) فأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ؛ كلاهما عن مغيرة بن النعمان النخعي الكوفي ؛ عن سعيد بن جبير ؛ عن ابن عباس به.

وهذه الفضيلة المعينة لا تقتضي الأفضلية بالنسبة إلى ما قابلها مما ثبت لصاحب المقام المحمود ؛ الذي يغبطه به الأولون والآخرون.

وأما الحديث الآخر الذي قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع وأبو نعيم ؛ حدثنا سفيان ـ هو الثوري ـ عن مختار بن فلفل (٢) ؛ عن أنس بن مالك ؛ قال : قال رجل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

يا خير البرية. فقال : «ذاك إبراهيم» (٣) فقد رواه مسلم من حديث الثوري وعبد الله بن إدريس ؛ وعلي بن مشهر ومحمد بن فضيل ؛ أربعتهم عن المختار بن فلفل.

وهذا (٤) من باب الهضم والتواضع مع والده الخليل عليه‌السلام. كما قال : «لا تفضلوني على الأنبياء» وقال : «لا تفضلوني على موسى ؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش ؛ فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟»

وهذا كله لا ينافي ما ثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه من أنه سيد ولد آدم يوم القيامة. وكذلك حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم : «وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم».

ولما كان إبراهيم عليه‌السلام أفضل الرسل وأولى العزم بعد محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ؛ أمر المصلي أن يقول في تشهده ، ما ثبت في الصحيحين من حديث كعب ابن عجوة وغيره ؛ قال : قلنا يا رسول الله ؛ هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ قال :

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦٠ / ٨ / ٣٣٤٩ ـ فتح). ورواه مسلم في صحيحه (٥١ / ١٤ / ٥٨). ورواه الترمذي في سننه (٣٨ / ٣ / ٢٤٢٣). ورواه أحمد في مسنده (٥ / ٣ / حلبي). وكلهم بزيادة «... ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه‌السلام. ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال. فأقول : يا رب! أصحابي.

فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول ، كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شيء شهيد* إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم» (٥ / المائدة : ١١٧ ، ١١٨) قال فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم». أ. ه.

وهكذا رواه النسائي في سننه (٢١ / ١١٩). ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده : ٢٦٣٨. ورواه ابن كثير في تفسيره (٤ / ٢٦٥ / عمدة التفاسير.

(٢) وقعت في و ، ط لفظة (بن مختار) وهذا تحريف والصواب من المسند (٣ / ١٧٨ / حلبي). وكما هو ثابت أيضا في ميزان الاعتدال (٤ / ٨٠ / حلبي) م أنه مختار بن فلفل.

(٣) الحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه (٤٣ / ٤١ / ١٥٠). ورواه أبو داود في سننه (٣٩ / ١١٨) ورواه أحمد في مسنده (٣ / ١٧٨ ، ١٨٤) حلبي.

و : فهذا.

١٦٨

«قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.

* * *

وقال الله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) قالوا : وفي جميع ما أمر به وقام بجميع خصال الإيمان وشعبه ؛ وكان لا يشغله مراعاة الأمر الجليل عن القيام بمصلحة الأمر القليل ، ولا ينسيه القيام بأعباء المصالح الكبار عن الصغار.

قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن ابن طاووس عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله تعالى :

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) قال : ابتلاه الله بالطهارة. خمس في الرأس ، وخمس في الجسد. في الرأس : قص الشارب ، والمضمضة ، والسواك ، والاستنشاق ، وفرق (١). وفي الجسد : تقليم الأظفار وحلق العانة ، والختان ، ونتف الأبط ، وغسل أثر الغائط والبول بالماء (٢).

رواه ابن أبي حاتم.

وقال : وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك.

قلت : وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الفطرة خمس :

الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط» (٣).

في صحيح مسلم وأهل السنن من حديث وكيع ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن مصعب بن شيبة العبدري المكي الحجبي ، عن طلق بن حبيب العنزي ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ،

__________________

(١) و : وفرق في الرأي.

(٢) هذه الرواية رواها ابن كثير في تفسيره (٢٣١ / عمدة). ورواه الطبري في تفسيره (١٩١٠ / شاكر). والحاكم في المستدرك (٢ / ٢٦٦ / حيدرآباد) وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقال شاكر في تعليقه على هذا الحديث في المصدر السابق : «إسناد ابن أبي حاتم في هذا لابن عباس إسناد صحيح. أ. ه.

(٣) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٧٧ / ٦٤ / ٨٥٩٠ / فتح). ورواه مسلم في صحيحه (٢ / ١٦ / ٤٩) ورواه أبو داود في سننه (٢ / ٤٠٢ / حلبي). ورواه النسائي في سننه (١ / ١٠) ورواه الترمذي في سننه (٤٤ / ١٤ / ٢٧٥٦) ورواه ابن ماجة في سننه (١ / ٨ / ٢٩٢). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٢٢٩ ، ٢٣٩ ، ٢٨٣ ، ٤١٠ ، ٤٨٩ / حلبي). ورواه مالك في الموطأ (٧٤٩ / ٣)

غريب اللغة :

الختان : هو في الذكر قطع جميع الجلدة التي تغطي الحشفة ، حتى تنكشف جميع الحشفة ، وفي الأنثى قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج.

الاستحداد : هو حلق العانة. سمي استحداد لاستعمال الحديدة ، وهي الموسى. والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه. وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة.

تقليم الأظافر : هو تفعيل من القلم وهو القطع.

١٦٩

والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط وحلق العانة ، وانتقاص الماء ، يعني الاستنجاء».

وسيأتي في ذكر مقدار عمره والكلام على الختان.

والمقصود أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يشغله القيام بالإخلاص لله عزوجل وخشوع العبادة العظيمة ، عن مراعاة مصلحة بدنه ، وإعطاء كل عضو ما يستحقه من الإصلاح والتحسين ، وإزالة ما يشين ؛ من زيادة شعر أو ظفر أو وجود قلح أو وسخ.

فهذا من جملة قوله تعالى في حقه من المدح العظيم : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى).

__________________

(١) الحديث رواه مسلم في صحيحه (٢ / ١٦٧ / ٥٦). ورواه أبو داود في سننه (١ / ١٣ / حلبي) ورواه الترمذي في سننه (٤٤ / ١٤ / ٢٧٥٧). ورواه ابن ماجه في سننه (١ / ٨ / ٢٩٣). ورواه أحمد في مسنده (٦ / ١٣٧ / حلبي)

غريب اللغة

البراجم : جمع برجمة ، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها.

١٧٠

ذكر قصره في الجنة

قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي ومحمد بن موسى القطان قالا : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن في الجنة قصرا ـ أحسبه قال من لؤلؤة ـ ليس فيه فصم ولا وهي أعده الله لخليله إبراهيم عليه‌السلام نزلا» قال البزار : وحدثنا أحمد بن جميل المروزي ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك عن عكرمة ، عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحوه.

ثم قال : وهذا الحديث لا نعلم من رواه عن حماد بن سلمة فأسنده ، إلّا يزيد بن هارون والنضر بن شميل ، وغيرهما يرويه موقوفا.

قلت : لولا هذه العلة لكان على شرط الصحيح. ولم يخرجوه.

١٧١

ذكر صفة إبراهيم عليه‌السلام

قال الإمام أحمد : حدثنا يونس وحجين قالا : حدثنا الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر. ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : عرض على الأنبياء ، فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود ، ورأيت إبراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية» (١).

تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه وبهذا اللفظ.

وقال أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل ، عن عثمان ـ يعني بن المغيرة ـ عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيت عيسى ابن مريم وموسى وإبراهيم ؛ فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر ، وأما موسى فآدم جسيم». قالوا له :

فإبراهيم؟ قال : «انظروا إلى صاحبكم» يعني نفسه.

وقال البخاري : حدثنا بيان بن عمرو ، حدثنا النضر ، أخبرنا ابن عون ، عن مجاهد ، أنه سمع ابن عباس ، وذكروا له الدجال وأنه مكتوب بين عينيه كافر أو «ك ف ر» ، فقال : لم أسمعه ، ولكنه قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم ، وأما موسى فجعد آدم على جمل أحمر مخطوط بخلبة كأني أنظر إليه انحدر في الوادي» (٢).

__________________

(١) حديث ضعيف.

رواه أحمد من طريق أبي الزبير عن جابر (٣ / ٣٢٤ / حلبي). ورواه مسلم في صحيحه (١ / ٧٤ / ٢٧١) من نفس طريق أحمد. وآخره ما نصه «ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم (يعنى نفسه) ورأيت جبريل عليه‌السلام فإذا أقرب ما رأيت به شبها دحية» أ. ه.

وهذه الرواية وكما هو ظاهر جاءت من طريق أبي الزبير عن جابر. قال الذهبي في الضعفاء (٢ / ٦٣٢ ، ٦٣٣ / ٥٩٨٠) «وأما ابن حزم فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه «عن جابر» أه.

قلت : وفي رواية أبي الزبير عن جابر تدليس مفصل خاصا وأنها رويت بالضعفة. وقال عليه ابن حجر في «طبقات المدلسين صفحة ٣٢» ما نصه «محمد بن مسلم بن تدرس المكي أبو الزبير من التابعين مشهور بالتدليس وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس».

ولذلك أقول أن كل الروايات الواردة في صحيح مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر «مضعفه» فيها نظر.

(٢) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٢ / ١٠٧ / الأميرية).

١٧٢

ورواه البخاري أيضا ومسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن ابن أبي عدي ، عن عبد الله بن عون به. وهكذا رواه البخاري أيضا في كتاب الحج وفي اللباس ، ومسلم ، جميعا عن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي ، عن عبد الله بن عون به.

١٧٣

ذكر وفاة إبراهيم الخليل وما قيل في عمره

ذكر ابن جرير في تاريخه : أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان ، وهو ـ فيما قيل ـ الضحاك الملك المشهور ، الذي يقال إنه ملك ألف سنة ، وكان في غاية الغشم والظلم.

وذكر بعضهم أنه من بني راسب الذين بعث إليهم نوح عليه‌السلام ، وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا ، وذكروا أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر ، فهال ذلك أهل ذلك الزمان وفزع النمرود ، فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك ، فقالوا : يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه. فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء ، وأن يقتل المولودون من ذلك الحين ، فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين ، فحماه الله عزوجل وصانه من كيد الفجار ، وشب شبابا باهرا وأنبته الله نباتا حسنا ، حتى كان من أمره ما تقدم.

وكان مولده بالسويس ، وقيل ببابل ، وقيل بالسواد من ناحية كوثى. وتقدم عن ابن عباس أنه ولد ببرزة شرقي دمشق ، فلما أهلك الله نمرود على يديه هاجر إلى حران ، ثم إلى أرض الشام ، وأقام ببلاد إيليا كما ذكرنا. وولد له إسماعيل وإسحق. وماتت سارة قبله بقرية حبرون التي في أرض كنعان ، ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة فيما ذكر أهل الكتاب. فحزن عليها ابراهيم عليه‌السلام ، ورثاها رحمها الله ، واشترى من رجل من بني حيث يقال له عفرون بن صخر مغارة بأربعمائة مثقال ، ودفن فيها سارة هنالك.

قالوا : ثم خطب إبراهيم على ابنه إسحاق فزوجه «رفقا» بنت بتوئيل بن ناحور بن تارخ ، وبعث مولاه فحملها من بلادها ومعها مرضعتها وجواريها على الإبل.

قالوا : ثم تزوج إبراهيم عليه‌السلام «قنطورا» فولدت له : زمران ، ويقشان ، ومادان ، ومدين ، وشياق ، وشوح. وذكروا ما ولد كل واحد من هؤلاء أولاد قنطورا.

وقد روى ابن عساكر عن غير واحد من السلف ، عن أخبار أهل الكتاب. في صفة مجيء ملك الموت إلى إبراهيم عليه‌السلام أخبارا كثيرة الله أعلم بصحتها. وقد قيل إنه مات فجأة ، وكذا داود وسليمان والذي ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف ذلك.

قالوا : ثم مرض إبراهيم عليه‌السلام ، ومات عن مائة وخمس وسبعين. وقيل وتسعين

١٧٤

سنة ، ودفن في المغارة المذكورة التي كانت بحبرون الحيثي عند امرأته سارة التي في مزرعة عفرون الحيثي ، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق. صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وقد ورد ما يدل على أنه عاش مائتي سنة كما قاله ابن الكلبي.

فقال أبو حاتم ابن حبان في صحيحه : أنبأنا المفضل بن محمد الجندي بمكة ، حدثنا علي بن زياد اللخمي (١) ، حدثنا أبو قرة ، عن ابن جريج ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة» (٢).

وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عكرمة بن إبراهيم وجعفر بن عون العمري ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد ، عن أبي هريرة موقوفا.

ثم قال ابن حبان : ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن رفع هذا الخبر وهم ، أخبرنا محمد ابن عبد الله بن الجنيد (٣) ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ، عن ابن عجلان ، عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اختتن إبراهيم حين بلغ [عشرين](٤) ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ، واختتن بقدوم».

وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن سعيد ؛ عن ابن عجلان ؛ عن أبيه عن أبي هريرة ؛ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم روى ابن حبان عن عبد الرزاق أنه قال : القدوم اسم القرية.

قلت : الذي في الصحيح أنه اختتن وقد أتت عليه ثمانون سنة. وفي رواية وهو ابن ثمانين سنة ، وليس فيهما تعرض لما عاش بعد ذلك والله أعلم.

وقال محمد بن إسماعيل الحساني الواسطي : زاد في تفسير وكيع عنه فيما ذكره من الزيادات ، حدثنا أبو معاوية ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : كان إبراهيم أول من تسرول ، وأول من فرق ، وأول من استحد ، وأول من اختتن بالقدوم ، وهو ابن عشرين ومائة سنة ، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ، وأول من قرى الضيف ، وأول من شاب.

هكذا رواه موقوفا. وهو أشبه بالمرفوع (٥) خلافا لابن حبان والله أعلم.

وقال مالك عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال : كان إبراهيم أول [الناس ضيف] الضيف ، وأول الناس اختتن ، وأول الناس قص الشارب ، وأول الناس رأى الشيب. فقال : يا

__________________

(١) و : الحجبي.

(٢) رواه ابن عساكر في تاريخه تهذيب).

(٣) و : ابن فيست.

(٤) من و.

(٥) و : من المرفوع.

١٧٥

رب ما هذا؟ فقال الله تبارك وتعالى : «وقار [يا إبراهيم]» فقال : رب زدني وقارا (١).

وزاد غيرهما : وأول من قص شاربه ، وأول من استحد ، وأول من لبس السراويل.

فقبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولده يعقوب في المربعة التي بناها سليمان بن داود عليه‌السلام ببلد حبرون ، وهو البلد المعروف بالخليل اليوم. وهذا متلقى بالتواتر أمة بعد أمة وجيلا بعد جيل من زمن بني إسرائيل وإلى زماننا هذا ، أن قبره بالمربعة تحقيقا. فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن معصوم. فينبغي أن تراعى تلك المحلة وأن تحترم احترام مثلها ، وأن تبجل وأن تجل أن يداس في أرجائها ، خشية أن يكون قبر الخليل أو أحد أولاده الأنبياء عليهم‌السلام تحتها.

وروى ابن عساكر بسنده إلى وهب بن منبه قال : وجد عند قبر إبراهيم الخليل على حجر كتابة خلقة :

إلهي جهولا أمله

يموت من جا أجله

ومن دنا من حتفه

لم تغن عنه حيله

وكيف يبقى آخرا

من مات عنه أوله

والمرء لا يصحبه

في القبر إلا عمله

__________________

(١) هذا الأثر رواه مالك في الموطأ (٤٩ / ٣ / ٤). وما بين الأقواس زيادة كانت ساقطة من الحديث في و ، م. وأثبتها من الموطأ.

١٧٦

ذكر أولاد إبراهيم الخليل

أول من ولد له : إسماعيل من هاجر القبطية المصرية ، ثم ولد له إسحاق من سارة بنت عم الخليل. ثم تزوج بعدها «قنطورا» بنت يقطن الكنعانية فولدت له ستة : مدين ، وزمران ، وسرج ، ويقشان ، ونشق ، ولم يسم السادس. ثم تزوج بعدها «حجون» بنت أمين ، فولدت له خمسة : كيسان ، وسورج ، وأميم ، ولوطان ونافس.

هكذا ذكره أبو القاسم السهيلي في كتابه : «التعريف والإعلام».

١٧٧

قصة لوط عليه‌السلام

ومما وقع في حياة إبراهيم الخليل من الأمور العظيمة : قصة قوم لوط عليه‌السلام ، وما حل بهم من النقمة العميمة.

وذلك أن لوطا بن هارون بن تارح ـ وهو آزر كما تقدم ـ ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل فإبراهيم وهاران وناحور إخوة كما قدمنا ، ويقال إن هاران هذا هو الذي بنى حران وهذا ضعيف لمخالفته ما بأيدي أهل الكتاب والله تعالى أعلم.

وكان لوط قد تزوج من محلة عمه الخليل عليهما‌السلام بأمره له وإذنه ، فنزل بمدينة سدوم من أرض غور زغر (١) ، وكان أم تلك المحلة ولها أرض ومعتملات وقرى مضافة إليها. ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوئهم طوية ، وأردئهم سريرة وسيرة ، يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المنكر ، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون.

ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم ، وهي إتيان الذكران من العالمين ، وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصالحين.

فدعاهم لوط إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، ونهاهم عن تعاطي هذه المحرمات والفواحش والمنكرات ، والأفاعيل المستقبحات فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم ، واستمروا على فجورهم وكفرانهم ، فأحل الله بهم من البأس الذي لا يرد ما لم يكن في خلدهم وحسبانهم ، وجعلهم مثلة في العالمين ، وعبرة يتعظ بها الألباء من العالمين.

ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم في غير ما موضع في كتابه المبين.

قال تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ* وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ* وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)

[٧ / الأعراف : ٨٠ ـ ٨٤]

__________________

(١) و : أرض عزعز.

١٧٨

وقال تعالى في سورة هود : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ ، فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ* فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ* وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ* قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ* قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ؟ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ* فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ* إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ* يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ* وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ* وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ* قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ* قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ* قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ* فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)

[١١ / هود : ٦٩ ـ ٨٣]

وقال تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ* إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ* قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ* قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ* قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ* قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ* قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ* فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ* قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ* قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ* وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ* فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ* وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ* وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ* قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ* وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ* قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ* قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ* لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ.)

[١٥ / الحجر ٥١ ـ ٧١]

١٧٩

وقال تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ* أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ* وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ* قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ* قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ* رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ* فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.)

[٢٦ / الشعراء / ١٦٠ ـ ١٧٥]

وقال تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ* أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ* وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ.)

[٢٧ / النمل : ٥٤ ـ ٥٨]

وقال تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ* أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ* وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ* قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ* وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ* إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ* وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.)

[٢٩ / العنكبوت : ٢٨ ـ ٣٥]

وقال تعالى : (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ* ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.)

[٣٧ / الصافات : ١٣٣ ـ ١٣٧]

وقال تعالى بعد قصة ضيف إبراهيم وبشارتهم إياه بغلام عليم : (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ* فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ

١٨٠