قصص الأنبياء

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

قصص الأنبياء

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٣

عذاب ، ولهذا قال تعالى : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي من وقوع العذاب وهو قولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ومثلها في الأعراف.

وقد ذكر المفسرون وغيرهم ها هنا الخبر الذي ذكره الإمام محمد بن إسحاق بن يسار (١) قال : فلما أبوا إلا الكفر بالله عزوجل ، أمسك عنهم القطر (٢) ثلاث سنين ، حتى جهدهم ذلك ، قال : وكان الناس إذا جهدهم أمر في ذلك الزمان فطلبوا من الله الفرج منه إنما يطلبون بحرمه ومكان بيته ، وكان معروفا عند أهل ذلك الزمان ، وبه العماليق مقيمون ، وهم من سلالة عمليق ابن لاوذ بن سام بن نوح ، وكان سيدهم إذ ذاك رجلا يقال له معاوية بن بكر ، وكانت أمه من قوم عاد واسمها جلهذة ابنة الخيبري. قال : فبعث عاد وفدا قريبا من سبعين رجلا ليستسقوا لهم عند الحرم ، فمروا بمعاوية بن بكر بظاهر مكة ، فنزلوا عليه فأقاموا عنده شهرا ، يشربون الخمر ، وتغنيهم الجرادتان ، قينتان لمعاوية ، وكانوا قد وصلوا إليه في شهر ، فلما طال مقامهم عنده ، وأخذته شفقة على قومه ، واستحيا منهم أن يأمرهم بالانصراف ـ عمل شعرا يعرض لهم فيه بالانصراف ، وأمر القينتين أن تغنيهم به ، فقال.

ألا يا قيل ويحك قم فهينم

لعلّ الله يصحبنا (٣) غماما

فيسقي أرض عاد إنّ عادا

قد امسوا لا يبينون الكلاما

من العطش الشديد فليس نرجو

به الشيخ الكبير ولا الغلاما

وقد كانت نساؤهم بخير

فقد أمست نساؤهم أيامى

وإنّ الوحش يأتيهم جهارا

ولا يخشى لعاد سهاما

وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم

نهاركم وليلكم تماما (٤)

فقبّح وفدكم من وفد قوم

ولا لقّوا التحية والسلاما

قال : فعند ذلك تنبه القوم لما جاءوا له ، فنهضوا إلى الحرم ودعوا لقومهم ، فدعا داعيهم وهو قيل بن عنز ، فأنشأ الله سحابات ثلاثا : بيضاء وحمراء وسوداء ، ثم ناداه مناد من السماء :

اختر لنفسك أو لقومك من هذا السحاب ، فقال : اخترت السحابة السوداء فإنها أكثر السحاب ماء ، فناداه مناد : اخترت رمادا رمددا ، لا تبقى من عاد أحدا ، لا والدا يترك ولدا إلا جعلته همدا إلا بني اللوذية الهمدا قال : وهم بطن من عاد كانوا مقيمين بمكة ، فلم يصبهم ما أصاب قومهم. قال : ومن بقي من أنسابهم وأعقابهم هم عاد الآخرة.

قال : وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد ، حتى تخرج عليهم من واد يقال له المغيث ، فلما رأوها استبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا ، فيقول تعالى :

(بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) أي تهلك كل شيء أمرت به.

__________________

(١) م : بشار هو تحريف.

(٢) م : المطر.

(٣) م : يمنحنا.

(٤) و : التماما

١٠١

فكان أول من أبصر ما فيها وعرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها «مهد» ، فلما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت. فلما أفاقت قالوا ما رأيت يا مهد؟ قالت رأيت ريحا فيها شبه النار أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، والحسوم الدائمة ؛ فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك.

قال : واعتزل هود عليه‌السلام ـ فيما ذكر لي ـ في حظيرة هو ومن معه من المؤمنين ، ما يصيبهم إلا ما تلين عليه الجلود ، وتلذ (١) الأنفس ، وإنها لتمر على عاد بالظعن فيما بين السماء والأرض ، وتدمغهم بالحجارة وذكر تمام القصة.

وقد روى الإمام أحمد حديثا في مسنده (٢) يشبه هذه القصة فقال : حدثنا زيد بن الخباب ، حدثني أبو المنذور سلام بن سليمان النحوي ، حدثنا عاصم بن أبي النجود ، عن أبي وائل ، عن الحارث ـ وهو ابن حسان ـ ويقال ابن يزيد البكري ، قال : خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمررت بالربذة ، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ، فقالت لي :

يا عبد الله إن لي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاجة ، فهل أنت مبلغي إليه؟

قال : فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله ، وإذا راية سوداء تخفق ، وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : ما شأن الناس؟ قالوا : يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها؟

قال : فجلست ، قال فدخل منزله ـ أو قال رحله ـ فاستأذنت عليه فأذن لي ، فدخلت فسلمت فقال : «هل كان بينكم وبين بني تميم شيء»؟ فقلت : نعم. وكانت لنا الدائرة عليهم ، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها ، فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب ، فأذن لها فدخلت ، فقلت يا رسول الله : إن رأيت أن تجعل بيننا وبين بني تميم حاجزا ، فاجعل الدهناء فإنها كانت لنا ، قال : فحميت العجوز واستوفزت وقالت يا رسول الله فإلى أين يضطر مضطرك؟

قال : فقلت : إن مثلي ما قال الأول : معزى حملت حتفها ، حملت هذه الأمة ولا أشعر أنها كانت

__________________

(١) : ويلبد.

(٢) الحديث في المسند (٣ / ٤٨٢ / حلبي) وفيه.

(أ) سلام بن سليمان المزني ، أبو المنذر القارىء النحوي ، البصري ، نزيل الكوفة ، صدوق يهم ، قرأ على عاصم ، من السابعة ، مات سنة إحدى وسبعين ـ ت س. تقريب التهذيب (١ / ٣٤٢ / ٦١٤).

(ب) عاصم بن بهدلة ، وهو ابن أبي النجود : بنون وجيم الأسدي مولاهم ، الكوفي ، أبو بكر المقري ، صدوق ، له أوهام ، حجة في القراءة ، وحديثه في الصحيحين مقرون ، من السادسة ، مات سنة ثمان وعشرين. / ع. تقريب التهذيب (١ / ٣٨٣ / ٣).

وروى الترمذي نحوه (٤٨ / ٥٢ / ٣٢٧٣ ، ٣٢٧٤). من نفس الطريق السابعة وقال الترمذي : وقد روى غير واحد هذا الحديث عن سلام بن أبي المنذر عن عاصم بن أبي النجود ، وعن أبي وائل عن الحارث بن حسان ويقال له الحارث بن يزيد.

(٣) و : بالحدیث فیه

١٠٢

لي خصما ، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد ، قال : هيه وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث مني (١) ولكن يستطعمه.

قلت : إن عادا قحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل ، فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان ، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة (١) ـ ، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أجيء إلى مريض فأداويه ، ولا إلى أسير فأفاديه ، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه. فمرت به سحابات سود فنودي منها : اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها :

خذها رمادا رمددا ، لا تبقى من عاد أحدا. قال : فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا من الريح حتى هلكوا.

قال أبو وائل : وصدق ، وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدا (٢) لهم قالوا : لا تكن كوافد عاد.

وهكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن زيد بن الحباب به. ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر عن عاصم بن بهدلة ، ومن طريقه رواه ابن ماجه. وهكذا أورد هذا الحديث وهذه القصة عند تفسير هذه القصة غير واحد من المفسرين كابن جرير وغيره.

وقد يكون هذا السياق لإهلاك عاد الآخرة ؛ فإن فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة ، ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل ، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل ، فنزلت جرهم عندهم كما سيأتي ، وعاد الأولى قبل الخليل ، وفيه ذكر معاوية بن بكر وشعره ، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى ، ولا يشبه كلام المتقدمين. وفيه أن في تلك السحابة شرر نار ، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر. وقد قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من أئمة التابعين : هي الباردة والعاتية الشديدة الهبوب.

(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) أي كوامل متتابعات. قيل كان أولها الجمعة ، وقيل الأربعاء.

(فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) شبههم بأعجاز النخل التي لا رؤوس لها ، وذلك لأن الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ؛ ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى جثة بلا رأس ، كما قال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) أي في يوم نحس عليهم ، مستمر عذابه عليهم.

(تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) ومن قال إن اليوم النحس المستمر يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم ، فقد أخطأ وخالف القرآن ؛ فإنه قال في الآية الأخرى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ

__________________

(١) و : حيال مهرة.

(٢) م : وفدا.

١٠٣

رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) ومعلوم أنها ثمانية أيام متتابعات ، فلو كانت نحسات في أنفسها لكانت جميع الأيام السبعة المندرجة فيها (١) مشؤومة ، وهذا لا يقوله أحد ، وإنما المراد في أيام نحسات ، أي عليهم.

وقال تعالى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) أي التي لا تنتج خيرا ، فإن الريح المفردة لا تثير سحابا ولا تلقح شجرا ، بل هي عقيم لا نتيجة خير لها ، ولهذا قال : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) هي كالشيء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالكلية.

وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور» (٢).

وأما قوله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) فالظاهر أن عادا هذه هي عاد الأولى ؛ فإن سياقها شبيه بسياق قوم هود وهم الأولى. ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم عاد الثانية. ويدل عليه ما ذكرنا وما سيأتي من الحديث عن عائشة رضي الله عنها.

وأما قوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) فإن عادا لما رأوا هذا العارض وهو الناشيء في الجو كالسحاب ظنوه سحاب مطر ، فإذا هو سحاب عذاب. اعتقدوه رحمة فإذا هو نقمة ، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر. قال الله تعالى : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) أي من العذاب ، ثم فسروه بقوله : (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوب ، التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية فلم تبق منهم أحدا ، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم ، وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة ، فكما منّوا بشدتهم وبقوتهم (٣) وقالوا : من أشد منا قوة؟! سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة ، وأقدر عليهم ، وهو الريح العقيم.

ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة ، ظن من بقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم وغياث لمن بقي منهم ، فأرسلها الله عليهم شررا ونارا. كما ذكره غير واحد. ويكون هذا ، كما أصاب أصحاب الظلة من أهل مدين ، وجمع لهم بين الريح الباردة وعذاب النار ، وهو أشد ما

__________________

(١) و : المندرجة في الثمانية.

(٢) الحديث رواه البخاري (١٥ / ٢٦ / ١٠٣٥ / فتح). (٥٩ / ٥ / ٣٢٠٥ / فتح) ، (٦٠ / ٦ / ٣٣٤٣ / فتح) ـ رواه مسلم (٩ / ٤ / ١٧). ورواه أحمد في مسنده (١ / ٢٣ ، ٢٢٨٢ ، ٣٢٤ ، ٣٤١ ، ٣٥٥ ، ٣٧٣). اللغة :

بالصبا : يقال لها القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس ، وضدها الدبور وهي التي أهلكت بها قوم عاد. (قاله بن حجر) أه.

(٣) و : بقوتهم.

١٠٤

يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة ، مع الصيحة التي ذكرها في سورة قد أفلح المؤمنون.

والله أعلم.

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يحي بن الضريس. حدثنا ابن فضيل (١) عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم ، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض ، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد ، الريح وما فيها : (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة.

وقد رواه الطبراني عن عبدان بن أحمد ، عن إسماعيل بن زكريا الكوفي (٢) ، عن أبي مالك ، عن مسلم الملائي ، عن مجاهد وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما فتح الله على عاد من الريح إلا مثل موضع الخاتم ، ثم أرسلت عليهم البدو إلى الحضر ، فلما رآها أهل الحضر قالوا هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا. وكان أهل البوادي فيها ، فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا».

قال : عثت على خزّانها (٣) حتى خرجت من خلال الأبواب قلت : وقال غيره : خرجت بغير حساب.

والمقصود أن هذا الحديث في رفعه نظر ثم اختلف فيه على مسلم الملائي ، وفيه نوع اضطراب والله أعلم.

وظاهر الآية أنهم رأوا عارضا والمفهوم منه لغة (٤) السحاب ، كما دل عليه حديث الحارث بن حسان البكري ، إن جعلناه مفسرا لهذه القصة.

وأصرح منه في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال : حدثنا أبو بكر الطاهر ، حدثنا ابن وهب قال : سمعت ابن جريج ، حدثنا عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا عصفت الريح قال : «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به» قالت : «وإذا تخيّلت السماء تغير لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر. فإذا أمطرت سرى عنه ، فعرفت ذلك عائشة فسألته

__________________

(١) ابن فضيل هو : محمد بن فضيل بن غزوان ، ثقة مشهور ، لكنه شيعي. قال ابن سعد : بعضهم لا يحتج به.

المغني في الضعفاء (٢ / ٦٢٤ / ٥٩٠٧). تقريب التهذيب (٢ / ٢٠٠ / ٦٢٨).

(٢) إسماعيل بن زكريا الخلقاني الكوفي ، صدوق شيعي. قال الميموني : قلت لأحمد بن حنبل : «كيف هو» قال : «أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث ، ولكنه ليس ينشرح الصدر له» قال الميموني : «وسمعت ابن معين يضعفه» وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه «حديثه مقارب».

المغني في الصفاء (١ / ٨٠ / ٦٥٦). تقريب التهذيب (١ / ٦٩ / ٥١١).

(٣) م : عن خزائنها.

م : لمعة.

١٠٥

قال : لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا.)

[٤٦ / الأحقاف : ٢٤](١).

رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، من حديث ابن جريج.

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا هرون بن معروف ، أنبأنا عبد الله بن وهب ، أنبأنا عمرو وهو ابن الحارث ـ أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار ، عن عائشة أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستجمعا ضاحكا قط حتى أرى منه لهواته. إنما كان يتبسم وقالت : كان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ، قلت يا رسول الله : إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟ فقال : «يا عائشة ما يؤمني أن يكون فيه عذاب! قد عذب قوم نوح بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا : هذا عارض ممطرنا» (٢) فهذا الحديث كالصريح في تغاير القصتين كما أشرنا إليه أولا. فعلى هذا تكون القصة المذكورة في سورة الأحقاف خبرا عن قوم عاد الثانية وتكون بقية السياقات في القرآن خبرا عن عاد الأولى. والله أعلم بالصواب.

وهكذا رواه مسلم عن هارون بن معروف ، وأخرجه البخاري وأبو داود من حديث ابن وهب.

وقدمنا حج هود عليه‌السلام عند ذكر حج نوح عليه‌السلام. وروى عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب أنه ذكر صفة قبر هود عليه‌السلام في بلاد اليمن. وذكر آخرون أنه بدمشق ، وبجامعها مكان في حائطه القبلى يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه‌السلام والله أعلم.

__________________

(١) الحديث رواه مسلم (٩ / ٣ / ١٥) وما بين القوسين هو الصواب وكانت في المخطوطة والمطبوعة «غيبت» وهو تحريف وقد أثبته من مسلم المصدر السابق ذكره.

اللغة :

تخيلت : قال أبو عبيد وغيره : تخيلت من المخيلة بفتح الميم. وهي سحابة فيها رعد وبرق يخيل إليه أنها ماطرة.

سرى عنه : أي انكشف عنه الهم. قال ابن الأثير : وقد تكرر ذكر هذه اللقطة في الحديث وخاصة في ذكر نزول الوحي عليه. وكلها بمعنى الكشف والإزالة : يقال : سروت الثوب ، وسريته إذ خلفته. والتشديد فيه للمبالغة. أه.

(٢) الحديث رواه مسلم (٩ / ٣ / ١٦). ورواه السيوطي في الفتح الكبير (٣ / ٣٩٥).

اللغة :

لهواته : اللهوات جمع لهاة : وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك قاله الأصمعي. أ. ه.

١٠٦

قصة صالح عليه‌السلام

نبي ثمود

وهم قبيلة مشهورة ، يقال لهم ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس ، وهما ابنا عاثر ابن إرم ابن سام بن نوح.

وكانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك. وقد مر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين ، وكانوا بعد قوم عاد ، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك.

فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو عبد الله ورسوله : صالح بن عبيد بن ماسح (١) بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئا. فآمنت به طائفة منهم ، وكفر جمهورهم ، ونالوا منه بالمقال والفعال ، وهموا بقتله ، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم ؛ فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

قال تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ* فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ* فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)

[٧ / الأعراف : ٧٣ ـ ٧٩]

وقال تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ*

__________________

(١) وفي نسخة عبيد بن ماشخ والذي في العرش هو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عابر ابن إرام إلخ ... من المطبوعة.

١٠٧

قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ* قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ* وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ* فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ* فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ* وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ* كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ.)

[١١ / هود : ٦١ ـ ٦٧]

وقال تعالى : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ* وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ* وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ* فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.)

[١٥ / الحجر : ٧٠ ـ ٨٤]

وقال سبحانه وتعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً.)

[الإسراء : ٥٩]

وقال تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ* أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ* وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ* قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ* وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ* فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ* فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)

[٢٦ / الشعراء : ١٤١ ـ ١٥٩]

وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ* قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ* وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ* قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ* وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ*

١٠٨

فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ.)

[٢٧ / النمل : ٤٥ ـ ٥٣]

وقال تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ.)

[٤١ / فصلت : ١٧ ، ١٨]

وقال تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ* فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ* أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ* سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ* إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ* وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ* فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ* فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ* وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)

[٥٤ / القمر : ٢٣ ـ ٣٢]

وقال تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها* إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها* فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها* فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها* وَلا يَخافُ عُقْباها.)

[٩١ / الشمس : ١١ ـ ١٥]

وكثيرا ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود ، كما في سورة براءة [التوبة] وإبراهيم والفرقان ، وسورة ص ، وسورة ق ، والنجم ، والفجر.

ويقال إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب ، وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة.

ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر (١) عنهما.

كما قال تعالى : (وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ* أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) الآية.

[١٤ / إبراهيم : ٨ ـ ٩]

الظاهر أن هذا من تمام كلام موسى مع قومه ، ولكن لما كانت هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيدا ، ولا اعتنوا بحفظه ، وإن كان خبرهما كان مشهورا في زمان موسى عليه‌السلام. وقد تكلمنا على هذا كله في التفسير مستقصى. ولله الحمد والمنة.

والمقصود الآن ذكر قصتهما وما كان من أمرهما ، وكيف نجى الله نبيه صالحا عليه‌السلام ومن آمن به ، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم وعتوهم ، ومخالفتهم رسولهم عليه‌السلام.

__________________

(١) و : أخبرهم.

١٠٩

وقد قدمنا أنهم كانوا عربا ، وكانوا بعد عاد ولم يعتبروا بما كان من أمرهم ، ولهذا قال لهم نبيهم عليه‌السلام : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً ، فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ ، وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً ، فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم ، وتعملوا بخلاف عملهم. وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور ، (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) أي حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها. فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح ، والعبادة له وحده لا شريك له ، وإياكم ومخالفته والعدول عن طاعته ، فإن عاقبة ذلك وخيمة.

ولهذا وعظهم بقوله : (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) أي متراكم كثير حسن بهي ناضج (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ).

وقال لهم أيضا : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ، هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) أي هو الذي خلقكم فأنشأكم في الأرض ، وجعلكم عمّارها ، أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار ، فهو الخالق الرزاق ، وهو الذي يستحق العبادة وحده لا ما سواه.

(فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي أقلعوا عما أنتم فيه وأقبلوا على عبادته ، فإنه يقبل منكم ويتجاوز عنكم (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ).

(قالُوا : يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا) أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملا قبل هذه المقالة ، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة ، وترك ما كنا نعبده من الأنداد ، والعدول عن دين الآباء والأجداد ولهذا قالوا : اتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب».

(قالَ : يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً ، فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ).

وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب ، وحسن تأتّى في الدعوة لهم إلى الخير ، أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم إليه؟ ماذا عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته؟ وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي ، ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ولا ينصرني. فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له ، حتى يحكم الله بيني وبينكم.

وقالوا له أيضا : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) أي من المسحورين ، يعنون مسحورا لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده ، وخلع ما سواه من الأنداد. وهذا القول عليه

١١٠

الجمهور ، وهو أن المراد بالمسحرين المسحورين. وقيل من المسحرين : أي ممن له سحر ـ وهو الرئي ـ كأنهم يقولون إنما أنت بشر له سحر ، والأول أظهر لقولهم بعد هذا : (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) وقولهم : (فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به. (قالَ : هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ* وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ). كما قال : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) وقال تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها).

وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم ، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله ، وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم ، فقالوا له : إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة ـ وأشاروا إلى صخرة هناك ـ ناقة ، من صفتها كيت وكيت وذكروا أوصافا سموها ونعتوها وتعنتوا فيها. وأن تكون عشراء طويلة ، من صفتها كذا وكذا فقال لهم النبي صالح عليه‌السلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم ، أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به؟ قالوا : نعم فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك.

ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عزوجل ما قدر له ، ثم دعا ربه عزوجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا. فأمر الله عزوجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء ، على الوجه المطلوب الذي طلبوا ، أو على الصفة التي نعتوا.

فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما ومنظرا هائلا ، وقدرة باهرة ، ودليلا قاطعا ، وبرهانا ساطعا ، فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم. ولهذا قال : (فَظَلَمُوا بِها) أي جحدوا بها ولم يتبعوا الحق بسببها ، أي أكثرهم. وكان رئيس الذين آمنوا : جندع بن عمرو بن محلاة بن لبيد بن جواس وكان من رؤسائهم وهم بقية الأشراف بالإسلام فصدهم ذؤاب إبن عمرو بن لبيد والحباب صاحب أوثانهم ، ورباب بن صعر بن جلمس. ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة وكان من أشرافهم ، فهم بالإسلام فنهاه أولئك ، فمال إليهم فقال في ذلك رجل من المسلمين يقال له مهرش بن غنمة بن الذميل رحمه‌الله :

وكانت عصبة من آل عمرو

إلى دين النبي دعوا شهابا

عزيز ثمود كلهم جميعا

فهم بأن يجيب ولو أجابا

لأصبح صالح فينا عزيزا

وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا

ولكن الغواة من آل حجر

تولوا بعد رشدهم ذبابا

ولهذا قال لهم صالح عليه‌السلام : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ) أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم ، كقوله بيت الله وعبد الله (لَكُمْ آيَةً) أي دليل على صدق ما جئتكم به (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ).

١١١

وحسرن على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ، ترعى حيث شاءت من أرضهم وترد الماء يوما بعد يوم ، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك ، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم. ويقال إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم ، ولهذا قال : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ).

ولهذا قال تعالى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) أي اختبارهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون. (فَارْتَقِبْهُمْ) أي انتظر ما يكون من أمرهم (وَاصْطَبِرْ) على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية. (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ).

فلما طال عليهم هذا الحال اجتمع ملؤهم ، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم ، وزين لهم الشيطان أعمالهم. قال الله تعالى : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم : قدار بن سالف بن جندع ، وكان أحمر أزرق أصهب.

وكان يقال إنه ولد زانية (١) ولد على فراش سالف ، وهو ابن رجل يقال له صيبان. وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم ، فلهذا نسب الفعل إليهم كلهم (٢).

وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين : أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما «صدوق» (٣) ابنة المحيا بن زهير بن المختار. وكانت ذات حسب ومال ، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته ، فدعت ابن عم لها يقال له «مصرع» بن مهرج بن المحيا ، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة. واسم الأخرى «عنيزة» بنت غنيم بن مجلز ، وتكنى أم غنمة (٤) وكانت عجوزا كافرة ، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء ، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف ، إن هو (٥) عقر الناقة فله أي بناتها شاء ، فانتدب (٦) هذان الشابان لعقرها وسعيا في قومهم بذلك ، فاستجاب لهما سبعة آخرون فصاروا تسعة. وهم المذكورون في قوله تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) ، وسعوا في بقية القبيلة وحسنوا لهم عقرها ، فأجابوهم إلى ذلك وطاوعوهم في ذلك. فانطلقوا يرصدون الناقة ، فلما صدرت من وردها كمن لها «مصرع» ، فرماها بسهم فانتظم عظم (٧) ساقها ، وجاء النساء يذمرن (٨) القبيلة في قتلها ، وحسرن عن وجوههن

__________________

(١) و : زنية.

(٢) م : إلى جميعهم كلهم.

(٣) و : صدوقة.

(٤) م : أم عثمان.

(٥) و : إن من عقر.

(٦) و : فابتدر.

(٧) و : عضلة.

(٨) يذمرن : يحضضن.

١١٢

ترغيبا لهم في ذلك فأسرعهم (١) قدار بن سالف ، فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض. ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذروا لها ، ثم طعن في لبتها فنحرها ، وانطلق سقبها ـ وهو فصيلها ـ فصعد جبلا منيعا ورغا (٢) ثلاثا.

وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عمن سمع الحسن أنه قال : يا رب أين أمي؟ ثم دخل في صخرة فغاب فيها. ويقال : بل اتبعوه فعقروه أيضا.

قال الله تعالى : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ* فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) وقال الله تعالى :

(إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها* فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) أي احذروها (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها ، وَلا يَخافُ عُقْباها).

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا هشام (٣) ـ أبو عروة ـ عن أبيه عن عبد الله ابن زمعة قال : إذ انبعث أشقاها : انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه مثل أبي زمعة» (٤).

أخرجاه من حديث هشام به. عارم : أي شهم. عزيز أي رئيس منيع : أي مطاع في قومه.

وقال محمد بن إسحاق : حدثني يزيد بن محمد بن خشيم ، عن محمد بن كعب ، محمد بن خيثم بن يزيد ، عن عمار بن ياسر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : «ألا أحدثك بأشقى الناس؟ قال : بلى. قال : رجلان أحدهما أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذا ـ يعني قرنه ـ حتى تبتل منه هذه ـ يعني لحيته».

رواه ابن أبي حاتم.

وقال تعالى : (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ، وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه :

منها : أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية.

__________________

(١) م : فابتدرهم.

(٢) : دعا.

(٣) م : هاشم وهو تحريف.

(٤) حديث صحيح رواه أحمد في مسنده (٤ / ١٧ ، ٢٦٣ / حلبي).

ورواه مسلم في صحيحه (٥١ / ١٣ / ٤٩) بزيادة «ثم ذكر النساء فوعظ فيهم ثم قال : «إلا م يجلد أحدكم امرأته؟».

ورواه البخاري في صحيحه (٦٥ / ٩١ / ٤٩٤٢) بزيادة «ذكر النساء فقال : يعمد أحدكم يجلد امرأته جلد العبد ، فلعله يضاجعها من آخر يومه. ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة وقال : لم يضحك أحدكم مما يفعل» أ. ه.

١١٣

ومنها : أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين : أحدهما الشرط عليهم في قوله : (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ) وفي آية «عظيم» وفي الأخرى «أليم» والكل حق. والثاني استعجالهم على ذلك.

ومنها أنهم كذبوا الرسول الذي قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه ، وهم يعلمون ذلك علما جازما ، ولكن حملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ووقوع العذاب بهم ، قال الله تعالى : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ).

وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا قدار بن سالف ، لعنه الله ؛ فعرقبها فسقطت إلى الأرض ، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها فلما عاين ذلك سقبها ـ وهو ولدها ـ شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك ، ورغا ثلاث مرات.

فلهذا قال صالح : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام» أي غير يومهم ذلك ، فلم يصدقوه أيضا في هذا الوعد الأكيد. بل لما أمسوا هموا بقتله وأرادوا ـ فيما يزعمون ـ أن يلحقوه بالناقة. (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) أي لنسكنه في داره مع أهله فلنقتلنه ، ثم نجحدن قتله ولننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه. ولهذا قالوا : (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ)

[٢٧ / النمل : ٤٩].

* * *

قال الله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ* فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ* فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)

[١٧ / النمل : ٥٠ ـ ٥٣]

وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم فأهلكهم سلفا وتعجيلا قبل قومهم ، وأصبحت ثمود يوم الخميس ـ وهو اليوم الأول من أيام النظرة ـ ووجوههم مصفرة ، كما أنذرهم صالح عليه‌السلام فلما أمسوا نادوا بأجمعهم : ألا قد مضى يوم من الأجل ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ـ ووجوههم محمرة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى يومان من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ـ ووجوههم مسودة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى الأجل.

فلما كانت صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة ، لا يدرون كيف يفعل بهم! ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.

فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ، ورجفة من أسفل منهم ، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس ، وسكنت الحركات ، وخشعت الأصوات ، وحقت الحقائق ، فأصبحوا (١)

__________________

(١) و : أصبحوا.

١١٤

في دارهم جاثمين ، جثثا لا أرواح فيها ولا حراك بها ، قالوا ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة واسمها «كلبة» بنت السلق ـ ويقال لها الذريعة وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه‌السلام ، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها ، فقامت تسعى كأسرع شيء ، فأتت حيا من العرب فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها واستسقتهم ماء ، فلما شربت ماتت.

قال الله تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) أي لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء (أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) أي نادى عليهم لسان القدر بهذا.

* * *

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : لما مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحجر قال : «لا تسألوا الآيات وقد (١) سألها قوم صالح فكانت ـ يعني الناقة ـ ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فكانت (٢) تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما ، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله [عزوجل] من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله [عزوجل] قيل : من هو يا رسول الله؟ قال : هو أبو رغال ، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه» (٣).

وهذا الحديث على شرط مسلم وليس هو في شيء من الكتب الستة. والله تعالى أعلم.

وقد قال عبد الرزاق أيضا : قال معمر : أخبرني إسماعيل بن أمية أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بقبر أبي رغال ، فقال : «أتدرون من هذا؟» قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : «هذا قبر أبي رغال ؛ رجل من ثمود ، كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله ، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن ها هنا ، ودفن معه غصن من ذهب. فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم ؛ فبحثوا عنه فاستخرجوا الغصن».

قال عبد الرزاق : قال معمر : قال الزهري : أبو رغال أبو ثقيف.

هذا مرسل من هذا الوجه.

__________________

(١) في المطبوعة والمخطوطة «فقد» وهذا تحريف أثبته من الحديث في المسند.

(٢) في المطبوعة والمخطوطة «وكانت» وهذا أيضا تحريف وقد أثبته من الحديث.

(٣) الحديث رواه أحمد في مسنده وتفرد به (٣ / / ٢٩٦ / حلبي) وفيه :

محمد بن مسلم أبو الزبير المكي ، صدوق مشهور ، اعتمده مسلم ، وروى له البخاري متابعة. تكلم فيه شعبه لكونه استرجح في وزنه ، قيل : لعله ما أبصر ، وقيل : تركه لأنه رآه يسيء صلاته. وقيل : لأنه خاصمه ففجر. وأما ابن حزم : فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه «عن جابر». وقال ابن حجر : صدوق إلا أنه يدلس ومشهور بالتدليس من الرابعة مات سنة ست وعشرين / ع.

والمغني في الضعفاء للذهبي (٢ / ٦٣٢ ـ ٦٣٣ / ٥٩٨٠). تقريب التهذيب (٢ / ٢٠٧ / ٦٩٧). طبقات المدلسين (٣٢ / مصر).

١١٥

وقال جاء من وجه آخر متصلا كما ذكره محمد بن إسحق في السيرة عن إسماعيل بن أمية ، عن بجير بن أبي بجير ، قال سمعت عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف ، فمررنا بقبر ؛ فقال : «إن هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف ؛ وكان من ثمود ؛ وكان بهذا الحرم يدفع عنه ؛ فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه ، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب ، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه. فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن».

وهكذا رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق به.

قال شيخنا حافظ أبو الحجاج المزي رحمه‌الله : هذا حديث حسن عزيز.

قلت : تفرد به بجير بن أبي بجير هذا ، ولا يعرف إلا بهذا الحديث ، ولم يرو عنه سوى إسماعيل بن أمية. قال شيخنا : فيحتمل أنه وهم في رفعه ، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو من زاملتيه. والله أعلم.

قلت : لكن في المرسل الذي قبله وفي حديث جابر أيضا شاهد له. والله أعلم.

* * *

وقوله تعالى : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ : يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) إخبار عن صالح عليه‌السلام ، أنه خاطب قومه بعد هلاكهم ، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلا لهم : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني ، وحرصت على ذلك بقولي وبعملي ونيتي.

(وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) أي لم تكن سجاياكم تقبل الحق ولا تريده ، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم ، المستمر بكم المتصل إلى الأبد ، وليس لي فيكم حيلة ولا لي بالدفع عنكم يدان. والذي وجب علي من أداء الرسالة والنصح لكم قد فعلته وبذلته لكم ، ولكن الله يفعل ما يريد.

وهكذا خاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل قليب بدر بعد ثلاث ليال : وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال : «يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا» وقال لهم فيما قال : «بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ، كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس ، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم».

فقال له عمر : يا رسول الله تخاطب أقواما قد جيفوا؟ فقال : «والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يجيبون».

ويقال إن صالحا عليه‌السلام انتقل إلى حرم الله فأقام به حتى مات.

١١٦

قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا زمعة بن صالح ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوادي عسفان حين حج قال : «يا أبا بكر أي واد هذا؟» قال : وادي عسفان قال : «لقد مر به هود وصالح عليهما‌السلام على بكرات خطمها الليف ، أزرهم العباء ، وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق» (١).

إسناد حسن ، وقد تقدم في قصة نوح عليه‌السلام من رواية الطبراني ، وفيه نوح وهود وإبراهيم.

__________________

(١) الحديث رواه أحمد في مسنده (١ / ٢٣٢ / حلبي) وفيه :

زمعة بن صالح الجندي ، بفتح الجيم والنون ، اليماني ، نزيل مكة ، أبو وهب ضعيف ، وحديثه عند مسلم مقرون ، من السادسة / م مدت س ق تقريب التهذيب (١ / ٢٩٣ / ٦٥). المغني في الضعفاء (١ / ٢٤٠ / ٢٢٠٧).

١١٧

ذكر مرور النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك

قال الإمام أحمد : «حدثنا عبد الصمد ، حدثنا صخر بن جويرية عن نافع ، عن ابن عمر قال : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالناس على تبوك ، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود ، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ونصبوا القدور ، فأمرهم رسول الله فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم» (١).

وقال أحمد أيضا : حدثنا عفان حدثنا عبد العزيز بن مسلم ، حدثنا عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالحجر : «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم ، أن يصيبكم مثل ما أصابهم» (٢).

أخرجاه في الصحيحين من غير وجه.

وفي بعض الروايات : أنه عليه‌السلام لما مر بمنازلهم قنع رأسه وأسرع راحلته ، ونهى عن دخول منازلهم إلا أن تكونوا باكين. وفي رواية : «فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم». صلوات الله وسلامه عليه.

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هرون ، حدثنا المسعودي ، عن إسماعيل بن أوسط عن محمد بن أبي كبشة الأنباري عن أبيه ـ واسمه عمرو بن سعد ويقال عامر بن سعد ـ رضي الله عنه قال : لما كان في غزوة تبوك تسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنادى في الناس : «الصلاة جامعة».

__________________

(١) الحديث رواه البخاري (٦٥ / ١٥ ـ ٢ / ٤٧٠٢ / فتح). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٧٢ ـ ٩١ / حلبي). ورواه الحميدي في مسنده (٢ / ٢٩٠ / ٦٥٣). ورواه ابن هشام في السيرة (٣٩٧ / مصر). ورواه الواقدي في مغازيه (٣٩٧ / مصر).

ورواه مسلم في صحيحه (٥٣ / ١ / ٢٩٨١).

(٢) الحديث رواه أحمد في مسنده (٢ / ٦٦ / حلبي).

١١٨

قال : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول : «ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم» فناداه رجل : نعجب منهم يا رسول الله! قال : أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم ، فاستقيموا وسددوا ؛ فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا».

إسناد حسن ولم يخرجوه.

وقد ذكر أن قوم صالح كانت أعمارهم طويلة ، فكانوا يبنون البيوت من المدر فتخرب قبل موت الواحد منهم ، فنحتوا لهم بيوتا في الجبال.

وذكروا أن صالحا عليه‌السلام لما سألوه آية ، فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة ، أمرهم بها وبالولد الذي كان في جوفها ، وحذرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء ، وأخبرهم أنهم سيعقرونها ويكون سبب هلاكهم ذلك. وذكر لهم صفة عاقرها وأنه أحمر أزرق أصهب ، فبعثوا القوابل في البلد متى وجدوا مولودا بهذه الصفة يقتلنه ، فكانوا على ذلك دهرا طويلا.

وانقرض جيل وأتى جيل آخر. فلما كان بعض الأعصار خطب رئيس من رؤسائهم على ابنه بنت آخر مثله في الرياسة ، فزوجه ، فولد بينهما عاقر الناقة ، وهو قدار بن سالف ، فلم تتمكن القوابل من قتله لشرف أبويه وجديه فيهم ، فنشأ نشأة سريعة ، فكان يشب في الجمعة كما يشب غيره في شهر ، حتى كان من أمره أن خرج مطاعا فيهم رئيسا بينهم ، فسولت له نفسه عقر الناقة واتبعه على ذلك ثمانية من أشرافهم ، وهم التسعة الذين أرادوا قتل صالح عليه‌السلام.

فلما وقع من أمرهم ما وقع من عقر الناقة ، وبلغ ذلك صالحا عليه‌السلام ، جاءهم باكيا عليها ، فتلقوه يعتذرون إليه ، ويقولون : إن هذا لم يقع عن ملأ منا. وإنما فعل هذا هؤلاء الأحداث فينا. فيقال إنه أمرهم باستدراك سقبها حتى يحسنوا إليه عوضا عنها ، فذهبوا وراءه فصعد جبلا هناك ، فلما تصاعدوا فيه وراءه تعالى الجبل حتى ارتفع فلا يناله الطير ، وبكى الفصيل حتى سالت دموعه. ثم استقبل صالحا عليه‌السلام ورغا ثلاثا ، فعندها قال صالح : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ،) وأخبرهم أنهم يصبحون من غدهم صفرا ، ثم تحمر وجوههم في الثاني ، وفي اليوم الثالث تسود وجوههم. فلما كان في اليوم الرابع أتتهم صيحة فيها صوت كل صاعقة ، فأخذتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين.

وفي بعض هذا السياق نظر ومخالفة لظاهر ما يفهم من القرآن في شأنهم وقصتهم كما قدمنا.

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

١١٩

قصة إبراهيم الخليل عليه‌السلام

هو إبراهيم بن تارخ (١) (٢٥٠) بن ناحور (١٤٨) بن ساروغ (٢٣٠) بن راغو (٢٣٩) ابن فالغ (٤٣٩) بن عابر (٤٦٤) بن شالح (٤٣٣) بن أرفخشذ (٤٣٨) بن سام (٦٠٠) بن نوح عليه‌السلام (٢).

هذا نص أهل الكتاب في كتابهم ، وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي كما ذكروه من المدد وقدمنا الكلام على عمر نوح عليه‌السلام فأغنى عن إعادته.

وحكى الحافظ بن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه عن إسحق بن بشر الكاهلي صاحب كتاب المبتدأ ، أن اسم أم إبراهيم «أميلة» ثم أورد عنه في خبر ولادتها له حكاية طويلة وقال الكلبي : اسمها «بونا» بنت كربتا بن كرثي ، من بني أرفخشذ بن سام بن نوح.

وروي ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنه قال : كان ابراهيم عليه‌السلام يكنى «أبا الضيفان» (٣).

قالوا : ولما عمر تارخ خمسا وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه‌السلام ، وناحور وهاران ، وولد لهاران «لوط».

وعندهم أن إبراهيم عليه‌السلام هو الأوسط ، وأن هاران مات في حياة أبيه في أرضه التي ولد فيها ، وهي أرض الكلدانيين يعنون أرض بابل.

وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير والتواريخ والأخبار ، وصحح ذلك الحافظ ابن عساكر ، بعدما روى من طريق هشام بن عمار ، عن الوليد ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول ، عن ابن عباس قال : ولد إبراهيم بغوطة دمشق ، في قرية يقال لها برزة ، في جبل يقال له قاسيون ثم قال : والصحيح أنه ولد ببابل. وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معينا

__________________

(١) م : تارخ وهو تحريف.

(٢) وفي تاريخ ابن عساكر (* / ١٣٦ ، ١٣٧ / تهذيب) قال : إبراهيم بن آزار وهو تارخ بن ناحور بن شاروع بن أرغو بن فالغ بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح ويكنى بأبي الضيفان.

(٣) ابن عساكر في تاريخه (٢ ـ ١٤١ ـ التهذيب).

١٢٠