الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

الناس توقيعا نسخته :

يا عليّ بن محمّد السمريّ أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنك ميّت ما بينك وبين ستة ايام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيّك من بعدك؟ فقال : لله أمر هو بالغه ، وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه (١).

١٠٣ ـ روى الطوسيّ مرسلا عن جابر الجعفيّ قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : متى يكون فرجكم؟ فقال : هيهات هيهات يكون فرجنا حتّى تغربلوا ثمّ تغربلوا ثمّ تغربلوا ، يقولها ثلاثا ، حتّى يذهب الله تعالى الكدر ويبقي الصفو (٢).

١٠٤ ـ روى النعمانيّ بإسناده عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام يقول : والله لتميّزن ، والله لتمحصنّ ، والله لتغربلنّ كما يغربل الزوان من القمح (٣).

١٠٥ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن محمّد بن منصور الصيقل ، عن أبيه قال : كنت أنا والحارث بن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوسا وأبو عبد الله عليه‌السلام يسمع كلامنا ، فقال لنا : في أيّ شيء أنتم؟ هيهات هيهات ، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تغربلوا ، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه اعينكم حتّى تمحّصوا ، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تميّزوا ، لا والله ما يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلّا بعد إياس ، لا والله لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد (٤).

الآية الثالثة عشرة قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ

__________________

(١) بحار الأنوار ٥١ / ٣٦١.

(٢) الغيبة للطوسيّ ٢٠٦ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١١٣.

(٣) الغيبة للنعمانيّ ٢٠٥ ح ٨ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١١٤.

(٤) الكافي ١ / ٣٧٠ ب ١٤١ ح ٦ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١١١.

٨١

جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)(١).

١٠٦ ـ الحميريّ ، عن الرضا عليه‌السلام قال : وكان جعفر عليه‌السلام يقول : والله لا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تميّزوا وتمحّصوا ، ثمّ يذهب من كلّ عشرة شيء ، ولا يبقى منكم إلّا الأندر ، ثمّ تلا هذه الآية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)(٢).

الآية الرابعة عشرة قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(٣).

١٠٧ ـ روى العيّاشيّ عن زرارة قال : كرهت أن اسأل أبا جعفر عليه‌السلام في الرجعة ، فأقبلت مسألة لطيفة أبلغ منها حاجتي ، فقلت : جعلت فداك أخبرني عمّن قتل مات؟ فقال عليه‌السلام : لا ، الموت موت والقتل قتل. قال : فقلت له : ما أحد يقتل إلّا مات. قال فقال : يا زرارة قول الله أصدق من قولك ، قد فرّق بينهما في القرآن : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ) وقال : (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) ليس كما قلت يا زرارة ، الموت موت ، والقتل قتل ، وقد قال الله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) الآية. قال : فقلت له : إنّ الله يقول : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أفرأيت من قتل لم يمت؟ قال : فقال : ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه ، إنّ من قتل لا بد أن يرجع إلى الدنيا حتّى يذوق الموت (٤).

الآية الخامسة عشرة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٥).

المرابطة في انتظار الإمام المهديّ عليه‌السلام

١٠٨ ـ محمّد بن إبراهيم النعمانيّ في كتاب الغيبة ، بإسناده عن بريد بن معاوية

__________________

(١) آل عمران : ١٤٢.

(٢) قرب الإسناد ١٦٢ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١١٣.

(٣) آل عمران : ١٤٤.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ١١٢ ح ١٣٩ ؛ بحار الأنوار ٥٣ / ٦٥.

(٥) آل عمران : ٢٠٠.

٨٢

العجليّ ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا) فقال : اصبروا على أداء الفرائض ، وصابروا عدوّكم ، ورابطوا إمامكم المنتظر (١).

١٠٩ ـ روى العيّاشيّ عن يعقوب السّراج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تبقى الأرض يوما بغير عالم منكم يفزع الناس إليه؟ قال : فقال لي : إذا لا يعبد الله يا أبا يوسف ، لا تخلو الأرض من عالم منّا ظاهر يفزع الناس في حلالهم وحرامهم ، وإنّ ذلك لمبيّن في كتاب الله ، قال الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) ـ على دينكم ـ (وَصابِرُوا) ـ عدوّكم فمن يخالفكم ـ (وَرابِطُوا) ـ إمامكم ـ (وَاتَّقُوا اللهَ) ـ فيما أمركم به وافترض عليكم (٢).

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ١٩٩ ح ١٣ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ٢١٩.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ٢١٢ ح ١٨١ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ٢١٧.

٨٣

سورة النساء

الآية السادسة عشرة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً)(١).

١١٠ ـ محمّد بن إبراهيم النعمانيّ في الغيبة ، بإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام وجابر بن يزيد الجعفيّ ، قال : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام : يا جابر الزم الأرض فلا تحرّك يدا ولا رجلا حتّى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها : أوّلها اختلاف ولد فلان (بني العباس) وما أراك تدرك ذلك ، ولكن حدّث به بعدي ، ومناد ينادي من السماء ، ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح ، وتخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية ، وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن ، ومارقة تمرق من ناحيه الترك ، فيعقبها هرج الروم ، ويستقبل اخوان الترك حتّى ينزلوا الجزيرة ، وتستقبل مارقة الروم حتّى ينزلوا الرملة ، فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب ، فأوّل ارض تخرب أرض الشام ، ثمّ يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفيانيّ ، فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون ، فيقتله

__________________

(١) النساء : ٤٧.

٨٤

السفياني ومن معه ، ثمّ يقتل الأصهب ، ثمّ لا يكون له همّة إلّا الإقبال نحو العراق ، ويمرّ جيشه بقرقيسا فيقتتلون بها ، فيقتل من الجبارين مائة ألف ، ويبعث السفياني جيشا إلى الكوفة وعدّتهم سبعون ألفا ، فيصيبون من أهل الكوفة قتلا وصلبا وسبيا ، فبينما هم كذلك إذ أقبلت رايات من نحو خراسان تطوي المنازل طيّا حثيثا ومعهم نفر من أصحاب القائم عليه‌السلام ، ويخرج رجل من موالي أهل الكوفة في صنعاء ، فيقتله أمير جيش السفيانيّ بين الحيرة والكوفة ، ويبعث السفيانيّ بعثا إلى المدينة ، فينفر المهديّ عليه‌السلام منها إلى مكّة ، فيبلغ أمير جيش السفياني بأنّ المهديّ عليه‌السلام ، قد خرج إلى مكّة ، فيبعث جيشا على اثره فلا يدرك حتّى يدخل مكّة خائفا يترقّب على سنّة موسى بن عمران عليه‌السلام.

قال : وينزل أمير جيش السفيانيّ البيداء ، فينادي مناد من السماء : يا بيداء أبيدي القوم ، فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر يحوّل الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب ، وفيهم نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) .. الآية ، قال : والقائم عليه‌السلام يومئذ بمكّة قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيرا به فينادي :

يا أيّها الناس إنّا نستنصر الله ، فمن اجابنا من الناس فإنّا أهل بيت نبيّكم محمّد ، ونحن أولى الناس بالله وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن حاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم عليه‌السلام ، ومن حاجّني في نوح فأنا أولى الناس بنوح عليه‌السلام ، ومن حاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم عليه‌السلام ، ومن حاجّني في محمّد فأنا أولى الناس بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن حاجّني في النبيّين فأنا أولى الناس بالنبيّين ... الحديث (١).

الآية السابعة عشرة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(٢).

١١١ ـ الشّيخ الصدوق ، بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاريّ يقول : لمّا أنزل الله عزوجل على نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ١٤٩ ؛ الاختصاص ٢٥٥.

(٢) النساء : ٥٩.

٨٥

أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمن أولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال عليه الصلاة والسلام : هم خلفائي يا جابر وأئمّة المسلمين من بعدي ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ، ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذاك الّذي يفتح الله تعالى ذكره (به) مشارق الأرض ومغاربها على يديه ، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للايمان. قال جابر : فقلت له : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال عليه الصلاة والسلام : أي والّذي بعثني بالنبوة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن يجللها سحاب ، يا جابر ، هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه ، فاكتمه إلّا من أهله (١).

١١٢ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن أبي خالد الكابليّ ، قال : دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله أخبرني بالّذين فرض الله عزوجل طاعتهم ومودّتهم ، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال لي : يا كابليّ إنّ أولي الامر الّذين جعلهم الله عزوجل أئمّة الناس وأوجب عليهم طاعتهم ؛ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثمّ الحسن عمّي ، ثمّ الحسين أبي ، ثمّ انتهى الأمر إلينا ، ثمّ سكت. فقلت له : يا سيّدي روي لنا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله تعالى على عباده ، فمن الحجّة والإمام بعدك؟ قال : ابني محمّد ، واسمه في صحف الأولين باقر ، يبقر العلم بقرا ، هو الحجّة والإمام بعدي ، ومن بعد محمّد ابنه جعفر ، واسمه عند أهل السماء الصادق. قلت : يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق وكلهم صادقون؟ قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، فسمّوه الصادق ، فإنّ الخامس

__________________

(١) كمال الدّين ١ / ٢٥٣ ح ٣ ؛ بحار الأنوار ٢٣ / ٢٨٩.

٨٦

من ولده الّذي اسمه جعفر يدّعي الامامة اجتراء على الله وكذبا عليه ، فهو عند الله «جعفر الكذّاب» المفتري على الله تعالى ، والمدّعي لما ليس له بأهل ، المخالف لأبيه والحاسد لاخيه ، وذلك الّذي يروم كشف ستر الله عزوجل عند غيبة وليّ الله ، ثمّ بكى عليّ بن الحسين عليه‌السلام بكاء شديدا ، ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ الله ، والمغيّب في حفظ الله. والتوكيل بحرم ابيه جهلا منه برتبته ، وحرصا منه على قتله ان ظفر به ، وطمعا في ميراث أخيه حتّى يأخذه بغير حقّ. فقال أبو خالد : فقلت : يا ابن رسول الله وإنّ ذلك لكائن؟ فقال : اي وربّي إنّ ذلك مكتوب عندنا في الصحيفة الّتي فيها ذكر المحن الّتي تجري علينا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال أبو خالد : فقلت : يا ابن رسول الله ثمّ يكون ما ذا؟ قال : تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمّة بعده ، يا أبا خالد إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان ، فإنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسيف ، اولئك المخلصون حقّا وشيعتنا صدقا ، والدعاة إلى دين الله عزوجل سرّا وجهرا. وقال عليه‌السلام : انتظار الفرج من أعظم الفرج (١).

١١٣ ـ روى أبان عن سليم بن قيس ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن ومن الرواية عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تخالف الّذي سمعته منكم ، وانتم تزعمون أنّ ذلك باطل ، أفترى يكذبون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين ويفسّرون القرآن برأيهم؟ قال : فأقبل عليّ عليه‌السلام فقال لي : يا سليم قد سألت فافهم الجواب ، إنّ في أيدي الناس حقّا وباطلا ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وخاصّا وعامّا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده حتّى قام خطيبا فقال : أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة ، فمن كذب عليّ متعمدا ، فليتبوّأ مقعده من النار ، ثمّ كذب عليه من بعده حين توفّي ، رحمة الله

__________________

(١) كمال الدّين ١ / ٣١٩ ج ٢ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢٨٦.

٨٧

على نبيّ الرحمة ، وصلى‌الله‌عليه‌وآله .. الحديث (حتّى يصل إلى قوله) فقلت له ذات يوم : يا نبيّ الله إنّك منذ يوم دعوت الله لي بما دعوت ، لم أنس شيئا ممّا علّمتني ، فلم تمليه عليّ وتأمرني بكتابته ، أتتخوّف عليّ النسيان؟

فقال : يا أخي لست أتخوّف عليك النّسيان ولا الجهل ، وقد أخبرني الله أنّه قد استجاب لي فيك ، وفي شركائك الّذين يكونون من بعدك. قلت : يا نبي الله ومن شركائي؟ قال : الّذين قرنهم الله بنفسه وبي معه ، الّذين قال في حقّهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ).

قلت : يا نبيّ الله ومن هم؟ قال : الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليّ حوضي ، كلّهم هاد مهتد ، لا يضرّهم كيد من كادهم ، ولا خذلان من خذلهم ، هم مع القرآن ، والقرآن معهم لا يفارقونه ولا يفارقهم ، بهم ينصر الله أمّتي ، وبهم يمطرون ويدفع عنهم بمستجاب دعوتهم.

فقلت : يا رسول الله سمّهم لي. فقال : ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسن ـ ثمّ ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين ، ثمّ ابن ابني هذا ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ ثمّ ابن له على اسمي اسمه محمّد ، باقر علمي وخازن وحي الله ، وسيولد عليّ في حياتك يا أخي ، فاقرأه منّي السلام ، ثمّ أقبل على الحسين فقال : سيولد لك محمّد بن عليّ في حياتك ، فاقرأه منّي السلام ، ثمّ تكملة الاثني عشر إماما من ولدك يا أخي.

فقلت : يا نبي الله سمّهم لي.

فسمّاهم لي رجلا رجلا ، منهم والله ـ يا أخا بني هلال ـ مهديّ هذه الامة الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. والله إنّي لأعرف جميع من يبايعه بين الركن والمقام ، وأعرف أسماء الجميع وقبائلهم. (١).

١١٤ ـ روى الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال : الائمّة من ولد عليّ وفاطمة عليهما‌السلام إلى أن تقوم الساعة (٢).

__________________

(١) سليم بن قيس ١٠٣ ـ ١٠٨ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢٧٣.

(٢) كمال الدّين ١ / ٢٢٢ ح ٨.

٨٨

١١٥ ـ روى العيّاشيّ بإسناده عن أبان ، أنّه دخل عليّ أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : فسألته عن قول الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فقال : ذلك عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ثمّ سكت ، قال : فلمّا طال سكوته قلت : ثمّ من؟ قال : ثمّ الحسن ، ثمّ سكت ، فلمّا طال سكوته ، قلت : ثمّ من؟ قال : الحسين ، قلت : ثمّ من؟ قال : ثمّ عليّ بن الحسين وسكت ، فلم يزل يسكت عند كلّ واحد ، حتّى أعيد المسألة ، فيقول حتّى سمّاهم إلى آخرهم عليهم‌السلام (١).

١١٦ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما‌السلام : لأيّ شيء يحتاج إلى النبيّ والإمام؟ فقال عليه‌السلام : لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أنّ الله عزوجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيّ أو إمام ، قال الله عزوجل : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم ، أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي ، أتى أهل الأرض ما يكرهون ، يعني بأهل بيته الائمّة الّذين قرن الله عزوجل طاعتهم بطاعته فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

وهم المعصومون المطهّرون الّذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون ، بهم يرزق الله عباده ، وبهم يعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم يخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم ، صلوات الله عليهم أجمعين (٢).

١١٧ ـ روى العيّاشيّ بإسناده عن بريد بن معاوية قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فسألته عن قول الله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فكان جوابه أن قال عليه‌السلام : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ـ فلان وفلان ـ (وَيَقُولُونَ

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ / ٢٥١ ح ١٧١ ؛ بحار الأنوار ٢٣ / ٢٩٢.

(٢) علل الشرائع ١٢٣ ح ١ ؛ بحار الأنوار ٢٣ / ١٩.

٨٩

لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (ويقول) الائمّة الضالّة والدعاة إلى النار هؤلاء أهدى من آل محمّد وأوليائهم سبيلا (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً* أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) ـ يعني الامامة والخلافة ـ (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) نحن الناس الّذي عنى الله ، والنقير النقطة الّتي رأيت في وسط النواة.

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) فنحن المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله جميعا (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) يقول : فجعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمّة ، فكيف يقرّون بذلك في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) ـ إلى قوله ـ (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً).

قال : قلت : قوله في آل إبراهيم : (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) ما الملك العظيم؟

قال : أن جعل منهم أئمّة ، من اطاعهم اطاع الله ، ومن عصاهم عصى الله ، فهو الملك العظيم. قال : ثمّ قال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) ، إلى : (سَمِيعاً بَصِيراً) ، قال : إيّانا عنى ، أن يؤدّي الأول منا إلى الإمام الّذي بعده الكتب والعلم والسلاح. (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ، الّذي في أيديكم ، ثمّ قال للناس : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، إيّانا عنى خاصة ـ الحديث (١).

١١٨ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن عيسى بن السري ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حدّثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام ، إذا أنا اخذت بها زكى عملي ولم يضرّني جهل ما جهلت بعده. فقال عليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحقّ في الأموال من الزكاة ، والولاية الّتي أمر الله عزوجل بها ولاية آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات ولا يعرف إمامه ، مات ميتة جاهلية ، قال الله عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فكان عليّ عليه‌السلام ، ثمّ صار من بعده حسن ، ثمّ من بعده حسين ، ثمّ من بعده عليّ بن الحسين ، ثمّ

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ / ٢٤٦ ح ١٥٣ ؛ بحار الأنوار ٢٣ / ٢٨٩.

٩٠

من بعده محمّد بن عليّ ، ثمّ هكذا يكون الأمر ، إنّ الأرض لا تصلح إلا بإمام ، ومن مات لا يعرف إمامه ، مات ميتة جاهلية ، وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا ـ قال : وأهوى بيده إلى صدره ـ يقول حينئذ : لقد كنت على أمر حسن (١).

١١٩ ـ روى العلّامة أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ عن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمريّ قدس‌سره قال : تشاجر القزوينيّ وجماعة من الشيعة في الخلف ، فذكر ابن أبي غانم ، أنّ أبا محمّد عليه‌السلام مضى ولا خلف له ، ثمّ أنّهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية ، وأعلموه بما تشاجروا فيه. فورد جواب كتابهم بخطّه صلى الله عليه وعلى آبائه :

عافانا الله وإيّاكم من الفتن ، ووهب لنا ولكم روح اليقين ، وأجارنا وإيّاكم من سوء المنقلب ، انّه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدّين ، وما دخلهم من الشكّ والحيرة في ولاة أمرهم ، فغمّنا ذلك لكم لا لنا ، وساءنا فيكم لا فينا ، لأنّ الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره ، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنا ، ونحن صنائع ربّنا والخلق بعد صنائعنا.

يا هؤلاء ما لكم في الريب تتردّدون ، وفي الحيرة تتمسّكون ، أو ما سمعتم الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أو ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون ويحدث في أئمّتكم ، على الماضين والباقين منهم السلام؟

أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها ، وأعلاما تهتدون بها ، من لدن آدم عليه‌السلام إلى أن ظهر الماضي عليه‌السلام ، كلّما غاب علم بدا علم ، وإذا أفل نجم طلع نجم ، فلمّا قبضه الله إليه ظننتم أنّ الله أبطل دينه ، وقطع السبب بينه وبين خلقه ، كلّا ما كان ذلك ولا يكون ، حتّى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون ، وإنّ الماضي عليه‌السلام مضى سعيدا فقيدا على منهاج آبائه عليهم‌السلام (حذو النعل بالنعل) وفينا وصيّته وعلمه ، ومنه خلفه ومن يسدّ مسدّه ، ولا ينازعنا موضعه إلّا ظالم آثم ، ولا يدّعيه دوننا إلّا كافر جاحد ، ولو لا أنّ أمر الله لا يغلب ، وسرّه لا يظهر ولا يعلن ، لظهر لكم من حقّنا ما تبتز منه عقولكم ، ويزيل شكوككم ، ولكنّه ما شاء الله كان ، ولكلّ أجل كتاب ، فاتّقوا الله وسلّموا لنا وردّوا الأمر إلينا ، فعلينا الاصدار كما كان منا الايراد ، ولا تحاولوا كشف ما غطّي عنكم ، ولا تميلوا

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢١ ح ٩ ؛ بحار الأنوار ٢٣ / ٢٨٩.

٩١

عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار ، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودّة على السنّة الواضحة؟ فقد نصحت لكم ، والله شاهد عليّ وعليكم ، ولو لا ما عندنا من محبّة صاحبكم ورحمتكم ، والاشفاق عليكم ، لكنّا عن مخاطبتكم في شغل ممّا قد امتحنّا به من منازعة الظالم العتلّ ، الضالّ المتتابع في غيّه ، المضادّ لربّه ، المدّعي ما ليس له ، الجاحد حقّ من افترض الله طاعته ، الظالم الغاصب ، وفي ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليها إليّ اسوة حسنة ، وسيتردّى الجاهل رداء عمله ، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.

عصمنا الله وإيّاكم من المهالك والأسواء ، والآفات والعاهات كلّها برحمته ، إنّه ولي ذلك والقادر على ما يشاء ، وكان لنا ولكم وليّا وحافظا ، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته ، وصلّى الله على النبيّ محمّد وآله وسلّم تسليما (١).

١٢٠ ـ وروى الطبرسيّ رحمه‌الله بإسناده عن الشيخ الصدوق ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّ قدس‌سره : أنّه جاء بعض أصحابنا يعلمه أنّ جعفر بن عليّ كتب إليه كتابا يعرّفه نفسه ، ويعلمه أنّه القيم بعد اخيه ، وأنّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه ، وغير ذلك من العلوم كلّها.

قال أحمد بن اسحاق : فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه‌السلام وصيّرت كتاب جعفر في درجه ، فخرج إليّ الجواب في ذلك :

أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الّذي أنفذت درجه ، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمّنه ، على اختلاف ألفاظه وتكرر الخطأ فيه ، ولو تدبّرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله رب العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا ، أبى الله عزوجل للحقّ إلا إتماما ، وللباطل إلّا زهوقا ، وهو شاهد عليّ بما أذكره ، ولي عليكم بما أقوله ، إذا اجتمعنا اليوم الّذي لا ريب فيه ، ويسألنا عمّا نحن فيه مختلفون.

وإنّه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ، ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ، ولا طاعة ولا ذمّة ، وسأبيّن لكم جملة تكتفون بها إن شاء

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسيّ ٢ / ٢٧٨ ـ ٢٨٠.

٩٢

الله.

يا هذا يرحمك الله ، إنّ الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ، ولا أهملهم سدى ، بل خلقهم بقدرته ، وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا والبا ، ثمّ بعث النبيّين عليهم‌السلام مبشّرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته ، وينهونهم عن معصيته ، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتابا ، وبعث اليهم ملائكة ، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الّذي جعله لهم عليهم ، وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ، والآيات الغالبة ، فمنهم : من جعل النار عليه بردا وسلاما واتّخذه خليلا ، ومنهم : من كلّمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ، ومنهم : من أحيا الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم : من علّمه منطق الطير واوتي من كلّ شيء.

ثمّ بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة للعالمين وتمم به نعمته ، وختم به أنبياءه ، وأرسله إلى الناس كافّة ، وأظهر من صدقه ما أظهر ، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن ، ثمّ قبضه صلى‌الله‌عليه‌وآله حميدا فقيدا سعيدا ، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمّه ووصيّه ووارثه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد ، أحيا بهم دينه ، وأتمّ بهم نوره ، وجعل بينهم وبين اخوتهم وبني عمّهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا ، تعرف به الحجّة من المحجوج ، والإمام من المأموم ، بأن عصمهم من الذنوب ، وبرّأهم من العيوب ، وطهّرهم من الدنس ، ونزّههم من اللبس ، وجعلهم خزّان علمه ، ومستودع حكمته ، وموضع سرّه ، أيّدهم بالدلائل ولو لا ذلك لكان الناس على سواه ، ولادّعى أمر الله عزوجل كلّ أحد ، ولما عرف الحق من الباطل ، ولا العلم من الجهل.

وقد ادّعى هذا المبطل المدّعي على الله الكذب بما ادّعاه ، فلا أدري بأيّة حالة هي له ، رجا أن يتمّ دعواه ، بفقه في دين الله؟! فو الله ما يعرف حلالا من حرام ، ولا يفرّق بين خطأ وصواب. أم بعلم؟! فما يعلم حقّا من باطل ، ولا محكما من متشابه ، ولا يعرف حدّ الصلاة ووقتها. أم بورع؟! فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض (أربعين يوما) يزعم ذلك لطلب الشعوذة ، ولعلّ خبره تأدّى اليكم ، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة ، وآثار عصيانه لله عزوجل مشهورة قائمة.

٩٣

أم بآية؟! فليأت بها. أم بحجّة؟! فليقمها. أم بدلالة؟! فليذكرها.

قال الله عزوجل في كتابه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ)(١).

فالتمس ـ تولّى الله توفيقك ـ من هذا الظالم ما ذكرت لك ، وامتحنه واسأله عن آية من كتاب الله يفسّرها ، أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها ، لتعلم حاله ومقداره ، ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه.

حفظ الله الحقّ على أهله ، وأقرّه في مستقره ، وأبى الله عزوجل أن تكون الإمامة في الأخوين إلّا في الحسن والحسين ، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحلّ الباطل ، وانحسر عنكم ، وإلى الله أرغب في الكفاية ، وجميل الصنع والولاية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد (٢).

١٢١ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن ابن بهلول ، قال : حدّثني عبد الله ابن أبي الهذيل ـ وسألته عن الامامة فيمن تجب وما علامة من تجب له الامامة؟ ـ فقال : إنّ الدليل على ذلك والحجّة على المؤمنين والقائم بامور المسلمين والناطق بالقرآن والعالم بالأحكام أخو نبيّ الله ، وخليفته على أمّته ، ووصيّه عليهم ، ووليّه الّذي كان منه بمنزلة هارون من موسى ، المفروض الطاعة بقول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) الموصوف بقوله عزوجل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(٣) المدعو إليه بالولاية ، المثبت له الإمامة يوم غدير خمّ بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الله عزوجل : ألست أولى بكم منكم

__________________

(١) الأحقاف : ١ ـ ٦.

(٢) الاحتجاج ٢ / ٢٧٩ ـ ٢٨١.

(٣) المائدة : ٥٥.

٩٤

بأنفسكم؟ قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأعن من أعانه ، وأعزّ من أطاعه ، ذلك ، عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أمير المؤمنين وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وأفضل الوصيّين ، وخير الخلق أجمعين بعد رسول الله عليه‌السلام.

وبعده الحسن بن عليّ ، ثمّ الحسين عليهما‌السلام سبطا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابنا خيرة النسوان أجمعين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ محمّد بن الحسن عليهم‌السلام إلى يومنا هذا ، واحدا بعد واحد ، وهم عترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله المعروفون بالوصية والإمامة ، لا تخلو الأرض من حجّة منهم في كلّ عصر وزمان ، وفي كلّ وقت وأوان ، وإنّهم العروة الوثقى وأئمّة الهدى ، والحجّة على أهل الدنيا ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وكلّ من خالفهم ضالّ مضلّ ، تارك للحق والهدى ، وهم المعبّرون عن القرآن ، والناطقون عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من مات ولا يعرفهم ، مات ميتة الجاهلية ، ودينهم الورع والعفّة والصدق والصلاح والاجتهاد ، وأداء الامانة إلى البرّ والفاجر ، وطول السجود ، وقيام الليل ، واجتناب المحارم ، وانتظار الفرج بالصبر ، وحسن الصحبة ، وحسن الجوار.

ثمّ قال تميم بن بهلول : حدّثنى أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام في الإمامة مثله سواء (١).

١٢٢ ـ روى عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام إذ دخل عليه معاوية بن عمار وعبد الملك بن أعين ، وذكر حديثا للامام الصادق عليه‌السلام حول الرؤية ، ثمّ قال : عليه‌السلام : إنّ أفضل الفرائض وأوجبها على الانسان معرفة الربّ والإقرار له بالعبوديّة ، وحدّ المعرفة أن يعرف أنّه لا إله غيره ولا شبيه له ولا نظير له ، وأن يعرف أنّه قديم مثبت ، موجود غير فقيد ، موصوف من غير شبيه ، ولا مثيل له ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وبعده معرفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشهادة له بالنبوّة ، وأدنى معرفة الرسول الاقرار بنبوّته ،

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ١٩٣ ـ ١٩٤ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٣٩٦.

٩٥

وأنّ ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من الله عزوجل.

وبعده معرفة الإمام الّذي يأتمّ بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر ، وأدنى معرفة الإمام أنّه عدل النبيّ ـ إلّا درجة النبوّة ـ ووارثه ، وأنّ طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله ، والتسليم له في كلّ أمر ، والرّد إليه ، والأخذ بقوله ، ويعلم أنّ الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ بن أبي طالب ، وبعده الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ أنا ، ثمّ بعدي موسى ابني ، وبعده عليّ ابنه ، وبعد عليّ محمّد ابنه ، وبعد محمّد عليّ ابنه ، وبعد عليّ الحسن ابنه ، والحجّة من ولد الحسن. ثمّ قال : يا معاوية جعلت لك أصلا في هذا ، فاعمل عليه ... الحديث (١).

الآية الثامنة عشرة قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً).

١٢٣ ـ روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره المنسوب للصادق عليه‌السلام قال : قال : النبيّين : رسول الله ، والصدّيقين : عليّ عليه‌السلام ، والشهداء : الحسن والحسين عليهما‌السلام ، والصالحين : الأئمّة وحسن اولئك رفيقا : القائم من آل محمّد عليهم الصلاة والسلام (٢).

١٢٤ ـ روى الحافظ الحاكم الحسكانيّ أيضا ، قال أخبرنا أبو العباس الفرغانيّ بإسناده عن سعد بن حذيفة ، عن أبيه حذيفة بن اليمان قال : دخلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وقد نزلت عليه هذه الآية : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) فأقرأنيها صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : يا نبيّ الله فداك أبي وأمي ، من هؤلاء إنّي أجد الله بهم حفيّا ، قال : يا حذيفة أنا من النبيّين الّذين أنعم الله عليهم ، أنا أوّلهم في النبوّة ، وآخرهم في البعث ، ومن الصدّيقين عليّ بن أبي طالب ، ولمّا بعثني الله عزوجل برسالته ، كان أوّل من صدّق بي ، ثمّ من الشهداء حمزة وجعفر ، ومن الصالحين الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة ، وحسن أولئك رفيقا : المهديّ في زمانه (٣).

١٢٥ ـ روى الحافظ الحاكم الحسكانيّ أيضا قال : أخبرنا أبو سعد محمّد بن عليّ

__________________

(١) كفاية الأثر ٣٥ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٤٠٦ ـ ٤٠٨.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ١٤٢.

(٣) شواهد التنزيل ١ / ١٩٨ ح ٢٠٩.

٩٦

الحبريّ وأبو بكر محمّد بن عبد العزيز الجوديّ ، قالا : بإسنادهما عن أبي أحمد داود بن سليمان قال : حدّثني عليّ بن موسى الرضا ، قال : أخبرني أبي ، عن أبيه جعفر ، عن أبيه محمّد ، عن أبيه عليّ ، عن أبيه الحسين ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الآية : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) قال : من النبيّين محمّد ومن الصدّيقين عليّ بن أبي طالب ومن الشهداء حمزة ومن الصالحين الحسن والحسين (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) قال : القائم من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

١٢٦ ـ روى الحافظ الحاكم الحسكانيّ ، قال : بإسناده عن أبي صالح ، عن عبد الله بن عبّاس ، في قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) يعني في فرائضه ، ومن (الصَّالِحِينَ) الحسن والحسين (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) فهو المهديّ في زمانه (٢).

١٢٧ ـ روي في كفاية الأثر بالإسناد عن أمّ سلمة ، قالت : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قول الله سبحانه : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً). قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) : أنا ، (وَالصِّدِّيقِينَ) عليّ بن أبي طالب ، (وَالشُّهَداءِ) : الحسن والحسين وحمزة ، (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) : الأئمّة الاثني عشر بعدي (٣).

١٢٨ ـ روى فرات الكوفي ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : إنّي اريد أن أذكر حديثا ، فقال عمار بن ياسر فذكره ، قال :

إنّي اريد أن أذكر حديثا ، قال أبو أيوب الأنصاريّ : فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تذكره؟ فقال : ما قلت هذا إلّا وأنا اريد أن أذكره ، ثمّ قال :

إذا جمع الله الأوّلين والآخرين ، كان أفضلهم سبعة منّا بني عبد المطلب ، الأنبياء أكرم الخلق على الله ، ونبيّنا أكرم الأنبياء ، ثمّ الأوصياء أفضل الامم بعد الأنبياء ، ووصيّه أفضل الأوصياء ، ثمّ الشهداء أفضل الأمم بعد الأنبياء والأوصياء ، وحمزة سيد الشهداء ، وجعفر ذو الجناحين يطير مع الملائكة لم ينحله شهيد قطّ قبله ، وإنّما ذلك شيء أكرم الله به وجه

__________________

(١) نفس المصدر ١ / ١٩٧ ج ٢٠٧.

(٢) نفس المصدر ١ / ١٩٨ ح ٢٠٨.

(٣) كفاية الأثر ١٨٢ ؛ بحار الأنوار ٢٣ / ٣٣٦.

٩٧

محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثمّ قال : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً* ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً). والسبطان حسن وحسين ، والمهديّ عليهم‌السلام جعله الله ممّن يشاء من أهل البيت (١).

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(٢).

١٢٩ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ رحمه‌الله بإسناده عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : والله للذي صنعه الحسن بن عليّ عليهما‌السلام كان خيرا لهذه الامة ممّا طلعت عليه الشمس ، فو الله لقد نزلت هذه الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) إنّما هي طاعة الإمام ، وطلبوا القتال (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) مع الحسين عليه‌السلام (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أرادوا تأخير ذلك إلى القائم عليه‌السلام (٣).

١٣٠ ـ وروى العيّاشيّ رحمه‌الله بإسناده عن ادريس مولى لعبد الله بن جعفر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في تفسير هذه الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) مع الحسن (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) مع الحسين (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) إلى خروج القائم عليه‌السلام ، فإنّ معهم النصر والظفر ، قال الله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى.) .. الآية (٤).

١٣١ ـ روى العيّاشيّ أيضا بإسناده عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : والله للّذي صنعه الحسن بن عليّ عليهما‌السلام كان خيرا لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشمس ، والله لفيه نزلت هذه الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) إنّما هي طاعة الامام ، فطلبوا القتال : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ) مع الحسين (قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ

__________________

(١) تفسير فرات ٣٥ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ٣٢ و ٣٢ / ٢٧٣.

(٢) النساء : ٧٧.

(٣) روضة الكافي ٣٣٠ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ٢٥.

(٤) تفسير العيّاشيّ ١ / ٢٥٧ ح ١٩٥ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ٢١٧.

٩٨

عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) وقوله : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) أرادوا تأخير ذلك إلى القائم عليه‌السلام (١).

الآية التاسعة عشرة قوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(٢).

١٣٢ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن هشام بن سالم ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : القائم من ولدي اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلي ، وسنّته سنّتي ، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي ، ويدعوهم إلى كتاب ربّي عزوجل ، من أطاعه فقد اطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، ومن أنكره في غيبته فقد انكرني ، ومن كذّبه فقد كذّبني ، ومن صدّقه فقد صدّقني ، إلى الله أشكو المكذّبين لي في أمره ، والجاحدين لقولي في شأنه ، والمضلّين لأمّتي عن طريقته ، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون (٣).

الآية العشرون قوله سبحانه : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً)(٤).

١٣٣ ـ ومن خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام تسمّى المخزون جاء فيها : ويسير الصدّيق الأكبر براية الهدى والسيف ذي الفقار والمخصرة حتّى ينزل أرض الهجرة مرّتين وهي الكوفة ، فيهدم مسجدها ويبنيه على بنائه الأوّل ، ويهدم ما دونه من دور الجبابرة ، ويسير إلى البصرة حتّى يشرف على بحرها ومعه التابوت وعصا موسى ، فيعزم عليه ، فيزفر زفرة بالبصرة ، فتصير بحرا لجّيا ، فيغرقها لا يبقى فيها غير مسجدها كجؤجؤ سفينة على ظهر الماء ، ثمّ يسير إلى حروراء ثمّ يحرقها ، ويسير من باب بني أسد حتّى يزفر زفرة في ثقيف وهم زرع فرعون ، ثمّ يسير إلى مصر ، فيعلو منبره ويخطب الناس ، فتستبشر الأرض بالعدل ، وتعطي السماء قطرها ، والشجر ثمرها ، والأرض نباتها ، وتتزيّن لأهلها ، وتأمن الوحوش حتّى ترتعي في طرف الأرض كأنعامهم ، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ / ٢٥٨ ح ١٩٦ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٣٢.

(٢) النساء : ٨٠.

(٣) كمال الدّين ٢ / ٤١١ ح ٦ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٧٣.

(٤) النساء : ١٣٠.

٩٩

يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم ، فيومئذ تأويل هذه الآية : (يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ). (الحديث) (١).

الآية الحادية والعشرون قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(٢).

تشبيه غيبة المهديّ عليه‌السلام بغيبات عيسى عليه‌السلام

١٣٤ ـ روى العلّامة البيّاضي رحمه‌الله قال : أسند الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ ، إلى سدير الصيرفيّ ، قال : دخلت أنا والمفضل بن عمرو أبان بن تغلب على الصادق عليه‌السلام فقال : إنّ الله تعالى إذا آن لقائمنا ، قدّر ثلاثة لثلاثة : قدّر مولده بمولد موسى ، وغيبته بغيبة عيسى ، وإبطاءه بإبطاء نوح ، وجعل له بعد ذلك عمر العبد الصالح ـ يعني الخضر ـ دليلا على عمره. ثمّ قال بعد ذلك : وأمّا غيبة عيسى ، فإنّ الكتابيين اتّفقوا على قتله ، فكذّبهم الله بقوله : (وَما قَتَلُوهُ) وغيبة القائم تنكرها الأمّة لطولها ، فمن قائل لم يولد ، وقائل ولد ومات ، وقائل إنّ حادي عشرنا كان عقيما ، وقائل يتعدّى الأمر عن اثنى عشر ، وقائل : إنّ روح القائم تنطق في هيكل غيره (٣).

١٣٥ ـ وروى الصدوق بإسناده عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان بين عيسى وبين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسمائة عام منها مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبيّ ولا عالم ظاهر ، قلت : فما كانوا؟ قال : كانوا متمسّكين بدين عيسى عليه‌السلام ، قلت : فما كانوا؟ قال : كانوا مؤمنين ، ثمّ قال عليه‌السلام : ولا يكون الأرض إلّا وفيها عالم.

وكان ممّن ضرب في الأرض لطلب الحجّة سلمان الفارسيّ رضى الله عنه فلم يزل ينتقل من عالم إلى عالم ، ومن فقيه إلى فقيه ، ويبحث عن الأسرار ويستدلّ بالاخبار منتظرا لقيام القائم سيّد الأوّلين والآخرين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعمائة سنة حتّى بشّر بولادته ، فلمّا أيقن

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات ٥١٩.

(٢) النساء : ١٥٧ و ١٥٨.

(٣) الصراط المستقيم ٢ / ٢٢٧.

١٠٠