الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

أمر يحدث من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شرّ ، كما قال الله :

(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) إلى سنة.

قوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) قال : تنزّل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور :

قوله : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في نومه كأنّ قردة يصعدون منبره ، فغمّه ذلك ، فأنزل الله ، (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) تملكه بنو أميّة ليس فيها ليلة القدر. قوله (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ) قال : تحيّة يحيّا بها الإمام إلى أن يطلع الفجر. وقيل لأبي جعفر عليه‌السلام : تعرفون ليلة القدر؟ فقال : وكيف لا نعرف والملائكة تطوف بنا فيها (١).

١٠٧٥ ـ وروى القمّيّ بإسناده عن حمران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّا يفرق في ليلة القدر ، هل هو ما يقدّر الله فيها؟

قال : لا توصف قدرة الله إلّا أنّه قال : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) فكيف يكون حكيما إلّا ما فرق ، ولا توصف قدرة الله سبحانه لأنّه يحدث ما يشاء ، وأمّا قوله : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يعني فاطمة عليها‌السلام.

وقوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الّذين يملكون علم آل محمّد عليهم‌السلام : والروح روح القدس ، وهو في فاطمة عليها‌السلام (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ) يعني من كلّ أمر مسلمة (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) يعني حتّى يقوم القائم عليه‌السلام (٢).

١٠٧٦ ـ روي العلّامة البحرانيّ رحمه‌الله بالإسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان عليّ بن الحسين صلوات الله عليه يقول : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) صدق الله عزوجل أنزل القرآن في ليلة القدر (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا أدري ، قال الله عزوجل :

(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ليس فيها ليلة القدر ، قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال : لا ، قال :

لأنّها (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) وإذا أذن الله عزوجل بشيء

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٣١ ـ ٤٣٢.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٣١.

٥٤١

فقد رضيه (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) يقول تسلّم عليك يا محمّد ملائكتي وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلى مطلع الفجر.

ثمّ قال في بعض كتابه : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)(١) في إنّا أنزلناه في ليلة القدر ، وقال في بعض كتابه :

(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(٢) يقول في الآية الاولى : إنّ محمّدا حين يموت يقول أهل الخلاف لأمر الله عزوجل : مضت ليلة القدر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهذه فتنة أصابتهم خاصّة ، وبها ارتدّوا على أعقابهم ، لأنّهم إن قالوا لم تذهب ، فلا بدّ أن يكون لله عزوجل فيها أمر ، وإذا أقرّوا بالأمر لم يكن له من صاحب بدّ (٣).

١٠٧٧ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : لقد خلق الله جلّ ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الدنيا ، ولقد خلق فيها أوّل نبيّ يكون وأوّل وصيّ يكون ، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الامور إلى مثلها من السنة المقبلة ، من جحد ذلك فقد ردّ على الله عزوجل علمه لأنّه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدّثون إلّا أن يكون عليهم حجّة بما يأتيهم في تلك الليلة مع الحجّة الّتي يأتيهم بها جبرئيل.

قلت : والمحدّثون أيضا يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة؟

قال : أمّا الأنبياء والرسل صلّى الله عليهم ، فلا شكّ ولا بدّ لمن سواهم من يوم خلقت الأرض فيه إلى آخر فناء الدنيا أن يكون على ظهر الأرض حجّة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحبّ من عباده ، وأيم الله لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم ، وأيم الله ما مات آدم إلّا وله وصيّ ، وكلّ من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها ووضع لوصيّه من بعده ، وأيم الله إن كان النّبي ليؤمر فيما يأتيه من الأمر في تلك الليلة من آدم إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أوص إلى فلان.

ولقد قال الله عزوجل في كتابه لولاة الأمر من بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصّة : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ

__________________

(١) الأنفال : ٢٥.

(٢) آل عمران : ١٤٤.

(٣) تفسير البرهان ٤ / ٤٨٨ ح ٢٩.

٥٤٢

آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ـ إلى قوله ـ (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(١).

يقول : أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيّكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتّى يبعث النّبي الّذي يليه (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(٢) يقول : يعبدونني بالايمان لا نبي بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن قال غير ذلك (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، فقد مكّن ولاة الأمر بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعلم ونحن هم ، فاسألونا فإن صدّقناكم فأقرّوا وما أنتم بفاعلين.

أمّا علمنا فظاهر ، وأمّا ابان أجلنا الّذي يظهر فيه الدّين منّا حتّى لا يكون بين الناس اختلاف ، فإنّ له أجلا من ممرّ الليالي والأيّام ، إذا أتى ظهر وكان الأمر واحدا. وأيم الله لقد قضي الأمر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف ، ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله علينا ، ولنشهد على شيعتنا ، وليشهد شيعتنا على الناس.

أبى الله عزوجل أن يكون في حكمه اختلاف ، أو بين أهل علمه تناقض.

ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : فضل إيمان المؤمن بحمله إنّا أنزلناه وتفسيرها على من ليس مثله في الإيمان بها ، كفضل الإنسان على البهائم ، وإنّ الله عزوجل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا نكال عذاب الآخرة لمن علم أنّه لا يتوب منهم ما يدفع بالمجاهدين على القاعدين ، ولا أعلم أنّ في هذا الزمان جهادا إلّا الحجّ والعمرة والجوار.

قال : وقال رجل لأبي جعفر عليه‌السلام : يا ابن رسول الله لا تغضب عليّ ، قال : لما ذا؟ قال : لما أريد أن أسألك عنه ، قال : قل ، قال : ولا تغضب؟ قال : ولا أغضب.

قال : أرأيت قولك في ليلة القدر وتنزّل الملائكة والروح فيها إلى الأوصياء يأتونهم بأمر لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد علمه ، وقد علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مات وليس من علمه شيء إلّا وعليّ عليه‌السلام له واع.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : ما لي ولك أيّها الرجل ومن أدخلك عليّ؟!

قال : أدخلني عليك القضاء لطلب الدّين.

قال : فافهم ما أقول لك : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أسري به ولم يهبط حتّى أعلمه الله جلّ

__________________

(١ و ٢) ـ النور : ٥٥.

٥٤٣

ذكره علم ما قد كان وما سيكون ، وكان كثيرا من علم ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر ، وكذلك كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر ، كما كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال السائل : أو ما كان في الجمل تفسيره؟

قال : بلى ، ولكنّه إنّما يأتي بالأمر من الله تبارك وتعالى في ليالي القدر إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الأوصياء : افعل كذا وكذا ، لأمر قد كانوا علموه امروا كيف يعملون فيه.

قلت : فسّر لي هذا.

قال : لم يمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا حافظا لجملة العلم وتفسيره.

قلت : فالذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو؟

قال : الأمر واليسر فيما كان قد علم.

قال السائل : فيما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا؟

قال : هذا مما امروا بكتمانه ، ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلّا الله عزوجل.

قال السائل : فهل يعلم الأوصياء ما لا يعلم الأنبياء؟

قال : لا ، قال : وكيف يعلم وصيّ غير علم أوصي إليه؟

قال السائل : فهل يسعنا أن نقول أنّ أحدا من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟

قال : لا ، لم يمت نبيّ إلّا وعلمه في جوف وصيّه ، وإنّما تنزّل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الّذي يحكم به بين العباد.

قال السائل : وما كانوا علموا بذلك الحكم؟

قال : بلى قد علموه ، ولكنّهم لا يستطيعون إمضاء شيء منه حتّى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة.

قال السائل : يا أبا جعفر لا أستطيع إنكار هذا؟

قال أبو جعفر عليه‌السلام : من أنكره فليس منّا!

قال السائل : يا أبا جعفر ، أرأيت النبيّ ، هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم يكن علمه؟

٥٤٤

قال : لا يحلّ لك أن تسأل عن هذا ، أمّا علم ما كان وما يكون ، فليس يموت نبيّ ولا وصيّ إلّا والوصيّ الّذي بعده يعلمه ، أمّا هذا العلم الّذي تسأل عنه ، فإنّ الله عزوجل أبى أن يطلع الأوصياء عليه إلّا أنفسهم.

قال السائل : يا ابن رسول الله ، كيف أعرف أنّ ليلة القدر تكون في كلّ سنة؟

قال : إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كلّ ليلة مائة مرّة ، فإذا أتت ليلة ثلاث وعشرين ، فانّك ناظر إلى تصديق الّذي سألت عنه.

قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : لما ترون من بعثه الله عزوجل للشقاء على أهل الضلالة من أجناد الشياطين وأرواحهم أكثر ممّا ترون مع خليفة الله الّذي بعثه للعدل والصواب من الملائكة.

قيل : يا أبا جعفر ، وكيف يكون شيء أكثر من الملائكة؟

قال : كما يشاء الله عزوجل.

قال السائل : يا أبا جعفر ، إنّي لو حدّثت بعض أصحابنا الشيعة بهذا الحديث لأنكروه.

قال : كيف ينكرونه؟

قال : يقولون : إنّ الملائكة أكثر من الشياطين.

قال : صدقت ، افهم عنّي ما أقول لك ، إنّه ليس من يوم ولا ليلة إلّا وجميع الجنّ والشياطين تزور أئمّة الضلالة ، وتزور أئمّة الهدى عددهم من الملائكة ، حتّى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى وليّ الأمر خلق الله ، أو قال : قيّض الله عزوجل من الشياطين بعددهم ، ثمّ زاروا وليّ الضلالة فأتوه بالإفك والكذب ، حتّى لعلّه يصبح فيقول : رأيت كذا وكذا ، فلو سئل وليّ الأمر عن ذلك ، لقال رأيت شيطانا أخبرك بكذا وكذا ، حتّى يفسّر له تفسيرا ويعلمه الضلالة الّتي هو عليها.

وأيم الله إنّ من صدّق بليلة القدر ليعلم أنّها لنا خاصّة ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام حين دنا موته : هذا وليّكم من بعدي ، فإن أطعتموه رشدتم ، ولكنّ من لا يؤمن بما في ليلة القدر منكر ، ومن آمن بليلة القدر ممّن على غير رأينا فإنّه لا يسعه في الصدق إلّا أن يقول انّها لنا ، ومن لم يقل فإنّه كاذب ، إنّ الله عزوجل أعظم من أن ينزّل الأمر مع الروح

٥٤٥

والملائكة إلى كافر فاسق ، فإن قال إنّه ينزل إلى الخليفة الّذي هو عليها ، فليس قولهم ذلك بشيء ، وإن قالوا : إنّه ليس ينزل إلى أحد فلا يكون أن ينزل شيء إلى غير شيء ، وان قالوا وسيقولون : ليس هذا بشيء ، فقد ضلّوا ضلالا بعيدا (١).

نزول الملائكة على الأئمّة عليهم‌السلام في كلّ عام

١٠٧٨ ـ روى أبو القاسم عليّ بن محمّد الخزّاز القمّي الرازي من علماء القرن الرابع بإسناده من طريق العامّة ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ، عن آبائه عليهم‌السلام : أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال لعبد الله بن العبّاس : إنّ ليلة القدر في كلّ سنة ، وإنّه تتنزل في تلك الليلة أمر السنة ، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال ابن عبّاس : من هم؟ قال : أنا وأحد عشر من صلبي أئمّة محدّثون (٢).

١٠٧٩ ـ روى سعد بن عبد الله ، بإسناده عن أبي بصير ، قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فذكر شيئا من أمر الإمام إذا ولد ، فقال : استوجب زيادة الروح في ليلة القدر ، فقلت له : جعلت فداك ، أليس الروح جبرئيل؟ فقال جبرئيل من الملائكة ، والروح أعظم من الملائكة ، أليس أنّ الله عزوجل يقول : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ)(٣).

١٠٨٠ ـ وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : يا معشر الشيعة خاصموا بسورة (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) تفلجوا ، فو الله إنّها لحجّة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّها لسيّدة دينكم ، وإنّها لغاية علمنا ، يا معاشر الشيعة خاصموا ب (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)(٤) فإنّها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول الله. يا معشر الشيعة يقول الله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ)(٥). قيل : يا أبا جعفر عليه‌السلام نذيرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (محمّد)؟ فقال : صدقت ، فهل كان نذيرا وهو خلوّ (حيّ) من البعثة في أقطار الأرض ، فقال السائل : لا ، قال أبو جعفر : أرأيت بعيثه أليس نذيره كما ان رسول الله في

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ / ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ح ٧.

(٢) كفاية الأثر ٢٢١.

(٣) تفسير البرهان ٤ / ٤٨١ ح ١.

(٤) الدخان : ٣.

(٥) فاطر : ٢٤.

٥٤٦

بعثته من الله نذير؟ فقال : بلى ، قال : فكذلك لم يمت محمّد إلّا وله بعيث نذير.

قال : فإن قلت لا فقد ضيّع الله من في أصلاب الرجال من أمته.

قال : وما يكفيهم القرآن؟

قال : بلى ، إن وجدوا له مفسّرا.

قال : وما فسّر رسول الله؟

قال : بلى ، قد فسّره لرجل واحد ، وفسّر للأمة شأن ذلك الرجل هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال السائل : يا أبا جعفر ، كان هذا أمر خاصّ لا يحتمله العامّة؟

قال : أبى الله أن يعبد إلّا سرّا حتّى يأتي أبان أجله الّذي يظهر فيه دينه ، كما انّه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع خديجة عليها‌السلام مستترا حتّى أمره بالاعلان.

قال السائل : فينبغي لصاحب هذا الدّين أن يكتم؟

قال : أو ما كتم عليّ بن أبي طالب يوم أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أظهر أمره؟

قال : بلى ، قال : فكذلك أمرنا حتّى يبلغ الكتاب أجله (١).

١٠٨١ ـ وعنه بإسناده عن داود بن فرقد ، قال : حدّثني يعقوب :

قال : سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن ليلة القدر ، فقال : أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل عام؟

فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام : لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن (٢).

١٠٨٢ ـ روى الكراجكيّ رحمه‌الله بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قال : هي ملك بني أميّة. قال : وقوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ)(٣).

١٠٨٣ ـ روى عليّ بن إبراهيم في معنى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) فهو القرآن أنزل إلى البيت المعمور في ليلة القدر جملة واحدة ، وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ / ٤٨٤ ح ٧.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٤٨٦ ح ١٤.

(٣) كنز الفوائد ٤٧٥.

٥٤٧

طول عشرين سنة ، (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) ومعنى ليلة القدر أنّ الله تعالى يقدّر فيها الآجال والأرزاق وكلّ أمر يحدث من موت أو حيوة أو خصب أو جدب أو خير أو شرّ كما قال الله : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) إلى سنة.

قوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) قال ، قال : تنزّل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان ، ويدفعون اليه ما قد كتبوه من هذه الأمور ... إلى أن قال :

وقيل لأبي جعفر عليه‌السلام : تعرفون ليلة القدر؟

فقال : وكيف لا نعرف والملائكة تطوف بنا فيها (١).

نتيجة وفائدة مهمّة

أولا : اتّفق علماء القرآن والمفسّرون قاطبة أنّ الآية : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) غير منسوخة ، وأنّ حكّمها جار مع دوام القرآن إلى يوم القيامة.

ثانيا : اتّفق علماء التفسير والمحدّثون كافة في تفسير الآية : أنّ الملائكة والروح كانت تنزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بمقدّرات العالم كلّه من خير أو شر ، أو حياة وممات ، أو يسر وعسر ، ومن كلّ أمر في ليلة القدر من كلّ سنة ، ولذا كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمر المسلمين باحياء ليالي القدر بالصلاة والدعاء والتضرّع إلى الله عزوجل.

ثالثا : تواترت الأخبار عن أئمّتنا الأطهار وخلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الاثني عشر ، في صحاحنا أنّ الملائكة والروح تتنزّل عليهم بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ عام ، فبعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تنزّلت على وصيّه وخليفته من بعده إمام الحقّ ، وقائد الخلق أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ومن بعده على وصيّه بالحقّ الإمام الحسن بن عليّ السبط عليه‌السلام ، ومن بعده على أخيه إمام الحقّ الحسين بن عليّ الشهيد عليه‌السلام ، ومن بعده على وصيّه زين العابدين وسيّد الساجدين إمام الحقّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، ومن بعده على وصيّه إمام الحقّ محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام ، ومن بعده على وصيّه إمام الحقّ جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، ومن بعده

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٣١.

٥٤٨

على وصيّه إمام الحقّ موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، ومن بعده على وصيّه إمام الحقّ عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ومن بعده على وصيّه إمام الحقّ محمّد بن عليّ الجواد عليه‌السلام ومن بعده على وصيّه إمام الحقّ عليّ بن محمّد الهادي عليه‌السلام ، ومن بعده على وصيّه إمام الحقّ الحسن بن عليّ العسكريّ عليه‌السلام ، ومن بعده على وصيّه الخلف الصالح الإمام المنتظر الحجّة بن الحسن المهديّ صاحب الزمان عليه‌السلام أرواحنا له الفداء.

إنّ ثبوت حكم ليلة القدر جار مع بقاء القرآن المجيد وأنّها غير منسوخة ، وقد أخبر أئمّة أهل البيت الصادقون أنّ الملائكة والروح تتنزّل عليهم في كلّ عام منذ وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحتّى الآن ، ولم يزعم أحد من المخالفين مطلقا بنزول الملائكة والروح عليه في ليلة القدر.

٥٤٩

سورة البيّنة

الآية الاولى قوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(١).

١٠٨٤ ـ روى ابن أسباط عن ابن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله في قوله عزوجل : (دِينُ الْقَيِّمَةِ) قال : إنّما هو ذلك دين القائم عليه‌السلام (٢).

الآية الثانية قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)(٣).

١٠٨٥ ـ أسند عليّ بن محمّد الكرخيّ ، قال : دخل موسى وهو غلام على الصادق عليه‌السلام فقبّله فقال : يا إبراهيم ، إنّه لصاحبك من بعدي ، فلعن الله قاتله ، يخرج الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه تكملة اثنى عشر إماما اختصّهم الله بكرامته ، المنتظر للثاني عشر كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

١٠٨٦ ـ وروى الطبرسيّ : رفعه عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس في قوله : (هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) قال : نزلت في عليّ وأهل بيته (٥).

__________________

(١) البيّنة : ٥.

(٢) كنز جامع الفوائد ٣٩٩ ؛ المحجّة ٢٥٧.

(٣) البيّنة : ٧.

(٤) الصراط المستقيم ٢ / ٢٢٨.

(٥) تفسير البرهان ٤ / ٤٩٢ ح ٢٣.

٥٥٠

١٠٨٧ ـ روى الشيخ المفيد رحمه‌الله بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ ، عن عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين ، قال : والله ما برأ الله من بريّة أفضل من محمّد ومنّي ومن أهل بيتي ، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطلبة العلم من شيعتنا (١).

__________________

(١) الاختصاص ٢٣٤.

٥٥١

سورة التكاثر

الآية الاولى قوله سبحانه : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ* كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ* ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(١).

١٠٨٨ ـ روى البرقيّ بإسناده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (... لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) قال : المعاينة (٢).

المهديّ عليه‌السلام هو النعيم الّذي يسأل عنه

١٠٨٩ ـ روى الطبرسيّ عن العيّاشيّ بإسناده في حديث طويل ، قال : سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أبا حنيفة عن هذه الآية فقال له : ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال : القوت من الطعام والماء البارد ، فقال : لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها أو شربة شربتها ، ليطولنّ وقوفك بين يديه. قال : فما النعيم جعلت فداك؟ فقال : نحن أهل البيت الّذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين ، وبنا ألّف الله بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء ، وبنا هداهم الله إلى الإسلام ، وهي النعمة الّتي لا تنقطع ،

__________________

(١) التكاثر : ٣ ـ ٨.

(٢) تفسير البرهان ٤ / ٥٠١ ح ١.

٥٥٢

والله سائلهم عن حقّ النعيم الّذي أنعم الله به عليهم وهو النبيّ وعترته (١).

١٠٩٠ ـ الشيخ في أماليه بإسناده من طريق العامّة عن عمرو بن راشد أبي سليمان ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام في قوله : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال : نحن النعيم. وفي قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً)(٢) قال : نحن الحبل (٣).

١٠٩١ ـ عليّ بن ابراهيم ، بإسناده عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال ، قلت له : (لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال : تسئل هذه الامّة عمّا أنعم الله عليها برسوله ثمّ بأهل بيته (٤).

١٠٩٢ ـ محمّد بن يعقوب بإسناده عن أبي حمزة ، قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام جماعة ، فدعا بطعام ما لنا عهد بمثله لذاذة وطيبا ، وأتينا بتمر ننظر فيه أوجهنا من صفاته وحسنه ، فقال رجل : لتسألنّ عن هذا النعيم الّذي تنعّمتم به عند ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ الله عزوجل أكرم وأجلّ أن يطعم طعاما فيسوّغكموه ثمّ يسألكم عنه ، إنّما يسألكم عمّا أنعم عليكم بمحمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

١٠٩٣ ـ وفي حديث آخر عنه بنفس الإسناد ، فقال عليه‌السلام : والله لا تسئل عن هذا الطعام أبدا ، ثمّ ضحك حتّى افترّ ضاحكا ، وقال : أتدري ما النعيم؟ قلت : لا ، قال : نحن النعيم (٦).

١٠٩٤ ـ روى محمّد بن العباس ، بإسناده عن أبي حفص الصائغ ، عن الإمام جعفر بن محمّد عليه‌السلام أنّه قال : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) والله ما هو الطعام والشراب ، ولكن ولايتنا أهل البيت (٧).

١٠٩٥ ـ وعنه بإسناده عن عبد الله بن نجيح اليماني ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما معنى قوله عزوجل : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال : النعيم الّذي أنعم الله به عليكم من ولايتنا وحبّ محمّد وآله (٨).

١٠٩٦ ـ وعنه ، بإسناده عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام في قوله

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ / ٥٠٣ ح ١٣.

(٢) آل عمران : ١٠٣.

(٣) أمالي الطوسيّ ٢٧٢ ح ٥١١.

(٤) تفسير القمّيّ ٢ / ٤٤٠.

(٥) الكافي ٦ / ٢٨٠ خ ٣.

(٦) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٨٥١ ـ ٨٥٢ ح ٧.

(٧) نفس المصدر ٢ / ٨٥٠ ح ٢.

(٨) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٨٥٠ ـ ٨٥١ ح ٤.

٥٥٣

عزوجل : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال : نحن نعيم المؤمن وعلقم الكافر (١).

١٠٩٧ ـ وروى الشيخ المفيد رحمه‌الله بإسناده من طريق العامة عن الكلبيّ ، قال : لما قدم الصادق عليه‌السلام العراق ونزل الحيرة ، فدخل عليه أبو حنيفة وسأله عن مسائل وكان ممّا سأله أن قال له : جعلت فداك ، ما الأمر بالمعروف؟ فقال عليه‌السلام : المعروف في أهل السماء المعروف في أهل الأرض ذاك أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : جعلت فداك ، فما المنكر؟ قال : اللّذان ظلماه حقّه وابتزّاه أمره وحملا الناس على كتفه.

قال : ألا هو أن ترى الرجل على معاصي الله فتنهاه عنها؟

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليس ذلك أمرا بالمعروف ولا نهيا عن المنكر ، إنّما ذاك خير قدّمه.

قال أبو حنيفة : أخبرني جعلت فداك عن قول الله عزوجل : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)؟ قال : فما عندك يا أبا حنيفة؟ قال : الأمن في السرب وصحّة البدن والقوت الحاضر.

فقال : يا أبا حنيفة لئن أوقفك الله يوم القيامة حتّى يسألك عن أكلة أكلتها وشربة شربتها ، ليطولن وقوفك!

قال : فما النعيم جعلت فداك؟

قال : النعيم نحن الّذي أنقذ الناس بنا عن الضلالة ، وبصّرهم بنا من العمى ، وعلّمهم بنا من الجهل. قال : جعلت فداك فكيف كان القرآن جديدا أبدا؟ قال : لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان فتخلقه الأيام ، ولو كان كذلك لفنى القرآن قبل فناء العالم (٢).

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٨٥١ ح ٥.

(٢) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٨٥٢ ـ ٨٥٣ ح ٨ ؛ تفسير البرهان ٤ / ٥٠٣ ح ١٢.

٥٥٤

سورة العصر

قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(١).

١٠٩٨ ـ الشيخ الصدوق بإسناده عن المفضّل بن عمر ، قال : سألت الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) قال : (الْعَصْرِ) عصر خروج القائم عليه‌السلام ، (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) يعني أعداءنا ، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بآياتنا ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني بمواساة الاخوان ، (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) يعني بالإمامة ، (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) يعني في الفترة (العسرة) (٢).

__________________

(١) العصر : ١.

(٢) كمال الدّين ٢ / ٦٥٦.

٥٥٥

سورة النصر

قوله تعالى : (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً)(١).

١٠٩٩ ـ روى السيّد ابن طاوس رحمه‌الله بإسناده عن الأوزاعي ، قال : حدّثنا أبو عمّار ، قال : حدّثني جار كان لجابر بن عبد الله قال :

قدمت من سفر فسلّم عليّ ، فجعلت أحدّثه عن افتراق الناس وما أحدثوا ، فجعل جابر يبكي ، ثمّ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا (٢).

١١٠٠ ـ روى السيّد ابن طاوس أيضا بإسناده عن سويد بن غفلة ، قال : قال سلمان يوم القادسية ـ وأبصر كثرة الناس ـ : ترونهم يدخلون في دين الله أفواجا ، والّذي نفسي بيده ليخرجنّ منه أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا (٣).

__________________

(١) النصر : ٢.

(٢) التشريف بالمنن ٣٣٨.

(٣) نفس المصدر ٢٦٥.

٥٥٦

وظيفة الفرد المؤمن في عصر الغيبة

انتظار الفرج

١١٠١ ـ روى الشيخ الصدوق بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهرويّ ، وبروايته عن طريق العامّة ، عن عبد الرحمن بن سليط ، قال : قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : منّا اثنا عشر مهديّا ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحقّ ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحقّ على الدّين كلّه ولو كره المشركون. له غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدّين آخرون ، فيؤذون ويقال لهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١) أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

١١٠٢ ـ روى العلّامة البرقيّ رحمه‌الله بإسناده عن عبد الحميد الواسطيّ ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله ، والله لقد تركنا أسواقنا انتظارا لهذا الأمر حتّى أوشك الرجل منّا يسأل في يديه ، فقال :

يا عبد الحميد ، أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل له مخرجا؟ بلى والله ليجعلنّ الله له مخرجا ، رحم الله عبدا حبس نفسه علينا ، رحم الله عبدا أحيا أمرنا.

__________________

(١) يونس : ٤٨.

(٢) كمال الدّين ١ / ٣١٧ ح ٣.

٥٥٧

قال : فقلت : فإن متّ قبل أن أدرك القائم؟

فقال : القائل منكم : إذا أدركت القائم من آل محمّد نصرته كالمقارع معه بسيفه ، والشهيد معه له شهادتان (١).

١١٠٣ ـ روى شرف الدّين النجفيّ رحمه‌الله بإسناده عن الحسين بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك قد كبر سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي ، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت. قال : فقال لي : يا أبا حمزة أو ترى الشهيد إلّا من قتل؟ قلت : نعم جعلت فداك. فقال لي : يا أبا حمزة من آمن بنا وصدّق حديثنا وانتظر أمرنا كان كمن قتل تحت راية القائم ، بل والله تحت راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

١١٠٤ ـ روى العلّامة الطبرسيّ رحمه‌الله برواية العيّاشيّ عن الحرث بن المغيرة ، قال : كنّا عند أبي جعفر عليه‌السلام فقال : العارف منكم هذا الأمر ، المنتظر له ، المحتسب فيه الخير ، كمن جاهد والله مع قائم آل محمّد عليهم‌السلام بسيفه. ثمّ قال الثالثة : بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فسطاطه. وفيكم آية من كتاب الله ، قلت : وأيّ آية جعلت فداك؟ قال : قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٣) ثمّ قال : صرتم والله صادقين شهداء عند ربّكم (٤).

١١٠٥ ـ ومن كتاب فضائل الشيعة : روى العلّامة البرقيّ رحمه‌الله بإسناده عن زيد بن أرقم ، عن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، قال : ما من شيعتنا إلّا صدّيق شهيد ، قال : قلت : جعلت فداك أنّى يكون ذلك وعامّتهم يموتون على فراشهم؟ فقال : أما تتلو كتاب الله في الحديد : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ). قال : فقلت : كأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله عزوجل قطّ ، قال : لو كان الشهداء ليس إلّا كما تقول ، لكان الشهداء قليلا (٥).

١١٠٦ ـ وعنه بإسناده عن منهال القصّاب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ادع الله لي

__________________

(١) المحاسن للبرقي ١٧٣ ح ١٤٨.

(٢) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٦٦٥ ـ ٦٦٦ ح ٢١.

(٣) الحديد : ١٩.

(٤) تفسير مجمع البيان ٩ / ٢٣٨.

(٥) المحاسن للبرقي ١٦٣ ـ ١٦٤ ب ٣٢.

٥٥٨

بالشهادة ، فقال : المؤمن لشهيد حيث مات ، أو ما سمعت قول الله في كتابه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(١).

عن أبان بن تغلب ، قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا ذكر هؤلاء الّذين يقتلون في الثغور يقول : ويلهم ما يصنعون بهذا؟ يتعجّلون قتلة في الدنيا وقتلة في الآخرة! والله ما الشهداء إلّا شيعتنا وان ماتوا على فراشهم (٢).

١١٠٧ ـ وعنه بإسناده عن مالك الجهني ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا مالك ، إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب في سبيل الله. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يضرّ رجلا من شيعتنا أيّة ميتة مات : أكله السبع ، أو أحرق بالنار أو غرق ، أو قتل ، هو والله شهيد (٣).

١١٠٨ ـ وعنه بإسناده عن السندي ، عن جدّه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظرا له؟ قال : هو بمنزلة من كان مع القائم عليه‌السلام في فسطاطه ، ثمّ سكت هنيئة ثمّ قال : هو كمن كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

١١٠٩ ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : الزموا الأرض ، واصبروا على البلاء ، ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم ، وهوى ألسنتكم ، ولا تستعجلوا بما لم يعجّله الله لكم ، فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة ربّه ، وحقّ رسوله وأهل بيته ، مات شهيدا أوقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النيّة مقام إصلاته بسيفه ، فإنّ لكلّ شيء مدّة وأجلا (٥).

١١١٠ ـ روى الصدوق رحمه‌الله في «كمال الدّين» بإسناده عن عمّار الساباطيّ ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : العبادة مع الإمام منكم المستتر في السرّ في دولة الباطل أفضل ، أم العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟ فقال : يا عمّار ، الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية ، وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل ، لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة ، ممّن يعبد الله في ظهور الحقّ مع

__________________

(١ ـ ٢) ـ المحاسن للبرقي ١٦٣ ـ ١٦٤ ب ٣٢.

(٥) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ / ١١٠ ـ ١١١ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٤٤.

٥٥٩

الإمام الظاهر في دولة الحقّ ، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ.

اعلموا أنّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحدانا مستترا بها من عدوّه في وقتها فأتمّها ، كتب الله عزوجل له بها خمسة وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة ، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمها ، كتب الله عزوجل له بها عشر صلوات نوافل ، ومن عمل منكم حسنة ، كتب الله له بها عشرين حسنة ، ويضاعف الله تعالى حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ، ودان الله بالتقيّة على دينه ، وعلى إمامه وعلى نفسه ، وأمسك من لسانه ، أضعافا مضاعفة كثيرة ، إنّ الله عزوجل كريم.

قال : فقلت : جعلت فداك قد رغّبتني في العمل ، وحثثتني عليه ، ولكنّي احبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحقّ ، ونحن وهم على دين واحد ، وهو دين الله عزوجل؟

فقال : إنّكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله ، وإلى الصلاة والصوم والحجّ وإلى كلّ فقه وخير ، وإلى عبادة الله سرّا من عدوّكم مع الإمام المستتر ، مطيعون له ، صابرون معه ، منتظرون لدولة الحقّ ، خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم من الملوك ، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة ، قد منعوكم ذلك واضطرّوكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش ، مع الصبر على دينكم ، وعبادتكم وطاعة ربّكم ، والخوف من عدوّكم ، فبذلك ضاعف الله أعمالكم ، فهنيئا لكم هنيئا.

قال : فقلت : جعلت فداك ، فما نتمنّى إذا أن نكون من أصحاب القائم عليه‌السلام في ظهور الحقّ؟ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أعمال أصحاب دولة الحقّ؟

فقال : سبحان الله! أما تحبّون أن يظهر الله عزوجل الحقّ والعدل في البلاد ويحسن حال عامّة الناس ، ويجمع الله الكلمة ، ويؤلّف بين القلوب المختلفة ، ولا يعصى الله في أرضه ، ويقام حدود الله في خلقه ، ويردّ الحقّ إلى أهله ، ويظهروه حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق؟

أما والله يا عمّار ، لا يموت منكم ميّت على الحال الّتي أنتم عليها ، إلّا كان أفضل عند

٥٦٠