الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

فقلت له : يا ابن رسول الله ، فكيف صارت الامامة في ولد الحسين دون ولد الحسن عليهما‌السلام وهما جميعا ولدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنة؟ فقال عليه‌السلام : إنّ موسى وهارون كانا نبيّين مرسلين وأخوين ، فجعل الله عزوجل النبوّة في صلب هارون دون صلب موسى عليهما‌السلام ، ولم يكن لأحد أن يقول لم فعل الله ذلك؟ وإنّ الإمامة خلافة الله عزوجل في أرضه ، وليس لأحد أن يقول لم جعله (جعلها) الله في صلب الحسين دون صلب الحسن عليهما‌السلام ، لأن الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله ، لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون (١).

الآية الخامسة قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)(٢).

١١ ـ قال عليّ بن ابراهيم : قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) الآية ، فهم السبعون الّذين اختارهم موسى ليسمعوا كلام الله ، فلمّا سمعوا الكلام قالوا : لن نؤمن لك يا موسى حتّى نرى الله جهرة ، فبعث الله عليهم صاعقة فاحترقوا ، ثمّ أحياهم الله بعد ذلك وبعثهم أنبياء ، فهذا دليل على الرجعة في أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لم يكن في بني اسرائيل شيء ، إلّا وفي أمّتي مثله (٣).

الآية السادسة قوله تعالى : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(٤).

مع المهديّ عليه‌السلام حجر موسى عليه‌السلام

١٢ ـ روى الثقة الصفّار بإسناده عن أبي سعيد الخراساني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه : ألا لا يحمل

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ٣٥٨ ح ٥٧ ؛ معاني الأخبار ١٢٦ ح ١ ؛ بحار الأنوار ١١ / ١٧٧ ؛ و ٢٤ / ١٧٧.

(٢) البقرة : ٥٥.

(٣) تفسير القمّي ١ / ٤٧.

(٤) البقرة : ٦٠.

٤١

أحد منكم طعاما ولا شرابا ، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير ، ولا ينزل منزلا إلّا انبعث عين منه ، فمن كان جائعا شبع ، ومن كان ظمآن روى ، فهو زادهم حتّى نزلوا النجف من ظهر الكوفة (١).

الآية السابعة قوله تعالى : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٢).

الخزي لأعداء الله في عهد المهديّ عليه‌السلام

١٣ ـ روى الطبريّ بإسناده عن السدّي في قوله تعالى : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أمّا خزيهم في الدنيا إذا قام المهديّ وفتحت القسطنطينية قتلهم ، فذلك الخزي (٣).

الآية الثامنة قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ* إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٤).

تأويل وجه الله تعالى بالمهديّ عليه‌السلام

١٤ ـ روى العلّامة أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ مرسلا ، قال : جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وقال له : ... لو لا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم. فأجابه عليه‌السلام في حديث طويل ذكر فيه الأئمّة اولي الأمر عليهم‌السلام ، فقال له السائل : ما ذاك الأمر؟ قال عليّ عليه‌السلام : الّذي تنزّل فيه الملائكة في الليلة الّتي يفرق فيها كل أمر حكيم : من خلق ، ورزق ، وأجل ، وعمل ، وعمر ، وحياة وموت ، وعلم غيب السماوات والأرض ، والمعجزات الّتي لا تنبغي إلّا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه ، وهم وجه الله الّذي قال : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) هم بقية الله ، يعني المهديّ يأتي عند انقضاء هذه النظرة ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (٥).

الآية التاسعة قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ

__________________

(١) بصائر الدرجات ١٨٨ ب ٤ ح ٥٤ ؛ الكافي ١ / ٢٣١ ح ٣.

(٢) البقرة : ١١٤.

(٣) تفسير الطبري ١ / ٣٩٩ ؛ مجمع البيان ١ / ١٩٠.

(٤) البقرة : ١١٥.

(٥) الاحتجاج ١ / ٢٤٠ ـ ٢٥٢ ؛ بحار الأنوار ٩٣ / ١١٨.

٤٢

إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١).

١٥ ـ روى الشّيخ الصدوق بإسناده عن المفضّل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) ما هذه الكلمات؟

قال عليه‌السلام : هي الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب الله عليه. الخ الحديث الّذي ذكرناه مفصّلا في الآية ٣٧ من سورة البقرة فراجع.

الآية العاشرة قوله تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(٢).

١٦ ـ روى العيّاشي بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن تفسير هذه الآية من قول الله : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ ... إِلهاً واحِداً) قال : جرت في القائم عليه‌السلام (٣).

الآية الحادية عشرة قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٤).

١٧ ـ عليّ بن إبراهيم القمّي في تفسيره ، بإسناده عن أبي خالد الكابليّ قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام والله لكأنّي انظر القائم عليه‌السلام وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثمّ ينشد الله حقّه. ثم يقول : أيّها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولى بالله ، أيّها الناس من يحاجّني في آدم فأنا أولى بآدم ، أيّها الناس من يحاجّني في نوح فأنا أولى بنوح ، أيّها الناس من يحاجّني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم ، أيّها الناس من يحاجّني في موسى فأنا أولى بموسى ، أيّها الناس من يحاجّني في عيسى فأنا أولى بعيسى ، أيّها الناس من يحاجّني في رسول الله (محمّد) فأنا أولى برسول الله (بمحمّد) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّها الناس من يحاجّني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله ، ثمّ ينتهي إلى المقام فيصلّي ركعتين وينشد الله حقّه.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : هو والله المضطرّ في كتاب الله في قوله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) البقرة : ١٣٣.

(٣) تفسير العيّاشي ١ / ٦١ ح ١٠٢.

(٤) البقرة : ١٤٨.

٤٣

الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ)(١) فيكون أوّل من يبايعه جبرئيل ، ثمّ الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا ، فمن كان ابتلي بالمسير وافاه ، ومن لم يبتل بالمسير فقد من فراشه ، وهو قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : هم المفقودون عن فرشهم ، وذلك قول الله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) قال : الخيرات : الولاية (٢).

١٨ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن أبي خالد ، عن أبي عبد الله (وعن أبي جعفر عليهما‌السلام) في قول الله عزوجل : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) قال : الولاية ، وقوله تبارك وتعالى : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) يعني أصحاب القائم عليه‌السلام الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا ، قال : وهم والله الأمّة المعدودة ، قال : يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف (٣).

١٩ ـ وروى محمّد بن إبراهيم المعروف بابن أبي زينب النعمانيّ رحمه‌الله بإسناده عن أبي خالد الكابليّ ، عن عليّ بن الحسين ، ومحمّد بن عليّ عليهما‌السلام أنّه قال : الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة ، وهو قول الله عزوجل : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) وهم أصحاب القائم (٤).

٢٠ ـ وعن النعمانيّ بإسناده عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا أوذن الإمام ، دعا الله عزوجل باسمه العبرانيّ فأتيحت له أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر ، قزع كقزع الخريف ، فهم أصحاب الألوية ، منهم من يفتقد من فراشه ليلا فيصبح بمكّة ، ومنهم يرى يسير في السحاب نهارا ، يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه.

قلت : جعلت فداك أيّهما أعظم ايمانا؟

قال : الّذي يسير في السحاب نهارا ، وهم المفقودون ، وفيهم نزلت هذه الآية : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(٥).

٢١ ـ وعن النعمانيّ أيضا بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله :

__________________

(١) النمل : ٦٢.

(٢) تفسير القمّي ٢ / ٢٠٥.

(٣) روضة الكافي ٣١٣.

(٤) الغيبة للنعمانيّ ١٦٨ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٣٦٨.

(٥) الغيبة للنعمانيّ ١٦٨.

٤٤

(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) قال : نزلت في القائم عليه‌السلام وأصحابه ، يجتمعون على غير ميعاد (١).

٢٢ ـ وروى النعمانيّ بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام في حديث يذكر فيه علامات القائم عليه‌السلام إلى أن قال : فيجمع الله له أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، ويجمعهم الله له على غير ميعاد قزع كقزع الخريف ، وهم يا جابر الآية الّتي ذكرها الله في كتابه : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيبايعونه بين الركن والمقام ، ومعه عهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد توارثوه الأبناء عن الآباء (٢).

٢٣ ـ وروى الشّيخ الصدوق بإسناده عن ضريس ، عن أبي خالد الكابليّ ، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، عدّة أهل بدر ، فيصبحون بمكّة ، وهو قول الله عزوجل : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) وهم أصحاب القائم عليه‌السلام (٣).

٢٤ ـ وعن الشّيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لقد نزلت هذه الآية في المفقودين من أصحاب القائم عليه‌السلام ، قوله عزوجل : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) انّهم المفقودون عن فرشهم ليلا فيصبحون بمكّة ، وبعضهم يسير في السحاب نهارا ، يعرف باسمه واسم ابيه وحليته ونسبه ، قال : فقلت : جعلت فداك أيّهم أعظم ايمانا؟ قال : الّذي يسير في السحاب نهارا (٤).

٢٥ ـ روى العيّاشي رحمه‌الله بإسناده عن جابر الجعفيّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام يقول : الزم الأرض ، لا تحركنّ يدك ولا رجلك أبدا حتّى ترى علامات أذكرها لك في سنة ، وترى مناديا ينادي بدمشق ، وخسف بقرية من قراها ، وتسقط طائفة من مسجدها ... (حتّى يصل إلى قوله :) فيقوم القائم بين الركن والمقام فيصلّي وينصرف ومعه وزيره ، فيقول : يا أيّها الناس ، إنّا نستنصر الله على من ظلمنا وسلب حقنا ، من يحاجّنا في الله فأنا أولى بالله ، ومن يحاجّنا في آدم فأنا أولى الناس بآدم ، ومن حاجّنا في نوح فأنا أولى الناس بنوح ،

__________________

(١) نفس المصدر ٢٤١ : بحار الأنوار ٥١ / ٥٨.

(٢) الغيبة للنعماني ١٥٠.

(٣) كمال الدّين ٥٤ / ٤٦ ح ٢١.

(٤) نفس المصدر ٢ / ٦٧٢ ح ٢٤.

٤٥

ومن حاجّنا في ابراهيم فأنا أولى الناس بابراهيم ، ومن حاجّنا بمحمد فأنا أولى الناس بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن حاجّنا في النبيّين فأنا أولى الناس بالنبيّين ، ومن حاجّنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله ، إنّا نشهد وكل مسلم اليوم أنّا قد ظلمنا وطردنا وبغي علينا وأخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقهرنا ، ألا إنّا نستنصر الله اليوم وكلّ مسلم.

ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، فيهم خمسون امرأة ، يجتمعون بمكّة على غير ميعاد قزعا كقزع الخريف ، يتبع بعضهم بعضا ، وهي الآية الّتي قال الله تعالى : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١) ـ الحديث (٢).

٢٦ ـ وعن العيّاشي ، بإسناده عن أبي سمينة ، عن مولى لأبي الحسن ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قوله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) قال : وذلك والله أن لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان (٣).

٢٧ ـ الطبرسيّ بإسناده عن عبد العظيم الحسنيّ رضى عنه الله عنه قال : قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى عليهما‌السلام : يا مولاي إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، فقال عليه‌السلام : ما منا إلّا قائم بأمر الله وهاد إلى دين الله ، ولكنّ القائم الّذي يطهّر الله به الأرض من الكفر والجحود ويملأها قسطا وعدلا ، هو الّذي يخفى على الناس ولادته ، ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته ، وهو سميّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنيّه ، وهو الّذي تطوى له الأرض ، وتذلّ له كلّ صعب ، يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض ، وذلك قول الله عزوجل : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الأرض أظهر الله أمره ، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى الله عزوجل.

قال عبد العظيم : فقلت له : يا سيّدي وكيف يعلم أن الله قد رضي؟

__________________

(١) البقرة : ١٤٨.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٦٥ ح ١١٧.

(٣) نفس المصدر ١ / ٦٦ ح ١١٧. (هكذا في تفسير العيّاشي ، وقد وقع خطأ في ترقيم الحديث).

٤٦

قال : يلقي في قلبه الرحمة ، فإذا دخل المدينة أخرج اللّات والعزّى فأحرقهما (١).

٢٨ ـ وروى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ : في مسند فاطمة عليها‌السلام ، بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت جعلت فداك ، هل كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يعلم أصحاب القائم عليه‌السلام كما كان يعلم عدّتهم؟ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : حدّثني أبي قال : والله لقد كان يعرفهم بأسمائهم وأسماء قبائلهم وحلائلهم رجلا فرجلا ، ومواضع منازلهم ومراتبهم ، وكلّما عرفه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد عرفه الحسن عليه‌السلام ، وكلّما عرفه الحسن فقد عرفه الحسين عليه‌السلام ، وكلّما عرفه الحسين فقد علمه عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، وكلّما علمه عليّ بن الحسين فقد صار علمه إلى محمّد بن عليّ عليه‌السلام ، وكلّما قد علمه محمّد بن عليّ عليه‌السلام ، فقد علمه وعرفه صاحبكم ـ يعني نفسه صلوات الله عليه ـ.

قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام مكتوب في كتاب محفوظ في القلب ، مثبت في الذكر لا ينسى ، قال. قلت : جعلت فداك : أخبرني بعددهم وبلدانهم ومواضعهم ، قال : فقال : اذا كان يوم الجمعة بعد الصلاة فأتني ....

ـ إلى أن قال ـ : وإنّ أصحاب القائم عليه‌السلام يلقي بعضهم بعضا كأنّهم بنو أب وأمّ وإن افترقوا ، افترقوا عشيّا والتقوا غدوة ، وذلك تأويل هذه الآية : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً).

قال ابو بصير : قلت جعلت فداك ، ليس على الأرض يومئذ مؤمن غيرهم؟

قال : بلى ، ولكنّ هذه الّتي يخرج الله فيها القائم عليه‌السلام ، وهم النجباء والقضاة والحكام والفقهاء في الدّين ، يمسح الله بطونهم وظهورهم فلا يشتبه عليهم حكم (٢).

٢٩ ـ روى الفضل بن شاذان بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «لا يزال الناس ينقصون حتّى لا يقال (الله) فإذا كان ذلك ، ضرب يعسوب الدّين بذنبه ، فيبعث الله قوما من أطرافها يجيئون قزعا كقزع الخريف ، والله إنّي لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم ، وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين ، حتّى بلغ تسعة ، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٢٤٩ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ١٥٧.

(٢) دلائل الإمامة ٣٠٧.

٤٧

رجلا ، عدّة أهل بدر ، وهو قول الله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) حتّى إنّ الرجل ليحبّني فلا يحل حبوته حتى يبلّغه الله ذلك (١).

٣٠ ـ روى الفضل بن شاذان رحمه‌الله بإسناده : عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، عدّة أهل بدر ، فيصبحون بمكّة ، وهو قول الله عزوجل : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) وهم أصحاب القائم عليه‌السلام (٢).

٣١ ـ روى الطوسيّ رحمه‌الله بإسناده عن طريق العامّة عن الكلبيّ ، عن أبي صالح ، عن عبد الله بن العبّاس في قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ* فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٣).

قال : قيام القائم عليه‌السلام ، ومثله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) قال : أصحاب القائم عليه‌السلام يجمعهم الله في يوم واحد ... الخ الحديث الّذي ذكرناه سابقا (٤).

٣٢ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين من أصحاب القائم عليه‌السلام ، قوله عزوجل : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) إنّهم ليفتقدون عن فرشهم ليلا فيصبحون بمكّة ، وبعضهم يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه.

قال : قلت : جعلت فداك أيّهم اعظم ايمانا؟

قال : الّذي يسير في السحاب نهارا (٥).

٣٣ ـ روى العيّاشي عن عبد الأعلى الجبليّ (الحلبيّ) قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ، ثمّ أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ـ حتّى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الّذي يكون بين يديه حتّى يلقى بعض أصحابه ، فيقول : كم أنتم هاهنا؟ فيقولون نحو من أربعين رجلا ، فيقول : كيف انتم لو قد رأيتم صاحبكم؟ فيقولون : والله لو يأوي بنا الجبال لأويناها معه.

__________________

(١) الأصول الستة عشر ٦٤ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٣٣٤.

(٢) كشف الحقّ (أربعون الخاتون آبادي) ١٥٨ ؛ كشف الأستار ٢٢٢.

(٣) الذاريات : ٢٢ ـ ٢٣.

(٤) الغيبة للطوسي ١١٠ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٥٣.

(٥) كمال الدّين ٢ / ٦٧٢ ح ٢٤.

٤٨

ثمّ يأتيهم من القابلة فيقول لهم : أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشيرة ، فيشيرون له إليهم ، فينطلق بهم حتّى يأتون صاحبهم ، ويعدهم إلى الليلة الّتي تليها.

ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : والله لكأنّي انظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثمّ ينشد الله حقّه ثمّ يقول : يا أيّها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولى الناس بالله ومن يحاجّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم.

يا أيّها الناس من يحاجّني في نوح فأنا اولى الناس بنوح.

يا أيّها الناس من يحاجّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم.

يا أيّها الناس من يحاجّني في موسى فأنا أولى الناس بموسى.

يا أيّها الناس من يحاجّني في عيسى فأنا أولى الناس بعيسى.

يا أيّها الناس من يحاجّني في محمّد فأنا أولى الناس بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

يا أيّها الناس من يحاجّني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله ، ثمّ ينتهى إلى المقام فيصلّي عنده ركعتين ، ثمّ ينشد الله حقّه.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : هو والله المضطرّ في كتاب الله ، وهو قول الله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ)(١) وجبرئيل على الميزاب في صورة طاير أبيض ، فيكون أوّل خلق الله يبايعه جبرئيل ، ويبايعه الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا.

قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة ، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه ، ثمّ قال : هو والله قول عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : المفقودون عن فرشهم ، وهو قول الله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) أصحاب القائم الثلاثمائة وبضعة عشر رجلا.

قال : هم والله الأمّة المعدودة الّتي قال الله في كتابه : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)(٢) قال : يجمعون في ساعة واحد قزعا كقزع الخريف ، فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيجيبه نفر يسير ، ويستعمل على مكّة ، ثمّ يسير فيبلغه إن قد قتل عامله ،

__________________

(١) النمل : ٦٢.

(٢) هود : ٨.

٤٩

فيرجع اليهم فيقتل المقاتلة لا يزيد على ذلك شيئا ـ يعني السبي .. الحديث (١).

الآية الثانية عشرة قوله عزوجل : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(٢).

٣٤ ـ روى ثقة الإسلام الكليني قدس‌سره بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

قال أبي لجابر بن عبد الله الأنصاريّ : إنّ لي إليك حاجة ، فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها ، فقال له جابر : أيّ الأوقات أحببت ، فخلا به في بعض الأيام فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أمّي فاطمة عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما أخبرتك به أمي أنّه في ذلك اللوح مكتوب؟ فقال جابر : أشهد بالله أنّي دخلت على أمّك فاطمة في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهنّيتها بولادة الحسين ، ورأيت في يدها لوحا أخضر ، ظننت أنّه من زمرّد ، ورأيت فيه كتابا ابيض ، شبه لون الشمس ، فقلت لها : بأبي وأمي يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هذا اللوح؟

فقالت : هذا لوح أهداه الله إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيّ واسم الأوصياء من ولدي ، وأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك.

قال : جابر : فأعطتنيه أمك فاطمة عليها‌السلام فقرأته واستنسخته.

فقال له أبي : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليّ؟

قال : نعم ، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رقّ ، فقال : يا جابر انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك ، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفا ، فقال جابر : فأشهد بالله أنّي هكذا رأيته في اللوح مكتوبا :

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه ونوره وسفيره وحجابه ودليله ، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين ، عظّم يا محمّد أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي ، إنّي أنا الله لا إله إلا أنا قاصم الجبارين ومديل المظلومين وديّان الدّين ، إنّي أنا الله لا إله إلا أنا ، فمن رجا غير فضلي ، أو خاف غير فضلي ، أو خاف غير عدلي ، عذّبته عذابا

__________________

(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٦ ح ٤٩ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٢٨٨.

(٢) البقرة : ١٥٧.

٥٠

لا أعذّب به أحدا من العالمين ، فإيّاي فاعبد ، وعليّ فتوكّل ، إنّي لم أبعث نبيّا فأكملت أيّامه وانقضت مدّته إلّا جعلت له وصيّا ، وإنّي فضّلتك على الأنبياء ، وفضّلت وصيّك على الأوصياء ، وأكرمته بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، فجعلت حسنا معدن علمي ، بعد انقضاء مدّة أبيه وجعلت حسينا خازن وحيي ، وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ، فهو أفضل من استشهد ، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامّة معه ، وحجّتي البالغة عنده ، بعترته اثيب وأعاقب ، أوّلهم عليّ سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين ، وابنه شبه جدّه المحمود محمّد الباقر علمي والمعدن لحكمتي ، سيهلك المرتابون في جعفر ، الرادّ عليه كالرادّ عليّ ، حقّ القول منّي لأكرمنّ مثوى جعفر ، ولأسرّنه في أشياعه وأنصاره وأوليائه ، وانتجبت بعده موسى واتيحت بعده فتنة عمياء حندس ، لأنّ خيط فرضي لا ينقطع ، وحجّتي لا تخفى ، وإنّ أوليائي يسقون بالكأس الأوفى ، من جحد واحدا منهم ، فقد جحد نعمتي ، ومن غيّر آية من كتابي ، فقد افترى عليّ ، ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في عليّ وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوّة وامتحنه بالاضطلاع بها ، يقتله عفريت مستكبر يدفن في المدينة الّتي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلقي ، حقّ القول منّي لأسرّنه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده ووراث علمه ، فهو معدن علمي وموضع سرّي وحجّتي على خلقي ، لا يؤمن عبد به إلّا جعلت الجنّة مثواه ، وشفّعته في سبعين من أهل بيته كلّهم قد استوجبوا النار ، واختم بالسعادة لابنه عليّ وليّي وناصري والشاهد في خلقي ، وأميني على وحيي ، أخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي الحسن ، وأكمل ذلك بابنه «م ح م د» رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيّوب ، فيذل أوليائي في زمانه وتتهادى رءوسهم كما تتهادى رءوس الترك والديلم ، فيقتلون ويحرقون ويكونون خائفين ، مرعوبين ، وجلين ، تصبغ الأرض بدمائهم ويفشو الويل والرنّة في نسائهم ، اولئك أوليائي حقّا ، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس ، وبهم اكشف الزلازل ، وأدفع الآصار والأغلال ، (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

٥١

قال أبو بصير : لو لم تسمع في دهرك إلّا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلّا عن أهله (١). انتهى

الآية الرابعة عشرة قوله سبحانه : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ)(٢).

٣٥ ـ روى العيّاشي عن جابر قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله تعالى : (فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) قال : ينزل في سبع قباب من نور ، لا يعلم أيّها هو حين ينزل في ظهر الكوفة ، فهذا حين ينزل (٣).

الآية الرابعة عشرة قوله عزوجل : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)(٤).

٣٦ ـ وبالإسناد عن محمّد بن سنان ، عن خالد العاقوليّ في حديث له ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : فما تمدّون أعينكم؟ فما تستعجلون؟ ألستم آمنين؟ أليس الرجل منكم يخرج من بيته فيقضي حوائجه ثمّ يرجع لم يختطف؟ إن كان من قبلكم على ما أنتم عليه ليؤخذ الرجل منهم فتقطع يداه ورجلاه ، ويصلب على جذوع النخل ، وينشر بالمنشار ثمّ يعدو ذنب نفسه ، ثمّ تلا هذه الآية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)(٥).

الآية الخامسة عشرة قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)(٦).

٣٧ ـ روى النعمانيّ بإسناده عن إسماعيل بن جابر ، قال : سمعت جعفر بن محمّد

__________________

(١) الكافي للكليني ١ / ٥٢٧ ح ٣ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٤٣.

(٢) البقرة : ٢١٠.

(٣) تفسير العيّاشي ١ / ١٠٣ ح ٣٠١ ؛ تفسير البرهان ١ / ٢٠٩ ح ٦.

(٤) البقرة : ٢١٤.

(٥) تفسير العيّاشي ١ / ١٠٥ ح ٣١٠ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٣٠.

(٦) البقرة : ٢٤٣.

٥٢

الصادق عليه‌السلام يقول (في حديث طويل عن أنواع آيات القرآن روى فيه عن الإمام الصادق عليه‌السلام مجموعة أسئلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام عن آيات القرآن واحكامه ، جاء فيه) : وأمّا الردّ على من أنكر الرجعة ، فقول الله عزوجل : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ)(١) أي إلى الدنيا ، وإنّ معنى حشر الآخرة فقوله عزوجل : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٢) ، وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)(٣) في الرجعة ، فأمّا في القيامة ، فهم يرجعون.

ومثل قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)(٤) وهذا لا يكون إلا في الرجعة.

ومثله ما خاطب الله به الأئمّة ، ووعدهم من النصر والانتقام من أعدائهم فقال سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(٥) وهذا إنّما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا.

ومثل قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(٦) وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(٧) أي رجعة الدنيا.

ومثله قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) وقوله عزوجل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا)(٨) فردّهم الله تعالى بعد الموت إلى الدنيا وشربوا ونكحوا ، ومثل خبر العزيز (٩).

الآية السادسة عشرة قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ

__________________

(١) النحل : ٨٣.

(٢) الكهف : ٤٧.

(٣) الأنبياء : ٩٥.

(٤) البقرة : ٨١.

(٥) النور : ٥٥.

(٦) القصص : ١٥.

(٧) القصص : ٨٥.

(٨) الأعراف : ١٥٥.

(٩) المحكم والمتشابه : ٣ و ٥٧ ؛ بحار الأنوار ٥٣ / ١١٨.

٥٣

عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(١).

٣٨ ـ أسند الشّيخ الصدوق إلى الريّان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه‌السلام : أنت صاحب هذا الأمر؟ قال : نعم ، ولكنّي لست بالّذي أملأها عدلا كما ملئت جورا ، وكيف يكون ذلك على ما يرى من ضعف بدني ، وإنّ القائم قويّ في بدنه ، لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على الأرض لقلعها ، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ، ذلك الرابع من ولدي يغيّبه الله ثمّ يظهره (٢).

الآية السابعة عشرة قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٣).

المهديّ عليه‌السلام يستخرج تابوت السّكينة

٣٩ ـ روى ابن حماد بإسناده عن سليمان بن عيسى ، قال : بلغني أنّه على يدي المهديّ يظهر تابوت السكينة من بحيرة الطبريّة ، حتّى تحمل فتوضع بين يديه ببيت المقدس ، فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلّا قليلا منهم (٤).

٤٠ ـ روى السيّد ابن طاوس رحمه‌الله عن نعيم بإسناده عن كعب ، قال : المهديّ يبعث بعثا لقتال الروم ، يعطى فقه عشرة ، يستخرج تابوت السكينة من غار أنطاكية ، فيها التوراة الّتي أنزل الله على موسى ، والإنجيل الّذي أنزل الله على عيسى ، يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بانجيلهم (٥).

٤١ ـ وروى أيضا عن كعب قال : إنّما سمّي المهديّ لأنّه يهدي لأمر قد خفي ، ويستخرج التوراة والانجيل من أرض يقال لها أنطاكية (٦).

٤٢ ـ قال السيّد ابن طاوس رحمه‌الله : روى نعيم في حديث آخر : إنّ التوراة يخرجها

__________________

(١) البقرة : ٢٤٧.

(٢) الصراط المستقيم ٢ / ٢٢٩.

(٣) البقرة : ٢٤٨.

(٤) الفتن لابن عمّاد لمروزي ٩٩ ـ ١٠٠ ؛ عقد الدرر ١٤٧ ب ٧.

(٥) التشريف بالمنن ١٤٢ ب ١٣٨.

(٦) التشريف بالمنن ١٤٢ ب ١٣٩.

٥٤

غضّة ـ يعني طريّة ـ من أنطاكية (١).

٤٣ ـ قال : وروى نعيم بسنده عن كعب أيضا : قال : إنّما سمّي المهديّ لأنّه يهدي إلى أسفار من أسفار التوراة يستخرجها من جبال الشام ، يدعو إليها اليهود ، فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة. ثمّ ذكر نحوا من ثلاثين ألفا (٢).

الآية الثانية عشرة قوله تعالى : (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ...)(٣).

٤٤ ـ روى محمّد بن إبراهيم النعمانيّ رحمه‌الله في كتاب الغيبة بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إنّ أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الّذي قال الله تعالى : (مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) وإنّ أصحاب القائم عليه‌السلام يبتلون بمثل ذلك (٤).

الآية التاسعة عشرة قوله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ)(٥).

تشبيه غيبة المهديّ عليه‌السلام بغيبة داود عليه‌السلام

٤٥ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن محمّد بن عمارة ، قال : قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : أخبرني بوفاة موسى بن عمران عليه‌السلام. فقال : إنّه لمّا أتاه أجله واستوفى مدته وانقطع أكله ، أتاه ملك الموت عليه‌السلام فقال له : السلام عليك يا كليم الله ، فقال موسى : وعليك السلام من أنت؟ فقال : أنا ملك الموت ـ إلى أن قال : ـ فقبض ملك الموت روحه مكانه ، ودفنه في القبر وسوّى عليه التراب ، وكان الّذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدميّ ، وكان ذلك في التيه ، فصاح صائح من السماء : مات موسى كليم الله ، وأيّ نفس لا تموت ،

__________________

(١) التشريف بالمنن ١٤٢ ب ١٣٩.

(٢) نفس المصدر ١٤٥ ب ١٤٥.

(٣) البقرة : ٢٤٩.

(٤) الغيبة للنعمانيّ ٣١٦ ح ١٣ ؛ المحجّة ٢٦٢.

(٥) البقرة : ٢٥١.

٥٥

فحدّثني أبي عن جدّي عن أبيه عليهما‌السلام إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن قبر موسى أين هو؟ فقال : هو عند الطريق الأعظم عند الكثب الأحمر.

ثمّ إنّ يوشع بن نون عليه‌السلام قام بالأمر بعد موسى عليه‌السلام صابرا من الطواغيت على اللأواء والضرّاء والجهد والبلاء ، حتّى مضى منهم ثلاث طواغيت ، فقوي بعدهم أمره ، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى عليه‌السلام بصفراء بنت شعيب امرأة موسى عليه‌السلام في مائة ألف رجل ، فقاتلوا يوشع بن نون عليه‌السلام ، فقتلهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره ، وأسر صفراء بنت شعيب ، وقال لها : قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن ألقى نبيّ الله موسى عليه‌السلام فأشكو إليه ما لقيت منك ومن قومك.

فقالت صفراء : وا ويلاه ، والله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه ، وخرجت على وصيّه بعده ، فاستتر الائمة بعد يوشع بن نون إلى زمان داود عليه‌السلام أربعمائة سنة وكانوا أحد عشر ، وكان قوم كلّ واحد منهم يختلفون إليه في وقته ويأخذون عنه معالم دينهم ، حتّى انتهى الأمر إلى آخرهم ، فغاب عنهم ، ثمّ ظهر لهم فبشّر بداود عليه‌السلام وأخبرهم أنّ داود عليه‌السلام هو الّذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده ، ويكون فرجهم في ظهوره ، فكانوا ينتظرونه.

فلمّا كان زمان داود عليه‌السلام كان له أربعة إخوة ولهم أب شيخ كبير ، وكان داود عليه‌السلام من بينهم خامل الذكر ، وكان أصغر إخوته لا يعلمون أنّه داود النبيّ المنتظر الّذي يطهّر الأرض من جالوت وجنوده ، وكانت الشيعة يعلمون أنّه قد ولد وبلغ أشدّه ، وكانوا يرونه ويشاهدونه ولا يعلمون أنّه هو.

فخرج داود عليه‌السلام واخوته وأبوهم لمّا فصل طالوت بالجنود ، وتخلف عنهم داود ، وقال : ما يصنع بي في هذا الوجه ، فاستهان به إخوته وأبوه ، وأقام في غنم أبيه يرعاها ، فاشتدّ الحرب واصاب الناس جهد ، فرجع أبوه وقال لداود : احمل إلى إخوتك طعاما يتقوّون به على العدو ، وكان عليه‌السلام رجلا قصيرا قليل الشعر طاهر القلب ، أخلاقه نقيّة ، فخرج والقوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كلّ واحد منهم إلى مركزه.

فمرّ داود عليه‌السلام على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع : يا داود خذني فاقتل بي جالوت ،

٥٦

فإنّي إنّما خلقت لقتله ، فأخذه ووضعه في مخلاته الّتي كانت تكون فيها حجارته الّتي كان يرمي بها غنمه ، فلمّا دخل العسكر سمعهم يعظّمون أمر جالوت ، فقال لهم : ما تعظّمون من أمره ، فو الله لئن عاينته لأقتلنّه.

فتحدّثوا بأمره حتّى ادخل على طالوت فقال له : يا فتى ما عندك من القوة وما جرّبت من نفسك؟ قال : قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه وأفكّ لحييه عنها فآخذها من فيه ، وكان الله تبارك وتعالى أوحى إلى طالوت أنّه لا يقتل جالوت إلّا من لبس درعك فملأها ، فدعا بدرعه فلبسها داود عليه‌السلام فاستوت عليه ، فراع طالوت ومن حضره من بني اسرائيل ، فقال : عسى الله أن يقتل به جالوت.

فلمّا اصبحوا والتقى الناس ، قال داود عليه‌السلام : أروني جالوت ، فلمّا رآه أخذ الحجر فرماه به فصكّ به بين عينيه فدمغه وتنكّس عن دابّته ، فقال الناس : قتل داود جالوت ، وملّكه الناس حتّى لم يكن يسمع لطالوت ذكر ، واجتمعت عليه بنو إسرائيل ، وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الزبور ، وعلّمه صنعة الحديد فليّنه له ، وأمر الجبال والطير أن تسبّح معه ، وأعطاه صوتا لم يسمع بمثله حسنا ، وأعطاه قوّة في العبادة ، وأقام في بني اسرائيل نبيّا.

وهكذا يكون سبيل القائم عليه‌السلام له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، وأنطقه الله عزوجل فناداه : أخرج يا وليّ الله فاقتل أعداء الله ، وله سيف مغمد إذا كان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزوجل ، فناداه السيف : اخرج يا ولي الله فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله ، فيخرج عليه‌السلام ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم ، ويقيم حدود الله ، ويحكم بحكم الله عزوجل (١).

الآية العشرون قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ...)(٢).

٤٦ ـ روي عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كنّا مع عليّ بالبصرة ، وهو على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد اجتمع هو وأصحاب محمّد ، فقال : «ألا أخبرنّكم بأفضل خلق الله يوم يجمع الرسل؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : أفضل الرسل محمّد ، وإنّ أفضل الخلق بعدهم

__________________

(١) كمال الدّين ١ / ١٥٣ ـ ١٥٧.

(٢) البقرة : ٢٥٣.

٥٧

الأوصياء ، وأفضل الأوصياء أنا ، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء الأسباط ، وإنّ خير الأسباط سبطا نبيّكم ، يعني الحسن والحسين ، وإنّ أفضل الخلق بعد الأسباط الشهداء ، وإنّ أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطّلب ، قال ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين ، مخضّبان ، بكرامة خصّ الله عزوجل بها نبيّكم ، والمهديّ منّا في آخر الزمان ، لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره» (١).

٤٧ ـ وروى عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام قال : قال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : منّا سبعة خلقهم الله عزوجل لم يخلق في الأرض مثلهم : منّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سيّد الأوّلين والآخرين وخاتم النبيّين ، ووصيّه خير الوصيين ، وسبطاه خير الأسباط حسنا وحسينا ، وسيّد الشهداء حمزة عمّه ، ومن قد طاف مع الملائكة جعفر ، والقائم عليه‌السلام (٢).

٤٨ ـ روى العلامة محبّ الدّين الطبريّ في «ذخائر العقبى» بإسناده عن عليّ بن الهلالي ، عن أبيه قال :

دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحالة الّتي قبض فيها ، فإذا فاطمة عند رأسه ، فبكت حتّى ارتفع صوتها ، فرفع صلى‌الله‌عليه‌وآله طرفه إليها فقال : حبيبتي فاطمة ما الّذي يبكيك؟ فقالت : أخشى الضيعة بعدك ، فقال : يا حبيبتي أما علمت أنّ الله اطّلع على أهل الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ اطّلع اطّلاعة فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تعط أحدا قبلنا ولا تعطى أحدا بعدنا ، وأنا خاتم النبيّين وأكرمهم على الله عزوجل ، وأحب المخلوقين إلى الله عزوجل ، وأنا أبوك ؛ ووصيّي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله عزوجل وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء وأحبّهم إلى الله عزوجل وهو حمزة بن عبد المطلب عمّ أبيك وعمّ بعلك ، ومنّا من له جناحان أخضران يطير بهما في الجنّة حيث يشاء مع الملائكة وهو ابن عمّ أبيك وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الامة وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما ـ والّذي بعثني بالحقّ ـ خير منهما ، يا فاطمة والّذي بعثني

__________________

(١) دلائل الإمامة ٢٥٦ ؛ إثبات الهداة ٣ / ٥٧٤.

(٢) قرب الإسناد ١٣ ـ ١٤ ؛ بحار الأنوار ٢٢ / ٣٧٥.

٥٨

بالحقّ إنّ منهما مهديّ هذه الامة ، إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وتظاهرت الفتن وتقطّعت السبل وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيرا ، ولا صغير يوقّر كبيرا ، فيبعث الله عزوجل عند ذلك من يفتح حصون الضلالة ، وقلوبا غلفا ، يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ـ أخرجه الحافظ أبو العلاء الهمدانيّ في أربعين حديثا في المهديّ (١).

٤٩ ـ روى ابن عديّ في الكامل بإسناده عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ـ كما في ابن أبي شيبة ـ : يكون في آخر الزمان خليفة ، لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر ، أو : يكون في هذه الامّة (٢).

٥٠ ـ عن محمّد بن سيرين : أنّه ذكر فتنة فقال : إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتّى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر وعمر ، قيل : يا أبا بكر ، خير من أبي بكر وعمر؟ قال : قد كان يفضل على بعض الأنبياء (٣).

٥١ ـ عن ابن سيرين قيل له : المهديّ خير أو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؟ قال : هو خير منهما ويعدل بنبيّ (٤).

الآية الحادية والعشرون قوله سبحانه : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٥).

مثل المهديّ عليه‌السلام مثل العزير عليه‌السلام

٥٢ ـ روى الشيخ الطوسيّ بإسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول :

__________________

(١) ذخائر العقبى ١٣٥.

(٢) الكامل لابن عدي ٦ / ٢٤٣٣ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ١٥ / ١٩٨ ح ١٩٤٩٦.

(٣) الفتن لابن حمّاد ٩٩ ؛ عقد الدرر ١٤٨ ـ ١٤٩ ب ٧.

(٤) الفتن لابن حمّاد ٩٨ ؛ عقد الدرر ١٤٨ ب ٧.

(٥) البقرة : ٢٥٩.

٥٩

مثل أمرنا في كتاب الله مثل صاحب الحمار أماته الله مائة عام ثمّ بعثه (١).

٥٣ ـ وروى الطوسيّ بإسناده عن عليّ بن خطاب ، عن مؤذّن مسجد الأحمر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : هل في كتاب الله مثل للقائم عليه‌السلام ، فقال : نعم ، آية صاحب الحمار ، أماته الله مائة عام ثمّ بعثه (٢).

الآية الثانية والعشرون قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٣).

الحكمة هي معرفة القائم عليه‌السلام

٥٤ ـ روي أنّ أبا بصير سأل الإمام الباقر عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) ما عنى بذلك؟

فقال : معرفة الإمام واجتناب الكبائر ، ومن مات وليس في رقبته بيعة لإمام ، مات ميتة جاهليّة ، ولا يعذر الناس حتّى يعرفوا إمامهم ، فمن مات وهو عارف بالإمامة ، لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّر ، فكان كمن هو مع القائم في فسطاطه ، قال : ثمّ مكث هنيئة ثمّ قال : لا بل كمن قاتل معه ، ثمّ قال : لا بل ـ والله ـ كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

الآية الثالثة والعشرون قال تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(٥).

المهديّ عليه‌السلام في ضحضاح من نور عن يمين العرش

٥٥ ـ روى العلّامة الحموينيّ بإسناده عن أبي سلمى راعي إبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ليلة اسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ جلاله : (آمَنَ

__________________

(١) الغيبة للطوسي ٢٦٠.

(٢) نفس المصدر.

(٣) البقرة : ٢٦٩.

(٤) إعلام الدّين ٤٥٩ ؛ بحار الأنوار ٢٧ / ١٢٦.

(٥) البقرة : ٢٨٥.

٦٠