الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(١).

٩٤٧ ـ روى العلّامة البحرانيّ قدس‌سره عن محمّد بن يعقوب بإسناده عن محمّد الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قال عليه‌السلام : العدل بعد الجور (٢).

٩٤٨ ـ روى الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قال : يحييها الله عزوجل بالقائم بعد موتها ، يعني بموتها كفر أهلها ، والكافر ميّت (٣).

٩٤٩ ـ روى محمّد بن العبّاس ، بإسناده عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) كفر أهلها والكافر ميّت ، يحييها الله بالقائم عليه‌السلام فيعدل فيها ، فيحيي الأرض ويحيي أهلها بعد موتهم (٤).

٩٥٠ ـ روى الشيخ الطوسيّ بإسناده من طريق العامّة عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يعني يصلح الأرض بقائم آل محمّد عليهم‌السلام (بَعْدَ مَوْتِها) يعني من بعد جور أهل مملكتها (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) بقائم آل محمّد عليهم‌السلام (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(٥).

٩٥١ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قال : ليس يحييها بالقطر ، ولكن يبعث الله عزوجل رجالا فيحيون العدل ، فتحيى الأرض لإحياء العدل ، ولإقامة الحدّ فيها أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا (٦).

الآية الثالثة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)(٧).

٩٥٢ ـ روى شرف الدّين النجفيّ رحمه‌الله بإسناده عن الحسين بن أبي حمزة ، عن أبيه ، قال :

__________________

(١) الحديد : ١٧.

(٢) المحجّة ٢٢٢.

(٣) كمال الدّين ٢ / ٦٦٨.

(٤) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٦٦٢ ـ ٦٦٣ ح ١٤.

(٥) الغيبة للطوسيّ ١١٠.

(٦) الكافي ٧ / ١٧٤.

(٧) الحديد : ١٩.

٤٨١

قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك قد كبر سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي ، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت. قال : فقال لي : يا أبا حمزة أو ترى الشهيد إلّا من قتل؟ قلت : نعم جعلت فداك. فقال لي : يا أبا حمزة من آمن بنا وصدّق حديثنا وانتظر أمرنا كان كمن قتل تحت راية القائم ، بل والله تحت راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

٩٥٣ ـ روى العلّامة الطبرسيّ رحمه‌الله برواية العيّاشيّ عن الحرث بن المغيرة ، قال : كنّا عند أبي جعفر عليه‌السلام فقال : العارف منكم هذا الأمر ، المنتظر له ، المحتسب فيه الخير ، كمن جاهد والله مع قائم آل محمّد عليهم‌السلام بسيفه. ثمّ قال الثالثة : بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في فسطاطه. وفيكم آية من كتاب الله ، قلت : وأيّ آية جعلت فداك؟ قال : قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ثمّ قال : صرتم والله صادقين شهداء عند ربّكم (٢).

٩٥٤ ـ ومن كتاب فضائل الشيعة : روى العلّامة البرقيّ رحمه‌الله بإسناده عن زيد بن أرقم ، عن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام قال : ما من شيعتنا إلّا صدّيق شهيد ، قال : قلت : جعلت فداك أنّى يكون ذلك وعامّتهم يموتون على فراشهم؟ فقال : أما تتلو كتاب الله في الحديد : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ). قال : فقلت : كأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله عزوجل قطّ ، قال : لو كان الشهداء ليس إلّا كما تقول ، لكان الشهداء قليلا (٣).

٩٥٥ ـ وعنه بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال ، قال لي : يا أبا محمّد إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد. قلت : وإن مات على فراشه؟! قال : اي والله وإن مات على فراشه ، حيّ عند ربّه يرزق (٤).

٩٥٦ ـ وعنه بإسناده عن منهال القصّاب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ادع الله لي بالشهادة ، فقال : المؤمن لشهيد حيث مات ، أو ما سمعت قول الله في كتابه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٦٦٥ ـ ٦٦٦ ح ٢١.

(٢) تفسير مجمع البيان ٩ / ٢٣٨.

(٣) المحاسن للبرقي ١٦٣ ـ ١٦٤ ب ٣٢.

(٤) المحاسن للبرقي ١٦٣ ـ ١٦٤ ب ٣٢.

٤٨٢

بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(١).

٩٥٧ ـ عن أبان بن تغلب ، قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا ذكر هؤلاء الّذين يقتلون في الثغور يقول : ويلهم ما يصنعون بهذا؟ يتعجّلون قتلة في الدنيا وقتلة في الآخرة! والله ما الشهداء إلّا شيعتنا وإن ماتوا على فراشهم (٢).

٩٥٨ ـ وعنه بإسناده عن مالك الجهنيّ ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا مالك إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب في سبيل الله. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يضرّ رجلا من شيعتنا أيّة ميتة مات : أكله السبع ، أو أحرق بالنار أو غرق ، أو قتل ، هو والله شهيد (٣).

٩٥٩ ـ وعنه بإسناده عن مالك بن أعين ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من مات منكم على أمرنا هذا كان كمن استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

٩٦٠ ـ وعنه بإسناده عن العلاء بن سيابة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من مات منكم على أمرنا هذا فهو بمنزلة من ضرب فسطاطه إلى رواق القائم عليه‌السلام ، بل بمنزلة من يضرب معه بسيفه ، بل بمنزلة من استشهد معه ، بل بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

٩٦١ ـ روى الصدوق رحمه‌الله : في حديث لأبي عبد الله عليه‌السلام قال فيه : يا مالك من مات منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله (٦).

٩٦٢ ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : الزموا الأرض ، واصبروا على البلاء ، ولا تحرّكوا بأيديكم وسيوفكم ، وهوى ألسنتكم ، ولا تستعجلوا بما لم يعجّله الله لكم ، فانّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة ربّه ، وحقّ رسوله وأهل بيته ، مات شهيدا أوقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النيّة مقام إصلاته بسيفه ، فإنّ لكلّ شيء مدّة وأجلا (٧).

٩٦٣ ـ روى الصدوق رحمه‌الله في «كمال الدّين» بإسناده عن عمّار الساباطي ، قال : قلت

__________________

(١) نفس المصدر ١٦٤ ب ٣٢.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر ١٧٢ ـ ١٧٤.

(٥) نفس المصدر.

(٦) فضائل الشيعة ٢٨ ح ٣٧.

(٧) شرح نهج البلاغة ١٣ / ١١٠ ـ ١١ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٤٤.

٤٨٣

لأبي عبد الله عليه‌السلام : العبادة مع الإمام منكم المستتر في السرّ في دولة الباطل أفضل ، أم العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟ فقال : يا عمّار ، الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية ، وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل ، لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة ، ممّن يعبد الله في ظهور الحقّ مع الإمام الظاهر في دولة الحقّ ، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ.

اعلموا أنّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحدانا مستترا بها من عدوّه في وقتها فأتمّها ، كتب الله عزوجل له بها خمسة وعشرين صلاة فريضة وحدانية ، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمها ، كتب الله عزوجل له بها عشر صلوات نوافل ، ومن عمل منكم حسنة ، كتب الله له بها عشرين حسنة ، ويضاعف الله تعالى حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله ، ودان الله بالتقيّة على دينه ، وعلى إمامه وعلى نفسه ، وأمسك من لسانه ، أضعافا مضاعفة كثيرة ، إنّ الله عزوجل كريم.

قال : فقلت : جعلت فداك قد رغّبتني في العمل ، وحثثتني عليه ، ولكنّي احبّ أن أعلم : كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحقّ ونحن وهم على دين واحد ، وهو دين الله عزوجل؟

فقال : إنّكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله وإلى الصلاة والصوم والحجّ وإلى كلّ فقه وخير ، وإلى عبادة الله سرّا من عدوّكم مع الإمام المستتر ، مطيعون له ، صابرون معه ، منتظرون لدولة الحقّ ، خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم من الملوك ، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة ، قد منعوكم ذلك واضطرّوكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش ، مع الصبر على دينكم ، وعبادتكم وطاعة ربّكم ، والخوف من عدوّكم ، فبذلك ضاعف الله أعمالكم ، فهنيئا لكم هنيئا.

قال : فقلت : جعلت فداك ، فما نتمنّى إذا أن نكون من أصحاب القائم عليه‌السلام في ظهور الحقّ؟ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أعمال أصحاب دولة الحقّ؟

فقال : سبحان الله ، أما تحبّون أن يظهر الله عزوجل الحقّ والعدل في البلاد ويحسن

٤٨٤

حال عامّة الناس ، ويجمع الله الكلمة ويؤلّف بين القلوب المختلفة ، ولا يعصى الله في أرضه ، ويقام حدود الله في خلقه ، ويردّ الحقّ إلى أهله ، ويظهروه حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق؟

أما والله يا عمّار ، لا يموت منكم ميّت على الحال الّتي أنتم عليها ، إلّا كان أفضل عند الله عزوجل من كثير ممّن شهد بدرا واحدا ، فأبشروا (١).

٩٦٤ ـ روي بالإسناد عن جابر ، قال : دخلنا على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودّعناه وقلنا له : أوصنا يا ابن رسول الله ، فقال : ليعن قويّكم ضعيفكم ، وليعطف غنيّكم على فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه النصيحة لأمرنا ، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا ، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا ، فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به ، وإن لم تجدوه موافقا فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا ، وإذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره فمات منكم قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا ، ومن أدرك منكم قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين ، ومن قتل بين يديه عدوّا لنا كان له أجر عشرين شهيدا (٢).

٩٦٥ ـ كمال الدّين بإسناده عن سيّد العابدين عليه‌السلام أنّه قال : من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا عليه‌السلام أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر واحد (٣).

٩٦٦ ـ روى الصدوق بإسناده عن مالك الجهنيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤدّوا الزكاة ، وتكفّوا أيديكم وتدخلوا الجنّة؟ ثمّ قال : يا مالك ، إنّه ليس من قوم ائتمّوا بإمام في دار الدنيا ، إلّا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلّا أنتم ، ومن كان بمثل حالكم.

ثمّ قال : يا مالك إنّ الميّت منكم على هذا الأمر شهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله.

قال : وقال مالك : بينما أنا عنده ذات يوم جالس وأنا احدّث نفسي بشيء من فضلهم ،

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

(٢) بشارة المصطفى ١١٣.

(٣) كمال الدّين ١ / ٣٢٣ ح ٧.

٤٨٥

فقال لي وأنتم والله شيعتنا ، لا تظنّن أنّك مفرّط في أمرنا.

يا مالك انّه لا يقدر على صفة الله ، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكما لا يقدر على صفة الرسول فكذلك لا يقدر على صفتنا ، وكما لا يقدر على صفتنا فكذلك لا يقدر على صفة المؤمن.

يا مالك : انّ المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه ، فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحاتّ عن وجوههما حتّى يتفرّقا ، وإنّه لن يقدر على صفة من هو هكذا.

وقال : إنّ أبي عليه‌السلام كان يقول : لن تطعم النار من يصف هذا الأمر (١).

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٨ / ٦٨.

٤٨٦

سورة المجادلة

الآية الاولى قوله تعالى : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(١).

الروح القدس مع الحجّة والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام

٩٦٧ ـ روى العلّامة البيّاضيّ رحمه‌الله في حديث ولادة الإمام الحجّة عليه‌السلام الّذي ترويه حكيمة وبالإسناد عن محمّد بن عبد الله المطهّريّ ، قال : قصدت حكيمة أسألها عن الحجّة فقالت : لمّا حضرت نرجس الولادة قال الحسن العسكريّ عليه‌السلام : اقرئي عليها «إنّا أنزلناه» فقرأت فجاوبني الجنين بمثل قراءتي ، وسلّم عليّ ففزعت ، فقال أبو محمّد : لا تعجبين من أمر الله إنّه منطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجّة في الأرض كبارا.

فغيّبت عنّي نرجس ، فصرخت إليه فقال : ارجعي فستجدينها ، فرجعت فإذا بها عليها نور غشيني ، فإذا الصبيّ ساجدا لوجهه ، رافعا إلى السماء سبّابته ، ناطقا بتوحيد ربّه ، ورسالة نبيّه وإمامة آبائه ، إلى أن بلغ إلى نفسه ، وقال : اللهمّ أنجز لي وعدي ، وأتمم لي أمري ، ثمّ سلّم على أبيه فتناوله ، والطير يرفرف على رأسه فصاح طيرا منها ، فقال : احمله واحفظه وردّه إلينا بعد أربعين يوما ، فطار به ، فبكت نرجس ، فقال : سيعود إليك كما عاد

__________________

(١) المجادلة : ٢٢.

٤٨٧

موسى إلى امّه.

قالت حكيمة : فما هذا الطير؟

قال : روح القدس الموكّل بالأئمّة ، يعلّمهم فيربّيهم.

فبعد الأربعين ردّ الغلام ، فدخلت عليه فتعجّبت ، فقال أبوه : أولاد الأنبياء والأوصياء ينشئون بخلاف غيرهم ، وإنّ الصبي منّا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة. قالت : فما زلت أراه بعد كلّ أربعين إلى أن رأيته رجلا قبل موت أبيه ، فقال لي : هذا خليفتي بعدي ، وعن قليل تفقدوني ، فاسمعي له وأطيعي ، فمضى عليه‌السلام وافترق الناس كما ترى ، فو الله انّي لأراه وأسأله فيجيبني عن مسائلي ابتداء ، وقد أخبرني البارحة بمجيئك ، وأمرني أن أخبرك بالحقّ.

قال محمّد بن عبد الله : فو الله لقد أخبرتني بما لم يطّلع عليه إلّا الله ، فحكمت على كلامها بصدقها ، وعلمت أنّ الله أطلعهم على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه.

وهذا الحديث رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي عن حكيمة بطريقين من رجاله وفيه مغايرة قليلة أحدهما منتهيا إلى حنظلة بن زكريا ، والاخرى إلى مارية ونسيم خادم الحسن عليه‌السلام (١).

٩٦٨ ـ وأسند أبو جعفر بن بابويه إلى الحسن محمّد بن صالح البزاز أنّه سمع العسكريّ عليه‌السلام يقول : إنّ ابني هو القائم من بعدي تجري فيه سنن الأنبياء من التعمير والغيبة ، حتّى تقسو قلوب الناس لطول الأمد ، فلا يثبت على القول بها إلّا من كتب الله في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه (٢).

٩٦٩ ـ عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) وهم الأئمّة عليهم‌السلام وأيّده بروح منه قال : قال : الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمّة عليهم‌السلام (٣).

٩٧٠ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن الحسين بن خالد ، عن عليّ بن موسى

__________________

(١) الصراط المستقيم ٢ / ٢٣٤.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٢٣٨.

(٣) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٥٨.

٤٨٨

الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام أنّه قال : التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ ، المظهر للدين ، والباسط للعدل ، قال الحسن عليه‌السلام : فقلت له : يا أمير المؤمنين وانّ ذلك لكائن؟

فقال عليه‌السلام : اي والّذين بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة ، واصطفاه على جميع البريّة ، ولكن بعد غيبة وحيرة ، فلا يثبت فيها على دينه إلّا المخلصون المباشرون لروح اليقين ، الّذين أخذ الله عزوجل ميثاقهم بولايتنا ، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه (١).

__________________

(١) كمال الدّين ١ / ٣٠٤ ح ١٦ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ١١٠.

٤٨٩

سورة الممتحنة

الآية الاولى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ)(١).

٩٧١ ـ روى محمّد بن العبّاس بإسناده عن أبي الجارود زياد بن المنذر عن من سمع عليّا عليه‌السلام يقول :

العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب ، فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الّذي لا تزال تعجب منه؟

قال : ثكلتك امّك ، وأي عجب أعجب من أموات يضربون كلّ عدوّ لله ولرسوله ولأهل بيته؟ ... وذلك تأويل هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) فإذا اشتدّ القتل قلتم :

مات وهلك ، وأي واد سلك ، وذلك تأويل هذه الآية : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(٢).

__________________

(١) الممتحنة : ١٣.

(٢) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٦٨٤ ح ٢.

٤٩٠

سورة الصفّ

الآية الاولى قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(١).

٩٧٢ ـ روى العلّامة الكراجكيّ في الكنز في قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) تأويله ما روي عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : لو تركتم هذا الأمر ما تركه الله.

ويؤيّده ما رواه الشيخ محمّد بن يعقوب ، بإسناده عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قال : سألته عن هذه الآية قلت : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) قال : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) : ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) الإمامة لقوله عزوجل : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا)(٢) والنور هو الإمام.

قلت له : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) قال : هو الّذي أمر الله رسوله بالولاية لوصيّه والولاية هي دين الحقّ.

قلت : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قال : على جميع الأديان عند قيام القائم ، لقول الله

__________________

(١) الصّف : ٨.

(٢) التغابن : ٨.

٤٩١

تعالى : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) بولاية القائم (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) بولاية عليّ ... الحديث (١).

٩٧٣ ـ روى عليّ بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) قال : بالقائم من آل محمّد صلوات الله عليهم إذا خرج ليظهره على الدّين كلّه حتّى لا يعبد غير الله ، وهو قوله : يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا (٢).

قوله سبحانه : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٣).

٩٧٤ ـ روى الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فقال : والله ما نزل تأويلها بعد ، ولا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم عليه‌السلام. فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه ، حتّى لو أنّ كافرا أو مشركا في بطن صخرة لقالت : يا مؤمن في بطني كافر ، فاكسرني واقتله (٤).

٩٧٥ ـ روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) قال : القائم من آل محمّد عليهم‌السلام إذا خرج يظهره الله على الدّين كلّه حتّى لا يعبد غير الله ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما (٥).

٩٧٦ ـ روى العلّامة البحرانيّ رحمه‌الله بإسناده عن عباية بن ربعيّ ، أنّه سمع أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أظهر ذلك بعد كلّا فلا والّذي نفسي بيده حتّى لا تبقى قرية إلّا ونودي فيها بشهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، بكرة وعشيّا (٦).

٩٧٧ ـ وعنه بإسناده من طريق العامّة ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس في قوله عزوجل : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال : لا يكون ذلك حتّى لا يبقى يهوديّ ولا نصرانيّ ولا صاحب ملّة إلّا صار إلى الإسلام ، حتّى تأمن الشاة والذئب

__________________

(١) بحار الأنوار ٥١ / ٦٠.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٦٥.

(٣) الصفّ : ٩.

(٤) كمال الدّين ٢ / ٦٧٠ ح ١٦.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٦٥.

(٦) تفسير البرهان ٤ / ٣٢٩ ح ١ ؛ المحجّة ٢٢٦.

٤٩٢

والبقرة والأسد والإنسان والحيّة ، حتّى لا تقرض فأرة جرابا ، وحتّى توضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ، وهو قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وذلك يكون عند قيام القائم عليه‌السلام (١).

٩٧٨ ـ محمّد بن يعقوب وبإسناده عن أبي الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قلت : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قال : هو أمر الله ورسوله بالولاية لوصيّه والولاية هي دين الحقّ ، قلت : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم عليه‌السلام (٢).

٩٧٩ ـ روى محمّد بن العبّاس ، بإسناده عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل في كتابه : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

فقال عليه‌السلام : والله ما نزل تأويلها بعد ، قلت : جعلت فداك ومتى ينزل تأويلها؟

قال : حتّى يقوم القائم عليه‌السلام إن شاء الله تعالى ، فإذا خرج القائم لم يبق كافر ولا مشرك إلّا كره خروجه ، حتّى لو أنّ كافرا أو مشركا في بطن صخرة لقالت الصخرة : يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله ، فيجيئه فيقتله (٣).

٩٨٠ ـ روى في المحجّة عن الحسين بن حمدان الحضينيّ وبإسناده عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام في حديث طويل يذكر فيه أمر القائم عليه‌السلام ، قال المفضّل : يا مولاي فكيف بدو ظهوره عليه‌السلام؟ قال : يا مفضّل يظهر في سنة الستّين أمره ، ويعلو ذكره ، وينادى باسمه وكنيته ونسبه ، ويكثر ذكره في أفواه المحقّين والمبطلين ليلزمهم الحجّة بمعرفتهم به ، على أنّا قصصنا ذلك ودللنا عليه ونسبناه وسمّيناه وكنّيناه وقلنا سميّ جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنيّه لئلّا تقول الناس ما عرفنا اسما ولا كنية ولا نسبا ، فو الله ليحقّن الإفصاح به وباسمه وكنيته على ألسنتهم حتّى ليسمّيه بعضهم لبعض ، كلّ ذلك للزوم الحجّة عليهم ، ويظهره كما وعده جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قول الله عزوجل :

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ / ٣٢٩ ح ٢.

(٢) نفس المصدر ٤ / ٣٢٩ ح ٣.

(٣) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٦٨٨ ح ٧.

٤٩٣

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال : هو قوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(١).

فو الله يا مفضّل ليفقدنّ الملل والأديان والآراء والاختلاف ويكون الدّين كلّه لله كما قال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (٢) (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٣) (٤).

٩٨١ ـ ورواه المجلسيّ في البحار وأضاف : قال المفضّل : يا مولاي فقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ظهر على الدّين كلّه؟ قال : يا مفضّل لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ظهر على الدّين كلّه ما كانت مجوسيّة ولا يهوديّة ولا صابئية ولا نصرانية ، ولا فرقة ولا خلاف ولا شكّ ولا شرك ، ولا عبدة أصنام ولا أوثان ، ولا اللّات والعزّى ، ولا عبدة الشمس والقمر ، ولا النجوم ، ولا النار ولا الحجارة ، وإنّما قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) في هذا اليوم وهذا المهديّ وهذه الرجعة ، وهو قوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(٥) ... الحديث (٦).

الآية الثانية قوله تعالى : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ)(٧).

٩٨٢ ـ روى القمّي في تفسير قوله تعالى : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) : يعني في الدنيا بفتح القائم عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) البقرة : ١٩٣ الأنفال : ٣٨.

(٢) آل عمران : ١٩.

(٣) آل عمران : ٨٥.

(٤) المحجّة ٢٢٦.

(٥) البقرة : ١٩٣ ، الأنفال : ٣٨.

(٦) بحار الأنوار ج ٥٣ / ، والإضافة في ص ٣٣.

(٧) الصفّ : ١٣.

(٨) تفسير القمّيّ ٢ / ٣٦٦.

٤٩٤

سورة التغابن

الآية الاولى قوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)(١).

٩٨٣ ـ روى السيّد ابن طاوس رحمه‌الله قال : ذكر أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ صاحب التأريخ ، وهو من علماء الجمهور ، بإسناده :

أنّ معاوية أقبل يوما على بني هاشم ، فقال : أنّكم تريدون أن تستحقّوا الخلافة بما استحققتم به النبوّة ولم تجتمعا لأحد ، ولعمري إنّ حجتكم في الخلافة مشتبهة على الناس ، إنّكم تقولون : نحن أهل بيت الله ، فما بال محلّها ونبوّته في غيرنا ، وهذه شبهة لها تمويه ، وإنّما سمّيت الشبهة شبهة ، لأنّها تشبه الحقّ حتّى تعرف ؛ وإنّما الخلافة تتقلّب في أحياء قريش برضى العامّة وشورى الخاصّة ، فلم يقل الناس : ليت بني هاشم ولونا ، ولو أنّ بني هاشم ولونا لكان خيرا لنا في ديننا ودنيانا ، فلا هم اجتمعوا عليكم ، ولا هم إذا اجتمعوا على غيركم يمنعوكم ، ولو زهدتم فيها أمس لم تقاتلونا عليها اليوم ، وقد زعمتم أنّ لكم ملكا هاشميّا ومهديا قائما ، والمهديّ عيسى ابن مريم ، وهذا الأمر في أيدينا حتّى نسلّمه إليه ، ولعمري لئن ملكتم ما ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم ،

__________________

(١) التغابن : ٧.

٤٩٥

ثمّ سكت!!

فقام فيهم عبد الله بن عبّاس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا قولك : إنّا لا نستحقّ الخلافة بالنبوّة ، فإذا لم نستحقّ الخلافة بالنبوّة ، فبم نستحق؟

وأمّا قولك : إنّ النبوّة والخلافة لم تجتمعا لأحد ، فأين قول الله عزوجل : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)(١) ، فالكتاب : النبوّة ، والحكمة : السنّة ، والملك : الخلافة ، نحن آل إبراهيم ، أمر الله فينا وفيهم واحد ، والسنّة فينا وفيهم جارية.

وامّا قولك : إنّ حجّتنا مشتبهة فهي والله أضوأ من الشمس ، وأنور من القمر ، وإنّك لتعلم ذلك ، ولكن ثنى عطفك ، وصعّر خدّك ، قتلنا أخاك وجدّك وعمّك وخالك!! فلا تبك على عظام حائلة وأرواح زائلة في الهاوية! ولا تغضبنّ لدماء أحلّها الشرك ووضعها الإسلام.

فأمّا ترك الناس أن يجتمعوا علينا ، فما حرموا منّا أعظم ممّا حرمنا منهم ، وكلّ أمر إذا حصل حاصله ثبت حقّه وزال باطله.

وأمّا قولك : «إنّا زعمنا أنّ لنا ملكا مهديّا» ، فالزعم في كتاب الله شكّ ، قال الله سبحانه وتعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ)(٢) فكلّ يشهد أنّ لنا ملكا لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ملّكه الله فيه. وأنّ لنا مهديّا لو لم يبق إلّا يوم واحد ، بعثه لأمره يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، لا يملكون يوما إلّا ملكنا يومين ، ولا شهرا إلّا ملكنا شهرين ، ولا حولا إلّا ملكنا حولين.

وأمّا قولك : إنّ المهديّ عيسى ابن مريم ، فإنّما ينزل عيسى على الدجّال ، فإذا رآه ذاب كما تذوب الشحمة ، والإمام رجل منّا يصلّي عيسى خلفه لو شئت سمّيته.

وأمّا ريح عاد وصاعقة ثمود ، فإنّها كانتا عذابا ، وملكنا رحمة.

وأضاف السيّد ابن طاوس قائلا : ولم يذكر أنّ معاوية أقدم على ردّ عبد الله ابن عبّاس عن هذا الجواب (٣).

__________________

(١) النساء : ٥٤.

(٢) التغابن : ٧.

(٣) الملاحم والفتن ١١٥ ـ ١١٧ ب ٢٧ ؛ عن فتن السليليّ.

٤٩٦

٩٨٤ ـ وروى السيّد ابن طاوس رحمه‌الله قال : فيما نذكره أيضا من كتاب محمّد بن جرير الطبريّ ، الّذي سمّاه عيون أخبار بني هاشم ، ومناظرة عبد الله بن عبّاس لمعاوية في إثبات أمر المهديّ.

فقال ابن عبّاس لمعاوية ما لفظه :

أقول : إنّه ليس حيّ من قريش يفخرون بأمر ، إلّا وإلى جانبهم من يشركهم فيه ، إلّا بني هاشم ، فانّهم يفخرون بالنبوّة الّتي لا يشاركون فيها ولا يساوون فيها ولا يدافعون عنها ، وأشهد أنّ الله تعالى لم يجعل من قريش محمّدا إلّا وقريش خير البريّة ، ولم يجعله من بني هاشم إلّا وهاشم خير قريش ، ولم يجعله من بني عبد المطّلب إلّا وهم خير بني هاشم ، ولسنا نفخر عليكم إلّا بما تفخرون به على العرب ، وهذه امّة مرحومة ، فمنها نبيّها ومهديّها ومهديّ آخرها من أوّلها ، لأنّ بنا فتح الأمر وبنا يختم ، ولكم ملك معجّل ولنا ملك مؤجل ، فإن يكن ملككم قبل ملكنا ، فليس بعد ملكنا ملك ، لأنّا أهل العاقبة ، والعاقبة للمتقين (١).

الآية الثانية قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(٢).

٩٨٥ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن الحسين بن نعيم الصحّاف ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فقال : أما والله ما هلك من كان قبلكم وما هلك من هلك حتّى يقوم قائمنا عليه‌السلام إلّا في ترك ولايتنا وجحود حقّنا ، وما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الدنيا حتّى الزم رقاب هذه الامّة حقّنا ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (٣).

__________________

(١) التشريف بالمنن ٢٤٠ ـ ٢٤١ ب ٢٨.

(٢) التغابن : ١٢.

(٣) تأويل الآيات ١ / ١٦١ ح ٢٠ ؛ تفسير البرهان ٤ / ٣٤٣ ح ١ ، والمتن مأخوذ منه.

٤٩٧

سورة الطلاق

الآية الاولى قوله سبحانه : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ* وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(١).

٩٨٦ ـ روى العلّامة البرقيّ رحمه‌الله بإسناده عن عبد الحميد الواسطيّ قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله والله لقد تركنا أسواقنا انتظارا لهذا الأمر ، حتّى أوشك الرجل منّا يسأل في يديه ، فقال :

يا عبد الحميد ، أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل له مخرجا؟ بلى والله ليجعلنّ الله له مخرجا ، رحم الله عبدا حبس نفسه علينا ، رحم الله عبدا أحيا أمرنا.

قال : فقلت : فان متّ قبل أن أدرك القائم؟

فقال : القائل منكم : إذا أدركت القائم من آل محمّد نصرته كالمقارع معه بسيفه ، والشهيد معه له شهادتان (٢).

__________________

(١) الطلاق : ٢ و ٣.

(٢) المحاسن للبرقي ١٧٣ ح ١٤٨.

٤٩٨

سورة الملك

الآية الاولى قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١).

٩٨٧ ـ روى الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهرويّ وبروايته عن طريق العامة ، عن عبد الرحمن بن سليط ، قال : قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : منّا اثنا عشر مهديّا ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحقّ ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحقّ على الدّين كلّه ولو كره المشركون. له غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدّين آخرون ، فيؤذون ويقال لهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

الآية الثانية قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ)(٣).

٩٨٨ ـ روى الخزّاز بإسناده عن محمّد بن عمّار ، عن أبيه ، عن جدّه عمّار ، قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض غزواته وقتل عليّ عليه‌السلام أصحاب الألوية وفرّق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحيّ ، وقتل شيبة بن نافع ، أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت له : يا رسول الله ،

__________________

(١) الملك : ٢٥.

(٢) كمال الدّين ١ / ٣١٧ ح ٣.

(٣) الملك : ٣٠.

٤٩٩

إنّ عليّا قد جاهد في الله حقّ جهاده ، فقال : لأنّه منّي وأنا منه ، وإنّه وارث علمي وقاضي ديني ومنجز وعدي والخليفة من بعدي ، ولولاه لم يعرف المؤمن المحض بعدي ، حربه حربي ، وحربي حرب الله ، وسلمه سلمي ، وسلمي سلم الله ، ألّا إنّه أبو سبطيّ ، والأئمّة من صلبه ، يخرج الله تعالى الأئمّة الراشدين من صلبه ، ومنهم مهديّ هذه الامّة.

فقلت : بأبي وامّي يا رسول الله؟ ومن المهديّ؟

قال : يا عمّار إنّ الله تبارك وتعالى عهد إليّ أنّه يخرج من صلب الحسين أئمّة تسعة ، والتاسع من ولده يغيب عنهم ، وذلك قوله عزوجل : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) يكون له غيبة طويلة يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون ، فإذا كان آخر الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، وهو سميّي ، وأشبه الناس بي.

يا عمّار سيكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاتبّع عليّا واصحبه ، فإنّه مع الحقّ والحقّ معه.

يا عمّار إنّك ستقاتل بعدي على صنفين الناكثين والقاسطين ، ثمّ تقتلك الفئة الباغية.

قال : يا رسول الله أليس ذلك على رضا الله ورضاك؟

قال : نعم ، على رضاء الله ورضاي ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه. فلمّا كان يوم صفّين خرج عمّار بن ياسر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له : يا أخا رسول الله أتأذن لي في القتال؟ فقال : مهلا رحمك الله. فلمّا كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام فأجابه به بمثله ، فأعاد عليه ثالثا ، فبكى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فنظر إليه عمّار ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّه اليوم الّذي وصفه لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فنزل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن بغلته وعانق عمّارا وودّعه ، ثمّ قال : يا أبا اليقظان جزاك الله عن نبيّك وعنّي خيرا ، فنعم الأخ كنت ، ونعم الصاحب كنت.

ثمّ بكى عليه‌السلام وبكى عمّار ، ثمّ قال : والله يا أمير المؤمنين ما اتّبعتك إلّا ببصيرة ، فانّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم خيبر : «يا عمّار ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاتّبع عليّا وحزبه ، فإنّه مع الحقّ والحقّ معه ، وستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين ، فجزاك الله

٥٠٠