الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

الإمامة خلافة الله عزوجل في أرضه ، وليس لأحد أن يقول لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن عليهما‌السلام ، لأنّ الله تبارك وتعالى هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون (١).

الآية الثانية قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)(٢).

نزول عيسى عليه‌السلام

٨٣٤ ـ روى الإمام أحمد بإسناده عن أبي يحيى مولى ابن عقيل الأنصاريّ ، قال : قال ابن عبّاس قال : لقد علمت آية من القرآن ما سألني عنها رجل قطّ ، فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها ، أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها ، ثمّ طفق يحدّثنا ، فلمّا قام تلاومنا أن لا نكون سألناه عنها ، فقلت : أنا لها إذا راح غدا ، فلمّا راح الغد قلت : يا ابن عبّاس ، ذكرت أمس أنّ آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قطّ ، فلا تدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها أم لم يفطنوا لها ، فقلت أخبرني عنها ، وعن اللاتي قرأت قبلها. قال : نعم ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لقريش : يا معشر قريش ، إنّه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير ، وقد علمت قريش أنّ النصارى تعبد عيسى ابن مريم وما تقول في محمّد ، فقالوا : يا محمّد ، ألست تزعم أنّ عيسى كان نبيّا وعبدا من عباد الله صالحا ، فلئن كنت صادقا فإنّ آلهتهم لكما تقولون. قال : فأنزل الله عزوجل : (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ)(٣) ، قال : قلت : ما يصدّون؟ قال : يضجّون (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال : هو خروج عيسى ابن مريم عليه‌السلام قبل يوم القيامة (٤).

٨٣٥ ـ مقاتل بن سليمان : هو المهديّ عليه‌السلام يكون في آخر الزمان ، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأماراتها (٥).

٨٣٦ ـ روى ابن عبّاس والضحّاك وغيره في الآية انّها آية الساعة ، وقال : يعني نزول

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ٣٥٨ ح ٥٧.

(٢) الزخرف : ٦١.

(٣) الزخرف : ٥٧.

(٤) مسند أحمد ١ / ٣١٧.

(٥) البيان في أخبار صاحب الزمان ٥٢٨ ب ٢٥.

٤٢١

عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة (١).

٨٣٧ ـ روى العلّامة القندوزيّ ، قال : قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسّرين في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) انّها نزلت في المهديّ عليه‌السلام (٢).

٨٣٨ ـ روى العلّامة السيوطيّ في ذيل تفسير الآية قال : وأخرج الفريابيّ وسعيد بن منصور ومسعد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبرانيّ من طرق عن ابن عبّاس رضي الله عنهما في قوله : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال : خروج عيسى قبل يوم القيامة (٣).

٨٣٩ ـ روى العلّامة ابن الصباغ المالكيّ في الفصل الثاني عشر قال فيه : وأمّا بقاء المهديّ فقد جاء في الكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٤) قال : هو المهديّ من ولد فاطمة عليها‌السلام ، وأمّا من قال إنّه عيسى فلا تنافي بين القولين ، إذ هو مساعد للمهدي على ما تقدّم ، وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال : هو المهديّ يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون امارات ودلالات للساعة وقيامها ، انتهى والله تعالى أعلم بذلك (٥).

٨٤٠ ـ ورواه العلّامة الشبلنجيّ ، قال : وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسّرين في تفسير قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال : هو المهديّ يكون في آخر الزمان وبعد خروجه تكون امارات الساعة وقيامها (٦).

٨٤١ ـ روى العلّامة القندوزيّ الحنفيّ عن زرارة بن أعين ، قال : سألت الباقر عليه‌السلام عن هذه الآية قال : هي ساعة القائم عليه‌السلام تأتيهم بغتة (٧).

كلام العلّامة أحمد بن حجر الهيثميّ المكّيّ في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال : قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في المهديّ ، وستأتي الأحاديث المصرّحة بأنّه من أهل البيت النبويّ ، وحينئذ ففي الآية دلالة على البركة في

__________________

(١) تفسير مجاهد ٢ / ٥٨٣ (عن معجم أحاديث الإمام المهديّ (ع)).

(٢) ينابيع المودّة ٤٧٠.

(٣) تفسير الدرّ المنثور ٢ / ٢٠.

(٤) التوبة : ٣٣.

(٥) الفصول المهمّة ٣٠٠.

(٦) نور الأبصار ٣٨٣.

(٧) ينابيع المودّة ٤٢٨ ب ٧١.

٤٢٢

نسل فاطمة وعليّ رضي الله عنهما ، وأنّ الله ليخرج منهما طيّبا وأن يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة ومعادن الستر. وسرّ ذلك أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أعاذها وذرّيتها من الشيطان الرجيم. ودعا لعليّ بمثل ذلك وشرح ذلك يعلم بسياق الأحاديث الدالّة عليه.

وأخرج النسائيّ بسند صحيح : أنّ نفرا من الأنصار قالوا لعليّ رضى الله عنه لو كانت عندك فاطمة ، فدخل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يعني ليخطبها ، فسلّم عليه ، فقال له : ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال : فذكرت فاطمة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا وأهلا (ثمّ ذكر قصّة زواجهما عليهما‌السلام ، ثمّ قال :) فلمّا حضر عليّ تبسّم صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال له : إنّ الله أمرني أن ازوّجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضّة ، أرضيت بذلك فقال : قد رضيتها يا رسول الله ، ثمّ خرّ ساجدا لله شكرا ، فلمّا رفع رأسه قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله : بارك الله لكما وبارك فيكما وأعزّ جدّكما وأخرج منكم الكثير الطيّب. قال أنس : والله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيّب. وأخرج أكثره أبو الخير القزوينيّ الحاكميّ.

ثمّ قال : وأخرج أحمد وأبو حاتم نحوه وقد ظهرت بركة دعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله في نسلهما فكان منه من مضى ومن يأتي ، ولو لم يكن في الآتين إلّا الإمام المهديّ لكفى.

٨٤٢ ـ وأخرج الطبرانيّ مرفوعا : يلتفت المهديّ وقد نزل عيسى ابن مريم عليه‌السلام كأنّما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهديّ تقدّم فصلّ بالناس ، فيقول عيسى إنّما اقيمت الصلاة لك ، فيصلّي خلف رجل من ولدي الحديث ؛ وفي صحيح ابن حبان في إمامة المهديّ نحوه.

٨٤٣ ـ وصحّ مرفوعا : ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهديّ : تعال صلّ بنا ، فيقول : لا إنّ بعضكم أئمّة على بعض تكرمة الله هذه الامّة (١).

الآية الثالثة قوله تعالى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ)(٢).

٨٤٤ ـ روى العيّاشيّ رحمه‌الله بسنده عن جابر الجعفيّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام يقول : الزم الأرض لا تحرّكن يدك ولا رجلك أبدا حتّى ترى علامات أذكرها لك في سنة ، وترى مناديا ينادي بدمشق ، وخسف بقرية من قراها ، ويسقط طائفة ما مسجدها ، فإذا رأيت الترك

__________________

(١) الصواعق المحرقة ١٦٢ ـ ١٦٩ الآية الثانية عشرة.

(٢) الزخرف : ٦٥.

٤٢٣

جازوها ، فأقبلت الترك حتّى نزلت الجزيرة ، وأقبلت الروم حتّى نزلت الرملة ، وهي سنة اختلاف في كلّ أرض من أرض العرب.

وإنّ أهل الشام يختلفون عند ذلك ثلاث رايات : الأصهب والأبقع والسفيانيّ ، مع بني ذنب الحمار مضر ، ومع السفيانيّ أخواله من كلب ، فيظهر السفيانيّ ومن معه على بني ذنب الحمار ، حتّى يقتلوا قتلا لم يقتله شيء قطّ.

ويحضر رجل بدمشق ، فيقتل هو ومن معه قتلا لم يقتله شيء قطّ ، وهو من بني ذنب الحمار ، وهي الآية الّتي يقول الله تبارك وتعالى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١).

قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٢).

٨٤٥ ـ روى العلّامة البحرانيّ قدس‌سره في «المحجّة» عن محمّد بن العبّاس بإسناده عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) قال هي ساعة القائم عليه‌السلام تأتيهم بغتة (٣).

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ / ٦٤ ح ١١٧.

(٢) الزخرف : ٦٦.

(٣) المحجّة ٢٠١.

٤٢٤

سورة الدخان

الآية الاولى قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ* فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)(١).

٨٤٦ ـ عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يعني القرآن في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين ، وهي ليلة القدر. وأنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثمّ نزل من البيت المعمور على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في طول عشرين سنة ، فيها يفرق كلّ أمر حكيم يعني في ليلة القدر كلّ أمر حكيم ، أي يقدّر الله كلّ أمر من الحقّ والباطل وما يكون في تلك السنة وله فيه البداء والمشيّة ، يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأمراض ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء ، ويلقيه رسول الله إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمّة عليهم‌السلام ، حتّى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عليه‌السلام ويشترط له ما فيه البداء والمشيّة والتقديم والتأخير.

ثمّ قال عليّ بن إبراهيم : حدّثني بذلك أبي بإسناده عن عبد الله مسكان ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن عليهم‌السلام (٢).

٨٤٧ ـ روى شرف الدّين النجفيّ بإسناده عن حمران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّا

__________________

(١) الدخان : ٣ و ٤.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩٠.

٤٢٥

يفرق في ليلة القدر ، هل هو ما يقدّر سبحانه وتعالى فيها؟

قال : لا توصف قدرة الله تعالى إلّا أنّه قال : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) فكيف يكون حكيما إلّا ما فرق ، ولا توصف قدرة الله سبحانه لأنّه يحدث ما يشاء ، وأمّا قوله : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يعني فاطمة في قوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الّذين يملكون علم آل محمّد عليهم‌السلام ، والروح روح القدس وهي فاطمة عليها‌السلام ، (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ) يقول : كلّ أمر سلّمه حتّى يطلع الفجر ـ يعني حتّى يقوم القائم عليه‌السلام (١).

٨٤٨ ـ روى العلّامة البحرانيّ قدس‌سره عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : يا معشر الشيعة خاصموا بسورة إنّا أنزلناه في ليلة القدر تفلجوا ، فو الله إنّها لحجّة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّها لسيّدة دينكم ، وإنّها لغاية علمنا. يا معاشر الشيعة ، خاصموا ب (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) فإنّها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول الله.

يا معاشر الشيعة ، يقول الله تبارك وتعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ)(٢) قيل : يا أبا جعفر عليه‌السلام نذيرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (محمّد) ، فقال : صدقت فهل كان نذيرا وهو خلو (حيّ) من البعثة في أقطار الأرض؟ فقال السائل : لا.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : أرأيت بعيثه أليس نذيره كما أنّ رسول الله في بعثته من الله نذير؟ فقال : بلى. قال : فكذلك لم يمت محمّد إلّا وله بعيث نذير ، قال : فإن قلت لا ، فقد ضيّع رسول الله من في الأصلاب من امّته.

قال : وما يكفيهم القرآن؟! قال : بلى ، إن وجدوا له مفسّرا.

قال : وما فسّر رسول الله؟ قال : بلى قد فسّره لرجل واحد وفسّر للامّة شأن ذلك الرجل هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال السائل : يا أبا جعفر كأنّ هذا أمر خاص لا يحتمله العامة؟

قال : أبى الله أن يعبد إلّا سرّا حتّى يأتي أبان أجله الّذي يظهر فيه دينه ، كما أنّه كان

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ / ٤٨٧ ح ٢٤.

(٢) فاطر : ٢٤.

٤٢٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع خديجة عليها‌السلام مستترا حتّى أمره بالإعلان ، قال السائل : فينبغي لصاحب هذا الدّين أن يكتم؟ قال : أو ما كتم عليّ بن أبي طالب يوم أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أظهر أمره؟ قال : بلى ، قال : فكذلك أمرنا حتّى يبلغ الكتاب أجله (١).

دلالة الآية على وجوب وجود إمام العصر عليه‌السلام وحياته

٨٤٩ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن الحسن بن عبّاس بن الجريش ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : بينا أبي عليه‌السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر ، قد قيّض له فقطع عليه اسبوعه ، حتّى أدخله إلى دار جنب الصفا ، فأرسل إليّ وكنّا ثلاثة فقال : مرحبا بك يا ابن رسول الله ، ثمّ وضع يده على رأسي وقال : بارك الله فيك يا أمين الله بعد آبائه أبا جعفر ، إن شئت فأخبرني وان شئت أخبرتك ، وإن شئت سألتني وإن شئت سألتك ، وإن شئت فأصدقني وإن شئت صدقتك.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : كلّ ذلك أشاء.

قال : فإيّاك أن ينطلق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره.

قال : إنّما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه ، وإنّ الله عزوجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف.

قال هذه مسألتي وقد فسّرت طرفا منها ، أخبرني عن هذا العلم الّذي ليس فيه اختلاف من يعلمه؟

قال : أمّا جملة العلم فعند الله جلّ ذكره ، وأمّا ما لا بدّ للعباد منه فعند الأوصياء.

قال : ففتح الرجل عجيرته واستوى جالسا وتهلّل وجهه ، وقال : هذه أردت ولها أتيت ، زعمت أنّ علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء ، فكيف يعلمونه؟

قال : كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلمه ، إلّا أنّهم لا يرون ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرى ، لأنّه كان نبيّا وهم محدّثون ، وأنّه كان يفد إلى الله جلّ جلاله فيسمع الوحي وهم لا يسمعون.

قال : فقال : صدقت يا ابن رسول الله سأسألك مسألة صعبة ، أخبرني عن هذا العلم ما له

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ / ٣٨٤ ـ ٤٨٤ ح ٢.

٤٢٧

لا يظهر كما كان يظهر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال : فضحك أبي عليه‌السلام وقال : أبى الله أن يطلع على علمه إلّا ممتحنا للإيمان به ، كما قضى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصبر على أذى قومه ، ولا يجاهدهم إلّا بأمره ، فكم من اكتتام قد اكتتم به ، حتّى قيل له (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(١) وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا ، ولكنّه إنّما نظر في الطاعة وخاف الخلاف فلذلك كفّ ، فوددت أن يكون عينك مع مهديّ هذه الامّة ، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والأرض تعذّب أرواح الكفرة من الأموات وتلحق بهم أرواح أشباههم من الأحياء ، ثمّ أخرج سيفا ثمّ قال : ها إنّ هذا منها.

قال : فقال أبي : إي والّذي اصطفى محمّدا على البشر.

قال : فردّ الرجل قال : أنا إلياس ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة : غير أنّي أحببت أن يكون هذا الحديث قوّة لأصحابك ، وساخبرك بآية أنت تعرفها أن خصموا بها فلجوا.

قال : فقال لي أبي : إن شئت أخبرتك بها؟

قال : قد شئت.

قال : إنّ شيعتنا إن قالوا لأهل الخلاف لنا : إنّ الله عزوجل يقول لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) إلى آخرها ، فهل كان رسول الله يعلم من العلم شيئا لا يعلمه في تلك الليلة ، أو يأتيه به جبرئيل عليه‌السلام في غيرها؟ فانّه سيقولون لا ، فقل لهم : فهل كان لما علم بدّ من أن يظهر؟ فيقولون لا ، فقل لهم : كان فيما أظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من علم الله عزّ ذكره اختلاف؟ فان قالوا لا ، فقل لهم : فمن حكم بحكم الله (كذا) فيه اختلاف فهل خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقولون نعم ، فإن قالوا : لا فقل قد نقضوا أوّل كلامهم ، فقل لهم : (ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فإن قالوا : من الراسخون في العلم؟ فقل من لا يختلف في علمه ، فإن قالوا : فمن هو ذاك؟ فقل : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صاحب ذلك فهل بلغ أو لا؟ فإن قالوا : قد بلّغ ، فقل : فهل مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا لا ، فقل : إنّ خليفة رسول الله مؤيّد ولا يستخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا من

__________________

(١) الحجر : ٩٤.

٤٢٨

يحكم بحكمه ، وإلّا من يكون مثله إلّا النبوّة ، وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيّع من في أصلاب الرجال ممّن يكون بعده ، فإن قالوا لك : فإنّ علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من القرآن ، فقل : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ).

فإن قالوا لك : لا يرسل الله عزوجل إلّا إلى نبيّ ، فقل : هذا الأمر الحكيم الّذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح ، الّتي تنزل من سماء إلى سماء ، أو من سماء إلى أرض ، فإن قالوا من سماء إلى سماء ، فليس في السماء أحد يرجع من طاعته إلى معصيته ، فإن قالوا من سماء إلى أرض وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك ، فقل : فهل لهم بدّ من سيّد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا : فإنّ الخليفة هو حكمهم ، فقل : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١).

لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عزوجل إلّا وهو مؤيّد ، ومن ايّد لم يخط ، وما في الأرض عدوّ لله عزّ ذكره إلّا وهو مخذول ، ومن خذل لم يصب ، كما أنّ الأمر لا بدّ من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض ،

كذلك ولا بدّ من وال ، فإن قالوا : لا نعرف هذا ، فقل لهم : قولوا ما أحببتم أبى الله بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يترك العباد ولا حجّة له عليهم. قال أبو عبد الله عليه‌السلام ثمّ وقف ، فقال : هاهنا يا ابن رسول الله باب غامض ، أرأيت ان قالوا حجّة الله القرآن؟

قال : إذا قل لهم : إنّ القرآن ليس بناطق يأمر وينهى ، ولكنّ للقرآن أهل يأمرون وينهون ، وأقول قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة ما هي في السنّة والحكم الّذي ليس فيه اختلاف ، وليست في القرآن ، أبى الله في علمه (لعلمه) بتلك الفتنة أن تظهر في الأرض وليس في حكمه رادّ لها ومفرّج عن أهلها. فقال : هاهنا تفلجون يا ابن رسول الله ، أشهد أنّ الله عزوجل ذكره قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم من الدّين أو غيره ، فوضع القرآن دليلا. قال ، فقال الرجل : هل تدري يا ابن رسول الله القرآن

__________________

(١) البقرة : ٢٥٧.

٤٢٩

دليل ما هو؟

قال أبو جعفر عليه‌السلام : نعم وفيه جمل الحدود وتفسيرها عند الحكم ، فقد أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه أو في نفسه أو في ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.

قال : فقال الرجل : أمّا في هذا الباب فقد فلجتم بحجّة ، إلّا أن يفتري خصمكم على الله فيقول : ليس لله عزّ ذكره حجّة ، ولكن أخبرني عن تفسير : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) ممّا خصّ به عليّ عليه‌السلام (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)(١)؟ قال : في أبي فلان وأصحابه ، واحدة مقدّمة وواحدة مؤخّرة ، لا تأسوا على ما فاتكم ممّا خصّ به عليّ ، ولا تفرحوا بما آتاكم من الفتنة الّتي عرضت لكم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال الرجل : أشهد أنّكم أصحاب الحكم الّذي لا اختلاف فيه.

ثمّ قام الرجل وذهب فلم أره (٢).

الإمام المهديّ عليه‌السلام صاحب ليلة القدر في عصرنا هذا

٨٥٠ ـ روى العلّامة البحرانيّ قدس‌سره في «المحجّة» عن عليّ بن إبراهيم ، بإسناده عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن عليهم‌السلام :

(حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يعني القرآن (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) وهي ليلة القدر أنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثمّ نزل من البيت المعمور على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في طول ثلاث وعشرين سنة (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يعني في ليلة القدر (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي يقدّر الله كلّ أمر من الحقّ ومن الباطل وما يكون في تلك السنة ، وله فيها البداء والمشيئة يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء.

ويلقيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمّة عليهم‌السلام حتّى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عليه‌السلام ، ويشرط له ما فيه البداء والمشيئة والتقديم

__________________

(١) الحديد : ٢٣.

(٢) رواه في البرهان ٤ / ٣٨٤ ـ ٤٨٤ ح ٢.

٤٣٠

والتأخير (١).

٨٥١ ـ عليّ بن إبراهيم ، بإسناده عن أبي المهاجر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : يا أبا المهاجر لا تخفى علينا ليلة القدر ، إنّ الملائكة يطوفون بنا فيها (٢).

٨٥٢ ـ روى الطبرسيّ رحمه‌الله في «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث له ، قال عليه‌السلام : وإنّما أراد الله بالحقّ إظهار قدرته وإبداء سلطانه وتبيين براهين حكمته ، فخلق ما شاء كما شاء ، وأجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من امنائه ، فكان فعلهم فعله وأمرهم أمره ، كما قال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)(٣).

وجعل السماء والأرض وعاء لمن يشاء من خلقه ليميز الخبيث من الطيّب مع سابق علمه بالفريقين من أهلهما ، وليجعل ذلك مثالا لأوليائه وامنائه ، وعرّف الخليقة فضل منزلة أوليائه ، وفرض عليهم من طاعتهم مثل الّذي فرضه منه لنفسه ، وألزمهم الحجّة بأن خاطبهم خطابا يدلّ على انفراده وتوحيده ، وأبان لهم أولياء أجرى أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله ، فهم العباد المكرّمون الّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، هم الّذين أيّدهم بروح منه وعرّف الخلق اقتدارهم بقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ).

وهم النعيم الّذي يسأل عنه ، إنّ الله تبارك وتعالى أنعم بهم على من اتّبعهم من أوليائهم.

قال السائل : من هؤلاء الحجج؟

قال : هم رسول الله ومن حلّ محلّه من أصفياء الله ، قرنهم الله بنفسه وبرسوله ، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه.

وهم ولاة أمر الدّين الّذين قال الله فيهم : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٤).

وقال الله فيهم : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ

__________________

(١) المحجّة ٢٠٣.

(٢) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩٠.

(٣) النساء : ٨٠.

(٤) النساء : ٥٩.

٤٣١

مِنْهُمْ)(١).

قال السائل : ما ذلك الأمر؟

قال عليه‌السلام : الّذي به تنزّل الملائكة في الليلة الّتي يفرق فيه كلّ أمر حكيم ، من خلق ورزق وأجل وعمل وحياة وموت وعلم غيب السموات والأرض ، والمعجزات الّتي لا تنبغي إلّا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه.

وهم وجه الله الّذي قال : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)(٢).

هم بقيّة الله يعني المهديّ عليه‌السلام الّذي يأتي عند انقضاء هذه النظرة فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ومن آياته الغيب والاكتتام عند عموم الطغيان وحلول الانتقام.

ولو كان هذا الأمر الّذي عرّفتك نبأه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دون غيره ، لكان الخطاب يدلّ على فعل ماض غير دائم ولا مستقبل ، ولقال : نزلت الملائكة وفرق كلّ أمر حكيم ، ولم يقل : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) و (يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ـ إلى آخر الحديث (٣).

٨٥٣ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال الله عزوجل في ليلة القدر : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يقول فيها كلّ أمر حكيم ، والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شيء واحد ، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم الله عزوجل ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت ، إنّه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الامور سنة سنة ، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا وفي أمر الناس بكذا وكذا ، وإنّه ليحدث لوليّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم من علم الله عزّ ذكره الخاصّ والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ، ثمّ قرأ : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٤)(٥).

الآية الثانية قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ)(٦).

__________________

(١) النساء : ٨٣.

(٢) البقرة : ١١٥.

(٣) تفسير البرهان ٤ / ١٥٩ ح ٥.

(٤) لقمان : ٢٧.

(٥) عنه : تفسير البرهان ٤ / ٤٨٣ ح ٤.

(٦) الدخان : ١٠.

٤٣٢

٨٥٤ ـ وروى عليّ بن إبراهيم في حديث له أنّ ذلك من علامات الساعة ويكون في الرجعة ، فقد روى بإسناده عن أبي المهاجر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قوله : «فارتقب» أي اصبر (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) قال : قال ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر (١).

قصة الدجّال وخروجه عند العامّة

روى الشيخ الصدوق من طريق العامّة قصّة ابن الصيّاد الّذي اختلف العامّة في أنّه الدجّال أو غيره ثمّ قال : إنّ أهل العناد والجحود يصدّقون بمثل هذا الخبر ، ويروونه في الدجال وغيبته وطول بقائه المدّة الطويلة ، وبخروجه في آخر الزمان ، ولا يصدّقون بأمر القائم عليه‌السلام وأنّه يغيب مدّة طويلة ثمّ يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما بنصّ النبيّ والأئمّة بعده صلوات الله عليهم وعليه باسمه وعينه ونسبه ، وبإخبارهم بطول غيبته ، إرادة لاطفاء نور الله ، وإبطالا لأمر وليّ الله ، ويأبى الله الا أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.

وأكثر ما يحتجّون به في دفعهم لأمر الحجّة عليه‌السلام أنّهم يقولون : لم نرو هذه الأخبار الّتي تروونها في شأنه ولا نعرفها ، وكذا يقول من يجحد نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله من الملحدين ، والبراهمة واليهود والنصارى : إنّه ما صح عندنا شيء مما تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها ، فنعتقد بطلان أمره لهذه الجهة ، ومتى لزمنا ما يقولون ، لزمهم ما يقوله هذه الطوائف وهو أكثر عددا منهم!

ويقولون أيضا : ليس في موجب عقولنا أن يعمّر أحد في زماننا هذا عمرا يتجاوز عمر أهل الزمان ، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان.

فنقول لهم : أتصدّقون على أنّ الدجّال في الغيبة يجوز أن يعمّر عمرا يتجاوز عمر أهل الزمان وكذلك إبليس ، ولا تصدّقون بمثل ذلك لقائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ مع النصوص الواردة فيه في الغيبة ، وطول العمر ، والظهور بعد ذلك للقيام بأمر الله عزوجل ، وما روي في ذلك من الأخبار الّتي قد ذكرتها في هذا الكتاب ، ومع ما صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : كلّ ما كان

__________________

(١) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٩٠.

٤٣٣

في الأمم السالفة يكون في هذه الامّة مثله ، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ، وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله عزوجل وحججه عليهم‌السلام معمّرون.

أمّا نوح عليه‌السلام فإنّه عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة ، ونطق القرآن بأنّه لبث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما ؛ وقد روي في الخبر الّذي قد أسندته في هذا الكتاب أنّ في القائم سنّة من نوح ، وهي طول العمر ، فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأمور الّتي ليس شيء منها في موجب العقول ، بل لزم الاقرار بها لأنّها رويت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وهكذا يلزم الاقرار بالقائم عليه‌السلام من طريق السمع. وفي موجب أيّ عقل من العقول أنّه يجوز أن يلبث اصحاب الكهف ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا؟ هل وقع التصديق بذلك إلّا من طريق السمع ، فلم لا يقع التصديق بأمر القائم عليه‌السلام أيضا من طريق السمع؟!

وكيف يصدّقون بما يرد من الأخبار عن وهب بن منبّه وعن كعب الأحبار في الحالات الّتي لا يصحّ منها شيء في قول الرسول ، ولا في موجب العقول ، ولا يصدّقون بما يرد عن النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام في القائم وغيبته ، وظهوره بعد شكّ أكثر الناس في أمره ، وارتدادهم عن القول به ، كما تنطق به الآثار الصحيحة عنهم عليهم‌السلام ، هل هذا إلّا مكابرة في دفع الحقّ وجحوده؟

وكيف لا يقولون : إنّه لمّا كان في الزمان غير محتمل للتعمير وجب أن تجري سنّة الأوّلين بالتعمير في أشهر الاجناس تصديقا لقول صاحب الشريعة عليه‌السلام ، ولا جنس أشهر من جنس القائم عليه‌السلام لأنّه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرّين وألسنة المنكرين له ، ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الأئمّة عليهم‌السلام مع الروايات الصحيحة عن النبيّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بوقوعها به عليه‌السلام بطلت نبوّته ، لأنّه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بما لم يقع به ، ومتى صحّ كذبه في شيء لم يكن نبيّا.

وكيف يصدق في أمر عمّار أنّه تقتله الفئة الباغية ، وفي أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه تخضب لحيته من دم رأسه ، وفي الحسن بن عليّ عليهما‌السلام أنّه مقتول بالسّم ، وفي الحسين بن عليّ عليهما‌السلام أنّه مقتول بالسيف ، ولا يصدق فيما أخبر به من أمر القائم ووقوع الغيبة به ، والنصّ عليه باسمه ونسبه؟ بل هو صلى‌الله‌عليه‌وآله صادق في جميع أقواله مصيب في جميع أحواله ،

٤٣٤

ولا يصح إيمان عبد حتّى لا يجد في نفسه حرجا مما قضى ويسلّم له في جميع الأمور تسليما لا يخالطه شكّ ولا ارتياب ، وهذا هو الإسلام ، والإسلام هو الاستسلام والانقياد (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١).

ومن أعجب العجب أنّ مخالفينا يروون انّ عيسى ابن مريم عليه‌السلام مرّ بأرض كربلاء فرأى عدّة من الظباء هناك مجتمعة فأقبلت اليه وهي تبكي ، وأنّه جلس وجلس الحواريون ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى؟

فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أيّ أرض هذه؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد ، وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيه أمّي ويلحد فيها ، هي أطيب من المسك لأنّها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، وهذه الظباء تكلّمني وتقول إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض.

ثمّ ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمّها وقال : اللهم أبقها أبدا حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاء وسلوة ، وأنّها بقيت إلى أيّام أمير المؤمنين عليه‌السلام حتّى شمّها وبكى وأبكى ، وأخبر بقصتها لما مرّ بكربلاء.

فيصدّقون بأنّ بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيّرها الأمطار والرياح ، ومرور الأيام والليالي والسنين عليها ، ولا يصدّقون بأنّ القائم من آل محمّد عليهم‌السلام يبقى حتّى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله ويظهر دين الله ، مع الأخبار الواردة عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم بالنصّ عليه باسمه ونسبه وغيبته المدّة الطويلة ، وجرى سنن الأوّلين فيه بالتعمير ، هل هذا إلّا عناد وجحود للحق؟ (٢)

__________________

(١) آل عمران : ٨٥.

(٢) كمال الدّين ٢ / ٥٢٩ ـ ٥٣٢.

٤٣٥

سورة الجاثية

الآية الاولى قوله عزوجل : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ)(١).

٨٥٥ ـ روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : أيّام الله المرجوّة ثلاثة : يوم قيام القائم عليه‌السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة (٢).

آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله هم أيّام الله

٨٥٦ ـ روى أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ الصدوق طاب ثراه بإسناده عن الصقر بن أبي دلف ، قال : لمّا حمل المتوكّل سيّدنا أبي الحسن عليه‌السلام جئت لأسأل عن خبره ، قال : فنظر إليّ حاجب المتوكّل فأمر أن ادخل إليه فادخلت إليه ، فقال : يا صقر ما شأنك؟ فقلت : خير أيّها الاستاذ ، فقال : اقعد ، قال الصقر : فأخذني ما تقدّم وما تأخّر وقلت : أخطأت في المجىء ، قال : فوحى الناس عنه ، ثمّ قال : ما شأنك وفيم جئت؟ قلت : لخبر ما ، قال : لعلّك جئت تسأل عن خبر مولاك؟ فقلت : ومن مولاي؟! مولاي أمير المؤمنين.

فقال : اسكت ، مولاك هو الحقّ ، لا تتحشّمني فإنّي على مذهبك.

__________________

(١) الجاثية : ١٤.

(٢) تفسير البرهان ٤ / ١٦٨ ح ٢.

٤٣٦

فقلت : الحمد لله. فقال : أتحبّ أن تراه؟ فقلت : نعم. فقال : اجلس حتّى يخرج صاحب البريد ، قال : فجلست ، فلمّا خرج قال لغلام له : خذ بيد الصقر فأدخله إلى الحجرة الّتي فيها العلوي المحبوس وخلّ بينه وبينه.

قال : فأدخلني الحجرة ، وأومأ إلى بيت ، فدخلت فإذا هو عليه‌السلام جالس على صدر حصير وبحذاء قبر محفور ، قال : فسلّمت فردّ عليّ السلام ثمّ أمرني بالجلوس فجلست ، ثمّ قال لي : يا صقر ما أتى بك؟ قلت : يا سيّدي جئت أتعرّف خبرك قال : ثمّ نظرت إلى القبر وبكيت ، فنظر إليّ وقال : يا صقر لا عليك لن يصلوا إلينا بسوء ، فقلت : الحمد لله.

ثمّ قلت : يا سيّدي حديث يروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أعرف معناه.

قال : فما هو؟ قلت : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تعادوا الأيّام فتعاديكم» ما معناه؟

فقال : نعم ، الأيّام نحن ، بنا قامت السماوات والأرض ، فالسبت : اسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأحد أمير المؤمنين ، والاثنين الحسن والحسين ، والثلاثاء عليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ الباقر وجعفر بن محمّد الصادق ، والأربعاء موسى بن جعفر وعليّ بن موسى ومحمّد بن عليّ وأنا ، والخميس ابني الحسن ، والجمعة ابن ابني ، وإليه تجتمع عصابة الحقّ ، وهو الّذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فهذا معنى الأيّام ، ولا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة.

ثمّ قال عليه‌السلام : ودّع واخرج فلا آمن عليك (١).

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ٣٨٢ ح ٢.

٤٣٧

سورة الأحقاف

الآية الاولى قوله تعالى : (حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ)(١).

٨٥٧ ـ روى العلّامة أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ قدس‌سره عن سعد بن عبد الله الأشعريّ ، عن الشيخ الصدوق ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعريّ رحمه‌الله : أنّه جاء بعض أصحابنا يعلم أنّ جعفر بن عليّ كتب إليه كتابا يعرّفه نفسه ، ويعلمه أنّه القيّم بعد أخيه ، وأنّ عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه ، وغير ذلك من العلوم كلّها.

قال أحمد بن إسحاق : فلمّا قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه‌السلام وصيّرت كتاب جعفر درجه ، فخرج إليّ الجواب في ذلك :

__________________

(١) الاحقاف : ١ ـ ٦.

٤٣٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الّذي أنفذت درجه ، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمّنه على اختلاف ألفاظه ، وتكرّر الخطأ فيه ، ولو تدبّرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه والحمد لله ربّ العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا ، أبى الله عزوجل للحقّ إلّا إتماما ، وللباطل إلّا زهوقا ، وهو شاهد عليّ بما أذكره ، ولي عليكم بما أقوله ، إذا اجتمعنا اليوم الّذي لا ريب فيه ، ويسألنا عمّا نحن فيه مختلفون.

وإنّه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة ، ولا طاعة ولا ذمّة ، وسابيّن لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله.

يا هذا يرحمك الله ، إنّ الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ، ولا أهملهم سدى ، بل خلقهم بقدرته ، وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبا ، ثمّ بعث النبيّين عليهم‌السلام مبشّرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته ، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة ، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الّذي جعله لهم عليهم ، وما آتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ، والآيات الغالبة ، فمنهم : من جعل النار عليه بردا وسلاما واتّخذه خليلا ، ومنهم : من كلّمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا ، ومنهم : من أحيا الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم من علّمه منطق الطير واوتي من كلّ شيء.

ثمّ بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله رحمة للعالمين وتمّم به نعمته ، وختم به أنبياءه ، وأرسله إلى الناس كافّة ، وأظهر من صدقه ما أظهره ، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن ، ثمّ قبضه صلى‌الله‌عليه‌وآله حميدا فقيدا سعيدا ، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمّه ووصيّه ووارثه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثمّ إلى الأوصياء من ولده واحدا بعد واحد ، أحيا بهم دينه ، وأتمّ بهم نوره ، وجعل بينهم وبين إخوتهم وبني عمّهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقا بيّنا ، تعرف به الحجّة من المحجوج ، والإمام من المأموم ، بأن عصمهم من الذنوب ، وبرّأهم من العيوب ، وطهّرهم من الدنس ، ونزّههم من اللبس ، وجعلهم خزّان علمه ، ومستودع

٤٣٩

حكمته ، وموضع سرّه ، وأيّدهم بالدلائل ، ولو لا ذلك لكان الناس على سواء ، ولادّعى أمر الله عزوجل كلّ أحد ، ولما عرف الحقّ من الباطل ، ولا العلم من الجاهل.

وقد ادّعى هذا المبطل المدّعي على الله الكذب بما ادّعاه ، فلا أدري بأيّة حالة هي له ، رجا أن يتمّ دعواه ، بفقه في دين الله؟ فو الله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرّق بين خطأ وصواب ، أم بعلم؟! فما يعلم حقّا من باطل ، ولا محكما من متشابه ، ولا يعرف حدّ الصلاة ووقتها ، أم بورع؟! فالله شهيد على تركه الصلاة الفرض (أربعين يوما) يزعم ذلك لطلب الشعوذة ، ولعلّ خبره تأدّى إليكم ، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة ، وآثار عصيانه لله عزوجل مشهورة قائمة ، أم بآية فليأت بها ، أم بحجّة؟ فليقمها ، أم بدلالة؟ فليذكرها.

قال الله عزوجل في كتابه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ* وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ).

فالتمس تولّى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك ، وامتحنه واسأله عن آية من كتاب الله يفسّرها ، أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها ، لتعلم حاله ومقداره ، ويظهر لك عواره ونقصانه ، والله حسيبه.

حفظ الله الحقّ على أهله ، وأقرّه في مستقرّه ، وأبى الله عزوجل أن يكون الإمامة في الأخوين إلّا في الحسن والحسين ، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحقّ واضمحلّ الباطل ، وانحسر عنكم ، وإلى الله أرغب في الكفاية ، وجميل الصنع والولاية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد (١).

قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٢).

٨٥٨ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا

__________________

(١) الاحتجاج ٢ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩.

(٢) الأحقاف : ١٣.

٤٤٠