الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

الملعونة والبقعة الخبيثة ، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة ، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العبّاس. ثمّ ينحدرون إلى الكوفة ، فيخربون ما حولها ، ثمّ يخرجون متوجّهين إلى الشام ، فتخرج راية هدى من الكوفة ، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم.

ويخلى جيشه الثاني بالمدينة فينتهبونها ثلاثة أيّام ولياليها ، ثمّ يخرجون متوجّهين إلى مكّة ، حتّى إذا كانوا بالبيداء ، بعث الله سبحانه جبرئيل فيقول يا جبرائيل اذهب فأبدهم ، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم ، فذلك قوله عزوجل في سورة سبأ : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) الآية ، فلا ينفلت منهم إلّا رجلان أحدهما بشير والآخر نذير ، وهما من جهينة ، فلذلك جاء القول : فعند جهينة الخبر اليقين (١).

٧٦٠ ـ روى العلّامة السيّد ابن طاوس رضوان الله عليه عن عليّ عليه‌السلام قال : إذا نزل جيش في طلب الّذين خرجوا إلى مكّة ، فنزلوا البيداء خسف بهم ويباد بهم ، وهو قوله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) من تحت أقدامهم ، ويخرج رجل من الجيش في طلب ناقة له ، ثمّ يرجع إلى الناس ، فلا يجد منهم أحدا ، ولا يحسّ بهم ، وهو الّذي يحدّث الناس بخبرهم (٢).

٧٦١ ـ وروى الصفّار رحمه‌الله خطبة لمولانا أمير المؤمنين تسمّى المخزون جاء فيها : وخروج السفيانيّ براية خضراء وصليب من ذهب ، أميرها رجل من كلب واثنى عشر ألف عنان من خيل يحمل السفياني متوجّها إلى مكّة ، والمدينة أميرها أحد من بني اميّة يقال له خزيمة ، أطمس العين الشمال ، على عينه طرفة تميل بالدنيا فلا تردّ له راية حتّى ينزل المدينة ، فيجمع رجالا ونساء من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيحبسهم في دار بالمدينة يقال لها دار أبي الحسن الأمويّ ، ويبعث خيلا في طلب رجل من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قد اجتمع إليه رجال من المستضعفين بمكّة أميرهم رجل من غطفان ، حتّى إذا توسّطوا الصفائح البيض بالبيداء يخسف بهم فلا ينجو منهم أحد إلّا رجل واحد يحوّل الله وجهه في قفاه لينذرهم وليكون

__________________

(١) تفسير الطبريّ ٢٢ / ٧٢ ؛ تفسير مجمع البيان ٤ / ٣٩٨.

(٢) الملاحم والفتن ٧٥ ب ١٦٥.

٣٨١

آية لمن خلفه فيومئذ تأويل هذه الآية : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(١).

٧٦٢ ـ روى سليم بن قيس الكوفيّ رحمه‌الله في كتابه في حديث طويل لأمير المؤمنين عليه‌السلام جاء فيه : يا معاوية إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبرني أنّ بني اميّة سيخضبون لحيتي من دم رأسي ، وأنّي مستشهد ، وستلي الامّة من بعدي! وأنّك ستقتل ابني الحسن غدرا بالسمّ! وأنّ ابنك يزيد سيقتل ابني الحسين! يلي ذلك منه ابن زانية.

وأنّ الامّة سيليها من بعدك سبعة من ولد أبي العاص وولد مروان بن الحكم ، وخمسة من ولده ، تكملة اثنى عشر إماما ، قد رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتواثبون على منبره تواثب القردة ، يردّون امّته عن دين الله ، على أدبارهم القهقرى ، وأنّهم أشدّ الناس عذابا يوم القيامة ، وأنّ الله سيخرج الخلافة منهم برايات سود تقبل من الشرق يذلّهم الله بهم ، ويقتلهم تحت كلّ حجر.

وأنّ رجلا من ولدك مشوم ملعون ، جلف جاف ، منكوس القلب ، فظّ غليظ ، قد نزع الله من قلبه الرأفة والرحمة ، أخواله من كلب ، كأنّي انظر إليه ، ولو شئت لسمّيته ووصفته ، وابن كم هو ، فيبعث جيشا إلى المدينة فيدخلونها ، فيسرفون فيها في القتل والفواحش ، ويهرب منهم رجل من ولدي ، زكيّ تقيّ ، الّذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، وإنّي لأعرف اسمه وابن كم هو يومئذ وعلامته ، وهو من ولد ابني الحسين الّذي يقتله ابنك يزيد ، وهو الثائر بدم أبيه فيهرب إلى مكّة.

ويقتل صاحب ذلك الجيش رجلا من ولدي زكيّا بريّا عند أحجار الزيت ، ثمّ يسير ذلك الجيش إلى مكّة ، وإنّي لأعلم اسم أميرهم وأسمائهم وسمات خيولهم ، فإذا دخلوا البيداء واستوت بهم الأرض خسف الله بهم.

قال الله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) قال : من تحت أقدامهم ، فلا يبقى من ذلك الجيش أحد غير رجل واحد ، يقلب الله وجهه من قبل قفاه.

ويبعث الله للمهدي أقواما يجمعون من الأرض قزعا كقزع الخريف ، والله انّي لأعرف

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات ١٩٩.

٣٨٢

أسماءهم واسم أميرهم ومناخ ركابهم ، فيدخل المهديّ الكعبة ويبكي ويتضرّع ... الحديث (١).

٧٦٣ ـ وفي خبر روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في ذكر الفتن في الشام ، قال عليه‌السلام : فإذا كان ذلك ، خرج ابن آكلة الأكباد على أثره ليستولي على منبر دمشق ، فإذا كان ذلك ، فانتظروا خروج المهديّ (٢).

٧٦٤ ـ روى العلّامة محمّد بن العبّاس رحمه‌الله بإسناده عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي خالد الكابليّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

يخرج القائم عليه‌السلام فيسير حتّى يمرّ بمرّ ، فيبلغه أنّ عامله قد قتل ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ، ولا يزيد على ذلك شيئا ثمّ ينطلق فيدعو الناس حتّى ينتهي إلى البيداء ، فيخرج جيشان للسفيانيّ ، فيأمر الله عزوجل الأرض أن تأخذ بأقدامهم ، وهو قوله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) ـ يعني بقيام القائم ـ (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) ـ يعني بقيام قائم آل محمّد عليهم‌السلام ـ (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ* وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)(٣).

٧٦٥ ـ روى العلّامة الطبريّ بإسناده عن سعيد ، في قوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) ـ ولم يسنده إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : هم الجيش الّذي يخسف بهم بالبيداء ، يبقى منهم رجل يخبر الناس بما لقي أصحابه (٤).

٧٦٦ ـ روى النعمانيّ بإسناده عن الحارث الهمدانيّ ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال :

المهديّ أقبل (٥) ، جعد ، بخدّه خال ، يكون مبدؤه من قبل المشرق ، وإذا كان ذلك خرج السفيانيّ فيملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر ، يخرج بالشام فينقاد له أهل الشام إلّا طوائف من المقيمين على الحقّ ، يعصمهم الله من الخروج معه. ويأتي المدينة بجيش جرّار ، حتّى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به وذلك قول الله عزوجل في كتابه : (وَلَوْ تَرى إِذْ

__________________

(١) سليم بن قيس ١٩٧.

(٢) البدء والتاريخ ٢ / ١٧٧.

(٣) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٤٧٨ ح ١٢.

(٤) تفسير الطبريّ ٢٢ / ٧٢ ؛ تفسير الدرّ المنثور ٥ / ٢٤١.

(٥) القبل : إقبال سواد العين على الأنف.

٣٨٣

فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(١).

٧٦٧ ـ روى العيّاشيّ بإسناده عن عبد الأعلى الحلبيّ ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : يكون لصاحب هذا الأمر غيبة ، وذكر حديثا طويلا يتضمّن غيبة صاحب الأمر عليه‌السلام وظهوره إلى أن قال عليه‌السلام : فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنّة نبيّه عليه وآله السلام والولاية لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام والبراءة من عدوّه ، ولا يسمّي أحدا حتّى ينتهي إلى البيداء ، فيخرج إليه جيش السفيانيّ فيأمر الله الأرض فتأخذهم من تحت أقدامه ، وهو قول الله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) يعني بقائم آل محمّد ، إلى آخر السورة ، فلا يبقى منهم إلّا رجلان يقال لهما وتر ووتير من مراد ، وجوههما في أقفيتهما يمشيان القهقهرى فيخبران الناس بما فعل بأصحابهما (٢).

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ح ١٤.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٥٦.

٣٨٤

سورة فاطر

الآية الاولى قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)(١).

٧٦٨ ـ روى بالإسناد عن يونس بن ظبيان ، قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام فقلت : يا ابن رسول الله انّي دخلت على مالك وأصحابه وعنده جماعة يتكلّمون في الله ، فسمعت بعضهم يقول : إنّ لله وجها كالوجوه ، وبعضهم يقول : له يدان ، واحتجّوا لذلك بقول الله تبارك وتعالى : (بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ)(٢) ، بعضهم يقول : هو كالشاب من أبناء ثلاثين سنة! فما عندك في هذا يا ابن رسول الله؟

وكان متّكئا ، فاستوى جالسا وقال : اللهمّ عفوك عفوك ، ثمّ قال : يا يونس ، من زعم أنّ لله وجها كالوجوه فقد أشرك ، ومن زعم أنّ لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله ولا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته ، تعالى الله عمّا يصفه المشبّهون بصفة المخلوقين ، فوجه الله أنبياؤه وأولياؤه.

وقوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) فاليد القدرة كقوله تعالى : (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ)(٣) فمن

__________________

(١) فاطر : ٣٢.

(٢) ص : ٧٥.

(٣) الأنفال : ٢٦.

٣٨٥

زعم أنّ الله في شيء أو على شيء ، أو يحول من شيء إلى شيء ، أو يخلق منه شيء ، أو يشغل به شيء ، فقد وصفه بصفة المخلوقين ، والله خالق كلّ شيء ، لا يقاس بالقياس ، ولا يشبّه بالناس ، لا يخلو منه مكان ، ولا يشغل به مكان ، قريب في بعده بعيد في قربه ، ذلك ربّنا لا إله غيره ، فمن أراد الله وأحبّه ووصفه بهذه الصفة ، فهو من الموحّدين ، ومن أحبّه ووصفه بغير هذه الصفة فالله منه بريء ونحن منه براء.

ثمّ قال عليه‌السلام : إنّ اولي الألباب ، الّذين عملوا بالفكرة حتّى ورثوا منه حبّ الله ، فإنّ حبّ الله إذا ورثه القلب واستضاء به أسرع إليه اللطف ، فإذا نزل منزلة اللطف صار من أهل الفوائد ، فإذا صار من أهل الفوائد تكلّم بالحكمة ، فإذا تكلّم بالحكمة صار صاحب فطنة ، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة ، فإذا عمل في القدرة عرف الأطباق السبعة ، فإذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلّب في فكره بلطف وحكمة وبيان ، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبّته في خالقه ، فإذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرى فعاين ربّه في قلبه وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء ، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء ، وورث الصدق بغير ما ورثه الصدّيقون ، إنّ الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت ، وإنّ العلماء ورثوا العلم بالطلب ، وإنّ الصدّيقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة ، فمن أخذه بهذه السيرة إمّا أن يسفل وإمّا أن يرفع ، وأكثرهم الّذي يسفل ولا يرفع ، إذ لم يرع حقّ الله ولم يعمل بما أمر به ، فهذه صفة من لم يعرف الله حقّ معرفته ولم يحبّه حقّ محبته ، فلا يغرنّك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم ، فانّهم حمر مستنفرة.

ثمّ قال : يا يونس إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت ، فإنّا ورثناه وأوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب.

فقلت : يا ابن رسول الله وكلّ من كان من أهل البيت ورث كما ورثتم من كان من ولد عليّ وفاطمة عليهما‌السلام؟

فقال : ما ورثه إلّا الأئمّة الاثنا عشر.

قلت : سمّهم لي يا ابن رسول الله.

قال : أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، وبعده الحسن والحسين ، وبعده عليّ بن الحسين ،

٣٨٦

وبعده محمّد بن عليّ الباقر ، ثمّ أنا ، وبعدي موسى ولدي ، وبعد موسى عليّ ابنه ، وبعد عليّ ابنه محمّد ، وبعد محمّد عليّ ابنه ، وبعد عليّ الحسن ابنه ، وبعد الحسن الحجّة صلوات الله عليهم ، اصطفانا الله وطهّرنا واوتينا ما لم يؤت أحدا من العالمين ... الحديث (١).

٧٦٩ ـ وعنه بإسناده عن ابراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك أخبرني عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث النبيّين كلّهم؟ قال : نعم : قلت : من لدن آدم حتّى انتهى الى نفسه؟! قال : ما بعث الله نبيّا إلّا ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم منه.

قال : قلت : وإنّ عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله تعالى؟

قال : صدقت ، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدر على هذه المنازل. قال : فقال : إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره فقال : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ)(٢) حين فقده وغضب عليه فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ)(٣) وإنما غضب لأنّه كان يدلّه على الماء ، فهذا وهو طائر قد أعطي ما لم يعط سليمان ، وكانت الريح والنمل والجن والأنس والشياطين والمردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه ، وإنّ الله يقول في كتابه : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى)(٤) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الّذي فيه ما تسيّر به الجبال وتقطع به البلدان ويحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإنّ في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله ممّا كتبه الماضون وجعله لنا في أمّ الكتاب ، إنّ الله يقول : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٥) ثمّ قال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)(٦) فنحن الّذين اصطفانا الله عزوجل ثمّ أورثنا هذا الّذي فيه تبيان كلّ شيء (٧).

٧٧٠ ـ روى الثقة الصفّار ؛ بإسناده عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه قال : في هذه الآية : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) إلى آخر الآية ، قال : السابق

__________________

(١) تفسير البرهان ٣٦٢ ـ ٣٦٥ ح ٤.

(٢) النمل : ٢٠.

(٣) النمل : ٢١.

(٤) الرعد : ٣١.

(٥) النمل : ٧٥.

(٦) فاطر : ٣٢.

(٧) تفسير البرهان ٣ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥ ح ٦.

٣٨٧

بالخيرات الإمام ، فهي في ولد عليّ وفاطمة (١).

٧٧١ ـ روى محمّد بن العباس ؛ بإسناده عن أبي اسحاق السبيعيّ ، قال : خرجت حاجّا فلقيت محمّد بن عليّ عليه‌السلام ، فسألته عن هذه الآية (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) فقال : ما يقول فيها قومك يا أبا اسحاق يعني أهل الكوفة؟ قال ، قلت : يقولون إنّها لهم. قال : فما يخوّفهم إذا كانوا من أهل الجنّة؟ قلت : فما تقول أنت جعلت فداك؟ قال : هي لنا خاصّة يا أبا اسحاق ، أما السابقون بالخيرات فعليّ والحسن والحسين عليهم‌السلام والإمام منّا ، والمقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل ، والظالم لنفسه ففيه ما في الناس فهو مغفور له ، يا أبا اسحاق بنا يفكّ الله رقابكم ، ويحل الله رباق الذلّ من أعناقكم ، وبنا يغفر الله ذنوبكم ، وبنا يفتح وبنا يختم ، ونحن كهفكم ككهف أصحاب الكهف ، ونحن سفينتكم كسفينة نوح ، ونحن باب حطّتكم كباب حطّة بني اسرائيل (٢).

الآية الثانية قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً)(٣).

المهديّ عليه‌السلام أمان لأهل السماء والأرض

٧٧٢ ـ روى الشيخ الخزّاز بإسناده عن عليّ بن أبي حمزة ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حدّثني جبرئيل عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنّه قال : من علم أن لا إله إلّا أنا وحدي ، وأنّ محمّدا عبدي ورسولي ، وأنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي ، وأنّ الأئمّة من ولده حججي ، أدخله الجنّة برحمتي ، ونجّيته من النار بعفوي ، وأبحت له جواري ، وأوجبت له كرامتي ، وأتممت عليه نعمتي ، وجعلته من خاصّتي وخالصتي ، إن ناداني لبّيته ، وإن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن سكت ابتدأته ، وإن أساء رحمته ، وإن فرّ منّي دعوته ، وإن رجع إليّ قبلته ، وإن قرع بابي فتحته. ومن لم يشهد أن لا إله إلّا أنا وحدي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّدا عبدي ورسولي ،

__________________

(١) تفسير البرهان ٣ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥ ح ١١.

(٢) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٤٨١ ح ٧.

(٣) فاطر : ٤١.

٣٨٨

أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ عليّ بن أبي طالب خليفتي ، أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي ، فقد جحد نعمتي ، وصغّر عظمتي ، وكفر بآياتي وكتبي ، إن قصدني حجبته ، وإن سألني حرمته ، وإن ناداني لم أسمع نداءه ، وإن دعاني لم أستجب دعاءه ، وإن رجاني خيّبته ، وذلك جزاؤه منّي وما أنا بظلّام للعبيد.

فقام جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، فقال : يا رسول الله ومن الأئمّة من ولد عليّ بن أبي طالب؟ قال : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين ، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ وستدركه يا جابر ، فإذا أدركته فاقرئه منّي السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ الكاظم موسى بن جعفر ، ثمّ الرضا عليّ بن موسى ، ثمّ التقي محمّد بن عليّ ، ثمّ النقي عليّ بن محمّد ، ثمّ الزكيّ الحسن بن عليّ ، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي امّتي الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي ، من أطاعهم فقد أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ، بهم يمسك الله عزوجل السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها (١).

٧٧٣ ـ روى الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه بإسناده عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قال الرضا عليه‌السلام : نحن حجج الله في خلقه ، وخلفاؤه في عباده وامناؤه على سرّه ، ونحن كلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته ، بنا يمسك الله السموات والأرض أن تزولا ، وبنا ينزّل الغيث وينشر الرحمة ، ولا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف ، ولو خلت يوما بغير حجّة ، لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله (٢).

٧٧٤ ـ روى الصدوق رضوان الله عليه بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ذكر الله عزوجل عبادة ، وذكري عبادة ، وذكر عليّ عبادة ، وذكر الأئمّة من ولده عبادة ، والّذي بعثني بالنبوّة وجعلني خير البريّة إنّ وصيي لأفضل الأوصياء ، وإنّه لحجّة الله على عباده وخليفته على خلقه ، ومن ولده الأئمّة الهداة بعدي ، بهم يحبس الله العذاب عن أهل الأرض ، وبهم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبهم يمسك الجبال

__________________

(١) كفاية الأثر ١٩ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢٥١.

(٢) كمال الدّين ١ / ٢٠٢ ح ٦.

٣٨٩

أن تميد بهم ، وبهم يسقي خلقه الغيث ، وبهم يخرج النبات ، أولئك أولياء الله حقّا وخلفائي صدقا ، عدّتهم عدّة الشهور وهي اثنا عشر شهرا ، وعدّتهم عدّة نقباء موسى بن عمران ، ثمّ تلا صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الآية : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ)(١) ثمّ قال : أتقدّر يا ابن عبّاس أنّ الله يقسم بالسماء ذات البروج ويعني به السماء وبروجها؟ قلت : يا رسول الله فما ذاك؟ قال : أمّا السماء فأنا ، وأمّا البروج فالأئمّة بعدي ، أوّلهم عليّ وآخرهم المهديّ ، صلوات الله عليهم أجمعين (٢).

__________________

(١) البروج : ١.

(٢) بحار الأنوار ٣٦ / ٣٤.

٣٩٠

سورة يس

الآية الاولى قوله عزوجل : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١).

٧٧٥ ـ روى النعمانيّ بإسناده عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : خبر تدريه خير من عشر ترويه ؛ إنّ لكلّ حقّ حقيقة ، ولكلّ صواب نورا ، ثمّ قال : إنّا والله لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيها حتّى يلحن له فيعرف اللحن ، إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال على منبر الكوفة : إنّ من ورائكم فتنا مظلمة عمياء منكسفة لا ينجو منها إلّا النّومة. قيل : يا أمير المؤمنين وما النومة؟ قال : الّذي يعرف الناس ولا يعرفونه. واعلموا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة الله عزوجل ، ولكنّ الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم ، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجّة الله لساخت بأهلها ، ولكن الحجّة يعرف الناس ولا يعرفونه ، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون ، ثمّ تلا : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٢).

الآية الثانية قوله سبحانه : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ

__________________

(١) يس : ٣٠.

(٢) الغيبة للنعمانيّ ١٤١ ح ٢.

٣٩١

يَأْكُلُونَ)(١).

٧٧٦ ـ روى السيّد عليّ بن عبد الحميد بإسناده عن الكابليّ ، عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : يقتل القائم عليه‌السلام من أهل المدينة حتّى ينتهي إلى الأجفر ويصيبهم مجاعة شديدة ، قال : فيضجّون وقد نبتت لهم ثمرة يأكلون منها ويتزوّدون منها ، وهو قوله تعالى شأنه : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) ثمّ يسير حتّى ينتهي إلى القادسيّة وقد اجتمع الناس بالكوفة وبايعوا السفياني (٢).

__________________

(١) يس : ٣٣.

(٢) إثبات الهداة ٣ / ٥٨٥ ح ٧٩٣.

٣٩٢

سورة الصافّات

الآية الاولى قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ)(١).

٧٧٧ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن صفوان بن مهران الجمّال ، قال :

قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : أما والله ليغيبنّ عنكم مهديّكم حتّى يقول الجاهل منكم : ما لله في آل محمّد حاجة ، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما (٢).

الآية الثانية قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ)(٣).

٧٧٨ ـ روى العلّامة الشيخ محمّد بن العبّاس ؛ بإسناده عن أبي بصير يحيى بن أبي القاسم ، قال : سأل جابر بن يزيد الجعفيّ جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام عن تفسير هذه الآية : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) فقال عليه‌السلام : إنّ الله سبحانه لمّا خلق إبراهيم عليه‌السلام كشف له عن بصره فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش ، فقال : إلهي ، ما هذا النور؟ فقيل له : هذا نور محمّد صفوتي من خلقي ، ورأى نورا إلى جنبه ، فقال : إلهي ، وما هذا النور؟ فقيل له : هذا نور عليّ بن أبي طالب ناصر ديني. ورأى إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال : إلهي ، ما هذه الأنوار؟ فقيل له :

__________________

(١) الصافّات : ١٠.

(٢) كمال الدّين ٢ / ٣٤١ ح ٢٢.

(٣) الصافّات : ٨٣.

٣٩٣

هذا نور فاطمة فطمت محبّيها من النار ، ونور ولديها الحسن والحسين ، ورأى تسعة أنوار قد حفّوا بهم ، فقال : إلهي ، وما هذه الأنوار التسعة؟ قيل : يا إبراهيم هؤلاء الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة. فقال إبراهيم : إلهي ، بحقّ هؤلاء الخمسة إلّا عرّفتني من التسعة؟ قيل : يا إبراهيم ، أوّلهم عليّ بن الحسين وابنه محمّد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه عليّ وابنه محمّد وابنه الحسن والحجّة القائم ابنه. فقال إبراهيم : إلهي وسيّدي أرى أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلّا أنت ، قيل : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب. فقال إبراهيم : وبم تعرف شيعته؟ قال : بصلاة إحدى وخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والقنوت قبل الركوع ، والتختّم في اليمين ، فعند ذلك قال إبراهيم : اللهمّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين ، قال : فأخبر الله في كتابه ، فقال : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ)(١).

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٤٩٦ ح ٩ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ١٥١.

٣٩٤

سورة ص

الآية الاولى قوله عزوجل : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(١).

٧٧٩ ـ روي عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : فاصبر على ما يقولون يا محمّد من تكذيبهم إيّاك ، فإنّي منتقم منهم برجل منك ، وهو قائمي الّذي سلّطته على دماء الظلمة ، واذكر عبدنا داود ... الحديث (٢).

٧٨٠ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن سلام بن المستنير ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يحدّث : إذا قام القائم عرض الإيمان على كلّ ناصب ، فإن دخل فيه بحقيقة وإلّا ضرب عنقه أو يؤدّي الجزية كما يؤدّيها اليوم أهل الذمّة ، ويشدّ على وسطه الهميان ، ويخرجهم من الأمصار إلى السواد (٣).

٧٨١ ـ روى الطبريّ بإسناده عن الحسن بن بشير ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته متى يقوم قائمكم؟ قال عليه‌السلام : يا أبا الجارود لا تدركون. فقلت : أهل زمانه ، فقال : ولن تدرك أهل زمانه ، يقوم قائمنا بالحقّ بعد أياس من الشيعة ، يدعو الناس ثلاثا فلا

__________________

(١) ص : ١٧.

(٢) تأويل الآيات الظاهرة ٢ / ٥٠٣ ح ١.

(٣) الكافي ٨ / ٢٢٧ ح ٢٨٨.

٣٩٥

يجيبه أحد ، فإذا كان يوم الرابع تعلّق بأستار الكعبة ، فقال : يا ربّ انصرني ، ودعوته لا تسقط ، فيقول تبارك وتعالى للملائكة الّذين نصروا رسول الله يوم بدر ولم يحطّوا سروجهم ، ولم يضعوا أسلحتهم ، فيبايعونه ، ثمّ يبايعه من الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، يسير إلى المدينة فيسير الناس حتّى يرضى الله عزوجل ، فيقتل ألفا وخمسمائة قرشي ليس فيهم إلّا فرخ زنية ، ثمّ يدخل المسجد فينقض الحائط حتّى يضعه إلى الأرض ، ثمّ يخرج الأزرق وزريق لعنهما الله غضّين طريّين يكلّمهما فيجيبانه ، ويرتاب عند ذلك المبطلون ، فيقولون : يكلّم الموتى ، فيقتل منهم خمسمائة مرتاب في جوف المسجد ثمّ يحرقهما بالحطب الّذي جمعاه ليحرقا به عليّا وفاطمة والحسن والحسين ، وذلك الحطب عندنا نتوارثه ، ويهدم قصر المدينة ، ويسير إلى الكوفة فيخرج منها ستّة عشر ألفا من البترية شاكّين في السلاح ، قرّاء القرآن ، فقهاء في الدّين ، قد قرحوا جباههم وسمّروا ساماتهم ، وعمّهم النفاق ، وكلّهم يقولون : يا ابن فاطمة ارجع لا حاجة لنا فيك! فيضع السيف فيهم على ظهر النجف عشيّة الاثنين من العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرع من جزر جزور ، فلا يفوت منهم رجل ، ولا يصاب من أصحابه أحد ، دماؤهم قربان إلى الله. ثمّ يدخل الكوفة فيقتل مقاتليها حتّى يرضى الله.

قال : فلم أعقل المعنى ، فمكثت قليلا ثمّ قلت : جعلت فداك وما يدريه متى يرضى الله؟

قال : يا أبا الجارود إنّ الله أوحى إلى امّ موسى وهو خير من امّ موسى ، وأوحى الله إلى النحل وهو خير من النحل ، فعقلت المذهب ، فقال لي : أعقلت المذهب؟ قلت : نعم.

فقال : إنّ القائم ليملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أصحاب الكهف في كهفهم ، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، ويفتح الله عليه شرق الأرض وغربها. يقتل الناس حتّى لا يرى إلّا دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يسير بسيرة سليمان بن داود ، يدعو الشمس والقمر فيجيبانه ، وتطوى له الأرض ، فيوحي الله إليه فيعمل بأمر الله (١).

٧٨٢ ـ روى النعمانيّ بإسناده عن بشير بن أبي أراكة النبّال ـ ولفظ الحديث على رواية

__________________

(١) دلائل الإمامة ٢٤١ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٢٩١.

٣٩٦

ابن عقدة ـ قال : لمّا قدمت المدينة انتهيت إلى منزل أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، فإذا أنا ببغلته مسرجة بالباب ، فجلست حيال الدار ، فخرج فسلّمت عليه فنزل عن البغلة وأقبل نحوي فقال : ممّن الرجل؟ فقلت : من أهل العراق ، قال : من أيّها؟ قلت : من أهل الكوفة ، فقال : من صحبك في هذا الطريق؟ قلت : قوم من المحدثة ، فقال : وما المحدثة؟ قلت : المرجئة ، فقال : ويح هذه المرجئة ، إلى من يلجئون غدا إذا قام قائمنا؟ قلت : إنّهم يقولون : لو قد كان ذلك كنّا وأنتم في العدل سواء ، فقال : من تاب تاب الله عليه ، ومن أسرّ نفاقا فلا يبعد الله غيره ، ومن أظهر شيئا أهرق الله دمه ، ثمّ قال : يذبحهم والّذي نفسي بيده كما يذبح القصّاب شاته ـ وأومأ بيده إلى حلقه ـ قلت : انّهم يقولون : إنّه إذا كان ذلك استقامت له الامور فلا يهريق محجمة دم ، فقال : كلّا والّذي نفسي بيده حتّى نمسح وأنتم العرق والعلق ـ وأومأ بيده إلى جبهته (١).

٧٨٣ ـ روى العلّامة النعمانيّ رحمه‌الله بإسناده عن سدير الصيرفيّ ، عن رجل من أهل الجزيرة كان قد جعل على نفسه نذرا في جارية وجاء بها إلى مكّة ، قال : فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها وجعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلّا قال لي : جئني بها وقد وفي الله نذرك.

فدخلني من ذلك وحشة شديدة ، فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكّة ، فقال لي : تأخذ عنّي؟ فقلت : نعم ، فقال : انظر الرجل الّذي يجلس بحذاء الحجر الأسود وحوله الناس وهو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام ، فأته فأخبره بهذا الأمر فانظر ما يقول لك فاعمل به ، قال : فأتيته فقلت : رحمك الله إنّي رجل من أهل الجزيرة ومعي جارية جعلتها عليّ نذرا لبيت الله يمين كانت عليّ ، وقد أتيت بها وذكرت ذلك للحجبة وأقبلت لا ألقى أحدا إلّا قال جئني بها وقد وفي الله نذرك ، فدخلني من ذلك وحشة شديدة.

فقال : يا عبد الله إنّ البيت لا يأكل ولا يشرب ، فبع جاريتك واستقص وانظر أهل بلادك ممّن حجّ هذا البيت ، فمن عجز منهم عن نفقته فأعطه حتّى يقوى على العود إلى

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ٢٨٣ ح ١.

٣٩٧

بلادهم. ففعلت ذلك ثمّ أقبلت لا ألقى أحدا من الحجبة إلّا قال ما فعلت بالجارية؟ فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفر عليه‌السلام ، فيقولون : هو كذّاب جاهل لا يدري ما يقول ، فذكرت مقالتهم لأبي جعفر عليه‌السلام ، فقال : قد بلغتني فبلّغ عنّي؟ فقلت : نعم.

فقال : قل لهم : قال لكم أبو جعفر : كيف بكم لو قد قطّعت أيديكم وأرجلكم وعلّقت في الكعبة ، ثمّ يقال لكم : نادوا نحن سرّاق الكعبة ، فلمّا ذهبت لأقوم قال : إنّي لست أنا أفعل ذلك ، وإنّما يفعله رجل منّي (١).

٧٨٤ ـ روى النعمانيّ رحمه‌الله بإسناده عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : صالح من الصالحين سمّه لي اريد القائم عليه‌السلام ، فقال : اسمه اسمي ، قلت : أيسير بسيرة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته.

قلت : جعلت فداك لم؟

قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سار في امّته بالمنّ ، كان يتألّف الناس ، والقائم يسير بالقتل ، بذاك امر في الكتاب الّذي معه أن يسير بالقتل ، ولا يستتيب أحدا ، ويل لمن ناواه (٢).

٧٨٥ ـ روى العلّامة ابن شهرآشوب ؛ عن الحسن بن ظريف ، قال :

اختلج في صدري أن أكتب إلى أبي محمّد عليه‌السلام أنّ القائم إذا قام بم يقضي؟ وأين مجلسه للقضاء؟ وأن أسأله عن شيء لحمّى الربع ، فأغفلت عنها ، فجاء الجواب :

«سألت عن القائم إذا قام بالناس بم يقضي؟ يقضي بعلمه كقضاء داود لا يسأل عن بيّنة ، وأردت أن تسأل عن حمّى الربع ، فاكتب في ورقة وعلّقها على المحموم : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)(٣)(٤).

الآية الثانية قوله عزوجل : (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ)(٥).

٧٨٦ ـ وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن وهب بن منبّه رفعه عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه لمّا عرج بي ربّي جلّ جلاله ، أتاني النداء : يا محمّد ، قلت : لبّيك ربّ

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ٢٣٦ ح ٢٥.

(٢) نفس المصدر ٢٣١ ح ١٤.

(٣) الأنبياء : ٦٩.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤ / ٤٣١.

(٥) ص : ٦٩.

٣٩٨

العظمة لبّيك ، فأوحى إليّ : يا محمّد ، فيم اختصم الملأ الأعلى؟ قلت : إلهي لا علم لي ، فقال لي : يا محمّد هل اتّخذت من الآدميّين وزيرا وأخا ووصيّا من بعدك؟ فقلت : إلهي ومن اتّخذ؟ تخيّر أنت لي يا إلهي.

فأوحى إليّ : يا محمّد ، قد اخترت لك من الآدميين عليّ بن أبي طالب.

فقلت : إلهي ، ابن عمّي؟

فأوحى إليّ : يا محمّد ، إنّ عليّا وارثك ووارث العلم من بعدك ، وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة ، وصاحب حوضك ، يسقي من ورد عليه من مؤمني أمّتي. ثمّ أوحى إليّ : إنّي قد أقسمت على نفسي قسما حقّا لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولأهل بيتك وذرّيتك الطيّبين ، حقّا حقّا أقول يا محمّد ، لادخلّن الجنّة جميع امّتك إلّا من أبى.

فقلت : إلهي وأحد يأبى دخول الجنّة؟ فأوحى إليّ : بلى يأبى. قلت : وكيف يأبى؟ فأوحى إليّ : يا محمّد ، قد اخترتك من خلقي واخترت لك وصيّا من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدك ، وألقيت محبّته في قلبك ، وجعلته أبا لولدك ، فحقّه بعدك على امّتك ، كحقّك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقّه جحد حقّك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يدخل الجنّة.

فخررت لله عزوجل ساجدا شكرا لما أنعم عليّ ، فإذا مناد ينادي : يا محمّد ارفع رأسك ، سلني أعطك.

فقلت : إلهي اجمع امّتي من بعدي على ولاية عليّ بن أبي طالب ، ليردوا عليّ حوضي يوم القيامة.

فأوحى إليّ : يا محمّد ، إنّي قد قضيت في عبادي قبل أن أخلقهم ، وقضائي ماض فيهم ، لاهلك به من أشاء ، وأهدي به من أشاء ، وقد آتيته علمك من بعدك ، وجعلته وزيرك وخليفتك من بعدك على أهلك وامّتك ، عزيمة منّي : لا يدخل الجنّة من أبغضه وعاداه وأنكر ولايته من بعدك ، فمن أبغضه أبغضك ، ومن أبغضك أبغضني ، ومن عاداه فقد عاداك ، ومن عاداك فقد عاداني ، ومن أحبّه فقد أحبّك ، ومن أحبّك فقد أحبّني.

وقد جعلت له هذه الفضيلة ، وأعطيتك أن أخرج من صلبه أحد عشر مهديّا كلّهم من

٣٩٩

ذرّيتك ، من البكر البتول ، آخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى ابن مريم ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما ، انجي به من الهلكة ، واهدي به من الضلالة ، وابرئ به الأعمى ، واشفي به المريض.

قلت : إلهي فمتى يكون ذلك؟

فأوحى إليّ عزوجل : يكون ذلك إذا رفع العلم ، وظهر الجهل ، وكثر القرّاء ، وقلّ العمل ، وكثر الفتك ، وقلّ الفقهاء الهادون ، وكثر فقهاء الضلالة الخونة ، وكثر الشعراء ، واتّخذ امّتك قبورهم مساجد ، وحلّيت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وكثر الجور والفساد ، وظهر المنكر ، وأمر امّتك به ، ونهوا عن المعروف ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وصارت الامراء كفرة ، وأولياؤهم فجرة ، وأعوانهم ظلمة ، وذوو الرأي منهم فسقة.

وعند ذلك ثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وخراب البصرة على يدي رجل من ذرّيتك يتبعه الزنوج ، وخروج ولد من ولد الحسين بن عليّ عليهما‌السلام وظهور الدجّال يخرج بالمشرق من سجستان ، وظهور السفيانيّ.

فقلت : إلهي وما يكون بعدي من الفتن؟

فأوحى إليّ وأخبرني ببلاء بني اميّة ، وفتنة ولد عمّي ، وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فأوصيت بذلك ابن عمّي حين هبطت إلى الأرض ، وأدّيت الرسالة ، فلله الحمد على ذلك كما حمده النبيّون وكما حمده كلّ شيء قبلي وما هو خالقه إلى يوم القيامة (١).

الآية الثالثة قوله عزوجل : (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)(٢).

٧٨٧ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ ، قال : سمعت أبا الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ عليهما‌السلام يقول : معنى الرجيم أنّه مرجوم باللعن ، مطرود من مواضع الخير ، لا يذكره مؤمن إلّا لعنه ، وإنّ في علم الله السابق أنّه إذا خرج القائم عليه‌السلام لا يبقى مؤمن في زمانه إلّا رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوما باللعن (٣).

الآية الرابعة قوله تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(٤).

__________________

(١) كمال الدّين ١ / ٢٥٠ ـ ٥٢٥ ح ١.

(٢) ص : ٧٧.

(٣) معاني الأخبار ١٣٩ ح ١.

(٤) ص : ٨٨.

٤٠٠