الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

بن محمّد عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ، قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم‌السلام في الغيبة وصحّة كونها ، فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه‌السلام : ستقع بالسادس من ولدي ، والثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وآخرهم القائم بالحقّ ، بقيّة الله في أرضه ، صاحب الزمان وخليفة الرحمن ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه ، لم يخرج من الدنيا حتّى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما (١).

٥٣٠ ـ روى النعمانيّ بإسناده عن عبد خير ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه يقول : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ ، الأئمّة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك أحد عشر إماما ، وأنت أوّلهم ، وآخرهم اسمه اسمي ، يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما ، يأتيه الرجل والمال كدس ، فيقول : يا مهديّ أعطني ، فيقول : خذ» (٢).

٥٣١ ـ روى الصدوق ؛ بإسناده عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام قال : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني بعدد الأئمّة بعدك. فقال : يا عليّ هم اثنا عشر ، أوّلهم أنت وآخرهم القائم (٣).

٥٣٢ ـ روى محمّد بن سنان الزهريّ ، عن سيّدنا أبي عبد الله جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه الحسين ، عن عمّه الحسن ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : «إذا توالت أربعة أسماء من الأئمّة من ولدي ، محمّد وعليّ والحسن ، فرابعها هو القائم المأمول المنتظر» (٤).

٥٣٣ ـ روى الصدوق ؛ بإسناده عن ثابت بن دينار ، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين ، عن سيّد الشهداء الحسين بن عليّ ، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الأئمّة بعدي اثنا عشر : أوّلهم أنت يا عليّ ، وآخرهم

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) الغيبة للنعمانيّ ٩٢ ح ٢٣ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢٥٩.

(٣) أمالي الصدوق ٥٠٢ المجلس ٩١.

(٤) دلائل الإمامة ٣٣٦.

٢٨١

القائم الّذي يفتح الله عزوجل على يديه مشارق الأرض ومغاربها» (١).

٥٣٤ ـ روى الخزّاز في «كفاية الأثر» بسنده عن الأصبغ ، قال : سمعت الحسن بن عليّ عليهما‌السلام يقول : «الأئمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر ، تسعة من صلب أخي الحسين ، ومنهم مهديّ هذه الامّة» (٢).

٥٣٥ ـ وروي عن سعد بن عبد الله ، بسنده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في خطبة له ، قال :

اللهمّ لا بدّ لأرضك من حجّة على خلقك ، يهديهم إلى دينك ، ويعلّمهم علمك ، لئلّا تبطل حجّتك ، ولا يضلّ أتباع أوليائك ، بعد إذ هديتهم ، ظاهرا وليس بالمطاع ، أو مكتّما مترقّبا إن غاب عن الناس شخصه في حال هدنة ، لم يغب عنهم ، مثبوت علمه فآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم به عاملون (٣).

٥٣٦ ـ روى الثقة الصفّار رحمه‌الله بإسناده عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : والله ما ترك الأرض منذ قبض الله آدم إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله ، وهو حجّة الله على عباده ، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة الله على عباده (٤).

٥٣٧ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن أبي بصير ، عن أحمد بن عمر ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام وأتاه رجل فقال له : انّكم أهل بيت رحمة اختصّكم الله تبارك وتعالى بها ، فقال له : كذلك نحن والحمد لله ، لا ندخل أحدا في ضلالة ، ولا نخرجه من هدى ، إنّ الدنيا لا تذهب حتّى يبعث الله عزوجل رجلا منّا أهل البيت يعمل بكتاب الله ، لا يرى فيكم منكرا إلّا أنكره (٥).

٥٣٨ ـ روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد العلويّ ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن عمر بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، قال : كان يقول صلوات الله عليه :

__________________

(١) كمال الدّين ١ / ٢٨٢ ح ٣٥ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢٢٦.

(٢) كفاية الأثر ٢٢٣ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢٨٣.

(٣) إثبات الوصيّة ٢٢٥.

(٤) بصائر الدرجات ٤٨٥ ح ٤ ؛ بحار الأنوار ٢٣ / ٢٢.

(٥) الكافي ٨ / ٣٩٦ ح ٥٩٧ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٣٧٨.

٢٨٢

ادعوا لي ابني الباقر ، وقلت لابني الباقر ، يا بني الباقر ـ يعني محمّدا ـ فقلت له : يا أبة ولم سمّيته الباقر؟ قال : فتبسّم وما رأيته يتبسّم قبل ذلك ، ثمّ سجد لله تعالى طويلا ، فسمعته يقول في سجوده : اللهمّ لك الحمد سيّدي على ما أنعمت به علينا أهل البيت ، يعيد ذلك مرارا.

ثمّ قال : يا بني ، إنّ الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا عليه‌السلام فيملؤها قسطا وعدلا ، وانّه الإمام أبو الأئمّة ، معدن الحلم وموضع العلم يبقره بقرا ، والله لهو أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قلت : فكم الأئمّة بعده؟

قال : سبعة ، ومنهم المهديّ الّذي يقوم بالدين في آخر الزمان (١).

٥٣٩ ـ روى الشيخ الصدوق عن صالح بن عقبة ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، قال : أتى يهوديّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وسأله عن مسائل ، فكان فيما سأله : أخبرني كم لهذه الامّة من إمام هدى لا يضرّهم من خذلهم؟ قال : اثنا عشر إماما ، قال : صدقت والله ، انّه لبخطّ هارون وإملاء موسى .. الخبر (٢).

٥٤٠ ـ روى الخزّاز ، بإسناده عن علقمة بن محمّد الحضرميّ ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : الأئمّة اثنا عشر ، قلت : يا ابن رسول الله ، فسمّهم لي.

قال عليه‌السلام : من الماضين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ ثمّ أنا.

قلت : فمن بعدك يا ابن رسول الله؟

فقال : إنّي أوصيت إلى ولدي موسى وهو الإمام بعدي.

قلت : فمن بعد موسى؟

قال : عليّ ابنه يدعى الرضا ، يدفن في أرض الغربة من خراسان ، ثمّ بعد عليّ ابنه محمّد ، وبعد محمّد عليّ ابنه ، وبعد عليّ الحسن ابنه ، والمهديّ من ولد الحسن عليه‌السلام.

ثمّ قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) كفاية الأثر ٣٣٧ ؛ الإنصاف ٢٥٤ ح ٢٣٧.

(٢) كمال الدّين ١ / ٣٠٠ و ٣٠١ ح ٨ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٣٧٤.

٢٨٣

يا عليّ ، إنّ قائمنا إذا خرج يجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد رجال بدر ، فإذا حان وقت خروجه يكون له سيف مغمود ، ناداه السيف : قم يا وليّ الله فاقتل أعداء الله (١).

هل يمكن للأمّة اختيار الإمام المعصوم

٥٤١ ـ روى الشيخ الصدوق ؛ بإسناده عن عبد العزيز بن مسلم ، قال : كنّا في أيّام عليّ ابن موسى الرضا عليه‌السلام بمرو ، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة من بدء مقدمنا ، فأداروا أمر الإمام وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيّدي عليه‌السلام فأعلمته خوضان الناس ، فتبسم عليه‌السلام ثمّ قال : يا عبد العزيز بن مسلم ، جهل القوم وخدعوا عن أديانهم ، إنّ الله عزوجل لم يقبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أكمل له الدّين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج اليه الناس كملا ، فقال عزوجل : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(٢) ، وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(٣) ، فأمر الإمامة من تمام الدّين ، ولم يمض عليه‌السلام حتى بيّن لامّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم ، وتركهم على قصد الحق ، وأقام لهم عليّا عليه‌السلام علما وإماما ، وما ترك شيئا تحتاج اليه الأمّة إلّا بيّنه ، فمن زعم أنّ الله عزوجل لم يكمل دينه ، فقد ردّ كتاب الله العزيز ، ومن ردّ كتاب الله عزوجل فهو كافر ، هل تعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الامّة فيجوز فيها اختيارهم؟!

إنّ الإمامة أجلّ قدرا ، وأعظم شأنا ، وأعلى مكانا ، وأمنع جانبا ، وأبعد غورا ، من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماما باختيارهم ، إنّ الإمامة خصّ الله عزوجل بها إبراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره ، فقال عزوجل : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)(٤) فقال الخليل عليه‌السلام سرورا بها (وَمِنْ

__________________

(١) كفاية الأثر ٣٦ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٤٠٩.

(٢) الأنعام : ٣٨.

(٣) المائدة : ٥.

(٤) البقرة ١٢٤.

٢٨٤

ذُرِّيَّتِي)؟ قال الله تبارك وتعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ، ثمّ أكرمها الله عزوجل بأن جعلها في ذرّيته أهل الصفوة والطهارة ، فقال عزوجل (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ* وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ)(١).

فلم يزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا ، حتّى ورثها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الله عزوجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) ، فكانت له خاصّة ، فقلّدها صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام بأمر الله عزوجل على رسم ما فرضها الله عزوجل ، فصارت في ذرّيته الأصفياء الّذين آتاهم الله العلم والإيمان لقوله عزوجل (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٣) فهي في ولد عليّ عليه‌السلام خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟

إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الاوصياء.

إنّ الإمامة خلافة الله تعالى وخلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومقام أمير المؤمنين ، وميراث الحسن والحسين عليهم‌السلام.

إنّ الإمامة زمام الدّين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزّ المؤمنين.

إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي ، وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف.

الإمام : يحلّ حلال الله ، ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة.

الإمام : كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.

__________________

(١) الأنبياء : ٧٣ و ٧٤.

(٢) آل عمران : ٦٨.

(٣) الروم : ٥٦.

٢٨٥

الإمام : البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى ، والبلد القفار ، ولجج البحار.

الإمام : الماء العذب على الظماء ، والدالّ على الهدى ، والمنجي من الرّدى.

الإمام : النار على اليفاع ، الحارّ لمن اصطلى به ، والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك.

الإمام : السحاب الماطر ، والغيث الهاطل ، والشمس المضيئة والسماء الظليلة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير والروضة.

الإمام : الأمين الرفيق ، والوالد الشقيق ، والأخ الشفيق ، ومفزع العباد في الداهية.

الإمام : أمين الله عزوجل في خلقه ، وحجّته على عباده ، وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله عزوجل ، والذابّ عن حرم الله عزوجل.

الإمام : هو المطهّر من الذنوب ، المبرّأ من العيوب ، مخصوص بالعلم ، موسوم بالحلم ، نظام الدّين ، وعزّ المسلمين ، وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين.

الإمام : واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضّل الوهّاب ، فمن ذا الّذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟!

هيهات هيهات ، ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وحسرت العيون ، وتصاغرت العظماء ، وتحيّرت الحكماء ، وحصرت الخطباء ، وتقاصرت الحلماء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله ، فأقرّت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم شيء من أمره ، أو يقوم أحد مقامه ، أو يغني غناه ، لا وكيف وأنّى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ، ووصف الواصفين.

فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟

ظنّوا أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كذّبتهم والله أنفسهم ومنّتهم الباطل ، فارتقوا مرتقا صعبا دحضا تزلّ عنه الى الحضيض أقدامهم ، وراموا إقامة الإمام بعقول حائرة ناقصة وآراء مضلّة ، فلم يزدادوا منه إلّا بعدا ، قاتلهم الله أنّى يؤفكون.

٢٨٦

لقد راموا صعبا ، وقالوا إفكا ، وضلّوا ضلالا بعيدا ، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة ، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله الى اختيارهم ، والقرآن يناديهم : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(١). وقال عزوجل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(٢). وقال عزوجل : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ* أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ* سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ* أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ)(٣). وقال عزوجل : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٤) أم (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٥). أم (قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٦). أم (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا)(٧) بل هو بفضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم.

فكيف لهم باختيار الإمام ، والإمام عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة. والنسك والزهادة ، والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرّسول ، وهو نسل المطهّرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ، ولا يدانيه دنس ، له المنزلة الأعلى لا يبلغها ذو حسب ، في البيت من قريش ، والذروة من هاشم ، والعترة من آل الرّسول ، والرّضى من الله عزوجل ، شرف الأشراف ، والفرع من آل عبد مناف ، نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله عزوجل.

إنّ الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عزوجل : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُ

__________________

(١) القصص : ٦٨.

(٢) الأحزاب : ٣٦.

(٣) القلم : ٣٧ ـ ٤٢.

(٤) محمّد : ٢٤.

(٥) التوبة : ٩٣.

(٦) الأنفال : ٢١ ـ ٢٣.

(٧) البقرة : ٩٣.

٢٨٧

أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(١). وقوله عزوجل : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢).

وقوله عزوجل في طالوت : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٣).

وقال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)(٤).

وقال عزوجل في الأئمّة من أهل بيته وعترته وذرّيته صلوات الله عليهم أجمعين (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً* فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً)(٥).

إنّ العبد إذا اختاره الله تعالى لأمور عباده يشرح لذلك صدره ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاما ، فلم يعي بعده بجواب ، ولا يحير فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيد ، موفّق ، مسدّد ، قد أمن الخطأ والزلل والعثار ، يخصّه الله تعالى بذلك ليكون حجّته البالغة على عباده ، وشاهده على خلقه ، (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(٦).

فهل يقدرون على مثل هذا فيختاروه؟ أو يكون خيارهم بهذه الصفة فيقدّموه؟

تعدّوا وبيت الله الحقّ ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون ، وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتّبعوا أهواءهم ، فذمّهم الله ومقتهم وأتعسهم. فقال عزوجل : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٧).

وقال عزوجل : (فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ)(٨).

وقال : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(٩).

الآية الرابعة قوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ

__________________

(١) يونس : ٣٥.

(٢) البقرة : ٢٦٩.

(٣) البقرة : ٢٤٧.

(٤) النساء : ١١٣.

(٥) النساء : ٥٣ و ٥٤.

(٦) الحديد : ٢١ ؛ الجمعة : ٤.

(٧) القصص : ٥٠.

(٨) محمّد : ٨.

(٩) غافر : ٣٥.

٢٨٨

رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ)(١).

في المهديّ عليه‌السلام سنّة من أيّوب عليه‌السلام

٥٤٢ ـ روى مسعدة بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول : خطب الناس أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أنا سيّد الشيب وفيّ سنّة من أيّوب ، وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب شمله ، وذلك إذا استدار الفلك ، وقلتم ضلّ أو هلك ، ألا فاستشعروا قبلها بالصبر ، وبوءوا إلى الله بالذنب ، فقد نبذتم قدسكم ، وأطفأتم مصابيحكم ، وقلّدتم هدايتكم من لا يملك لنفسه ولا لكم سمعا ولا بصرا ، ضعف ـ والله ـ الطالب والمطلوب ، هذا ، ولو لم تتواكلوا أمركم ، ولم تتخاذلوا عن نصرة الحقّ بينكم ، ولم تهنوا عن توهين الباطل ، لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم ، ولم يقو من قوي عليكم ، وعلى هضم الطاعة وإذوائها عن أهلها فيكم ، تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى ، وبحقّ أقول : ليضعفنّ عليكم التيه من بعدي باضطهادكم ولدي ضعف ما تاهت بنو إسرائيل ، فلو قد استكملتم نهلا ، وامتلأتم عللا عن سلطان الشجرة الملعونة في القرآن ، لقد اجتمعتم على ناعق ضلال ، ولأجبتم الباطل ركضا ، ثمّ لغادرتم داعي الحقّ ، وقطعتم الأدنى من أهل بدر ، ووصلتم الأبعد من أبناء الحرب ، ألا ولو ذاب ما في أيديهم ، لقد دنى التمحيص للجزاء وكشف الغطاء ، وانقضت المدّة ، وأزف الوعد ، وبدا لكم النجم من قبل المشرق ، وأشرق لكم قمركم كملء شهره وكليلة تمّ ، فإذا استبان ذلك فراجعوا التوبة وخالعوا الحوبة ، وأعلموا أنّكم إن أطعتم طالع المشرق ، سلك بكم منهاج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتداريتم من الصمم ، واستشفيتم من البكم ، وكفيتم مئونة التعسّف والطلب ، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ، فلا يبعد الله إلّا من أبى الرحمة وفارق العصمة ، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون (٢).

الآية الخامسة قوله عزوجل : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)(٣).

__________________

(١) الأنبياء : ٨٤.

(٢) بحار الأنوار ٥١ / ١١١.

(٣) الأنبياء : ٩٥.

٢٨٩

إثبات الرجعة في عهد المهديّ عليه‌السلام

٥٤٣ ـ روى النعمانيّ رحمه‌الله بالإسناد عن إسماعيل بن جابر ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر ابن محمّد الصادق عليه‌السلام (في حديث طويل عن أنواع آيات القرآن يبلغ نحو ١٢٨ صفحة روى فيه الإمام الصادق عليه‌السلام مجموعة أسئلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام عن آيات القرآن وأحكامه ، جاء فيه) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وأمّا الردّ على من أنكر الرجعة ، فقول الله عزوجل : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي إلى الدنيا ، وأمّا معنى حشر الآخرة ، فقوله عزوجل : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) وقوله سبحانه : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) في الرجعة ، فأمّا في القيامة فإنّهم يرجعون.

ومثله ما خاطب الله به الأئمّة ، ووعدهم من النصر والانتقام من أعدائهم ، فقال سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(١) وهذا إنّما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا.

ومثل قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(٢) وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(٣) أي رجعة الدنيا.

ومثله قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ)(٤) وقوله عزوجل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا)(٥) فردّهم الله بعد الموت إلى الدنيا (٦).

الآية السادسة قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(٧).

__________________

(١) النور : ٥٥.

(٢) القصص : ٥.

(٣) القصص : ٨٥.

(٤) البقرة : ٢٤٣.

(٥) الأعراف : ١٥٥.

(٦) تفسير النعمانيّ (المحكم والمتشابه) ٣ ، والمتن في ص ١١٢.

(٧) الأنبياء : ١٠٥.

٢٩٠

المهديّ عليه‌السلام وأصحابه يرثون الأرض

٥٤٤ ـ عليّ بن إبراهيم في تفسيره المنسوب إلى الصادق عليه‌السلام في معنى الآية ، قال ، قال : الكتب كلّها ذكر الله ، (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) قال : القائم عليه‌السلام وأصحابه (١).

٥٤٥ ـ روى محمّد بن العبّاس بإسناده عن الحسين بن محمّد بن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قوله عزوجل : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) هم أصحاب المهديّ عليه‌السلام آخر الزمان (٢).

٥٤٦ ـ روى عليّ بن إبراهيم القمّي ؛ في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ) ـ إلى قوله : (الْمُبِينُ) قال : أعطى داود وسليمان ما لم يعط أحدا من أنبياء الله من الآيات ، علّمهما منطق الطير ، وألان لهما الحديد والصفر من غير نار ، وجعلت الجبال يسبّحن مع داود ، وأنزل الله عليه الزبور فيه توحيد وتمجيد ودعاء وأخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، والأئمّة عليهم‌السلام ، من ذرّيتهما عليهما‌السلام ، وأخبار الرجعة ، والقائم عليه‌السلام لقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(٣).

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ / ٧٧ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٤٧.

(٢) تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٣٣٢ ح ٢٢.

(٣) تفسير القمّي ٢ / ١٢٦ ؛ تفسير نور الثقلين ٣ / ٤٦٤ ح ١٩٠.

٢٩١

سورة الحجّ

الآية الاولى قوله عزوجل : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ)(١).

٥٤٧ ـ وبالإسناد عن الحكم بن سالم ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إنّا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله ، قلنا : صدق الله ، وقالوا : كذب الله. قاتل أبو سفيان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقاتل معاوية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن عليّ عليه‌السلام ، والسفيانيّ يقاتل القائم عليه‌السلام (٢).

الآية الثانية قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(٣).

٥٤٨ ـ محمّد بن العبّاس ، بإسناده عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قال : في القائم عليه‌السلام وأصحابه (٤).

٥٤٩ ـ عليّ بن إبراهيم ، قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي

__________________

(١) الحجّ : ١٩.

(٢) بحار الأنوار ٥٢ / ١٩٠.

(٣) الحجّ : ٣٩.

(٤) تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٣٣٨ ح ١٦ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٥٨.

٢٩٢

عبد الله عليه‌السلام ، في قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) قال : إنّ العامّة يقولون : نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أخرجته قريش من مكّة ، وإنّما هو القائم عليه‌السلام إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه‌السلام ، وهو قوله : نحن أولياؤكم في الدم وطلب الدية (١).

٥٥٠ ـ روى ابن شهرآشوب ؛ عن مقاتل ، عن زين العابدين ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : إنّ امرأة ملك بني إسرائيل كبرت وأرادت أن تزوّج بنتها منه للملك ، فاستشار الملك يحيى بن زكريّا فنهاه عن ذلك ، فعرفت المرأة ذلك وزيّنت بنتها وبعثتها إلى الملك ، فذهبت ولعبت بين يديه ، فقال لها الملك : ما حاجتك؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا ، فقال الملك : يا بنيّة حاجة غير هذه ، قالت : ما اريد غيره. وكان الملك إذا كذب فيهم عزل من ملكه ، فخيّر بين ملكه وبين قتل يحيى فقتله ، ثمّ بعث برأسه إليها في طشت من ذهب ، فأمرت الأرض فأخذتها ، وسلّط الله عليهم بخت نصّر فجعل يرمي عليهم بالمناجيق ولا تعمل شيئا ، فخرجت عليه عجوز من المدينة ، فقالت : أيّها الملك إنّ هذه مدينة الأنبياء لا تنفتح إلّا بما أدلّك عليه ، قال : لك ما سألت ، قالت : ارمها بالخبث والعذرة ، ففعل فتقطّعت فدخلها ، فقال : عليّ بالعجوز ، فقال لها : ما حاجتك؟ قالت : في المدينة دم يغلي ، فاقتل عليه حتّى يسكن ، فقتل عليه سبعين ألفا حتّى سكن.

يا ولدي ، يا عليّ ، والله لا يسكن دمي حتّى يبعث الله المهديّ ، فيقتل على دمي من المنافقين الكفرة الفسقة سبعين ألفا (٢).

٥٥١ ـ روى الشيخ الصدوق بإسناده عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثماليّ ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام : يا ابن رسول الله لم سمّي عليّ أمير المؤمنين وهو اسم ما سمّي به أحد قبله ولا يحل لأحد بعده؟ قال : لأنّه ميرة العلم يمتار منه ولا يمتار من أحد غيره ، قال : فقلت : يا ابن رسول الله فلم سمّي سيفه ذا الفقار؟ فقال عليه‌السلام : لأنّه ما ضرب به أحدا من خلق الله إلّا أفقره من هذه الدنيا من أهله وولده ، وأفقره في الآخرة من الجنّة.

قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، فلستم كلّكم قائمين بالحقّ؟ قال : بلى ، قلت : فلم سمّي القائم قائما؟

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ / ٨٤ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٤٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ / ٨٥ ؛ بحار الأنوار ٤٥ / ٢٩٩.

٢٩٣

قال : لمّا قتل جدّي الحسين عليه‌السلام ، ضجّت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا : إلهنا وسيّدنا ، أتغفل عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحى الله عزوجل إليهم : قرّوا ملائكتي ، فو عزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين. ثمّ كشف الله عزوجل عن الأئمّة من ولد الحسين عليه‌السلام للملائكة ، فسرّت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلّي ، فقال الله عزوجل : بذلك القائم أنتقم منهم (١).

٥٥٢ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن رزين ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لمّا ضرب الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، ثمّ ابتدر ليقطع رأسه ، نادى مناد من بطنان العرش : ألا أيّتها الامّة المتحيّرة الضالّة بعد نبيّها ، لا وفّقكم الله لأضحى ولا لفطر. قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : فلا جرم ـ والله ـ ما وفّقوا ولا يوفّقون حتّى يثأر ثائر الحسين عليه‌السلام (٢).

٥٥٣ ـ روي بالإسناد عن الحلبيّ ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لمّا قتل الحسين عليه‌السلام سمع أهلنا قائلا يقول بالمدينة : اليوم نزل البلاء على هذه الامّة ، فلا ترون فرحا حتّى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوّكم وينال بالوتر أوتارا (٣).

٥٥٤ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن محمّد بن حمران ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لمّا كان من أمر الحسين عليه‌السلام ما كان ، ضجّت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت : يفعل هذا بالحسين صفيّك وابن نبيّك؟ قال : فأقام الله لهم ظلّ القائم عليه‌السلام وقال : بهذا أنتقم لهذا (٤).

٥٥٥ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ ، عن كرام ، قال : حلفت فيما بيني وبين نفسي ألّا آكل طعاما بنهار أبدا حتّى يقوم قائم آل محمّد ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ قال : فقلت له : رجل من شيعتكم جعل الله عليه ألّا يأكل طعاما بنهار أبدا حتّى يقوم قائم آل محمّد ، قال عليه‌السلام : فصمّ ـ إذا ـ يا كرام ولا تصم العيدين ولا ثلاثة التشريق ولا إذا كنت مسافرا ولا مريضا ، فإنّ الحسين عليه‌السلام لمّا قتل عجّت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة ، فقالوا : يا ربّنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتى

__________________

(١) علل الشرائع ١٦٠ ح ١ ؛ بحار الأنوار ٣٧ / ٢٩٤.

(٢) الكافي ٤ / ١٧٠ ح ٣ ؛ بحار الأنوار ٩١ / ١٣٤.

(٣) كامل الزيارات ٣٣٦ ح ١٤ ؛ بحار الأنوار ٤٥ / ١٧٢.

(٤) الكافي ١ / ٤٦٥ ح ٦ ؛ أمالي الطوسي ٢ / ٣٣.

٢٩٤

نجدّهم عن جديد الأرض بما استحلّوا حرمتك وقتلوا صفوتك ، فأوحى الله إليهم : يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي اسكنوا ، ثمّ كشف حجابا من الحجب فإذا خلفه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله واثنا عشر وصيّا له عليهم‌السلام ، وأخذ بيد فلان القائم من بينهم ، فقال : يا ملائكتي ويا سماواتي ويا أرضي ، بهذا أنتصر لهذا ـ قالها ثلاث مرّات ـ (١).

الآية الثالثة قوله تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ)(٢).

٥٥٦ ـ روى محمّد بن العبّاس بإسناده عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) قال : هذه لآل محمّد ، المهديّ عليه‌السلام وأصحابه يملّكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ، ويظهر الدّين ، ويميت الله عزوجل به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهة الحقّ ، حتّى لا يرى أثر من الظلم ، (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ولله عاقبة الامور (٣).

٥٥٧ ـ روى الحاكم الحسكانيّ في «شواهد التنزيل» بإسناده عن زيد بن عليّ ، قال : إذا قام القائم من آل محمّد ، يقول : يا أيّها الناس نحن الّذين وعدكم الله في كتابه : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ)(٤) الآية.

الآية الرابعة قوله عزوجل : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ)(٥).

٥٥٨ ـ روى عليّ بن إبراهيم القمّي ؛ في قوله تعالى : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) ، قال :

هو مثل لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قوله : «بئر معطّلة» هي الّتي لا يستسقى منها ، وهو الإمام الّذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم ، «والقصر المشيد» هو المرتفع ، وهو مثل لأمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة وفضائلهم المشرّفة على الدنيا ، وهو قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ).

وقال الشاعر في ذلك :

__________________

(١) الكافي ١ / ٥٣٤ ح ١٩ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٤٠٢.

(٢) الحجّ : ٤١.

(٣) تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٣٤٣ ح ٢٥ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ١٦٥.

(٤) شواهد التنزيل ١ / ٤٠٠ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٣٧٣.

(٥) الحجّ : ٤٥.

٢٩٥

بئر معطّلة وقصر مشرف

مثل لآل محمّد مستطرف

فالقصر مجدهم الّذي لا يرتقى

والبئر علمهم الّذي لا ينزف (١)

الآية الخامسة قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ)(٢).

٥٥٩ ـ في تفسير عليّ بن إبراهيم رحمه‌الله في قوله تعالى : (وَمَنْ عاقَبَ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) يعني حين أرادوا أن يقتلوه ، (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) بالقائم من ولده عليه‌السلام (٣).

٥٦٠ ـ قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره : فهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أخرجته قريش من مكّة وهرب منهم إلى الغار ، وطلبوه ليقتلوه فعاقبهم الله يوم بدر فقتل عتبة وشيبة والوليد وأبا جهل وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم ، فلمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طلب بدمائهم ، فقتل الحسين عليه‌السلام وآل محمّد بغيا وعدوانا ، وهو قول يزيد حين تمثّل بهذا الشعر :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

وقال الشاعر في مثل ذلك :

وكذاك الشيخ أوصاني به

فاتّبعت الشيخ فيما قد سأل

وقال يزيد أيضا :

يقول والرأس مطروح يقلّبه :

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر

حتّى يقيسوا قياسا لا يقاس به

أيّام بدر لكان الوزن بالقدر (٤)

الآية السادسة قوله تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ

__________________

(١) تفسير القمّي ٢ / ٨٥ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ١٠١.

(٢) الحجّ : ٦٠.

(٣) تفسير القمّي ٢ / ٨٧ ؛ تفسير الصافي ٣ / ٣٨٨.

(٤) تفسير القمّي ٢ / ٨٧ ؛ المحجّة ١٤٤.

٢٩٦

لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(١).

المهديّ عليه‌السلام أمان لأهل الأرض

٥٦١ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهم‌السلام ، قال : نحن أئمّة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الّذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة ، وتخرج بركات الأرض ، ولو لا في الأرض لساخت بأهلها.

ثمّ قال : ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله.

قال سليمان : فقلت للصادق عليه‌السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟

قال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب (٢).

__________________

(١) الحجّ : ٦٥.

(٢) كمال الدّين ١ / ٢٠٧ ح ٢٢ ؛ بحار الأنوار ٢٣ / ٥.

٢٩٧

سورة المؤمنون

الآية الاولى قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ)(١).

٥٦٢ ـ روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ بإسناده عن جهم بن أبي جهمة ، قال : سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : إنّ الله تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، ثمّ خلق الأبدان بعد ذلك ، فما تعارف منها في السماء تعارف في الأرض ، وما تناكر منها في السماء تناكر في الأرض ، فإذا قام القائم عليه‌السلام ورّث الأخ في الدّين ولم يورّث الأخ في الولادة ، وذلك قول الله عزوجل في كتابه : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ)(٢).

__________________

(١) المؤمنون : ١٠١.

(٢) دلائل الإمامة ٢٦٠ ؛ تفسير البرهان ٣ / ١٢٠ ح ٦.

٢٩٨

سورة النور

الآية الاولى قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)(١).

٥٦٣ ـ روي عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، قال : دخلت إلى مسجد الكوفة وأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يكتب باصبعه ويتبسّم ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ما الّذي يضحكك؟ فقال : عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حقّ معرفتها. فقلت له : وأيّ آية يا أمير المؤمنين؟ فقال :

قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) المشكاة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، (فِيها مِصْباحٌ) أنا المصباح ، (فِي زُجاجَةٍ) الزجاجة الحسن والحسين ، (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) وهو عليّ بن الحسين ، (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) محمّد بن عليّ ، (زَيْتُونَةٍ) جعفر بن محمّد (لا شَرْقِيَّةٍ) موسى بن جعفر (وَلا غَرْبِيَّةٍ) عليّ بن موسى الرضا (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) محمّد بن عليّ (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) عليّ بن محمّد ، (نُورٌ عَلى نُورٍ) الحسن بن عليّ (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) القائم المهديّ عليه‌السلام ، (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢).

__________________

(١) النور : ٣٥.

(٢) المحجّة ١٤٧.

٢٩٩

٥٦٤ ـ الصدوق بإسناد متّصل إلى عيسى بن راشد ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) ، قال : المشكاة نور العلم في صدر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) والزجاجة صدر عليّ عليه‌السلام ، صار علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صدر عليّ عليه‌السلام ، علّم النبيّ عليا صلوات الله عليهما علمه (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) قال : نور (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لا يهوديّة ولا نصرانيّة (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) ، قال : يكاد العالم من آل محمّد يتكلّم بالعلم قبل أن يسأل (نُورٌ عَلى نُورٍ) يعني إماما مؤيّدا بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمّد ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة. فهؤلاء الأوصياء الّذين جعلهم الله خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه ، لا تخلو الأرض في كلّ عصر من واحد منهم (١).

٥٦٥ ـ روى النعمانيّ رحمه‌الله في كتابه في تفسير القرآن بإسناده عن إسماعيل بن جابر ، قال :

سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام يقول في حديث طويل عن أنواع آيات القرآن روى فيه عليه‌السلام مجموعة أجوبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام عن آيات القرآن وأحكامه ، وسألوه صلوات الله عليه عن أقسام النور في القرآن ، فقال عليه‌السلام : النور : القرآن ، والنور اسم من أسماء الله تعالى ، والنور التوراة ، والنور ضوء القمر ، والنور ضوء المؤمن وهو الموالاة الّتي يلبس بها نورا يوم القيامة ، والنور في مواضع من التوراة والإنجيل والقرآن حجّة الله على عباده ، وهو المعصوم ... فقال تعالى : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٢) فالنور في هذا الموضع هو القرآن ، ومثله في سورة التغابن قوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا)(٣) يعني سبحانه [بالنور] القرآن وجميع الأوصياء المعصومين من حملة كتاب الله تعالى وخزّانه وتراجمته ، الّذين نعتهم الله في كتابه فقال : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا)(٤) فهم المنعوتون الّذين أنار الله بهم البلاد ، وهدى بهم العباد ، قال الله تعالى في سورة النور : (اللهُ

__________________

(١) التوحيد ١٥٨ ح ٤ ؛ تفسير نور الثّقلين ٣ / ٦٠٤ ح ١٧٤.

(٢) الأعراف : ١٥٧.

(٣) التغابن : ٨.

(٤) آل عمران : ٧.

٣٠٠