سعيد أبو معاش
المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣
الحمار ، وهي الآيات الّتي يقول الله تبارك وتعالى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ويظهر السفياني ومن معه.
ـ وقد تقدّم الحديث بكامله مع مصادره في البقرة ـ ١٤٨.
الآية الرابعة قوله عزوجل : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا* فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا* وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)(١).
شبه غيبة المهديّ عليهالسلام بغيبة إبراهيم عليهالسلام في اعتزاله
٤٩٤ ـ روى الصدوق بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : كان أبو إبراهيم عليهالسلام منجّما لنمرود بن كنعان ، وكان نمرود لا يصدر إلّا عن رأيه ، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال : لقد رأيت في ليلتي هذه عجبا ، فقال له نمرود : وما هو؟ فقال : رأيت مولودا يولد في أرضنا هذه فيكون هلاكنا على يديه ، ولا يلبث إلّا قليلا حتّى يحمل به ، فعجب من ذلك نمرود وقال له : هل حملت به النساء؟ فقال : لا ، وكان فيما أوتي به من العلم أنّه سيحرق بالنار ، ولم يكن اوتي أنّ الله تعالى سينجّيه.
قال : فحجب النساء عن الرجال ، فلم يترك امرأة إلّا جعلت بالمدينة حتّى لا يخلص إليهنّ الرجال ، قال : ووقع أبو إبراهيم على امرأته فحملت به وظنّ أنّه صاحبه ، فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شيء إلّا علمن به ، فنظرن إلى أمّ إبراهيم ، فألزم الله تعالى ذكره ما في الرحم الظهر ، فقلن : ما نرى شيئا في بطنها ، فلمّا وضعت امّ إبراهيم به ، أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود ، فقالت له امرأته : لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله ، دعني أذهب به إلى بعض الغيران أجعله فيه حتّى يأتي عليه أجله ولا يكون أنت تقتل ابنك ، فقال لها : فاذهبي به ، فذهبت به إلى غار ، ثمّ أرضعته ، ثمّ جعلت على باب الغار صخرة ، ثمّ انصرفت عنه ، فجعل الله عزوجل رزقه في إبهامه ، فجعل يمصّها فيشرب لبنا ، وجعل يشبّ في اليوم كما يشبّ غيره في الجمعة ويشبّ في الجمعة ، كما يشبّ غيره في الشهر ، ويشبّ
__________________
(١) مريم : ٤٩ ـ ٥١.
في الشهر كما يشبّ غيره في السنة ، فمكث ما شاء الله أن يمكث.
ثمّ إنّ امّه قالت لأبيه : لو أذنت لي حتّى أذهب إلى ذلك الصبي فأراه فعلت ، قال : فافعلي ، فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم عليهالسلام ، وإذا عيناه تزهران كأنّهما سراجان ، فأخذته وضمّته إلى صدرها وأرضعته ثمّ انصرفت عنه ، فسألها أبوه عن الصبي ، فقالت له : قد واريته في التراب ، فمكثت تعتلّ وتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم عليهالسلام فتضمّه إليها وترضعه ثمّ تنصرف ، فلمّا تحرّك أتته امّه كما كانت تأتيه ، وصنعت كما كانت تصنع ، فلمّا أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له : ما لك؟ فقال لها : اذهبي بي معك ، فقالت له : حتّى أستأمر أباك (١).
كلام الشيخ الصدوق
قال الشيخ الصدوق : وأمّا غيبة إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه ، فانّها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه ، بل هي أعجب منها ، لأنّ الله عزوجل غيّب أثر إبراهيم عليهالسلام وهو في بطن امّه ، حتّى حوّله عزوجل بقدرته من بطنها إلى ظهرها ، ثمّ أخفى أمر ولادته إلى وقت بلوغ الكتاب أجله.
فلم يزل إبراهيم عليهالسلام في الغيبة مخفيا لشخصه ، كاتما لأمره ، حتّى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه.
ثمّ غاب عليهالسلام الغيبة الثانية ، وذلك حين نفاه الطاغوت عن مصر ، فقال : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) قال الله عزوجل : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا* وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) يعني به عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، لأنّ إبراهيم قد كان دعا الله عزوجل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين ، فجعل الله تبارك وتعالى له ولإسحاق ويعقوب لسان صدق عليّا ، فأخبر عليّ عليهالسلام بأنّ القائم هو الحادي عشر من ولده وأنّه المهديّ الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، وأنّه تكون له
__________________
(١) كمال الدّين ١ / ١٣٨ ـ ١٣٩. وتتمة الحديث في الكافي ٨ / ٥٥٨.
غيبة وحيرة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ، وأنّ هذا كائن كما أنّه مخلوق.
وأخبر عليهالسلام في حديث كميل بن زياد النخعيّ : «إنّ الأرض لا تخلو من قائم بحجّة ، امّا ظاهر مشهور أو خاف مغمور ، لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته ، ولإبراهيم عليهالسلام غيبة اخرى سار فيها في البلاد وحده للاعتبار. (١)
الآية الخامسة قوله تعالى : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ)(٢).
٤٩٥ ـ روى محمّد بن يعقوب ؛ بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)(٣) قال :
كان رسول الله صلىاللهعليهوآله دعا قريشا إلى ولايتنا فنفروا وأنكروا : (فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من قريش (لِلَّذِينَ آمَنُوا) والّذين أقرّوا لأمير المؤمنين ولنا أهل البيت (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) تعييرا منهم.
فقال الله عزوجل ردّا عليهم : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) من الامم السالفة (هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً)(٤).
قلت : قوله : (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا)(٥) قال : كلّهم كانوا في الضلالة لا يؤمنون بولاية أمير المؤمنين عليهالسلام ولا بولايتنا ، فكانوا ضالّين مضلّين ، فيمدّ لهم في ضلالتهم وطغيانهم حتّى يموتوا ، فيصيّرهم الله شرّا مكانا وأضعف جندا.
قلت : قوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) قال : فهو خروج القائم عليهالسلام ، وهو الساعة ، فسيعلمون ذلك اليوم وما نزل بهم من الله على يدي وليّه ، فذلك قوله : (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) يعني عند القائم ـ (وَأَضْعَفُ جُنْداً).
قلت : قوله : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)؟.
قال : يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتّباعهم القائم عليهالسلام حيث لا يجحدونه ولا
__________________
(١) كمال الدّين ١ / ١٣٩.
(٢) مريم : ٧٥.
(٣) مريم : ٧٣.
(٤) مريم : ٧٤.
(٥) مريم : ٧٥.
ينكرونه ... الحديث (١).
٤٩٦ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث له قال فيه ، قلت : قوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً).
قال : امّا قوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) فهو خروج القائم وهو الساعة ، فسيعلمون ذلك اليوم وما نزل بهم من الله على يدي القائم ، فذلك قوله : (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) يعني عند القائم (وَأَضْعَفُ جُنْداً) .. الحديث (٢).
الآية السادسة قوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)(٣).
٤٩٧ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث له ، قال : قلت : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) قال : يزيدهم ذلك اليوم هدى على هدى باتّباعهم القائم حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه .. الحديث (٤).
٤٩٨ ـ وروى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليهالسلام ، قال : في حديث طويل جاء فيه : قلت : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً)(٥) قال : يعني بذلك القائم وأنصاره (٦).
__________________
(١) الكافي ١ / ٤٣١ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ٣٣٢.
(٢) الكافي ١ / ٤٣١ ؛ تفسير البرهان ٣ / ٢٠.
(٣) مريم : ٧٦.
(٤) بحار الأنوار ٢٤ / ٣٣٣ ؛ تفسير البرهان ٣ / ٢١.
(٥) الجنّ : ٢٤.
(٦) الكافي ١ / ٤٣٢ ح ٩١ ؛ تفسير الصافي ٥ / ٢٣٨.
سورة طه
قوله تعالى : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي)(١).
شباهة مولد الحجّة بخفاء مولد موسى عليهماالسلام
٤٩٩ ـ روى الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ الطوسيّ المعروف بابن حمزة بإسناده عن حكيمة بنت محمّد عليهالسلام ـ في حديث طويل ـ قالت : دخلت على أبي محمّد صلوات الله عليه ، فلمّا أردت الانصراف ، قال : بيّتي الليلة عندنا ، فإنّه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزوجل ، الّذي يحيي الله عزوجل به الأرض بعد موتها ، قلت : ممّن يا سيّدي ، ولست أرى بنرجس شيئا من الحمل؟
قال : من نرجس ، لا من غيرها.
قالت : فقمت إليها ، فقلّبتها ظهرا وبطنا ، فلم أر بها أثر حبل ، فعدت إليه ، فأخبرته بما فعلته ، فتبسّم ، ثمّ قال : إذا كان وقت الفجر يظهر بها الحبل ، لأنّ مثلها مثل امّ موسى لم يظهر بها الحبل ، ولم يعلم به أحد إلى وقت ولادتها ، لأنّ فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في
__________________
(١) طه : ٣٩.
طلب موسى ، وهذا نظير موسى صلوات الله عليهما.
قالت حكيمة : فعدت إليها وأخبرتها ، قالت : وسألتها عن حالها ، فقالت : يا مولاتي ، ما أرى بي شيئا من هذا.
قالت حكيمة : فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر ، وهي نائمة بين يدي تتقلّب جنبا إلى جنب ، حتّى إذا كان آخر الليل ، وقت طلوع الفجر ، وثبت فزعة ، فضممتها إلى صدري ، وسميّت عليها ، فقلت لها : ما حالك؟ قالت : ظهر لي الأمر الّذي أخبرك مولاي.
فصاح أبو محمّد عليهالسلام : اقرئي عليها (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فأقبلت أقرأ عليها ، كما أمرني ، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ بمثل ما أقرأ ، وسلّم عليّ.
قالت حكيمة : ففزعت لمّا سمعت ، فصاح بي أبو محمّد صلوات الله عليه : لا تعجبي من أمر الله ، إنّ الله ينطقنا بالحكمة صغارا ، ويجعلنا حججا في أرضه كبارا ، فلم يستتمّ الكلام حتّى غيّبت عنّي نرجس ، فلم أرها ، كأنّما ضرب بيني وبينها حجاب ، فعدوت نحو أبي محمّد صلوات الله عليه وأنا صارخة ، فقال لي : ارجعي يا عمّة فإنّك ستجدينها في مكانها.
قالت : فرجعت ، فلم ألبث حتّى انكشف الغطاء الّذي بيني وبينها ، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري ، وإذا بالصبي ساجد بوجهه ، جاث على ركبتيه ، رافع سبّابتيه نحو السماء وهو يقول :
«أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنّ أبي أمير المؤمنين» ثمّ عدّ إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه ، ثمّ صلّى عليهم ، ثمّ قال صلوات الله عليه : «اللهمّ أنجز لي ما وعدتني ، وتمّم لي أمري ، وثبّت وطأتي ، واملأ الأرض بي عدلا وقسطا» فصاح بي : يا عمّة تناوليه وهاتيه ، فتناولته وأتيت به نحوه ، فلمّا مثلته بين يدي أبيه ، وهو على يدي ، سلّم على أبيه ، فتناوله منّي والطير يرفرف على رأسه (١).
ـ إلى هنا الرواية من الثاقب في المناقب والتكملة من كمال الدّين : ـ
وناوله لسانه فشرب منه ، ثمّ قال : امض به إلى امّه لترضعه وردّيه إليّ ، قالت : فتناولته
__________________
(١) الثاقب في المناقب ٢٠١ ـ ٢٠٣ ح ١٧٨.
امّه فأرضعته ، فرددته إلى أبي محمّد عليهالسلام والطير ترفرف على رأسه ، فصاح بطير منها فقال له : احمله واحفظه وردّه إلينا في كلّ أربعين يوما ، فتناوله الطير وطار به في جوّ السماء واتّبعه سائر الطير ، فسمعت أبا محمّد عليهالسلام يقول : «أستودعك الله الّذي أودعته امّ موسى موسى» فبكت نرجس فقال لها : اسكني ، فإنّ الرضاع محرّم عليه إلّا من ثديك ، وسيعاد إليك كما ردّ موسى إلى أمّه ، وذلك قول الله عزوجل : (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ)(١).
قالت حكيمة : فقلت : وما هذا الطير؟
قالت : هذا روح القدس الموكّل بالأئمّة عليهمالسلام ، يوفّقهم ويسدّدهم ويربّيهم بالعلم.
قالت حكيمة : فلمّا كان بعد أربعين يوما ردّ الغلام ووجّه إليّ ابن أخي عليهالسلام فدعاني ، فدخلت عليه ، فإذا أنا بالصبي متحرّك يمشي بين يديه ، فقلت : يا سيدي هذا ابن سنتين؟ فتبسّم عليهالسلام ثمّ قال : إنّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمّة ينشئون بخلاف ما ينشأ غيرهم ، وإنّ الصبي منّا إذا كان أتى عليه شهر ، كان كمن أتى عليه سنة ، وانّ الصبي منّا ليتكلّم في بطن امّه ويقرأ القرآن ويعبد ربّه عزوجل ، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحا ومساء.
قالت حكيمة : فلم أزل أرى ذلك الصبي في كلّ أربعين يوما ، إلى أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمّد عليهالسلام ، بأيّام قلائل فلم أعرفه ، فقلت لابن أخي عليهالسلام : من هذا الّذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي : هذا ابن نرجس وهذا خليفتي من بعدي ، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي.
قالت حكيمة : فمضى أبو محمّد عليهالسلام بعد ذلك بأيّام قلائل ، وافترق الناس كما ترى ، وو الله إنّي لأراه صباحا ومساء ، وإنّه لينبّئني عمّا تسألون عنه فاخبركم ، وو الله إنّي لاريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به ، وانّه ليرد عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ وأمرني أن أخبرك بالحقّ. قال محمّد بن عبد الله : فو الله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطّلع عليها أحد إلّا الله عزوجل ، فعلمت أنّ
__________________
(١) القصص : ١٣.
ذلك صدق وعدل من الله عزوجل ، لأنّ الله عزوجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه.
أقول : وللحديث مقدّمة طويلة تركها صاحب المناقب (١).
٥٠٠ ـ وعن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه قال : ما خرج موسى حتّى خرج قبله خمسون كذّابا من بني إسرائيل كلّهم يدّعي أنّه موسى بن عمران.
فبلغ فرعون أنّهم يرجفون به ويطلبون هذا الغلام ، وقال له كهنته وسحرته : إنّ هلاك دينك وقومك على يدي هذا الغلام الّذي يولد العامّ من بني إسرائيل. فوضع القوابل على النساء وقال : لا يولد العامّ ولد إلّا ذبح ، ووضع على امّ موسى قابلة ، فلمّا رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا : إذا ذبح الغلمان واستحيى النساء هلكنا فلم نبق ، فتعالوا لا نقرب النساء ، فقال عمران أبو موسى عليهالسلام : بل باشروهنّ ، فإنّ أمر الله واقع ولو كره المشركون ، اللهمّ من حرّمه فإنّي لا احرّمه ، ومن تركه فإنّي لا أتركه ، ووقع على امّ موسى فحملت ، فوضع على امّ موسى قابلة تحرسها فإذا قامت قامت ، وإذا قعدت قعدت ، فلمّا حملته امّه وقعت عليها المحبّة وكذلك حجج الله على خلقه ، فقالت لها القابلة : ما لك يا بنيّة تصفرّين وتذوبين؟ قالت : لا تلوميني فإنّي إذا ولدت اخذ ولدي فذبح ، قالت : لا تحزني فإنّي سوف أكتم عليك ، فلم تصدّقها ، فلمّا أن ولدت التفتت إليها وهي مقبلة ، فقالت : ما شاء الله ، فقالت لها : ألم أقل إنّي سوف أكتم عليك.
ثمّ حملته فأدخلته المخدع وأصلحت أمره ، ثمّ خرجت إلى الحرس فقالت : انصرفوا ـ وكانوا على الباب ـ فإنّما خرج دم منقطع ، فانصرفوا ، فأرضعته فلمّا خافت عليه الصوت ، أوحى الله إليها أن اعملي التابوت ، ثمّ اجعليه فيه ، ثمّ أخرجيه ليلا فاطرحيه في نيل مصر ؛ فوضعته في التابوت ، ثمّ دفعته في اليمّ ، فجعل يرجع إليها وجعلت تدفعه في الغمر ، وإنّ الريح ضربته فانطلقت به ، فلمّا رأته قد ذهب به الماء ، همّت أن تصيح فربط على قلبها.
قال : وكانت المرأة الصالحة امرأة فرعون وهي من بني إسرائيل ، قالت لفرعون : إنّها
__________________
(١) كمال الدّين ٢ / ٤٢٦ ـ ٤٢٨ ح ٢ ؛ الغيبة للطوسي ١٤٠.
أيّام الربيع فأخرجني واضرب لي قبّة على شطّ النيل حتّى أتنزّه هذه الأيّام ، فضربت لها قبّة على شطّ النيل ، إذ أقبل التابوت يريدها ، فقالت : هل ترون ما أرى على الماء؟ قالوا : إي والله يا سيّدتنا إنّا لنرى شيئا ، فلمّا دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها ، وكاد الماء يغمرها حتّى تصايحوا عليها ، فجذبته وأخرجته من الماء فأخذته فوضعته في حجرها ، فإذا هو غلام أجمل الناس وأسترهم ، فوقعت عليها منه محبّة ، فوضعته في حجرها وقالت : هذا ابني ، فقالوا : إي والله يا سيّدتنا ، والله ما لك ولد ولا للملك. فاتّخذي هذا ولدا.
فقامت إلى فرعون وقالت : إنّي أصبت غلاما طيّبا حلوا نتّخذه ولدا فيكون قرّة عين لي ولك فلا تقتله ، قال : ومن أين هذا الغلام؟ قالت : والله ما أدري إلّا أنّ الماء جاء به ، فلم تزل به حتّى رضي ، فلمّا سمع الناس أنّ الملك قد تبنّى ابنا لم يبق أحد من رءوس من كان مع فرعون إلّا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا أو تحضنه ، فأبى أن يأخذ من امرأة منهنّ ثديا ، قالت امرأة فرعون : اطلبوا لابني ظئرا ولا تحقّروا أحدا ، فجعل لا يقبل من امرأة منهنّ.
فقالت امّ موسى لاخته قصّيه : انظري أترين له أثرا ، فانطلقت حتّى أتت باب الملك ، فقالت : قد بلغني أنّكم تطلبون ظئرا ، وهاهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفله لكم ، فقالت : أدخلوها ، فلمّا دخلت قالت لها امرأة فرعون : ممّن أنت؟ قالت : من بني إسرائيل ، قالت : اذهبي يا بنيّة فليس لنا فيك حاجة ، فقلن لها النساء : انظري ـ عافاك الله ـ يقبل أو لا يقبل ، فقالت امرأة فرعون : أرأيتم لو قبل ، هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة من بني إسرائيل ـ يعني الظئر ـ فلا يرضى ، قلن : فانظري يقبل أو لا يقبل ، قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها ، فجاءت إلى امّها وقالت : إنّ امرأة الملك تدعوك ، فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها ، ثمّ ألقمته ثديها فازدحم اللبن في حلقه ، فلمّا رأت امرأة فرعون أنّ ابنها قد قبل ، قامت إلى فرعون فقالت : إنّي قد أصبت لابني ظئرا وقد قبل منها ، فقال : ممّن هي؟ قالت : من بني إسرائيل ، قال فرعون : هذا ممّا لا يكون أبدا ، الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني إسرائيل ، فلم تزل تكلّمه فيه وتقول : ما تخاف من هذا الغلام؟ إنّما هو ابنك ينشأ في حجرك حتّى قلبته عن رأيه ورضي.
فنشأ موسى عليهالسلام في آل فرعون ، وكتمت امّه خبره واخته والقابلة ، حتّى هلكت امّه والقابلة الّتي قبلته ، فنشأ عليهالسلام لا يعلم به بنو إسرائيل ... (الحديث ، وفي نهايته :)
ثمّ أرسله الله عزوجل إلى فرعون وملائه بآيتين : بيده والعصا. فروي عن الصادق عليهالسلام أنّه قال لبعض أصحابه : كن لما ترجو أرجى منك لما ترجو ، فإنّ موسى بن عمران عليهالسلام خرج ليقتبس لأهله نارا ، فرجع إليهم وهو رسول نبيّ ، فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيّه موسى عليهالسلام في ليلة ، وهكذا يفعل الله تبارك وتعالى بالقائم الثاني عشر من الأئمّة عليهمالسلام ، يصلح له أمره في ليلة كما أصلح أمر نبيّه موسى عليهالسلام ، ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور (١).
٥٠١ ـ وروى الشيخ الصدوق ؛ بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سمعته يقول : في القائم عليهالسلام سنّة من موسى بن عمران عليهالسلام ، فقلت : وما سنّته من موسى بن عمران؟ قال : خفاء مولده ، وغيبته عن قومه ، فقلت : وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ فقال : ثماني وعشرين سنة (٢).
٥٠٢ ـ وروى بالإسناد عن محمّد بن الحنفية ، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : المهديّ منّا أهل البيت ، يصلح الله له أمره في ليلة. وفي رواية اخرى : يصلحه الله في ليلة (٣).
٥٠٣ ـ وروى بالإسناد عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء : سنّة من موسى ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من يوسف ، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ، فأمّا من موسى فخائف يترقّب ، وأمّا من يوسف فالسجن ، وأمّا من عيسى فيقال له : إنّه مات ولم يمت ، وأمّا من محمّد صلىاللهعليهوآله فالسيف (٤).
الآية الثانية قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(٥).
٥٠٤ ـ عليّ بن إبراهيم في تفسيره المنسوب إلى الصادق عليهالسلام ، قال ، قال : (ما بَيْنَ
__________________
(١) كمال الدّين ١ / ١٤٧ ـ ١٥٢ ح ١٣.
(٢) نفس المصدر ١ / ١٥٢ ح ١٤.
(٣) نفس المصدر ١ / ١٥٣ ح ١٥.
(٤) نفس المصدر ١ / ١٥٣ ح ١٦.
(٥) طه : ١١٠.
أَيْدِيهِمْ) ما مضى من أخبار الأنبياء (وَما خَلْفَهُمْ) من أخبار القائم عليهالسلام (١).
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً)(٢).
٥٠٥ ـ عليّ بن إبراهيم في تفسيره المنسوب إلى الصادق عليهالسلام : وأمّا قوله : (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) يعني ما يحدث من أمر القائم عليهالسلام والسفيانيّ (٣).
الآية الثالثة قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٤).
أخذ ميثاق الأنبياء على الإقرار بالمهديّ عليهالسلام
٥٠٦ ـ وعنه بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ، قال : عهدنا إليه في محمّد والأئمّة من بعده : فترك ولم يكن له عزم أنّهم هكذا ، وإنّما سمّي أولو العزم أولي العزم ، لأنّه عهد إليهم في محمّد والأوصياء من بعده عليهمالسلام ، والمهديّ وسيرته ، وأجمع عزمهم على ذلك كذلك والإقرار به (٥).
٥٠٧ ـ الشيخ المفيد بإسناده عن حمران بن أعين ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : أخذ الله الميثاق على النبيّين وقال : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى ؛ وأنّ هذا محمّدا رسولي وأنّ عليّا أمير المؤمنين والأوصياء من بعده عليهمالسلام ولاة أمري وخزّان علمي ، وأنّ المهديّ عليهالسلام أنتصر به لديني واظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي واعبد به طوعا وكرها ، قالوا : أقررنا ربّنا وشهدنا ، ولم يجحد آدم ولم يقرّ ، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ عليهالسلام ، ولم يكن لآدم عزيمة على الإقرار ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٦).
٥٠٨ ـ روى الثقة الصفّار رحمهالله بسنده عن حمران ، عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث له قال فيه : ثمّ أخذ الميثاق على النبيّين ، فقال : ألست بربّكم؟ ثمّ قال : وأنّ هذا محمّد رسول الله ،
__________________
(١) تفسير القمّي ٢ / ٦٢ ؛ المحجة ١٣٤.
(٢) طه : ١١٣.
(٣) تفسير القمّي ٢ / ٦٥ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٤٦.
(٤) طه : ١١٥.
(٥) تفسير القمّي ٢ / ٦٥ ؛ الكافي ١ / ٤١٦.
(٦) تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ ح ١٨.
وأنّ هذا عليّ أمير المؤمنين؟ قالوا : بلى ؛ فثبتت بهم النبوّة ، وأخذ الميثاق على أولي العزم ، ألا إنّي ربّكم ، ومحمّد رسولي ، وعليّ أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي ، وأنّ المهديّ أنتصر به لديني واظهر به دولتي ، وأنتقم به من أعدائي ، واعبد به طوعا وكرها.
قالوا : أقررنا وشهدنا يا ربّ ؛ ولم يجحد آدم ولم يقرّ ، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ ، ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به ؛ وهو قوله عزوجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) قال : إنّما يعني فترك ، ثمّ أمر نارا فاجّجت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها ، فها بوها. وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها ، فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما ، فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا ، فقال : قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها ، فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية والولاية (١).
الآية الرابعة قوله تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى)(٢).
٥٠٩ ـ روى المحدّث الثقة الصفّار ؛ عن أحمد بن محمّد السياريّ ، عن عليّ بن عبد الله ، قال : سأله رجل عن قول الله عزوجل : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) قال عليهالسلام : من قال بالأئمّة واتّبع أمرهم ولم يجز طاعتهم (٣).
قوله سبحانه : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)(٤).
خزي النّصّاب في الرجعة
٥١٠ ـ روى عليّ بن إبراهيم القمّي ؛ بسنده عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام عن قول الله : (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) قال : هي والله للنصّاب ، قال : جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتّى ماتوا. قال : ذلك ـ والله ـ في الرجعة يأكلون العذرة (٥).
__________________
(١) بصائر الدرجات ٧٠ ب ٧ ح ٢ ؛ و ٧١ ب ٧ ح ٣.
(٢) طه : ١٢٣.
(٣) بصائر الدرجات ١٤ ح ٢ ؛ الكافي ١ / ٤١٤ ح ١٠ ؛ تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٣٢١ ح ٢٠.
(٤) طه : ١٢٤.
(٥) تفسير القمّي ٢ / ٦٥.
الآية السادسة قوله تعالى : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى)(١).
٥١١ ـ محمّد بن العبّاس بن الماهيار في تفسيره فيما نزل في أهل البيت عليهمالسلام ، قال :
بإسناده عن عيسى بن داود النجّار ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : سألت أبي عن قول الله عزوجل : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى) قال : الصراط السويّ هو القائم عليهالسلام ، والهدى من اهتدى إلى طاعته ، ومثلها في كتاب الله عزوجل : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) قال : إلى ولايتنا (٢).
__________________
(١) طه : ١٣٥.
(٢) تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٣٢٣ ح ٢٦ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ١٥٠.
سورة الأنبياء
الآية الاولى قوله تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ* فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ* قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ* فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(١).
٥١٢ ـ محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، بإسناده عن بدر بن خليل الأسدي ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في قول الله عزوجل :
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) قال : إذا قام القائم عليهالسلام وبعث إلى بني اميّة بالشام ، هربوا إلى الروم ، فيقول لهم الروم لا ندخلنّكم حتّى تنتصروا ، فيعلّقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم ، فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم عليهالسلام ، طلبوا الأمان والصلح ، فيقول أصحاب القائم : لا نفعل حتّى تدفعوا إلينا من قبلكم منّا ، قال : فيدفعونهم إليهم ، فذلك قوله : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) قال : يسألونهم الكنوز وهم أعلم بها ، قال : فيقولون :
__________________
(١) الأنبياء : ١١ ـ ١٥.
(يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ* فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) بالسيف (١).
٥١٣ ـ محمّد بن العبّاس ، قال : بإسناده عن جابر ، قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) قال : ذلك عند قيام القائم عليهالسلام (٢).
٥١٤ ـ عنه ، بإسناده عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) قال : خروج القائم عليهالسلام ، (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) قال : الكنوز الّتي كانوا يكنزون ، (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ* فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) (بالسيف) (خامِدِينَ) لا يبقى منهم عين تطرف (٣).
٥١٥ ـ العيّاشي ، بإسناده عن عبد الأعلى الحلبيّ ، قال : قال أبو جعفر عليهالسلام في حديث يذكر فيه خروج القائم عليهالسلام قال فيه : لكأنّي انظر إليهم ـ يعني القائم عليهالسلام وأصحابه ـ مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، كأنّ في قلوبهم زبر الحديد ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، يسير الرعب أمامه شهرا وخلفه شهرا ، أمدّه الله بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين.
حتّى إذا صعد النجف قال لأصحابه : تعبّدوا ليلتكم هذه ، فيبيتون بين راكع وساجد يتضرّعون إلى الله ، حتّى إذا أصبح قال : خذوا بنا طريق النّخيلة ، وعلى الكوفة خندق مخندق (جند مجنّد). قلت : خندق مخندق (جند مجنّد)؟ قال : اي والله ، حتّى ينتهي إلى مسجد إبراهيم عليهالسلام بالنخيلة فيصلّي ركعتين ، فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السفياني ، فيقول لأصحابه : استطردوا لهم ، ثمّ يقول : كرّوا عليهم.
قال أبو جعفر عليهالسلام : ولا يجوز ـ والله ـ الخندق منهم مخبر ، ثمّ يدخل الكوفة ولا يبقى مؤمن إلّا كان فيها أو حنّ إليها ، وهو قول أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثمّ يقول لأصحابه : سيروا إلى هذا الطاغية ، فيدعوه إلى كتاب الله وسنّة نبيّه عليه الصلاة والسلام ، فيعطيه السفياني من البيعة مسلما ، فيقول له كلب وهم أخواله : ما هذا ما صنعت؟ والله ما نبايعك على هذا أبدا ،
__________________
(١) روضة الكافي ٥١ ؛ تفسير القمّي ٢ / ٦٨.
(٢) تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٣٢٦ ح ٦ ؛ المحجة ١٣٩.
(٣) نفس المصدر ١ / ٣٢٦ ح ٧ ؛ المحجة ١٣٩.
فيقول : ما أصنع؟ فيقولون : استقبله ، فيستقبله ، ثمّ يقول له القائم عليهالسلام : خذ حذرك فإنّني أدّيت إليك وأنا مقاتلك ، فيصبح فيقاتلهم ، فيمنحه الله أكتافهم ، ويأتي السفيانيّ أسيرا فينطلق به ويذبحه بيده.
ثمّ يرسل جريدة خيل إلى الروم ، فيستحذرون بقيّة بني اميّة ، فإذا انتهوا إلى الروم قالوا : أخرجوا إلينا أهل ملّتنا عندكم ، فيأبون ويقولون : والله لا نفعل ، فتقول الجريدة : والله لو أمرنا لقاتلناكم ، ثمّ ينطلقون إلى صاحبهم فيعرضون ذلك عليه ، فيقول : انطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم فإنّ هؤلاء قد أتوا بسلطان عظيم ، وهو قول الله : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) قال : يعني الكنوز الّتي كنتم تكنزون (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ* فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ) لا يبقى منهم مخبر (١).
٥١٦ ـ عليّ بن إبراهيم : روى بإسناده عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله عزوجل : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) يعني بني أميّة إذا أحسّوا بالقائم من آل محمّد عليهمالسلام (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) يعني الكنوز الّتي كنزوها.
قال عليهالسلام : فيدخل بنو أميّة إلى الروم إذا طلبهم القائم عليهالسلام ، ثمّ يخرجهم من الروم ويطالبهم بالكنوز الّتي كنزوها.
٥١٧ ـ روي عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) يعني القائم يسأل بني فلان كنوز بني اميّة (٢).
٥١٨ ـ روى الصفّار رحمهالله ، قال : ووقفت على كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليهالسلام وعليه خطّ السيّد رضي الله عليّ بن طاوس ، وقد روى فيه بسنده عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمّد عليهالسلام ، وفيه خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليهالسلام تسمّى المخزون ، ثمّ ذكر الخطبة بطولها جاء فيها : قال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبته : ثمّ يخرج عن الكوفة
__________________
(١) تفسير العيّاشي ٢ / ٥٦ ح ٤٩.
(٢) دلائل الإمامة ٢٥٠.
مائة ألف مشرك ومنافق حتّى يضربوا دمشق لا يصدّهم عنها صادّ ، وهي إرم ذات العماد ، وتقبل رايات شرق الأرض ليست بقطن ولا كتّان ولا حرير ، مختّمة في رءوس القنا بخاتم السيّد الأكبر ، يسوقها رجل من آل محمّد صلىاللهعليهوآله ، يوم تطير بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر ، يسير الرعب أمامها شهرا.
إلى أن قال : ويخلف من بني الأشهب الزاجر اللحظ في اناس من غير أبيه هرّابا حتّى يأتوا سبطرى عوذا بالشجر ، فيومئذ تأويل هذه الآية : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) ومساكنهم الكنوز الّتي غلبوا عليها من أموال المسلمين (١).
الآية الثانية قوله عزوجل : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٢).
٥١٩ ـ روى الشيخ الصدوق ؛ بإسناده عن طريق العامّة عن عبد الرحمن بن سليط ، قال : قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : منّا اثنا عشر مهديّا ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحقّ ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحقّ على الدّين كلّه ولو كره المشركون ، له غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدّين آخرون ، فيؤذون ويقال لهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب ، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله (٣).
الآية الثالثة قوله عزوجل : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ). (٤).
روى محمّد بن العباس بإسناده عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله عزوجل (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) قال أبو جعفر عليهالسلام : يعني الأئمّة من ولد فاطمة عليهاالسلام يوحى إليهم بالروح في صدورهم (٥).
__________________
(١) مختصر بصائر الدرجات ١٩٥ ـ ٢٠٠ ؛ بحار الأنوار ٥٣ / ٨٣.
(٢) الأنبياء : ٣٨.
(٣) كمال الدّين ١ / ٣١٧ ح ٣ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ١٣٣.
(٤) الأنبياء : ٧٣.
(٥) تأويل الآيات ١ / ٣٢٨ ح ١٢ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ١٥٨.
٥٢٠ ـ روى الخزّاز بالإسناد عن زيد بن عليّ عليهالسلام ، قال : كنت عند أبي عليّ بن الحسين عليهالسلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، فبينما هو يحدّثه إذ خرج أخي محمّد من بعض الحجر ، فأشخص جابر ببصره نحوه ، ثمّ قام إليه فقال : يا غلام أقبل ، فأقبل. ثمّ قال : أدبر فأدبر ، فقال : شمائل كشمائل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ما اسمك يا غلام؟ قال : محمّد ، قال : ابن من؟ قال : ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، قال : أنت ـ إذا ـ الباقر ، قال : فانكبّ عليه وقبّل رأسه ويديه ثمّ قال : يا محمّد ، إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يقرئك السلام ، قال : على رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثمّ عاد إلى مصلّاه ، فأقبل يحدّث أبي ويقول : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لي يوما :
يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه منّي السلام ، فانّه سميّي وأشبه الناس بي ، علمه علمي وحكمه حكمي ، سبعة من ولده امناء معصومون أئمّة أبرار ، والسابع مهديّهم الّذي يملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ)(١).
٥٢١ ـ ابن إدريس رحمهالله ، بإسناده عن صفوان بن مهران ، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهالسلام ، أنّه قال : من أقرّ بجميع الأئمّة عليهمالسلام وجحد المهديّ ، كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمّدا صلىاللهعليهوآله نبوّته. فقيل له : يا ابن رسول الله ، فمن المهديّ؟ من ولدك؟ قال : الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميته (٢).
٥٢٢ ـ روى قاضي القضاة ، عن كافي الكفاة إسماعيل بن عبّاد رحمهالله بإسناد متّصل بعلي عليهالسلام ، أنّه ذكر المهديّ وقال : إنّه من ولد الحسين عليهالسلام ؛ وذكر حليته فقال : رجل أجلى الجبين ، أقنى الأنف ، ضخم البطن ، أزيل الفخذين ، أفلج الثنايا ، بفخذه اليمنى شامة. وذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب «غريب الحديث» انتهى.
أقول : في ديوان أمير المؤمنين صلوات الله عليه المنسوب إليه :
بنيّ إذا ما جاشت التّرك فانتظر |
|
ولاية مهديّ يقوم فيعدل |
__________________
(١) كفاية الأثر ٢٩٧ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٣٦٠.
(٢) بحار الأنوار ٥١ / ١٤٣.
وذلّ ملوك الأرض من آل هاشم |
|
وبويع منهم من يلذّ ويهزل |
صبيّ من الصبيان لا رأي عنده |
|
ولا عنده جدّ ولا هو يعقل |
فثمّ يقوم القائم الحقّ منكم |
|
وبالحقّ يأتيكم وبالحقّ يعمل |
سميّ نبيّ الله نفسي فداؤه |
|
فلا تخذلوه يا بنيّ وعجّلوا (١) |
٥٢٣ ـ وروى الكلينيّ بالإسناد عن ابن نباتة ، قال : أتيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فوجدته مفكّرا ينكت في الأرض ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما لي أراك مفكّرا تنكت في الأرض ، أرغبة فيها؟ قال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قطّ ، ولكنّي فكّرت في مولود يكون من ظهري ، الحادي عشر من ولدي ، هو المهديّ يملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا ، تكون له حيرة وغيبة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون.
فقلت : يا أمير المؤمنين وإنّ هذا لكائن؟
فقال : نعم ، كما إنّه مخلوق ، وأنّى لك بالعلم بهذا الأمر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الامّة مع أبرار هذه العترة.
قلت : وما يكون بعد ذلك؟
قال : ثمّ يفعل الله ما يشاء ، فإنّ له إرادات وغايات ونهايات (٢).
٥٢٤ ـ وبالإسناد عن سليمان بن هلال ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ : قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له : يا أمير المؤمنين نبّئنا بمهديّكم هذا؟
فقال : إذا درج الدارجون ، وقلّ المؤمنون ، وذهب المجلبون ، فهناك. فقال : يا أمير المؤمنين عليك السلام ، فمن الرجل؟ فقال : من بني هاشم ، من ذروة طود العرب وبحر مغيضها إذا وردت ، ومجفوّ أهلها إذا أتت ، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت ، لا يجبن إذا المنايا هلعت ، ولا يحور إذا المؤمنون اكتنفت ، ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت ، مشمّر مغلولب ظفر ضرغامة حصد مخدش ذكر ، سيف من سيوف الله ، رأس قثم نشق رأسه في باذخ
__________________
(١) بحار الأنوار ٥١ / ١٣١.
(٢) الكافي ١ / ٣٣٨ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١١٨.
السؤدد ، وغارز مجده في أكرم المحتد ، فلا يصرفنّك عن تبعته صارف عارض ، ينوص إلى الفتنة كلّ مناص ، إن قال فشرّ قائل ، وإن سكت فذو دعائر.
ثمّ رجع إلى صفة المهديّ عليهالسلام ، فقال : أوسعكم كهفا ، وأكثركم علما وأوصلكم رحما ، اللهمّ فاجعل بيعته خروجا من الغمّة ، واجمع به شمل الامّة ، فإن خار الله لك فاعزم ، ولا تنثن عنه إن وفّقت له ، ولا تجيزن عنه إن هديت إليه ، هاه ـ وأومأ بيده إلى صدره ـ شوقا إلى رؤيته (١).
٥٢٥ ـ ابن إدريس ، بإسناده عن الفضل ، قال : قال الصادق عليهالسلام : إنّ الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا ، فقيل له : يا ابن رسول الله ومن الأربعة عشر؟ فقال : محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين عليهمالسلام ، آخرهم القائم الّذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجّال ويطهّر الأرض من كلّ جور وظلم (٢).
٥٢٦ ـ وبالإسناد عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : منّا اثنا عشر مهديّا ، مضى ستة وبقي ستّة ، يضع الله في السادس ما أحبّ (٣).
٥٢٧ ـ وعن ابن أبي يعفور ، قال : قال أبو عبد الله الصادق عليهالسلام : من أقرّ بالأئمّة من آبائي وولدي وجحد المهديّ من ولدي ، كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء عليهمالسلام وجحد محمّدا صلىاللهعليهوآله نبوّته ، فقلت : سيّدي ، ومن المهديّ من ولدك؟ قال : الخامس من ولد السابع ، يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميته (٤).
٥٢٨ ـ وعن صفوان الجمّال ، قال : قال الصادق عليهالسلام : أما والله ليغيبنّ عنكم مهديّكم حتّى يقول الجاهل منكم : ما لله في آل محمّد حاجة ، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما (٥).
٥٢٩ ـ عن السيّد بن محمّد الحميري في حديث طويل يقول فيه : قلت للصادق جعفر
__________________
(١) بحار الأنوار ٥١ / ١١٥.
(٢) نفس المصدر ٥١ / ١٤٥.
(٣) نفس المصدر.
(٤) نفس المصدر.
(٥) بحار الأنوار ٥١ / ١٤٥.