الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

قال : يعنون بولاية عليّ عليه‌السلام.

وقوله عزوجل : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) قال : إذا قام القائم عليه‌السلام ذهبت دولة الباطل (١).

بيان للمجلسيّ : قوله تعالى : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ) أي على القرآن ، أو على تبليغ الوحي.

قوله تعالى : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) أي من المتصنّعين بما لست من أهله على ما عرفتم من حالي ، فأنتحل النبوّة وأتقوّل القرآن وعلى تفسيره ، فأقول في أمير المؤمنين عليه‌السلام ما لم يوح إليّ : (إِنْ هُوَ) أي القرآن ، وعلى ما فسّره عليه‌السلام : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أو ما نزل من القرآن فيه صلوات الله عليه (إِلَّا ذِكْرٌ) أي مذكّر وموعظة (لِلْعالَمِينَ) أي للثقلين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ) أي نبأ القرآن ، وهو ما فيه من الوعد والوعيد ، أو صدقه أو نبأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقه فيما أتى به ، وعلى تفسيره عليه‌السلام : نبأ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وصدقه وعلوّ شأنه ، أو نبأ القرآن وصدقه فيما أخبر به من فضله عليه‌السلام وجلاله شأنه (بَعْدَ حِينٍ) أي بعد الموت أو يوم القيامة ، أو عند ظهور الإسلام ، وعلى تفسيره عليه‌السلام عند خروج القائم صلوات الله عليه.

قوله تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) قال البيضاوي : القضاء السابق بتأجيل الجزاء ، أو العدّة بأنّ الفصل يكون يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين الكافرين والمؤمنين أو المشركين وشركائهم.

قوله عليه‌السلام : لو لا ما تقدّم فيهم ، أي بأنّه سيجزيهم يوم القيامة ، أو يولد منهم أولاد مؤمنون ، لقتلهم القائم عليه‌السلام أجمعين.

ويحتمل أن يكون ما أبقى القائم عليه‌السلام بيانا لما تقدّم فيهم ، أي لو لا أن قدّر الله أن يكون قتلهم على يد القائم ، لأهلكهم الله وعذّبهم قبل ذلك ولم يمهلهم ، ولكن لا يخلو من بعد. قوله عليه‌السلام : بخروج القائم عليه‌السلام ، اعلم أنّ أكثر الآيات الواردة في القيامة الكبرى دالّة بباطنها على الرجعة الصغرى ، ولمّا كان في زمن القائم عليه‌السلام يردّ بعض المشركين والمخالفين والمنافقين ويجازون ببعض أعمالهم ، فلذلك سمّي بيوم الدّين ، وقد يطلق اليوم على

__________________

(١) روضة الكافي ٢٨٧ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ٣١٣.

٢٤١

مقدار من الزمان وإن كانت أيّاما كثيرة ، ويحتمل أن يكون المراد يوم رجعتهم.

قوله عليه‌السلام : ذهبت دولة الباطل ، فعلى تفسيره التعبير بصيغة الماضي لتأكيد وقوعه وبيان أنّه لا ريب فيه ، فكأنّه قد وقع (١).

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٤ / ٣١٣.

٢٤٢

سورة الكهف

الآية الاولى قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً)(١).

٤٦٨ ـ روى الحافظ السيوطيّ في تفسيره قال : وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحاب الكهف أعوان المهديّ (٢).

٤٦٩ ـ روى الفقيه ابن المغازليّ الشافعيّ ، قال : أخبرنا أبو طاهر محمّد بن عليّ البغداديّ قدم إلينا واسطا ، بإسناده عن عبد الرزّاق بن همام الصنعانيّ ، حدّثنا معمّر ، عن أبان ، عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بساط من بهندف ، فقال لي : يا انس ابسطه فبسطته ثمّ قال : ادع العشرة ، فدعوتهم ، فلمّا دخلوا أمرهم بالجلوس على البساط ، ثمّ دعا عليّا فناجاه طويلا ، ثمّ رجع عليّ فجلس على البساط ثمّ قال : يا ريح احملينا ، فحملتنا الريح ، قال : فإذا البساط يدفّ بنا دفّا ، ثمّ قال : يا ريح ضعينا ، ثمّ قال : تدرون في أيّ مكان أنتم؟

قلنا : لا ، قال : هذا موضع أصحاب الكهف والرقيم ، قوموا فسلّموا على إخوانكم ،

__________________

(١) الكهف : ٩.

(٢) تفسير الدّر المنثور ٤ / ٢١٥ ؛ تفسير البرهان ١٥٠ ح ١٥.

٢٤٣

قال : فقمنا رجلا رجلا فسلّمنا عليهم فلم يردّوا علينا ، فقام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : السلام عليكم معاشر الصدّيقين والشهداء!

قال : فقالوا : عليك السلام ورحمة الله وبركاته.

قال : فقلت : ما بالهم ردّوا عليك ولم يردّوا علينا؟

فقال لهم عليّ عليه‌السلام : ما بالكم لم تردّوا على إخواني؟

فقالوا : إنّا معاشر الصدّيقين والشهداء لا نكلّم بعد الموت إلّا نبيّا أو وصيّا.

ثمّ قال : يا ريح احملينا ، فحملتنا تدفّ دفّا ، ثمّ قال : يا ريح ضعينا ، فوضعتهم فإذا نحن بالحرّة ، قال : فقال عليّ : ندرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر ركعة ، فطوينا وأتينا وإذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ في آخر ركعة : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً)(١).

الآية الثانية قوله تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ)(٢).

٤٧٠ ـ ذكر الثعلبيّ في تفسيره في قوله تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) قال :

وأخذوا مضاجعهم فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهديّ عليه‌السلام ، يقال أنّ المهديّ يسلّم عليهم فيحييهم الله عزوجل له ، ثمّ يرجعون إلى رقدتهم ، فلا يقومون إلى يوم القيامة (٣).

الآية الثالثة قوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)(٤).

٤٧١ ـ روي عن الباقر عليه‌السلام ، قال : يملك القائم ثلاثمائة سنة ، ويزداد تسعا كما لبث أهل الكهف في كهفهم ، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، فيفتح الله له شرق الأرض وغربها ، ويقتل الناس حتّى لا يبقى إلّا دين محمّد ، ويسير بسيرة سليمان بن داود ... الحديث (٥).

الآية الرابعة قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٦).

__________________

(١) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٢٣٢ ح ٢٨٠.

(٢) الكهف : ١٠.

(٣) بحار الأنوار ٣٦ / ٣٦٧ ، عن تفسير الثعلبيّ.

(٤) الكهف : ٢٥.

(٥) بحار الأنوار ٥٢ / ٣٩٠ ؛ إثبات الهداة ٣ / ٥٨٤.

(٦) الكهف : ٤٧.

٢٤٤

دلالة الآية على الرجعة في زمن المهديّ عليه‌السلام

٤٧٢ ـ روى النعمانيّ بإسناده عن إسماعيل بن جابر ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام يقول (في حديث طويل له عن انواع آيات القرآن روى فيه الامام الصادق عليه‌السلام مجموعة أسئلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام عن آيات القرآن وأحكامه ، جاء فيها) : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وأمّا الردّ على من أنكر الرجعة ، فقول الله عزوجل : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ)(١) أي إلى الدنيا ، وأمّا معنى حشر الآخرة ، فقوله عزوجل : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)(٢) في الرجعة ، فأمّا في القيامة فإنّهم يرجعون.

ومثل قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)(٣) وهذا لا يكون إلّا في الرجعة.

ومثله ما خاطب الله تعالى به الأئمّة ، ووعدهم من النصر والانتقام من أعدائهم ، فقال سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(٤) وهذا إنّما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا.

ومثل قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(٥) وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(٦) أي رجعة الدنيا.

ومثل قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ)(٧) وقوله عزوجل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا)(٨) فردّهم الله تعالى بعد الموت إلى الدنيا (٩).

__________________

(١) النمل : ٨٣.

(٢) الأنبياء : ٩٥.

(٣) آل عمران : ٨١.

(٤) النور : ٥٥.

(٥) القصص : ٥.

(٦) القصص : ٨٥.

(٧) البقرة : ٢٤٣.

(٨) الأعراف : ١٥٥.

(٩) المحكم والمتشابه ٣ ، والمتن في ص ٥٧.

٢٤٥

٤٧٣ ـ روى القمّيّ بإسناده عن حمّاد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ما يقول الناس في هذه الآية : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً)(١)؟ قلت : إنّها في القيامة.

قال : ليس كما يقولون ، إنّ ذلك في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلّ أمّة فوجا ويدع الباقين ، إنّما آية القيامة قوله : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٢).

الآية الخامسة قوله تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(٣).

شبه غيبة المهديّ بغيبة الخضر عليهما‌السلام

٤٧٤ ـ روى الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن عبد الله بن فضل الهاشميّ ، قال : سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول : إنّ لصاحب هذا الامر غيبة لا بدّ منها ، يرتاب فيها كلّ مبطل ، فقلت : ولم جعلت فداك؟

قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم.

قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟

قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره ، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الخضر عليه‌السلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه‌السلام إلى وقت افتراقهما.

يا ابن الفضل ، إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنّه عزوجل حكيم ، صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة ، وإن كان وجهها غير منكشف (٤).

الآية السادسة قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً)(٥).

__________________

(١) النمل : ٨٣.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ٢٤.

(٣) الكهف : ٦٥.

(٤) كمال الدّين ٢ / ٤٨١ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٩١.

(٥) الكهف : ٨٣.

٢٤٦

انّ المهديّ عليه‌السلام مثل ذي القرنين يظهر بعد غيبة

٤٧٥ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّ ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عزوجل حجّة على عباده ، فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه ، فضربوه على قرنه ، فغاب عنهم زمانا حتّى قيل ، مات أو هلك بأيّ واد سلك؟ ثمّ ظهر ورجع إلى قومه ، فضربوه على قرنه الآخر ، وفيكم من هو على سنّته ، وإنّ الله عزوجل مكّن لذي القرنين في الأرض ، وجعل له من كل شيء سببا ، وبلغ المغرب والمشرق ، وإنّ الله تبارك وتعالى سيجري سنّته في القائم من ولدي ، فيبلغه شرق الأرض وغربها ، حتّى لا يبقى منهلا ولا موضعا ولا جبل وطئه ذو القرنين إلّا وطئه ، ويظهر الله عزوجل له كنوز الأرض ومعادنها ، وينصره بالرعب ، فيملأ الأرض به عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما (١).

٤٧٦ ـ روي عن الباقر عليه‌السلام مرسلا : إنّ ذا القرنين كان عبدا صالحا ناصح الله سبحانه ، فناصحه وسخّر له السحاب ، وطويت له الأرض وبسط له في النور ، فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار ، وإنّ أئمّة الحق كلّهم قد سخّر الله تعالى لهم السحاب ، وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لصالح المسلمين ، ولإصلاح ذات البين ، وعلى هذا حال المهديّ عليه‌السلام ، ولذلك يسمّى : (صاحب المرئى والمسمع) فله نور يرى به الاشياء من بعيد كما يرى من قريب ، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب ، وإنّه يسيح في الدنيا كلّها على السحاب مرّة ، وعلى الريح أخرى ، وتطوى له الأرض مرّة ، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقا وغربا (٢).

الآية السابعة قوله تعالى : (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)(٣).

٤٧٧ ـ روى العيّاشيّ بإسناده عن المفضّل ، قال : وسألته عن قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) قال الإمام الصادق عليه‌السلام : رفع التقيّة عند الكشف ، فينتقم من أعداء الله (٤).

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ٣٩٤.

(٢) الخرائج والجرائح للراوندي ٢ / ٩٣٠.

(٣) الكهف : ٩٨.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٣٥١ ح ٨٦ ؛ بحار الأنوار ١٢ / ٢٠٧.

٢٤٧

سورة مريم

الآية الاولى قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(١).

دلالة الآية على إمامة الحجّة عليه‌السلام وهو صبيّ

٤٧٨ ـ روى الصفّار ؛ بإسناده عن عليّ بن أسباط ، قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام قد خرج عليّ ، فأحددت النظر إليه وإلى رأسه وإلى رجله لأصف قامته لأصحابنا بمصر ، فخرّ ساجدا وقال : إنّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ في النبوّة ، قال الله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) وقال الله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً)(٢) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبيّ ، ويجوز أن يؤتى وهو ابن أربعين سنة (٣).

٤٧٩ ـ روى العيّاشي بإسناده عن عليّ بن أسباط ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، قال : قلت : جعلت فداك ، إنّهم يقولون في الحداثة ، قال : وأيّ شيء يقولون؟ إنّ الله تعالى يقول : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(٤) ، فو الله ما كان اتّبعه إلّا عليّ عليه‌السلام وهو

__________________

(١) مريم : ١٢.

(٢) الأحقاف : ١٤.

(٣) بصائر الدرجات ٦٥ ؛ الكافي ١ / ٣٨٤ ؛ بحار الأنوار ٢٥ / ١٠٠.

(٤) يوسف : ١٠٨.

٢٤٨

ابن سبع سنين ، ومضى أبي وأنا ابن تسع سنين ، فما عسى أن يقولوا ، إنّ الله يقول : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) إلى قوله : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(١)(٢).

٤٨٠ ـ روى العيّاشيّ أيضا بإسناده عن عليّ بن أسباط ، قال : قدمت المدينة وأنا اريد مصر ، فدخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليهما‌السلام وهو إذ ذاك خماسيّ ، فجعلت أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر ، فنظر إليّ وقال : يا عليّ ، إنّ الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوّة ، فقال سبحانه عن يوسف : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً)(٣) وقال عن يحيى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(٤).

٤٨١ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن صفوان ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : قد كنّا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر عليه‌السلام ، فكنت تقول : يهب الله لي غلاما ، فقد وهب الله لك ، فقرّ عيوننا فلا أرانا الله يومك ، فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو قائم بين يديه.

فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين! قال : وما يضرّه من ذلك شيء ، قد قام عيسى عليه‌السلام بالحجّة وهو ابن ثلاث سنين (٥).

٤٨٢ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال أبو بصير : دخلت إليه ومعي غلام خماسيّ لم يبلغ ، فقال : كيف أنتم إذا احتجّ عليكم بمثل سنّه (٦).

٤٨٣ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن عليّ بن مهزيار ، عن ابن بزيع ، قال : سألته ـ يعني أبا جعفر عليه‌السلام ـ عن شيء من أمر الإمام ، فقلت : يكون الإمام ابن أقل من سبع سنين؟ فقال : نعم ، وأقلّ من خمس سنين (٧).

الآية الثانية قوله تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا* قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ)(٨).

__________________

(١) النساء : ٦٥.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٢٠٠ ح ١٠٠ ؛ بحار الأنوار ٢٥ / ١٠١.

(٣) القصص : ١٤.

(٤) بحار الأنوار ٢٥ / ١٠٢.

(٥) الكافي ١ / ٣٨٣ ؛ بحار الأنوار ٢٥ / ١٠٢.

(٦) الكافي ١ / ٣٨٣ ؛ بحار الأنوار ٢٥ / ١٠٣.

(٧) الكافي ١ / ٣٨٣ و ٣٨٤ ؛ بحار الأنوار ٢٥ / ١٠٣.

(٨) مريم : ٢٩ و ٣٠.

٢٤٩

ذكر من شاهد القائم عليه‌السلام ورآه وكلّمه وهو طفل

٤٨٤ ـ روى الصدوق ؛ بإسناده عن الحسن بن المنذر ، عن حمزة بن أبي الفتح ، قال : جاءني يوما فقال لي : البشارة ، ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمّد عليه‌السلام وأمر بكتمانه ، قلت : وما اسمه؟ قال : سمّي بمحمّد وكنّي بأبي جعفر (١).

٤٨٥ ـ روى الصدوق ؛ بإسناده عن إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، عن السّياريّ قال : حدّثتني نسيم ومارية قالتا :

إنّه لمّا سقط صاحب الزمان عليه‌السلام من بطن أمّه جاثيا على ركبتيه ، رافعا سبّابتيه إلى السماء ، ثمّ عطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله ، زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة ، لو اذن لنا في الكلام لزال الشكّ.

قال إبراهيم بن محمّد بن عبد الله : وحدّثتني نسيم خادم أبي محمّد عليه‌السلام قالت : قال لي صاحب الزمان عليه‌السلام وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة ، فعطست عنده فقال لي : يرحمك الله ، قالت نسيم : ففرحت بذلك ، فقال لي عليه‌السلام : ألا أبشّرك في العطاس؟ فقلت : بلى يا مولاي ، فقال : هو أمان من الموت ثلاثة أيّام (٢).

٤٨٦ ـ وروى الصدوق ؛ بإسناده عن غياث بن اسيد ، قال : شهدت محمّد بن عثمان العمريّ قدّس الله روحه يقول : لمّا ولد الخلف المهديّ عليه‌السلام سطع نور من فوق رأسه إلى أعنان السماء ، ثمّ سقط لوجهه ساجدا لربّه تعالى ذكره ، ثمّ رفع رأسه وهو يقول : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)(٣).

قال : وكان مولده يوم الجمعة (٤).

٤٨٧ ـ وروى الصدوق ؛ بإسناده عن يعقوب بن منقوش ، قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام وهو جالس على دكّان في الدار وعن يمينه بيت وعليه ستر مسبل ، فقلت له : يا سيّدي من صاحب هذا الأمر؟ فقال : ارفع الستر ، فرفعته فخرج إلينا غلام

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ٤٣٢ ح ١١.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٤٣٣.

(٣) آل عمران : ١٨ و ١٩.

(٤) كمال الدّين ٢ / ٤٣٣ ح ١٣.

٢٥٠

خماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك ، واضح الجبين ، أبيض الوجه ، درّي المقلتين ، شثن الكفّين ، معطوف الركبتين ، في خدّه الأيمن خال ، وفي رأسه ذؤابة ، فجلس على فخذ أبي محمّد عليه‌السلام ، ثمّ قال لي : هذا هو صاحبكم ، ثمّ وثب فقال له : يا بنيّ ادخل إلى الوقت المعلوم ، فدخل البيت وأنا انظر إليه ، ثمّ قال لي : يا يعقوب انظر إلى من في البيت؟ فدخلت فما رأيت أحدا (١).

٤٨٨ ـ وروى بالإسناد عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمّي ، قال : لمّا ولد الخلف الصالح عليه‌السلام ، ورد عن مولانا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام إلى جدّي أحمد بن إسحاق كتاب ، فإذا فيه مكتوب بخطّ يده عليه‌السلام الّذي كان ترد به التوقيعات عليه ، وفيه : «ولد لنا مولود ، فليكن عندك مستورا وعن جميع الناس مكتوما ، فإنّا لم نظهر عليه إلّا الأقرب لقرابته ، والوليّ لولايته ، أحببنا إعلامك ليسرّك الله به مثل ما سرّنا به ، والسلام» (٢).

٤٨٩ ـ وروى بالإسناد عن أبي الفضل الحسن بن الحسين العلويّ ، قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما‌السلام بسرّ من رأى فهنّأته بولادة ابنه القائم عليه‌السلام (٣).

٤٩٠ ـ روى الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي الصدوق قدس‌سره بإسناده عن أحمد بن مسرور ، عن سعد بن عبد الله القمّي ، قال : كنت امرأ لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كلفا باستظهار ما يصحّ لي من حقائقها ، مغرما بحفظ مشتبهها ومغلقها ، شحيحا على ما أظفر به من معضلاتها ومشكلاتها ، متعصّبا لمذهب الإماميّة ، راغبا عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدّي إلى التباغض والتشاتم ، معيبا للفرق ذوي الخلاف ، كاشفا عن مثالب أئمّتهم ، هتّاكا لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشدّ النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلا ، وأشنعهم سؤالا ، وأثبتهم على الباطل قدما.

فقال ذات يوم ـ وأنا اناظره ـ تبّا لك ولأصحابك يا سعد ، إنّكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٤٣٧ ح ٥.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٤٣٣ ح ١٦.

(٣) نفس المصدر ٢ / ٤٣٤ ح ١.

٢٥١

وإمامتهما ، هذا الصدّيق الّذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلّا علما منه أنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد لأمر التأويل والملقى إليه أزمة الامّة ، وعليه المعوّل في شعب الصدع ، ولمّ الشعث ، وسدّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك ، وكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري ، أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولمّا رأينا النبيّ متوجّها إلى الانجحار ، ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد ، استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلّة الّتي شرحناها ، وإنّما أبات عليّا على فراشه لما لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله! ولعلمه بأنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.

قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى ، فما زال يعقّب كلّ واحد منها بالنقض والردّ عليّ ، ثمّ قال : يا سعد ودونكها اخرى بمثلها تخطم انوف الروافض!!

ألستم تزعمون أنّ الصدّيق المبرّأ من دنس الشكوك ، والفاروق المحامي عن بيضة الإسلام كانا يسرّان النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟

قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفا من الإلزام ، وحذرا من أنّي إن أقررت له بطوعهما للإسلام ، احتجّ بأنّ بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلّا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه ، نحو قول الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(١) ، وإن قلت : أسلما كرها ، كان يقصدني بالطعن ، إذ لم تكن ثمّة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.

قال سعد : فصدرت عنه مزوّرا قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطّع كبدي من الكرب ، وكنت قد اتّخذت طومارا وأثبت فيه نيّفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا ، على أن أسأل عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي

__________________

(١) غافر : ٨٥.

٢٥٢

محمّد عليه‌السلام ، فارتحلت خلفه ، وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسرّ من رأى ، فلحقته في بعض المنازل ، فلمّا تصافحنا قال : بخير لحاقك بي ، قلت : الشوق ثمّ العادة في الأسولة.

قال : قد تكافينا على هذه الخطّة الواحدة ، فقد برح بي القرم (شدّة الشوق) إلى لقاء مولانا أبي محمّد عليه‌السلام وأنا اريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل فدونكها الصحبة المباركة فانّها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا.

فوردنا «سرّ من رأى» فانتهينا منها إلى باب سيّدنا ، فاستأذنّا ، فخرج علينا الإذن بالدخول عليه ، وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبريّ فيه مائة وستّون صرّة من الدنانير والدراهم ، على كلّ صرّة منها ختم صاحبها.

قال سعد : فما شبّهت وجه مولانا أبي محمّد عليه‌السلام حين غشينا نور وجهه إلّا ببدر قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئا قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرّمانة بين يديه ويشغله بردّها كيلا يصدّه عن كتابة ما أراد.

فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا في الجلوس ، فلمّا فرغ من كتبة البياض الّذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيّ كسائه فوضعه بين يديه ، فنظر الهادي عليه‌السلام إلى الغلام وقال له : يا بني فضّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك.

فقال : يا مولاي ، أيجوز أن أمدّ يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟

فقال مولاي : يا ابن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميّز ما بين الحلال والحرام منها.

فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام : «هذه لفلان بن فلان ، من محلّة كذا بقمّ ، يشتمل على اثنين وستّين دينارا ، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثا له عن

٢٥٣

أبيه خمسة وأربعون دينارا ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا ، وفيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير».

فقال مولانا : صدقت يا بني ، دلّ الرجل على الحرام منها.

فقال عليه‌السلام : «فتّش عن دينار رازيّ السكّة ، تاريخه سنة كذا ، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضة آمليّة وزنها ربع دينار ، والعلّة في تحريمها أنّ صاحب هذه الصرّة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع منّ ، فأتت على ذلك مدّة ، وفي انتهائها قيّض لذلك الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذّبه واستردّ منه بدل ذلك منّا ونصف من غزلا أدقّ ممّا كان دفعه إليه ، واتّخذ من ذلك ثوبا ، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه ، فلمّا فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.

ثمّ أخرج صرّة اخرى ، فقال الغلام : «هذه لفلان بن فلان ، من محلّة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لا يحلّ لنا لمسها» قال : وكيف ذاك؟ قال : «لأنّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل واف ، وكان ما حصّ الأكّار بكيل بخس».

فقال مولانا : صدقت يا بنيّ.

ثمّ قال : يا أحمد بن إسحاق ، احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردّها على أربابها ، فلا حاجة لنا في شيء منها ، وأتنا بثوب العجوز ، قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته.

فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب ، نظر إليّ مولانا أبو محمّد عليه‌السلام فقال : ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا ، قال : والمسائل الّتي أردت أن تسأل عنها؟ قلت : على حالها يا مولاي.

قال : فسل قرّة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ، فقال لي الغلام : سل عمّا بدا لك منها.

فقلت له : مولانا وابن مولانا ، إنّا روينا عنكم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه‌السلام حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : إنّك قد أرهجت على الإسلام وأهله

٢٥٤

بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عنّي غربك وإلّا طلّقتك ، ونساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان طلاقهنّ وفاته ، قال : ما الطلاق؟ قلت : تخلية السبيل ، قال : فإذا كان طلاقهنّ وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خلّيت لهنّ السبيل ، فلم لا يحلّ لهنّ الأزواج؟ قلت : لأنّ الله تبارك وتعالى حرّم الأزواج عليهنّ ، قال : كيف وقد خلّى الموت سبيلهنّ؟

قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوّض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام؟

قال : إنّ الله تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخصّهنّ بشرف الامّهات ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أبا الحسن إنّ هذا الشرف باق لهنّ ما دمن لله على الطاعة ، فأيّتهنّ عصت الله بعدي بالخروج عليك ، فأطلق لها في الأزواج ، وأسقطها من شرف امومة المؤمنين.

قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة الّتي إذا أتت المرأة بها في عدّتها ، حلّ للزوج أن يخرجها من بيته؟

قال : الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزنا ، فإنّ المرأة إذا زنت واقيم عليها الحدّ ، ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوّج بها لأجل الحدّ ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم خزي ، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه.

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله لنبيّه موسى عليه‌السلام (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً)(١) فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة.

فقال عليه‌السلام : من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته ، لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين : إمّا أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة ، فإن كانت صلاته جائزة ، جاز له لبسهما في تلك البقعة ، وان كانت مقدّسة مطهّرة ، فليست بأقدس وأطهر من الصلاة ، وان كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنّه لم يعرف الحلال من الحرام ، وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز ، وهذا كفر.

__________________

(١) طه : ١٢.

٢٥٥

قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما.

قال : إنّ موسى ناجى ربّه بالواد المقدّس فقال : يا ربّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي ، وغسلت قلبي عمّا سواك ـ وكان شديد الحبّ لأهله ـ فقال الله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا.

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل (كهيعص)(١).

قال : هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريّا ، ثمّ قصّها على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها ، فكان زكريا إذا ذكر محمّدا وعليّا وفاطمة والحسن والحسين سرى عنه همّه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة ، فقال ذات يوم : يا إلهي ، ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصّته.

وقال : (كهيعص) «فالكاف» اسم كربلاء و «الهاء» هلاك العترة ، و «الياء» يزيد وهو ظالم الحسين عليه‌السلام ، و «العين» عطشه ، و «الصاد» صبره.

فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ، وكانت ندبته : «إلهي أتفجع خير خلقك بولده ، إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس عليّا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟».

ثمّ كان يقول : «اللهمّ ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثا وصيّا ، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ، ثمّ فجّعني به كما تفجّع محمّدا حبيبك بولده» فرزقه الله يحيى وفجّعه به ، وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسين عليه‌السلام كذلك ، وله قصّة طويلة.

قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلّة الّتي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم.

__________________

(١) مريم : ١.

٢٥٦

قال : مصلح أو مفسد؟ قلت : مصلح.

قال : فهل يجوز أنّ تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلّة ، وأوردها لك ببرهان ينقاد لها عقلك ، أخبرني عن الرسل الّذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الامم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى عليهما‌السلام ، هل يجوز ـ مع وفور عقلهما وكمال علمهما ـ إذا همّا بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنّه مؤمن؟ قلت : لا.

فقال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) (١) (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (٢) (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (٣) ، فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكنّ الضمائر وتتصرّف عليه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا أهل الصلاح.

ثمّ قال مولانا : يا سعد ، وحين ادّعى خصمك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أخرج مع نفسه مختار هذه الامّة إلى الغار إلّا علما منه أنّ الخلافة له من بعده ، وأنّه هو المقلّد امور التأويل ، والملقى إليه أزمّة الامّة ، وعليه المعوّل في لمّ الشعث وسدّ الخلل وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوّته أشفق على خلافته ، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرّ مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه ، وإنّما أبات عليّا على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقاله إيّاه ، وعلمه أنّه إن قتل لم يتعذّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.

__________________

(١) الأعراف : ١٥٥.

(٢) البقرة : ٥٥.

(٣) النساء : ١٥٣.

٢٥٧

فهلّا نقضت عليه دعواه بقولك : أليس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الخلافة بعدي ثلاثون سنة؟ فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الّذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم ، فكان لا يجد بدّا من قوله لك : بلى ، قلت : فكيف تقول حينئذ : أليس كما علم رسول الله أنّ الخلافة من بعده لأبي بكر ، علم أنّها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعليّ؟ فكان أيضا لا يجد بدّا من قوله لك : نعم ، ثمّ كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخرجهم جميعا (على الترتيب) إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ، ولا يستخفّ بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إيّاهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم.

ولمّا قال : أخبرني عن الصدّيق والفاروق أسلما طوعا أو كرها؟ لم لم تقل له : بل أسلما طمعا ، وذلك بأنّهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عمّا كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدّمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن عواقب أمره ، فكانت اليهود تذكر أنّ محمّدا يسلّط على العرب كما كان بخت نصّر سلّط على بني إسرائيل ، ولا بدّ له من الظفر بالعرب كما ظفر بخت نصّر ببني إسرائيل ، غير أنّه كاذب في دعواه أنّه نبيّ ، فأتيا محمّدا فساعداه على شهادة ألّا إله إلّا الله ، وبايعاه طمعا في أن ينال كلّ واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت اموره ، واستتبّت أحواله ، فلمّا آيسا من ذلك تلثّما وصعدا العقبة مع عدّة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه ، فدفع الله تعالى كيدهم وردّهم بغيظهم لم ينالوا خيرا ، كما أتى طلحة والزبير عليّا عليه‌السلام فبايعاه وطمع كلّ واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد ، فلمّا آيسا نكثا بيعته وخرجا عليه ، فضرع الله واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين.

قال سعد : ثمّ قام مولانا الحسن بن عليّ الهادي عليه‌السلام للصلاة مع الغلام ، فانصرفت عنهما ، وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا ، فقلت : ما أبطأك وأبكاك؟ قال : قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره ، قلت : لا عليك فأخبره ، فدخل عليه مسرعا وانصرف من عنده متبسّما وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد ، فقلت : ما الخبر؟ قال : وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا يصلّي عليه.

٢٥٨

قال سعد : فحمدنا الله تعالى على ذلك ، وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أيّاما ، فلا نرى الغلام بين يديه ، فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد ابن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا ، وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال : يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتدّ المحنة ، فنحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على المصطفى جدّك ، وعلى المرتضى أبيك ، وعلى سيّدة النساء امّك ، وعلى سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك ، وعلى الأئمّة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إلى الله أن يعلى كعبك ويكبت عدوّك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك.

قال : فلمّا قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتّى استهلّت دموعه وتقاطرت عبراته ، ثمّ قال : يا ابن إسحاق ، لا تكلّف في دعائك شططا ، فإنّك ملاق الله تعالى في صدرك هذا.

فخرّ أحمد مغشيّا عليه ، فلمّا أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدّك إلّا شرّفتني بخرقة أجعلها كفنا ، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال : خذها ولا تنفق على نفسك غيرها ، فانّك لن تعدم ما سألت ، وإنّ الله تبارك وتعالى لن يضيّع أجر من أحسن عملا.

قال سعد : فلمّا انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ ، حمّ أحمد بن إسحاق وثارت به علّة صعبة أيس من حياته فيها ، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها ، ثمّ قال : تفرّقوا عنّي هذه الليلة واتركوني وحدي.

فانصرفنا عنه ورجع كلّ واحد منّا إلى مرقده. قال سعد : فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ، ففتحت عيني ، فإذا أنا بكافور الخادم (خادم مولانا أبي محمّد عليه‌السلام) وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيّتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه ، فانّه من أكرمكم محلا عند سيّدكم. ثمّ غاب عن أعيننا ، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتّى قضينا حقّه ، وفرغنا من أمره رحمه‌الله. (انتهى) (١).

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ٤٥٤ ـ ٤٦٥ ، ح ٢١.

٢٥٩

الآية الثالثة قوله تعالى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١).

٤٩١ ـ العيّاشي : بإسناده عن جابر الجعفيّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام يقول : الزم الأرض لا تحرّك يدك ولا رجلك أبدا حتّى ترى علامات أذكرها لك في سنة ، وترى مناديا ينادي بدمشق ، وخسف بقرية من قراها ، وتسقط طائفة من مسجدها ، فإذا رأيت الترك جازوها فأقبلت الترك حتّى نزلت الجزيرة ، وأقبلت الروم حتّى نزلت الرملة ، وهي سنة اختلاف في كلّ أرض من أرض العرب ، وإنّ أهل الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات ، الأصهب ، والأبقع ، والسفيانيّ ، مع بني ذنب الحمار مضر ، ومع السفياني أخواله من كلب ، فيظهر السفيانيّ ومن معه على بني ذنب الحمار حتّى يقتلوا قتلا لم يقتله شيء قطّ ، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلا لم يقتله شيء قطّ ، وهو من بني ذنب الحمار ، وهي الآية الّتي يقول الله تبارك وتعالى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) .. الحديث (٢).

٤٩٢ ـ روى النعماني ؛ بإسناده عن داود الدجاجيّ ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام ، قال : سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن قوله تعالى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) فقال : «انتظروا الفرج من ثلاث ، فقيل يا أمير المؤمنين وما هنّ؟ فقال : اختلاف أهل الشام بينهم ، والرايات السود من خراسان ، والفزعة في شهر رمضان. فقيل : وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال : أو ما سمعتم قول الله عزوجل في القرآن : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)(٣) هي آية تخرج الفتاة من خدرها ، وتوقظ النائم ، وتفزع اليقظان» (٤).

٤٩٣ ـ روى العيّاشي رحمه‌الله بإسناده عن جابر الجعفيّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال في حديث له : وإنّ أهل الشام يختلفون عند ذلك عن ثلاث رايات : الأصهب ، والأبقع ، والسفيانيّ مع بني ذنب الحمار ، حتّى يقتلوا قتلا لم يقتله شيء قطّ.

ويحضر رجل بدمشق ، فيقتل هو ومن معه قتلا لم يقتله شيء قطّ. وهو من بني ذنب

__________________

(١) مريم : ٣٧.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ٦٤ ؛ المحجة ١٣١.

(٣) الشعراء : ٤.

(٤) الغيبة النعمانيّ ٢٥١ ح ٨ ؛ عقد الدرر ١٠٤ ب ١٤ ف ٣.

٢٦٠